(الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-16-2025, 05:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-18-2008, 06:32 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
(الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني


    اخوة الأعزاء
    كل عام وأنتم بخير
    ورمضان كريم

    قرأت للاستاذ عباس محمود العقاد أظن في كتابه (بين الكتب والناس) أو (ساعات بين الكتب) وهما من أفضل آثاره الفكرية والأدبية، مقالا رائعا بعنوان (كتاب يؤلفه قراؤه)، والفكرة نبعت من أحد الأوربيين لتجميع مادة كتابه من مساهمات القراء فأعلن عن موضوع كتابه ومنهجة في وسائل الاعلام المتاحة حينئذ وبدأ في تجميع مادة كتابه من رسائل القراء البريدية، وقد استغرق ذلك زمنا طويلا بسبب تخلف وسائل الاتصال في ذلك الوقت. ومع هذه الثورة في تكنولوجيا نقل المعلومات فان تحقيق مثل ذلك الهدف والذي بدأ عسيرا في زمان العقاد قد يعتبر أمرا عاديا في هذا الزمان، لماذا لا نبدأ مشروعا كهذا في التوثيق لأولئك الذي خلفوا أعمالا جليلة في هذه البلاد التي شهدت هجرة عقول نيرة، بعضهم قد أفضى الى ما قدم، والبعض الآخر انتقل الى السودان بينما لا يزال البعض الآخر يواصل العطاء في هذه البلاد.
    العنوان أعلاه كان قد سبقني اليه بعض الكتاب الأفاضل وأشهر الكتب التي تحمل هذا العنوان هو كتاب (الاعلام بمن حل أغمات من الأعلام) ثم كتاب شيخي واستاذي الجليل الدكتور عبد الله عبد الماجد (الاعلام بالسودانيين الأعلام، مسيرة العلماء من تمبكتو الى السودان).
    وكنت أرى أن يقتصر الكتاب على الاعلام في مدينة جدة، لكنني عدلت عن هذه الفكرة ورأيت أن أعمم على جميع مناطق الممملكة، حيث أن هؤلاء الأعلام السودانيين تسربوا الى جميع مناطق المملكة، وسأبدأ بالأعلام الذين عاصرتهم في مدينة جدة أو مكة المكرمة والطائف ، ومنهجي في ذلك ذكر السيرة الذاتية للمترجم له والمجال الذي تخصص فيه، وأهم آثاره الفكرية والأدبية، وذكر مؤلفاته ان وجدت، مع ايراد نماذج من أعمالهم خاصة الشعراء والكتاب، كل ذلك بايجاز غير مخل.
    وآمل من كافة الأخوة ممن يملكون تأشيرة الدخول الى هذا الموقع المساهمة بما لديهم من تراجم عن الأعلام السودانيين في المنطقة التي يقيمون فيها، وعلى الذين لا يملكون باصوورد الدخول مراسلتى عبر الايمل رقم ( [email protected] ومعا لتحقيق هذا الهدف النبيل، وسابدا في الترجمة للأعلام بعد يوم غد الخميس 27 سبتمبر 2007م وستكون البداية وبالله التوفيق الحديث عن آخر الراحلين من دار الفناء الى دار الخلود\من أعلامنا الذين قضوا سنوات طويلة في المملكة وعمل في معظم مناطقها وهو المهندس عبد العزيز عبد الرحمن عليه رحمة الله الذي توفي قبل أيام قلائل من حلول شهر رمضان المبارك 1428هـ
                  

02-18-2008, 06:35 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    المهندس عبد العزيز عبد الرحمن
    (1943م – 2007م)

    وعدنى الأستاذ فياض عثمان عبد الرحمن وهو ابن أخ المرحوم عبد العزيز عبد الرحمن بكتابة سيرة ذاتية ضافية عن المهندس عبد العزيز عبد الرحمن، كونه قد عمل معه فترة طويلة في مجموعة الحمراني الصناعية، وريثما أحصل على مشاركة الأستاذ فياض في هذا الخصوص لا باس من ايراد خطوط عامة عن السيرة الذاتية عن هذا العلم الذي أعطى الكثير من جهده ووقته وماله للعمل العام .
    الأسم / عبد العزيز عبد الرحمن حسين
    الميلاد/ قرية كلتوس ، محلية دنقلا 1943م
    الدراسة الثانوية/ مدرسة وادي سيدنا
    الدراسات العليا: كلية الهندسة، قسم الميكانيكا جامعة الخرطوم
    حصل على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من اسكتلندا
    حصل على دبلوم الدراسات العليا في العلوم المالية من اسكتلنندا
    العمل
    عمل اثر التخرج في مصنع البلاستيك في السودان، ثم في شرطة البيطار بالسودان.
    انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية في نهاية السبعينات من القرن الماضي، ليشرف على تركيب مصنع طيبة للمياه الصحية بالمدينة المنورة واستطاع بفضل تطويره لعمل المصنع ان يحقق أرباحا طيبة للمصنع واستمر يعمل به الى نهاية الثمانينات ، ثم انتقل للعمل في مصنع البراميل التابع لمجموعة الحمراني بالرياض، وقد وظف في هذا المصنع خبرته العملية ودراساته الأكاديمية حتى استطاع أن ينقل المصنع من الخسارة الى الربحية الفائقة، مما جعل ادارة المجموعة تعيينه في وظيفة المدير العام للمجموعة الصناعية ورئيسا لقسم الأبحاث والمشاريع بمجموعة الحمراني، وهو العمل الذي ظل يشغله الى ان قرر العودة الى السودان ليدير أعماله الخاصة هنالك.
    في شهر يونيو من العام 2007م عاد الى المملكة لتصفية بعض متعلقاته، ثم عاد بالباخرة صحبة سيارته الخاصة، وفي الطريق ما بين شندي والخرطوم انقلبت به السيارة في ذات الموقع الذي توفي فيه الدكتور مجذوب الخليفة والخواض الخليفة عليهما رحمة الله، في حادث مروري لم يمهله قليلا، فأسلم الروح الى باريها وانتقل الى رحمة مولاه لسبع خلون من شهر يونيو 2007م. .
    الحديث عن المرحوم عبد العزيز عبد الرحمن يتشعب، فقد كان الرجل اجتماعيا من الطراز الأول، ومثقفا واسع الاطلاع، يدمن القراءة ، وخاصة في كتب التراث والتاريخ، مولعا بالاكتشافات العلمية يتحدث عن آخر المستجدات في التكنولوجيا في مجالسه الخاصة، وكان شديد التعلق بالشمالية ، يقيم الدراسات التي تهدف الى تطويرها والاتقاء بها، ويساهم بنصيب كبير في كل الأعمال الخيرية والتطويرية للشمالية والسودان قاطبة، كان من اهم الداعمين لكلية طب دنقلا ولطريق شريان الشمال.
    في سيرته الذاتية هنالك موقفان، ينبغي أن نذكرهما في عجالة، الأول، موقف السيدة زينب أمين وهي خالته، وكانت امرأة ذات كلمة مسموعة ورأي سديد في محيط عائلته وفي قريته كلتوس، فكانت هي التي تحل المشكلات المعضلة خاصة فيما يتعلق بالتعليم وبالزواج، فهي التي أصرت على أن يواصل عبد العزيز تعليمه، في وقت كانت الشهادة الثانوية تؤهل للعمل في وظيفة مرموقة تدر دخلا محترما، وهي التي اختارت له رفيقة حياته وأم أولاده، الموقف الثاني موقف أخيه الأستاذ سعيد عبد الرحمن فقد كان نابغة أثناء الدراسة وكان بالامكان أن يواصل دراساته العليا الا أنه آثر أن يكتفي بالشهادة الثانوية ويعمل بها ليساعد عبد العزيز في استكمال دراساته العليا، عبد العزيز لم ينس له هذا الموقف بل كان يشاطره كل ما يملك ، فضربا بذلك مثلا رائعا لكل من عرفهما .
    رحم الله عبد العزيز عبد الرحمن وأسكنه فسيح جناته، وألهم ىله وذويه الصبر والسلوان.

    سيف الدين عيسى

                  

02-18-2008, 06:35 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    عبد الله محمد عبد الدائم
    للقدر مضمار آخر الفوز فيه للصاتبرين

    كان في نيتى أن أترجم اليوم لأحد علامات العمل العام في جدة، وأحد الذين ينبفي أن تكتب سيرتهم بمداد من ذهب، ذلكم هو حبيب الشامي، ولكنني علمت بأن الستاذ عبد الله محمد عبد الدائم عائد هذه اليام من رحلة علاج الى الهند فآثرت أن أخصص له هذه المساحة،

    الأسم / عبد الله محمد عبد الدائم
    والده المرحوم محمد عبد الدائم من أبناء مشو بالشمالية قدم الى المملكة في وقت مبكر فهو من جيل العم ساتي صالح عليه رحمة الله، وكان منزله مفتوحا لكل الزائرين والمعتمرين، وأحد الذين خلفوا السيرة الطيبة والسمعة التي نعيش على ’ثاراها حتى يومنا هذا
    ولد عبد الله عبد الدائم في بداية الخمسينات من القرن الماضي، وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة بورتسودان الثانوية، وتربطه علاقات صداقة بكل الذين درسوا في بورسودان ومنهم الفنان المبدع مصطفى سيد أحمد الذي كان يداوم على زيارته
    عمل اثر حصوله على الشهادة الثانوية موظفا في شركة بترومين بمدينة الدمام، ثم تفرغ للعمل في مرسسة أخيه السعودي الجنسية،
    من الأعضاء الفاعلين في الجالية السودانية بالسعودية
    من مؤسسي رابطة أبناء دنقلا ورابطة أبناء الشمالية ويشغل منصب رئيس رابطة الشمالية بجدة
    عضو مساهم في العديد من الروابط والجمعيات المهنية والمتخصصة
    أول من أسس فريق كرة قدم بجدة وهو فريق نجوم الشمالية
    أول من أقام مشروع زواج جماعي بالمهجر
    وهو بحق أحد العلامات المضيئة في خارطة العمل العام بالسعودية
    بعد الانتهاء من حج عام 1426هـ تعرض لحادث مروري في مدينة رابغ بالسعودية اصيب فيه قي غنقه ، وما يزال يتلقى العلاج من اصابته،
    الحديث عن عبد الله محمد عبد الدائم يحتاج الى سفر كامل فالرجل متعدد المواهب وصاحب أعمال جليلة واسهامات مقدرة، وما يزال وافر العطاء لم يمنعه مرضه من أن يساهم بذات الجهد في العمل العام، وقد ضرب المثل الأعلى في الصبر والتحمل شفاه الله شفاء لايغادر سقما، وأرجو من الأخوة الكرام المساهمة في الكتابة عن هذا العلم الفرد حتى نترجم له بالصورة التي تليق به
    وفيما يلى مقال كنت قد نشرته في صحيفة الخرطوم

    عبد الله محمد عبد الدائم
    للقدر مضمار آخر، الفوز فيه للصابرين
    سيف الدين عيسى مختار/جدة
    في المستشفى كان لون الأسرة أبيض، لون الملاءات أبيض، لون الممرضات أبيض، لون الستائر أبيض، لون العمائم الكبيرة التي تقاطرت إلى حيث يتكئ عبد الله عبد الدائم كان أبيض، القلوب التي هفت إليه بالدعاء كان لونها أيضا أبيض، كل هذا البياض كان لون الأمل الذي ظل عبد الله عبد الدائم يرسمه، والنقاء الذي يتعامل به مع كل الناس،
    هذا الوجه النيلي العريق ظل يمثل واجهة العمل العام، سفيرا فوق العادة، ليس بحثا عن سمعة أو مكسب شخصي بل لأن غريزة عشق الوطن كانت كامنة في داخله ، وهذا الوله للسودان كان قدرا لا يستطيع التخلص منه ، وفي سبيل انجاز عمل للسودان كان يمكن أن يواجه كل الصعوبات الممكنة، مشكلته أنه كان قد طلق الرومانسية الحالمة والخيال الوردي منذ فترة طويلة وارتبط بالواقع ، لا يحسن الحديث الزائف عن الوطنية، بل يفهم كيف يترجم الأحلام إلى واقع عملي ملموس، ولذلك كانت النتائج المتحققة عظيمة وجليلة أيضا، كليات تنشأ، ومشروعات عملاقة تنفذ، غرف عمليات تقام لدرء الفيضانات التي ستصبح بعد قيام سد مروي أثرا بعد عين، وطرق تنجز، وانجازات عديدة على كافة الأصعدة
    هذا الرجل الذي يتحدث اللهجة المحسية كأهلها تماما، ويفهم دقائق الدنقلاوية ، ويحفظ أشعار ود الدابي وأحمدون وعبد الله محمد خير والسر عثمان الطيب، ويطرب للنعام وإدريس إبراهيم وصديق وود جبارة واليمني، ويعرض مع حماسيات الهواوير والقراريش والكبابيش، يسافر بالمحيلة والأربعين، كان هو الشخص المؤهل تاريخيا لقيادة رابطة أبناء الولاية الشمالية، هذا الكيان والذي كانت ولادته منذ زمن مبكر، إلا أنه لم يعرف الاستقرار الحقيقي والاستمرارية إلا إبان تولى عبد الله عبد الدائم رئاسته، عبد الله عبد الدائم ورابطة أبناء الولاية الشمالية وجهان لعملة واحدة، حقيقة ملموسة وليس مثلا يضرب، سخر منزله ومكتبه لخدمة الرابطة، جعل من المكتب مقرا لاجتماعات لجنتها التنفيذية، ومن منزله العامر مطبخا كبيرا تخرج منه سفر القراريص والكسرة ، ويستضيف أبناء السودان، كما كانت عادة أبيه المرحوم محمد عبد الدائم الذي قدم إلى هذه البلاد مع الرعيل الأول جيل العم ساتي صالح عليه رحمة الله، كان منزله أيضا سفارة ونزلا يأوي كل القادمين إلى هذه البلاد الطاهرة للحج أو العمرة والزيارة أو العمل ، وقد تربى عبد الله على خدمة الضيوف وحسن رفادتهم، وشب وهو مهووس بعمل الخير لكل الناس دون تفرقة، كان هو أول من فكر رفي إقامة مشروع الزواج الجماعي في المهجر، وعلى الرغم من الصعوبات العديدة التي واجهته في تنفيذ هذه الفكرة الرائعة، إلا أنه استطاع بعزيمته الحديدية أن يتجاوز تلك الصعاب وينفذ هذا المشروع الخيري العظيم، وهو أول من أنشأ فريق كرة قدم سوداني بجدة وهو فريق نجوم الشمالية، بعد ذلك تتالت الفرق وتم تقنينها حتى أصبحت اللجنة الرياضية من أنشط روافد الجالية بجدة، وهو صاحب فكرة الإفطار الجماعي في رمضان، بدأها بإفطار الولاية الشمالية ثم حذت بقية الروابط والكيانات حذوه حتى انك لا تجد أمسية خالية من إفطار جماعي طوال هذا الشهر الفضيل أما أعماله ومساهماته الوطنية من خلال رابطة الشمالية والجالية فهي عديدة يكفي أن نشير إلى أن كلية الطب بدنقلا كانت ثمرة من ثمرات لجنة الدعم بجدة والذي كان يمثل مركز ثقلها وقطب رحاها، ثم مركز ترقية الصادراتـ، ودعم كلية الزراعة، ودعم مشروعات تطوير الخدمات الصحية والتعليمية بالولاية الشمالية، إضافة إلى دعم تلفزيون وإذاعة الشمالية والعديد من الانجازات التي ترصع سجله الوطني الحافل، على صعيد منطقته مشو يكفى أن نشير أن هذه القرية استطاعت بفضل جهوده وجهود المخلصين أمثاله أن تتحول من قرية إلى مدينة بكل مقومات المدن
    كيف يفكر عبد الله عبد الدائم، لعل الأخوة في رابطة الولاية الشمالية وأولئك المقربين إليه من أعضاء الروابط الولائية والمهنية الأخرى يدركون جيدا مدى المتاعب التي تلحق بهم من جراء العمل مع هذا الرجل، فما من لحظة تمر أو مناسبة تحدث أو زيارة لمسئول تتم إلا وتجده قد فكر وحدد ماذا يفعل تجاهها، حتى وان لم تكن هنالك مناسبة يبتدع المشروعات والمناسبات، وهو من النوع الذي إذا اختمرت الفكرة لديه يسعى مباشرة إلى تنفيذها، لا يهمه بعد ذلك النجاح أو الفشل، بل أن ينجز العمل، كنا نتضايق في أحيان كثيرة في أول الأمر ونعتقد بأنه قد تسرع ولم يتخذ الوقت الكافي أو الإمكانيات اللازمة للتنفيذ، لكن في نهاية الأمر كنا نجد النتائج تؤكد وجاهة فكرته، لقد استطاع بخبرته الطويلة وحنكته أن يستشرف المستقبل ويخطط مشروعاته وفقا لذلك، عبد الله عبد الدائم هو الشعلة المتحركة التي لا تعترف بالظلام أبدا
    دعني أضرب لك مثلا واقعيا عزيزي القاري ، أثناء مروره على القنصلية السودانية بجدة لاحظ وجود سيارة إسعاف ضخمة قابعة أمام باب القنصلية لفترة طويلة، ما كان يعلم بأنها هدية من بن محفوظ لدارفور، اعتقد بأنها للشمالية، فقام على الفور بدعوة أعضاء اللجنة التنفيذية لرابطة الشمالية للاجتماع بمكتبه لمناقشة كيفية الاستفادة من ذلك المستشفى المتحرك، وأصبح يخطط لذلك ، قال إن أنسب مكان لمثل هذا الإسعاف هو طريق شريان الشمال باعتباره أكثر الطرق خطورة ، والحوادث التي تقع عليه مميتة مما يتطلب وجود مستشفي بمحطة الشريان لتقديم الإسعافات اللازمة لمصابي حوادث هذا الطريق، وحين علم بأن السيارة لدارفور أصبح يعمل جاهدا لنقله إلى حيث خصص وفي آخر مناسبة أقيمت بالقنصلية لوداع العقيد آدم عبد الله مدير الجوازات السابق بالقنصلية السودانية بجدة في كلمته الضافية: (من العار أن يبقى هذا الإسعاف طوال هذه المدة أمام القنصلية وأهلي في دارفور في أمس الحاجة إليه)
    لقد كتب عبد الله عبد الدائم مقالات عن حوادث الطرق وخاصة طريق شريان الشمال، وكأنه كان يحس بأنه على موعد مع هذه الحوادث، وحين انقلبت بهم السيارة عند مدخل مدينة رابغ، وأصيب في ذلك الحادث ، كان موقنا بأن ما أصاب ما كان ليخطي، وتلك مشيئة الله، تحمل بصبر المؤمن حامدا الله الذي قدر ولطف، لكنه وهو على السرير الأبيض يواجه الآلام بشجاعته المعهودة وابتسامته التي لا تفارق محياه، كان يتابع المشروعات التي لم تنجز وويتفقد أحوال الناس والوطن
    ولعلك تسأل عزيزي القاري وتقول، هذا الرجل بهذا العشق الكبير وهذه الانجازات الوطنية المقدرة ، وهذا التاريخ الطويل من النشاط والحيوية وخدمة الجميع لماذا تأخرت الكتابة عنه إلى هذا الوقت، وهو سؤال مشروع كان قد سبق إليه الأخ السماني محمد عماره حين رآه حريصا على تكريم كل من قدم خدمة للوطن، فقال متى يوم تكريمك؟ وكنت أجيبه دائما بأن عبد الله عبد الدائم يرى أن أفضل تكريم يقدم له هو أن تنجز الأعمال الجليلة، وكان يرى حقيقة أن أي تكريم يناله سوداني هو تكريم خاص له، هل قلت لكم انه قد أصبح ضميرا لهذا الوطن الكبير؟

                  

02-18-2008, 06:36 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    حبيب شامي .. الرجل الأسطورة

    مشوار من أبصر السنا
    فانحاز للايمان وانحرف
    ينبوع حب أدهش الورى
    وأعجز اليراع أن يصف

    مساء الأربعاء الثالث والعشرين من شهر مارس 2005م استجاب الاستاذ حبيب شامي الى نداء بارئه عز وجل بعد حياة حافلة بالعطاء اللامحدود، عامرة بالحب لهذا الوطن وأهله رغم المعاناة الكبيرة التي كان يتحملها بقلب المؤمن الشجاع الصابر يدفعه ايمانه القوي بالله وثقته في أهله وأصدقائه وحسن ظنه بالناس، فما بين مولده في العام 1928م على وجه التقريب والي وفاته في التاريخ المذكور حياة حافلة بالعديد من الأحداث والانجازات ، فمن أمي حتى مرحلة متأخرة من صباه الى كاتب كبير ومفكر له آراؤه الصائبة وأسلوبه المميز، ومن مسيحي ينتمي الى أسرة مسيحية متعصبة الى مهتد الى نور الاسلام يدافع عن عقيدته السمحة، من اصول شامية في حلب بسوريا الى عاشق للسودان شماله وجنوبه شرقه وغربه، بل وعضوا في أحد أحزابه العريقة حزب الأمة،
    لعل من أعظم النعم التي من الله بها علينا أن أخفي عنا الأجال ، فلا تدري نفس حقيقة بأي أرض تموت أو متى تموت، اذ لو علم الانسان أجله لانقطع عمله وظل يحسب الأيام والساعات المتبقية من حياته دون أن يستفيد أو يفيد، كما أنه لو كشف الله لنا الغيب وأرانا ما يحدث لنا لمللنا هذه الحياة لأن كل الاحداث المخفية عنا اذا انكشفت لأصبحت الحياة مثل فيلم لا تستطيع مشاهدته لأكثر من مرة واحدة أو عدد من المرات على أكثر تقدير، لكن الله سبحانه وتعالى وهب الانسان نفسا شفافه وأرانا الطريقة المثلي التي نتعامل بها مع هذه الحياة الدنيا، فمن عظم ايمانه بالله ووثق ارتباطه به أصبحت نفسه أكثر شفافية وقدرة على فهم هذه الحياة والعيش فيها بروح متجددة وثابة مهما طالت أيامه وتمددت سنواته، لذلك أنت ترى أمامك شخصيات تعرفها جيدا وقد هدها الشعور بتقدم السنوات ومضى العمر حتى لتبدو وكأنها في التسعين وهي لم تبلغ الستين بعد، بينما هنالك شخصيات أخري أربت على الثمانين لكنها تبدو في اهاب الشباب القشيب مظهرا وحيوية، حبيب كان من هؤلاء، برهن نظريا وعمليا على أن الانسان طاقة جبارة اذا عرف كيف يستغلها، سافر كثيرا وجاب بلاد الله الواسعة مشرقا ومغربا، اقام علاقات عديدة مع مسئولين ومع أناس عاديين، قرأ كثيرا وكتب كثيرا عاني من ويلات المرض سنوات عددا، لكنه لم يتخلف عن أي منشط كان يجب أن يكون فيه بعذر المرض، بل كان يدرك بأن ايامه ما زالت مديدة وأن عطاءه لم ينضب، حتى اذا أدرك أن مضمار السباق قد أوشك على نهايته وآن له أن يترجل، آثر أن يخط بيديه أجمل وأصدق الكلمات لرفيقة دربه، يعبر لها وبكلمات بسيطة أمنية جميع المغتربين في لحظة صدق وتجلى وموقف ايمان ثابت بالله قائلا (أسف انني أضعت مالنا فيما لا يفيد، كنت أريد أن تكون لك أملاك توفر لك عيشة فيها بسطة وغناء عن الناس، أسال الله ان لا يعوزك الى أحد، وأن يعطيك من خيره لا من غيره)

    يذكرني حبيب بالكاتب المسرحي البريطاني بيرناردشو، فقد اصيب في مقتبل شبابه بمرض تنخر العظام، نقل على اثره الى المستشفي حيث قرر أطباؤه أنه لن يعيش أكثر من عدة اشهر أو سنوات معدودات على أبعد تقدير، لكنه كان يؤمن بنظرية خاصة وهي أن عمر الانسان يحدد باللطاقة الكامنة في أعماقه، فهنالك من يستنفد هذه الطاقة في مستهل حياته وتنتهي حياته بذلك حتى وان عاش سنوات بعدها، بينما البعض الآخر يمدد هذه الطاقة لسنوات طويلة، وكان شو يقول عن نفسه بأن الطاقة الكامنة فيه يلزمها أكثر من مائة عام لاستنفادها، وعليه فقد كان يتوقع أن يعيش حوالى مائة وعشرين عاما، وقد وصم بالالحاد حال اعلانه تلك النظرية، لكنه على أية حال عاش ما يقرب من التسعين عاما محطما بذلك كل التوقعات الطبية المتعلقة بعمره القصير ومؤكدا حقيقة أن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى وحده، حبيب كان يترجم عمليا بأن انطلاقة النفس البشرية وحيويتها لا يحدها حدود من مرض أو هم اذا كان صاحبها يؤمن بأن رسالته التي خصه الله سبحانه وتعالى بها لم تكتمل بعد، وذلك ايمان عميق بالله، وتلك درجة لا يبلغها الا ذوي النفوس المطمئنة حتى انهم ليبشرون قبل وفاتهم بأنهم من اصحاب الجنة واقرأ ان شئت قوله سبحانه وتعالى (ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة الا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون) صدق الله العظيم، قال المفسرون تتنزل عليهم عند احتضارهم0 والملاحظ ان هذا الاحساس بالنهاية ينتاب الانسان قبل فترة من الاحتضار، فما الذي جعل حبيبا يخط تلك الرساتلة المعبرة لزوجته قبل ساعات من موته سوى الاحساس العميق بدنو الأجل و الرغبة الأكيدة لمواصلة العطاء في هذه الحياة الدنيا، وتدبر الوصفة الايمانية للمصطفي صلى الله عليه وسلم وهو يوصيك بأن تعمل لدنياك وكأنك نعيش ابدا وأن نعمل لأخرتك كأنك تموت غدا، لتتحقق من خلال سيرة الناس الذين حولك ومنهم حبيب انه لا حياة بلا عمل ولا موت مع الأمل حتى وان غاب الجسد لأن العمل والأمل وجهان لعملة واحدة هي الخلود في ذاكرة الناس0

    وأذكر انني اتصلت بحبيب بعد موت (أبو شوره) ثم اعدت الاتصال به بعد موت عماد الدين موسى وكان الاثنان من أخلص وأقرب أصدقائه، وكنت بصدد الاعداد لاستطلاع صحفي عنهما، وقلت لحبيب من المؤسف أننا نتقابل كل يوم لكننا لا نعرف عن بعضنا البعض شيئا، لقد اضطررت على أن احصل على السيرة الذاتية لأبي شوره من الشركة التي كان يعمل بها ولعماد موسى من أخوانه لعدم توفرها لدى اصدقائهما المقربين، قال: ينبغى أن نبدأ في عمل توثيقي لكل فرد من أولئك الذين تصدوا للعمل العام، وكأنه أحس بأن عليه أن يبدأ بنفسه فأصبح يسرد لى بعض المحطات المهمة من حياته بالتفصيل فيما يشبه البوح الجميل استعاد فيه ملامح من محطاته المهمة، قصة اسلامه والصعوبات التي واجهها اثر ذلك، ماذا قالت له زوجته الأولي عند اشهاره للاسلام وكيف عبرت عن رفضها الشديد لذلك التحول في معتقده، كيف جمعت كل مقتنايته التي كانت تعلم تماما مدى تعلقه بها، حطمت الصور التذكارية جمعت حقائبه وكافة أغراضه الشخصية والقتها مهملة عند باب الدار ، ماذا قال أولاده، كيف تصرف00 كيف بدأ من جديد رحلة الحياة الصعبة مؤثرا الاسلام على كافة المغريات الأخري، قصة يجب أن تروى بتفاصيلها، اما كيف شق طريقه بعصامية في مجال الصحافة والأدب فتلك اسطورة أخري تكمل الصورة المشرقة لهذا الرجل الذي لم يعرف اليأس في يوم من الأيام0
    ذلكم باختصار هو حبيب شامي الذي تحتاج كل محطة من محطات حياته الى وقفة تأمل تروى للآجيال اللاحقة قصة كفاح رجل اشبه بالأسطورة، انها قصة الروح الانسانية في اوج انطلاقتها وعنفوانها حين يعرف الانسان كيف يطوعها لتستجيب وتحقق انجارات اشبه بالمعجزات0 فهل آن الأوان لنكتب قصة هذا الانسان الذي كان نسيج وحده، نلملم مقالاته المبعثرة في الصحف والمجلات المختلفة، ونجمع ما تشتت في ذاكرة اصدقائه العديدين، الا رحم اله حبيبا واسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا-

    سيف الدين عيسى مختار


                  

02-18-2008, 06:37 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    وهذه كلمة كتبها الأستاذ غانم سليمان غانم في حفل تأبينه

    حبيب شامي ..
    شذرات من سيرته الذانية
    بقلم الأستاذ غانم سليمان غانم/جدة

    عرفت الأخ المرحوم- بإذن الله - حبيب شامي بصورة لصيقة من خلال تزاملنا في العمل في مجموعة دله البركة السعودية وبصورة محددة في شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية المحدودة حيث كان مسئولاً عن العلاقات العامة والإعلام، وقبل ذلك كنت أعرفه باعتباره رمز سياسي وإعلامي مشهور منتمياً لاتحاد جبال النوبة وحزب الأمة ورئيساً لتحرير جريدة الأمة.

    كان الأخ حبيب شامي إنساناً ديناميكياً يتسم بالحيوية والنشاط ولديه خبرة كبيرة في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية وهو مرجع في مجال الإعلام تطبيقياً ونظرياً. وكان الأخ حبيب شامي (كاسمه) محبوباً من رؤساءه ومرؤوسيه وزملائه لصفاته القيادية ولروح المرح الكامنة في نفسه ولقد أحببناه لحرصه على تطوير العلاقات الأخوية والعائلية والاجتماعية.

    لقد كانت مسيرة حياته غنية وزاخرة، فقد قدم والده من مدينة حلب (الشام) وكان مسيحياً وإقام في مدينة الدلنج وتزوج من بنات البقارة. و يذخر تاريخ نشأة الفقيد بالدلنج بالمغامرات وهو شاب يصول ويجول في حلبات الصراع وحلقات النقارة والمشاريع الزراعية في مناطق هبيلا الزراعية التي تملك أسرته فيها عشرات المشاريع. وقد هاجر الفقيد إلى الخرطوم ومن ثم إلى مصر في سبيل التعليم حيث واصل تعليمه في مجال الأعلام والتدريب في أكبر المؤسسات الإعلامية المصرية (دار أخبار اليوم). وقد ذكر لي أول خبطة صحفية له وذلك عندما صور وكتب مقالاً عن باخرة غرقت في منطقة القناطر الخيرية وكيف أن الكاتب الصحفي المشهور/مصطفى أمين أعطاه مقابل هذه الخبطة كاميرا ومبلغ خمسين جنيه مصري حافزاً وهديه له اشترى منها سيارة وساعد بالباقي رفقائه وأصحابه في مصر. وقد ذكر لي الفقيد أنه تطوع بالتجنيد في الجيش المصري في حرب العدوان الثلاثي على مصر.

    وقد تزوج من كريمة رث (سلطان) الشلك عندما كان مسيحياً، وبعد إسلامه تزوج أخيتنا نجوى القاضي (صبرها الله على فراقه) وهو من المؤسسين لاتحاد جبال النوبة . وقد هاجر إلى ليبيا وعمل في الإعلام الخارجي بوزارة الإعلام الليبية. كما عمل في وزارة الإعلام السودانية أيام حكم الفريق عبود وتم انتدابه للعمل في جريدة الثورة النوفمبرية وذهب في رحلة عمل إلى دول وسط وغرب أفريقيا وقام بتغطية صحفية عن اغتيال المناضل الكنغولى باتريس لوممبا. وقد حكى لى عن كيفية هروبه من نظام نميرى فى السبيعنات وذهابه إلى تشاد ومقابلته الرئيس فرانسيس تمبلباي الذي كان معجباً بأدائه الإعلامي فمنحه الجنسية التشادية وجواز سفر تشادي وقد كان بيته في أنجمينا ملتقى للسودانيين في تشاد والنيجر ودولة أفريقيا الوسطى ودار ضيافة المطربين السودانيين الزائرين. وبعد أن غادر تشاد هاجر الي نيجيريا واشتغل هناك بالعمل الحر حيث افتتح محلاً للأدوات والأجهزة الكهربائية وكانت تجارته رائجة. وعرفت منه أنه كان في وضع مالي ممتاز في نيجيريا وان حساباته كانت بمئات الألوف في البنوك البريطانية وبأن العلاقات الاجتماعية كانت ممتازة بين أفراد الجالية السودانية في نيجيريا التي كانت في أوج ازدهارها.

    وبعد ذلك هاجر إلي المملكة العربية السعودية وعمل في الصحف السعودية بالرياض وكانت علاقاته بالإعلاميين وبخاصة صديقه الصحفي الفذ سيد أحمد نقد الله ممتازة. وقد عرفت الكثير عن تجربته في رئاسة تحرير الأمة وسعيه لتحديث جريدة الأمة بالعون الليبي وخلافاته مع السيد/مبارك الفاضل، كما حكى عن علاقاته الطيبة بالإمام السيد الصادق المهدى وكتلة نواب كردفان ودارفور. وقد كان قلمه سلساً جذاباُ وكنت دائم الاطلاع على مقالاته بجريدة الخرطوم الغراء.
    ومهما حاول القلم أن يستفيض في نقل مآثر الفقيد فلن يستطيع فقد كان ملاذا لنا عند الضجر والنكد وتفاقم هموم الاغتراب وكانت داره منتدى لكل أبناء السودان وكانت زوجته شمعتنا (رتينتنا) الضواية. ألا رحمه الله.
                  

02-18-2008, 06:38 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    حبيب شامي
    (كلمات الوداع الأخيرة)
    في طريقه الى دارهم العامرة بحي النسيم بجدة انتابته نوبة قلبية، توقف أمام الذواقةأحد مطاعم شارع صاري ، هرع الى أقرب كابينة اتصالات ليستنجد برفيقة دربه، تلك المرأة التي قاسمته الحياة بحلوها ومرها ، تعود أن يجد لديها نبع الحنان الصادق الذي يطفأ ظمأ السنين وهجير الأيام، لكن كل كبائن الاتصالات كانت مغلقة فقد كان الوقت وقت الصلاة، لم يتأوه أو ينزعج بل ركن الى القلم رفيق عمره يملى عليه أصدق الكلمات والتمنيات لهذه الانسانة، شعر بأن القلم قد نفس عنه كربته فتوقف كانت رغبته الأكيدة في تلك اللحظة أن يراها وربما انتابه شعور بأن الايام ستحقق له أمنيته في أن يلملم أمواله المبعثرة ليكفيها عنت الأيام القادمات بعد رحيله، حدث ذلك قبل حوالي ساعات قليلة من رحيله، لقد رحل حبيب لكنه أراد أن يخط في آخر لحظة من حياته هذه الكلمات لتبقى بعده كأنصع ما تكون العبارة وأجمل وأغلى ما يترك المرء لزوجته شهادة تقدير ووفاء تكتب بمداد الروح.

    "
    Quote: هني الغالية جدا
    الساعة الآن الواحدة إلا ربعا أنا واقف أمام الذواقة لأني وكنت في الطريق تعبت جدا ومازلت . الذواقة قافل للصلاة وكذلك مكتب الاتصالات فلم أدر كيف أكلمك . شوفي يا هني الأعمار بيد الله ولا يدري أحد بأي أرض يموت ولا بأي مرض . ولكن لو حدث أن أراد الله أن أذهب أوصيك بالصبر ثم الصبر ثم الصبر . وأعرفي أني أحببتك من كل قلبي حبا كبيرا وأخيرا . ولم أخن نجوى لا بالفعل ولا بالكلم وكنت انت دايما حياتي .
    أنا آسف أني أضعت مالنا فيما لا يفيد كنت أريد أن تكون لك أملاكا توفر لك عيشة فيها بسطة وغناء عن الناس . وكنت أتمنى أن أذهب إلى نيجيريا فأجمع لك المال وكذلك المال الذي تركه لي والدي . هذا كله حقك ولكن في غيابي يصبح الأمر مختلفا .
    لا تبكي يا هني ولا تتبهدلي ، إحتفظي بحلاوتك كما وكأنك على موعد معي .
    الله لا يحوجك إلى أحد . أن يعطيك من خيره لا من غيره يا هني .
    وإذا مرت بي الأزمة فالشكر لله كثيرا ( كلمتين غير واضحتين ) .
    الساعة 12 و 50 أنا أحسن حالا . سأكف عن الكتابة وآمل أن ألقاك إن شاء الله .

    حبيب الشامي



    هذه الرسالة سطرها الراحل العزيز حبيب الحبيب إلى زوجته نجوى إسماعيل (وكان يطلق عليها اسم هني (العسل) Honey) قبل سبعة ساعات من النوبة القلبية التي أودت بحياته مساء الأربعاء الماضي 23 مارس 2005 وقد كتبها على مظروف بني اللون كان بسيارته .
                  

02-18-2008, 06:39 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    حبيب شامي
    في عيون زملائه السعوديين

    كلمة الاستاذ على حسون، رئيس تحرير جريدة البلاد السعودية
    بعنوان / حبيب شامي (تأشيرة خروج بدون عودة)

    كان ذلك اليوم قبل اكثر من سبع سنوات عندما التقيته في مكتبي لأول مرة كان رجلا دمث الخلق سريع البديهة .. ضاحكآ بإستمرار يحمل رؤية سياسية واعية.. وبعد دقائق من معرفتنا تلك تداخلنا في حوار معمق طويل وكان لايخلو من (التعليقات والقفشات) الخفيفه وكأننا نعرف بعضنا البعض منذ زمن .

    في تلك(الجلسة) حكى لي زمالته بالصديق عبدالله أبو السمح في جامعة القاهره حيث كانا يدرسان هناك وكشف لي كثيرآ من الذكريات والمواقف بينهما0كان حبيب شامي رجلآ بسيطآ في نفسه عميقآ واعيآ في إيمانه .

    ذات يوم قص علي حكاية "إسلامه" وخروجه من المسيحيه إلى الإسلام قبل سنوات قليله، واذكر
    أن قال لي لقد توصلت إلى هذا القرار بعد إقتناع ذاتي مني لم أجبر على ذلك بل فوجئ كثير من أهلي بذلك ودخلت معهم في " صراع " ولكنني صمدت تماما أنني على يقين بصوابية ما فعلت.

    كان يتحدث بشفافية جميلة ، وأصبح لقاؤنا بعد ذلك والذي تكثف في المدة الأخيرة لايخرج عن الإسلام وحال المسلمين اليوم وعن السياسة العالمية والموقف العربي . في آخر لقاء بي في مكتبي وقد آتى حاملا بعض مقالاته التي ينشرها في البلاد قال لي أنني تعبت أريد أن أحصل على تأشيرة خروج وعودة للاطمئنان على أهلي هناك في تشاد وسافرت انا الى الجزائر ليأتيني صوته على الهاتف يقول لي لقد حصلت على تأشيرة خروج فقط وأنني سوف اغادر خلال أيام كان ذلك يوم الثلاثاء قبل وفاته بيوم .

    صباح الخميس أتاني صوت زوجته صبرها الله وهي تقول لي " لقد مات حبيب " استرجعت " إنا لله وإنا إليه راجعون " . حبيب ذلك الرجل الذي "يناكف" قلبه الذي اتعبه كثيرا وينتصر عليه في كل مرة استطاع أخيرا هذا القلب أن يفوز عليه ويخذله ويضربه الضربة القاضية .

    على مكتبي وجدت ورقة تركها "حبيب" لي كتبها عندما لم يجدني يقول في بعض سطورها :
    "أخي الأستاذ علي
    لما لا أجدك يخيل لي أن الصباح مولود في عتمة الليل .
    أنا الذي مد لي الدهر حبائله
    فصـادني ثم لا ينفك يؤذيني
    وأفرغ الدهر في جنبي جعبته
    ولا يـزال بسهم من يرميني
    كل السهام لها صبري يناضلها
    إلا الفراغ هذا السهم يرديني

    أين ردك على عبد الله أبو السمح لم أجده ولكنني رددت عليه مداعبا .. أرجو ألا يكون فيه ما يثير عبد الله .إذا بلغك خبر سار وأرجو ذلك رجاء تبليغه إلي . (يقصد انتهاء حصوله على التأشيرة )
    مع خالص الشكر
    أخوك حبيب الشامي
    السبت الموافق 19/3/2005
    (مقال شارون والأسد أين هما . المقال السياسي إن تأخر عن موعده فقد قيمته . وأنت سيد العارفين).
    رحم الله "حبيب شامي " ذلك الذي بدأت معه حوارا طويلا ما كنت أعتقد أنه سوف يخلف وعده لي بتكملة الحوار ويدع الكثير من الأسئلة بلا جواب وتأملات بلا تفسير ويذهب هكذا. لقد أخذ تأشيرة خروج ولكن ليس إلى تشاد ولكن إلى الدار الآخرة .. أسكنه الله فسيح جناته .
                  

02-18-2008, 06:39 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    حبيب شامي يرثي الشهيد عماد الدين موسى

    حين راح الشهيد عماد الدين موسى ضحية ذلكم الحادث المفجع، كلفت باعداد ملف صحفي عنه، ورغم قربننا منه والتقائنا اليومي الا انني فوجئت بأن معظم المقربين جدا من اصدقائه لا يعلمون كثيرا عن سيرته الذاتية، ميلاده دراساته وحياتنه الاجتماعية، فهرغت الى حبيب شامي بصفته من أقرب أصدقائه ، فاستضافنى في منزله وبدأ يسرد على تاريح حياته بالتفصيل الدقيق وكأنه كان يحس بأن نفس المصير سيحدث له، وقد توفي بعد ذلك بحوالى ثلاثة اشهر، لكنه خط لى الكلمة التالية عن صديقه عماد الدين موسى عليهما رحمة الله تعالى:



    Quote: عماد الدين أيها الصديق ،

    مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
    ومن كانت منيتـه بأرض فليس يمـوت في أرض سواها

    كلنا فارقنا أوطاننا لنعود اليها ونزرع شتلات الأمل وعمار المستقبل، ويشمل الأمل كل أفراد الأسرةبأن عزيزهم المغترب سوف يعود بالخير الوفير والهدايا الرائعة. وفي قلب هذه الأحلام وحزمة الآمال، تموت الحياة ويسقط الجسد على بساط من الدم المسفوك فينشف الدمع ويبكي القلب الصامت.
    بالأمس فقدنا أخا عزيزا وغاليا، وطن في شخص واحد هو عماد الدين موسى، الذي اغتيل عندما هجمت مجموعة من الفئة الضالة على القنصلية الأمريكية وأطلقت رصاصاتها الحمقى، وسقطت احداها لتصيب عماد الدين فترديه قتيلا. حتى لحظات قبلها كان عماد يفكر في البلد الطيب الذي فارقه بأمل العودة اليه. كان يقف مطمئنا يؤدي واجبه الوظيفي ولم يخطر بباله أن مهووسا الى حد الجنون سيدخل القنصلية لينشر الموت في أرجائها ويستشهد عماد الدين في شجاعة الرجال وبأس الأبطال..لقد عرفت عمادا في كل ما يجمعنا في الخير والمناسبات الوطنية وكان من أبرز وأنشط الذين أعدوا للاحتفال بالدكتور عز الدين عمر موسى.
    يا عماد لن ننساك وستبقى في فؤادنا بسمة حلوة ونسمة صيف طيبة، كيف سكت هذا القلب الذي أحب كل الناس فأحبوه.
    ونيابة عن ملتقى السودان الاجتماعي الذي أتشرف برئاسته أنعي عزيزنا الراحل وأعزي فيه ونحن في حاجة الى من يعزينا.
    سنلتقي في ديار لا فناء لها هذا الذي جاءت الأسفار ترويه

    حبيب /جدة

                  

02-18-2008, 06:40 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    التقط بريدي الالكتروني الرسالة التالية من الأستاذ محمد يوسف وهو يحمل مقترحات بناءة تتقدم بنا خطوات الى الأمام، وما زلت في انتظار مشاركات الجميع أما عبر الايميل الخاص بي أو بالمداخلات لمن يملكون تاشيرة الدخول الى هذا الموقع، مع وافر التحية..



    Quote: الاخوة الاعزاء
    هذا عمل رائع ، يستحق الاخ العزيز الاستاذ سيف الدين عيسى الشكر عليه ، نحن ظلمنا من التاريخ كثيراً ، بسبب عدم وجود مثل هذه المبادرات ، أو بسبب عدم دعمنا للمبادرات ، لأن المبادرة هى مثل الغرسة ، يغرسها احد وكلما اهتم بها كثيرون اخضرت واينعت وصارت شجرة لها ثمر وظل يستفيد منها الجميع .
    ارجو من الجميع الاطلاع والمشاركة كل بما لديه من معلومات عمن يستحقون التخليد فى هذا البوست . واقترح على الاخ سيف الدين بعد تجميع المعلومات أن يصدر به كتاب يكون بمثابة مرجع لكل من اراد ان يرجع الى مثل هذا التوثيق .. ويمكن ان يطبع الكتاب ويصدر على نفقة وتحت رعاية رابطة ابناء دنقلا الكبرى .
    لكم جميعا التحية والتقدير ومن قبل .. الشكر الكثير للاخ الاستاذ /سيف الدين بن العمدة عيسى مختار
    اخوكم/ محمد يوسف

                  

02-18-2008, 06:41 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    الشهيد عماد الدين موسى
    ينبوع الفرح المتجدد

    عماد الدين موسى على موسى، رمز من رمز العمل الوطني العام، عرف بعلاقاته الاجتماعية العريضة، ودماثة الخلق، وطيب المعشر، فلا غرابة اذن أن يشق نبأ وفاته في ذلك الحادث الارهابي الغاشم يوم الأثنين 6 ديسمبر 2004م على أهله وأصدقائه وزملائه والمجتمع السوداني وبصفة خاصة في المملكة العربية السعودية.
    الشهيد عماد الدين موسى من مواليد مدينة رفاعة عام 1956م، تلقى مراحله التعليمية في مدينة رفاعة ، ثم عمل لفترة بسيطة جدا في حقل التعليم ، انتقل بعدها في أواسط السبعينات من القرن الماضي للعمل في القنصلية الأمريكية في قسم العلاقات العامة حتى تاريخ استشهاده بها. ومن المفارقات أن السفير الأمريكي الحالي بالمملكة العربية السعودية كان عماد قد استقبله قبل عشرين عاما عندما أتى موظفا عاديا في السفارة ألأمريكية، هذا ما ذكره السفير بنفسه عندما أتي معزيا فيه. للفقيد سبعة أبناء هم : زاهر (23سنة)، محمد (21)، آية (19)، أروى (17) أثيل (14) ، أفنان (12) ايلاف (9سنوات)0 وكان الشهيد مهموما بقضايا وطنه السودان، لم ينتم لأي من الأحزاب السياسية المختلفة بل كان حزبه السودان مشاركا في كل اللجان الطوعية التي تهدف خدمة الوطن، عضوا فاعلا في اللجنة القومية العليا لتكريم المبدعين، وفي العديد من الروابط الولائية والمهنية والتخصصية، وفي يوم استشهاده كان من ضمن أجندته استلام بعض الدروع من احدى الوكالات الاعلانية كما كان يرتب لشراء سيارة اسعاف لنقل مصابي الملاعب هدية لنادي الهلال الذي كان يعشقه، لكن يد الخيانة كانت أسرع حيث استشهد في ذلك اليوم وهو صائم.

    عماد الدين موسى، كان فيما بيننا كالشعاع، توهج فجأة فملآ سماءنا بالضياء والألق ثم اختفي فجأة والناس في ذهول من أمرهم، أحقا ما يسمعون، أمن بين جميع الناس تغتال رصاصة غدر طائشة رجلا كان كالحلم والأمل الجميل.

    في ذلك المساء الغائم، هرع الجميع الى مستشفى المحجر، يراودهم الأمل القوي بأن النبأ الذي سمعوه كان توهما، وأن عماد سيخرج عليهم يحملق فيهم من خلف نظارته يطمئنهم بأن سنوات اليتم لم تحن بعد ويطلق عليهم أحدى نكاته فينقشع الحزن ويتبدد الأسى، لكن هيهات00وذلك الصمت المطبق واللآهات الحبيسة في الصدور كانت تنبىء بأن شيئا ما قد حدث، فتعانق الجميع وهم يبكون باصوات كأنها نواح الرياح في الأرض اليباب تذكر بأن الذي فات لا يستعاد، وان االحداد هو الزمن المنقضي ما بين مولد حزن وموت حداد، وان عماد، قد تجسد في دواخلنا أملا لأيامنا القادمات وخير زاد.

    كان يتعامل مع كل الناس باحساس سوداني مرهف ، قريبا في حديثه الى البوح الجميل ينساب جدولا رقراقا يمضى بك عبر مستويات من الحميمية والصدق يكتمان في حناياهما نبضا حارا وحركة متوترة هما انعكاس لحركة ونبض الواقع السوداني الذي كان يعيش فيه، ويفتح آفاقا واسعة من المشاعر والذكريات تترقرق وتتلالطم امواجها.كان يمثل البؤرة التي تلتقى فيها كل الأضواء المتناقضة فيعرف كيف يطفىء تناقضاتنا في بوح صمته الجميل كما تنطفأ الجمرة في ركام الرماد، كان عماد يد الانسجام والنظام اذا اعترتنا الفوضى وفت في عضدنا التشتت والانفراط.

    عماد كان يجسد في لجاننا الطوعية ظاهرة الاستمرار والتواتر، وهي فضيلة مهمة وضرورية لا بد من التنويه بها، لانها بالضرورة تستدعى ظاهرة الانقطاع والتوقف التي اضحت تجهض أكثر مشروعات القومية وتحكم عليها باليباس والبوار، لا يملك المرء الا ان يحمد لعماد موسى تلك الروح الايثارية المتفانية التي يتعهد بها اعماله الطوعية وذلك الحرص الدائب على الاستمرار والحضور متحديا كل الصعاب، مجالدا الظروف القاحلة من أجل المساهمة في تأسيس وترسيخ عمل حقيقي مبدع للوطن في زمن أصبح القابض فيه على النزاهة والتجرد كالقابض على الجمر.

    كان القاسم المشترك الأعظم في كل لقاءاتنا وتجمعاتنا ولجاننا الوطنية، وهمزة الوصل ومقياس التواصل والتراحم فيما بيننا، ما كان يعرف الياس والمستحيل، بل يقتحم الصعاب، لم يعرف التحزب الضيق لأنه عشق السودان هذا الوطن الواحد وعرف كيف يتعامل مع الجميع بنفس الروح الصادقة العفيفة، لذلك لا غرو أن يعتقد كل منا أن عماد كان صديقه الأوحد ، ولذلك ايضا كان مركز كل لجنة أو رابطة تقام ، اللجنة العليا للتكريم، رابطة أبناء رفاعة، رابطة مشجعي الهلال ، اللجنة الرياضية، رابطة الخرطوم، الجالية السودانية ، والعديد من الكينات الاجتماعية والثقافية التي لا استطيع حصرها هنا، وما من مشروع يقام الا ويتصدر عماد موسى قائمة المشاركين فيه، وما طلب مرة للمشاركة والمساهمة في مشروع خيري الا وكان أول الملبين مكتفيا بنجاح العمل وأن يكون دوره فيه دور المساهم فقط دون التطلع لى المناصب أو المكاسب الشخصية، وعلى كثرة ما كرم من شخصيات، لا نكاد نجد أنه كان موضع تكريم البتة، فقد كان من الذين قال فيهم المولى عز وجل (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).

    تعرفت على عماد الدين موسى في أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما كنت أعمل في ميناء جدة الاسلامي وكان هو يراجع الميناء لمتابعة ارساليات القنصلية الأمريكية، ثم توطدت علاقتي به في السنوات الأخيرة عبر عملنا في اللجان الطوعية المشتركة، وآخرها تحضيرنا للاحتفال بالمشير عبد الرحمن سوار الذهب، عندها فجعنا بالرحيل المفاجىء لتوأمه الروحي محمد عثمان أبوشوره، وهو الذي اتصل بي ليبلغني النبأ المحزن وزودني بمعلومات عن (أبو شوره) عليه رحمة الله أعانتني كثيرا في مقالي عنه.
    كان عماد موسى يستطيع أن يحلم حلما يتمدد وينداح من الواقع، ينطلق مما هو حاصل الى ما ينبغي أن يكون، يعرف كيف يصنع المناسبات المختلفة ليجمع الناس، ففي آخر افطار جماعي أقامه في فندق الدار البيضاء بجدة، سألته عن المناسبة فأجاب: أليس اجتماع هذه الوجوه النيرة مناسبة سعيدة؟ ثم ابتسم وهو ينظر الى البعيد وكأنه ينتظر حضور شخص عزيز، وقتها ما كانت أعلم أن تلك النظرة المحدقة هي الأخيرة لهذا الوجه المألوف، سلاما عليه في الخالدين، سلاما عليه ما هبت الريح وانسلخ من دياجير الليل ذلك الفجر المبين، اللهم انه قد جاء اليك فقيرا الى رحمتك التي وسعت كل شيىء، اللهم تقبله القبول الحسن والحقه بالشهداء والصالحين.
                  

02-18-2008, 06:42 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    يوم السبت 19 يونيو 2004م توفي الأستاذ محمد عثمان أبو شوره بعلى مفاجئة لم تمهله قليلا، وقد كتبت عنه هذه الكلمة ونشرتها في صحيفة الخرطوم اثر رحيله عليه رجمة الله تعالى سائلين الله له المغفرة وأن يتقبله القبول الحسن مع الصديقين والشهداء.. آمين..

    =====================
    من أعلام العمل العام بجدة
    المرحوم محمد عثمان أبو شورة

    ما كان في تصوري أن أتحدث عن الحبيب محمد عثمان (أبو شوره) بصيغة الماضي، وهو الذي كان حتى الأمس القريب ملء السمع والبصر، يعطر اجتماعاتنا وأمسياتنا بحضوره الفاعل وأريحيته ومناقشاته الجادة وأرائه القيمة، حقا لقد كان فينا كالشعاع، توهج في حضورنا ألقا وسناء، حتى اذا أنسنا الي ضوئه الباهر اختفى فجأة كما ظهر ونحن أحوج ما نكون اليه0

    لو كان أبو شوره رجلا عاديا يعيش كما يعيش الناس العاديون، يسرحون منذ الصباح الباكر الي أعمالهم المضنية ثم يعودون مساء الى منازلهم آمنين ليبدأوا اللهاث كرة أخرى فيهرمون ويشيخون ويموتون كبقية المخلوقات، لو كان كذلك لانضم الى قافلة ملايين البشر الذين تعج بهم أمنا الأرض التي تعجب منها أبو العلاء المعري كيف تشكل أديمها من الأجساد0

    لقد أدرك منذ وقت مبكر ان الارتحال الي ذاكرة الناس خير من التقوقع والركون الى اغراءات النفس اللاواعية، لذلك كان يعيش للناس وبين الناس حتى آخر لحظة من حياته، ويوغل في الوطن بقلب واع وفكر ثاقب، شامخا بين الناس كالعلم، يتوهج فيه اليقين والهدف، ويرتسم الطريق واضحا أمامه فيمشي بخطوات وئيدة ايقاعها الايمان بالله0

    ولد محمد عثمان أبو شوره في مدينة الحصاحيصا عام 1950م وينتمي الى أسرة جعلية عريقة من منطقة الدامر، تخرج في كلية العلوم بجامعة الخرطوم (تخصص كيمياء)0 قدم للعمل بالمملكة العربية السعودية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي وعمل في عدة شركات كان آخرها شركة أفكار بروموسفن، وهي شركة سعودية أمريكية، احدي شركات مجموعة مكان اريكسون ( Mccann Ericson) وهي من أكبر شركات الدعاية والاعلان في العالم، ويعتبر أبو شوره من مؤسسى وكالة هذه الشركة بالمملكة وأول خمسة موظفين افتتحوا العمل بها، وكان يعمل مترجما ومحررا للنصوص الاعلانية ومسئولا عن المسابقات، ظل يعمل في هذه الشركة لأكثر من عشر سنوات بنزاهة وتجرد واخلاص0

    وعلى الرغم من ساعات العمل الطويلة والمجهود الذهني الذي يبذله في عمله الروتيني، يعجب المرء كيف كان يجد الوقت الكافي للمشاركة في العديد من جمعيات وروابط وكيانات العمل العام، فقد كان سكرتيرا لملتقى السودان الثقافي، ورابطة الجزيرة، وعضوا نشطا في العديد من الروابط الرياضية، وعضوا مؤثرا نشطا في اللجنة العليا للتكريم، وأمينا للاستثمار في الجالية السودانية وعضوا في منتدى السودان الثقافي، اضافة الى أنه كان أحد الكوادر والأطر المهمة في الحزب الاتحادي، وكان فوق ذلك سودانيا يحمل القيم السودانية الأصيلة ويتعامل وفق هذه الاخلاق الفاضلة ويحب هذا الوطن حتى الثمالة0

    يحكى زميله في العمل الاستاذ اسماعيل حسين أنه كان يشع روحا من البهجة والمرح بين زملائه في الشركة يمازحهم دائما ويلقاهم بوجه صبوح طلق الابتسامة التي لم تكن تفارق محياه، وتجسد المذكرة التي كتبها مدير الشركة التي كان يعمل بها عقب وفاته المكانة التي كان يحتلها أبو شوره بين زملائه ، وفيما يلى ترجمة هذه المذكرة التي لم يستطع كاتبها أن يلتزم الأسلوب الديواني الرسمي المتبع واتخذ فيها أسلوبا أدبيا راقيا مفعما بالعاطفة الجياشة يقول الاستاذ ميشيل سلفاني :-

    "الي جميع موظفي الشركة: في هذا الأسبوع فجعت الشركة بموت أحد أعضائها الأعزاء، الذى كان صديقا وخير معين لنا0 ولم يدر بخلدى يوم السبت الماضي عندما سألني محمد عثمان عما اذا كان سيجد وظيفة في فرع الشركة بالسودان، بأنني سأراه بعد سويعات قليلة جسدا ساكنا مسجى على النقالة، عيناه مغمضتان وعلى أنفه قطع من القطن الأبيض0

    كان محمد عثمان يخطط ليعيش مع أسرته في السودان ، وأعتقد أنه تعجل أن يستريح من وعثاء الحياة في ذلك اليوم وقد فعل0 ان الصدمة التي خلفها لا تحتمل، واستطيع أن أقرأ رسالة الحزن التي كتبت بشكل عفوي على وجوهكم جميعا اثر سماعكم لهذا النبأ الفاجع0

    وقد تتفقون معى جميعا أن عثمان لم يكن له أعداء وأنه كان محبوبا من الجميع، لكم كان مرحا ومحبا قلب عثمان، فكيف قرر قلبه أن يتوقف في ذلك اليوم؟ لماذا اختار هذا القلب المحب أن يجافي القلوب التي أحبته لعشر سنوات؟ ومن ذا الذي سيرسم الفرحة على وجوهنا من بعده؟ لقد كان عثمان شخصا يعتمد عليه واعتقد صادقا بأننا فقدنا أحد أعمدة هذه الشركة0 لم يسبق لعثمان أن جرح أي فرد منا، كما لم يسبق له أن اشتكي أو اظهر ألما أو عرضا أو أى شيء من هذا القبيل، فلماذ هذا القرار المفاجىء لفراقنا؟ انها مشيئة الله سبحانه وتعالى ولا أحد غير الله يعلم ماذا يحدث غدا، وأنا على يقين من أن روحه الطاهرة ستكون في جنة النعيم ان شاء الله ، وأطلب من الجميع الوقوف دقيقة صمت حدادا على روحه الطاهرة "0

    وتعبيرا عن وفاء زملائه لهذه العلاقة المتميزة فقد تبرعوا بمبلغ من المال وقرروا وقف هذا المبلغ على احدى جمعيات رعاية الأيتام ليكون صدقة جارية له0

    لقد كان رحيله مفاجئا وسريعا ، فقد شعر بألم في الجهة اليسرى من صدره بعد صلاة الظهر من يوم السبت الموافق 19 يونيو 2004م وظن انه نتيجة لبرودة التكييف في المكتب، لكن الألم استمر معه فطلب من زميله اسماعيل حسين اخذه الي المستشفي ، وكان طوال الطريق الي المستشفي هادئا ومبتسما يتفرس في وجه زميله اسماعيل وكأنه يريد أن يسر اليه بأمر ما، وحين يصيخ له يقول (لا عليك 00 لا عليك) دخل بقدميه الى المستشفي وشرح لطبيب الطواريء بمستشفي بقشان ما تعرض له باللغة الانجليزية والعربية ثم نهض بنفسه وفك أزارير قميصه واستلقى على سرير الكشف ثم أسلم الروح0 وكان اسماعيل حين اطمأن الى أنه سيتلقى الرعاية الطبية اللازمة خرج ليبلغ أهله واخوانه، وحين عاد فاجأه الطبيب بنبأ وفاته، كان خبرا لا يصدق، فكل ذلك تم ما بين اغماضة عين وانتباهتها " الله يتوفي الأنفس حين موتها، والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى الي أجل مسمى ان في ذلك لأيات لقوم يتفكرون" صدق الله العظيم0

    قبل موته بسويعات بل بدقائق قليلة كان قد هاتف مجموعة من أصدقائه، هاتف صديقه أزهرى حول ضرورة اقامة تكريم لموظفي القنصلية المنقولين الى السودان، هاتف أيضا بشير نصر الدين مهنئا بنجاح ابنه نصر الدين في الشهادة الثانوية، وفي الطريق الى المستشفي كان يوصى زميله اسماعيل بضرورة اتمام المشروع الذي بدأه في ترجمة البروتوكولات الخاصة باتفاقية السلام والمنشورة باللغة الانجليزية على الانترنت، وكان يرى ضرورة ترجمتها الى اللغة العربية وطباعتها في كتيب يوزع بواسطة القنصلية الى الجميع وان لا تكون حبيسة في لغتها الانجليزية0

    وكأنه شعر بدنو الأجل فبدأ في اجتماع اللجنة العليا للاحتفال بالمشير سوار الذهب قبل أيام قليلة من رحيله منشرحا مقبلا على أصدقائه بود ومحبة وكأنه لا يريد لسامرهم أن ينفض أو لاجتماعهم أن ينتهي0 وقد يذكر كل من حضر ذلك الاجتماع: الدكتور بشير عمر، ومحمد الحسن الهواري، وعماد الدين موسى، وعوض قرشوم، وخالد الجزولى كيف أنه أظهر حميمية غير عادية، ولما انفض الاجتماع أرسل في اليوم التالي رسالة لمجموعة كبيرة من الاصدقاء على هواتفهم النقالة يطلب منهم أن يقوموا بدورهم بارسالها لأصدقائهم ونص الرسالة هو (ارسل "لا اله الا الله محمد رسول الله" الى تسعة من اصدقائك وستسمع خبرا يسرك) حتى ان السيد عوض قرشوم حين تلقى هذه الرسالة علق قائلا (هل اصبح ابو شوره يؤمن بمثل هذه الخزعبلات) وذلك قبل أن يقرأ فحوى الرسالة0 مما يدل على أنه كان يرددها في نفسه كثيرا عليه رحمة الله، وهي شهادة عظيمة وأعظم كلمة قالها المصطفي صلى الله عليه وسلم والنبيون من قبله0

    وقبل أقل من شهر من وفاته، كانت والدته قد انتقلت الى الرفيق الأعلى ، وكنت قد ذهبت اليه معزيا في داره بحي الصفا رفقة الشاعر شادول، فاذا به يبكي بحرقة وألم مع كل من يأتي معزيا ومواسيا وكأنه كان ينعى نفسه0

    لقد كان أبو شوره صادق المحبة، صافي القلب لا يحمل حقدا ولا يعرف أن يحمل ضغينة على أحد، كان حادا في مناقشاته وفي طرح آرائه لكنه كان يعرف كيف يحتفظ بالمودة للجميع، وكانت هذه الحدة والجرأة في طرح الآراء ما يحببه للناس، والناس شهود الله في الأرض، فما من أحد الا ويثني عليه الثناء الحسن0

    وحين حمل جثمانه الطاهر للغسيل، قال من تولى غسله وتكفينه أنه بدا هادىء الاسارير، صبوحا وكأنه يغط في نوم عميق ، ولم يغير الموت من قسمات وجهه، قال وهو لا يعرفنا اشهد الله ان في وجهه سمت الصالحين0 وعلى الرغم من أن معظم الذين هرعوا لوداعه كانوا يرون دفنه في جدة ، الا ان الاستاذ عبده الشيخ اصر على ضرورة الصلاة عليه في الحرم وقد انتصر رأيه وتيسر أمر الصلاة عليه في الحرم الشريف ودفنه بمكة المكرمة وسط جمع غفير من أخوته وأصحابه يتقدمهم سعادة القنصل العام السفير احمد التجاني محمد الأمين ونوابه الكرام ورئيس الجالية السودانية وأعضاء القيادة التنفيذية0

    كنت قد عرفت (ابو شوره) منذ فترة طويلة واشتركت معه في العديد من الانشظة العامة التي كانت اجتماعاتها تتواصل بشكل شبه يومي، ورغم هذه المعرفة اللصيقة الا انني حين بدأت الكتابة عنه وجدت أنني لآ أعلم عنه سوى أنه مهندس يشارك في العمل العام وبدأت في تجميع المعلومات اللازمة عنه من ابن عمه الجيلاني وأصدقائه المقربين أزهري وبشير نصر الدين وزملائه ورؤسائه في العمل، ولعل رحيله المفاجىء يكون درسا لنا وعبرة في أن نؤسس أعمالنا جميعا على قواعد من المحبة والأخوة الصادقة، لقد انجزنا العديد من الأعمال الجليلة لكننا ما زلنا لم نعرف بعضا البعض بالشكل المطلوب0

    لقد اتكأ ابو شوره في استراحة المحارب الذي لم يستنفد مشروع بطولته بعد، وحين ثوى وفي فؤاده همة الرجال وفي جبينه التماعة السنين القادمات، حدقت فيه العيون المحبة، ولم تذرف الدموع ، لأنها أدركت بأنه يولد فيها من جديد0

    سلاما أيها الوجه النيلي العريق، سلاما أيها السوداني النبيل، سلاما كلما عصفت بنا الذكرى وافتقدناك في بدايات الطريق، ايها الحادي اذا ضل الطريق، ايها الحاني اذا عز الصديق، سلاما حين يعصف النخل بالبسر الدفيق، وتشتعل الجزيرة بالنوار والسنابل، وتحبل الفصول بالمطر، ويصبح السودان بحجم الحلم الذي كنت تحمله له، سنلقاك حين تبقى المواسم ارتحال الى الوطن، وحين ندرك أن الحياة امتداد وأن الخطى اليك واسعة، نعشو اليك فتسكب فينا الضياء وتمنحنا الحكمة البالغة، سلاما عليك في الخالدين، اللهم تقبله القبول الحسن والحقه بالشهداء والصالحين الذين قلت فيهم وقولك الحق (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية، فادخلى في عبادي وادخلى جنتي)

    سيف الدين عيسى مختار/جدة
                  

02-18-2008, 06:45 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    عبد الله حمدوه السِنَّاري
    مُقرئي الحرم المكي الثبت ومعلم مدرسة الفَلاح الكفؤ


    بقلم أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك


    لفت الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحيم نصر انتباهي إلى إسهامات الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن حمدوه السِنَّاري (1274-1350هـ/1857-1931م) في مكة المكرمة، وذلك عندما أهديته نسخةً محققةً من كتابي الموسوم بـ (تاريخ حركة الإرشاد وشيخ الإرشاديين أحمد محمد السوركتي في إندونيسيا)، وكان نص الإهداء الوارد في صدر الكتاب يقرأ: "إلى جيل العصاميين من السودانيين الذين عاشوا فوق أمجاد بنوها بنور العلم لا عُمد الرخام: الأستاذ أحمد محمد السوركتي (1876-1943م) رائد حركة الإصلاح والإرشاد العربية في إندونيسيا، والداعية ساتي ماجد محمد القاضي (1883-1963م) الذي أصبح شيخاً للإسلام في أمريكا الشمالية، والأستاذ سعيد القدال (1903-1975م) مفتش التعليم المدني ووزير السلطنة القعيطية في حضرموت". وفور إطلاعه على هذا الإهداء علَّق الأستاذ نصر بقوله: إن قائمة العصاميين السودانيين الذين تركوا أثراً طيباً خارج السودان لا يستقيم ميسمها إلا بذكر الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، فلا عجب أن هذا التعليق الموجز قد حفزني على البحث عن آثار هذا العلامة السِنَّاري، وبدأتُ مسيرة البحث والتنقيب خلال السبع سنوات الماضية في وسط كمٍ هائلٍ من الأدبيات المتناثرة التي تتحدث عن تاريخ التعليم الأهلي في الحجاز، وذكريات بعض أعلام الحرم المكي مثل الشيخ عبد الحميد مرداد التي نُشرت بعض فصولها في مجلة المنهل، وتراجم الأعلام التي أعدَّها الشيخ عمر عبد الجبار، وإصدارات الأستاذ أحمد السباعي عن تاريخ مكة، ومؤلفات الدكتور عبد اللطيف بن دهيش عن الكتاتيب في الحرم المكي. ولا أدعي أنني قد جمعتُ فأوعيتُ كل ما كُتب عن هذا العَلم السِنَّاري الفذ المشهور في الحجاز، والمغمور في وطنه الأم، بل إن المعلومات والقصاصات التي في حوزتي الآن تعينني فقط على كتابة هذا المقال القصير والمتواضع، الذي أمل أن يكون فاتحة خيرٍ تنداح دائرتها لإعداد بحثٍ أشملٍ، يليق بقامة الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، وإسهاماته المعرفية التي كانت تضئ طرفاً من باحات أم القرى التعليمية وما حولها.

    السِنَّاري ورحلة الكسب المعرفي

    وُلِدَ عبد الله بن إبراهيم بن حمدوه السِنَّاري في السودان عام 1274هـ/1857م، وحفظ القرآن، ودرس مبادئ الفقه والحساب على نفر من مشائخ عصره، وعندما بلغ العشرين عاماً شد رحاله إلى مكة المكرمة، كعادة أترابه من الطلاب السودانيين النابهين الذين درجوا على مواصلة مسيرتهم التعليمية إما في رحاب الأزهر المعمور، أو الحرمين الشريفين بالحجاز. ونحن لا ندري أكثر من ذلك عن تفاصيل حياته الباكرة ومسيرته التعليمية في السودان، ومُسوغات رحلته إلى الحجاز بدلاً عن رواق السِنَّاريين في الجامع الأزهر. وفي مكة المكرمة جوَّد الصبي عبد الله معارفه القرآنية على يد الشيخين الجليلين إبراهيم سعد، وأحمد حامد التيجي، ومنها هاجر إلى الأزهر في قاهرة المعز، حيث درس العلم على عدد من فحول علمائه، أمثال الشيخ حسنين مخلوف العدوي المالكي، والشيخ عبد الهادي مخلوف، والسيد مهدي بن محمد السنوسي، وشيخ الإسلام عبد الرحمن الشربيني. وبعد أن استجازهم وأجازوه رحل إلي المدينة المنورة، وأدرك المسند العلامة السيد علي بن ظاهر الوتري، ودرس الحديث عليه، ولازم مجالس الشيخ محمد الظاهري المالكي صاحب حسن الوفا لأخوان الصفا، ونهل أيضاً من فيض علماء السادة الحضارمة، أمثال السيد هاشم بن شيخ الحبشي، والسيد علي بن محمد الجفري، والسيد محمد بن صالح جمل الليل المكي. وفي عام 1326هـ/1908م حصل عبد الله حمدوه السِنَّاري على الإجازة العالمية من علماء الحجاز الذين صادقوا له بالتدريس في الحرم المكي. ويُرحج الرأي بأن السِنَّاري كان كديدن أقرانه ينوي العودة إلى السودان، ليكون عالماً مرموقاً يُشار إليه بالبنان في بلد المليون ميلاً مربعاً، بيد أن هناك أسباب غير معلومة لدينا جعلته يؤثر البقاء في أرض الحجاز، حيث لمع نحمه في قائمة رواد التربية والتعليم الأهلي الذين وضعوا لبنات الانطلاقة التعليمية في عهد الملك عبد العزيز بن سعود.

    الكُتَّاب السِنَّاري
    يُعدُّ الكُتَّاب من أقدم المؤسسات الإسلامية لتعليم الصبية القرآن، ومبادئ القراءة والكتابة والحساب، وهو أيضاً رمز من رموز التعليم الأهلي في العالم الإسلامي، حيث يُؤسسه في العادة رجل من حفظة القرآن في بيته، وينفق عليه لوجه الله تعالى، أو ينشئه رجل من أهل اليسار، فيؤجر فقيهاً براتب معلوم ليقوم بأمر التدريس فيه. والكتاتيب (جمع كُتَّاب) كانت تمثل القاعدة الأولى للتعليم الأهلي في الحجاز، ونلحظ أن المستشرق سنوك هروغرونية قد تحدث باسهاب عنها في كتابه عن تاريخ مكة في أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، ووصف تقاليدها العلمية وصفاً دقيقاً وممتعاً. وفي أول تقرير رسمي للحكومة العثمانية عن ولاية الحجاز لعام 1301هـ/1883م كان عدد كتاتيب مكة المكرمة يقدر بنحو ثلاثة وثلاثين كُتَّاباً، بها ألف وخمسون ومائة طالباً، موزعة في أنحاء مكة المكرمة المختلفة، وأشهرها كُتَّاب الشيخ عبد المعطي النوري في الشبيكة، وكُتَّاب إبراهيم فودة في أجياد، وكُتَّاب الشيخ أحمد حمام في حارة الباب، وكُتَّاب الشيخ عبد الله حمدوه السِنَّاري في باب الزيادة بزاوية السمان.

    أسس الأستاذ عبد الله حمدوه كُتَّابه السِنَّاري عام 1300هـ/1882م في دار المراغنة لتحفيظ القرآن ودراسة اللغة العربية، ومبادئ الفقه وعلم الحساب، وبعد فترة قصيرة توسعت أعمال الكُتَّاب، وانتقل مقره إلي أحد بيوت الأشراف عند مدخل باب الباسطيه، ثم إلي زاوية السمان بباب الزيادة، وأخيراً إلي أحد البيوت القريبة من باب الباسطية. وكان الكُتَّاب السِنَّاري يضم جملة من العرفاء والأساتذه الأكفاء الذين ساعدوا الشيخ حمدوه في داء رسالته التعليمية، ونذكر من هؤلاء الشيخ مصطفى يغمور، وأحمد محمد سوركتي، والسيد أحمد مجاهد. وكانت مهامهم تتجلى في التدريس ومراجعة الدروس للطلاب، وتنظيم سير الدراسة، والإشراف العام، وتوجيه النصح والإرشاد اللازمين للطلاب. وبفضل هذا التنظيم الحاذق ظل الكُتَّاب السِنَّاري فنارةً علميةً يتحلق حولها طلاب العلم، في وقت لم يكن بمكة من المدارس النظامية سوي المدرسة الصولتية التي أُسست عام 1292هـ/1875م، والمدرسة الفخرية التي أُنشئت عام 1298هـ/1880م. وتخرج من هذا الكُتَّاب السِنَّاري عدد مقدر من الطلاب الذين واصلوا دراستهم في مدرسة الفلاح، أو في حلقات المسجد الحرام بمكة المكرمة.

    السِنَّاري ومدرسة الفلاح
    تُعدُّ مدرسة الفلاح من أفضل مؤسسات التعليم الأهلي التي أُسست في أواخر العهد العثماني في الحجاز، واستقام عودها في عهد الملك عبد العزيز بن سعود. ويرجع فضل تأسيسها إلى رجل الإحسان والتقوي الشيخ محمد علي زينل (ت 1389هـ/1969م)، الذي غرس نواتها في جدة عام 1323هـ/1905م. وبعد أن قطف ثمار غرسه الطيب حاول أن ينقل تجربته الناجحة إلى مكة المكرمة، حيث طفق يطوف على حلقات العلم بالمسجد الحرام، والكتاتيب والزوايا المنتشرة في ضواحيها، بغية أن يجد أذناً صاغية من أحد علماء الحرم المكي الإجلاء، فيوكل إليه أمر تأسيس مدرسة الفلاح بأم القرى، وبعد البحث والتمحيص استقر رأيه على اختيار الشيخ المربي عبد الله حمدوه السِنَّاري، الذي تعاهد معه على نقل كُتَّابه السِنَّاري وطلابه إلى مقر أوسع وأرحب يطلق عليه اسم مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، وذلك في عام 1330هـ/1910م. وبهذه الكيفية فتحت مدرسة الفلاح أبوابها لطلاب العلم في مكة المكرمة تحت إشراف الشيخ حمدوه السِنَّاري، ورعاية المصلح الشاب محمد علي زينل. وبفضل جهد السِنَّاري انضم طلاب وأساتذة كُتَّاب الشيخ مصطفى يغمور، وكُتَّاب الشيخ أحمد محمد سوركتي إلى مدرسة الفلاح. وبذلك تضاعف عدد الطلاب والأساتذة، وتطورت مناهج التعليم تطوراً ملحوظاً، وضع مدرسة الفلاح في مصافي المدارس النظامية، واكسبها سمعة طيبة أهلَّتها لاستقطاب نخبة من العلماء المشهود لهم بالكفاية العلمية، أمثال: الشيخ عمر حمدان، والشيخ أمين السويدي، والشيخ عيسى رواس، والشيخ أحمد ناضرين، والشيخ محمد حامد العربي التباني، والشيخ يحيى أمان. وأُعيد تنظيم جهازها الإداري المعروف بمجلس النظار تحت رئاسة الشيخ محمد علي زينل، وعضوية الشيخ مصطفى النيلاوي، والشيخ عبد الرؤوف جمجوم، والشيخ محمد حامد أحمد، والشيخ يحيى محمد سليم، والشيخ محمد عطا الله الفاروقي الهندي. وكانت مهمة هذا المجلس تتبلور في وضع اللوائح والقوانين والأمور الإدارية والمالية المرتبطة بمدرسة الفلاح. أما الأمور الفنية والإدارة الداخلية فكانت تُوكل لمدير المدرسة، وقد شغل هذا المنصب نخبة من أقطاب التربية والتعليم في الحجاز، أذعيهم صيتاً الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري، والسيد أبوبكر أحمد الحبشي، والشيخ إسحاق عزوز، والشيخ صالح عبد الخالق فلمبان. وقد استمرت إدارة الأستاذ حمدوه أربعة عشر عاماً متواصلة (1336-1350هـ/1917-1931م)، لم يقطع صيرورتها إلا وفاته. وخلال هذه الفترة، حسب رواية الشيخ عمر عبد الجبار، لم يكن الأستاذ حمدوه "مديراً للفلاح فحسب، وإنما كان واعظها، بجانب ما يقوم به من التدريس في الفقه والنحو في بعض الفصول. كان رحمه الله علاوة علي محبة الشعب له، موضع تقدير الحكومتين الهاشمية والسعودية. وكان رجال الدين في فجر هذا العهد إذا تحدثوا عن الشيخ عبد الله حمدوه ذكروا دماثة أخلاقه، وطيب قلبه، وسلامه عقيدته، بجانب ما تحلى به من وقار، وسكينة، وتقوى، جعلت منه شخصية مهابة محترمة".
    وكانت فترة الأستاذ حمدوه تمثل العصر الذهبي لمدرسة الفلاح، لأنها شهدت جملة من التطورات الأساسية في المنهاج التعليمية وترتيب المراحل الدراسية، حيث أضحت الفترة الدراسية مقسمة إلى أربع مراحل رئيسة هي: التحضيرية، والابتدائية، والرشيدية، والعالية، ومدة الدراسة في كل مرحلة ثلاث سنوات. ويدرس الطالب في المرحلة التحضيرية القرآن، والإملاء، والخط، والحساب، والفقه، والتوحيد، والمطالعة. وفي المرحلة الابتدائية يدرس القرآن، والتجويد، والإملاء، والخط، والحساب، والفقه، والتوحيد، والسيرة النبوية، والحديث، والنحو، والصرف. وفي المرحلة الرشيدية (الثانوية لاحقاً) يدرس تفسير القرآن، والحديث، والفقه، والتوحيد، والسيرة النبوية، والنحو، والصرف، والبلاغة، والانشاء، والمحفوظات، والتاريخ، الجغرافيا، والحساب، والهندسة، ومسك الدفاتر. وأما في المرحلة العالية (الثانوية العلمية لاحقاً) فيعمق الطالب دراسته في أصول التفسير، وأصول الحديث، وأصول الفقه، والتوحيد، والنحو، والصرف، والبلاغة، والانشاء، والجغرافيا، والحساب، والهندسة، ومسك الدفاتر، والجبر. وبذلك يستوي حظه في العلوم النقلية والعقلية، ويحصل على إجارة علمية تأهله لشغل منصب وظيفي في الدولة أو القطاع الخاص. أما التطورات التي حدثت بعد وفاة الأستاذ حمدوه فكانت تصب في إطار الهيكل الذي أشرنا إليه أعلاه إلى أن وُضعت مدرسة الفلاح تحت رعاية وزارة المعارف السعودية، حيث عُدلت مناهجها ومراحلها على نظام المدارس الحكومية، فدُمجت المرحلة التحضيرية والابتدائية في مرحلة واحدة مدتها ست سنوات، والمرحلة الثانوية سارت على نظام المعهد العلمي السعودي.

    ويبدو أن عطاء الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري في تطوير مدرسة الفلاح بمكة المكرمة كان واحداً في الأسباب التي دفعت الملك عبد العزيز بن سعود على تعيينه عضواً في أول مجلس للمعارف أُنشأ بمرسوم ملكي عام 1346هـ/1927م برئاسة مدير المعارف الأستاذ صالح أبي بكر شطا، وعضوية الشيخ عبد الله حمدوه، والشيخ محمد أمين فودة، والشيخ محمد بن ناصر التركي، والدكتور عبد الغني، والشيخ محمد نور فطاني، والشيخ ماجد الكردي، والشيخ علي مالكي. وكانت صلاحية هذا المجلس تتبلور في إقرار ميزانية المعارف، والموافقة على تعيين المدرسين الذين يرشحهم المدير، والأشراف على المدارس وبرامج التعليم ومناهجه، ودراسة حالة الكتاتيب وتقديم تقرير عنها، واختيار الكتب المدرسية للمدارس الحكومية، ووضع النظم والقوانين التعليمية. وكان المجلس يعقد جلساته العادية أسبوعياً، وعند الضرورة أكثر من جلسة في الأسبوع، ويُعطى كل عضو من غير الموظفين مكافأة مالية تُقدر بجنية واحد عن الجلسة التي يحضرها. فلا شك أن هذه التعيين وهذه المهام تدل على أن عبد الله حمدوه السِنَّاري كان صاحب مساهمة فاعلة في وضع لبنات الإنطلاقة التعليمية التي شهدتها المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد العزيز بن سعود، وتؤكد على أن قيادة المملكة العربية السعودية كانت مقدرة لعطائه الجم واسهامه الراسخ في مجال التعليم والتربية.

    تلاميذ السِنَّاري
    لا جدال أن حمدوه السِنَّاري كان أنموذجاً للأستاذ السوداني الذي امتدحه عبد الله عبد المجيد بغدادي بقوله: إنه "استقام، واخلص، وانتج، وخلَّد أطيب ذكر، وأثمن أثر، وتلاميذه كُثر، وتطيب بهم المجالس العلمية". والشاهد على هذه التزكية أن عدد خريجي مدرسة الفلاح في المكة المكرمة كان يقدر بنحو أربعة آلاف طالب عندما توفي الأستاذ حمدوه، حصل 1636 منهم على شهادة ثانوية أو ابتدائية، وانخرط معظمهم في مرافق الدولة المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص. وكان لهم تأثير واسع في نهضة المملكة العربية السعودية وخارجها.
    ونذكر منهم: الأستاذ المربي إبراهيم سليمان نوري (ت 1384هـ/1964م) الذي أسهم في وضع قواعد النهضة التعليمية في المملكة العربية السعودية، حيث تم تعيينه مفتشاً ثانياً، ثم مفتشاً أول بمديرية المعارف العامة، ثم معاوناً لمدير عام المعارف، وعندما تم تحويل مديرية المعارف العامة إلى وزارة تم تعيينه مستشاراً دائماً لأول وزير لوزارة المعارف في العهد السعودي. أما تلميذه السيد علوي بن عباس المالكي فقد كان معلماً مقتدراً في مدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ومفتياً ثبتاً في كثير من القضايا الدينية والاجتماعية التي كانت تُعرض عليه، وله حلقة علم دائمة في الحرم المكي يتحلق حولها طلابه ومريدوه، وعرفه أهل مكة أيضاً مأذوناً يعقد الأنكحة لهم، وكانوا يحبونه "حباً جماً، ويستبشرون بعقده لزواج أولادهم"، وبجانب ذلك كان له سلسلة أحاديث رمضانية محضورة في إذاعة المملكة العربية السعودية بجدة. وفي مجال التعليم النسوي تشخص آثار تلميذه عمر عبد الجبار (ت 1391هـ/1971م) صاحب المؤلفات المدرسية وتراجم الأعلام، والمربي الذي كرس جهده لخدمة التربية والتعليم. وفي العهد السعودي الزاهر اضطلع بعدة مهام تربوية ووظيفية، منها: مدير دار الأيتام، ومساعد مدير المعهد السعودي بمكة، ومدير شرطة الحرم، ومدير شرطة الآداب، وضابط بالأمن العام، ومفتش في أمانة العاصمة، ومدير عام الجوازات. وقبل أن تولد الرئاسة العامة لتعليم البنات انشأ الأستاذ عمر عبد الجبار مدارس الزهراء للبنات بمكة المكرمة، وكان لها تأثير واضح في توسيع دائرة تعليم الفتاة السعودية.
    ونجد في مجال العمل الصحفي والتعليمي بصمات تليمذه الوفي محمد سعيد العامودي، رائد فكرة تأسيس البعثات العلمية للخارج، بحجة أنها تسهم في رفع مستوى التعليم وتجويد الكسب الأكاديمي. ويقال أنه قد قدم مذكرة في هذا الشأن -مع صاحبيه عبد الوهاب آشي ومحمد بياري- إلى الملك عبد العزيز بن سعود الذي ثمنها ووجه بدراستها، وبموجب تثمينه تم إرسال أول بعثة تعليمية حكومية إلى مصر. ولم يقف عطاء العامودي عند هذا الحد، بل كان يشمل كتاباته في المجلات المصرية مثل المقتطف، والهلال، ومقالاته المتنوعة التي كانت تُنشر في مجلة المنهل السعودية. وفوق هذا وذاك رئاسته لتحرير جريدة صوت الحجاز في أوائل عهدها عام 1352هـ/1933م، ومجلة الحج، ومجلة رابطة العالم الإسلامي، وعضويته في مجلس الشوري السعودي (1372-1375هـ/1952-1955م)


    خاتمة
    وبهذه الترجمة نخلص إلي أن اغتراب الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري وأمثاله من جيل العصاميين السودانيين كان اغتراب صفوة من الأفذاذ الذين قدموا أعمالاً جليلة، وخلَّدوا أثراً طيباً في البلاد التي زاروها، أو اتخذوا منها موطناً لأنفسهم وزراريهم. ومن هذه الزاوية فإن اسهاماتهم تصب في إطار إبداع الفرد السوداني في أراضي المهجر، وتمثل أنموذجاً فريداً لعطاء أبناء ذلك الجيل الذين عاشوا فوق أمجاد بنوها بنور العلم لا عُمد الرخام. عليه فإن سيرهم لا تصلح كمشروع بحث منهجي لدراسة ظاهرة الاغتراب السودانية في مضمونها الجمعي، لأن بواعثها واسهاماتها ونتائجها تختلف اختلافاً جذرياً مع ظاهرة الاغتراب الحالية التي تقوم على ألوان طيف شتى من البواعث والمسببات، والوسائل والغايات، والكسب والعطاء. وبالرغم من هذا التميز الذي لازمه تقدير موازٍ من المملكة السعودية إلا أن الأستاذ عبد الله حمدوه السِنَّاري ظل حبيس هامشية اغتراب أحادي، تجلى في عدم إدراك حجم إسهاماته التعليمية والتربوية في السودان، وذلك بخلاف صاحبيه السوركتي والقدال اللذان عاشا هامشية اغتراب مزدوجة، قامت على ثنائية بخس التقدير الرسمي لعطائهما في بلاد المهجر، وعلى تجاهل ذلك العطاء في وطنهما الأم. فعرفاناً لهذا الجميل المستهان يجب على الباحثين السودانيين أن يكرسوا طرفاً من جهدهم لهؤلاء الأعلام الذين جسدوا عطاء الفرد السوداني في أبهى صوره، لأنهم كانوا سفراء دبلوماسية شعبية حقيقية لا تقتات من سنام المال العام، ولا تنظر إلى التواصل مع الآخر من منظور مهنة مدفوعة الأجر.



    مقال رائع لأحد أعلامنا اذلين تركوا لنا هذا الارث العظيم، التحية للدكتور أحمد ابراعهيم أبو شوك والذي يقيم حاليا في ماليزيا..
                  

02-18-2008, 06:46 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    الأخوة الكرام
    نتابع مع البروف أحمد ابراهيم أبو شوك ترجمته للداعية أحمد سوركتي، وهو مقال كان قد نشره في عدة صحيفة الخرطوم وعدة مواقع الكترونية ، وقد أرسل لى نسخة منه عبر البريد الالكتروني فله منى الشكر والتقدير

    ===========================

    الشيخ أحمد محمد السوركتي (1876 ـ 1943)
    رائد حركة الإصلاح والإرشاد العربية في إندونيسيا


    أحمد إبراهيم أبو شوك

    مقدمة
    شهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي والنصف الأول من القرن العشرين بوادر صحوة إسلامية تنادي بالعودة إلى الكتاب والسنة وفتح باب الاجتهاد لتحقيق التوافق والانسجام بين النص الديني (الكتاب والسنة) والواقع الحياتي المعاش. وقد جاءت هذه الصحوة نتيجة لحركة تفاعل بين عوامل خارجية أفرزها الوجود الاستعماري الغربي في معظم بلدان العالم الإسلامي ودوافع ذاتية استمدت منهجها من تراث ابن حنبل (780 -855م)، وابن تيمية (1263 -1328م) الرافض للبدع والخرافات التي فرضتها رجاحة الموروث المحلي علي الكسب الفقهي المتبصر بمعتقدات وعبادات ومعاملات الأفراد والجماعات في إطار الشريعة الإسلامية. وقد حمل لواء هذه الحركة علماء أجلاء أمثال جمال الدين الأفغاني (1838 -1897م) ومحمد عبده (1849 -1905م)، ومحمد رشيد رضا (1865 -1935م). وبفضل إسهامات هؤلاء العلماء انداحت دائرة الصحوة لتشمل عددا من البلاد المسلمة التي تباينت درجات التأثر والعطاء فيها تبايناً طردياً مع معايير الاستعداد الفكري والقيم الثقافية والاجتماعية في كل قطر مسلم حداه.
    يحاول هذا البحث أن يستعرض التأثير الثقافي والفكري الذي أحدثته هذه الصحوة في إندونيسيا وذلك بتركيز على الدور الذي لعبته حركة الإصلاح والإرشاد العربية التي أسسها الداعية أحمد السوركتي (1876 -1943م) في مدينة جاكرتا (بتافيا) عام 1914م. وتوطئة لهذا الموضوع يستحسن أن يكون مدخلنا بعرض موجز لتاريخ دخول الإسلام وانتشاره في إندونيسيا وذلك لكي نستوعب الظروف السياسية والبيئة الاجتماعية التي نشأت فيها حركة الإصلاح والإرشاد العربية، وتشكلت فيها برامجها الإصلاحية وصراعها الفكري والسياسي مع السادة العلويين الحضارمة الذين كانوا يمثلون الطبقة الدينية الأرستقراطية في ذلك المجتمع.

    الإسلام والعرب في إندونيسيا
    يصعب تحديد الزمن الذي تسرب فيه بواكير الدعوة الإسلامية إلى إندونيسيا، لذا فإن أراء الباحثين قد تباينت حول هذا الموضوع. إذ يفترض فريق منهم أن التجار العرب هم أول من بشر ودعا إلى عقيدة الإسلام في المنطقة الشمالية الغربية لجزيرة سومطرة وذلك في القرن الأول الهجري (السابع الميلادي). وتستند حجية هؤلاء الباحثين إلى النفوذ التجاري العربي الذي أرسي قواعده في منطقة كوجرات الهندية قبل البعثة النبوية، ثم من كوجرات انطلقت بعض المجموعات العربية صوب إندونيسيا والفلبين والصين. وعندما ظهر الإسلام تحول معظم هؤلاء المستوطنين العرب إلى دعاة لنشر الإسلام في تلك الربوع وذلك لحماية مصالحهم التجارية من جهة وإبقاء عقيدتهم التي آمنوا بها من طرف ثان. ويوثق هؤلاء لرأيهم أيضا بوجود دليل اثري لشاهد قبر رجل مسلم توفى قرب جزيرة سومطرة ويرجع تاريخ وفاته إلى العقد السادس من القرن الأول الهجري.
    ويميل الفريق الثاني الذي يتزعمه المستشرق الهولندي سنوك هورغرونيه (Snouck Hurgronje) إلى القول بأن الإسلام قد وصل إلى الجزر الإندونيسية في القرن الثالث عشر الميلادي وذلك بوساطة المسلمين الهنود الذين كانت لديهم معرفة قديمة بإندونيسيا. وتستند حجية هذا الرأي إلى انتشار المذهب الشافعي الذي يغلب الظن أنه قد جاء إلى إندونيسيا من سواحل كروماندل (Cromondal) وملابار (Malabar) في الهند، وإلي خصوصية الإسلام الشعبي الإندونيسي الذي تدثر ببعض الموروثات المحلية وأدبيات الصوفية التي لقيت رواجاً في شبه القارة الهندية.
    أما الفريق الثالث من الباحثين فيزعم أن الإسلام قد دخل إلى إندونيسيا بوساطة التجار الإندونيسيين الذين كانت لهم علاقات تجارية مع منطقة الخليج العربي منذ القرن السابع الميلادي، ولهم أيضا مصالح متبادلة مع رصفائهم من التجار العرب والهنود والصينيين المسلمين. وبعد أن اعتنق هؤلاء التجار الإسلام قاموا ببث الدعوة الإسلامية بين أهليهم، وتدريجياً وثقوا صلاتهم بوجهاء الأسر الحاكمة، وعن طريق هذه الصفوة استطاعوا أن يؤسسوا عدداً من الممالك الإسلامية اذيعها صيتا مملكة برلاك (أو برلاق) في جزيرة سومطرة ، المملكة التي زراها الرحالة الإيطالي ماركو بولو (Marco Polo) عام 1292م، وكتب عنها قائلا "أن غالبية سكانها وثنيين، إلا الذين يقنطون المدن الساحلية فقد اتبعوا دين محمد، وذلك عن طريق التجار العرب الذين كانوا يخالطونهم باستمرار".
    لا شك أن هذه الفرضيات الثلاث تذخر برصيد من الحقائق التاريخية التي لا يمكن إنكارها، إلا أنها في واقع الحال حقائق تاريخية مختارة ونظرتها نظرة آحادية إلى تاريخ دخول الإسلام وانتشاره في إندونيسيا، لذا فلا يجوز لأي منها أن تدعي عصمة الزلل واحتكار صفة الحقيقة، لكنها إذا حللت تحليلا علمياً يمكنها أن تعطينا صورة واضحة لواقع تسرب الدعوة الإسلامية إلى إندونيسيا، ومعرفة العناصر التي أسهمت في توسيع دائرة المد الإسلامي، ثم استيعاب المنهج الدعوى (أو التبشيري) الذي جعل الإندونيسيين يدخلون في دين الله أفواجاً.
    وتفادياُ للخلط الذي وقعت فيه هذه الفرضيات ينبغي أن نفرق بين "دخول" الإسلام وعملية "انتشاره" في إندونيسيا من حيث المضمون والمعنى، لأن دخول الإسلام يغلب الظن أنه قد حدث في القرن الأول الهجري وذلك بوساطة التجار العرب الذين كانت لديهم علاقات وثيقة مع سيلان والصين والهند وسواحل سومطرة الشمالية (آشية)، وبعد أن اعتنق هؤلاء التجار الإسلام أضحوا يمثلون أقليات مسلمة تعيش في سواحل المدن التجارية لهذه البلدان وتبشر بظهور دين جديد.
    أما عملية انتشار الإسلام فقد جاءت عبر مراحل متعاقبة ومتداخلة اسهم فيها عدد من التجار العرب والهنود والإندونيسيين والعناصر المولدة التي نشأت نتيجة لعلاقات التصاهر بين هذه القوميات. وتتجسد الحلقة الأولى من حلقات انتشار الإسلام في استقرار عدد من التجار العرب والهنود في موانئ إندونيسيا الساحلية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، ثم بعد ذلك ظهر نوع من العلاقات الودية التي فرضتها طبيعة المعاملات التجارية القائمة على نظام المقايضة بين التجار الوافدين والسكان المحليين، وتدريجياً يسرت هذه العلاقات السبل لقيام روابط مصاهرة من خلالها استطاع التجار الوافدون أن يتأقلموا مع المجتمع المحلي ويسهموا في بث الدعوة الإسلامية. بيد أن عطاء التجار المسلمين في هذه المرحلة كان عطاءاً محدوداً واستجابة المجتمع إليهم كانت محصورة في إطار هذه العلائق التجارية الاجتماعية.
    وبمجئ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) انداحت دائرة الدعوة الإسلامية في أوساط القطاعات غير المسلمة، والسبب في ذلك يعزي إلى إغلاق ميناء كانتون (Canton) في الصين في وجه التجار الأجانب وتحول طرق التجارة البحرية إلى موانئ أرخبيل، وعلى وجه التحديد إلى ميناء ملقا الذي أضحى مركزاً تجارياً هاماً بالنسبة للسفن القادمة من الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية والعائدة إليهما. ولازم هذه النقلة ـ كما أشرنا من قبل ـ انتعاش في حركة التجارة الإندونيسية، وبفضل ذلك اتسعت دائرة العلائق الاجتماعية وامتد نفوذ الدعوة الإسلامية وسط الأهليين الذين كانوا يمثلون جزءا من نسيج هذه الحركة التجارية النشطة.
    أما الحلقة الوسطى فقد تبلورت في الدعوة المنظمة التي قام بها دعاة ينحدرون من أصلاب عربية ويعرفون محلياً بالأولياء التسعة. وبفضل نشاط هؤلاء الأولياء (سنون أوليا) وجد الإسلام قبولاً واسعاً وسط الإندونيسيين الذين عرض عليهم في ثوب صوفي متصالح مع عاداتهم وتقاليدهم الموروثة. وتقديراً لهذا الجهد أضحى هؤلاء الأولياء موطن تقديس وتجلة في نظر الأهليين، الذين أمسوا يقدمون لهم الهدايا والنذور عرفانا لمقاماتهم الدينية ورغبة في شفاعتهم الأخروية وتوسلهم الدنيوي. ولازم هذه الطفرة النوعية اهتمام بدور المساجد والمعاهد الدينية الإندونيسية في بث الدعوة الإسلامية وتدريس علوم القرآن والحديث والفقه، ووثقت أيضا علاقة بلاد الأرخبيل بمدينتي مكة والمدينة والأزهر الشريف بالقاهرة، حيث أنشئت أروقة لطلاب العلم الإندونيسيين، الذين هاجروا إلى تلك البقاع وارتشفوا العلم من مناهله الأصلية وعادوا إلى بلادهم دعاة مؤهلين ومبشرين لدين الإسلام.
    ثم توجت هذه المرحلة باعتناق عدد من الأمراء والنبلاء الإندونيسيين لعقيدة الإسلام وذلك لإرتباط نفوذهم السيادي بالحركة التجارية "العالمية" التي سيطر على مقاليدها العرب المسلمون، إضافة إلى دوافعهم السياسية المتمثلة في التخلص من سيطرة مملكة المجافاهيت الهندوكية (1293-1389) التي بدأ نجمها السياسي يأفل في ظل تصاعد المد الإسلامي في الجزر الإندونيسية. وبهذه النقلة النوعية وجد الإسلام طريقه إلى البلاط الإندونيسي واضحي يمثل عقيدة الصفوة الحاكمة التي لا شك أنها قد أثرت في دفع مسار الدعوة الإسلامية في أوساط الرعية وفي أوساط الحكام الذين كانت تربطهم بها أحلاف سياسية ومنافع تجارية مشتركة ومتبادلة.
    وبهذه الكيفية ـ كما يرى المستشرق الهولندي سنوك هور غرونيه ـ أن الإسلام قد دخل أرخبيل الشرق الأقصى [وانتشر فيه]… ولم يدخل بحد السيف كما كان الأمر في البلاد التي ظهر فيها أولاً. ففي الشق الأقصى لم يشعر الناس أن الدين مفروض عليهم من سلطة عليا، كلا، بل كان حقائق تكشفت لهم، حملها الغرباء عبر البحر، وما أن اقتنعوا بها واعتنقوها حتى اصبحوا يشعرون أنهم جزء من حضارة سامية حملتهم إلى مستوى رفيع بين أمم العالم".

    الحضارمة في إندونيسيا
    يذكر شيخ الربوة الدمشقي (ت 1327م) أن السادة العلويين كانوا في مقدمة التجار والدعاة المسلمين الذين حطوا رحالهم بأراضي الأرخبيل، وحسب زعمه أن طلائعهم الأولى وصلت إلى "بلاد الصنف" في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان (644-656م).
    ويبدو أن الدمشقي يقصد بالسادة العلويين رهط من أحفاد علي بن أبي طالب على سبيل الإطلاق. أما هجرة السادة العلويين الحضارمة ومن صحبهم من أبناء حضرموت إلى إندونيسيا فقد بدأت في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وبلغت ذروتها في الربع الأول من القرن العشرين للميلاد وذلك على ضوء إحصاءات الحكومة الهولندية التي استعرضها السيد إسماعيل العطاس في كلمته التي ألقاها في الاحتفال باليوبيل الفضي لتنصيب ملكة هولندا عام 1925م.
    التاريخ جاوة ومدورا جزر أخرى المجموع
    1859 4992 غير معلوم ...
    1870 7495 غير معلوم ...
    1884 10888 غير معلوم ...
    1905 19148 10440 39500
    1920 27806 17115 44921

    ويقصد في هذا الحديث بالسادة العلويين الحضارمة آل علوي بن عبيد الله بن الإمام المهاجر الذين يرفعون نسبهم إلى سبط الرسول صلى الله عليه وسلم، الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهم مجموعة أسر ذائعو الشهرة العلمية والسياسية والاجتماعية في اليمن والهند وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا، وفيهم صفوة من الأفذاذ الذين خدموا العلم والمجتمعات التي اندمجوا في شؤونها الحياتية. وبفضل خصوصية انتسابهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أصبحوا يمثلون طبقة دينية أرستقراطية في حضرموت والهند وجنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا، وأضحى لهم مقاماً محموداً يسمو على مقامات الأولياء والصالحين والحكام، حيث تقبل أيديهم عند المصافحة، وتقدم الهدايا إلى أحيائهم، وتنصب القباب على قبور مواتهم، وتنذر إليهم النذور بغية الشفاعة الأخروية والتوسل في قضاء الحاجيات الدنيوية. وتقديساُ لهذا الانتساب يحرم زواج حرائرهم لغير العلويين بحجة عدم توفر الكفاءة النسبية وصيانة الدم الشريف. وداخل هذا الإطار الصفوي ينقسم آل باعلوي أنفسهم إلى طبقتين، تتصدرهما طبقة العلويين المناصب من آل الشيخ أبي بكر وآل العطاس وآل العيدروس وآل الحبشي، وتليها طبقة العلويين غير المناصب من آل السقاف وآل الجفري وآل الكاف وآل الحداد وآل بلفقيه.
    هكذا تشكلت قمة الهرم الاجتماعي للجالية الحضرمية في إندونيسيا كما كان عليه الحال في سائر البلدان التي يقطنها الحضارمة، أما بقية المهاجرين فقد تدرجت مراتبهم بين أسرتي آل يافع وآل كثير وبين المستضعفين الذين ينتمون إلى أصحاب المهن والحرف الهامشية. ومن خلال هذا الهيكل الطبقي استطاع السادة العلويون أن يصون نفوذهم الروحي وجاههم الاجتماعي، ويرفضوا فكرة المساواة الشرعية، ويترفعوا عن بقية الشعوب الإسلامية بحجة سمو كفاءتهم النسبية وانتمائهم الذاتي لا الصفات إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ويتجلى هذا التوجه في معارضتهم الصريحة للزواج الذي حدث في سنغافورة عام 1905م بين شاب هندي مسلم وفتاة علوية شريفة، وقد دفعت هذه المعارضة أحد شباب العلويين إلى استفتاء السيد محمد رشيد رضا، صاحب مجلة المنار، عن صحة هذا الزواج شرعا، فأفتى السيد رضا بصحته. ولا غرو أن هذه الفتوى قد أحدثت رد فعل عنيف في أوساط السادة العلويين الحضارمة، ثم دفعت السيد عمر بن سالم العطاس إلى إصدار فتوى مضادة تقضي بتحريم زواج الشريفة العلوية بغير الشريف حتى لو رضيت الزوجة المعنية بالأمر ووافق وليها، وذلك استناداً إلى سمو كفاءتها الذاتية المرتبطة بانتمائها إلى أرومة الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وكما يرى الأستاذ عمر سليمان ناجي، فإن استفتاء الشيخ رشيد رضا قد كان يعبر عن انعكاس طبيعي لتزمر (المتنورين) من شباب السادة العلويين، الذين ظلوا ينتقدون صراحة سلوكيات قادتهم التقليديين ويدعون إلى التوحيد والإخاء والمساواة بعيدا عن الخرافات والبدع التي فرضتها رجاحة الموروث العلوي على ثوابت ومرتكزات الدين الإسلامي. وكان منشأ هذه الحركة في سنغافورة، حيث اشتهر قادتها حسن بن علوي بن شهاب الدين (1852 -1912) وأبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين (1946 -1922) ومحمد بن عقيل بن عمر آل يحي (1963 -1931). وقد عرف جميع هؤلاء بأبحاثهم الجريئة التي كانت تنشر في الصحف المصرية منادية بالإصلاح الاجتماعي والتعليمي، وحاطة من شأن البدع والخرافات التي كانت شائعة في أواسط سادتهم العلويين المناصب ومن شايعهم، وداعية العامة إلى إتباع تعاليم صاحب المنار محمد رشيد رضا والشيخ محمد عبده والداعية جمال الدين الأفغاني وشيخ الإسلام ابن تيمية.
    تدريجياً انتقل مركز ثقل هذه الحركة من سنغافورة إلى إندونيسيا، حيث بدأت الحركة تأخذ شكلها المؤسسي في "جمعية خير" التي أنشأها نفر من العلويين بطريقة عرفية في مدينة بتافيا عام 1901م، وكان هدفها الأساس إعانة الفقراء وتعليم الأطفال. وفي عام 1903م تقدم أعضاء لجنتها التنفيذية بعريضة إلى مكتب شؤون الأهالي الهولندي للاعتراف بها رسميا، فصدر قرار الموافقة في سنة 1905م، شريطة أن يكون نشاط الجمعية محصوراً في مدينة بتافيا. وفي نفس العام انتخب السيد أحمد بن محمد بن شهاب الدين رئيساً للجمعية. وفي أبريل 1906 تقدمت الجمعية بطلب للتصادق لها بإنشاء مدرسة إعدادية لتعليم أبناء الجالية الحضرمية في بتافيا. وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ فتحت مدرسة جمعية خير الإعدادية أبوابها للتعليم المجاني، وبدأت أيضا تعقد دروسا عامة كل أسبوع للراغبين من النساء والرجال. وبهذه الكيفية توسعت أعمال جمعية خير، وطبع قانونها الأساس في سنغافورة، وفتحت لها مدارس إعدادية أخرى في معظم أحياء بتافيا. ثم بعد ذلك بدأت تلوح في الأفق فكرة انتداب معلمين من الخارج للعمل في مدارس الجمعية، لذا فقد بعثت الجمعية السيد عبد الله بن عبد المعبود الموصلي إلى الحجاز عام 1911 لاختيار معلمين أكفاء. وبوساطة الشيخ يوسف الخياط والسيد حسن بن محمد الحبشي تم التعاقد مع الأستاذ أحمد محمد السوركتي السوداني وصاحبيه الشيخين محمد الطيب المغربي ومحمد بن الحميد السوداني للعمل في مدارس جمعية خير في بتافيا.

    أحمد محمد السوركتي: الأستاذ والداعية:
    ولد الأستاذ أحمد محمد السوركتي في جزيرة أرقو بالولاية الشمالية في السودان عام 1876م من أسرة مشهود لها بالورع والصلاح والعلم، حفظ القرآن بخلاوى منطقة دنقلا ودرس مبادئ الفقه على والده، ثم تيمم شطر الحجاز عام 1897م هجرة في سبيل العلم والمعارف ورغبة في أداء الفريضة. وبعد أداء فريضة الحج أقام في المدينة المنورة أربع سنوات ونصف، خلالها درس علوم القرآن والحديث والفقه واللغة العربية على علماء أكفاء في ذلك العصر، أمثال المحدث عمر بن حمدان المغربي، والفقيه المالكي أحمد بن الحاج علي المجذوب، والعالم اللغوي الشيخ أحمد البرزنجي. وجاور في مكة المكرمة لمدة عشر سنوات حيث جود معارفه النقلية والعقلية على كبار مشائخ الحرم المكي أمثال العلامة أسعد بن عبد الرحمن الدهان، والشيخ محمد بن يوسف الخياط، والشيخ شعيب بن موسى المغربي. وبعد هذه الأربعة عشرة عاماً ونصف من السياحة في حلقات العلم والمعرفة بالحرمين الشريفين حصل المترجم له علي الإجازة العالمية من علماء الحجاز، وقيد اسمه في سجل علماء أم القرى، ثم صودق له بالتدريس في الحرم المكي.
    وعلى ضوء هذه المؤهلات العلمية والخبرة العملية تم التعاقد مع الأستاذ السوركتي الذي وصل إلى مدينة جاكرتا بصحبة الشيخين محمد الطيب المغربي ومحمد عبد الحميد السوداني في شهر ربيع الأول عام 1329 هـ (مارس 1911م) ثم نزل ثلاثتهم ضيوفا على السادة العلويين الذين رحبوا بمقدمهم باعتبارهم أول هيئة علماء تصل من الأراضي المقدسة للعمل في مدارس جمعية خير. وفور وصولهم عين الأستاذ السوركتي مديراً لمدرسة باكوجان ومفتشاً للتعليم، والشيخ محمد الطيب معلماً بمدرسة كروكت، والشيخ محمد عبد الحميد بمدرسة بوقور.
    إلا أن هذه التظاهرة الاجتماعية في استقبال هيئة العلماء القادمة من مكة المكرمة لا تمنعنا من أن نحلل موقف السادة العلويين تجاه حركة التعليم والإصلاح الاجتماعي، وأن نصنفهم إلى ثلاث مجموعات كل مجموعة حسب موقفها من حركة التعليم، لأن مثل هذه النظرة تمكننا من فهم أسباب الصراع الذي نشب فيما بعد بينهم وبين الإرشاديين. تشمل المجموعة الأولى المحافظين من السادة العلويين المناصب الذين ورثوا الجاه من آبائهم وأضحوا يمثلون القيادة الروحية والاجتماعية لأهالي حضرموت المقيمين في أندونيسيا، فقد كان هؤلاء في حالة توجس من الحركة التعليمية ويحسبونها لا تصب في معين طموحات الشخصيات، إلا أنهم شايعوها تقيّة.
    وتمثل المجموعة الثانية قلب الحركة التعليمية النابض الذي كان يتألف من شباب البيوتات الصغيرة (أي العلويين غير المناصب) وبعض المتنورين من شباب السادة العلويين المناصب الذين كانوا يتظاهرون بالحرية والدعوة إلى المساواة ويوصمون أهل الجاه "بالغش والدجل والخرافات". وخير شاهد على موقفهم هذا ما قاله رئيس جمعية خير السيد محمد بن عبد الرحمن بن شهاب مثمناً عطاء الأستاذ السوركتي وما حققه من إنجازات في سنته الأولى: "كنا لا نعتاد غير رؤية أصحاب الأردية الخضراء والسبح الرقضاء، ممن يخضبون لحاهم ويطوفون البلاد طولاً وعرضاً للاستجداء والتسول. أما الآن فقد أنعم الله علينا بالشيخ السوركتي الرجل العالم الصالح، وحصل على يديه نفع كثير وخير جزيل. وعضدت مجلة الشفاء في عددها الخامس من سنتها الأولى شهادة ابن شهاب بقولها: "كلنا نعلم أنه لم يفد إلينا في هذا العصر أو في الذي قبله لا في حضرموت ولا في المهجور رجل جاهد في سبيل رقينا وتشريفنا جهاد هذا الرجل الذي أصبحنا بفضل علمه وجده أحرار الضمائر مخلصي الدين، مجتهدين في التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    أما المجموعة الثالثة فكانت تتكون من بعض الشباب المتنورين والمولدين الذين لم يكن لديهم انتماء لحزب أو تشيع لمذهب وليس لهم رباط عقيدي يأطر لأفكارهم وطموحاتهم، لكنهم ظلوا يضمرون مناصرتهم إلى الإصلاح من أي طرف أتى.
    في ظل هذه الظروف كانت النصرة إلى المجموعة الثانية التي أعجبت بعطاء السوركتي وهللت لإنجازاته، ثم فوضته بأن ينشأ مدرستين أخريتين في أحياء سرابايا وبتانه أبع بولتفردن وأن يختار أربعة أساتذة أكفاء للعمل في مدارس الجمعية التي اتسعت أنشطتها التعليمية وبرز دورها الإصلاحي. لم يكن هذه المرة مبعث الإلهام المعرفي هو الحجاز بل ظهر في الأفق اسم السودان، حيث تعاقد السوركتي مع الأساتذة أحمد العاقب شكرت الله، ومحمد نور بن محمد خير الأنصاري، وساتي محمد السوركتي، وحسن حامد الأنصاري للعمل في مدارس جمعية خير في إندونيسيا. وصل هؤلاء الأساتذة الأربعة إلى بتافيا عام 1913م ويقال أنهم جميعا كانوا من أنصار تعاليم الشيخ محمد عبده الذي درس بعضهم على يديه في الأزهر الشريف، وألم البعض الآخر بأدبياته العلمية المنشورة.
    إذاً السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو منهج الأستاذ السوركتي التعليمي والتربوي الذي جعل المتنورين من العلويين يشيدون بإنجازاته وعطائه؟ تخبرنا أدبيات الإرشاديين بأن السوركتي فور توليه العمل بمدارس جمعية خير قام بوضع برنامج تعليمي متكامل، بين فيه طرق التدريس والعلوم (اللغة العربية مبادئ الفقه وبعض العلوم العقلية) التي يجب أن تدرس. ويبدو أن هذا البرنامج قد وجد قبولا عند إدارة جمعية خير والسادة المتنورين الذين كانوا يعتبرونه طفرة نوعية في مناهج التعليم وأساليب التدريس. وقد أكد هذه الفرضية أداء الطلاب في الامتحان النهائي وكفاءة الأساتذة السودانيين في توصيل المعلومة إليهم.
    وبجانب هذه الأمور الأكاديمية نلحظ أن السوركتي قد أولى اهتماما خاصا بالناحية التربوية القائمة على غرس روح المساواة بين الطلاب والمثابرة في تحصيل العلم والمعارف. وفي هذا الشأن نجده قد رفض أن يأخذ برأي بعض العلويين المحافظين الذين طلبوا منهم أن يأمر الطلاب بأن "يقبلوا أيدي أولاد السادة العلويين" ، عند بداية اليوم الدراسي، وبالأحرى لم يكتف بالرفض ولكنه نحا منحاً أخر، حيث نظم أرجوزة سماها "أمهات الأخلاق" وأمر الطلاب أن ينشدونها عند بداية اليوم الدراسي ونهايته.
    وبذلك حاول أن يُأصّل لروح المساواة بين الطلاب ويبين لهم أن العلم يرفع بيتاً لا عماد له و الجهل يهدم العز والشرف. وفي هذا المضمار تقول بعض مقاطع أرجوزته:
    فالتعــــليم للأولاد مرفاة عرش المجد والإسعاد
    ومجده المجد الأثيل الأسما وفقده الداء الذي لا يحمي
    لا فخر بالزي ولا النسب ولا بجمع ورق أو ذهـب
    لكنه بالعلـم والآداب والدين مصباح أولى الألباب
    مرجـع الكل إلي آدم ومنه خلقهم بلا إرتيـاب

    لا جدال هذا التوجه التربوي قد ترك أثراً سيئاً في نفوس بعض السادة العلويين المحافظين، لأن الدعوة إلى المساواة كانت تعني بالنسبة لهم الرفض الصريح للثوابت الطبقية التي أسسوا عليها مجدهم الاجتماعي وجاههم الديني، إلا أنهم لم يكونوا في وضع يؤهلهم لإعلان معارضتهم الصريحة للأستاذ السوركتي الذي حظي بتأييد الطبقة المتنورة، لكنهم كظموا غيظهم إلى أن تأتي الفرصة المناسبة التي تمكنهم من أن يعبروا عن رأيهم صراحة تجاه أفكار السوركتي التحررية.
    وبعد أن أرسي السوركتي دعائم برنامجه التعليمي والتربوي بمدارس جمعية خير، خرج في السنة الثانية سائحاً وداعياً في جاوة الوسطى، ومن ضمن المدن التي زارها مدينة الصولو حيث نزل ضيفاً على نقيب العرب عوض بن سنكر العرمي. وفي فترة إقامته بدار العرمي طرح عليه سؤال حول حكم الشرع في "زواج الشريفة العلوية من غير العلوي". ويقال أن الشيخ السوركتي قد أفتى بصحة عقد النكاح ونفي وجود أي مناع شرعي . ويبدو أن هذه الفتوى الفرضية قد أثارت حنق العلويين عليه لأنهم اعتبروها إهانة لهم، وبدأ بعضهم يعير الأستاذ بأنه معلم فقط فلا يجوز له أن يتدخل في مثل هذه المسائل الشرعية والاجتماعية. وفي هذا يقول السوركتي:
    "يلمزني الجُهّال ويعيبونني بالاشتغال بصناعة التعليم ويقولون لي: كن معلماً وما أنت إلا معلم على سبيل التنقيص. فيا ترى إذا كان ما أنا فيه من تعليم الدين عيباً أكون بسببه محتقراً فأي صنعة أشرف منها أكون عظيماً محترماً إذا تمسكت بها؟ ويا ليت شعري إذا كانت إجابتي عن مسالة دينية سئلت عنها علي مقتضى ما علمت قد عد غلطاً وفضولاً وخوضاً فيما لا يعني ففي ماذا أكون معلماً"؟.

    وعندما شعر الأستاذ بالقطيعة في وجوه القوم تداركا لموقفه هذا وعدهم بأنه سيلتزم السكوت وعدم الخوض في مثل هذه المسائل، لكن كفارة هذا الموقف من وجهة نظر السادة العلويين كانت تعني أن يصدر السوركتي فتوى أخرى ينفي ما قاله بدار العرمي. إلا أن هذا التحدي قد دفع السوركتي إلى تقديم استقالته في السادس من سبتمبر سنة 1914م إلى إدارة جمعية خير، وفي أحد بنود الاستقالة يقول "أن يبني وبينكم شرطاً وهو أن تؤدوا إلى حين إرادتي للسفر تذكرة المركب لي ولإخواني مع مصاريف السفر، فأرجو أن توفوا به لأرجع إلى مكة المكرمة التي جئت منها". فكان رد الجمعية حول هذا الموضوع "لم تر الجمعية شيئا واجبا لك عليهم. والسلام".

    جمعية الإصلاح والإرشاد: الكسب والعطاء
    ويبدو من هذه الاستقالة أن السوركتي كان عازماً على العودة إلى مكة المكرمة دون الدخول في صراع مكشوف مع السادة العلويين، إلا أن بعض وجهاء الحضارمة غير العلويين اثنوه عن هذا المسعى وشجعوه على إتمام المشوار التعليمي والإصلاحي الذي وضع لبناته في إندونيسيا. واستجابة لنداء هؤلاء عدّل السوركتي عن رأيه وفتح مدرسة خاصة في أحد بيوت نقيب العرب عمر بن يوسف منقوش بحارة جاتى سماها مدرسة الإرشاد الإسلامية.
    ثم بعد ذلك اقترح المناصرون للأستاذ السوركتي ضرورة تأسيس جمعية تقوم بتوفير الدعم المادي والأدبي للمدرسة وتسهم أيضا في تنظيم أنشطتها التعليمية والتربوية. ومن هنا نبعت فكرة قيام جمعية الإصلاح و الإرشاد العربية في مدينة جاكرتا.
    ويبدو أن تأييد نقيب العرب عمر بن منقوش وصالح عبيد عبدات وسعيد بن سالم المشعبي لقيام جمعية الإصلاح والإرشاد كان يعكس جزءا من الصراع الخفي بين السادة العلويين وبعض وجهاء المجتمع الحضرمي الذين أصبحوا أكثر قربا من موطن صناعة القرار في جاكرتا. وخير شاهد على هذا قول عمر بن سليمان ناجي عن ماهية الإرشاد ومبادئها:

    الإرشاد حركة تحررية تقدمية ظهرت بين مغتربي العرب بإندونيسيا، تهدف إلى تغيير الوضع الاجتماعي الفاسد والعقائدي، ثم نشر العلم ومحاربة الأمية، وإطلاق الفكر من قيود التقليد ومحاربة الامتيازات العنصرية، ثم البدع والخرافات التي دخلت على الدين، ثم تمكين عقيد التوحيد ليكون الإنسان عبدا لله وحده، ولتكوين مجتمع إسلامي اشتراكي تعاوني تسود العدالة والمساواة.

    لعل القارئ المتمعن في عبارات الأستاذ ناجي يلحظ أن الصراع الخفي بين الحضارمة والسادة العلويين كان يمثل الباعث الأساسي الذي مهد الطريق لقيام جمعية الإصلاح والإرشاد ومكّن الأستاذ السوركتي وبطانته من أن يصيغوا مبادئ الجمعية على ضوء المؤشرات التالية:
    ـ توحيد الله توحيداً خالصاً بعيداً عن مظان الشرك الظاهر والخفي في الاعتقاد والأفعال والأقوال.
    ـ المحافظة على الأخلاق الإسلامية التي جماعها: أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك وتحافظ على عزة النفس وشرف العمل وعدم الخنوع لغير الله.
    ـ المحافظة على العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج وغيرها وعدم التهاون فيها.
    ـ إحياء السنة الصحيحة وترك البدع وعدم المشايعة لها.
    ـ التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.
    ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة.
    ـ نشر العلوم الدينية العصرية واللغة العربية.

    على هدي هذه المبادئ نشأت جمعية الإصلاح والإرشاد العربية وبدأت تبشر بفجر المساواة والإخاء والتعليم، ونتيجة للنجاح الذي حققته في هذا المضمار بدأت الطلبات تتري على مركزها العام في جاكرتا بغية إنشاء فروع مماثلة لها في الأقاليم. واستجابة لهذه النداءات ثم افتتاح فرع مدينة تقل عام 1817م، وفي عام 1919م افتحت ثلاثة أفرع أخرى في مدينة بكالونقان وشربون وبومي أيو، وفي عام 1927م أسس فرع للإرشاد بمدينة سورابايا، وتبعه في ذات العام فرع مدينة بانيووانقي وفي العام الذي يليه ثم افتتاح فرعي مدينة بندووسو، ومدينة بوقور، وفي عقد الثلاثينات ظهرت أفرع الإرشاد في فماللانق، سمارانق، شومال، فور وكرتو، صولو. وألحق كل فرع من هذه الفروع بمدرسة إعدادية لتعليم الناشئة الحضارمة علوم القرآن والحديث واللغة العربية والعقائد والفقه والتفسير، وبعض العلوم العقلية مثل الكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا والهندسة والهيئة والمنطق، وبعض اللغات الأجنبية مثل الهولندية والإنكليزية.
    وقد علق الداعية رشيد رضا علي هذا النشاط بقوله: إن جمعية الإصلاح والإرشاد "غرضها إنشاء المدارس ونشر التعليم الديني والمدني الذي تقتضيه حالة العصر من الاستقلال وإحياء هدى الكتاب والسنة ومقاومة الخرافات الفاشية من طرق الابتداع في الدين".
    وبجانب هذا النشاط التعليمي اهتمت الإرشاد بتقديم المحاضرات العامة في المساجد والأندية الثقافية وذلك لتبصير الناس بأمورهم الدينية وبعض المسائل المرتبط بشؤونهم الحياتية، وأسهمت في تطوير العمل الصحي بإنشاء عدد من المراكز الصحية لتقديم الخدمات الوقائية والعلاجية بأسعار رمزية، وأسست عدداً من فرق الكشافة والموسيقى والرحلات وذلك لتدريب الناشئة على الصبر والعطاء ولترقية الحواس الفنية والذوقية فيهم.
    ونجدها أيضا قد تركت بصمات واضحة في تاريخ الكفاح السياسي ضد الاستعماري الهولندي والياباني وفي هذا يقول الرئيس الإندونيسي (السابق) سوكرنو في مؤتمر حزب شركة إسلام المنعقد بمدينة الصولو في 19 أبريل 1951: "إن إندونيسيا لا ولن تنسى فضل الجمعيات التي ساعدت على إحياء النخوة والغيرة الدينية والوطنية التي عجلت بالثورة الكبرى والحصول على حريتنا، كحزب شركة إسلام السياسي وجمعية الإرشاد والمحمدية الدينيتين".
    وتحدثنا المصادر التاريخية أيضا عن إسهام بعض قادة الإرشاد في تأسيس حزب مجلس شوري مسلمي إندونيسيا (ماشومي) الذي تزعمه الدكتور محمد ناصر. وفور تأسيسه ظل هذا الحزب يمثل تيارا إسلاميا داخل البرلمان الإندونيسي وترياقا ضد الشيوعية في الشارع السياسي، الشيء الذي دفع الرئيس الراحل سوكرنو إلى حله عام 1959م.

    الخصومة بين العلويين والإرشاديين
    لم يحدث تطور جمعية الإصلاح والإرشاد العربية الذي أشرنا إليه في جو يسوده الوئام والإلفة والتعاون، بل كانت كل خطوة من خطواته محفوفة بمعارضة السادة العلويين، الذين كانوا يعتبرون الدعوة إلى المساواة ومحاربة الشفاعة والتوسل وزيارة القبور وفتح باب الاجتهاد وفق قيم الكتاب والسنة ابتداعا في الدين يهدد إرثهم الاجتماعي وتراثهم الصوفي بالزوال، لذا فعليهم أن يحاربوه بشتى الوسائل والسبل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. من ثم أخذ الخلاف بين جمعية الإصلاح والإرشاد وجمعية خير (أو الرابطة العلوية التي نشأت عام 1927) يزداد حدة وضراوة ويأخذ طورا آخر ملئ بالفجور في الخصومة.
    وقد توقدت الشرارة الأولى لهذا الصراع في أكتوبر 1915م، عندما نشر أحد شباب آل باعلوى مقالا في جريدة "صولوه هنديا" الملاوية عن المساواة بين المسلمين، ويبدو أن كاتب هذا المقال قد انتقد فيه فتوى السوركتي التي أصدرها بشأن جواز زواج العلوية الشريفة بغير العلوي. وردا على هذا المقال أصدر السوركتي فتوى أخرى سماها "صورة الجواب"، تعرض فيها تفصيلا لموضوع الكفاءة في الزواج، ثم عضد رأيه القائل بجواز زواج العلوية بغير العلوي بعدد من الحجج والبراهين المستقاه الكتاب والسنة وآثار السلف.
    لا شك أن صدور صورة الجواب قد أثار حفيظة السادة العلويين ودفعهم إلى التعريض برائد حركة الإرشاد والإرشاديين، الذي وصفوه بأنه "ذنديق يظهر الإسلام ويخفي الكفر"، وأوعزوا إلى الهولنديين بأنه "من أنصار المهدي السوداني، وأنه يسعى إلى تنظيم مهدوية ضد الحكم الهولندي"، وأفادوا الإنجليز "بأنه نصير اللاجي السياسي… الهندي الثائر على الإنجليز عبد السلام الكشميري" الذي كان مقيما بجاكرتا وعلى صلة بالأستاذ السوركتي ، ثم تقدموا بعريضة إلى شريف مكة الملك الحسين يثيرون فيه عصبية الهاشميين ويطلبون منه منع الإرشاديين عن أداء فريضة الحج بحجة أنهم أنصار حركة هدامة تهدف إلى تقويض دعائم آل البيت.
    ووصفت الجريدة الإقبال - لسان حال العلويين- الإرشاديين بأنهم:

    جماعة من أولئك الزعانف الذين ينتسبون إلى آل كثير ونهد بجاوا، لم يراعوا حرمة الجوار مع أهل البيت ولم يراقبوا حرمة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ولم يكترثوا بجامعة الإسلام والوطن، [بل] طفقوا يتهافتون على أضاليل الدرويش السوداني، وينبذون أهل البيت…فشقوا عصا الحضارمة وأسسوا جمعية الإرشاد وفتنوا الأمة وطعنوا في الأنساب…و أنهم سوف لا ينجحوا إلا بوضع أيديهم في أيدي أهل البيت والعمل معهم يدا واحدة وتركهم دراويش السودان وزنوج افريقيا، هم لم يرضوا إلا باسترسالهم في البغي والهوى واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وسيعلم الذين ظلوا أي منقلب ينقلبون.

    ومن جانب آخر صدر عدد من الرسائل الداحضة لصورة الجواب، ونذكر منها رسالة حسن بن زين باسلامة، ورسالة عبد الله صدقة دحلان المعروفة بـ"إرسال الشهاب على صورة الجواب" ، ورسالة علوي بن مديحج بسنغافورة، ورسالة محسن بن سالم العطاس. انتقدت هذه الرسائل فتوى السوركتي التي أصدرها حول مسألة الكفاءة في الزواج وجواز زواج العلوية من غير العلوي وحاولت النيل من شخصه وشككت في كفاءته العلمية.
    أما مرافعة الإرشاديين فقد جاءت في كتاب أصدره أحمد العاقب شكرت الله بعنوان "فصل الخطاب في تأييد صورة الجواب" ، وقد انتقد فيه رسالة عبد الله صدقة دحلان التي وصفها بالسطحية وعدم الموضوعية وانتقد صاحبها انتقادا شخصيا، الشيء الذي دفع علوي بن طاهر الحداد أن يصدر كتابه الموسوم بـ "القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل". وفي هذا الكتاب الضخم الذي يزيد عدد صفحاته عن الألف صفحة استعرض المؤلف فضائل آل البيت، وانتقد ما جاء في صورة الجواب ووصف صاحبه "بجهل ما هو معلوم من الدين بالضرورة"، ثم تناول كتاب فصل الخطاب في تأييد صورة الجواب نقادا ومستهجنا وواصفا إياه بعدم الموضوعية والخواء الفكري.
    وردا لاعتبار الإرشاديين أصدر السوركتي رسالة في الرد على كتاب "القول الفصل فيما لبني هاشم وقريش والعرب من الفضل" داحضا فيها الحجج والبراهين التي آثارها الحداد بشأن إقرار الكفاءة الذاتية لآل البيت وانسحاب ذلك على الكفاءة في الزواج.
    وأخيرا انتقل الصراع من دائرة الحرب الكلامية والشكاوي إلى أهل السلطان في إندونيسيا وحضرموت إلى دائرة الاعتداءات الشخصية والبلاغات الكيدية أمام السلطات الهولندية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر حادث مسجد النور بمدينة بندووسو، حيث اشتبك أكثر من خمسين شخصا من أنصار العلويين وخصمائهم الإرشاديين، وانتهى الحادث باغتيال شخصين من العلويين وإصابة ستة أشخاص من الإرشاديين بجراح. ونتيجة لهذه التطورات اتسعت الشقة بين أبناء حضر موت وانقسموا فيما بينهم بين أنصار السادة العلويين والإرشاديين، وامتدت دائرة الصراع لتشمل شخصيات مرموقة في العالم الإسلامي أمثال الداعية محمد رشيد رضا والشيخ عبد العزيز الرشيد وأمير البيان شكيب أرسلان الذين أظهروا نوعا من التعاطف تجاه قضية الإرشاديين.
    لا جدال أن الصراع بين السادة العلويين والشيخ أحمد السوركتي قد خلف أثار سلبية وإيجابية، أسهمت بدورها في إعادة تشكيل بنية المجتمع الحضرمي الإندونيسي سياسيا واجتماعيا وفكريا. ويمكننا في هذا المضمار أن نجمل الآثار الإيجابية فيما يلي:
    أولا: تقدم حركة التعليم الديني والمدني التي قادتها جمعية خير وجمعية الإصلاح والإرشاد العربية وذلك عن طريق المدارس التي تم إنشاؤها والمناهج التي سار عليها العمل التعليمي والتربوي.
    ثانيا:بزوغ فجر الصحافة العربية في إندونيسيا وذلك بظهور مجموعة من الصحف العربية التي يقدرها عددها بخمسين صحيفة، صدر معظمها واحتجب في الفترة ما بين الحربين العالميتين (1914-1945م). ومن صحف السادة العلويين النشطة نذكر "الإقبال" و "حضر موت" و "الرابطة" ومن صحف الإرشاديين "الإرشاد" و "الدهناء" و "الذخيرة الإسلامية".
    ثالثا: الدعوة إلى إحياء مبادئ التوحيد وإخلاص العبادة لله والاستعانة به في كل الأمور، وإنتقاد البدع والخرافات التي فرضتها رجاحة الموروث الفقهي غير المتبصر بثوابت الكتاب والسنة، ثم الدعوة إلى الحرية والمساواة وفتح باب الاجتهاد في الأمور الدينية الظنية والشؤون الحياتية المعاصرة.
    أما الآثار السلبية للصراع بين الإرشاديين والعلويين فقد تجسدت في التنازع والتدابر والتباغض الذي وروثه المجتمع الحضرمي، وفي انشغال الدعاة بالقضايا الإنصرافية والاختلافات حول المسائل الفرعية التي لا تتعلق بأصول الدين، وفي أضعاف نفوذ العرب في أوساط الإندونيسيين الذين كانوا ينظرون إليهم بمثابة القدوة الحسنة التي يمكنها أن تسهم في إصلاح الدين وتمكين أواصر المودة والإخاء الإسلامي والدعوة إلى إحياء الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح.

    إرهاصات الصلح وإحباطات الفشل
    لا يمكننا أن نعمم ونصف كافة الإرشاديين والعلويين بأنهم قد أغلقوا باب الحوار والصلح فيما بينهم وتخندق كل منهم في خندقه، لأن مثل هذه الفرضية تحجبنا عن رؤية وتقييم بعض المبادرات التي قام بها نفر من الوسطاء الذين انطلقوا من مبدأ مناصرة الأخ لأخيه ظالما ومظلوما ومن مبدأ إصلاح ذات البين بين الفرقاء.
    ونذكر على سبيل المثال مبادرة السيد إسماعيل عبد الله بن علوي العطاس، ممثل العرب في مجلس العموم الإندونيسي، والتي حاول من خلالها العطاس أن يجمع شمل العرب على اختلاف مشاربهم السياسية والاجتماعية في كيان سياسي اقترح له اسم الرابطة العربية وأوضح أن غايته ستكون خدمة مصالح العرب والدفاع عن حقوقهم في مجلس العموم الإندونيسي ومؤسسات الدولة الأخرى.
    وكانت نقطة الانطلاق بالنسبة العطاس هي الدعوة إلى مؤتمر جامع يجيز القانون الأساس للرابطة العربية المزمع قيامها ويحدد أهدافها واختصاصاتها وواجباتها، ولبلوغ هذه الغاية كون العطاس لجنة عشرينية لتقوم بالإعداد للمؤتمر الذي أعلن تاريخ انعقاده في التاسع من فبراير 1919م بمقر جمعية خير بحارة تانه اباع في مدينة جاكرتا. وقد شملت عضوية اللجنة عددا من وجهاء السادة العلويين والإرشاديين بما فيهم الأستاذ أحمد السوركتي. وبالفعل قد وجدت هذه المبادرة قبولا من كل الأطراف عدا بعض العلويين الذين رفضوا التعاون مع اللجنة المختارة بحجة عضوية أحمد السوركتي الذي يعتبرونه "أصل الشقاق والتنافر بين الحضارم". ومن ثم مات مشروع العطاس قبل أن يرى النور.
    ولم يثبط فشل العطاس همم الداعين لإصلاح ذات البين بين الإرشاديين والعلويين، ففي الخامس من فبراير 1921م طرح أحد المصريين المقيمي بسنغافورة يدعي حسين عابدين مشروع صلح يقضي بعدم "لزوم تقبيل يد السيد، وعدم لزوم احترام من لا يستحق الاحترام سواء كان علويا أو شيخا، وعدم التعصب في مسألة الزواج فلكل الحرية في تزويج بنته أو أخته أو غيرهما لمن يريد"، وأن تقبل "المدارس العربية…جميع الطلبة على حد سواء أولاد سادة كانوا أو أولاد مشائخ". وفي نفس الوقت وعد الوسيط حسين عابدين بأن الاجتماع المزمع عقده بين الطرفين لإجازة شروط الصلح سيحضره هو شخصيا وبرفقته قنصل السفارة البريطانية ليكونا شاهدين على الطرفين. إلا أن مبادرة حسين عابدين كسابقة رفضت من السادة العلويين الذين كانوا يرون فيها محاباة واضحة لخصومهم الإرشاديين.
    هكذا ظل الإرشاديين والعلويين يعيشون صراعا مريرا تتخلله إرهاصات الصلح واحباطات الفشل، ففي فبراير 1928 وصل إلى جاوة قادما من اليمن مفتي حضرموت السيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف بغرض الصلح بين الفريقين المتنازعين، وتحقيقا لهذا المسعى وضع الشروط التالية:
    ـ ترك السباب والشتم بين الطرفين بما في ذلك الطعن في الأنساب.
    ـ أن يكون مذهب الحضرميين جميعا هو مذهب الشافعي، فما اختلفوا فيه من شيء فمردهم إلى المعتمد من المذهب.
    ـ أن تكون حقوق الإسلام مبذولة بين الطرفين.
    وعلى حد قول الدكتور الحجي أن هذه الشروط قد عرضت على الخصمين ووجدت قبولا من السادة العلويين ونوع من الإعراض والتشكك من بعض الإرشاديين. لذا فإن جهود السقاف قد ذهبت مع الريح وعادت الخصومة أشد فجورا مما كانت عليه بين الطرفين. والسبب في ذلك يعزي إلى تصاعد النشاط الصحفي غير الملتزم بأدبيات الخلاف وإلى أقلام الصحفيين التي كانت تستبدل الذي هو أدنى (الخصام) بالذي هو خير (الصلح) رغبة منها في تحقيق الكسب المادي الرخيص.
    ولم تقف مبادرات الصلح بين الحزبين المتخاصمين عندما هذا الحد، بل ذهبت تلتمس توسط بعض الوجهاء الذين يمكن أن يوصف تصرفهم تجاه هذه القضية بالحيدة والعدالة. ومن ثم نجد أن الأستاذ السوركتي عندما ذهب لأداء فريضة الحج عام 1928م حاول جاهدا أن يشرك الملك عبد العزيز بن سعود وأعضاء الرابطة الشرقية في القاهرة في قضية الصراع بين العلويين والإرشاديين ويطلب منهم التوسط في تسوية الخلافات بين الطرفين، واستجابة لهذا النداء فقد فوضت الرابطة الشرقية الأستاذ السوركتي والسيد إبراهيم السقاف ليقوما بالإصلاح، وقبل أن تكلل مساعيهما بالنجاح وقعت بعض المشادات الصحفية والاعتداء الشخصية بين الخصماء، الشئ الذي أسهم في فساد مبادرة الرابطة الشرقية.
    أما الملك عبد العزيز بن سعود فقد بعث في يوليو 1933 كتابا إلى الفريقين بوساطة إبراهيم بن عمر السقاف يدعوهم فيه إلى نبذ التباغض والتخاصم والعودة إلى أخوة الإسلام. وعلى ضوء نداء ابن سعود دعا إبراهيم السقاف إلى هدنة لمدة عامين، يتم خلالها التوصل إلى صلح نهائي بين الطرفين، إلا أن الإرشاديين قد هاجموا السقاف ووصفوه وقومه بعدم الجدية في التوصل إلى صيغة صلح نهائي متعللين بأن الصلح يجب أن يقوم على نفس الشروط التي اتفق عليها الفريقان قبل نداء بن سعود. ويبدو أن السقاف قد استهجن خطاب سكرتير جمعية الإصلاح والإرشاد، بدر بن سالم بن تبيع، في هذا الشأن، ثم أخيرا سحب نفسه من مشروع الصلح واعتزل التدخل في قضايا الإرشاديين والعلويين.
    وكما يرى البكري فإن فشل هذه المبادرات التي أشرت إليها إجمالا قد دفع العناصر المولدة (أو مواليد العرب) إلى تكوين كيان سياسي يعرف بـ "وحدة المواليد العربية" في جاكرتا، وقد أنشئت لهذه الوحدة عدد من الشعب في بعض المدن الإندونيسية، وقد حددت مهامها في النقاط التالية:
    • مطالبة الحكومة بإقرار حقوق المواليد العرب السياسية والمدنية، وذلك قياسا بحقوق مواليد الجاليات الأخرى.
    • إنشاء مدارس هولندية عربية تمكن الناشئة العرب من مواصلة دراساتهم العليا في المدارس الحكومية.
    • توثيق الصلات بين المواليد العرب وبقية أفراد المجتمع الإندونيسي.
    • تجاوز الصراع الحادث بين الإرشاديين والعلويين.
    وبالفعل قد وجدت هذه الوحدة قبولا في أوساط شباب الإرشاديين والعلويين الذين ملّوا صراع آبائهم حول القضايا التي لا تخدم واقعهم المعاصر، وبدأوا نشاطاتهم بتأسيس مدرسة هولندية عربية في سرابايا تابعة لوزارة المعارف العمومية، ثم أصدروا مجلة بالملايو لتكون حلقة الوصل بينهم وبين قطاعات المجتمع الإندونيسي وتكون بمثابة منبر حر لطرح أفكارهم السياسية وتحقيق مطالبهم المدنية. بالرغم مما حققته هذه الوحدة من نجاح في سنواتها الأولى إلا أنها تقوقعت واختفت تدريجياً من الساحة السياسية والاجتماعية ويعزي السبب في ذلك إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال اليابان لإندونيسيا عام 1942م.
    هكذا كانت مسيرة الصراع بين السادة العلويين والإرشاديين طويلة ومريرة ومحفوفة بالمكاره، لكن توجد على جوانبها بعض القبسات المشرقة التي أطلقت عليها الباحثة الأسترالية نتاليا موبيني كيشه Natalie Mobini-Kesheh "نهضة العرب الحضارمة في إندونيسيا".

    خاتمة:
    وبهذه العرض نخلص إلي أن مفهوم الإصلاح والإرشاد عند الأستاذ السوركتي قد استقي ثوابته الفكرية من معين حركة الإصلاح والتجديد الحديثة، التي قادها الداعية جمال الدين الافغاني، ووسع أوعيتها الأستاذ محمد عبده ، وأعطاها قوة وفاعلية تلميذه محمد رشيد رضا، وذلك عن طريق إسهاماته الفكرية التي كانت تنشر في مجلة المنار. ويمكننا أن نجمل السمات العامة لهذا التأثر أو التوافق الفكري فيما يلي:
    أولاً: الالتزام بالتوجه السلفي الذي يأصل لعقيدة التوحيد الخالص بعيداً عن شوائب الشرك الظاهر والخفي، وينادي بتخصيص العبادة لله وحدة والاستعانة به في سائر الأمور. وفي هذا السياق تتم محاربة البدع والخرافات التي مكّن لها عدد من الدعاة والمتصوفة الذين حادوا عن جادة عقيدة السلف الصالح. وهذا التوجه السلفي التربوي نجده يمثل ذرة سنام تعاليم محمد بن عبد الوهاب (1703 ـ 1792) التي تعتبر واسطة عقد تصل تراث ابن حنبل وابن تيمية بتراث قادة حركة الإصلاح والتجديد. وفي هذا يقول السوركتي: أن "خطتي الدين .. والغاية التي أسعى إليها هي نشره بين جمهور الأمة وإظهاره بمظهره الحقيقي، ومجاهدة البدع والخرافات التي فشت في الأمة. ابني دعايتي على أساس نصوص القرآن والسنة وإجماع السلف الصالح". لا غرو أن هذه العبارات المختارة من أقوال السوركتي تؤكد أن هناك توافق وتواصل فكري بينه وبين قادة الإصلاح، ويغلب الظن أن منشأ هذا التوافق والتواصل يرجع إلى إلمام السوركتي بأدبيات أحمد بن حنبل وابن تيمية وابن عبد الوهاب، وإلى إطلاعه على بعض أعداد مجلة المنار التي كانت تروج لأفكار الإصلاحيين في ذلك الوقت، ثم إلى صلته الوثيقة بزملائه السودانيين الذين انتدبهم للعمل بمدارس جمعية خير في جاكرتا، والذين لازم بعضهم مجالس الشيخ محمد عبده بالأزهر الشريف وأضحوا من المناصرين لأفكاره.
    ثانياً: العودة إلى أصول الدين الإسلامي في معالجة مشكلات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة كما كان عليه الحال في الصدر الأول من الإسلام، فمن وجهة نظر السوركتي إن هذه النقلة النوعية تعني الفهم الشمولي للدين، ويرى أن هذه الغاية لا يمكن أن يدركها المسلم إلا بفتح باب الاجتهاد الذي يحقق التوافق والانسجام بين النصوص النقلية (الكتاب والسنة) والواقع الحياتي المعاش، وبالتالي ينفي السوركتي وجود قطيعة بين النص الديني وشؤون الناس الحياتية، وينتقد المتصوفة بقوله إنهم قد "جعلوا الدين عدوا للعلم والعقل". وبذلك يعزي السبب الأساس في نفور الصفوة المتعلمة من الإسلام إلى تذرع هذه الصفوة بأن الإسلام دين لا يلبي تطلعات العصر الذي تعيش فيه. وتجاوزا لهذه القطيعة يرى أن رسالته يجب أن تتبلور في "إظهار الدين أمام [هذه الصفوة] .. بجوهره الحقيقي وكونه لا ينافي العلم والعقل وأحوال العصر الحاضر". وفي رسالته الموسومة "بالمسائل الثلاثة" يناقش قضايا الاجتهاد والتقليد والسنة والبدعة. ونجد أن رأيه في هذا الشأن يتوافق مع رأي الإمام الشوكاني وتتطابق وجهة نظره مع وجهة نظر الشيخين عبده ورضا وذلك استناداً إلى قوله بأن الاجتهاد هو الآلية الوحيدة التي يمكن من خلاله أن يضع المسلمون حداً للقطيعة بين النص الديني والواقع الحياتي المعاش ويمكّنهم من أن يشرعوا لقضاياهم المعاصرة في إطار ثوابت الفقه الإسلامي.
    ثالثاً: الاهتمام بتعليم أبناء الأمة الإسلامية ذكوراً وإناثاً وفق برنامج يزاوج بين العلوم الدينية والعلوم التجريبية التي أسهمت إسهاماً فاعلاً في تطوير المجتمعات الغربية. وبهذه الدعوة يحاول السوركتي أن يساير دعاة النهضة الإصلاحية الذين أولوا اهتماماً خاصاً لضرورة تعليم الفرد المسلم بحجة أن التعليم يسهم في تحقيق توازن بين النص والعقل والعلم، ويبدو من أفكاره هذه أن التوازن يعني بالنسبة له تنقية الدين الإسلامي من أدران التقليد الأعمى (أو العمياني كما يسميه) الذي أقعد الأمة الإسلامية عن مواكبة ركب الحضارات الأخرى. ومن وجهة نظر السوركتي أن التعليم "هو أساس كل تقدم ومبدأ كل مجد، والسبب الأول لكل نجاح في العالم فلا يحتقر أهله إلا جاهل غبي". لذا فإنه يقر بأن المحافظة على مستقبل التلاميذ وجمعية الإصلاح والإرشاد والأمة العربية في إندونيسيا لا يتحقق إلا بتبني البرامج التعليمية للمدارس الهولندية وتدريس اللغات الأوربية الحية وذلك بجانب العلوم الإسلامية واللغة العربية. ثم يذهب أبعد من ذلك ويشيد بأهمية إبتعاث الطلاب إلى أمريكا وأوربا للتسلح بالعلوم العصرية لكنه يحذر في نفس الوقت من الأمراض الاجتماعية والفكرية التي ربما يجلبها مثل هذا الإبتعاث. لذلك فنجده يستدرك ويقول "لكن مادامت العلوم يمكن أن ينالها الطالب هنا [أي في إندونيسيا] تحت مراقبة المراقبين من الأساتذة فالأولى أن لا يذهب إلى محل آخر وفيه خطر على المبدأ". وبهذه الرؤية يحاول السوركتي أن يتبنى منهجاً تعليمياً تلامس أطرافه منهج الدعوة المعاصرة "لأسلمة العلوم الإنسانية".
    رابعاً:الدعوة إلى تحقيق الحرية والمساواة بين المسلمين، وتعد هذه الدعوة من المبادئ الأساسية التي شغلت حيزاً مقدراً في أدبيات السوركتي وذلك بخلاف ما كان عليه الحال عند دعاة الإصلاح والتجديد. والسبب في ذلك يعزى إلى طبيعة المجتمع الحضرمي الذي عاش بين ظهرانيه السوركتي، والذي كانت صفوته تناهض مثل هذه الأفكار وتعتبرها خروجاً صريحاً على ثوابت الدين الموروث الذي تدثر بعباءة "الإسلام الطبقي". وحول هذه النقطة ـ كما رأينا من قبل ـ قد تمركز الصراع بين الإرشاديين والسادة العلويين، و بشأنها قد أصدر الأستاذ السوركتي أهم رسائله وفتاويه المتمثلة في "صورة الجواب" و"المسائل الثلاثة" و"أمهات الأخلاق"، و"الآداب القرآنية".
    هذه هي المرتكزات الأساسية التي قامت عليها دعوة السوركتي الإصلاحية وبفضلها استطاعت أن تحدث تأثيرا محسوساً وملموساً داخل المجتمع الحضرمي في إندونيسيا وخارجها، كما أشرنا إلى ذلك تفصيلاً في أكثر من موقع من هذا البحث. أما تأثير دعوته على المجتمع الإندونيسي بصورة شاملة فقد كان محدوداً والعلة في ذلك ترجع إلى الصراع الذي نشب بين الإرشاديين والعلويين، وأقعد الدعاة عن أداء رسالتهم على الوجه الأكمل، وإلى عدم إلمام السوركتي نفسه بلغة الملايو الشيء الذي حد من فاعلية انتشار تعاليمه وافكاره في أوساط المجتمع الإندونيسي الناطق بغير اللغة العربية. إلا أن محدودية انتشار الدعوة "السوركتية" في إندونيسيا لا تمنع الباحثين من أن يقيموا إسهاماته الفكرية تقييماً علمياً يضعها في موضعها الصحيح ويبين ما قدمته من إسهام يصب في محصلة العطاء العام لإسهامات حركات الإصلاح والتجديد الأخرى في جنوب شرق آسيا وبقية بلدان العالم الإسلامي. وسيكون بأذن الله مشروع بحثنا القادم حول هذا الموضوع.
                  

02-18-2008, 06:47 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    الأخوة الكرام
    هنالك العديد من الشخصيات المهمة والعلماء الأعلام وأصحاب الفكر ممن سكنوا بأرض المملكة العربية السعودية، وقد وعدني بعض الأخوة الأفاضل من مدينة الرياض بالكتابة عن بعض العلام أمثال الدكتور مختار عجوبه، والبروفسير أبو عائشة، والدكتور ابراهيم القرشي عثمان، والبروفسير عز الدين عمر موسى وغيرهم

    هنالك أيضا بعض الأعلام الذين تمت الترجمة لهم من قبل أساتذة متخصصين مثل الدكتور محي الدين خليل وهو من مواليد البجراوية عام 1927م، حصل على شهادة الدكتوراة في علم الأصوات من جامعة جورج واشنطن عام 1963م، عمل مدرسا في المراحل المختلفة وموجها تربويا ورئيسا لقسم الثقافة الاسلامية في كلية التربية بجامعة الرياض له العديد من البحوث في اللغة والصوتيات، توفي في حادث مروري بالطائف في العام 1980م وهو في طريقه لأداء الحج عليه رحمة الله" وقد قدم له الدكتور عثمان أبو زيد ترجمة وافية في تقديمه لكتاب محي الدين خليل (قصص وأمثال البقارة) وهو بحث انثربولوجي قيم عن البقارة تناول فيه أصلهم الذي يرجع الى جهينة وأهم القبائل التي تشكل البقارة وهم أولاد حميد وبني سليم والحوازمة والمسيرية في كردفان ، وبنو هلبة والتعايشة والرزيقات والهبانية في دارفور وسنحاول ايراد الكلمة الرائعة التي كتبها الدكتور عثمان أبو زيد في معرض تقديمه لكتاب الدكتور محي الدين خليل اذا أذن لنا بذلك.
    سنتناول أيضا سيرة الأديب السوداني الكبير الدككتور حسن عباس صبحي رحمه الله تعالى.
    والأستاذ الأديب سباعي عثمان ، وذلك من خلال كتابات تلامذته من كتاب القصة القصيرة السعوديين مثل الأديب عبده خال، وكان الأستاذ سباعي عثمان ذا تأثير كبير في تطوير ونشر هذا الأدب في المملكة العربية السعودية
    سنتحدث أيضا عن الأوقاف السودانية في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة من خلال ترجمتنا للشيخ للشيخ الخواض الخليفة، المنسق المقيم الأسبق لبعثة الحج السودانية عليه رحمة الله تعالى.

    هنالك أيضا بعض الأعلام كتبوا سيرتهم الذاتية في اصداراتهم أو في الصحف اليومية، وترجموا لغيرهم من الأعلام سنحاول ان شاء الله الاشارة اليهم في هذا البوست
    وأمل مشاركة الجميع بالكتابة عمن يرون من الأعلام

                  

02-18-2008, 06:49 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    القاريء الشيخ سعيد محمد نور
    كان كأنه قد أوتي مزمارا من مزامير داوود عليه السلام


    وهذه سيرة أحد الأعلام الذين حملوا اسم السودان وشرفوه في الخارج، انه الشيخ القاريء سعيد محمد نور يرحمه الله، والشيخ سعيد من مواليد قرية بنا، هذه القرية التي تقع شمالى مدينة دنقلا بحوالى ثلاثين كيلومترا، كان يحمل في حنجرته نكهة السودان وعراقته، وطيبة أهله جود قراءته في جمهورية مصر العربية حيث التقى بكبار المقرئين وأخذ منهم ، لكنه ظل متفردا في القراءة، وعلى ندرة التسجيلات الصوتية، الا أن القليل الذي سجل له أحله الموقع اللائق به في مقدمة المقرئين المجيدين،
    لقد عاش الشيخ سعيد محمد نور معظم سنوات عمره في مصر، وعاش فترة قليلة في المملكة العربية السعودية، ثم اتنتقل الى الكويت التي قضى فيها بقية حياته وتوفي هنالك عليه رحمة الله تعالى.
    وهذه نبذة عن بعض جوانب سيرة هذا الشيخ الجليل أنقلها من أحد المواقع الالكترونية التي لم تذكر اسم كاتبها وسأحاول الحصول على كاتب هذه الترجحمة للشيخ سعيد محمد نور.


    Quote: كان في جامع الخازندار بحي شبرا بمدينة القاهرة بمصر رجل أسمر اللون من أصل سوداني وكان هذا الرجل يقرأ القرآن بطريقة غريبة كلها شجن تستدر الدموع من العيون التي لم تعرف طعم الدموع قط , هذا الرجل اسمه الشيخ سعيد محمد نور.


    وكان الشيخ سعيد محمد نور صاحب اسلوب منفرد في التلاوة مغلف بالشجن العميق!!! روى عنه معاصروه الكثير، وحكى عنه : ان سائقي ترام شارع شبرا كانوا يتوقفون عند سماعهم لصوت الشيخ سعيد واستجابة للركاب ايضا كما كان مصرا على ألا يقرأ في استوديوهات الاذاعة او تسجل له.

    وبالرغم من أن الرجل لم يقرأ في الاذاعة الا مرة واحدة , إلا أنه يتمتع بشهرة تفوق شهرة بعض قراء الاذاعة وسر شهرة الشيخ سعيد أنه يقرأ القرآن بطريقة تختلف عن الطريقة المعروفة..وطريقة القراءات.
    وبهذه الطريقة نفسها كان يقرأ قارىء آخر من قبل هو الشيخ محمود البربري, وتسري بين العامة شائعة أن هذه الطريقة هي وحدها الطريقة الشرعية التي يرضاها المحافظون, المهم أن الطريقة التي يقرأ بها الشيخ سعيد نور طريقة عجيبة تثير في نفوس الناس عواطف شتى ..من الطرب والخشوع والإيمان , وأيضا تستدر من عيونهم الدموع الحزينة .

    والمحطة الوحيدة التي تذيع له هي محطة المملكة العربية السعودية .

    أما بالنسبة لسكان مصر فلم يعرف عن الشيخ سعيد أبدا أنه حدد أجرا له , وهو يتناول الأجر الذي يدفعه صاحب الليلة دون نقاش ، وتتعصب لصوت الشيخ محافظات بأكملها وعلى رأسها جميعا محافظة المنوفية ولعل السبب يرجع إلى أن اغلب سكان شبرا – حي الشيخ سعيد – من قرى المنوفية وقد قرأ الشيخ مع المشايخ الكبار , قرأ مع الشيخ علي محمود والشيخ محمد رفعت وبدأ هو الآخر مثلهم بخمسين قرشا في الليلة ويستمع الشيخ سعيد لصوت الشيخ رفعت ويفضله على كل الأصوات .


    وقد كان الرجل الأسمر يعيش عيشة بسيطة في شبرا , أما هوايته الوحيدة فكانت سماع الاسطوانات القليلة الباقية للشيخ محمود البربري.

    وقبل خمسين عاماً قصد الشيخ سعيد محمد نور رحمه الله الديار الحجازية لآداء فريضة الحج ، وقبل أن تحط الباخرة التي تقله رصيف ميناء جدة وصلت أخباروصوله إذاعة جدة أول إذاعة سعودية والتي أنشئت سنة 1368هـ فكان لها النصيب الأكبر في تسجيل قراءات له ، فقد قام بتسجيل سورة مريم وطه والحديد والتكوير على أشرطة سلك قبل ظهور أشرطة الريل ، ولاقت تلك التسجيلات إستحسان الكثيرين من المسلمين حتى أن المديرية العامة للإذاعة آنذاك ( وزارة الإعلام حالياً ) كانت تسجل الآف النسخ من تلك التسجيلات وتقدمها لضيوف الرحمن من الوزراء والرؤساء والإذاعات الإسلامية ، وكان الملك عبدالعزيز يرحمه الله من أشد المعجبين بتلاوة الشيخ سعيد ، فعرض عليه البقاء بالديار المقدسة لكن الشيخ سعيد أعتذر لظروف خاصة ، لكن محبة السعوديين للشيخ لاتزال باقية في قلوب الكثيرين من خمسين عاما .

    وقد هاجرالشيخ سعيد نور من مصر واستقر في الكويت في مطلع الثمانينات هجرية وسجلت اذاعة الكويت القرآن الكريم بصوت الشيخ سعيد وتذيع له مرة كل أسبوع في فترة الفجر وقضي الشيخ سعيد بقية حياته في الكويت حتى أختاره الله لجواره في منتصف الثمانينات الهجرية ولكنه ترك ثروة روحية غالية بتسجيلاته للقرآن الكريم ولكن لسوء الحظ كانت أشرطته ضمن الأشرطة التي دمرت مع أرشيف الإذاعة خلال فترة الاحتلال الآثم على دولة الكويت.


    وبعد وفاة الشيخ يرحمه الله بعث أبنائه بأكثر من مآئة تسجيل للشيخ سعيد لإذاعة جدة وتم إدراجها ضمن القراءات المذاعة وكانت تلك التلاوات تم تسجيلها من داخل جامع الخازندارة بمصر وتاريخ تسجيلها يعود لأكثر من خمسين عاماً .

    رحم الله شيخنا سعيد محمد نور الذي نوّر قلوبنا برقة تلاواته التي غلفها بالشجن والحزن .



    Quote: أمل من الأخوة الأعضاء في هذا البورد من أبناء بنا أو المنطقة ممن يملك معلومات عن هذا الشيخ الجليل المساهمة في القاء مزيد من الضوء حول هذا العلم السوداني وآثاره أو الكتابة الى عبر بريدي الالكتروني ([email protected]
                  

02-18-2008, 06:51 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    الأخوة الكرام
    التقط بريدي الالكتروني الرسالة التالية من الدكتور عثمان أبو زيد رئيس تحرير مجلة رابطة العالم الاسمي بمكة المكرمة


    Quote: الأخ الكريم الأستاذ سيف الدين عيسى مختار
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

    استحسنت فكرتكم عن توثيق الأعلام ممن سكنوا السعودية والإذن معكم فيما يتعلق بالأخذ عن كتاب البقارة0وكنت كتبت من قبل كتابا تذكاريا عن المرحوم عبد السلام سليمان سعد عنوانه شهيد السلام وهو ممن سكن السعودية إذ عمل بوزارة الداخلية مترجما بمكتب الوزير، والحقيقة أنني لا احتفظ بنسخة من هذا الكتاب الذي كلما احتفظت
    بنسخة منه أتاني من يأخذها مني0 والناشر هو مؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي وممن أذكرهم من هؤلاء أيضا البروفيسور محجوب عبيد طه وقد كتبنا عنه في مجلة الرابطة مقالة طويلة بقلم أحد زملائه السعوديين وهذا متاح إرساله لكم إن شاء الله
    وممن سكن مدينة الرياض من هؤلاء الأعلام وما يزال هناك الأستاذ زين العابدين الركابي وجعفر شيخ إدريس ولن يؤودك التوثيق لهؤلاء لأنهم موجودون بحمد الله أطال الله أعمارهم ومتعهم بالصحة0وهناك أستاذنا كامل الباقر ومزمل سلمان غندور والقائمة تطول وأرى أنك ربما تحتاج لمعيار تقصر به هذه القائمة لأن السودانيين الأعلام كثيرون لا يحصيهم العد0وندعو لكم بالتوفيق في مشروعكم هذا وفي كل مشروعاتكم الثقافية الأخرى0
    والسلام عليكم..أخوكم

    عثمان أبوزيد

                  

02-18-2008, 06:54 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)




    Quote: الشاعر محمد سعد دياب
    شاعر الفرح المعافى

    أرسل لى ألأديب الأريب الأستاذ محمود دليل من مدينة رابغ الترجمة التالية عن الأستاذ الشاعر محمد سعد دياب، والأستاذ محمود دليل هو أفضل من يكتب عن الشاعر الراحل المقيم محمد سعد دياب لأنه عاش معه فترة من الزمن في مدينة ينبع الصناعية عندما كان كلاهما يعملان في الهيئة الملكية بمدينة ينبع الصناعية ، ومحمود دليل صاحب أسلوب راق في الكتابة، وقد تخصص في التعريف بأدب منسوبي القوات المسلحة في السودان ونشر عنهم مقارت رائعة في صحيفة الخرطوم، فله التحية والتقدير وللشاعر محمد سعد دياب الرحمة والمغفرة.

    ولد الشاعر محمد سعد دياب عام 1943م ونال درجة البكالوريوس من جامعة الخرطوم سنة 1965م كما حصل على شهادة الماجستير من جامعة لندن عام 1972م.
    تزوج في العام 1972م من سيدة سعودية وأنجب منها ولدين هما عماد الدين ووائل وبنتا واحدة.
    نشر محمد سعد دياب قصائده في الصحف السودانية والمجلات مثل مجلة الاذذاعة، كما نشر بكثافة في صحيفة الخرطوم اليومية وكانت له أيضا مقالات اسبوعية في هذه الصحيفة، وقد جمعت قصائده في ثلاثة دواوين منهما (حبيبي والمساء) و (عيناك والجرح والقديم) كما تغنى بشعره العديد من المطربين مثل النور الجيلاني (مادلينا) وعثان حسين ( رسالة شوق) التي يقول فيها
    بعيد يا غالية
    بتذكر ضفاف النيل
    وليلات حب ما عاشه الزمان
    زى حاله ما فكر
    كما تغنى له فنان بورتسودان صلاح محمد نور.
    عمل محمد سعد دياب استاذا للغة الانجليزية في المدارس الثانوية بالسودان ثم انتقل الى المملكة العربية السعودية ليعمل بالتدريس في مدارس الهيئة الملكية بمدينة ينبع ، وقد توفي بالمدينة المنورة في العام 2006، عليه رحمة الله تعالى

                  

02-18-2008, 06:54 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    الأستاذ عوض سيد علي قرشوم
    رئيس الجالية السودانية بإمارة مكة المكرمة
    أو
    مسيرة جيل ما بعد الاستقلال
    "جيل التحول والتحديث "

    الشيخ عوض سيد علي قرشوم , أو العم عوض كما يحلو للمغتربين أن ينادوه, ولقب العم ذو علاقة وطيدة بالمكانة الاجتماعية أكثر من كونه ذا دلالة بالأبوة أو العمر .ذلك لأن الذين تبوأوا سدة الجالية من الرعيل الأول أضفوا طابع الرعاية الاجتماعية على من تولوا أمرهم من المغتربين فكانوا يستضيفونهم في منازلهم ويتكفلون أمر إعاشتهم والبحث عن وظائف لهم .
    يمثل جيل العم عوض قرشوم مرحلة البرزخ ما بين ذلكم الجيل الذي خاض معارك الاستقلال والجيل الذي تلاه وهو جيل السودنة والجيل المعاصر وهو جيل العولمة. ولئن كانت معارك جيل الاستقلال والسودنة ذات أبعاد محددة, وأهداف واضحة فإن جيل العم عوض قدر له أن يكون متعدد الأهداف والأبعاد فسيح الرؤى وهو جيل وجد نفسه مضطرا إلى أن يتسلح بالعلم والمعرفة وأن يستوعب المتغيرات الدولية,\حتى يملك القدرة على ملاحقة التطور المذهل وخاصة في مجال تكنلوجيا المعلومات لذلك نجد في سيرة العم عوض الذاتية إشارات مهمة لرجال صنعوا هذا التحول الكبير في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية .
    لقد قدر للعم عوض على المستوى الشخصي أن يخوض معركة التغيير والتحديث في مفاهيم الجالية السودانية وأن يصبح بذلك قائد الجيل الثالث الذي أنيط به إحداث التغيير المطلوب من الطابع الأبوي القائم على مجهودات فردية إلى مؤسسة شعبية وهيئة خدمية ذات هياكل تنظيمية ونظم وقواعد عامة تأثرت كثيرا بالخبرات التنظيمية لهذا الجيل والذي جاء مخاضه التنظيمي من رحم الاتحادات الطلابية والتوجهات الايدولوجية والحزبية .
    لقد دارت رحى المعارك التي خاضها جيل عوض قرشوم في ساحتي الأصالة والمعاصرة وخاصة فيما يتعلق بمسائل الجالية في المهجر . فالذين ارسوا دعائم هذه الجالية من جيل الرواد أدركوا بثاقب بصرهم وعميق نظرتهم وتفهمهم للحياة في البيئة التي وجدوا أنفسهم فيها, أدركوا أن الركيزة الأساسية لرسالتهم هي ارساء القيم السودانية توجها وسلوكا وقد حققوا نجاحا منقطع النظير وكان على الجيل الذي تتبع خطاهم وهو جيل العم عوض أن يستصحب هذا الإرث وأن يؤطره بالعلم والمعرفة وفق متغيرات عديدة حدثت في الداخل والخارج ألقت بظلالها على الشكل التنظيمي للجالية السودانية. لقد استطاع العم عوض وهو يمثل ذلكم الجيل المتسلح بالوعي التام استطاع أن يجعل من الجالية السودانية كيانا متميزا دون سواها من جاليات الشعوب الأخرى في المملكة،لم يكن بدعا أن تحرص حكومة المملكة العربية السعودية في أعلى مستوياتها على أن تخص الجالية السودانية ببرقيات التهاني في المناسبات المختلفة، ولم يكن غريبا أن تكون الجالبة السودانية هي الوحيدة التي تدعى للمشاركة في الفعاليات والمحافل الثقافية والاجتماعية المختلفة في المملكة العربية السعودية وذلك لأنها كانت قد أدركت منذ وقت مبكر أن استمرارها كهيئة شعبية يتوقف على مدى استيعابها لكافة متطلبات وعادات وتقاليد ونظم المملكة العربية السعودية ومدى قدرتها على تنظيم هياكلها وبلورة آلياتها وفق هذا المفهوم المتطور وبالشكل الذي ينسجم ومتطلبات المجتمع السوداني في المهجر..
    العم عوض قرشوم بملامحه السودانية الأصيلة والتي لا تشبه في تفاصيلها الدقيقة إلا تضاريس هذا الوطن وفي قسماته وملامحه يتجلى في خطوطها العامة تخلق الأمة السودانية وتشرنقها من عدة ثقافات وتيارات وأعراق فهو بذلك القوام الفاره، واللحية المرسلة التي وخطها الشيب منذ سن مبكرة وذلك اللسان الذي يحكي خلاصة بلاغة أهل السودان وبذلك الوقار الصاخب، وذلك الصخب الوقور والحضور المنتشر في كل المناسبات حقيق به أن يحمل لقب العم.فهل يا ترى جنا عليه لقب العم ليحرمنا من أستاذية مستحقة لهذا الخريج في جامعة الخرطوم؟ أم أن هذا اللقب بدلالاته وبكل ما يحمله من معاني الكفالة والرعاية الأبوية والسيادة هو الأقرب إلى تكوينه الفسيولوجي/ واستعداده الفطري وحصيلته العلمية والمعرفية وخبراته العملية في مجال التأمين وهو مجال ذو علاقة واضحة بمهام رئيس الجالية؟ وأيا كانت الإجابة عن هذه الأسئلة المشروعة فإن عوض قرشوم يبقى هو الرمز الذي لا يختلف عليه اثنان فيه تتجلى كل عراقة وأصالة شعب السودان وحصافة وإدراك الجيل الحالي وحلم ووعي الجيل القادم فهو رمز القيم والثوابت في عالم متغير سريع الخطى.

    الميلاد والنشأة الأولى.
    الاسم /عوض سيد علي قرشوم
    ولد السيد عوض قرشوم في جزيرة بدين في اليوم الثاني من شهر ديسمبر من العام 1946 م وجزيرة بدين هي أول منطقة في السودان يسكنها أحفاد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن حرام الأنصاري منذ أن حل بها الشيخ عقبة بن نفيع الذي ينتهي نسبه إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقد قدم من مصر في القرن الثامن الهجري وبنى بها مسجدا وهو مسجد جابر الأنصاري هذا المسجد الذي قام بترميمه وتجديده الملك فؤاد الأول بعد أن علم بتاريخه ومكانة الجوابرة .
    قدم الشيخ عقبة صحبة ابن أخيه النور الذي استقر في قرية الزورات وهو الجد السابع للصاغ مختار عوض ومن بدين والزورات تسرب الجوابرة إلى بقية مناطق السودان في الشمالية والنيل وكردفان.والصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري هو الجد الثالث والعشرون للشيخ عوض قرشوم حسب شجرة النسب التي يحتفظ بها آل قرشوم بجزيرة بدين وآل زمراوي في مناطق الدناقلة والشايقية " المصدر شجرة النسب لآل قرشوم،مخطوط مصحف للشيخ زمراوي كتاب مروي المظهر والجوهر للأستاذة فاطمة أحمد علي وفيه نسب آل زمراوي الجوابرة وكتاب الدكتور عبد الفتاح مقلد أستاذ التاريخ بجامعة الاسكندرية عن تاريخ العروبة في السودان وفيه ذكر أن الجوابرة هم أول عرب دخلوا السودان، وموسوعة الأنساب العربية في السودان للبروفسير عون الشريف قاسم وغيرها من المصادر العديدة التي تناولت تاريخ الجوابرة.
    والدة أحمد قرشوم الجد الأكبر لعوض قرشوم الحاجة حليمة سوركتي وكانت فقيهة وحافظة للقرآن الكريم ويقال أنها تولت القضاء في دولة الفونج بالسودان بعد وفاة والدها. وآل سوركتي ينتهي نسبهم إلى الجوابرة أيضا وهي أسرة عريقة امتهنت التعليم والدعوة إلى الله ومنها ينحدر الشيخ الشيخ الداعية أحمد محمد سوركتي 1876-1943م) رائد حركة الإصلاح والإرشاد في إندونيسيا وواضع حجر الأساس للعلاقات الأندونيسية السودانية، وقد رحل الى أندنيسيا نهاية العام 1890م، حيث جاء اليها بدعوة من الجمعية الخيرية الإندونيسية، وكان الشيخ العالم أحمد سوركتي يقوم بتدريس التعاليم الإسلامية بأندونيسيا. وهو من من خريجي الحرمين بالمملكة العربية السعودي ضمن زملائه الأندونيسيين الذين تلقوا الدراسة في الحرمين الشريفين، ويعتبر الأندونيسيين الشيخ سوركتي من المجددين وقد ألف عنه الأستاذ الدكتور أحمد ابراهيم أبو شوك كتابا باسم ((تاريخ حركة الإرشاد وشيخ الإرشاديين أحمد محمد السوركتي في إندونيسيا)...
    أما والدة السيد عوض قرشوم فهي السيدة نور الشام محمد عبدالله قورتي " وكلمة قورتي نوبية وتعني الفرح " وكان أل قورتي هم مشايخ منطقة تشي بجزيرة بدين ومن أساطين الادارة الاهلية في السودان ورغم هذه العراقة في الانتماء الى الادراة الاهلية لأسرة عوض قرشوم إلا أن عوض قرشوم وقف ضد الادارة الاهلية بتأثير من الاتجاه الاسلامي الذي انتمى اليه وبتشجيع من الشهيد محمد صالح عمر فقد كان محمد صالح عمر عليه رحمة الله من اوئل الذين تبنوا شعار تطهير السودان من الادراة الاهلية بعد ثورة اكتوبر مباشرة،وهو المشروع الذي تبناه ونفذه الرئيس نميري وكان ذلك من الأخطاء الكبيرة التي ما زلنا نعاني من ويلاتها حتى الأن وخاصة في دارفور. ذلك لأن البديل في ادارة البلاد لم يكن بالمستوى الذي يمكن أن يخلف نظاما كان قد ترسخ عبر السنين .وقد كتب الشيخ الزبير حمد الملك (الشيخ زبير حمد الملك هو آحر ناظر لمديرية دنقلا، وكان عليه رحمة الله ذا علم وفضل ألف بعض الكتب باللغة الانجليزية نأمل أن ينشط أبناؤه وحفدته في ترجمتها ونشرها، كما كانت له مشاركات في السياسة السودانية وفي حل النزاعات التي كانت تنشأ بين القبائل المختلفة وله حكم يحفظها له أهل المنطقة، وهو من خريجي كلية غردون وف عمل فترة من الزمن مترجما للحاكم العام الانجليزي، ومن الأمثال المشهورة في منطقة دنقلا والتي تدل على حزمه قولهم(اذا ظلمك العمدة فاذهب الى عمدة العمد، واذا ظلمك عمدة العمد فاذهب الى المفتش، واذا ظلمطك المفتش فاذهب الى زبير حمد الملك، واذا ظلمك زبير الله ظلمك، عليه رحمة الله تعالى) كتابا باللغة الانجليزية عن محاسن الادارة الأهلية ويقال أن الرئيس نميري عندما قابل الشيخ زبير حمد الملك بعد فترة من انهاء الادارة الاهلية قال له ليتني استمعت اليك قبل اتخاذ قرار حل الادارة الاهلية في العام 1969 .
    سمي عوض قرشوم "عوض" اثر وفاة أخوين له في سن الطفولة وهما فتح الرحمن وأبو زيد وهذا هو الاسم المقيد في شهادة الميلاد إلا أن الشريف الحسين الإدريسي كان له رأي آخر فأسماه عبد الله ولم يكن لوالد عوض قرشوم وهو الادريسي المذهب والختمي الانتماء الا السمع والطاعة وهكذا اصبح لعوض اسمين هما عوض في شهادة الميلاد وعبدالله وهو الذي اشتهر به في المنطقة.
    .
    الدراسة
    التحق بخلوة الشيخ محمد عثمان الخليفة لفترة قصيرة ثم التحق بعدها بمدرسة بدين الأولية ثم مدرسة البرقيق الوسطى وكانت دفعته هي الدفعة الرابعة لهذه المدرسة العريقة وفي السنة التي قبل فيها بالمدرسة الوسطى حدثت واقعة مهمة وهي أن عدد كبيرا من الطلبة لم يتم استيعابهم فيها فما كان من أولياء الامور الا ان افتتحوا فصلا في جزيرة بدين تحول فيما بعد الى مدينة كرمة وأصبح أساس مدرسة كرمة الأهلية الوسطى وقد تخرج منها العديد من العلماء منهم السيد محمد حامد نوري وغيره . وقد حدث انقلاب عبود وعوض قرشوم في السنة الأولى بمدرسة البرقيق الوسطى ..

    التحق عوض قرشوم بعد ذلك بمدرسة دنقلا الثانوية العليا كأول دفعة لهذه المدرسة وهي الدفعة التي استفادت من شعار اللواء طلعت فريد "التعليم تحت الشجر " وفي بداية تأسيس مدرسة دنقلا الثانوية العليا تم تخصيص فصلين من المدرسة الوسطى وهما فصلا العلوم والذي سمي بفصل أبي بكر الصديق وفصل الفنون الذي سمي (فصل عمر ابن الخطاب) وأصبح الفصلان نواة مدرسة دنقلا الثانوية العليا العريقة التي خرجت أجيالا من العلماء والأدباء وأصحاب الفكر الذين ساهموا في بناء السودان .
    بلغ عدد الطلبة في هذه الدفعة الاولى بثانوية دنقلا 80 طالبا هم اوائل مدراس القولد ودنقلا والبرقيق وأرقو وكان ترتيب اخر المقبولين بهذه الدفعة 110 على مستوى السودان كما ضمت هذه الدفعة أول السودان في الشهادة الوسطى وهو تاج السر حمد من أبناء القولد. لقد كانت الدفعة الأولى لثانوية دنقلا مميزة فقد كان أفرادها يتلقون العلم تحت الأشجار وفي ظروف صعبة للغاية ولمدة عامين فقد كانت الداخليات مكتظة بطلبة المدرسةالوسطي، وكانت هنالك عدد من المواد ليس لها مدرسين أو غير متخصصين مثل مواد الأحياء والفيزياء والرياضيات الاضافية والتاريخ ورغم ذلك فقد كانت نسبة النجاح في امتحانات الشهادة الثانوية عالية وقبل معظمهم في جامعة الخرطوم ورسب منهم طالبان فقط.فمن الاسماء التي ضمتها هذه الدفعة الدكتور أحمد عبد المجيد من أبناء جرادة "ولهذا الطبيب قصة ذكرتها في مقال سابق ولا بأس من ذكرها هنا " وهي أنه عتدما قبل بكلية الطب بجامعة الخرطوم أبرق الى والده الشيخ عبد المجيد طالبا رسوم التسجيل ولم يكن والده يملك مبلغ الرسوم، لكنه لم يفكر كثيرا في كيفية تدبير المبلغ فقد كان التعليم عندهم من أقدس الأشياء، فباع حماره في السوق "وسيلته الوحدة في التنقل وفي العمل كشيخ للبلد: ليحول لابنه رسوم التسجيل في الجامعة وقد نبغ الدكتور أحمد عبد المجيد في دراسته وابتعث الى بريطانيا حيث تخصص في الباطنة وتزوج من بريطانية ويعمل الان في المملكة المتحدة، وقد عمل فترة من الزمن بجدة في مستشفى الخطوط الجوية السعودية اشتشاريا في امراض الباطنة وقد أصرت زوجته البريطانية على أن يبنى لوالده بيتا منيفا من الحجر الخالص في ظاهر قرية جرادة " ويذكر السيد عوض قرشوم أن أحمد عبد المجيد امتحن ودخل كلية الطب بدون مدرس علوم حيث كانت المدرسة تفتقر الى استاذ مادة العلوم. ومن أبناء الدفعة الشهيد كمال علي مختار والمهندس صلاح الدين حسن فرح معتمد محلية البرقيق والمحامي سعيد أحمد النور والقاضي حسين ساتي والقاضي عبد الرحمن شرفي والدكتور عبد الدائم عنبر وكان رياضيا من الطراز الأول ويعمل حاليا محاضرا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ومن مؤلفاته الأخيرة قاموس مصور عربي انجليزي فرنسي والشيخ ميرغني عابدين والدكتور عبد الله بناوي استاذ علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز. وضمت الدفعة الثانية من الذين برزوا في الساحة السياسية الفريق بكري حسن صالح والفريق عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع والعميد عبد العزيز محمد بشير والدكتور مصطفى عثمان اسماعيل والاستاذ أزهري عيسى مختار يعمل حاليا مترجما لجامعة الملك عبد العزيز بجدة والدكتور أبو القاسم محمد والدكتور ابراهيم عبد العزيز والدكتور عبد الرؤؤف شرفي وقد امتحن والتحق بكلية الطب بجامعة الخرطوم بدون أن يدرس العلوم على استاذ والدكتور عبد لله عشميق والمهندس مكاوي علي مكاوي والمهندس محمد خيري فقير وسيد الزبير ومن زملاء الدراسة الثانوية الاستاذ محمد المهدي بشرى وقد جاء منقولا من مدارس الخرطوم نظرا لإن خاله الاستاذ عمر الصديق كان مديرا لثانوية دنقلا والزراعي هجو قسم السيد عضو المجلس الوطني وقد انتقل من الجزيرة إلى دنقلا مع أخيه الاستاذ محمد قسم السيد أستاذ العلوم ثم التحق بكلية الزراعة بجامعة الخرطوم، والمحامي قيلوب ويعمل ألان محاميا بالخرطوم، والأستاذ نور الدين أمين أحمد من أبناء أمنتجو ويعمل في مجال التأمين، والمهندس تاج الدين حسين من أبناء دنقلا وهو استاذ جامعي الان، والمهندس عبد الرحمن محمد عثمان شيخ، والمهندس مصطفى محمد عثمان شيخ يعمل الان بشركة دلة في السعودية، والمهندس فاروق من ابناء مقاصر وغيرهم .

    المرحلة الجامعية .
    كانت رغبة عوض قرشوم دراسة الشريعة وقد أهلته نتيجته في الامتحانات الثانوية الدخول إما في جامعة الخرطوم أو جامعة ام درمان الاسلامية إلا أنه بناء على توجيه الشهيد محمد صاح عمر فقد التحق بكلية الاداب بجامعة الخرطوم وقد زامله في الدراسة الجامعية الدكتور عوض الجاز وزير الطاقة والمحامي فتحي خليل نقيب المحامين الذي تحول من كلية الاداب الى كلية القانون والسفير اسماعيل عبد الدافع ومن أبناء دفعته في الكليات الأخرى الشيخ سيد أحمد محافظ بنك السودان الأسبق والدكتور نافع علي نافع والأستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية وهو من الدفعات التي سبقته والشهيد محمد محجوب حاج نور والاستاذ علي محمد سليمان والبروفيسور بشير طه والروف عبد الرحيم علي والدكتور طه الكباشي والدكتور طاهر عبد الكريم ومحمد حامد الزبير ومن قيادات اليسار الخاتم عدلان ومحمدين عباس ومن التيارات السياسية الأخرى فضل الله محمد و عبد الباسط سبدراب والدكتور خالد المبارك والدكتور اسماعيل الحاج موسى، والدكتور قطبي المهدي أمين المنظمات في المؤتمر الوطني ومستشار رئيس الجمهورية والسفير عبد الرحيم خليل ، سفير بالمعاش، والدطتور ضرار حسن نصر الأكاديمي المعروف وهو من أبناء جزيرة بدين والأستاذ عز الدين ميرغني يس متخصص في النقد ببنك السودان وهو الان بالمعاش، وغيرهم.
    .
    تخرج السيد عوض قرشوم في كلية الأداب بجامعة الخرطوم في العام 1971, وقد تعطلت اختبارات التخرج لمدة ثلاثة أشهر بسبب الاضرابات التي اجتاحت السودان في تلك الفترة ثم بسبب انقلاب هاشم عطا .
    وخلال فترة التةقف التحق السيد عوض قرشوم للعمل في شركة موبيل للزيوت في قسم الحسابات وذلك لفترة قصيرة انتقل بعدها الى الشركة السودانية للتأمين وإعادة التأمين , ورغم إلحاح خاله عز الدين السيد بالمواصلة في العمل بشركة التأمين الا أنه أصر على مواصلة الدراسة وهكذا جلس لامتحانات النهائية وحصل على أفضل درجة قفي مادتي اللغة العربية والجغرافيا حتى أن البروفيسور عبد الله الطيب علق على ذلك قائلا : " العجم غزو اللغة العربية "
    في الفترة التي درس فيها عوض قرشوم بكلية الاداب كان البروفيسور عبد الله الطيب عميد الكلية واستاذ مادة الأدب الجاهلي وكانت محاضراته يأمها عدد كبير من الطلبة من مختلف الكليات العلمية والنظرية ثم تولى البروفيسور عون الشريف قاسم عمادة الكلية وكان يصر على عوض قرشوم لمواصلة دراساته العليا اما في قسم اللغة العربية أو الجغرافيا غير أن عز الدين السيد كان يرى ان يضمن وظيفته في شركة التأمين السودانية فور تخرجه مباشرة بينما كانت رغبة عوض قرشوم أن يعمل في الخارجية أو جامعة الخرطوم لكن الأقدار هيأت له مجالا آخر ما كان يفكر فيه بل كان ينظر إليه بعين الريبة والتوجس .

    زملاء المرحلة الجامعية
    • البروفيسور علي محمد عثمان من أبناء المحس وكان يقاسم السكن مع عوض قرشوم بداخلية التاكا وقد تخصص في قسم الاثار وصار علما مبرزا فيه
    • المرحوم عباس برشم رحمه الله وكان هو ايضا ممن يتقاسمون السكن في ذات الغرفة بالباركس وقد أعدم في الحركة الانقلابية الفاشلة ضد نميري الطالب الرابع في الغرفة كان طالب هندسة
    • الاستاذ الصحفي جعفر عباس وهو من أبناء المنطقة التي ينحدر منها عوض قرشوم وكان في الدفعة السابقة وقد تخصص في اللغة الانجليزية وكان من الطلبة النابغين في الجامعة .
    • الدكتور الفاضل محمد علي الملك جراح الكلى المشهور الذي أجرى عملية زراعة الكلى للفنان محمد وردي وقد درس في مدرسة البرقيق ثم دنقلا الثانوية وانتقل إلى مدرسة الخرطوم الثانوية ثم إلى جامعة الخرطوم
    • الأستاذ أزهري عبد الرحمن أبو عائشة , وممن سبقونا في الجامعة نذكر الدكتور حسن أحمد طه والدكتور صابر محمد الحسن ومن قيادات اليسار اسماعيل عطية ومن قيادات التيار الاسلامي الأستاذ بشير حسن بشير وكان هو و اسماعيل عطية من المتخصصين في احتساب التمثيل النسبي في انتخابات اتحادات الطلبة وغيرهم مما لا يسع المجال لذكرهم جميعا

    .


    الحياة العملية :
    فور التخرج مباشرة التحق بالعمل في شركة التأمين رئيسا لقسم تأمين السيارات ثم ابتعث للتدريب لدى معهد التأمين السويسري بعد ستة اشهر من التحاقه بالعمل كان ذلك في العام 1972 في مدينة زيورخ وقد كان المتدربون من 27 دولة من أوروبا وافريقيا واسيا بعدد خمسين متدربا والمعهد المذكور مملوك للشركة السويسرية لإعادة التأمين وهي من أكبر شركات اعادة التامين في العالم. مكث عوض قرشوم في المعهد حوالي ستة أشهر ثم تلقى دورة تدريبية لمدة شهر في مدينة لندن في بريطانيا مع سماسرة التأمين Insurance Brokers حيث تدرب عمليا لدى الشركات التالية:
    ALEXANDER HOWDEN
    AYNARD REEF &WALLANCE
    WILLUS
    وكان من أصغر المتدربين عمرا ونال تقدير الكدربين ورضاهم. واثر عودته الى السودان كان في نيته أن يلتحق بقسم الاكتتابUnder writing الا أن المدير المعتمد ويدعى دوكوف Dokov وهو بلغاري الجنسية أصر على أن يرأس قسم التعويضات Claims رغم بغضه لهذا القسم وقد أصبح من المميزين في هذا القسم وكان هو الجامعي الأول الذي يتقلد منصب مدير قسم التعويضات في السودان حيث كان العمل في التأمين في السودان محصورا على حملة الشهادة الثانوية وخاصة من الأقباط واليونانيين وغيرهم وذلك للحاجز الديني حول التأمين حلال هو أم حرام وقد استشار عوض قرشوم كثيرا من الناس وخاصة الفقهاء وعلى راسهم الدكتور حسن الترابي الذي اوصاه بأن يستمر ليكون بذلك نواة للتأمين الاسلامي وقد حدث هذا بالفعل حيث قامت شركة التأمين الاسلامية في السودان كأول شركة تأمين تعاونية وتلتها شركات أخرى مثل الاسلامية العربية للتأمين اياك IAIC ثم شركة التكافل وغيرهما .
    في العام 1981 انتقل عوض قرشوم الى المملكة العربية السعودية بعد الاتفاق مع خاله عز الدين السيد ليعمل لدى شركة اياك لكنه التحق بالشركة الاسلامية للتأمين وكان مديرها في ذلك الوقت الأستاذ عثمان الهادي ابراهيم وكان يشغل وقتها منصب مدير عام شركة شيكان للتأمين ثم أصبح عوض قرشوم مديرا اقليميا للشركة الاسلامية حتى العام 1986 حيث انتقل الى الشركة المشتركة ثم شركة المأمون وكلها ذات علاقة بالتأمين بصورة أو بأخرى .
    وخلال عمله بالتأمين هنالك قضايا كبيرة شارك عوض قرشوم في معالجتها نذكر منها عل سبيل المثال لا الحصر: :

    • في العام 1979 شارك في حل مشكلة الباخرة شاندا Shanda والتي انحرفت الى ميناء نيموسي باليونان وهي تحمل بضاعة سودانية وقد تمكن عوض قرشوم من ارجاع البضاعة إلى السودان مع تكبد خسائر بسيطة تم تسويتها من قبل شركات الـتأمين.
    • في العام 1981 تولى عوض قرشوم مشكلة الباخرة Primo Arabia بتفويض من حكومة السودان وشركات التأمين في السودان وكانت تحمل ارسالية خيش لمشاريع الجزيرة والرهد والبنك الزراعي وعدد من التجار وكانت كمية الارسالية 33 الف بالة و قيمتها حوالي 11 مليون دولار وقد انحرفت الباخرة daviated الى سنغافورة وكان هدف العصابات التى انحرقت بالباخرة بيع الارسالية في الأسواق الحرة بسنغافورة وقد دخل عوض قرشوم في صراع عنيف مع تلك العصابات وامتد الصراع الى ما يقارب العام حتى تمكن من اعادة الارسالية إلى السودان بعد فقد 550 بالة من أصل الكمية تحملت شركات التأمين قيمتها. وقد حصل عوض قرشوم نتيجه نجاحه في كسب قضية هذه الباخرة شهادات اشادة من شركات اعادة التأمين العالمية وشركات التأمين السودانية وشهادات تقدير من أصحاب البضائع.
    • أثناء عمله مع الشركة المشتركة للتأمين في جدة ساهم في حلحـلة مشكلات كبيرة متعلقة بأرصفة ميناء جدة وينبع من الأضرار التي تعرضت لها وقد بلغت تكاليف الاصلاح أكثر من 120 مليون ريال كما بلغت عمليات التنظيف من التلوث بالزيت "oil pollution “أكثر من 150 مليون ريال .
    • تولى عوض قرشوم أيضا ملف السودانيين من قبلة الحلاويين الذين توفيا نتيجة صدام الباخرة عبود مع الباخرة هركليس اليونانية واستطاع الحصول على تعويض لكل منهما بمبلغ 26 الف دولار لكل منهما وقد أشيع في حينه بأنه تعامل بشكل غير لائق في هذه القضية مع الشيخ أحمد با عبود ولكن ذلك لم يحدث، ما حدث كان خلاف في فهم نصوص عقد التأمين ليس إلا. فقد كانت شهادة التأمين التي تم بموجبها الحصول على الغطاء التأميني لنادي الحماية والتعويض P&I Club على أساس تحمل الثلاثة ألاف دولار الأولى لكل فرد مؤمن عليه أي بمعنى أن باعبود يجب عليه أن يدفع ثلاثة آلاف دولار من قيمة التأمين وشركة التأمين تتولى 23 الف دولار لكل فرد مؤمن عليه وكان على باعبود أن يدفع مبلغ ستة آلاف دولار للسودانيين المتوفيين لكنه امتنع عن الدفه بحجة أن التذكرة تشير الى أن الراكب في الباخرة يكون على مسئوليته، وعدم دفعه لهذا المبلغ كان سيحرم ورثة المتوفين من باقى مبلغ التأمين من قبل نادي الحماية، مما دفع عوض قرشوم لرفع الأمر إلى القنصلية السودانية وقد تولى نائب القنصل العام وقتها الأستاذ كمال فضل هذا الأمر وأجبر با عبود على دفع المبلغ المستحق عليه إلى القنصلية وتولى نادي الحماية باقي المبلغ وبذلك حصل ورثة السودانيين كافة مبالغ التعويض.
    • الحادثة الأخرى وهي مشكلة الباخرة السودانية النيل الأزرق والتي تعطلت في قلب البحر وقد قام السفير عبد الرحمن ضرار " القنصل العام السوداني بجدة في ذلك الوقت " بالاتصال بعوض قرشوم الذي اتخذ الاجراءات اللازمة وأعد تقريرا تم إرساله إلى القصر الجمهوري حول الملاحظات التالية.
    الملاحظة الأولى أن تذكرة باعبود آنذاك كانت تنص على أن " الراكب في السفينة يركب على مسؤوليته وبهذا يكون المسافرون مثل البضاعة داخل القطار والتي تكون تحت مسؤولية اربابها وهذا شرط مجحف في عالم أصبح يؤمن حتى على الانعام فكيف ينص على التذكرة بأن الراكب على السفينة تحت مسئوليته، ويحتاج الأمر الى مراجعة وقد أثار عوض قرشوم هذا الأمر مع شركات التأمين السودانية عدة مرات.
    الملاحظة الثانية : أن سفن الخطوط البحرية السودانية لم تكن مؤمنة ضد حوادث الطرف الثالث " P&I cover وهذا أمر خطير جدا أن تبحر هذه البواخر بدون غطاء تأميني لإن الخسائر التي قد تنجم سواء كانت لبدن السفينة أو للطرف الثالث كبيرة جدا على سبيل المثال الأضرار الناجمة عن التلوث أو الاصطدام بالارصفة والأوناش بالموانئ وكذلك الأضرار التي تلحق بالركاب وأمتعتهم لذلك لا يعقل أن تبحر سفينة في البحر دون غطاء تأميني كاف وإلا كانت النتيجة كارثة على شركة البواخر ومن ثم على الوطن.

    نبذة عن التأمين في السودان
    بدأ نشاط التأمين في السودان في شكل وكالات لبعض الشركات الأجنبية مثل شركة جيلاتكي هانكي وينيون (Union) ، وكانت هذه الشركات مرتبطة بسماسرة عالميين مثل اليونيو وهي فرنسية وولس فيبر وغيرهما، ثم تطور الأمر الى ظخور شركات سودانية مثل شركة الخرطوم للتأمين ثم شركة التأمينات العامة و شركة النيل الأزرق (لست أدري أيهما الأسبق) غالأفريقية والشركة السودانية للتأمين واعادة التأمين وبعض الشركات الأخرى مثل مثل جوبا للتأمين، البحر الأحمر ، وقد تم تأميم كل هذه الشركات ضمن سياسة التأميم التي انتهجها نظام النميري ، وقد أعلن قرار التأميم الأستاذ أحمد سليمان المحامي.
    وفي أواخر السبعينات من القرن الماضي تأسست الشركة الاسلامية للتأمين وذلك بعد انشاء بنط فيصل الاسلامي بالسودان وبدأت هذه الشركة تمارس التأمين على أساس التأمين التعاوني بناء على فتوى هيئة الرقابة الشرعية برئاسة البروفسير الأمين الضرير عميد كلية الشريعة بجامعة الخرطوم، جاءت بعدها شركة البركة للتأمين التعاوني ثم الشركة الاسلامية التعاونية للتأمين وأخيرا شركة شيكان للتأمين واعادة التأمين وهي كذلك تعمل بالتأمين التعاوني.
    وقد اصبحت كل شركات التأمين في السودان تعمل بنظام التأمين التعاوني في عهد الانقاذ وألغي نظام التأمين التجاري وذلك تمشيا مع السياسة التي اتبعتها الانقاذ في تحكيم الشريعة الاسلامية في المعاملات.
    وقد اختلف العلماء في نظرتم الى التأمين، فمنهم من ذهب الى تحريم التأمين التجاري واباحة التأمين التعاوني، ومنهم من أباح التأمينين معا، والشروط في نظام التأمينين واحدة، والفرق فقط في في تغيير عقد التأمين من عقد مفاوضة مالية (Indemnity) الى عقد تبرع (Donation)وبمقتضى هذا التغيير يعتبر حملة وثائق التأمين هم ملاك شركة التأمين التعاونية وليس الأمر كذلك بالنسبة لشركات التأمين التجاري، وهنالك جدل طويل جول هذا الموضوع، وقد ظهر جيل جديد من العلماء لديهم رأي في التا/ين التعاوني نفسه الذي تمت اباحته من قبل العديد من العلماء وخاصة علماء السودان والمجمع الفقهي في السعودية ، وهنالك محاولة من السعودية لتطبيق النظام التعاوني وهو مشروع مطروح الآن في المملكة العربية السعودية ، وقد جاء التأثير من السودان وذلك لأن عددا كبيرا من السودانيين الذين كانوا يعملون في السودان قد انتقلوا للعمل في السعودية ، كما وأن البروفسير الأمين الضرير أصبح عضوا في هيئة الرقابة الشرعية في بعض شركات التأمين الاسلامية العاملة في المملكة العربية السعودية، وقد أثر كثيرا على العلماء في السعودية وغيرها من فقهاء الدول العربية.
    وتجدر الاشارة أيضا الى أن معظم الذين عملوا في حقل التأمين في السودان في البداية كانوا من غير المسلمين (الأقباط والأرمن والهنود واليونانيين والاغريق وغيرهم) وقليل من المسلمين الذين لم يكن لديهم حرج ديني في العمل في هذا المجال، وكان معظمهم من حملة شهادات المدارس الوسطى والسودانية.
    وفي الستينات من القرن الماضي بدأ الجامعيون يتوظفون في مجال التأمين ومعظمهم من خريجي كليات الآداب والاقتصاد ، ولعدم تخصصهم في هذا المجال فقد كان يتم ابتعاثهم في دورات تدريبية الى معهد التأمين السويسري (Swiss Insurance Training Cemtre) والى لندن والمانيا (اما الى الجامعات أو مراكز التدريب أو الى سماسرة التأمين) أما حملة الشهادة الثانوية فقد كانوا يبتعثون الى جمهورية مصر العربية للتدريب لدى شركة مصر للتأمين العريقة وذلك على الرغم من وجود معهد عريق للتأمين في العراق الا أن السودانيين لم يبتعثوا اليه ربما كان السبب وراء ذلك سياسيا .
    هذه المعلومات عن شركات التأمين هي من ذاكرة الشيخ عوض قرشوم والتي رصدت مسار التأمين في السودان منذ البدايت الأولى والى يومنا هذا، وربما تتاح له الفرصة لمزيد من البحث والتقصى في هذا الباب، خاصة وأن التأمين أصبح أحد سمات عصر العولمة وقد طال مده كل شيء (تأمين الممتلكات، والسيارات، والنقل البحري والجوي وتأمين المال (النقد ، خيانة الأمانة، نقل الأموال، النقد في الخزن) التأمين الطبي، التأمين على الحياة التأمين الهندسي( المقاولين، التركيب، انفجار الغلايات ..الخ) تأمين الخسائر التبعية (Loss Of use/Los of Profit or Business Intrruption) وهلم جرا. .
    .



    العمل العام
    لم يكن للسيد عوض قرشوم دور يذكر في الجالية التي كان يرأسها العم ساتي صالح ولكنه كان من أوائل السودانيين الذي شاركوا في تكوين الروابط الولائية حيث كان من أوائل من أسسوا رابطة أبناء الولاية الشمالية أو المديرية الشمالية في العام 1982 وكانت تشمل ولايتي النيل والشمالية ثم قام بتأسيس رابطة الولاية الشمالية مع كل من السيد زبير عبد العزيز ومن مروي محمد الحسن عباس ومحمد علي صالح وقد انضم الأخ خيري عبد الله خيري وفيصل عبد المنعم وعبد الله عبد الدائم وصديق نصر ثم بقية الأخوة الذين هم قادة العمل الشعبي في الشمالية حاليا .

    هيئة المغتربين
    عرض على الاستاذ عوض قرشوم رئاسة كيان هيئة المغتربين من قبل المهندس عبد الله عباس وشرف الدين علي مختار إلا أنه رفض ذلك لعدم اقتناعه بهذا الأمر ولوجود العم ساتي صالح رئيسا للجالية أنذاك وتولى الدكتور حسين أيوب رئاسة هيئة المغتربين ثم جاءت فكرة العودة للجالية بموجب النظام الخاص بهيئة المغتربين فتحفظت الولاية الشمالية ورفضت الانضمام الى الهيئة وتم ارسال المهندس الزبير فضل ومحمد فضل موسى وخيري عبد الله كمراقبين في الاجتماع الذي عقده السيد عبد الباسط سبدرات مع مندوبي الروابط وقد جاء على رئاسة الجالية المحبوب رحمه الله والفاتح محمد أحمد رئيسا للمكتب التنفيذي واستمر الحال لفترة من الزمن وبعدها انتقل المحبوب إلى رحمة الله وتم اختيار الشيخ عوض رئيسا للجالية حيث أنه كان نائبا للمحبوب .

    الحالة الأسرية : السيد عوض قرشوم متزوج من سيدة خريجة ثانوي عالي متخصصة في النسخ والشورت هاند

    له من الأبناء خالد وطارق تخرجا أملا دراستهما الجامعية ويعملان في السودان ومحمد من ذوي الاحتياجات الخاصة وموهوب في الرسم له ابنة بنت واحدة وهي الدكتورة أمل وهي طبيبة تخرجت في بريطانيا الآن مساعدة أخصائي وتعد الآن لتخصص وهي متزوجة ولديها الجنسية البريطانية تقيم وزوجها الطبيب البيطري في المملكة المتحدة.

    هذه ريحانة من سيرة الشيخ عوض قرشوم، وبتعبير أدق الخطوط العريضة المختصرة لمسيرته العلمية والعملية، وكل حط منها يحتاج الى سفر كامل ان اردنا انصاف الرجل، فهي ليست سيرة فرد واحد انما هي قصة كفاح جيل حمل على كاهله أمانة عظيمة ومسئولية كبيرة. انها أمانة حفظ ثوابت هذا الشعب ومسئولية الانتقال به من الأصالة الى المعاصرة

                  

02-18-2008, 06:57 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    حمل بريدي الالكتروني الرسالة الجميلة التالية من الأخ العزيز محمد يوسف، وسأعود للتعليق على ما جاء في رسالته:



    Quote: Subject: عوض قرشوم رجل فى امة
    Date: Tue, 13 Nov 2007 10:00:48 +0300
    From: "Mohammed Yousuf" Add to Address Book

    To: "Saif Mukhtar"

    الاخ الاستاذ سيف الدين عيسى مختار سلمه الله
    صباح الخير
    ارجو انزال المذكرة أدناه فى البوست لاننى لا املك رقم دخول كما تعلم .. ولك الشكر

    .. الشيخ عوض قرشوم .. رجل فى أمة
    أخى الاستاذ/سيف الدين عيسى
    لك الشكر موصولا ومقدرا على هذا الجهد القيم الذى تقوم به ، فالامم يسخر لها الله رجال بمثل قامتكم لخدمتها وتوثيق تاريخها حاضرها وماضيها ، ولا تاريخ ولا حاضر بلا رجال ونساء على السواء يحملون هموم المبادءى التى يؤمنون بها . هكذا كانت سيرة العم الشيخ عوض قرشوم ، نجماً ساطعا يهتدى به .
    ان كانت لدى اضافة فهى لابد من القاء الضوء على مشاركة شريكة حياته له فى هذا السفر الطويل ، كيف صبرت عليه وهو الغائب الحاضر دوماً فى اجتماعات ومحاضرات وندوات وحلقات تحفيظ وذكر متواصلة ، وان بقى فى البيت فهو البيت (المسيد) الملىء دوماً بالناس ، مما يلقى عليها عبئا فى حضوره وغيابه ، نريد لتلك النافذة ان تفتح لاخوات نسيبه الصابرات ، كما فتحت لنا سيرة عمنا الشيخ عوض .
    هذه نقطة والنقطة الثانية ، ينبغى ان يتم ترتيب محاضرة محضورة للشيخ عوض يتكلم فيها عن مسيرة حياته ، ويتلقى فيها المداخلات من الحضور ، لأن سيرته بالحقيقة حافلة ومليئة ، وعندما تفتح للنقاش ستفتح لنا سير الذين رافقوا ورافقهم العم عوض ، فقد ذكرت شخصيات كثيرة ايضا فى سيرته مر عليهم العم عوض ممن يعتبرون ذو تاثيرات جمة فى مسيرة حياتنا باى صورة من الصور ، وبمثل تلك المحاضرة سنتفح ابوابا كبيرة نلج منها الى كثير من الاحداث التى لها اثار فى الحاضر ، فهكذا ينبغى ان نكون ، فى بحثنا عن الحقيقة واحداثها للتعلم منها والاقتداء بها وبهم .
    آمل ان يكون ذلك ممكنا فى القريب العاجل .
    شكرا لك اخى العمدة سيف الدين بن العمدة عيسى مختار ، وشكرا للعم عوض على هذه السيرة العطرة متعه الله بالصحة والعافية دوماً وجعله مفخرة لنا .
    اخوكم/محمد يوسف محمد احمد

                  

02-18-2008, 07:00 AM

sunrisess123

تاريخ التسجيل: 04-17-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)


    كتب الأستاذ يوسف الحداد عن حفل تكريم الدكتور محمد مختار على الذي أقامته رابطة ابناء أبو فاطمة بجدة


    Quote: ارفعوا العمائم لابناء ابو فاطمة
    بقلم يوسف الحداد /جدة

    كانت ليلة الجمعة 7 ديسمبر 2007 بفندق قصر المدينة ليلة من ليالى دنقلا الخالدات التى تجلى فيها ولها ابناء ابو فاطمة الميامين ، فى ليلة تكريم ابن ابو فاطمة وابن دنقلا وابن السودان الكبير سعادة الدكتور/محمد مختار على .
    لمن لا يعرف ابناء ابو فاطمة ، ولا اعتقد ان هناك من لا يعرفهم ، اقول له انك تشعر بابناء ابو فاطمة وترابطهم وبشاشتهم عندما تلتقيهم على قارعة الطريق ، فكيف ذلك عندما تزورهم فى دورهم وتلبى دعواتهم ، حقيقة كان ابناء ابوفاطمة فى تلك الليلة ، نجوما ساطعة كعادتهم وكعهدنا بهم دائما ، فكانوا يهبون زرافات ووحدانا لاستقبال ضيوفهم عند مدخل القاعة الفسيحة الراقية بفندق قصر المدينة الراقى .
    يعجبك الشيخ محمد ادريس زمراوى ببشاته التى يستطيع فيها ان ينتقل بين الجد الى الهزل بدون تأثر فيوزاته والعكس كذلك من الهزل الى الجد فى لحظة واحدة ، فهكذا الرجل يعرفه الجميع بأدبه الجم ، حتى اصبح محلا للتنافس فى استقطابه بين ابناء المحس والدناقلة ، ولكن يبدو لى ان حصان الدناقلة كان اسرع فى اختطافه من بين ابناء المحس (بس باقى يعلموه شوية اوشكر ويبقى شيخ دنقلاوى تمام ويمنعوه من الغنا ) .
    كانت الليلة جميلة وراقية بكل معنى الكلمة ، وسمعنا فيها الكثير عن المحتفى به الدكتور محمد مختار على ، الذى يفرض على الجميع احترامه وتقديره بهيبته ورزانته ووقاره (وقار ابناء ابو فاطمة المعهود) وقد زاده هو وقارا على وقاره بعلمه وادبه الجم ، تبارى المتحدثون عن الدكتور محمد مختار على كثيرا ونسال الله ان يثقل موازين حسناته بكل تلك المحاسن التى سمعناها عنه وان يجعله خيرا مما سمعنا (لا نزكيه على الله )
    نجم وكوكب كبير اخر من نجوم الحفل كان الاستاذ الباحث الكبير سيف الدين عيسى مختار- رئيس رابطة ابناء دنقلا الكبرى - (ود العمدة ) كما يحلو لمحبيه ان ينادونه عندما يسمح لهم برفع الكلفه بينه وبينهم ، فبحق كان الرجل كعادته دائما متجليا بحديثه العميق وثقافته الغزيرة ، عندما يبدأ الحديث لتقديم اى احد يتمنى المستمعون ان لو واصل فى التقديم اكثر ، لأنه باسلوبه الجميل فى التقديم يجعل لك فقرة بين الفقرة والاخرى ، نسال الله ان يزيده علما على علم وقامة على قامة ، قامة ابناء دنقلا ، فهم قامات وعندما يكونوا ابناء عمد فهم قامات اكثر ، لانهم تربوا فى بيئة رجال مهتمين بمعالجة قضايا المنطقة وحل مشاكلها فهذه تكسب الانسان الكثير من الحكمة والثقة بالنفس .. التحية للاستاذ سيف الدين بن العمدة عيسى مختار ، والتحية لابناء ابو فاطمة الغر الميامين الذين تجلت محبة الناس لهم فى الحضور المكثف الذى ملا جنبات القاعة الفسيحة ، والتحية للشيخ عوض قرشوم رئيس الجالية السودانية الذى لا يتاخر عن مشاركة الجالية السودانية كافة نشاطاتها ، والتحية لابن دنقلا ابن ارتدى ، الوزير المفوض السفير فضل عبدالله من قنصلية السودان الذى شرف اللقاء .. التحية لهم ونتمنى سفرا حميدا للدكتور محمد مختار على .

    الجدير بالذكر ان رابطة ابناء دنقلا الكبرى بجدة كانت لديها ليلة ثقافية كبرى ، بمدينة الملك فهد الساحلية فى نفس تلك الليلة ، ولكنهم بعد ان بداوا فى الاعداد والترتيب لتلك الحفلة ، قرروا بالاجماع تاجيله الى موعد اخر يحدد له ميعاد اخر فيما بعد ، وذلك لاهتمامهم فى المشاركة فى حفل تكريم ووداع الدكتور محمد مختار على وتلبية دعوة ابناء ابو فاطمة الاعزاء الذين يجدونهم فى مناسبات المنطقة كلها فى مقدمة واول الحاضرين ، وقد حضرت اللجنة التنفيذية لرابطة ابناء دنقلا الكبرى هذا الحفل الكبير . وقدمت هدية تذكارية قيمة للدكتور محمد مختار عبارة عن مصحف مخطوط باليد عمره مائتى عام ، وقد تشرف بتقديم الهدية للدكتور نيابة عنهم ، امين عام رابطة ابناء دنقلا الكبرى بجدة الاستاذ/محمد يوسف محمد احمد

    .

    وسنقدم ان شاء الله السيرة الذاتية الكاملة لهذا العلم الذي أثرى العمل العام بجدة وكان عونا لكافة السودانيين بجدة
                  

02-19-2008, 06:33 AM

سيف الدين عيسى مختار
<aسيف الدين عيسى مختار
تاريخ التسجيل: 03-02-2007
مجموع المشاركات: 1364

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)

    عبد الرحيم حاج الأمين
    مرآة الحضارة لذاكرة المستقبل

    سيف الدين عيسى مختار/جدة

    في السيرة الذاتية للراحل المقيم عبد الرحيم حاج الأمين تتقاطع عدة صور، وتتلاقح عدة معارف وإشارات مهمة، تفتح الكوى لرجل مؤمن تجرد من إغراءات الذات، وأدرك أن الارتحال في ذاكرة الناس هو الطريق الممهد لوطن يولد في فؤاده كل يوم، ظل يحدق بكل ما أوتي من قوة إبصار في إبداعات الأسلاف في تجليات الزمن النبيل..لم يكن فعله ارتدادا إلى الخلف، بل بشارة خير بأن مرآة التاريخ هي التي تكشف لنا الطريق إلى المستقبل الواعد، وحين أكملت البشارة وعدها، أدرك أن مضمار الحياة قد أوشك على الانتهاء، وان رحلة الشعاع تظل في التوهج السرمدي، ساعتها راح في اتكاءه المحارب الذي لم يستنفد مشروعه بعد، وهو حتما لم يسترح بعد من وعثاء السفر، والرحلة التي ارتضاها في طريق الإبداع والتجلي، وفي ساعات الصفاء النفسي والروحي، هي حتما لذاكرة الأجيال.. هكذا ارتحل في هدوء وطمأنينة، في يوم شات، نظراته كانت مصوبة نحو وطن خرج منه لأنه لم يحسن التحديق في مرآة التراث ليبصر طريق المستقبل، غادرنا دون وداع لأنه كان مطمئنا من أنه سيعود ذات صباح حين يدرك الناس في بلادي الدروس التي أودعها عبد الرحيم حاج الأمين في ذاكرة المستقبل، والقيم الإنسانية التي حاول تجليتها ونفض الغبار عنها من إبداعات الأولين الذين استخلصوا عصارة حياتهم ومجدوها في لوحات جدارية وإبداعات حجرية..هل سمعتم بعبد الرحيم حاج الأمين؟ لقد كان يناديكم بأعلى ما يملك من صوت، الآن فقط ستدركون أن نداءه لم يكن صرخة في واد لا يصله الصدى، بل كان رجاء بأن نكتشف الكنوز التي خلفتها لنا أعرق حضارات الدنيا.
    عبد الرحيم نفسه كان خلاصة أعراق نبيلة تحمل نكهة التمر وشموخ الصحراء وعراقة النيل ، فوالده الشيخ حاج الأمين محمد بشير سليل المشايخ الذين أرسوا دعائم العلم والمعرفة ,أوقدوا نار الخلاوي ومططوا رؤيتهم تجاه الحداثة والعصرنة، كان قد استوطن جرادة،القرية الوادعة التي تقع شمالى مدينة دنقلا ببضع كيلومترات تزوج فيها أولا من السيدة عائشة محمد نور وأنجب الأستاذ محمد حاج الأمين،العلم الفرد في التربية والتعليم، ومن من أبناء المنطقة لا يعرف الأستاذ محمد حاج الأمين صاحب الأسلوب الراقي التأملي، وإسماعيل وعبد الوهاب ويحي وعبد الله وعبد الباقي وإبراهيم حاج الأمين، ثم تزوج من السيدة زكية إبراهيم إدريس وأنجب أحمد حاج الأمين، وسعاد التي توفيت بمصر، وآسيا، وفاطمة، وعبد الرحيم ومأمون، وحياة، وعبد المطلب وهاشم، والشيخ إبراهيم إدريس كان تاجرا يزرع المنطقة ما بين اسوان ودنقلا على مركبه التجاري، وهو محسى من آرتمري، تزوج من السيدة فاطمة العميري وأنجب منها السيدة زكية والدة المرحوم عبد الرحيم واخوانه، وأل العميرى كما هو معلوم من الجعافرة الذين قدموا إلى دنقلا من منطقة دراو واستقروا في دنقلا، وكان الشيخ إبراهيم إدريس قد أقام متجرا في دنقلا واستقر بها، وآل العميرى أهل علم وفضل ومنهم العم طه العميري وكان أديبا له مكاتبات مع الأستاذ عباس محمد العقاد، ومنهم الشاعر والمسرحي والفنان عبد العزيز العميري والعديد من الشخصيات المهمة في الثقافة والعلم. وهكذا تجمعت للأستاذ عبد الرحيم محمد حاج الأمين عدة مكونات اثنية وثقافية جعلت منه ذلك الانسان صاحب النظرة الثاقبة والادراك المبكر لقيمة هذا التراث ومعطيات تلك الحضارة التليدة التي تشكل منها وعيه ووجدانه، وكأنما كل هذا الارث الحضاري قد سرى في عروقه وانتهى الى أنامله فاكتسب تلك البراعة التي جعلت منه عبقريا لا يفري أحد فريه في مجال الخزفيات واللوحات التراثية والجدرانيات، ولأنه آثر أن يعمل في صمت ونكران ذات دونما صخب أو ضجيج أو حتى تعريف بما يقدم فقد ظل بعيدا عن الأضواء يقدم عطاء في مجال تخصصه لا تحده حدود.
    ولد الأستاذ عبد الرحيم محمد حاج الأمين في دنقلا في العام 1939م، وتلقى بها تعليمه الابتدائي، ثم انتقل الى بخت الرضا فكلية الفنون الجميلة ليتخرج فيها متخصصا في الخزفيات، وانتدبته حكومة السودان في السبعبنات من القرن الماضي الى الجماهيرية الليبية ليعمل استاذا للفنون في المدارس الثانوية بها.. ، عاد بعدها الى السودان للعمل في المتحف القومي بالخرطوم، وكان له الفضل في وضع الاطار العام لهذا المتحف وتزويده بكافة المتطلبات التي جعلت منه أحد أهم الأماكن السياحية في السودان، وكان هو الذي كلف من قبل الحكومة السودانية لنقل الآثار من معبد فرس في الستينات قبيل قيام السد العالى، كما ساهم في انشاء متحف الخليفة عبد الله التعايشي بام درمان، ومتحف السلطان على دينار بالفاشر، اضافة الى قيامه بتصميم الجداريات في كل من جامعة الخرطوم ، معرض الخرطوم الدولي ومجلس الشعب (المجلس الوطني حاليا) والعديد من الأماكن الأخرى، كما قام بتصميم العديد من الطوابع البريدية، والمشاركة في اخراج بعض الصحف والمجلات مثل مجلة الصبيان حيث كان يشارك فيها مع صديقه الفنان الكبير شرحبيل أحمد . ونذكر أيضا من الأعمال المهمة التي أنجزها وهو الخبير في نقل اللوحات الأثرية وترميمها وتقييمها قيامه بعمل لوحة أثرية عند مدخل مبنى الأمم المتحدة بجنيف.، كما شارك بتكليف من اليونسكو في ترميم آثار في ايطاليا وغيرها من مناطق العالم المختلفة..
    في العام 1984م انتقل الأستاذ عبد الرحيم حاج الأمين للعمل في قسم الآثار بكلية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض وظل بها حتى العام 1998م حيث أحيل الى التقاعد ليعمل خبيرا في تقييم القطع الأثرية النادرة لدى مرسسة التوريق بلرياض والى أن وافته المنية صبيحة الثلاثاء 20 محرم 1429هـ (29 يناير 2008م بمدينة الرياض) .
    وبعد اجتياح العراق للكويت في العام 1990م وما نتج عن ذلك من تخريب للمتحف الوطني الكويتي تقدمت الكويت بطلب الى هيئة اليونسكو لاعادة متحفها، فرشحت اليونسكو الراحل عبد الرحيم حاج الأمين باعتباره الأقدر على القيام بتلك المهمة فاستعان الأستاذ عبد الرحيم عليه رحمة الله باحدى السودانيات المتخصصات في هذا المجال وهي الأستاذة سميرة ولس المقيمة حاليا في دولة الامارات العربية المتحدة، وانجز المهمة بكل فعالية واقتدار وقد أصدرت الكويت كتابا لهذه المناسبة ذكر المرحوم فيها على الصفحات الأولى منه، لقد شارك المرحوم في عدة مؤتمرات دولية في ايطاليا وألمانيا وبريطانيا ، فرنسا بولندا ، اليونان، كما ارتبط بعلاقات صداقة وأخوة مع المتخصصين في مجاله على نطاق العالم وعلى رأسهم الأستاذ فاروق حسني وزير الثقافة المصري، والمرحوم أحمد قدري مدير الآثار المصري وغيرهم ممن لا يسعنا حصرهم، ولعل زملاء دراسته في كلية الفنون الجميلة أو زملاء العمل في كل من المتحف القومي وجامعة الملك سعود هم الأقدر على كتابة سيرته لاظهار اسهاماته المقدرة في مجال تخصصه والأعمال الجليلة التي قدمها لحفظ التراث السوداني باعتباره أشهر سوداني يتخصص في مجال تقييم وترميم اللوحات الأثرية ونقلها من أماكنها ونسخها.
    هذه ريحانة من السيرة العطرة للراحل المقيم عبد الرحيم حاج الأمين، وأذكر أنني كنت بصدد التوثيق لأعماله قبل عدة سنوات، وقد نبهنى الى ذلك الأخ عبد الله عبد الدائم، واتصل به ثم اتصلنا به سويا عبر الهاتف وكان من المفترض أن أذهب اليه في الرياض لكن مشيئة الله أرادت غير ذلك، وكم أشعر الآن بالحسرة على ضياع تلك الفرصة، أما وقد ضاعت تلك السانحة، فان عبد الله عبد الدائم- نسأل الله الشفاء- لم يدع فرصة وجود ابنيه وائل ومحمد القادمين من كندا، وأخيه عبد المطلب القادم من قطر، هيأ لى فرصة الالتقاء بهم للوقوف على معلومات مهمة عن سيرته الذاتية، والشكر أيضا للأخوين هاشم ومأمون الذان قدما لى من دنقلا عبر الهاتف اضاءات مهمة حول شجرة نسب عائلة المرحوم حاج الأمين عليه رحمة الله، والشكر أيضا للأخ طارق محمد عبد الدائم زوج ابنة عبد الرحيم الوحيدة علا الذي تحدث عن اسهاماته وانجازاته باعجاب وحب عميقين.
    في سرادق العزاء الذي أقيم له بجمعية مشو بجدة شاهدنا أـبناء جرادة ومشو والحفير ودنقلا والزورات ومقاصر يصطفون جميعا لتقبل العزاء، فقد كان عبد الرحيم عليه رحمة الله من كل هذه القرى وله فيها جميعا قرابة أو نسب ، صبرا آل حاج الأمين في فقدكم الأليم ورحم الله عبد الرحيم حاج الأمين وأجزل له المثوبة والمغفرة وجزاه الله عنا خير الجزاء في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وألهم زوجه وأبنائه واخوانه وآله الصبر والسلوان وحسن العزاء (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية، فادخلى قي عبادي وادخلى جنتي
                  

02-28-2008, 06:38 PM

عصام دقداق

تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 1714

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (الاعلام بمن سكن السعودية من السودانيين الاعلام ) - الجزء الثاني (Re: sunrisess123)

    عمل جميل ورائع

    الي الامام
                  

02-28-2008, 07:17 PM

Waeil Elsayid Awad
<aWaeil Elsayid Awad
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 2843

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
RE (Re: sunrisess123)

    الاستاذ احمد الريح حسين
    من مواليد الدويم 1945 درس فى الدويم الريفيه و الثانوى فى حنتوب
    درس فى كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم فى نهاية الستينات لم يعرف عليه ميول سياسية معينة
    ولكنه كان ذو نشاط اجتماعى كثيف.اسس فى جامعة الخرطوم جمعية تطوير الريف
    حيث عنت بربط الطالب بهموم الريف. تخرج سنة 1969 و عمل بالكفاءة الانتاجية .ذهب ال امريكا
    و اخذ الماجستير .
    هاجر الى السعودية حيث عمل كمدرب فى الخطوط الجوية السعودية ثم بالكهرباء.
    بعد ذلك
    استقر فى جدة فى الحرس الوطنى كمدير للتدريب ثم مدير للتدريب بشركة بالبيد
    الان يعمل بوقف الملك عبد العزيز.
    له عدد من الكتب فى مجال التسويق و التدريب كما ان له بعض الكتب الاسلامية
    قمت بنشر كتابه يوم المسلم كيف يقضيه فى هذا الموقع
    يوم المسلم كيف يقضيه
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de