تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 05:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-26-2008, 03:36 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك

    تحرير الخرطوم
    أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية
    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    لم يكن تحرير مدينة الخرطوم على أيدي أنصار الإمام محمد أحمد المهدي في السادس والعشرين من يناير 1885م حدثاً عباراً وليد لحظته، بل كان حدثاً مفصلياً له أبعاده الأيديولوجية وتداعياتها السياسية في السودان وخارج السودان، لأن مفرداته السابقة واللاحقة قد تشكَّلت في ظل متغيرات دولية معقدة، شهدها الربع الأخير من القرن التاسع عشر للميلاد، حيث عُقد مؤتمر برلين في الثالث عشر من يونيو 1878م تحت رعاية المستشار الألماني بسمارك، وأبدت الدولة العثمانية فيه تنازلات عديدة بغية إرجاء الدول الأوربية من تنفيذ سياساتها الرامية إلى تقسيم ممتلكاتها واغتصاب أراضيها. وقبل أن ينعقد مؤتمر برلين، عقدت بريطانيا صفقة سريِّة مع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني تقضي بتفويض بريطانيا بوضع بعض قواعدها العسكرية في جزيرة قبرص، تعللاً بأنها تريد حماية أستانبول من الخطر الروسي، إلا أن الفرنسيين قد عارضوا هذه الخطوة البريطانية الجريئة، واعتبروها خطوة ماكرة في سبيل تعزيز نفوذ الأمبراطورية البريطانية في الشرق الأوسط. وإرضاءً للشعور الفرنسي الاستعماري بادر البريطانيون بموافقتهم على تدخل فرنسا في تونس عام 1881م، وفي الوقت نفسه انفجرت الثورة العرابية في مصر، ممهدةً الطريق للبريطانيين ليحتلوا مصر عام 1882م، تذرعاً بإعادة الأمن والاستقرار، وحماية حقوق المقرضين الأوروبين في ربوع مصر المحروسة، واستطاعوا بذلك أن يحققوا غرضاً استراتيجياً في المنطقة، ويتخلصوا من رموز الثورة العرابية بنفيهم إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا) في المحيط الهندي.
    في هذه الأثناء انفجرت الثورة المهدية في السودان، وحققت انتصارات متلاحقة في مدن التخوم والأرياف، كان لها صداها عند صاحبي العروة الوثقى الشيخ جمال الدين الأفغاني، والأستاذ محمد عبده، ورواجها في شبة القارة الهندية، حيث يحكم البريطانيون قبضتهم، ويمارسون سلطانهم في نهب خيرات البلاد وإزلال العباد. وفي ظل هذا الزخم السياسي المتصاعد بدأت قوات المهدية مهللة ومكبرة بزحفها نحو الحاضرة الخرطوم، تحت قيادة الإمام محمد أحمد المهدي الذي توفرت له صفات متميزة أهلَّته لقيادة المجتمع السوداني آنذاك، وتلك الصفات ارتبطت بسلوكه الصوفي الزاهد الذي اكسبه تقدير قطاع عريض من أهل السودان، وبعلمه الشرعي المالك لناصية الفقه والإفتاء في أمور الحكم والجهاد. وفوق هذا وذاك فكانت له شخصية كارزمية جاذبة، أعطتها فكرة المهدي المنتظر بُعداً أيديولوجياً قوياً وفاعلاً، لأن الفكرة في حد ذاتها كانت شائعة في بقاع السودان المختلفة وشاخصة في مخيلة العقل الصوفي السوداني، لذا فإن الاعلان عنها من قبل رجل عُرف بالزهد والصلاح، وأفلح في تفنيد مساوئ الحكم التركي ومسالبه المخالفة لقواعد الإسلام وأدبيات الاجتماع البشري، كان إعلاناً سياسياً وأيديولوجياً قوي الأثر، لأنه خاطب أحلام المظلومين بعدل يرعى في ظلاله "الذئب مع الغنم"، وشحذ أشواق أهل البادية والريف بالخلاص من الضرائب التركية الباهظة التي اثقلت كاهلهم وفظاعة جباتها الباشبوزق، وغازل تطلعات أولئك الذين فقدوا سلطانهم السياسي أو الديني أو التجاري في عهد الحكومة التركية وسياساتها الخرقاء، وما برحوا يحلمون ببزوغ غدٍ أفضل يعيد إليهم نفوذهم المهضوم وثرواتهم المنهوبة.
    وعندما شعر البريطانيون بتفاقم الموقف السياسي في السودان الذي ربما يؤثر سلباً على خططهم الاستراتيجية في المنطقة شرعوا في الدعوة إلى إخلاء السودان من القوات المصرية والمصريين العاملين فيه، وأرسلوا برقية إلي القاهرة تقضي بتعيين الجنرال شارلس غردون. فردت الحكومة المصرية رداً سالباً عن طريق المندوب البريطاني السامي في القاهرة آنذاك، اللورد كرومر، متعللةً بأن الحركة المهدية في السودان حركة دينيّة، لذا فتعيين مسيحيّ في القيادة العليا لحملة إخلاء السودان ليس بالأمر الصائب. وعلى هدي هذه التحفظات المصرية طُرح اسم الزبير باشا مرشحاً بديلاً لقيادة "القوات الهجين" الخاصة بإخلاء السودان. وبناءً على ذلك الاقتراح الفطير كتب اللورد كرومر في التاسع من ديسمبر 1883م خطاباً إلى حكومة جلادستون البريطانية، جاء في بعض مقاطعه: "مهما تكن أخطاء الزبير فإنه رجل له طاقة كبيرة وإصرار، وتعتبر الحكومة المصريّة أن خدماته قد تكون مفيدة جدًّا
      وأن بيكر باشا [في خط الاستواء] متلهّف لاستغلال خدماته" في هذا الشأن. إلا أن الحكومة البريطانية أصدرت توصية رسميةً حاسمةً في الرابع من يناير 1884م تقضي بإخلاء السودان تحت قيادة الجنرال غردون، وفي الوقت نفسه أرغمت الوزراء المصريين الرافضين لتنفيذ هذه التوصية بالاستقالة من مناصبهم، وبموجب ذلك تشكَّلت وزارة مصرية جديدة تولى رئاستها أرمني مسيحي يدعو نوبار باشا باغوص، ليقوم بوضع النصحية البريطانية موضع التنفيذ.
      في إطار هذا التدخل البريطاني السافر في شؤون مصر وصل الجنرال غردون إلى مدينة بربر في شمال السودان في الحادي عشر من فبراير 1884م، ومنها أرسل إلى المهدي رسالة يعلمه فيها بتعيينه سلطاناً على كردفان، ويطلب منه توطيد علاقته مع حكومة السودان. وفي الوقت ذاته أعلن غردون أهالي بربر بمضمون فرمان الخديوي الخاص بإخلاء البلاد من المصريين والأتراك، وإعادة إدارتها للمشائخ والسلاطين. ويجمع المؤرخون على أن ذلك الإعلان كان بمثابة الضربة القاضية التي أفرغت سياسية غردون التي ناهضت المهدية لاحقاً من محتواها.
      وصل غردون الخرطوم في الثامن عشر من فبراير 1884م، وكان يعتقد أن كسب الرأي العام يمكن أن يتمَّ بالقضاء على بعض مظاهر الحكم التركي الظالمة. لذا فقد قام بأحراق الدفاتر الضريبية وسياط جباة الضرائب في ميدان عام بالخرطوم. وقبل أن يجني الجنرال غردون ثمار هذا الجهد غير المدرك لقيمة التحول الذي أحدثته المهدية في عقول الناس وقلوبهم، وجعلتهم أقل صبراً على اصلاح يأتي من رجل مسيحي في ظل حكم تركي بغيض، فما كان من المهدي إلا الرد عليه بخطاب مفعمٍ بالقيم الأيديولوجية المخالفة لتوقعات غردون، ولما يعتقد فيه، ويعتز به، إذ إنه رفض قرار تعيينه سلطاناً على كردفان، ودعا غردون إلى الدخول في دين الإسلام، والإيمان بالمهدية، وأرسل له جبة مرقعة باعتبارها شارةً من شارات ذلك الإيمان، ثم بشره بسلام روحي مع الذات الإلهية العليا، وعفو سياسي من القيادة المهدية.
      فلا غرو أن هذه الدعوة كانت جارحة لكبرياء غردون، لأنها أخرجته من طوره، وجعلته يقف موقفاً مناهضاً لسياسة الإخلاء، ومتعصباً تجاة الحركة المهدية التي طعنت في كبريائه البريطاني، وسجله الحربي الناصع في الصين، ومنطلقاته العقدية المخالفة لمنطلقات الإمام المهدي وأنصاره. وبهذه المفاصلة الدبلوماسية وصل الطرفان إلى طريق سياسي مسدود، أوقفهما على حافة حرب ضروس، قرعت طبولها حول الخرطوم وما حولها. وكان هذا القرع يأتي داوياً من معسكرات الأنصار التي أعدت للحرب عدتها، وأحاطت الخرطوم إحاطة السوار بالمعصم، ومارس قائدها المهدي أساليب شتى لإضعاف الروح المعنوية في أوساط سكان الخرطوم، بغية سحب البساط من تحت أرجل الجنرال المتغطرس بأقل الخسائر المادية والبشرية كلفة. وفي تلك المرحلة الحرجة من عمر الثورة المهدية عمد الإمام المهدي إلى سياسة الحصار طويل الأمد، وعضد ذلك بحرب المنشورات التي اضعفت الروح المعنوية لأهل الخرطوم. وعندما بلغ الحصار ذورته يقال إن المهدي كتب منشوره المشهور إلى أهالي الخرطوم، واستنسخ الكُتَّاب عدداً وافراً منه، وأعطوه لأحد الجواسيس، فوضعه في أناء من صفيح على شكل ابريق وعبر به النيل الأبيض سباحة بالليل، ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها، وألقى بالمنشورات في الأزقة والطرقات، وقذف بها في المنازل، ثم عاد أدراجة. ويحسب الدكتور محمد إبراهيم أبوسليم: "إن ذلك كان أول عهد الخرطوم بالمنشورات المحظورة التي توزع خفية"، والتي استطاعت أن تحقق غايتها المنشودة في تأليب الرأي العام ضد غردون، حيث أنها جعلت بعض علماء الخرطوم أمثال الشهيد أحمد العوام يقفون موقفاً منافحاً لغردون، ومتحمساً لقضية الثورة المهدية، وبذلك أسهموا في إضعاف الروح المعنوية، ومهدوا الطريق لإنجاح سياسة الحصار.
      عندما بلغ الحصار غايته، ونفد المخزون الغذائي، ضعفت الروح المعنوية في أوساط الجنود والرعية، وبدأ غردون يتشبث بوصول حملة الإنقاذ التي غادرت أبوطليح متجهة نحو الخرطوم، وكتب منشوراً في هذا الشأن علقه في طرقات المدينة المحاصرة، وجاء في بعض فقراته: "قد جاءت البشرى بأن الجيش الإنكليزي فَرّقَ جموعهم [أي الأنصار] في صحراء بيوضة، وقتل منهم أُلوفاً، ونزلت مقدمته المتمة، وهو مسرع لإنقاذنا، وبسبب هذه البشرى عفوتُ عن أحمد بك جلاب مدير الخرطوم، وعمن اشتركوا معه في مراسلة المهدي، وأطلقتُ سراحهم من السجن." (شقير، 1981م، 526) فكتب إليه المهدي في الشأن: "إن الجردة التي تعتمدونها ما لها وجه بوصولها لكم من سَدّ الأنصار الطرق، فإن اسلمت وسلمتَ فقد عفونا عنك، وأكرمناك، وسامحناك فيما جرَى، وإن أبيتَ فلا قدرة لك على نقض ما أراده الله... وقد بلغني في جوابك الذي أرسلته إلينا أنك قلت إن الإنكليز يريدون أن يفدوك وحدك بعشرين ألف جنيه... إن أردت أن تجتمع بالإنكليز فبدون خمسة فضة نرسلك إليهم. والسلام."
      وواضح من هذه الرسائل المتبادلة بين طرفي الخصومة، أن تعنت غردون وتشبثه بحملة الإنقاذ كان واحداً من الأسباب الرئيسة التي دفعت الأنصار إلى الانتقال من سياسة الحصار إلى الهجوم العسكري، الذي حدث في صبيحة السادس والعشرين من يناير عام 1885م، وأفضى بدوره إلى تحرير مدينة الخرطوم، وقتل الجنرال غردون، الذي تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن المهدي كان يريده حيّاً ليفدي به أحمد عرابي. وسواء كانت هذه الرواية صحيحة أم خطأ، فإن هناك سؤال محوري يطرح نفسه: ما الدروس والعِبَر التي نستقيها من تحرير مدينة الخرطوم وقتل الجنرال غردون؟ تتبلور الإجابة عن هذا السؤال المفصلي في تاريخ السودان الحديث في النقاط التالية:
      أولاً: إن تحرير الخرطوم، الذي تُعدَّه بعض أقلام الدعاية الاستعمارية والأكاديميين سقوطاً، قد أسهم في تحرير بقية المدن السودانية من قبضة القوات التركية، وبذلك اُستدل الستار على فترة حكم تركي-مصري، استمرت قرابة الستة عقود ونيف (1881-1885م)، ونشأت على انقاض تلك الحقبة الموؤدة دولة المهدية (1885-1898م)، التي استمدت شرعيتها الثورية من فكرة المهدي المنتظر، ومنهجها الجهادي من قيادة محمد أحمد المهدي، وعمقها القومي من التوزيع الجغرافي لقادتها الأبكار: الخليفة عبد الله التعايشي من الغرب، والمجاهد عثمان دقنة من الشرق، والخليفة علي ود حلو من الوسط، والخليفة محمد شريف من الشمال. فلا جدال أن هذا التوزيع الجغرافي-السياسي كان خطوة إيجابية تجاه بلورة الوعي القومي في السودان، إلا أن الصراعات التي شهدتها دولة المهدية بعد وفاة المهدي قد أفسدت هذا التوجة، وأفرغته من محتواه، وجعلت أنصار المهدية وخصمائها يستبدلون أفضيلة الانتماء إلى الوطن بدونية الانتماء للقبيلة.
      ثانياً: إن المحصلة الأيديولوجية التي استندت الثورة المهدية إليها قد جعلت قيادة الدولة المهدية الناشئة ترفض البقاء في عاصمة الترك الخرطوم، ولعل ذلك الموقف قد رسمت معالمه خطبة المهدي الأخيرة بمسجد الخرطوم، التي استأنست بقوله تعالى من سورة إبراهيم: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾. وهذا الموقف أشبه بما حدث في الأبيض حيث آثر المهدي وأنصاره البقاء في بقعة الجنـزارة بدلاً من الانتقال إلى مدينة "الترك" المحررة، وبهذا التوجه السياسي استطاع المهدي أن يضع الأساس لمدينة أمدرمان التي أضحت حاضرة للدولة المهدية، وعاصمة قومية في العهد الثنائي، لأنها كان موطناً جاذباً لكل ألوان الطيف السياسي والقبلي في السودان، وذلك بخلاف العاصمة الرسمية الخرطوم، التي كانت مقراً لدواوين الحكومة الرئيسة، وسكناً لصاغة القرار السياسي وأعوانهم في السودان الإنجليزي-المصري.
      ثالثاً: إن نهاية غردون التراجيدية في الخرطوم كان لها وقعها المحزن في أوساط الرأي العام البريطاني الذي ألقى باللائمة على حكومة جلادستون، وتباطؤها في إنقاذ رمز مهم من رموز العهد الفكتوري التي أسهمت في بناء مجد الأمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغيب عنها الشمس. وهذا التعاطف جعلهم أيضاً يشجعون القضاء على دولة المهدية، ويتبرعون بسخاء لتشييد كلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حالياً) عام 1901م، وذلك تخليداً لذكرى الجنرال "الشهيد" -من وجهة نظرهم- في مخيلة الشعب السوداني، وخصماً على تراث الدولة المهدية. ومن ثم أضحت كلية غردون التذكارية موطناً لصياغة العقل السوداني الحديث، وفق قيم غربية متفاعلة مع أدبيات العَلمانية، والنـزعة القومية، والديمقراطية الليبرالية، وفي ذات المؤسسة وُلدت الحركة الوطنية المناهضة للحكم الإنجليزي-المصري، والتي أسهمت بدورها في توطين الدعوة للاستقلال، وتحقيقها عام 1956م.
      رابعاً: إن تخليد الذكرى الحولية لتحرير الخرطوم في السادس والعشرين من يناير ينبغي أن لا يُحصر في اجترار الماضى بخيره وشره، بل يُوظف توظيفاً إيجابياً في خدمة الحاضر، وذلك انطلاقاً من وحدة الهدف الذي رسمته الثورة المهدية قيادة وشعباً، إذ إنها حددت معالم استراتيجيتها حول تحرير السودان من ظلم الحكم التركي-المصري، ووزعت الأدوار حول هذا الهدف الاستراتيجي بطريقة قومية، رُوعي فيها التمثيل الجغرافي لأهل السودان، والالتزام بأدبيات الثورة المهدية، والدعوة إلى الطُهر السياسي ومحاربة الفساد. إلا أن النكوص عن هذه القيم السياسية قد كان واحداً من الأسباب التي أسهمت في ضعف بناء الدولة المهدية، وتحويل أدائها إلى أداء قطاعي عندما انتقلت من مرحلة التحفيز الثوري إلى مرحلة بناء الدولة المؤسسية. فلا عجب أن هذا الواقع التاريخي يؤكد أن الشعار السياسي الثوري، أو الذي يدعي الثورية، يمكن أن يخدم هدفه المرحلي إذا كانت استراتيجية صنَّاع القرار السياسي واضحة المعالم، وقائمةً على شفافية خدمية وطُهر سياسي، قوامهما ديمقراطية الطرح، والمشاركة، والتنفيذ، وبخلاف ذلك تصب حصيلة الجهد "الثوري" التراكمي في أوعية الكسب القطاعي الباخسة لتطلعات السواد الأعظم من الأهلين، وعند هذا المنعطف يتحول الشعار السياسي إلى شعار قطاعي متنازع حوله، لأنه منبت الصلة بواقعه، لا يستطيع أن يقطع أرضاً ولا يبقي ظهراً.
                  

01-26-2008, 04:45 AM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    Quote: الحركة الوطنية المناهضة للحكم الإنجليزي-المصري،


    احمد ابوشوك تحياتي،

    ما معني مفردة "حكم" اعلاه في وصف احتلال اجنبي استعماري؟

    ماذا عن الاستعمار والاحتلال المصري، باسم الخلافة الاسلامية اللتي استعبدت مسلمين؟

    لماذا التركيز علي بريطانيا مع اهمال مصر؟

    هل الخائن العوام شهيد؟

    وقبل هذا وبعده، لماذا الاغفال التام لدور التعايشي المشعل الحقيقي للثورة، الذي جند الامام المهدي؟

    ثم هل ده كلو صدفة؟

    والاهم من ده كلو، ماذا عن ورثة المهدية، كالكاذب الضليل، عميل الانقاذ حفيد مقبولة الدينكاوية، زعيم حزب الغمة، الجلابي الجهوي؟
                  

01-26-2008, 10:00 AM

Omer Hummeida
<aOmer Hummeida
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 93

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    بروفسير / ابوشوك
    لك تحياتي
    أذكره بروفسير القدال وهو يسرد لنا في إحدي محاضراته خطة المهدي لفتح الخرطوم ... وكيف كما قال ( نقلا عن محمد نور سعد ) الذي قاسمه أحد السجون ذات مرة في اعتقالاته المتعددة أنه ـ اي سعد ـ قد حاول تنفيذ نفس الخطة في انقلابه لاحقا ؟؟؟
    ان ربط الحوادث التاريخية وأخذ العبر عنها واحدة من قيم التاريخ ... وذكري " سقوط " أو فتح الخرطوم مناسبة توجب التفكر والعبر ... الشكر لك وأنت تقودنا دوما لكل جميل ... ولكن بلاشك لن يجد رواد المنبر ما يشجعهم علي التعقيب عليه ... فهم في غيره في شغل !!!! وكذلك حال كل أمر جاد وحاذق ...
    عمر
                  

01-26-2008, 02:14 PM

الصادق ضرار
<aالصادق ضرار
تاريخ التسجيل: 11-05-2007
مجموع المشاركات: 2345

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك
    استاذي الفاضل
    نتابع كل ما يجود به قلمك و نتعلم منه الكثير الكثير .
    فمقال ( اختزال سيادة الدولة في السلطة وتداعياته في السودان: مذبحة المتمة نموذجاً (1897م) ) يشكل هذا المقال مرجعا تاريخيا و قراءة ثاقبة مع ربطها بالواقع و انت اليوم تجود علينا بعمل آخر رائع ليس امامنا الا ان نقول مزيدا من العمل من اجلنا و من اجل الاجيال القادمة .
                  

01-26-2008, 02:44 PM

Al-Shaygi
<aAl-Shaygi
تاريخ التسجيل: 11-16-2002
مجموع المشاركات: 7904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    Quote: والاهم من ده كلو، ماذا عن ورثة المهدية، كالكاذب الضليل، عميل الانقاذ حفيد مقبولة الدينكاوية، زعيم حزب الغمة، الجلابي الجهوي؟


    أيه!!!!!
    الجلابي الداكس شباشه

    قلت لي مقبوله الدينكاوي؟؟؟

    دي يا ربي بتشرف بيها الإمام ولا بتعيروا بيها

    على كل حسب فهمي سياق الجملة معايرة ونبذ فهل تعني أن الإنتساب للدينكا عار وأيه قصدك ،،، بس قول لي وفاوضني بلا زعل ياخ طمني أنا عندي ظن!!!!!!

    الشايقي

    فاوضني بلا زعل
                  

01-26-2008, 04:53 PM

صباح حسين طه

تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1313

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Al-Shaygi)

    تجد عندي إنجذاب خاص لكتاباتك يا دكتور ويا فخر السودان بمن متلك ويا فخري بك
                  

01-26-2008, 06:07 PM

محمد على طه الملك
<aمحمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: صباح حسين طه)

    الأخ بروف ابوشوك ..
    قال تشيرشل فيما ترجمته..
    كلما تعمقنافي الماضي إستبصرنا المستقبل ..
    لقد رفضت كياناتنا الإجتماعية كل خطوات النقلة المتعجلة القسرية لنظم الدولة
    الحديثةالمركزية التي عاصرت عهود الإمبراطوريات الإستعمارية الحديثة رغم مجيئها
    متلفحة بالإسلام..
    وكان من نجاحات الثورة - كما تفضلت - إنتباهتها لتشكيلة المجتمع الجهوية ووضعها في الإعتبار عند إنطلاقة الثورة..
    غير أن محاولة علاج إشكالاتها التنافسية في إطار مقومات الدولة المركزية قصمت ظهر
    تماسكها ووحدتها وكانت تلك من أظهر الثغرات التي أتيت من قبلها ..
    شكرا لهذه الرؤية العميقة .

    ((إن تحرير الخرطوم، الذي تُعدَّه بعض أقلام الدعاية الاستعمارية والأكاديميين سقوطاً، قد أسهم في تحرير بقية المدن السودانية من قبضة القوات التركية، وبذلك اُستدل الستار على فترة حكم تركي-مصري، استمرت قرابة الستة عقود ونيف (1881-1885م)، ونشأت على انقاض تلك الحقبة الموؤدة دولة المهدية (1885-1898م)، التي استمدت شرعيتها الثورية من فكرة المهدي المنتظر، ومنهجها الجهادي من قيادة محمد أحمد المهدي، وعمقها القومي من التوزيع الجغرافي لقادتها الأبكار: الخليفة عبد الله التعايشي من الغرب، والمجاهد عثمان دقنة من الشرق، والخليفة علي ود حلو من الوسط، والخليفة محمد شريف من الشمال. فلا جدال أن هذا التوزيع الجغرافي-السياسي كان خطوة إيجابية تجاه بلورة الوعي القومي في السودان، إلا أن الصراعات التي شهدتها دولة المهدية بعد وفاة المهدي قد أفسدت هذا التوجة، وأفرغته من محتواه، وجعلت أنصار المهدية وخصمائها يستبدلون أفضيلة الانتماء إلى الوطن بدونية الانتماء للقبيلة)).
    التعديل لإضافة الفقرة أعلاه.

    (عدل بواسطة محمد على طه الملك on 01-26-2008, 06:18 PM)

                  

01-27-2008, 01:25 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: محمد على طه الملك)

    الأخ بشاشة،
    والأستاذ عمر حميدة،
    والأخ الشايقي،
    والأخ صباح حسين طه،
    ومولانا الأستاذ محمد طه الملك

    شكراً على قراءاتكم الفاحصة وملاحظاتكم القيمة، سواءً كانت تصب في إطار ما ذهبت إليه، أو تختلف مع النتائج التي توصلت إليها، وفي النهاية كل ما نقدمه هو عمل إنسان، لا يدعي الكمال، بل يفتح كوة للحوار وسماع الرأي والرأي الآخر، سماعاً لا يفسد للود قضية، فلكم منى التحية والود.
    حقاً يصدق قول تشرشل كما ذكر الأستاذ الملك: "كلما تعمقنا في الماضي إستبصرنا المستقبل"، لذا فيجب علينا أن نقرأ الماضي قراءة حاذقة، تخرجنا عن تفكير النسق، إذا ما التزمنا فيها جانب الحياد والموضوعية ما أمكن، علماً بأن أسوأ ما في الحياة الدنيا هو أجمل ما فيها، وأجمل ما فيها هي تحدياتها، لأن تقدم الشعوب والإفراد يقاس بمدى قدرتهم على فهم التحديات ووضع الحلول المناسبة... وبخلاف ذلك يظل تاريخنا كماً مهملاً لا يعيننا كثيراً في إعادة صياغة واقع السودان المعاش بطريقة موضوعية.

    لكم تحيتي ومودتي

    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-27-2008, 01:28 AM)
    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-27-2008, 01:28 AM)

                  

01-27-2008, 07:05 AM

Bashasha
<aBashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 25803

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تحرير الخرطوم: أبعاده الأيديولوجية وتداعياته السياسية. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    الاستاذ احمد ابوشوك
    ،
    مارديت علي ملاحظاتي او اسئلتي.

    في اعتقادي انت كشمالي متحامل علي اهلنا في الغرب، وطرحك لايختلف عن المسار الذي خطه شقير، في شئ.
    عزيزي القارئ،

    هذا نموذج حي، للطرح المسؤول من الصياغة الحالية، الجهنمية، لاقلية الجلابة وطريقة تفكيرم، سناريو واخراج الاحتلال الذي اعد الجلابة، للقيام باقذر الادوار نيابة عنه، وقد انجز الجلابة المهام علي اكمل وجه.

    الثورة المهدية هي بنت افكار الهامش، وليس المركز.

    التعايشي وليس الامام المهدي.

    الجلابة هم من دكو حصونها وتامرو مع الغزاة، ليطيحو بعرشها!

    عنوان عمل البروف المشار اليه عن احداث المتمة، يلقي مزيد من الضو علي تحامل البروف كشمالي علي من انجزو الثورة المهدية.

    علي ودسعد عميل وخائن، يستحق ان يضرب عنقه من بعد تقديمه للقضاء، وهذه حقيقة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de