الاستاذ محمود عابدين له اسهامات ورؤية .. فودننا ان نقل له بعض مما نشر له في مكان آخر
(الناس في شنو.. والنوبيين في شنو).. هل يحق لنا إطلاق مثل هذه المقولة في ضوء ما تشهده الساحة النوبية من تجاذبات ومماحكات مريرة بين أبناء المنطقة الواحدة والتاريخ المشترك والجغرافيا التي لا فكاك عنها؟!
تتباين آراء النوبيين في كل شئ، وما من قضية تطرح إلا وكانت لها ألف تفسير وتفسير.. حتى التاريخ وهو أغلى ما يفخر به أهل الحضارة والتراث الموغل في القدم، أصبح موضع استهزاء من قبل شريحة ما بات لها سوى تفسير (أحادي) لكل شئ.. ولا ترى في تاريخها على عظمته سوى (شوية أحجار مدفونة تحت الأرض) لا يستحق كل ما يثار حوله من ضجة على حد زعمهم!! علما بأن ما تحت الثرى كنز حتى بمعايير زماننا، واستثمار أفضل جدوى من العديد من الخيارات المطروحة!!
أكثر ما يختلف حوله أهل الشمال النوبي حالياً، مشروعات يطلقها المسئولين في المنطقة بدعوى أنها تهدف إلى إحداث التنمية في مناطقهم، فيما ترى شريحة واسعة أنها مجرد مشروعات لـ(الترضية)، فقاعية ذات أهداف دعائية غايتها تمكين وتجذير فئة محددة المعالم والمواصفات وترجيح كفتها في الانتخابات المزعومة القادمة على حساب آخرين .. وبين حانا التطبيل ومانا التبجيل ضاعت (رحانا)!!
يبدو أن القلة التي تتشبث بتلك المشروعات كأدوات للتنمية تتجاهل عمداً، المخاض العسير الذي تشهده الدولة السودانية وما قد يترتب على ذلك من نتائج وانعكاسات على واقع المنطقة وأولوياتها المنشودة..مرغمة الآخرين أيضاً على الوقوع في (فخ) الانصراف عن القضايا الرئيسة على مستوى الوطن.. وهنا نتساءل!!
ماذا لو انتهت نيفاشا إلى جنوب منفصل؟.. وانتهت مفاوضات دارفور إلى مشروع دولة مستقلة في الغرب؟.. هل من انعكاسات لمثل تلك التطورات عل حياتنا في الشمال؟.. ومسئولية من يكون مثل هذا الحصاد؟.
ألا يحق لنا فيما قد يتبقى من السودان محاسبة من تسببوا في تفتيت الدولة المركزية؟.. أو على اقل تقدير، هل يحق لمن تسبب في كل ذلك، الاستمرار في إطلاق الوعود والمضي في تسويق أوهام تنموية جديدة؟.. أليس من العدالة والإنصاف أن تهز مثل تلك النتائج المريرة، والمنتهى الوخيم، مصداقية من اقترف تلك الخطايا تجاه مجتمعاتنا؟
لكن ما يثير الدهشة، هو أن تلك الفئة الصغيرة في مجتمع الشمال وعلى الرغم من دورها في مخاطر تفتيت الدولة السودانية، ما زالت تشغلنا وتعكر صفو تفكيرنا للاستعداد فيما لو حدث (السيناريو الأسوأ في بلادنا) لا سمح الله، من خلال (نقة اقتصادية فارغة) تلوك باستمرار الحديث عن مشروعات لا تحمل أدنى مقومات وصفها بـ(التنموية)!!
ولكن ما المعنى الاقتصادي لـ(التنمية).. هذا المصطلح المفترى عليه؟
تطور مفهوم التنمية عبر عقود طويلة من مفهوم الارتقاء بالمستوى المعيشي للمجتمع المستهدف بالتنمية وزيادة دخله، ليستصحب معه قيم اجتماعية وسياسية جديدة أصبحت من صميم متطلبات الحياة المعاصرة. فلم يعد مهما الارتفاع الاسمي أو الكمي للدخل (بعد اقتصادي)، ولكن الأهم منه عدالة توزيع الدخل(بعد اجتماعي) وقبل هذا وذاك المشاركة في اتخاذ القرار التنموي ومراقبته(بشفافية) أن كانت بالفعل تخدم أهداف وقيم مجتمعية، وهنا يكمن البعد السياسي للتنمية. وهكذا يصبح الإنسان غاية للتنمية ووسيلة لتحقيقها، لأن الإنسان هو من يصنع التنمية ويجيرها لصالحه. ولكن لدينا من يصنف الناس إلى فئتين: فئة مستفيدة وأخرى مفيدة للآخرين لا نصيب لها في شئ!!
إن تعريف مفهوم التنمية والاتفاق على معايير محددة إزاءه يريحينا من اللت والعجن، كما يساعدنا على الحد من مفعول الضخ الإعلامي لفئة متغولة في القضايا الفكرية والعامة دونما أدوات أو مقدرات، ويمكننا من سحب البساط من تحت أقدام (الجهل النشط) الذي يروج الأوهام ويطمس الحقائق من خلال ترديد بعض المصطلحات التي لا يدرك أبعادها ومن ثم تتحقق احد أهم أهدافه في (تغييب الوعي) وتسطيح المجتمع.. لأنهم وحدهم المستفيدين من فوضى المفاهيم وتداخل الاختصاصات.
ولم يعد يخفي على المراقب أن أن كل من هب ودب يتحدث عن مشروعات تنموية يشهدها الشمال دون إدراك حقيقي لمفهوم ومعايير التنمية.
إذن ليس كل مشروع يتم إطلاقه، أو مصنع يتم إنشاؤه تنموياً، فلربما يكون خصماً على التنمية إذا أدى مثلاً إلى تلويث البيئة أو حد من فرص العمل أو أدى إلى خسائر بحساب المجتمع اكبر من المكتسبات. وقد يكون مجرد مشروع لتدوير المال وتعظيم الربح لصالح الفئة المستفيدة..الخ!!
يروج أولئك على سبيل المثال لا الحصر دونما هوادة لفوائد مرتجاة ومستقبل عظيم للمنطقة من خلال ثلاثة (مشروعات تنموية) وهي مشروعي سد كجبار ودال ومشروع كوكا الزراعي، لا نرى على الأقل حتى هذه اللحظة توفر شرط واحد من الشروط التي تجعلنا نصنفها مشروعات لتنمية المنطقة وفق المعيار إلي اشرنا إليه سابقا.
ولأننا تواقون لاستكشاف أي من الشروط فأننا نتساءل.. ما هو التحول الاجتماعي والاقتصادي الايجابي المخطط لتلك المشروعات على الفرد في المنطقة؟.. هل إسهام تلك المشروعات في رفع المستوى الحياتي لأبناء المنطقة نتيجة جانبية أو هامشية؟ أم هو من صميم (تصميم) تلك المشروعات؟.. ما هي الآليات التي تم تحديدها لضمان عدالة توزيع منتجات تلك المشروعات أن دخلت مرحلة الإنتاج؟
أسئلة عديدة طرحت سابقا وتطرح لاحقا في إطار بحثنا المستميت للتعرف على جانب ولو واحدً من جوانب من الجدوى الاقتصادية لتلك المشروعات وغيرها..
أما الحل الوحيد لمعضلة الاختلاف حول جدوى تلك المشروعات فيتمثل في إشراك أصحاب المصلحة الحقيقيين في تفاصيل التفاصيل وتزويدهم بكافة المعلومات بمنتهى الشفافية.. ولن يحدث ذلك ما لم تحسن النوايا من قبل المسئولين.. وتخلص الأهداف، والى ذلك الحين ستظل الأسئلة تبحث عن (الخيوط المفقودة) دونما كلل أو ملل .. والله من وراء القصد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
welyab
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست