جون قرنق: أعظم سياسي لنصف قرن

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 02:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-29-2007, 03:53 PM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جون قرنق: أعظم سياسي لنصف قرن

    صلاح شعيب
    [email protected]

    من البديهي ألا نلوذ إلى قناعاتنا الدينية في حال السعي للتقييم السياسي للذين ارتبطوا بالعمل العام من أخواننا المسيحيين من الجنوبيين والاقباط، والعكس هو صحيح، فعلاقاتنا بألدو أجو وجوزيف لطيف صباغ ويوسف شدياق ونبيل غالي وجون قرنق، هي علاقة مواطنة أسمي من أن تكون في وعينا ولا وعينا علاقة مسلمين بمسيحيين، والذين ينظرون للآخر السوداني المسيحي الناشط في العمل القومي وفقا لخلفيتهم الدينية، إنما يعجزون عن تقديم النموذج الطيب للمسلمين وللاسلام، وهو كما نعلم لم يأتِ من أجل أن يكون الانسان المسلم مستعليا على المسيحي وغير المسيحي في الارض، خصوصا في الارض التي كانت اصلا أرض مسيحيين وغير مسيحيين من أتباع الاديان الافريقية والتي لم تكن لتعرف المسلمين إلا بعد معاهدة البقط الشهيرة التي شكلت بداية مشروع الاسلمة والتعريب، والذي حتما يواجه الآن معوقات غير منكورة.

    الجهاد الاسلاموي الذي استهدف تمرد قرنق في أوائل التسعينيات، كان آخر سقف تخطيط لحماية مشروع الدولة المركزية السودانية التي كشفت آخر أجندتها المختبئة، فبدلا من الاستبطان الديني القديم في التعامل مع الآخر المسيحي والمتمثل في التهميش والاستعلاء والتدجين لهؤلاء المسيحيين، أراد الدكتور حسن الترابي وشيعته أن يفارقوا ذلك الاستبطان ليؤسسوا لآخر جديد، اساسه تديين الصراع المجتمعي للنهاية، وبالتالي حفز طاقات الدولة المركزية نحو استثمار الرصيد الديني لمن يشكلون عمقها القاعدي.

    بهذا التفكير ـ كما نوى الترابي ـ ينتفي فهم شعب السودان كله لحركة قرنق كونها تتبني تظلمات سودانيين أصيلين ومن ثم تصبح الحركة ـ تبعا ـ معاديا دينيا خارج على الارض المسلمة، ويستوجب معها تغيير الاناشيد المعبأة للحرب لتصبح ذات صبغة دينية تحرك المشاعر اكثر واكثر، كما لو لم تكن تحركها صيغ حكومية من قبل، وهي الصيغ التي ربما تأملها الترابي جيدا ثم توصل إلى أنها يجب تكون اكثر استبطانا للاسلام، وبالتالي يتضلل عامة الشعب من تذكر أن قرنق وأعوانه سودانيون اصلاء، ووجودهم في أرضهم سابق على تاريخ السلطة المركزية التي تجاهد ضدهم.

    هذا «التفكير العلماني» الانتهازي للترابي، خلق كل المبررات للطرف الآخر بأن يجد دعما من أوروبا والولايات المتحدة والجوار الاقليمي، حتى يستطيع كبح جماح «الاسلاموية» التي أرادت لنفسها هذه الصبغة العقدية من دون تبصر أن للآخرين أيضا آلهة ورسلا وروحانيات، ومن دون التيقن أيضا أن تديين الصراع يعطي الاصوليات اليمينية المتطرفة في الغرب مجالا جديدا لتحريك أجندتها الظاهرة والخفية، ضد دولة ذات أغلبية مسلمة تذبح باسم الاسلام ممثلي اقليتها الدينية الذين يطالبون بحقهم في الحياة الكريمة.

    إن إرث الزج بالإسلام في صراع «علاقات عامة» لمسلمين ومسيحيين، وهي خربة تاريخيا، لم يقنع السواد الاعظم من السودانيين الذين استقبلوا اخاهم قرنق الذي دخل الخرطوم وكأنه قد فتحها، كان استقبالا استفتائيا أكد أن الوعي الشعبي السوداني أكثر نضجا من فكر الترابي الذي استخدم قناعاته الدينية لصالح رتق مشروعه السياسي الذي عاصر آنذاك «مآلات» ضده، وانتهى الآن بدونه إلى التحصن إزاء الشعب الذي هجمت عليه جيوش إعادة الصياغة، فما تزحزح عن سودانويته.

    وجون قرنق يمثل السودانوية السياسية التي من الصعب مقاربتها مع الرموز السياسية التي مرت في تاريخنا الحديث، فإذا كان الإمام المهدي هو المفكر السياسي الاول وطالب الحقوق المدنية الذي وظف معطيات زمانه للانتصار للكرامة السودانية التي أهانها المستعمرون، فإن جون قرنق هو رجل الحقوق المدنية الاخير المثمن بواسطة «1» معطيات فكره ونضاله، و«2» النتائج التي حصلت عليها حركته الحقوقية، و«3» نشره لقيم اصلاحية وحيدة ستنقذ مشروع الدولة المركزية حتى في حال فصل الجنوب او بقائه، و«4» صموده امام الاغراءات، و«5» صدقه في ضرورة التوصل إلى أهدافه الجوهرية التي يمكن تلخيصها في تحرير شعبه السوداني من الاستغفال المركزي التاريخي، وفك بعض القيودات تجاه شعوب السودان الأخرى.

    وحين بحث حقيقة مشروع «السودان الجديد» فإننا نكاد نتلمس جذوره الثقافية في بيئات تاريخية للسودان الشمالي نفسه. والغريب أن الذين ينتقدون هذا المشروع لا يعون تأريخ الشمال نفسه الذي وجدناه مليئا بالمرتكزات الثقافية لفكرة السودان الجديد، فما نادى به قرنق حققه الامام المهدي الذي ساوى تراثه بين السودانيين آنذاك، وكذلك وجدناها في كتابات الناقد السوداني الأول محمد محمد علي، وفي جمعية اللواء الابيض التي أسسها علي عبد اللطيف ورفاقه من السودانيين، وفي حوارات مدرسة الهاشماب بقيادة المحجوب مع مدرسة الموردة بقيادة آل عشري الصديق، ووجدناها في التراث الغنائي السوداني، حيث محاولات اسماعيل عبد المعين وغناء نور الجيلاني وخليل اسماعيل، وفي تجارب مدرسة الخرطوم التشكيلية التي اهتمت بالحروفية، ووجدناها في مدرسة الغابة والصحراء التي دعت للوصول إلى تلك «الخلاسية»، وفي حلم الاستاذ أحمد يوسف هاشم الذي أسس صحيفة «السودان الجديد» ليخرج أمته من قمقمها، ويستشرف بالصحيفة إلى سودان التقدم والاستنارة، وكذلك وجدنا مرتكزات السودان الجديد في الدراسات الفكرية للراحل أحمد الطيب زين العابدين، وفي اهتمامات قصص على المك، وفي الأعمال الروائية للطيب صالح التي عبرت عن التصالح في بيئة السودان الشمالي، وفي حركة الوسط الثقافي المنتج. ووجدناها في المجتمع الرياضي الذي قام على اساس الاعتراف بالابداعي، وبالتالي غدت فرقنا الرياضية في كل المناشط الاكثر صهرا وتمثلا لمفهوم السودان الجديد.

    إذن لم يكن مشروع السودان الجديد مخيالا مسيحيا لاستئصال شأفة الاسلام أو العروبة المتسودنة، بدليل أننا لم نشهد عداءً من جون قرنق نحو الاسلام، وهو الذي فك اسرى الحرب، في وقت لم نجد اسيرا واحدا من طرف الحكومة. والدليل الثاني اعترافه في خطاباته المتعددة باللغة العربية، باعتبارها لغة رسمية للسودان الجديد الذي حلم به.

    والذين يحاولون تشويه فكرة السودان الجديد وربطها بأخيلتهم العقدية من غير تثبت والانطلاق من «نظرية المؤامرة»، هم عاجزون تماما عن سن الفكرة المشهدية التي ستنقذ التآكل المستمر لمفهوم القومية في السودان في زمان احتراب الاطراف المسلح، وربما من خلال النقد المغرض لخصوم السودان الجديد، رأينا كيف أنهم يسعون لتجهيل عامة الشماليين بتأريخ زاهر لبعض نخبهم التي دعت إلى هذا السودان الجديد منذ قرن أو يزيد، وذلك من اجل استدرار عطفهم لاستدامة الأوضاع المزرية.

    إن المشوهين لفكرة السودان الجديد لا يسعون لقطع الوصال بينهم وبين الجنوبيين فقط، وانما مع كل السودانيين الديمقراطيين الذين يتلاقون مع مشروع السودان الجديد في تأكيده على مفهوم دولة المواطنة والمساواة والتنوع والاعتراف بالآخر في مناخ من الحرية والديمقراطية. وهذا هو جوهر السودان الجديد، وحتى إذا لخصناه لوجدناه أنه مشروع الديمقراطية الاصلاحي للدولة المركزية الذي عبر عن الحاجة الماسة لتلك الاجيال الثقافية في السودان الشمالي حصرا.

    إن مفهوم السودان الجديد يكتسب اهميته من كونه لا يتعارض مع احلام كل السودانيين الصادقين الذين هم مقتنعون ان الدولة المركزية بتأريخها القديم والحاضر سوف تدمر كل سبب للتوحد، بل أن المفهوم نفسه لا يترعرع إلا في أجواء الديمقراطية، فكيف يمكن تصديق أن مشروع السودان الجديد استئصالي كما يحاول البعض من الاسلاموعروبيين تشويهه؟ والسؤال الاهم هو أيهم الاكثر استئصالية لمصالح السودانيين جميعها، المشروع الحضاري الذي يقيم المحارق في الجنوب ودارفور؟ أم مشروع قرنق الفكري الذي لا يملك حتى الآن ترسانة أمنية أو إعلامية أو عسكرية أو تجارية توطن لتدعيم ما هو مهين لكل الجهات الجغرافية التي تم تفريغ ابنائها نحو الخارج، في ملابسات هجرة قسرية لم تشهدها البلدان من حولنا، ثم إلى اي مدى أسهمت مشاريع الصحوة الاسلامية أو الجمهورية الاسلامية أو أنصار السنة ومشاريع البعث والشيوعي في جذب شعوب السودان نحوها ما بعد دولة الاستقلال؟

    والحقيقة أننا لا نريد إحراج هذه المشاريع المبذولة في واقع السياسة السودانية، ما دام أنها معطيات إنتماءات السودانيين جميعهم، وأن تطورها يتم بتطور الزمن، ولكنها بالمقابل لا تزال حتى الآن غير منتبهة إلى تجديد مشاريعها بعد تكشف عجزها عن التنظير المفكك لـ «المركبات الاقوامية القابضة» على الدولة في زمن الشموليات والديمقراطيات، ودورها في اقصاء بعض الاقوام عن القرار السيادي، بل أن هذه المشاريع الفكرية نفسها تضع العربة أمام الحصان، فهي ترى مسألة تحقيق النظام الديمقراطي أو الانقلابي شرطا أوليا للاصلاح، ولكنها لا تهتم قبلا ـ حتى داخل تكويناتها التنظيمية ـ بتحقيق التعدد الاثني الذي يجعلها قومية، ومن ثم تنحو للمطالبة بسودان ديمقراطي يتساوى فيه الناس.

    نعم الزعامات المتسودنة فكريا قليلة، برغم وجود كم هائل من السياسيين الذين مروا في تاريخنا، وربما رأيت من خلال تأكيد هذا التفريق بين زعاماتنا التي استندت إلى متوافر فكري لم ننتجه نحن والذين هضموا المعرفة الانسانية وحاولوا من خلالها استنباط رؤية لمعالجة واقعنا المتعدد، يمكن أن يناظر الناس بالقول أن السياسيين السودانيين الذين يتبنون الاسلام السياسي أو المرجعية العربية الاسلامية أو البعثية أو الماركسية، وظفوا رؤيتهم لمعالجة القضية السودانية عن طريق اخضاع هذه المعارف لواقع سوداني، أو أن السودانيين أصلا هم جزء من المحيط العربي الاسلامي، وبالتالي فإن الصيغ التي تنفع في التعامل مع قضاياهم هي بالضرورة هي من المتوافر الفكري في هذا الحيز الحضاري، أو أن محمد إبراهيم نقد أو الصادق المهدي أو محمد عثمان الميرغني، يتصرفون سودانيا حين ينظرون لشكل الصراع التأريخي، يمكن أن يقال كل هذا وأكثر للتأكيد أن «منهجهم» السياسي الذي اتبعوه يتطابق مع «الحالة» التي كانوا ومازالوا بصدد فصد احتقاناتها. ولكن الواقع أبعد من هذا الزعم الذي هو بطبيعة الحال معلوم في حال فهم طبيعة الذات الايديولوجية.

    في تقديري أن عظمة جون قرنق تتمثل في أنه «السياسي النافذ» الوحيد طوال النصف قرن الماضي. والدليل على ذلك أنه حرر شعبه من دولة مركزية ظل رصيدها طوال هذه الفترة متآكلا، حيث عجزت كل الحكومات المتعاقبة عن أن تنمي ما تركه المستعمر، ومع ذلك ترفض آخرها أية محاولة للتسوية القومية. إن الانتصار الحقيقي لقرنق يتمثل في حال تبني مشروعه للوحدة أو عدم تبنيه، وقد نغضب في حال انفصال الجنوب، ولكن المهم هو أن إرادة شعب قرنق حرية بالاعتبار، وهي أثمن من كل شيء.



    نقلا عن الصحافة



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de