|
السودان في ثالوث الدين والعرق والنفط
|
السودان في ثالوث الدين والعرق والنفط
عندما كانت المتحركات العسكرية تنطلق من الخرطوم وهي تتوجه صوب الجنوب ظن البعض أن حكومة الإنقاذ تحارب من أجل رفعة الدين وتطبيق الشريعة الإسلامية ، الشعارات المرفوعة كانت تؤكد ذلك ، والشعراء كانوا ينظمون الأبيات حول نهاية قرنق العميل ، ومغنى الإنقاذ يترنم :- الليل ولى وجاء دورك يا صباح سفينة الإنقاذ سارت لا تبالي بالرياح أذكر في هذا المقام سجال دار في مقهى النشاط بجامعة الخرطوم بين الأخ عبد الله محمد حربكانين والدكتور ابوعبيدة ، الأخير كان عضواً في الإتجاه الإسلامي ثم تحوّر إلي قيادي في حركة الإسلاميين الوطنيين " حاو " ، بعدها أبتعثته المرحومة الدكتورة زكية ساتي إلي الخارج لنيل درجة الدكتوراة ، وحسب علمي أن الدكتور أبوعبيدة الآن ينتمي لحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن عبد الله الترابي ، في صحيفته " الفجر المرتقب " والتي تصدر في مقهى النشاط كتب الأخ حربكانين مقالاً عن ظاهرة " عسكرة الجامعة مما جعل الأخ عبيد الله الثائر يستشيط غضباً فيجهر بمقال مضاد يفتتحه بمقولة : يا حربكانين أركب معنا ولا تكن مع القاعدين فيرد عليه الأخ حربكانين : أنك تركب سفينة ضلال لا يُحمل عليها إلا أمثالك فقد مضى على هذه الواقعة سبعة عشر عاماً ، فهي كانت تشهد بثقافة طالب جامعة الخرطوم وحضوره الذهني ومقارعته الحجة بالحجة قبل أن يألف الناس ذلك في الفضائيات ، فقد كان أبو عبيدة متحمساً للإتجاه الإسلامي ويصف حزبي الأمة والإتحادي بالجمعيات التعاونية ، وكان يفاخر بأهله المسيرية ويقول : أن المسيرية وحدهم يكفون أهل السودان الجهاد ويقومون " بدرش " الحركة الشعبية . هكذا أستغلت النخب الشمالية أهل الهامش فوظفتهم في حروبها ضد الحركة الشعبية ، مع أن الرزيقات المحاميد والمسيرية يشكلون جزءاً أصيلاً من أهل الهامش ، فلا زالت مناطقهم ترزح تحت وطأة الفقر والجوع والمرض ، وما تصرفه حكومة المركز على شندي والجيلي وحوش بانقا وأم ضريوة لا يُقارن من حيث الضخامة بما تصرفه على أقاليم متسعة المساحة مثل كردفان ودارفور وجبال النوبة ، بفضل عائدات النفط تحولت الولاية الشمالية إلي ما يشبه الإمارة الخليجية ، ذلك من ناحية توفر الخدمات من صحة وإتصالات وتعليم وطرق معبدة ومشاريع إسثتمارية ، المجال الوحيد الذي فتحته النخب الشمالية الحاكمة لأهل الهامش هو المؤسسة العسكرية ، فقد ضمت القوات المسلحة في صفوفها العديد من الضباط الذين ينحدرون من قبيلة المسيرية الذين شكلوا رأس الرمح في محاربة الحركة الشعبية في الجنوب ، فقد كانت الحكومات الشمالية تلعب على وتر بث المخاوف في مناطق التماس ، لذلك وجدت في قبيلة المسيرية وقود حرب جاهز ، فقد أفتخر الدكتور عبيد الله عندما كان طالباً في جامعة الخرطوم بأن المسيرية وحدهم سوف يتكفلون بشعيرة الجهاد .لكن تلك الحرب الضروس أخطأ كل من أسماها جهاداً لأنها كانت حرباً لأجل النفط ، وداست الإنقاذ على كل الذين وظفتهم في هذه الحرب ، ولم تأبه لأمر قبيلة المسيرية عندما قررت التفاوض مع الحركة الشعبية ، ولو قبلت الحركة الشعبية بمبدأ تقاسم عوائد النفط المُستخرج من " أبي " مع حكومة الإنقاذ بعد الإنفصال فسوف لن نجد لهذه القضية شأن يُذكر ، فالمهم ليس الإنسان والشجر والبيئة والحيوان ، بل المهم الكسب السريع من الذهب الأسود وهجر المنطقة بعد نفاذ الكميات المخزونة ، حاول الراحل قرنق أن يجد مخرجاً للجميع ، فدعا إلي وجود جيشين فقط في المنطقة وهما الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية ، دعا قرنق إلي تسمية منطقة " أبي " بمنطقة الإختلاط "mixtures area " بدلاً من مسمى الفصل العنصري القديم منطقة التماس "Tangent area" فمستقبل أهلنا المسيرية هو في منطقتهم التي يعيشون فيها وليس في القرير وشندي وحوش بانقا ، مستقبلهم يقع في الجنوب حيث المطر والخضرة والعشب الذي يقي ماشيهم شر النفوق وليس في الصحاري والوديان القاحلة التي يعيش أهلها من ثمن الحروب ، وقد أستخدمت الإنقاذ نفس المعادلة في حرب دارفور ، فقد ورّطت بعض وجهاء القبائل بعد أن أوحت لهم بأنهم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ، وبأنهم الفرسان العرب الذين يستأصلون شأفة الزنج الآبقين من أسيادهم ، سوف تخرج الإنقاذ من دارفور كما خرجت من الجنوب وهي تجر أذيال الهزيمة ، وسوف تترك أمر القبائل العربية التي حاربت معها لظروف القدر وتقلبات الزمان .
|
|
 
|
|
|
|