"بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 00:17 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-21-2007, 02:39 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة

    تنتظم عدد من الدول الاوروبية حركة احتجاج و مقاومة لبرامج و سياسات حكومات الليبراليين الجدد، تنتمى احزابها لمواقع متباينة لكنها تشترك في البرنامج السياسي /الاقتصادى والاجتماعى الذى تنفذه وعماده تصفية نظام الضمانات الاجتماعى، رفع يد الدولة تدريجيا عن القطاعات الحيوية ـ تعليم،صحة الخ - الخصخصة , خفض الضرائب على الشركات الكبري والشرائح الاجتماعية الغنية و ترك الشرائح الفقيرة لمصير بائس و مظلم.

    فرنسا تتقدم درب المقاومة التى تتسع وتمتد بعد ان بدات بسائقي القطارات لتشمل كافة القطاعات وتهدد بشل الحياة في فرنسا. اضرابات السكة الحديد في المانيا الممرضات في فنلندا و عمال البناء في سويسرا ...

    كلها نهوض اولى في وجه الغول الاكبر المتاهب لالتهام ما يستطيع بكل الوسائل ...
    ماهى الليبرالية الجديدة ؟
    ماهى بضعنة العالم ؟


    ما هو موقع السودان و ما يدور فيه من كل هذا؟
                  

11-21-2007, 02:42 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    مدخل اول

    Quote: ليبرالية العولمة
    معقل زهور عدي

    فبراير 2007.

    في المرحلة التاريخية الراهنة لايوجد ليبرالية وفق النموذج الذي يسوقه الليبراليون العرب الجدد ، مثل تلك الليبرالية تبخرت في الواقع ، تماما كما أن أخلاقيات الفروسية وقيم الاقطاعية لم تعد موجودة في أوربة منذ انتصار الرأسمالية ، لاتوجد في الحقيقة فلسفة عابرة للتاريخ ولكن فقط فلسفة ضمن التاريخ ، الليبرالية التي أنتجت قيم الحرية والعدالة واحترام حقوق الأفراد والمساواة هي ليبرالية الطبقة البورجوازية الصاعدة ، ليبرالية الثورة الفرنسية ، ليبرالية رأس المال الذي تمرد على قيود القرون الوسطى وقيمها البالية ، ليبرالية السوق والمنافسة وتحطيم الحواجز ، يقول الدكتور برهان غليون في عرضه لتطور العلاقة بين الراسمالية والليبرالية (على المستوى النظري هناك من دون شك ترابط بين المستويات الثلاث الاقتصادية والسياسية والأخلاقية لليبرالية بوصفها ايديولوجية الحداثة البدائية. لكن ما كان بذرة فحسب، في بداية المسار، سوف ينتج نباتات مختلفة تماما بقوة التحول التاريخي، وفي التجربة العملية.
    فالرأسمالية التي كانت تنافسية بسيطة سوف تتحول هي نفسها إلى رأسمالية احتكارية، وسوف تفرز في مواجهتها حركة مجتمعية مناوئة تطالب بإخضاع الاحتكارات لقوانين تأخذ بالاعتبار مصالح الأغلبية الاجتماعية.) .

    مانحن بصدده اليوم هو ليبرالية العولمة ، ليبرالية رأس المال المتعولم ، الذي يتجلى في الشركات العملاقة متعددة الجنسيات ، عابرة القوميات والقارات ، التي تشكل نواة الاقتصاد العالمي الجديد بأذرعه الضاربة ( منظمة التجارة العالمية ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي ) ، وأدواته السياسية والعسكرية ( مجلس الأمن ، حلف الناتو ) ، وهيئاته الرسمية والاعلامية ( الثمانية الكبار ، منتدى دافوس الخ..).

    هذه الليبرالية ليست في الواقع سوى شكل مشوه لايحمل من الليبرالية الأصلية سوى الاسم ، ويمكن القول انها تمثل انتكاسة عن الليبرالية نحو قيم استبدادية وحشية لاعقلانية .ويرتبط ذلك بالمأزق التاريخي للرأسمالية التي استنفدت بالفعل طابعها التقدمي والانساني وأصبحت عقبة في وجه الحضارة والانسانية .

    هذا الانتشار الأفقي للرأسمالية المعممة عالميا لم يكن يعني في أي وقت زوال طابعها الرجعي بقدر ما كان يعني اعطاءها وقتا اضافيا للبقاء على قيد الحياة لتصدر أزمتها نحو أرجاء المعمورة وتتضفي على تلك الأزمة طابعا عالميا بالتدريج .

    الليبرالية الجديدة لاتواجه اليوم تحدي المجتمع الاشتراكي بل تواجه مكتسبات الحركات الاجتماعية والنضالات العمالية على امتداد قرن ونصف القرن ، في كل من بلدان أوربة وأمريكا الجنوبية وآسيا وافريقيا ، وهي تواجه قيم الليبرالية القديمة في ذات الوقت .

    (العولمة، من خلال السياسات الليبرالية الحديثة التي تعتمد عليها، إنما ترسم لنا صورة المستقبل بالعودة للماضي السحيق للرأسمالية. فبعد قرن طغت فيه الأفكار الاشتراكية والديموقراطية ومبادئ العدالة الاجتماعية، تلوح الآن في الأفق حركة مضادة تقتلع كل ما حققته الطبقة العاملة والطبقة الوسطى من مكتسبات. وليست زيادة البطالة، وانخفاض الأجور، وتدهور مستويات المعيشة، وتقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، وإطلاق آليات السوق، وابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي وحصر دورها في "حراسة النظام"، وتفاقم التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين المواطنين كل هذه الأمور ليست في الحقيقة إلاّ عودة لنفس الأوضاع التي ميزت البدايات الأولى للنظام الرأسمالي إبان مرحلة الثورة الصناعية (1750- 1850). وهي أمور سوف تزداد سوءاً مع السرعة التي تتحرك بها عجلات العولمة المستندة إلى الليبرالية الحديثة.) ( من كتاب فخ العولمة بيتر مارتين وهارلد شومان - 1996 ).

    ماهو أسوأ من ذلك كله هو النزعة العسكرية التي رافقت انبعاث الليبرالية الجديدة ، لقد أصبح ضروريا الكف عن النظر للاستراتيجية الأمريكية في التدخل واستعمال القوة بوصفها نتاج تيار متطرف داخل الادارة الأمريكية، وبناء الارتباط بين انبعاث الليبرالية الجديدة بوصفها نظرية وفلسفة رأس المال المتعولم وبين التفاقم المطرد للنزعة العسكرية في التدخل واستعمال القوة . فحسب سيوم براون يمكن النظر الى الاستعداد الراهن لاستخدام القوة أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية على أنه الحلقة الأخيرة من سلسلة التحولات الكبيرة الأربعة التي مرت بها استراتيجية الأمن القومي منذ عام 1945 وهناك حقيقة وجود منحى تطوري ضمن هذه الاستراتيجية بمعنى ان نزعات محددة مثل التدخل العسكري يمكن بسهولة رصد تطورها من الادنى نحو الأعلى وبالتالي رسم خط بياني لها يسمح بتوقع احداثياتها ( موقعها ) في السياسة الامريكية لفترة قادمة دون خطأ كبير ويترافق هذا التطور بصورة لافتة للنظر مع العولمة.

    في الماضي تعايشت الليبرالية مع نزعة الاستعمار والتوسع بفضل مزاعم نقل الحضارة والديمقراطية ومبادىء الثورة الفرنسية في التحرر والمساواة كما في حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 ، وتحاول الليبرالية الجديدة استعادة خطاب مشابه لتغطية التدخل العسكري الوحشي في اماكن متفرقة كان آخرها العراق ، والتاريخ يستعيد نفسه هنا كمهزلة وليس كدراما ، لكنها بالحق مهزلة مغموسة بالدم .

    على أية حال المسألة المهمة هي وعي العلاقة بين العولمة والليبرالية الجديدة من جهة ووعي جوهر الليبرالية الجديدة كانحطاط عن الليبرالية القديمة وليس كوريث شرعي لها ، وانسداد الأفق أمام بعث أفضل مافي القيم الليبرالية في ظل مرحلة ( عسكرة العولمة ) .ومثلما يقول الدكتور غليون (ليس من قبيل الصدفة أن يكتشف مفكر ليبرالي بارز منل جون راويلز صاحب نظرية العدالة أن نظريته تنسجم تماما مع "نظام اشتراكي ليبرالي"، تكون وسائل الانتاج فيه خاضعة للملكية العامة بينما تدار الشركات من قبل مجالس عمالية، وحيث لا يمكن للقرارات العامة أن تؤخذ من دون مشاروات ديمقراطية حية.)

    فحتى الديمقراطية الحقيقية لم يعد في الامكان تصورها ضمن نظام الهيمنة الأمريكي الحالي على العراق والمنطقة العربية .

    لقد أصبح واضحا لكل من يريد أن يبصر أن الديمقراطية التي حملتها أمريكا للعراق هي ديمقراطية الطوائف والأعراق ، ديمقراطية بعث وتغذية الانقسامات العمودية في المجتمع وشحنها بالعنف وتأطيرها وقوننتها ودفع المجتمع نحو الوراء وتكبيله كيلا يتمكن من النهوض وبناء دولة المواطنة لفترة طويلة .

    كل ذلك ليس خطأ تكتيكيا قابلا للاصلاح في السياسة الأمريكية لكنه مرتبط أعمق الارتباط بمدى الانحطاط الذي وصلته الليبرالية الجديدة ، وطابعها الرجعي العنيف .

    لايوجد في الواقع من طريقة للتخلص من فيروس الليبرالية الجديدة ( كما سماه الدكتور سمير أمين ) سوى بمواجهة نزعته العسكرية وهزيمتها ، والعمل في الوقت ذاته على بناء تحالف واسع وأممي لتحويل هزيمتها العسكرية الى هزيمة فكرية وسياسية وأخلاقية وتاريخية ، وتلك مهمة لامناص من تأسيس وعي فكري وسياسي من اجلها ، وعي مازال جنينيا بعد.



    يتبع
                  

11-21-2007, 05:49 PM

amin siddig
<aamin siddig
تاريخ التسجيل: 07-21-2007
مجموع المشاركات: 1489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    الأخ عصام
    تحياتي ..

    هذا فعلاً موضوع مهم ..
    و بإنتظار بقيته للمشاركة ..
                  

11-21-2007, 10:08 PM

HAYDER GASIM
<aHAYDER GASIM
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 11868

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: amin siddig)

    عزيزي ... عصام ... تسلم,
    موضوعة تستحق النقاش, لكن
    ربما يتعقد أمر من لديه إستعداد
    مبكر لكراهية الرأسمالية, فهنا
    حيث تضيق مساحة العقلانية وربما
    تزدهر إحتمالات الردة إلى التيار
    الإشتراكي الأصولي ... تذرعا بقساوة
    ما يسمى بالليبرالية الجديدة.
    فهذا من الموضوعات التي تحتاج إلى
    مطالعة حذرة لأنه يهيئ القارئ نفسيا
    إلى إتخاذ موقف ذو طبيعة آيدلوجية,
    فيما تداخل مركبات الليبرالية المختلفة
    في جسد المجتمع الإنساني المعاصر , يجعل
    من مهمة البحث فى كنه الليبرالية الجديدة
    مهمة نقدية وليس إقصائية وتحتاج إلى معالجة
    موضعية وليس آيدلوجية.

    ربما سابق لأوانه أن أسترسل قبل إكتمال العرض,
    لكنها مناسبة لأعلن فرحي بحوار طيب محتمل.

    وقبل الخروج من هنا لفتت نظري عبار:
    Quote: سوى بمواجهة نزعته العسكرية وهزيمتها

    ... فمن يهزم من عسكريا... ؟ إذ لم أطمئن للتأويل الذي
    إستقر فى ذهنى لهذه العبارة ... لهذا إخترت أن أطلب
    عون من يعلم.

    مع تقديري
                  

11-21-2007, 11:04 PM

suliman ibrahim
<asuliman ibrahim
تاريخ التسجيل: 10-11-2003
مجموع المشاركات: 183

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    كنت قد كتبت فيما انت فيه عصام قبل فترة ...ماوجد اهتمام او كما يقول شومسكي (تفكيك ).....

    قلت فيما سبق هذا ان مفهوم الدولة القومية ذات الحدود المعروفة والمرسمة
    يتراجع يوما بعد يوم وان مفهوم الحكومه اي السلطة ذات السيادة اصبح في كف
    الشركات العابرة ومتعددة(عابرة للحدود)و(متعددة الجنسية)ان لم تعمل في
    نابولي سوف تعمل سيول وان لم تعمل تايبي سوف تعمل في المنامة اي لا تخضع لقانون
    معين قانونها الربح والخسارة والاخيرة لا اظنها تعرفها ...هذا جانب

    مفهوم العلاقات الدولية هو(العلاقات بين الدول حسب مصالحها المشتركة تحت منظومة
    دولية متمثلة فى منظمات وقوانين دولية تحمي هذه العلاقة وتشجعها بالاضافة
    لرصد الظواهر العالمية )
    ما يحدث الان هو ان الدول القوية عسكريا واقتصاديا تحاول بكل السبل والطرق
    التبشير لهذا النموزج الذى اكتمل وبانت انيابة بعد انهيار المعسكر الشرقى
    ودخول قوات التحالف المتعددة الجنسيات الى مدينة البصرة هذا الوضع اشعر
    هذة الدول بنشوة الانتصار وبعد ذلك كتب (فوكياما) نظرية (نهاية التاريخ)
    التى تقول بان العالم وصل لنهاية التاريخ اي ان هذا النموزج هو الاخير و
    الامثل على الاطلاق ...امريكا بقواتها العسكرية والامم المتحدة بشرعيتها الدولية...عرف هذا النظام بنظام العالمى الجديد...ولا هو بذلك....
    بالطبع ظهرت توابع لهذا الوضع دوليا واقليميا ومحليا

    1-دوليا ظهر لاعب واحد فقط على مسرح السياسة الدولي وهو سياسة العصا الغليظة والجزره والعصا

    2-اقليميا ظهرت تحالفات تحاول حماية نفسها من تغول دول اخري طامعه وانشاء
    محميات تجارية ودفاعات مشتركة

    3-محليا اصبحت التدخلات فى القضايا الداخلية لها صور كثيرة كانت كلمةالشفافية
    هى الكلمة الجديدة التى تبحث عنها هذة الدول وتبعها بعد ذلك حقوق الانسان
    و الديمقراطية وحقوق الاقليات وحرية الصحافة والحرية الدينية واوضاع الحقوق
    النسوية كل هذا اوجد نوع من المراقبة اللصيقة لميحدث لهذا البلد المعين
    وبعد ان كانت هذة الدول تستقى معلوماتها عن طريق الممثل الدبلوماسي عن
    طريق اعلام الدولة الرسمي اصبح يكفيك حاسوب شخصي لتجد ان تستطيع ان تتطلع
    على قضايا كانت لعهد قريب تعرض اي دبلوماسى لطرد من ذلك البلد..

    باختصار الليبرالية المبشر بها الان تختلف عن ذلك المفهوم الحر المرتبط بحق الاختيار وحق الحياة او (دعه يعمل دعه يمر)....

    نهاية القول الاخ/ عاصم
    لقد سبق المرابون وتجار الجنس وفكتوريا سكرت وانتهازيون الفرص الى مجتمعات
    ودول تحتاج الى الرغيف وجرعات السعال الديكي .....تحت بند الجات والقات
    وسياسات البنك والنقد الدولي .......هذا هو وجه (الطره)او وجه ( الكتابة)
    الاخر .....

    سليمان ابراهيم
                  

11-22-2007, 03:13 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    سلام
    شكرا امين .. حيدر و سليمان
    انا بطئ جدا في الكتابة بالعربي لذا تتاخر مداخلاتى ,
    اعتقد ان لا داعى لانتظار مساهمات احد , لان الامر بالنسبة لى اقرب ل brain storming من اراء نهائية, مثلا مساهمة سليمان فتحت مداخل مختلفة وبالتاكيد اسئلة اضافية ...

    يا حيدر بقيت تلاوز من مجر الحبل.. فعلا الدقة و الصرامة النقدية ضرورية لان احابيل و فخاخ الخفة الايديولوجية كثيرة وسهلة ....

    اواصل في نقل اضاءات لا اتفق معها بالضرورة لكنها تساعد في الحوار ... لحين اكمال طباعة مداخلتى

    سلام
                  

11-22-2007, 03:14 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    Quote: الليبرالية الجديدة قراءة في شرط النشأة

    د.الطيب بوعزة

    كاتب مغربي

    ما هو الشرط التاريخي الذي أدى إلى بروز المذهب النيوليبرالي؟

    إذا كانت الليبرالية كفلسفة سياسية ومنظومة اقتصادية قد بدأت في التشكل والتبلور النظري في القرن الثامن عشر، فإن النيوليبرالية - حسب دعاتها - خط جديد داخل التيار الليبرالي ظهر في بداية عقد السبعينات من القرن العشرين.

    بيد انه لفهم أسباب هذا الظهور لابد من بحث سياقه، بدرس جدل النظرية الليبرالية مع الواقع خلال فترات سابقة لتوقيت ظهور النيوليبرالية.

    بمعنى لابد من الرجوع إلى النصف الأول من القرن العشرين، حيث سنلاحظ اشتداد النقد للأيديولوجية الليبرالية، وإخضاعها لمراجعات ومقولات تكشف عن الاختلالات الكامنة في أسسها النظرية وواقعها التطبيقي.

    تلك المراجعات التي ستخلص إلى المناداة بالحد من حرية الفعل الاقتصادي.

    لقد شهدت المجتمعات الغربية خلال تلك اللحظة التاريخية مجموعة أحداث وتحولات جذرية في بنياتها السياسية ونظمها وطرائق إدارتها للمجتمع.

    إذ خلفت الحرب العالمية الأولى واقعا دوليا جديدا شهد بروز ظواهر وقوى جديدة، بفعل انتصار الثورة البلشفية سنة1917 ونشأة النظام الاشتراكي، ثم لاحقا ظهور الأنظمة الفاشية.

    حيث برز شرط واقعي جديد تمثل في بروز نظم، إن كانت تشهد انحطاطا على مستوى الحريات، فإنها في المقابل أنجزت بفعالية ملحوظة نقلات هائلة في مجتمعاتها - خاصة على مستوى التصنيع- وذلك بفعل السلطة الإطلاقية للدولة، وهيمنتها على إدارة العملية الاقتصادية.

    ثم جاءت الأزمة «العالمية» سنة 1929 لتشكل ضربة هائلة اهتز لها الاقتصاد الرأسمالي إلى درجة الانهيار. وكانت هذه الأزمة مناسبة لانطلاق التفكير الليبرالي إلى محاولة فهم مكمن المشكلة وإيجاد المعالجات الكفيلة بإنقاذ الوضع.

    وكان من الملحوظات التي أثارت انتباه منظري الاقتصاد السياسي الليبرالي هو أن هذه الأزمة الهائلة لم تمس الاقتصاديات التي تخضع لسيطرة الدولة (الاقتصاديات الاشتراكية)، بل عصفت فقط بالاقتصاديات الليبرالية الرأسمالية، والمرتبطة بها عضويا بعلاقات وثيقة.

    وبناء على هذه الملحوظة المقارنة ستظهر النظرية الكينزية كمحاولة لتعديل النمط الاقتصادي الرأسمالي، حيث سيقترح الاقتصادي البريطاني اللورد جون كينز في كتابه الشهير «النظرية العامة» سنة 1936 حلا مرتكزا على وجوب تدخل الدولة.

    وقد أسس حله هذا على تحليل شامل للاقتصاد السياسي الليبرالي وتطبيقاته، وذلك بناء على دراسة مشكلتين رئيستين هما البحث عن العمل والنقد؛ منتقدا النظرية الليبرالية الكلاسيكية في نظرتها إلى سوق الشغل، حيث لم تنتبه إلى مشكلة البحث عن العمل، ولم تبلور معالجات كفيلة بالتقليل منها.

    أما النقد فان كينز سيأخذ أيضا على النظرية الليبرالية الكلاسيكية قصور فهمها له؛ حيث قدمت رؤية جد سطحية لمسألة النقود، رؤية لا تجاوز كون النقد مجرد ظاهرة ثانوية لا أهمية لها في العملية الاقتصادية، فالناس لا يتبادلون نقودا بل بضائع ببضائع، وما النقد إلا وساطة.

    في حين يرى كينز أن ليس هناك شيء في الواقع الاقتصادي أهم من النقد.

    وعلى مستوى الرؤية الاقتصادية عاب كينز على الليبرالية افتقارها إلى الرؤية الكلية للواقع الاقتصادي، فهي بسبب فردانيتها تنظر إلى المجتمع بوصفه مجموعة من الأفراد ينبغي أن تعطى لهم حرية مطلقة في الفعل، أما المجتمع فإنه سينتظم تلقائيا بناء على تلك العلاقات الناظمة بين أفراد أحرار في سلوكهم. بينما أثبتت الأزمة، التي عصفت بالاقتصاد الرأسمالي، أنه لابد من تدخل الدولة لترشيد السلوك الاقتصادي.

    في هذا السياق ستتجه المدرسة الكينزية إلى إنجاز تعديل كبير في النظرية الليبرالية، حيث نادت بوجوب حضور الدولة وتدخلها بدل ترك الفعل الاقتصادي مرتهنا بفردانية «دعه يعمل دعه يمر»، مبلورة بذلك رؤية تقلل من استقلالية وحرية الفعل الاقتصادي.

    وهذا ما أسماه البعض بإنقاذ الليبرالية من فوضى الحرية، وإخضاع الفعل الاقتصادي لمنطق الدولة لا للمنطق التحرري الإطلاقي للسوق.

    لقد كان النقد الكينزي للنظرية الليبرالية أعمق وأوسع مشروع نقدي صدر من داخل المذهب الليبرالي.

    وقد حظي بانتشار كبير، ففي الوسط الاقتصادي الأكاديمي كان للكينزية أتباع عديدون تبنوا مقولاتها النظرية وجددوا فيها مثل نيقولا كالدور، وجوردن، وبلاندر...وعلى مستوى التطبيق حظيت باللاجرأة في السياسات الاقتصادية التي ستنتهجها الكثير من الدول الرأسمالية. والواقع أن الكف عن حياد الدولة في الشأن الاقتصادي كان إجراء عمليا اضطرت إلى الالتجاء إليه دول عديدة مباشرة عقب أزمة ،1929 ويمكن أن نشير هنا على سبيل المثال إلى «النيو ديل»، أي السياسة الاقتصادية الجديدة التي انتهجها الرئيس الأمريكي روزفلت، وفكرة ضبط القوة الشرائية التي قامت بها حكومة ليون بلوم في فرنسا عام .1936

    ويمكن القول بلغة التعميم إن اقتصاديات ما بعد الحرب العالمية قد أخذت في عمومها بالنظرية الكينزية، فاعتمدت التدخل الفعلي للدولة في ترشيد العملية الاقتصادية.

    وقد حقق هذا التدخل وقتئذ إنقاذا ومعالجة لكثير من الإشكالات الخانقة التي عصفت بالاقتصاد الليبرالي.

    لكن في بداية السبعينات ومع حرب أكتوبر سنة 1973 سيشهد الاقتصاد العالمي أزمة أخرى عقب ارتفاع سعر النفط.حيث ستبرز أزمة اقتصادية جديدة لم تكن معروفة بناء على ما هو معهود على مستوى الأزمات الدورية، وتتمثل جدة هذه الأزمة في اقتران التضخم بالبحث عن العمل.وهو اقتران نادر الحدوث في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي، ولم يسبق أن تمت مواجهته بالثقل الذي ظهر به.

    وفي هذا الظرف الدقيق والحرج - أي ظرف الأزمة - كان لابد من انطلاق مراجعة نقدية للنظرية، وبالفعل ستبرز رؤى اقتصادية عملت على بلورة إطار نظري مغاير للإطار النظري الكينزي، حيث ستزعم هذه الرؤى أن سبب الأزمة لا يكمن فقط في ارتفاع سعر النفط، بل في ارتفاع نفقات الدولة على الخدمات العامة التي تقدمها للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وكان الحل المقترح هو التقليل من هذه النفقات، والتراجع عن المقاربة الكينزية بالعود إلى المنطق الليبرالي القاضي بوجوب إطلاق الفعل الاقتصادي من كل قيد خارجي، واختزال سلطات الدولة بالتقليل من مهامها ونفوذها، وجعل السوق كينونة مستقلة بذاتها.هذا الحل سيتم الاصطلاح على تسميته بالنيوليبراليزم (الليبرالية الجديدة

                  

11-22-2007, 05:19 PM

Ameer Farouq

تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 152

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    شكراً يا عصام..
    أرحب بفكرة الموضوع خاصة وفيما أرى نحن على أعتاب حرب باردة أخرى..

    الإضاءات إسهام جيد في تحفيز التفكير حول الموضوع
    الأخ/ حيدر
    مزحة هادفة: انت خايف على منو هسع:
    الرأسمالية..
    ولا من لديه استعداد مبكّر لكراهيتها؟

    تحياتي لكم جميعا
                  

11-22-2007, 05:30 PM

على عمر على
<aعلى عمر على
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2340

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    Quote: ما هو موقع السودان و ما يدور فيه من كل هذا؟

    انتا خلاس بيقت ما عارف موقع السودان وين؟
    يمكن لانك ما كنت عارف موقع السودان وين من الديموقراطية والاشتراكية..

    وسنعود ادا رغبت وصدقت.
                  

11-23-2007, 05:19 AM

HAYDER GASIM
<aHAYDER GASIM
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 11868

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: على عمر على)

    عزيزي ... عصام ... تسلم,

    أضحكتني وكثيرا في حكاية { مجر الحبل } ده,
    لأنها تصادف بالفعل موقعا في قلبي , أو قل تلك
    الغرفة التي أتفاعل فيها مع الهم الشيوعي.. فما
    أكذبك مخوفتي التى قصدت.

    من التفاصيل الصغيرة لحياتي الراتبة فى كندا, أن
    أمر على ما نسميه { دكاكين العرب } ولغير الإستبضاع
    تراني ألملم في الجرائد العربية المعروضة هناك,
    واحدة من كل نوع, وفي تكرار معهود تجد من بين مقتنياتي
    تلك تجد جرائد الشيوعيين العرب وغيرهم, خاصة حزب
    العمال الشيوعي العراقي ... ومن إطلاعي على أدبيات هؤلاء
    الأخيرين ... فهمت أنهم { فرزوا عيشتهم } عن الحزب الشيوعي
    العراقي وعلى قسطل إتهام { آيدلوجي } مفاده حنوث غرمائهم
    عن الشيوعية العدل ... ولما يكون بجانبك أحد من هؤلاء فلا
    تسع إلا وأن تحترمه ... لإنحيازه لما يريد ولحسمه الناجز
    لوجهته ومساره, لهذا تجدهم يطرحون رأيهم فى كل شئ وبمنظورهم
    الفكري والسياسي الماركسي { الصلد } والذي هم فيه يعتقدون,
    فلا يتورعون فى نقد كل مايرون ... وليس لسقفهم منتهى, فتراهم
    يكتبون فى بوش وفي غزو العراق وفي خساءة الرأسمالية, ورجعية
    القوى الشيوعية المستلمة للموقف الغربي الراهن , بل ورجعية
    الإسلام والأديان وهكذا... فلن تجد فى صحيفتهم خبرا يخلو من
    الإلتحاق المباشر أو التأويل المتقفي لآيدلوجيتهم الشيوعية,
    وهم كذلك ... يحلمون بعودة نصوحة للشيوعية, ولسان حالهم يقول
    بخروج دم الحجامة... فى سبيل طهرها.

    فمن عنيت أعلاه ... { حسموا } موقفهم من الصراع ... أو تحديدا
    من مصير الشيوعية, وغض النظر عن تناقض هذا الموقف مع المجتمع
    { الليبرالي } الذي يعيشون فيه, لكنه موقف.

    فحذري ... عزيزي , من الآثار الفكرية والنفسية لموردك هنا على
    جموع الشيوعيين السودانيين ... ولما لم يحسم حزبهم بعد وجهته ,
    لإعتقادي فى رجحان العاطفة في أفئدتهم على الفكر ... وإلا لما
    ظلوا شيوعيين. بالمقابل فقضايا العصر أعقد مما تحرته النظرية
    الماركسية قبل مائة ونيف من السنين.


    ويتصل الحوار.

    مع مودتي

                  

11-24-2007, 04:19 PM

amin siddig
<aamin siddig
تاريخ التسجيل: 07-21-2007
مجموع المشاركات: 1489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: HAYDER GASIM)

    تحية للجميع
    شهدت السنوات القليلة الماضية عدو تحولات و تطورات في السياسة و في العلم و التكنولوجيا .. و في تراكم الثروة .. و تحولات ثقافية كذلك

    هذه التحولات هي التي أدت إلى العولمة .. كنتيجة طبيعية ...
    المناهضين للعولمة يركزون على الأسباب السياسية و تراكم الثروة و يتجاهلون التطورات التكنولوجية و التحولات الثقافية كأسباب للعولمة

    المواقف المناهضة للعولمة لا تنطلق فقط من منطلقات إقتصادية .. فهناك أيضاً التيارات الدينية التي تركز على محاربة الإنفتاح الثقافي بدعاوي الخصوصية الثقافية ...

    هناك مفارقات عديدة في هذا الصدد
    - التيارات الدينية تقدم طرحها كطرح للإنسانية جمعاء و ليس لمجموعة عرقية أو رقعة جغرافية محددة .. و مع هذا فعندما أتيحت وسائل جديدة لهذه التيارات و أفكارها وقفت موقفاً متوجساً .. و نادت بالإنغلاق و الحفاظ على الخصوصية و جمود الهوية .. حتى عندما
    (تعولم ) الإتجاه الديني الإسلامي فقد كان تعامله مع العولمة مقصوراً على الجوانب الحربية فقط ( الإرهاب) .. أي أن العولمة بالنسبة إلى هذا التيار هي كوة إنفتحت على الآخر .. و ينبغي فقط أن نضع مدفعاً في هذه النافذة لرجم الجالسين في الغرفة الأخرى .. و ليس الحديث معهم .. و لا حتى مجرد النظر إليهم .




    الجوانب الإقتصادية و هي موضوع هذا البوست :

    هل العولمة ظاهرة أم تحول ؟

    لا أظن أن العولمة ظاهرة مؤقتة .. أنا هنا لا أتحدث عن ( الإستغلال ) و لكن عن كافة الجوانب : العولمة ليست فقط الشركات متعددة الجنسيات و لكنها أيضاً الإنترنت الذي نتحاور عبره الآن .. إنها سهولة الحصول على المعلومة .. إنها أيضاً إتجاه نحو العالمية ليس في الإقتصاد فقط و لكن أيضاً في حماية حقوق الإنسان و مكافحة الأوبئة ... و غيرها ... بغض النظر عن طبيعة القوى المسيطرة و المستفيدة .. و بغض النظر عن التسويات التي ستتم .. فالعولمة هي إتجاه .. بل مرحلة جديدة في التأريخ لم تتضح معالمها بعد و لا زال الوقت مبكراً على التخمين بالشكل النهائي أو العام الذي ستتخذه.



    هل العولمة نتيجة لأحداث سياسية فقط و لإنهيار المعسكر الشرقي؟

    العولمة هي بالأساس نتيجة لتطورات عديدة .. في العلم و التكنولوجيا .. هي التي أوجدت وبصورة ثورية .. مجالات جديدة للإنتاج الإقتصادي و لخلق الثروة .. و هذه التطورات التكنولوجية هي التي أوجدت كذلك ثورة الإتصالات و من المتعذر تخيل العولمة بكافة نواحيها بدون نتائج ثورة الإتصالات هذه . ..
    لو كانت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية موجودة حتى الآن لا أظن أن هناك الكثير مما كانت لتفعله إزاء تحولات العولمة .. فقط لكانت تلجأ إلى جدارها الحديدي .. حظر الإنترنت .. بينما الشركات متعددة الجنسيات تبحث عن أسواق جديدة في العالم الجنوبي ؟ أما مشاكل من هم داخل الجدار الحديدي فهي ذاتها .. الفقر و الركود و الشمولية ..



    هل إستفادت القوى الموجودة في عصر ما قبل العولمة من إمكانيات العولمة أكثر من غيرها ؟

    نعم .. فالمؤسسات و الشركات التي راكمت الثروة في عصر ما قبل العولمة تمتع بالإستفادة أكثر من غيرها من إمكانيات العولمة .. بسبب قدرتها على شراء التكنولوجيا .. و بسبب تأثيرها في القرار السياسي و العسكري لحكوماتها .. والأهم من كل ذلك بسبب الضعف السياسي و الإقتصادي لدول عالم الجنوب ..




    هل الثورة العلمية - التكنولوجية ليست في صالحنا ؟

    قطعاً لا .. إن منجزات العلم و التكنولوجيا هي توسيع للخيارات المتاحة أمام الإنسان .. هذه الخيارات الجديدة و بمثل ما تنتج أسلحة للدمار الشامل تنتج كذلك حلولاً لمشاكل تشمل البيئة .. الإنتاج الإقتصادي .. الترفيه و المتعة .. الصحة .. إلخ ، في أحيان كثيرة بينما نكون مخيرين بين أمرين أحلاهما مر تأتي الكنولوجيل بحل ثالث أفضل .. لا يجب علينا من حيث المبدأ رفضها و إنما التحدث عن إتاحتها و الممكن عمله من أجل أن نستفيد منها .



    هل ستحدث العولمة إعادة ترتيب لعلاقات الإنتاج ؟

    لوقت طويل مضى كان إطار التفاعل و التوازنات و التسويات بين الأطراف المختلفة لعلاقات الإنتاج هو إطار الدولة الواحدة .. مع بعض الإستثناءات بالطبع .. الإتجاه الحالي للعولمة سيؤثر و بدأ فعلاً يؤثر على تلك التوازنات خاصة في الدول الرأسمالية المتقدمة .. فالطبقة العاملة في هذه الدول ربما تفقد الإمتيازات التي حصلت عليها نتيجة المساومات التأريخية التي تمت مع الرأسمالية .. لتوفر عمالة أرخص في الدول النامية .. و الشركات متعددة الجنسيات ستحقق أرباحاً أعلى ....
    أما الدول النامية فإنها ستتتاح لها فرص عمالة أكبر .. و إن كان أجر العامل منخفض بالنسبة لنظيره في الغرب إلا أنه أعلى من اللاشيئ!
    العولمة بإتجاهها الحالي قد تفرض واقعاً و إشكاليات مختلفة حسب الدولة أو المنطقة المعنية ..
    بالنسبة لدولة فقيرة ربما توفر إنتعاشاً أولياً بتوفير فرص عمل و لكنها بعد فترة ستطرح إشكاليات متعلقة بالتنمية و العدالة الإجتماعية في هذه الدول .. مثلاً مجتمع ( دولة + رأسمال وطني + مجتمع مدني + شرائح إجتماعية ) غير قادرين على توجيه الإقتصاد المحلي لصالح خدمة أغلبية الشرائح الإجتماعية ولصالح الرفاهية و التطور ..



    هل علاقات الإنتاج التي ستتأثر و الشرائح التي ستتفاعل هي نفسها القديمة ؟

    بسبب العولمة ذاتها .. و بسبب التطور في الإتصال .. و إنتشار المعرفة .. لسبب كل هذا فإن التأريخ هنا في العالم النامي لن يمر بنفس المراحل التي مرت بها أوروبا .. و الإتجاه العام لإنتقال قوة الإنتاج الرئيسية من اليد إلى الدماغ سيكون هو الإتجاه السائد حى في الدول النامية .. و يكون قطاع الخدمات هو الأكبر مساهمة في الدخل القومي .. و حتى طبيعة العمل الصناعي و الزراعي ستتغير
    علينا هنا ألا نطلق أحكاماً مسبقة .. ف ( عمال ) العالم الأول أوضاعهم المادية أفضل من ( البرجوازية الصغيرة ! ) في العالم الثالث .

    كون أن الشرائح المتضررة من العولمة في الغرب هي العمال و تحديداً عمال المصانع فهذا لا يعني أن الوضع الذي سنجابهه هنا شبيه ، فهنا المعنيين بتحديات العولمة كل الشرائح الإجتماعية ، بل ربما كانت الشريحة الوحيدة المستفيدة من إتجاه الشركات متعددة الجنسيات في العالم الثالث هي العمال !!!



    ما هو تحدي العولمة الأساسي بالنسبة لنا ؟

    إن أي إمكانية للإستغلال من قبل الشركات المتعددة الجنسيات و الإقتصاديات القوية هي أساساً مرتبطة بضعف مجتمعاتنا و مؤسساتها .. حكومات ، مجتمع مدني ، نقابات ، .. مؤسسات ثقافية و علمية ... إلخ ..
    هذ الضعف هو الذي يجعل الإستغلال ممكناً .
    العولمة ليست باكج واحدة إما نرفضها كلها أو نقبلها كلها .. و التنافسية العالية بين الإقتصادات و الشركات العالمية ستتيح لنا أن نخرج أحياناً بصفقات جيدة و بمحصلة إيجابية في إتجاه التطور و تنمية مجتمعاتنا .

    ينبغي أن يكون هذا هو هدفنا .. بدون رؤية غير واقعية أو تصور متحجر .. علينا أن نختار أفضل الخيارات لصالح تنمية شعبنا و أفضل السياسات لخدمة جميع شرائحه .. و لتقليل الإستغلال ..

    لن تكون تلك مهمة سهلة أبداً .. ستكون مهمة عسيرة .. تتخلها تسويات و صدامات .. و صفقات .. و لن نكون الطرف الوحيد في العالم فهناك تحولات ستفرضها الفئات المتضررة في الغرب .. و شروط ستخلقها قوى أخرى في أماكن أخرى من العالم .. ربما بعد أن تنتقل من مرحلة سد الرمق إلى الرفاهية .

    أعتقد أن التحدي الأساسي أمام القوى التقدمية في السودان هو قيام حكومة ديمقراطية ، و مجتمع مدني قوي و ديمقراطي .. الحكومة الديمقراطية هي الأقدر على مراعاة مصالح شعبها .. و إختيار الأفضل له .. فهي ليست مضطرة للرضوخ لتسويات يكون المقابل فيها الحفاظ على سلطتها ، و ليست مضطرة كذلك إلى التحجر وراء مواقف غير عملية و غير مفيدة .
    الدولة وحدها لن تستطيع التعامل مع هذه القضايا .. لا بد كذلك من نقابات قوية تعمل لمصلحة منسوبيها .

    و التحدي الأساسي لن يكون مجرد قرارات تصدرها وزارة المالية أو الجمارك .. بل سيكون إستراتيجيات فعالة لتمكين مجتمعنا من النهوض على قدميه : بإمتلاك المعرفة و التكنولوجيا ، و نشر التعليم ، و بالديمقراطية و تقوية مؤسسات المجتمع المدني .. و بالإستغلال الأمثل لموارد الدولة المتاحة في هذه اللحظة لتطوير رأس المال البشري و الإجتماعي ..
    و الحساسية تجاه مصالح الفئات الضعيفة المتضررة و العمل على تمكينها

    بعد ذلك سيسهل التعامل مع العولمة !

    ا
                  

11-26-2007, 11:12 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: amin siddig)

    سلام امين

    شكرا على الفلفلة والاسئلة والمفاكرة الزيادة ....

    وللربط الجيد بين سؤال او موضوعة العولمة و بقية الاسئلة

    اقرا اعذارى فوق .... وامسحوها في وشنا

    لحين العودة .... اضافة قد تكون ذات صلة بما اثرته انت
    Quote: العولمة “تاريخ المصطلح ومفهومه”

    عبد المجيد راشد

    المبحث الأول : تاريخ مصطلح العولمة
    يحدد انتوني جيدنز AnthonyGiddensفي كتابه "الطريق الثالث.. تجديد الديمقراطية الإجتماعية" الصادر في 1998 [1] .. تاريخ المصطلح بعشر سنوات سابقة على كتابه "فالكلمة لم تستخدم في الأعمال الأكاديمية أو الصحافة الشعبية إلا منذ عشر سنوات فقط، وتحولت الكلمة التي لم يكن لها مكان إلى كلمة على كل لسان، فلا يكتمل خطاب سياسي، أو دليل لرجال الأعمال إلا بالإشارة إلى هذه الكلمة.

    ويرى د. صبري حافظ أن الصورة الجنينية الأولى لمصطلح العولمة هو تعبير "القرية الكونية" Global village والذي صاغه مارشال ماكلوهان في أواخر الخمسينات، فقد إهتم ماكلوهان ببلورة فكرة تقليص سرعة حركة المعلومات للمسافات الجغرافية في كرتنا الأرضية التي تحولت إلى مجرد قرية واحدة يعرف كل شخص فيها ما يدور في أي مكان بها وعلاقة تغير مفهومنا للزمن وللمكان بتغير مفهومنا للثقافة وللإنسان ذاته، وبفتح آفاق جديدة أمام الإنسان بما يترتب عليها من بلورة لطاقات جديدة وإقتحام لمجالات لم يسمع فيها وقع لقدم بشرية من قبل. ومع هذا لم تظهر فكرة العولمة في الستينات ولا حتى في السبعينات، وبالرغم من أن السبعينات شهدت بداياتها الجنينية، ولم نسمع عنها بهذا الشكل المطرد إلا بعد مجموعة من التغيرات السياسية المهمة التي أعقبت سقوط حائط برلين وإنهيار المعسكر الإشتراكي والحديث عن نهاية التاريخ. [2]

    ويرجع د. رمزي زكى بتنظيرات الإقتصاد السياسي حول العولمة المالية إلى عام 1910 وذلك بمجهود المفكر النمساوي رودولف هلفردنج ومروراً بالعديد من الإقتصاديين والمفكرين الذين كتبوا في عالم ما بعد الحرب عن رأس المال ومشكلات تصدير رؤوس الأموال من البلدان الصناعية الرأسمالية، وذلك في إطار تحليلهم لقضايا التوازن العام للرأسمالية الإحتكارية، وتحليل المشكلات التي تثيرها الشركات متعدية الجنسيات (TNCs).

    وفى إطلالة تاريخية على مسار العولمة المالية يقول د. رمزي زكى: "ربما يعتقد البعض أن العولمة المالية هي ظاهرة حديثة العهد نسبياً، لكننا في الحقيقة لو نظرنا إلى تاريخ الرأسمالية فسوف نلحظ أن تلك العولمة، منظوراً إليها على أساس أن جوهرها هو تحركات رؤوس الأموال عبر الحدود والآليات والشروط التي تتحرك بها فيما بين الأسواق المالية المختلفة وما ينجم عن ذلك من آثار ونتائج، فسوف نلحظ أنها كانت ظاهر ملازمة لنشأة وتطور النظام الرأسمالي نفسه.[3]

    وفى رأى د. صادق جلال العظم أنه: "منذ زمن غير قصير ونحن نتداول مفاهيم ومصطلحات وتصورات هامة - نتداولها علمياً وثقافياً وسياسياً وإعلامياً وحتى شارعياً: مثل الرأسمالية العالمية، الإقتصاد العالمي، الإمبريالية العالمية، السوق الدولية، النظام الإقتصادي العالمي".

    ما الجديد في العولمة إذن، أن كان هناك من جديد. جميعنا يعرف، كذلك، أنه من آدم سميث إلى بول سويزى وسمير أمين مروراً بريكاردو وماركس وماكس فيبر ولينين وروزا لوكسمبرج وأندر جينتر فرانك وفوكوياما وهانتيجون: هناك إجماع على أن نمط الإنتاج الرأسمالي نمط عالمي ودولي وتوسعي بطبيعته ومنذ نشأته، ما معنى العولمة إذن؟ ما معنى القول أن النظام الرأسمالي الموصوف بالعالمي أصلاً وتعريفاً، من جانب أصحابه، كما من جانب أعدائه ونقاده قد تعولم أو هو قيد العولمةالآن،هل العولمة هي مجرد المزيد من الإمتداد الأفقي لنمط الإنتاج الرأسمالي حيث يلحق بعض الأصقاع والمجتمعات والثقافات الإضافية التي فلتت منه سابقاً بحلقه من حلقات أطرافه. [4]

    وفى إجابة على ما طرحه د. صادق جلال العظم يتحدث د. سمير أمين في كتابه "إمبراطورية الفوضى" عن العولمة الجديدة التي بدأت منذ خمسة قرون مع غزو أمريكا.. لكنها أطلت من جديد في السنوات المنصرمة وتجلت كظاهرة في كثافة المبادلات التجارية والمواصلات المتنوعة والقدرة الشاملة لوسائل التدمير، وينظر إليها اليوم بوصفها تبعية متبادلة تخضع المجتمعات للتوسع العالمي للرأسمالية، ويجب ألا ننسى أن الرأسمالية كانت دائماً منذ إكتشاف أمريكا، نظاماً عالمياً. [5]

    وفى نفس السياق يورد د. محمود عبد الفضيل رأى العلماء والباحثين الغربيين من أن عمليات العولمة، ليست جديدة، وأن هناك موجة عولمة بدأت في نهاية القرن الماضي، وتحديداً في عام 1870م، وإنكسرت هذه الموجة بسبب تناقضات العولمة بحلول الكساد الكبير عام 1929م، وبعد الإنكسار لموجة العولمة التاريخية الأولى بسبب الكساد الكبير، توقفت عمليات العولمة خلال الثلاثينيات، وبعد الحرب العالمية الثانية، إنغمس الغرب في عملية إعادة البناء خلال الخمسينيات والستينيات، ثم بدأت الموجة الحديثة للعولمة تؤازرها التطورات التكنولوجية منذ نهاية السبعينيات.[6]

    وفى هذا السياق فإن رولند روبرتسن يرى أن العولمة (ومرادفها التدويل) أصبحت في النصف الثاني من الثمانينيات مصطلحاً شائعاً في الدوائر الثقافية والتجارية والإعلامية وغيرها في عملية تكتسب عدداً من المعاني وبدرجات متفاوتة من الدقة، وإن كان يحدد أن نمط العولمة قد رسخ في الفترة من (1880 - 1925) والتي إستمرت من سبعينيات القرن الثامن عشر وحتى أواسط عشرينيات القرن العشرين وتميزت بظهور مفاهيم عالمية عن "الصورة المثلى" لمجتمع دولي "مقبول" وطرح أفكار عن الهويتين القومية والفردية، وضم بعض المجتمعات غير الأوروبية إلى "المجتمع الدولي" وظهور الصيغة الدولية ومحاولة تطبيق أفكار عن الإنسانية، وزيادة هائلة في عدد أنماط الإتصال العالمي وسرعتها، و نمو صور التنافس العالمي - كالألعاب الأوليمبية وجائزة نوبل وتطبيق التوقيت العالمي والإنتشار شبه العالمي للتقويم الجريجورى والحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم. [7]

    وفى إضاءة تاريخية للمصطلح يرى د. محمد حافظ دياب أن مقاربة العولمة وتأسيس النظر بمحتواها، لا يكتمل من دون تحليل الصيرورة التاريخية التي تكمن ورائها، وتبيان مختلف المتغيرات المساهمة في تعيينها، ذلك أن المفهوم لا يمكنه أن يتطور كمعطى بدهي، إذ هو بالضرورة معتمد على تنظير العمليات التاريخية المتلبسة له، والملاحظ في هذا الصدد تراوح الدراسات حول نشأة العولمة، ما بين إرجاعها إلى تكوين الإمبراطوريات التاريخية، أو الإنتصار العالمي لأحد أشكال الدين، أو تبلور الروح العالمية، أو إستسلام النزعة القومية لهدف التجارة الحرة، أو الإستعمار، أو إنتصار البروليتاريا العالمية، أو ظهور الشركات متعدية الجنسية، أو نشوء النظام الإعلامي الكوني، والإختلاف من ثم وارد، حتى من يربط منها العولمة بالتاريخ الحديث: فهي عند روبرتسن بدأت في الحدوث منذ ما يربو على مائة سنة وإرتبطت إرتباطا وثيقاً بالحداثة والتحديث وما بعد الحداثة، فيما هي لدى جيدنز، تتصل بتطور الدولة الحديثة الذي كانت تحدده معايير متزايدة الكونية فيما يتعلق بسيادتها، وتبللورت في فترة عقد المعاهدات عقب الحرب العالمية الأولى والتي كانت بالفعل النقطة الأساس التي أصبح عندها نظام الدولة الوطنية المراقب مراقبة إنعكاسية موجودا على المستوى الكوني. [8]

    ورغم ذلك فإن العولمة الراهنة تبدو مختلفة عن أشكالها الأولية، فإذا كانت العولمة تعد رديفاً لتنامي الرأسمالية عبر القرون الأربعة الأخيرة، فما الذي أستجد راهناً ليستدعى حضورها الطاغي؟.

    هناك وقائع أربع أساسية أدت لحضور العولمة الطاغي في الوقت الراهن:ـ

    أولها: تضخم الشركات المتعدية الجنسية والتي يضعها تومبسون في موقع القلب من العولمة الإقتصادية ويصفها بأنها المثال الحي لرأس المال العالمي.

    وثانيها: عجز دولة الرفاة WelfaRE State التي وضع أسسها عالم الإقتصاد البريطاني اللورد جون منيارد كينز، حين نادى بإنتهاج سياسة تقوم على تدخل الدولة لحماية الإستقرار الإقتصادي في محاولة للخروج من الأزمة الرأسمالية المشهورة في نهاية الثلاثينيات..

    وثالثها: الطفرة الراهنة للتقدم التكنولوجي في مجالات الإتصال والمعلومات.

    أما رابع الوقائع: التي أسهمت في الحضور الطاغي للعولمة راهناً فيبدو في قيامها على إطار مؤسسي تملك الولايات المتحدة الأمريكية، بإعتبارها وريثة المركزية الأوروبية، السيطرة المباشرة عليه، مكون من نظام إستثماري عالمي بإدارة البنك الدولي للإنشاء والتعمير (IBRD) ونظام نقدي بإدارة صندوق النقد الدولى (IMF).

    وكلا النظامين يقومان بدوريهما فى ضبط العلاقات الإقتصادية العالمية، و يضاف إليهما نظام تجارى عالمي بإدارة منظمة التجارة العالمية (WTO) التي خلفت إتفاقية الجات منذ بداية عام 1995 والتي تحتـوى على قواعد ملزمة وآليات تحكم إجبارية، وتعد نفسها لتصبح الحكم الفيصل في ميادين التنافس والوصول إلى الأسواق العامة والقوانين المتعلقة بالإستثمار والعمالة. [9]

    من مجمل ما سبق تناوله من آراء، نخلص إلى نتيجة مفادها أن المصطلح محل البحث Globalization على مستوى الإستخدام المباشر له لم يظهر في الكتابات العلمية أو تم تناوله في الكتابات الفكرية أو الأدوات الإعلامية إلا في نهاية عقد الثمانينات من القرن العشرين، ولكن على مستوى دراسة المصطلح من حيث دلالته لا لفظه، فإن هناك ما يشبه الإجماع سواء في الكتابات الغربية أو العربية على أن ظاهرة العولمة تعد رديفاً لتنامي الرأسمالية عبر القرون الأربعة الأخيرة وإن كانت العولمة الراهنة تبدو مختلفة عن أشكالها الأولية بما تتميز به من أدوات وآليات وتفاعلات داخلية.

    fehgfe

    المبحث الثاني

    مفهوم العولمة

    لم يلتق الكتاب العرب على إسم واحد لظاهرة كثر حديثهم عنها، فقد أسماها البعض "العولمة" وقال البعض الآخر "الكونية" والبعض الثالث "الكوكبة".

    ويبدأ د. إسماعيل صبري عبد الله بالترجمة الصحيحة للإسم الإنجليزي للظاهرة وهو Globalization "الكوكبة" وهو مشتق من globe بمعنى الكرة - المقصود به هنا الكرة الأرضية - الكوكب الذي نعيش على سطحه، ومقابل "العالم" هو "World" ومقابل "الكون" هو "Universe" وكلمة العالم تعنى البشرية، والنسبة إليها توحي بمشاركة الناس جميعاً في إنتشار الظاهرة محل الدراسة، كما أن هذا الإسم ليس من مفردات فعل في اللغة العربية، وقد وجدت في المعاجم فعل "كوكب" بمعنى جمع أحجاراً ووضع بعضها البعض في غير شكل محدد، وهو كما يقال "كوم" في تجميع التراب، ورأيت الإحتذاء بسلفنا القريب حين نقلوا فعل "ثقّف" من صقل السيف إلى ثقل العقل وأدخلوا في اللغة العربية "الثقافة" بالمعنى المتداول عندنا حالياً. [10]

    وأول من ترجم مصطلح الـ Globalization بمعنى "العولمة" هو د. سمير أمين، على حين تمسك د. إسماعيل صبري عبد الله بمصطلح "الكونية" أو "الكوكبية" وقد ترجم د. فؤاد مرسى الكلمة الأجنبية Global بالكونية وكذلك فعل محمود أمين العالم في عنوان لكتاب له وإن إستخدم في داخل الكتاب مصطلح "العولمة". [11]

    ويناقش محمود أمين العالم أطروحة د. إسماعيل صبري عبد الله بقوله "إذا كانت الكوكبية أدق من حيث الترجمة العربية الحرفية للكلمة الأجنبية، إلا أنها لا تتسع للمفهوم الذي يحدده كوكب الكرة الأرضية فقط، بل يشمل ما فوق الكرة الأرضية الذي أصبح اليوم ساحة من ساحات القواعد الإتصالية والإعلامية والعسكرية وغداً سيكون ساحة إقتصادية للتنافس والإستغلال. [12]

    وحسماً لأمر الإختلاف في دلالة اللفظ فإننا نجد أن ما طرحه د. سمير أمين وأكده محمود أمين العالم هو الأقرب إلى الفهم العميق لدلالة اللفظ.

    هذا من ناحية ترجمة المصطلح.

    أما عن مفهوم المصطلح، فتجدر الإشارة إلى أن مصطلح العولمة قد شاع بسرعة تفوق شروط تشكيل المعنى وتأسيس المرجعية التي يحيل إليها في الواقع فهو لفظ مشحون بعديد من المعاني لأنه مازال يبحث عن مدلول مادي واضح 0

    فهو في رأى، د. حاتم بن عثمان،: "يعنى الآن كل شيئ ولا يعنى شيئاً بعينه" [13] ويلاحظ د. طاهر لبيب، أن إنتشار مصطلح العولمة إنتشار مفاجئ متسيب، لا تتضح ملامحه جعل منه في النص العربي "كارثة" عامة لا تخلو من إمتداد غيبي، لذلك فالحديث عن العولمة هو حديث عن الموت والفناء والإنتحار وعن القدر والحتمي والمحتوم وما شابه ذلك مما تعج به الكتابات العربية اليوم. [14]

    ومن زاوية أخرى يرى د. طارق حجى أن العولمة ليست "فكرة" مطروحة للنقاش والجدل وإنما هي "أمر واقع" تحاول الجهات التي تتبوأ قيادة العالم الغربي، والتي تتبوأ في نفس الوقت مقعد السائق على مستوى مسيرة البشرية العالمية، و "كأمر واقع" تعمل هذه الجهات (وأولها الولايات المتحدة الأمريكية) على فرضه وتعميمه بجوانبه الإقتصادية وبجوانبه الأخرى الحديثة ومن أهمها الشق الثقافي والفكري، وهكذا تكون العولمة أبعد ما تكون عن فكرة مطروحة للنقاش، وإنما أشبه ما تكون بظاهرة طبيعية كالزلازل أو البراكين التي من العبث أن نناقش هل هي أشياء جيدة أم سيئة، والصواب أن نعمل على التعامل معها أفضل وأنجح تعامل، لأن البشر يختلفون في مواجهة وكيفية التعامل مع الواقع، ولكن المصيبة تكون كاملة وشاملة عندما يحاولون مناقشة أيقبلون أم يرفضون الزلازل والأعاصير والبراكين، لأنهم من جهة لا يملكون معطيات تغيير الواقع، كما أن تركيزهم على محاولة التغيير المستحيلة تجعلهم لا يعملون في المجال الوحيد المتاحوهو التعامل الذكي والأمثل والأكثر مردودية وفائدة مع الواقع ومحاولة خلق هامش جديد لقيمتهم المضافة في ظل الواقع والذي لم ولن يسألهم أحد "ممن يملكون المقادير" عن رأيهم فيه. [15]

    ويدعم د. طارق حجى وجهة نظره برأي د. على الدين هلال والذي يعتبره من أبلغ ما كتب في هذا المجال عندما يقول: أن العولمة تشبه قطاراً تحرك بالفعل بينما لا يزال البعض يتساءل، هل وجود وحركة هذا القطار شرعية أم لا؟ بينما لا يوجد من سألهم عن شرعية وجود وحركة القطار، كما أن سؤالهم (وكل قدراتهم) لا تملك أن تمنع وجود وحركة القطار بأي شكل من الأشكال. [16]

    ومن زاوية ثالثة قام بول هيرست وجراهام تومبسون "بمساءلة العولمة" في دراسة هامة تحمل نفس العنوان توصلا فيها إلى أن "العولمة" أسطورة لعالم بلا أوهام تروجها الرأسمالية العالمية للمبالغة في درجة عجزنا في وجه القوى الإقتصادية على رغم أن الأسواق الكوكبية مسيطرة، وهى لا تواجه أي تهديد من أي مشروع سياسي عكس قابل للبقاء، لان من المعتقد أن الإشتراكية الديمقراطية الغربية وإشتراكية الكتلة السوفيتية قد إنتهتا معاً، وقد كان التفسير العقلاني القديم للأساطير البدائية أنها كانت طريقة لإخفاء عجز الإنسانية في مواجهة قوى الطبيعة وللتعويض عن هذا العجز، وفى حالتنا نحن أمام أسطورة تبالغ في درجة عجزنا في وجه القوى الإقتصادية المعاصرة. [17]

    ومن زاوية رابعة، يصل الأمر في مدار بحث ظاهرة العولمة إلى الحد الذي يحذر فيه واحد من أهم علماء السياسة في بريطانيا، وهو جون جراى،بروفيسور السياسة في جامعة أكسفورد ومستشار حكومة مارجريت تاتشر، من أوهام رأسمالية العولمة والسوق الحرة التي ترفع علمها الولايات المتحدة وحواريوها في بريطانيا وفى أنحاء العالم، وأنه - أن ترك هذا النظام يأخذ مداه ويحكم سيطرته - سيجلب حروباً وصرا عات وفقراً، فضلاً عن أن - هذه الأوهام - لن تجعل من القيم الغربية قيماً عالمية، وإنما هي تصنع عالماً تعددياً لا رجعة فيه، كما أن الترابط المتزايد بين إقتصاديات العالم لا يعنى نمو حضارة إقتصادية موحدة، ولكنه يعنى ضرورة إيجاد وسيلة للتعايش بين ثقافات إقتصادية ستظل دائماً مختلفة. [18]

    ومن زاوية خامسة، فإننا لا نستطيع أن نغفل أنه قد ساد خلال السنوات الأخيرة، خطاب تبشيري يروج للعولمة، ليس على طريقة د. طارق حجى على أي حال، ومن أبرز رموزه الكاتب الصحفي الأمريكي "توماس فريدمان" ويعتبر كتاب "السيارة ليكساس وشجرة الزيتون" الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999، نموذجاً فريداً لهذا النهج، إذ يسعى الكتاب إلى تسويق وترويج للعولمة، بإعتبارها طوق النجاة وطريق المستقبل لكل بلدان العالم على إختلاف مستويات تطورها، وهذا الخطاب التبشيري يروج للعولمة ومزاياها وقدرتها على تعميم الرخاء والمساواة بين البشر والإستفادة من أحدث إنجازات العلم و التكنولوجيا من خلال ضغط المسافات و"تقريب البعيد" بإختصار إنه يروج "للعولمة السعيدة" بلا آلام ولا دموع. [19]

    ونظراً لتعدد زوايا النظر إلى مصطلح العولمة ومن ثم تعدد المعنى الذي يميل إليه، فإننا سنعتمد علىتعريفاً إجرائياً للمصطلح صادر عن وثيقة للجنة دولية مستقلة والتي شكلتها الأمم المتحدة لدراسة "حكم الكوكب" فى تقريرها الصادر فى 1995 بعنوان "مجاورتنا الكوكبية" وهو بالنص: "التداخل الواضح لأمور الإقتصاد والإجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون إعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو إنتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة ودون حاجة إلى إجراءات حكومية"[20].

    وأهم ما يميز هذا التعريف، أننا بصدد ظاهرة جديدة لم تكن معروفة قبل النصف الثاني من القرن العشرين وبالتالي لم تكن محل دراسة سابقة في أي من العلوم الإجتماعية، فكل تلك العلوم مهما بلغت من التعقيد أو التبسيط وما حفلت به من مناهج ونظريات كانت تخاطب دولة ذات حدود معروفة أو مجتمعاً معيناً، ويسمى التحليل نظرياً إذا درس مجتمعاً (دولة) مفترضاً ومعبراً عن كيانه في صورة مجردة، أما إذا درس مجتمعاً قائماً بذاته فهو إقتصاد تطبيقي أو إجتماعي "إمبريقي" أما ما كان أبعد من هذه الدولة القومية فهو علاقات بين الدول، وهذا واضح في القانون الدولي وفى باب العلاقات الإقتصادية الدولية الملحق بالنظرية الإقتصادية على سبيل المثال، والتداخل الواضح المشار إليه في التعريف لم يكن حتى الآن محل دراسة قائمة بذاتها تضيف نوعاً جديداً من فروع العلم الاجتماعي، حتى الفلاسفة ومؤلفي كتب "اليوتوبيا" لم ينظروا بعناية ولا حلموا بشمول الأوضاع الحالية والظاهرة الجديدة التي عرفناها للتو، فجوهر الكوكبة - "العولمة" - هو ما يتجاوز إعتبارات السيادة الوطنية ويخلق نوعاً من القوة الإقتصادية تؤثر في جوانب كوكبنا دون أن تقابلها سلطة سياسية على المستوى نفسه فوق القومي [supernational]. [21]

    فبالرغم من تعدد زوايا النظر لظاهرة العولمة من كونها "كارثة" عامة لا تخلو من إمتداد غيبي، و"آخر واقع" كالزلازل والبراكين و"أسطورة" لعالم بلا أوهام، و"طوق نجاة" للبشرية، بالرغم من ذلك فإن جميع هذه الزوايا للرؤية لا تختلف على التعريف الإجرائي الذي إعتمدناه مؤقتاً مفهوماً للعولمة وسنتناول في المبحث القادم تحليل مضمون هذا المصطلح وفقاً للتعريف المؤقت له ومن جميع زوايا النظر إليه وذلك للوصول إلى تعريف واضح له.
                  

11-26-2007, 11:06 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: HAYDER GASIM)

    سلام تانى للجميع

    الواحد بقي يخجل "جدا" من كترة الاعتذارات لكن الظروف و العمر ليهم احكام.

    شكرا على عمر على ... بس ما فهمت نفسك الحار ده سببو شنو؟

    سلام حيدر

    يا زول الخواف ربي عيالو، لكن في الفكر والمعرفة الخوف من او على حاجة بيكون مضر جدا,

    Quote: حزب العمال الشيوعي العراقي
    ديل بعرفهم وكانت اسرة منهم جيرانى في السكن، ديل يقولو للجمود تعال نوريك الجمود الما بتعرفو، فترة قاطعونى لانى قلت ليهم انى مقتنع ان لابديل للديمقراطية البرلمانية "الرفيق السودانى تحريفي"

    المشكلة في امر "الخوف" من مازق الجمود او الفرار من الموقف
    Quote: الماركسي { الصلد }
    كما قلت انت هو دمغ كل ما انتجه التيار الماركسي بانه خطا فقط لانه تسمي بالماركسية الصحيح اخضاع الكل للنقد الكاشف و للواقع , تظل هناك كثير من القراءات و التنظير قيمة و عميقة وقابلة للنقد والتطوير من قبل ماركس مرورا به ومن اشتغلو عليه امثال تروتسكى وحتى اللئيم لينين وقرامشي انتهاء بفوكو والتوسير ... ببساطة مخلة: لاتوجد ماركسية، توجد اعمال ماركس و توجد اعمال من اشتغلو عليها نقدا ونقضا و تجاوز و انتقال لما هو متقدم. ما الفرق بين دعاة "نقاء الفكر الماركسي" و دعاة "ثوابت الفقه و ما علم من الدين بالضرورة" الاصولية هى الاصولية، الجمود هو الجمود وان اختلف الشكل.

    السطرين ديل اخدو منى نص ساعة مع الزمن الشحيح ده
                  

12-08-2007, 04:23 AM

Salah Al Imam

تاريخ التسجيل: 01-24-2007
مجموع المشاركات: 12

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: HAYDER GASIM)

    I felt lucky knowing, learning, and working with these two moral fibers: Esam and Hyder.


    What made Hyder to write:
    Quote: “عزيزي ... عصام ... تسلم,
    موضوعة تستحق النقاش, لكن ربما يتعقد أمر من لديه إستعداد مبكر لكراهية الرأسمالية, فهنا حيث تضيق مساحة العقلانية وربما تزدهر إحتمالات الردة إلى التيار الإشتراكي الأصولي ... تذرعا بقساوة
    ما يسمى بالليبرالية الجديدة.”


    And Esam to respond “
    Quote: Quote: حزب العمال الشيوعي العراقي
    ديل بعرفهم وكانت اسرة منهم جيرانى في السكن، ديل يقولو للجمود تعال نوريك الجمود الما بتعرفو، فترة قاطعونى لانى قلت ليهم انى مقتنع ان لابديل للديمقراطية البرلمانية "الرفيق السودانى تحريفي"
    المشكلة في امر "الخوف" من مازق الجمود او الفرار من الموقف”


    Beside laughing, it made me feel that I have been one of the luckiest being acquainted to these two open minded characters at some point of time.

    Now, After 20 something years or so of thinking and rethinking. I think "Not absolutely thinking” that maintaining a limited government or any administrative body (to clean the streets we all share) is necessary for the maximization of our liberty and therefore the advancement of us the human being. And those who lock themeself in what somebody said at some point of time at some place are doomed.

    I do not want to go the extreme. But to explain my position on individual liberty, I think Somalia now is better than under Aidid.

    اهلنا زمان قالوا العينو في راسو بيعرف خلاصو.
    I think this is more expressive than the laisse-Faire. We, the human being will continue to advance our interests not driven solely by profit. We will do it, for example, to help each other, build a community, or spent time and money to get
    مجلة الصبيان going
    in order to feel good.

    In the final analysis, it so simple, just let it be and it will, as long as every one of us is free.
    So the commoditization of the world
    “بضعنة العالم” is the best thing human history has invented and experienced. It made us one body.

    (عدل بواسطة Salah Al Imam on 12-08-2007, 04:26 AM)
    (عدل بواسطة Salah Al Imam on 12-08-2007, 04:53 PM)

                  

12-07-2007, 11:09 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    سلام للجميع
    اعتذر "كالعادة" عن الغياب القسرى. اتمنى ان يستعيد الناس حماسهم للمناقشة لان الموضوع في اعتقادى .

    للاخ على عمر على، حاولت فهم حدتك ، تفسيري الوحيد انك فهمت الامر كهجوم على الحزب الليبرالى السودانى. لو صح تفسيري فانك مخطئ تماما، لم يخطر الامر بالمرة لى، لانى اعتقد ان القضية معقدة للغاية و تكاد ان تطال الجميع، حسب ما اراه واعايشه وجد حتى بعض قادة الليبراليين انفسهم في مواجهة مع تيار ما عرف بالليبرالية الجديدة و يمكننى تقديم نماذج لذلك. الشئ الاخر قصة منافسة و مناقرة تنظيم لتنظيم دى افتكر مفروض بحجم الاسئلة والمشاكل المواجهانا و مواجهة البشرية نكون كبرنا عليها. اتمنى تفسيري يكون غلط و مرحب بي كل مساهماتك.

    واعتذر مقدما عن كل الاخطاء النحوية "الشنيعة" المحتملة لانى بليد جدا في النحو " وحاجات تانية" واتمنى لا محسن خالد لا فلان لا علان يجو بي هنا الا للمشاركة في الاصل

    (عدل بواسطة esam gabralla on 12-07-2007, 11:14 PM)

                  

12-07-2007, 11:13 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    محاولة للقراءة في تاريخ المصطلح و اصوله النظرية
    يرد مصطلح "الليبرالية الجديدة" باستمرار في الخطاب السياسي خاصة عند الحديث عن سياسات اقتصادية او نزعات و ميول نيوليبرالية، رغم كثافة الاستخدام الا ان الدلالات والمعانى متباينة و مختلفة ،يستخدمه البعض في ارتباطه بالمفاهيم الاصلية لمنظري الليبرالية الجديدة والبعض الاخر دون الرجوع لاصوله، مثله مثل اى مصطلح ينمو ويتبدل و يكتسب حمولات و دلالات متعددة في السياقات الاجتماعية والسياسية والفكرية التى يمر بها.
    يمكن اعتبار بدايات بروز افكار الليبرالية الجديدة قد اتت كرد فعل او محاولات اجابة على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عشرينات وثلاثينات القرن السابق وقمة الازمة الاقتصادية الطاحنة حينها. , اعتبر البعض ان ليبرالية Laisses-Faire "دعه يعمل .. دعه يمر" لم تقد لنتائج مرضية وان الدور السلبي passive نسبيا للدولة و ما ارتبط به من كوابح اضافة للمنافسة من خلال الاحتكارات و الكارتيلات قادت لابطاء النمو الاقتصادى ،هذا بجانب قيام نظام التخطيط المركزى الاشتراكى في الاتحاد السوفيتى كنموذج بديل.

    هذه العوامل فرضت ضرورة التفكير في توجه جديد لليبرالية.

    في عام 1932 ابان لقاءات ليبرايون اوروبيون لمناقشة الشروط السياسية و الاجتماعية لليبرالية الاقتصادية دعا الكساندر رستوف لاعادة النظر في اسس الليبرالية قائلا " الليبرالية التى اتبعها واتشاركها مع اصدقائي تتطلب وجود دولة قوية، دولة فوق الاقتصاد و فوق المصالح واصحابها، دولة حيث يجب ان تكون, ومع هذا الاقرار بضرورة الدولة القوية لمصلحة سياسات اقتصادية ليبرالية يجب بالمقابل الاقرار بضرورة اقتصاد ليبرالي قوى لصالح الدولة القوية، الاول يقتضي الثانى و بالعكس."
    في نفس العام نشر والتر اويكن الزعيم اللاحق لمدرسة فرايبورق مقالات عن "التغيرات الهيكلية للدولة و ازمة الراسمالية" دفعت دعوات روستوف لتصبح البداية للبحث عن توجه جديد للفكر الليبرالى.

    في عام 1938 وقبل الحرب العالمية الثانية برز مصطلح او اسم النيوليبرالية بقوة في مؤتمر عقد في باريس برعاية الناشر الامريكى والتر ليبمان شارك فيه ممثلين مختلفين من الحركة الليبرالية التى كانت تعيد ترتيب صفوفها. اجتمع اقتصادين وقاونيين و علماء اجتماع وفلاسفة،نقاط التركيز و النقاش تباينت في اعمالهم باختلاف مجالات اهتمامهم و باختلاف خلفياتهم السياسية. وضح منذ ذاك الوقت ان مصطلح الليبرالية الجديدة مضلل في بعض الاحيان لايحاءه بوجود اطار نظرى واحد يشمل كافة الافكار والطروحات داخله، هذا الاطار لم يوجد رغم ان الاسس والاهداف العامة بقيت هى ذاتها.
    تعددت وتنوعت تجمعات الليبراليين الجدد في البلدان المختلفة في انقلترا مثلتها London school of economics وابرز دعاتها ادوين كانان،في امريكا مدرسة شيكاغو او chicago boys من school of chicago ابرزهم حينها فرانك ا. نايت، في المانيا تجمعوا حول مدرسة فرايبورق Freiburg School منهم فالتر اويكن و في النمسا المدرسة النمساوية ممثليها لودفيق فون ميس و ف. ا. هايل.

    اشتركت الليبرالية الجديدة مع الليبرالية الكلاسيكية في انحيازها الكامل لنموذج السوق الحر والرفض التام لنموذج التخطيط المركزى للاقتصاد، لكنها رفضت تصور الليبرالية الكلاسيكية laisse-Faire "ان اقتصاد السوق الحر يسير بصورة طبيعية دون تدخلات او مساعدات خارجية".

    التغيير الجوهرى للغاية هنا في التنظير الليبرالى هو الدعوة لدور فعال للدولة في حماية او تنظيم نموذج السوق الحر على عكس دور الدولة السلبي في النموذج الليبرالى الكلاسيكى Laissez-faire.
                  

12-08-2007, 00:01 AM

حاتم الياس
<aحاتم الياس
تاريخ التسجيل: 08-25-2004
مجموع المشاركات: 1981

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    يجرى التضامن بين شعوب الجنوب فى عالم اليوم عبر النضال ضد القوى الكبرادورية التى أفرزتها ودعمتها الليبرالية والأطروحات الواردة أعلاه حول البديل التقدم الأجتماعى والدمقرطة والأستقلال الوطنى تجد مبرر وجودها هنا. ولاريب أن شرعية القوى الكبرادورية أضحت محل شك فى الكثير من بلدان العالم الجنوب بيد ان استجابات شعوب الجنوب للتحديات التى تواجههم من النظام الأمبريالى الجديد والليبرالية تجعل من الصعب التقدم صوب البدائل الجديدة وهى الدمقرطة والتقدم الأجتماعى والأعتماد المتبادل العادل من خلال التفاوض حول شروطه ولأسباب عديدة منها تأكل الصيغ الشعبوية الوطنية التى أتسمت بها الحقبة الماضية (الجمود....ودى من عندى) والتى بزغت من حركة التحرر الوطنى وبسبب ممارسات الأدارة السياسية الأوتقراطية-رغم الرصانة الديمقراطية-التى لاتزال سائدة فى عدد من البلدان ولأن الطبقات الشعبية المشتته تبحث عن الملاذفىالأوهام الأصولية سواء أكانت دينية أو (((((عرقية))) والتى تستغلها الطبقات الحاكمة الكمبرادورية المحلية المدعومة من الأمبريالية وبخاصة الولايات المتحدة. كل هذه تشكل أنتكاسات تحتاج الى بعد نظر وشجاعة لمكافحتها وهى تشكل عائقاً أمام بناء تضامن الشعوب ألأفراسيوية (مثل تأجيج الصراعات الأجرامية بين الهندوس والمسلمين هنا والهوتووالتوتسى هناك) أن الأزمة التى تشكل هذه الردة المجتمعية تجد تعبيرها الفج فى شخصيات محل شك مثل طالبان أو صدام حسين وبن لادن الذين أستفادوا من دعم المخابرات الأمريكية وأصبحوا العدو الأول للولايات المتحده وهم يبدون كذلك فى نظر اقسام واسعة من الرأى الشعبى...ثم يقول

    أن النضال من أجل العدالة الأجتماعية والديمقراطية ونظام دولى عادل متعدد المراكز لاينفصل عن بعضه البعض وهو ماتفهمه المؤسسة الأمريكية الحاكمة جيدا ولعل هذا يجد تفسيره فى مضيها قدماً نحو تطبيق نظامها القائم على الهيمنة باستبدال القوة المسلحة الغاشمة محل القانون فهى تدرك أن سبيلها الوحيد لفرض نظام أجتماعى نيوليبرالى غير عادل يهدد الديمقراطية أينما وجدت ويسئ أليها ويجعلها مستحيلة .

    سمير أمين فى مقاله الحركات الأجتماعية فى مواجهة أمبريالية العولمة
                  

12-08-2007, 05:55 AM

HAYDER GASIM
<aHAYDER GASIM
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 11868

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: حاتم الياس)

    بسسسسسم الله ... ما صدقت إنو البوست ده لسع حي,
    من شدة كسل عصام ورغم إشتداد لياقة الموضوع, لكنهم
    يأتون ... كما صلاح الإمام وحاتم ألياس ... وربما
    آخرين على الطريق ... إذن ففي الإمكان إستمرار هذا
    الحوار ... ولا أخفي عليك يا عصام أن مخاوفي الأولي
    حول إستعطاف شيوعي مزمع ... قد تقهقرت ... ليحل محلها
    الرغبة فى نقاش هادئ وليس بالضرورة وصله آيدلوجيا ولا
    بتره سياسيا ... فما بينها تسير الحياة وهي آخذة فى
    غضون التفاصيل أكثر من الثوابت ... لهذا ما أزال أعتقد
    فى سلامة محدث أفكاري حول { تفكيك } الثوابت وإعادة
    إرتصاصها بما يتواضع إلى خدمة الفرد والمجتمع ... وإلا
    فسوف تظل { كوابح } وربما تضمحل حتى قيمها الإنسانية
    الرفيعة ما كانت .

    فشكرا عزيزي عصام ... وإن تأخر ردي ... لكن ... عسى أن
    يصلح مردودي.

    وللأخ صلاح إمام ... التحية, فمن مستحقاته الطلاقة ... وهو
    بهذا يحسن المدخل والتوجه والمنتهى ... وبمناسبة عيديد
    الذي أتي فى الذكر ... فهناك { نكتة } صومالية تقول
    بحكاية إختفائه وفشل الأمريكان فى القبض عليه, فراحوا يسألون
    الناس فى الأسواق ... وربما إختاروا بعناية من يمكن أن يتفاهم
    معهم بلغتهم الإنجليزية ... فكان سؤال المارينز المتكرر على
    كل الوجوه المحتملة { did you see Aidid } ... وفيما كانت
    الإجابة المتكررة كذلك وعلى سبيل التريقة
    { may be I did , may be I didn't }

    أخيرا ... يا عصام ... عندك موضوع { أهم } من ده ؟ ول ترفعوا
    لينا من قسطل الإرشيف ؟

    مع مودتي
                  

12-10-2007, 11:19 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    سلام تانى

    هلا هلا

    بلاى صلاح الامام ده هو تمساح!!!!!

    اسمع انا مزاجى مقلبن بسبب بوست الشتايم اياه, الونسة معاك وفي نصها حيدر دايره مزاج احسن, يعنى الحكى عن thinking and rethinkg بتاعك انت من البرلم (قبل احداث العنف و بعدها) داير رواقة ...

    حيدر حظك جنبك صلاح ده.... بقتلك كلام و رترتة و براءة

    وكمان حاتم!!!

    سمير امين في نص قرايتى للكتابة دى لقيت ليهو كلام سمح عن الدائر الان ..

    لو عندك زيادة نزل

    Quote: أخيرا ... يا عصام ... عندك موضوع { أهم } من ده ؟ ول ترفعوا
    لينا من قسطل الإرشيف ؟


    يا حيدر ياتو موضوع? كتار البديتم و اتنسن, مشكلة الطباعة دى لو اتحلت انجضكم نجاض ... زى ما قال الكورنجي الشوات لكن بليد "ودى حالتا بي كراع واحدة"

    سلام
                  

12-10-2007, 11:24 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    سؤال العدالة:

    مناسب هنا الاقتباس من نوربرت بلوم Norbert Blüm , عضو قيادى و قديم في الحزب الديمقراطى المسيحى الالمانى ـ حزب انجيلا ميركل , عضو البوندستاق البرلمان الالمانى منذ 1972 حتى 2002 ، تراس كتلة حزبه لفترة و تولى وزارة العمل والنظام الاجتماعى في الفترة 1982 ـ 1998. التعريف ضرورى لتوضيح ان نقد الليبرالية الجديدة صار ياتى من قلب التيار الليبرالى "الكلاسيكي" و لم يعد حصرا على اليسار او الماركسيين والخضر و حركات مناهضة العولمة.
    بلوم اصدر كتاب بعنوان
    Gerechtigkeit : eine Kritik des Homo oeconomicus
    محاولة ترجمة: العدالة: نقد الكائن الاقتصادى, ربما نتعرض للكتاب مرة اخرى، لكن في سياق حديثه عن العدالة قدم بلوم صورة بالارقام عن الوضع القائم الان في العالم و ما سيكون عليه في ظل هيمنة و تسيد الليبرالية الجديدة .


    ترجمة ليست حرفية
    "حقائق عارية:
    الارقام لا تفسر العالم لكنها تغنى عن الكلام الكثير. قائمة المليارديرات التى تنشرهاسنويا مجلة فوربس الاقتصادية زادت طولا في عام2006 ايضا. 102 اسم جديد اضيفت للقائمة. 793 ملياردير في العالم مقابل 3 مليار انسان يعيشون باقل من 2 دولار في اليوم، منهم مليار باقل من دولار في اليوم.
    اغنى 28 دولة في العالم بعدد سكان 1,2 مليار نسمة يملكن مجتمعات 26,8 بليون صافي انتاج وطنى، مقابل 4,8 بليون دولار لافقر الدول يتقاسمه 5,476 مليار نسمة.
    متوسط الدخل اليومى للبعض يبلغ 60,90 دولار للبعض الاخر 2,40، حتى هنا (يعنى المانيا) تزداد الهوة بين الفقراء والاغنياء. عدد المليونيرات لم يرتفع بشدة مثل السنوات الاخيرة، 1970 كان هناك 217000 مليونير، اليوم 1,5 مليون مليونير.
    اغنى 385 اسرة تمتلك نصف ثروة العالم. اكبر 500 شركة خاصة تسيطر على 52% من الناتج الاجتماعى العالمى، هذه ال 500 شركة اغنى من 133 افقر دولة في العالم. بين 1980 و 1995 ارتفعت الثروة الكاملة لاكبر 100 شركة ترانساناشونال حوالى 700%.

    بين عامى 2003و 2005تضاعفت ثروة المليارديرات بنسبة 57% . فرق الدخل بين الدول الغنية والفقيرة يزداد اتساعا, عام 1820 كانت النسبة 3:1 , 1950 35:1 , 1992 72:1 . في 98 دولة الدخل اقل مما كان عليه قبل 10 اعوام, في افريقيا اقل بنسبة 20% مما كان عليه قبل 25 عام.
    مليار نسمة ليس لديهم ماء نظيف, 600 مليون لا يعيشون في مناطقهم الاصلية وانما لاجئين او نازحين. 30 الف يموتون يوميا بسبب الجوع او العطش. 8 الاف طفل يموتون يوميا بسبب امراض من الممكن تحصينهم ضدها.
    250 مليون طفل مجبرون على العمل (عمالة رخيصة) وفي نفس بلدانهم ومناطقهم يوجد 900 بالغ بدون عمل.

    البعض يموت جوعا و البعض الاخر يمرض بسبب التخمة و زيادة الوزن,وحدها تكلفة تصنيع الايسكريم و ادوات التجميل (8 مليار دولار في امريكا و 11 مليار دولار في اوروبا) كافية لتوفير التعليم الاساسي و مياه نظيفة لمليارى انسان."


    هذه ملامح من صورة عالمنا كما رصدها الوزير المسيحى/الديمقراطى بلوم وليس احد منسوبي اليسار بكل الوانه.

    بهذه المفارقات المذهلة من المؤكد ان ثمة خطا (اخطاء) كبيرة حدثت ولا زالت تحدث.
    - ما الاسباب
    - ما هي صلة هذا بالليبرالية الجديدة
    - ما هو وضع مركز العالم وهامشه, و هامش المركز , مركز الهامش و هامش الهامش
    - ما هى العلاقة مع الصعود المتزامن للتيارات المحافظة واليمينية الدينية والعنصرية مع صعود الليبرالية الجديدة
    - نقد نقد الليبرالية الجديدة.
                  

12-11-2007, 09:59 PM

حاتم الياس
<aحاتم الياس
تاريخ التسجيل: 08-25-2004
مجموع المشاركات: 1981

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    الليبرالية العربية بين المراجعة التاريخية والروح الأنقلابية
    لطفى حاتم (باحث فى العلاقات الدولية)



    في نبرة صاخبة يسعى العديد من الليبراليين الجدد مراجعة تاريخ حركة التحرر الوطني العربية لا بهدف تلقيح عناصرها الإيجابية بأفق تطور الشعوب العربية بل بإلغاء تلك الحقبة التاريخية ونزع جذورها الاقتصادية/ الاجتماعية وعلاقتها بروح المرحلة الكولونيالية التي وسمت حركة رأس المال التوسعية في طورها الاستعماري.
    على أساس ذلك الفصل يقوم العديد من الكتاب والصحفيين بمراجعة شاملة لطبيعة الدولة الوطنية والتيارات السياسية / القومية / اليسارية / الإسلامية المرافقة لها . وبغض النظر عن طبيعة المنهج الفكري المعتمد في دراسة التاريخ يبقى حق النقد حقاً شرعياً لكل الباحثين الراغبين في دراسة تاريخ حركة التحرر الوطني العربية شريطة اعتماد معايير الدراسة الموضوعية التي من شأنها إضاءة طريق المستقبل المحفوف بالمخاطر والصعاب .
    أسوق هذه المقدمة لمناقشة المضامين الفكرية لتيار ناهض في الحركة الفكرية / السياسية العربية أصطلح على تسميته بتيار الليبرالية العربية حيث تدور على ضفافه سجالات ساخنة مرحبة وناقدة لمنطلقاته الفكرية ورؤاه السياسية.
    مساهمة في هذا الحوار الهادف أحاول بموضوعات مكثفة الإشارة الى المداخل التالية : ـ
    أولاً : ـ لمحة سريعة عن التيار الليبرالي التاريخي .( 1)
    ثانياً : ـ الظروف التاريخية لنشأة الليبرالية الجديدة . ( 2 )
    ثالثاً : ـ مواقع الليبرالية الجديدة في البنية السياسية العربية ورؤاها الفكرية .

    * ـ ليس مهمة هذا البحث الخوض في تاريخ تشكل التيار الليبرالي ودوره حيث يتطلب الأمر بحثاً تاريخياً مفصلاً لهذا أحاول المرور ببعض المحطات الكبرى التي اشترطت نشوء هذا التيار وطبيعة حوامله الاجتماعية .
    بداية نشير إلا أن ظهور تيار الليبرالية التاريخي لا يمكن عزله عن مراحل نشوء وتطور الدولة الوطنية . بكلام آخر أن نجاحات التيار الليبرالي وهزائمه ارتبطت عضوياً بنمو وتطور الدولة الوطنية. وفي هذا المسار فان التيار الليبرالي التاريخي ومنذ تشكل الدولة الوطنية خاض كفاحاً وطنياً من أجل الاستقلال والهيمنة السياسية مستنداً على قاعدة اجتماعية ممثلة بالبرجوازية الوطنية الناشئة والمدافعة عن مصالح بلادها الوطنية .
    لقد جهدت القوى الطبقية المناهضة لحركة رأس المال ونزعاته الاستعمارية الربط بين مفهومي الوطنية والديمقراطية حيث حاولت البرجوازية الفتية بهذا الربط إكساب شرعية وطنية لمطالباتها السياسية المناهضة للاحتلال وصيغ الانتداب والوصاية الخارجية.
    إن عناوين الكفاح الوطني الذي خاضه تيار الليبرالية التاريخي شكل عتبة ضرورية لتطوير مضامينه الفكرية / السياسية اللاحقة والذي تمخضت بإرساء دعائم المؤسسات الديمقراطية رغم هشاشتها في بناء مؤسسات الدولة الوطنية. وهنا لابد من الإشارة الى ان التطور ( الديمقراطي ) الذي قاده التيار الليبرالي التاريخي جاء ثمرة لتزاوج النزعة الوطنية ورغبة قوى الاحتلال بإشاعة الاستقرار السياسي على أساس الديمقراطية البرلمانية الضامنة لمراقبة مسار الصراعات الوطنية مع المصالح الكولونيالية .
    هذه السمات شكلت المضمون الحقيقي للمرحلة الأولى من تطور الدولة الوطنية المترابطة مع قواها الاجتماعية الفاعلة والمتمثلة بفئات البرجوازية الوطنية وسياستها التوافقية .

    ** ـ شهدت مرحلة التحرر الوطني العربية ظهور الدولة الوطنية متلازمة مع انحسار فعالية التيار الليبرالي التاريخي بسبب كثرة من العوامل أهمها هيمنة ( دولة ) حركة التحرر على الفعاليات الاقتصادية الذي أفضى بدوره الى نتيجتين هامتين أولاهما تقلص مواقع البرجوازية الوطنية في الحياة الاقتصادية الأمر الذي أفضى الى ضعف فعاليتها السياسية . وثانيتهما انتشار وتعزز مكانة الطبقة الوسطى الحاملة للأفكار الراديكالية القومية منها واليسارية الرافضة للشرعية الديمقراطية والداعية الى قيادة الحزب الواحد .
    إن اللوحة المشار إليها لم تقتصر على دول ( الشرعية الانقلابية ) بل شملت الدول المحافظة والتي لعبت سلطة الدولة فيها أدواراً مقررة في التوجهات الاقتصادية الأمر الذي لم يسمح بتنامي فعالية طبقة برجوازية متجانسة تسعى الى الهيمنة السياسية . بكلام آخر ان شرائح البرجوازية الجديدة استمدت شرعيتها السياسية من ولاءها لمراكز السلطة السياسية المناهضة لخيار التطور الاجتماعي المستقل الأمر الذي أعاق سعيها الى بناء تيار ديمقراطي عامل على تحديث الحياة السياسية على أساس الشرعية الديمقراطية .

    *** ـ أدى انهيار خيار ازدواجية التطور الاجتماعي وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية دولياً الى انتقال العالم لطور جديد من التوسع الرأسمالي اتسم بظهور التشكيلة الرأسمالية العالمية ووحدانية القوة العسكرية الأمريكية وما رافقها من تبدلات جوهرية في طبيعة العلاقات الدولية تجسدت في جملة من المؤشرات تتصدرها: ـ
    ـ تزايد حدة التشابكات الاقتصادية / السياسية بين مستويات التشكيلة الرأسمالية المعولمة الأمر الذي أدى الى تعمق الاعتماد المتبادل بين المراكز الرأسمالية القائدة والدول الوطنية التابعة.
    ـ نقل الصراعات الاجتماعية في الدول الوطنية التابعة من محيطها الداخلي الى مستوى السياسية الدولية وما حمله ذلك من تفكك مبدأ السيادة الوطنية .
    ـ سعي المراكز الرأسمالية الى بناء التكتلات الاقتصادية الإقليمية التابعة بهدف تحقيق التفوق الاقتصادي في صراع المنافسة بين التكتلات الاقتصادية الدولية.
    ـ وحدانية التحالف الأطلسي واستخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية ضد الدول الراغبة في بناء خيارها الوطني بعيداً عن الهيمنة الأمريكية .
    إزاء التحولات الكبرى في السياسة الدولية نواجه بالأسئلة التالية : أين تكمن قوة الليبرالية الجديدة ؟ . وما هي برامجها السياسية وحواضنها الاجتماعية ؟ .

    **** ـ من المعروف أن تيار الليبرالية الجديدة نما وتطور في ظل قوانين الاستقطاب والتطور المتناقض بين مستويات التشكيلة الرأسمالية المعولمة وما أفرزه ذلك من تهميش الدول الوطنية وانهيار فعاليتها الاقتصادية.بكلام آخر ان تبلور الليبرالية الجديدة جاء في ظل تغيرات البنية الاقتصادية / الاجتماعية للدولة الوطنية التي تجسدت في تراجع وظيفتها الاقتصادية / الخدمية بعد تفكك قطاعها الاقتصادي متزامناً مع تلاحم الطواقم البيروقراطية الحاكمة والبرجوازية المالية/ التجارية العاملة على تطوير تحالفها مع الشركات الاحتكارية.
    إن تغيرات البنية الطبقية للدولة الوطنية وتكيف الأنظمة العربية لمضامينها تأتي استجابة موضوعية لقوانين العولمة الرأسمالية وشعاراتها السياسية ـ الديمقراطية ، حقوق الإنسان , التدخل الإنساني ، تفكك مبدأ السيادة الوطنية ...الخ ـ والتي غدت ـ الشعارات ـ حوامل فكرية لحركة رأس المال التوسعية وأنشطته الرامية الى اعادة صياغة السياسية الدولية انسجاماً ومصالح تكتلاته الاقتصادية.
    ان تأشير التغيرات الدولية /الوطنية الحاضنة لتوجهات الليبرالية الجديدة في المنطقة العربية تدفعنا الى تحديد بعض القضايا التي شكلت أرضية سياسية لتطور الليبرالية الجديدة وذلك لإضفاء طابعاً ملموساً على رؤيتنا النقدية .

    ***** ـ يأتي تطور الرؤية السياسية لمثقفي الليبرالية الجديدة على أنقاض فشل الدولة الوطنية بنماذجها الانقلابية والمحافظة والإسلامية في بناء مصالحة تاريخية بينها وبين مكوناتها الاجتماعية الأمر الذي أدى الى تجذر نزعتها الإرهابية ضد معارضتها السياسية .
    إن عجز الدولة الوطنية في بناء سلطة الشرعية الوطنية تلازم وهزائم فكرية تعرضت لها التيارات القومية واليسارية انطلاقاً من إخفاقها في طرح نماذج ديمقراطية للحكم تشكل المواطنة وحقوقها العتبة الأولى لبناء الدولة الدستورية وأطرها القانونية وما نتج عن ذلك من ظهور التيارات الإصولية الإسلامية كردة فعل ممسوخة عن تلك الانهيارات التاريخية الكبرى .
    على أساس تلك الإخفاقات حاولت الليبرالية الجديدة بناء رؤية سياسية اعتماداً على ركيزتين أحداهما إعلان براءتها من الدولة الوطنية المتخمة بالإرهاب والصراعات السياسية.وثانيهما استعارة شعارات العولمة الرأسمالية المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان بهدف إضفاء شرعية وطنية / دولية على حركتها السياسية.
    أن تأشير بعض الموضوعات الفكرية / السياسية لتيار الليبرالية الجديدة يقودنا الى أسئلة أساسية أهمها:
    ما هي الخلفية الفكرية / السياسية لتيار الليبرالية الجديدة ؟ . وما هي طبيعة القوى الاجتماعية القادرة على تحقيق برامجها السياسية ؟ .
    قبل التقرب من مضامين الأسئلة المثارة لابد من إيراد بعض الدالات الفكرية الهادفة الى تحديد المواقع الحقيقية لتيار الليبرالية الجديدة في المنظومة السياسية للدولة الوطنية .
    أولاً : ـ يشكل الوسط اليساري والقومي الخلفية الفكرية السابقة للكثير من الليبراليين الجدد . بمعنى أن الكثير من الليبراليين اعتمدوا أيديولوجيات مناهضة للتعددية السياسية في نشاطهم السياسي السابق وبالتالي فان انتقالهم الى مواقع الليبرالية جاء نتيجة خيبة أمل مريرة أفرزها فشل الرؤية الاحتكارية للحياة السياسية .
    لإضفاء شرعية على هذه الموضوعة نشير الى أن الكثير من رموز تيار الليبرالية الجديدة تعتمد رؤى سياسية مستمدة من الماضي مغلفة بصيغة (ديمقراطية ) منها: ـ
    أ : ـ بسبب ترابط مستويات التشكيلة الرأسمالية المعولمة وانحسار فعالية التناقضات الاجتماعية في الدول الوطنية تدعو القوى الراديكالية في الليبرالية العربية الى استيراد ( الثورة ) الديمقراطية حيث يرى العديد من الكتاب والباحثين في الروح العسكرية الأمريكية الهادفة الى نشر الديمقراطية روح ضرورية لإنهاء الاستبداد الداخلي وتطوير المجتمعات العربية .
    ان اعتماد العنف والنزعة الانقلابية الخارجية يشكلان في نهاية المطاف رؤية ( ثورية ) في استيلاد الديمقراطية التي تعرض بدورها التشكيلات الوطنية الى خطر التفكك والانزلاق الى دوامة الصراعات العرقية/ الطائفية .
    ب : ـ يتطابق الترويج لعلوية الخيار الخارجي واعتماده في بناء الأنظمة الديمقراطية في اتجاهاته العامة مع موضوعة حرق المراحل المستمدة من فكرة التطور اللارأسمالي المرتكزة على تحالف قوى الثورة مع الدول الاشتراكية بهدف تجاوز المرحلة الرأسمالية بغض النظر عن مستوى تطور التشكيلات الوطنية وطبيعة قواها المنتجة .
    ج : ـ تنطلق رؤية الليبرالية العربية من وجود نظام ديمقراطي بحماية أمريكية يشكل مركزاً مشعاً لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية .وعلى الرغم من أهمية المركز الديمقراطي إلا أن رفض الإصلاحات التدريجية المنبثقة من الحاجات الفعلية للتشكيلات العربية , واعتماد المساعدة العسكرية الخارجية , تتطابق في جوهرها وموضوعة (الثورة الدائمة ) التروتسكية التي يتبناها غلاة المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية
    ثانياً : ـ يتشكل الوسط الاجتماعي لليبراليين العرب من الطبقات الوسطى وخاصة شرائحها العاملة في الوسط الإعلامي / السياسي وفئات التكنوقراط المندمجة في الشركات الوطنية والفعاليات الاقتصادية / الخدمية الخارجية الأمر الذي يعني اعتماد سايكلوجية تنطلق من المشاعر الإنسانية المطالبة في إحداث تغيرات جوهرية على بنية التشكيلات الوطنية بعيداً عن طبيعة متناقضات صيرورتها الداخلية .
    ثالثاً: ـ أفضت عولمة رأس المال وازدهار شرائح البرجوازية المالية / الكمبورادورية الى انسلاخ الليبرالية العربية عن قاعدتها الاجتماعية التاريخية المتمثلة بالبرجوازية الوطنية وانحيازها الى القوى الاقتصادية الجديدة المتحالفة مع الاحتكارات الدولية .
    أن الدالات المشار تؤكد على ان تيار الليبرالية العربية يفتقد المرجعية الوطنية المنبثقة من السمات الحقيقية لتشكيلة الدولة الوطنية وبهذا تتساوى نزعتها التجديدية والتيارين الأساسيين القومي / اليساري في حركة التحرر الوطني العربية في اعتمادهما على منظومات فكرية اشترطتها حركة رأس المال التاريخية .
    رابعاً: ـ إن ارتباط ليبرالي الدولة الوطنية بشعارات رأس المال المعولم يجد تعبيره في فك الروابط الموضوعية بين الديمقراطية السياسية والمسالة الوطنية من خلال تغييب موازنة المصالح الوطنية / الدولية من ناحية، والنظر الى الديمقراطية بمعزل عن التشكيلة الوطنية، وتطور مكوناتها الطبقية من ناحية أخرى.
    خامساً: ـ ينطلق تيار الليبرالية العربية من مراجعة عدمية لتاريخ التشكيلات الوطنية وذلك استناداً الى موضوعات عدة منها: ـ
    أ : ـ تنظيرها (لوحدة ) افتراضية بين تاريخ الأنظمة العربية وكفاح شعوبها انطلاقاً من قاعدة سايكلوجية تزعم تلازم العنف والعقلية العربية . بمعنى النظر الى التاريخ العربي من زاوية سايكلوجية تبتعد عن الدراسة التاريخية لأسباب تجذر العنف وبواعثه الداخلية/ الخارجية .
    ب : ـ تركيزها على الأشكال الأولية من الديمقراطية السياسية التي اعتمدتها القوى الكولونيالية واعتبارها المرحلة الذهبية في تاريخ البلدان العربية .
    ج : ـ تبشيرها بسلبية الشعوب العربية وانتهاء فعالية التناقضات الوطنية من خلال الدعوة الى إلغاء تاريخ الحركات الاجتماعية/ السياسية وكفاحها الوطني الهادف الى التحرر والحياة الإنسانية الكريمة.
    د : ـ محاكمتها الماضي بروح تفتقر الشروط الضرورية الهادفة الى بناء مستقبل تتلاقح فيه الإنجازات التاريخية لكفاح شعوبنا العربية مع تنشيط الكفاح الهادف الى بناء الدولة الوطنية الديمقراطية .

    خلاصة القول أن تيار الليبرالية العربية هو ردة فعل على إخفاقات الدولة الوطنية بعد تحولها الى مؤسسة قمعية مناهضة للديمقراطية وحقوق المواطن وبذات الوقت ردة فعل غاضبة عن انتشار التيارات الأصولية وأساليبها العنفية ولكنها ـ ردة الفعل ـ هذه تفتقر الى تشخيص البواعث التاريخية المحركة/ الكابحة لتطور التشكيلات العربية ونشاط قواها السياسية وذلك بسبب استعارتها لأيديولوجية رأس المال الهادفة الى تكريس الاختلالات الوطنية / الدولية .

    الهوامش

    1: ـ نعني بموضوعة التيار الليبرالي التاريخي هي تلك الحركة الفكرية / الإصلاحية التي تبنتها النخب المثقفة في التشكيلات العربية في بداية القرن المنصرم والتي تطورت لاحقاً الى أحزاب سياسية تتلخص مضامين برامجها السياسية في الديمقراطية والاستقلال والسيادة الوطنية .
    2 : ـ منعاً لأي التباس نقول أن تيار الليبرالية الجديدة تيار فكري واسع تمتد قواه الى أحزاب سياسية و تجمعات مهنية ومؤسسات بحثية وشخصيات فكرية وتتمايز رؤى عناصره الفكرية / السياسية لذا فإننا نركز في معالجتنا الفكرية على بعض فصائله الراديكالية التي تعتمد التغيير الديمقراطي على ( الانقلابات ) الخارجية وتسعى الى ربط مصير الدولة الوطنية بتوجهات المراكز الرأسمالية .



    تحياتى عصام الموضوع من موقع الحوار المتمدن أيضاً..وبعدين يأخى شايفك أندهشته لدخلتى ..انا أحب جداً كتاباتك... فى أى مكان كتبت..

    ياريت لو دخلنا على السودان..الأيام دى ماركسسيين لمن جلاليبنا مقصره زى أنصار السنة..ولنا أرتباط عظيم بمنهجها حيث لامخرج لنا فى العالم الثالث اٍلا بوضعها فى درب الخروج بالنسبة لى وبالضرورة..ماركسية+ أفق قومى ..يضمن لمشروع التحرر الوطنى صيغته التحالفية الواسعة ضمن فضاء متشابه فى الأحتياجات وفى أدوات القهر الأيدلوجى التى يعانى منها..

    تحياتى
                  

12-11-2007, 10:13 PM

حاتم الياس
<aحاتم الياس
تاريخ التسجيل: 08-25-2004
مجموع المشاركات: 1981

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: حاتم الياس)

    الليبراليون الجدد.. في ناحية اليسار

    رياض صوما

    2004/11/13





    شهد عقد الثمانينات من القرن الماضي، صعود التيار اليميني المتطرف الذي قاده الثنائي تاتشر ريغان. انتقلت قيادة هذا التيار لاحقا الى الليكوديين والمحافظين الجدد. ترافق ذلك الصعود بتحولات موازية، طالت العديد من المساحات السياسية على النطاق العالمي، شرقا وغربا وجنوبا. كانت أشبه بعدوى تغزو أجسادا مصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة. افتتحت مرحلة جديدة نوعية على الصعيد العالمي، ما تزال مستمرة حتى الآن. أشارت تلك التحولات الى استنفاد التيارات الاجتماعية الفكرية السياسية التقدمية الثلاثة التي قادت المواجهة ضد الرأسمالية الغربية طوال القرن العشرين، اي: الحركة الشيوعية والحركة الاشتراكية وحركة التحرر الوطني، لزخمها التاريخي، وسبقت تداعيها الوشيك. بعض تلك التحولات تم بصورة تلقائية، وإلى حد ما طبيعية، ولأسباب مستقلة عن نهج الثنائي المذكور. ولكن بعضها الآخر جرى ويجري بصورة واعية ومنظمة، استهدفت ترسيخ الوقائع والتوازنات الجديدة، وإدامة النكسة التي اصيبت بها الحركات التقدمية المذكورة، الى أطول فترة ممكنة. لم تدع الاتجاهات اليمينية والمحافظة في الغرب وبقية العالم، تلك الفرصة التاريخية تفلت من يدها، فبادرت للاستفادة القصوى منها، على كل الاصعدة: الاجتماعية والفكرية والسياسية. فانطلق سيل من الافكار الجديدة، التي نالت اهتماما استثنائيا من قبل المنابر الفكرية والسياسية، ومن قبل وسائل الاعلام، وسلطت عليها الاضواء، من اجل نشرها وتعميمها وتحويلها الى ثقافة سائدة. ومنها مقولات النهايات: <<نهاية الايديولوجيات>> و<<نهاية الفن>> و<<نهاية الثورات>> و<<نهاية التاريخ>> و<<نهاية المثقفين>>... وكذلك النظريات المستوحاة من الداروينية الاجتماعية.كما عم الاستخدام المغرض والمراوغ لخطاب الديموقراطية وحقوق الانسان، وحصلت الاستفاقة المفاجئة للافكار والدعوات الظلامية والعنصرية والقومية المتطرفة والإثنية، والدينية، الخ... وكأن روحا حرك كل القوى الرجعية في العالم، ودفعها للانتقام من كل من وما هدد مواقعها وأساطيرها وقيمها خلال مرحلة الصعود الثوري السابق. وهي لم تتوقف حتى اللحظة.
    وسارت اكثرية القوى القومية والتحررية في دول العالم الثالث، في منحى مشابه. سقط منها من سقط تحت ضغط الهجوم الاميركي، واستسلم من استسلم، وبقيت انظمة قليلة تقاوم بما لديها من قوى ذاتية، مفتقدة لأي دعم دولي حقيقي.
    لم تنجُ التيارات الأكثر جذرية، اليسارية والشيوعية، بدورها، من هذا الميل نحو اليمين.
    الانتقال نحو اليمين
    فشهدت دول الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية، ودول العالم الثالث، وما تزال، انتقالا فرديا او جماعيا، من تلك التيارات اليسارية الحاكمة منها او المعارضة، من موقع المواجهة مع القوى الرجعية، او الحليفة للاميركيين، الى موقع الاستكانة والمهادنة او التعاون. ولعل أقربها الينا جغرافيا، ما جرى بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي، ومنظمة مجاهدي خلق الايرانية، ويجري حاليا داخل حزب العمال الكردستاني والحزب الشيوعي السوداني، واليسار اللبناني. لم تفتقد حالات الاستسلام هذه، سواء الصريحة منها او المقنعة، الى المبررات والشعارات المناسبة. فقد جرت وتجري، تارة، تحت عناوين التخلص من رواسب الماضي و<<الإصلاح>>، وطورا، تحت <<فهم>> الوقائع الجديدة، و<<التكيف>> مع المتغيرات، ومجاراة روح العصر، الخ... وسلسلة <<التائبين>> تطول يوما بعد يوم، مع استمرار هجوم المحافظين الجدد على النطاق العالمي. أدت هذه التطورات الى ولادة ما يمكن تسميته: <<جبهة يمينية معولمة>>. يتولى قيادتها راهنا، جناحها الاكثر يمينية وتطرفا المتمثل بالمحافظين الجدد، ويصطف الى جانبه القسم الاكبر من القوى اليمينية التقليدية، ويواكبهما او يتقاطع معهما، الجناح الأيسر المشار اليه، والذي تناسب اعضاءه تسمية: <<الليبيراليين الجدد>>. اولا، لأنهم انتقلوا بسرعة مذهلة، من الممارسات البيروقراطية والاستبدادية الى التبشير الحماسي بالمفاهيم والقيم الغربية، وثانيا، لأنهم باتوا يشكلون عمليا الجناح الموازي للمحافظين الجدد. لم يلقَ هذا الجناح بعد، ولم تلقَ ظاهرته، ما تستحق من تحليل ودراسة: اسبابها الاجتماعية والفكرية والسياسية، ملابساتها التاريخية، موقعها الراهن في الطيف السياسي، دورها الراهن والقادم، في الصراع السياسي العام، وضمن المخطط الرأسمالي العالمي والغربي الخ...؟
    الحرص على الديموقراطية
    يبالغ الليبيراليون الجدد في تكرار حرصهم الشديد على الديموقراطية. والمقصود طبعا، الديموقراطية البرجوازية الغربية. وهم متفقون حولها مع القوى اليمينية التقليدية، التي لا تقبل بصيغة اخرى. كما يبالغون في دورها التاريخي الى حد جعلها اهم سبب في تقدم الغرب، والى اعتبار غيابها سببا لتخلف باقي دول العالم. علما بأن ذلك يخالف الحقائق التاريخية، حيث ان النهضة الاوروبية جرت بظل انظمة استبدادية، ورافقتها اعنف الحروب الاهلية والدولية، وأن دولا اخرى في العالم شهدت تطورا لافتا دون اعتماد الصيغة الديموقراطية الغربية. واللافت ان اكثرية الليبيراليين الجدد، تحرص على ربط العداء للديموقراطية حصرا، بقيادات اشتراكية او وطنية، من ستالين، الى ماو، الى كاسترو، الى جمال عبد الناصر، الخ... وكأن تاريخ الرأسمالية والغرب وحلفائه، لم يعرف ديكتاتورا واحدا يجدر الاستشهاد به. انه الاختزال المتسرع والمغرض لكل تعقيدات المسار التاريخي. بالطبع، ليس هدفنا من هذا القول، التقليل من أهمية النضال من اجل الديموقراطية، ولكن اعتراضنا ينصب على التبسيط والتحيز في طرح هذه القضية، سواء من قبل اليمينيين التقليديين او من قبل الليبيراليين الجدد. اضافة لاعتراضنا على غياب ربطها بالأبعاد الاجتماعية والتاريخية والايديولوجية والاستراتيجية، وتقديمها كحل سحري لمأزق التبعية والتخلف. وأخيرا لأنها تستخدم راهنا بشكل صريح او ضمني، لتبرير جرائم الاميركيين والصهاينة وحلفائهم. لا شك بأن هذا الاستلاب المفرط لليبيراليين الجدد، حيال التجربة الديموقراطية الغربية التي لا تتعدى في التحليل الاخير، نمطا من انماط ادارة منافسات اجنحة البرجوازية المهيمنة تحت سقف البرنامج ذاته، اضافة لميلهم، الى عدم التمييز بين شروط وأولويات النضال الديموقراطي في الغرب، وشروطه واولوياته في الدول المتخلفة والنامية، يجعلهم عاجزين عن دفع العملية الديموقراطية في بلدانهم بغض النظر عن النوايا. يحرص افراد التيار الليبرالي الجديد، تأكيدا لموضوعيتهم ومرونتهم وانفتاحهم الفكري، على تكرار نسبية الحقيقة والقوانين والمعرفة. المقصود ضمنا، الحقيقة الماركسية والقوانين الاجتماعية. ولكن المشكلة الحقيقية ليست هنا، بل في سعيهم، استنادا الى هذه المقدمة، لتمييع الحدود الفاصلة بين الفكر السائد ونقيضه. حيث يذهب بعضهم، الى حد التساؤل: حول معنى اليسار واليمين، في عالمنا المعاصر؟ وحول جدوى الصراع الاجتماعي، ووجوده اصلا؟ وحول ضرورات الصراع ضد السيطرة الاستعمارية، الخ...؟ وحول الفائدة من خوض الصراع الايديولوجي ضد الرأسمالية المعاصرة؟ وكل ذلك ليس طرحا ساذجا بالطبع، خاصة عندما يطرحه ماركسيون سابقون. فهو الطريق الأنسب لتسهيل انتقالهم، من ضفة الى اخرى، وذلك عبر تقصير المسافة بينهما.
    يذهب بعضهم، وخاصة في منطقتنا، ليس الى حد غض النظر عن مشاريع الأطلسي الاحتلالية، من البلقان الى افغانستان. بل الى حد اعتبارها، شرطا من شروط تقدمها، انطلاقا من ضرورات تكامل العوامل الخارجية والداخلية، لادخالها <<العصر الديموقراطي>>. واكثر من ذلك، لا يتردد هذا البعض بتشبيه دور الحلف الاطلسي بالدور الثوري السابق للاتحاد السوفياتي. فيدعو الى الانخراط <<بالعمليات السياسية>> التي يديرها في العراق، وأفغانستان، وفلسطين، والسودان، ولبنان، وغيرها، ولا يتردد بوصف جميع المقاومين للوجود الاطلسي العسكري، بالارهابيين.
    من جهة اخرى، لا يخفي أعضاء التيار المذكور نظرتهم السلبية المكتومة او المعلنة لعادات المنطقة وثقافتها وطموحاتها وأحلامها، وبصورة تفوق سلبيتها احيانا ما تحمله نظرة الغربيين. بموازاة ذلك، يكشفون شعورهم بالدونية تجاه هؤلاء، فتراهم متحمسين، لتبني أفكارهم ومشاريعهم، حتى لو كانت تستهدف حقوقنا ومصالحنا مباشرة. أما الاكثر <<تسييسا>> منهم، فيعبرون عن ذلك بأشكال <<مؤدلجة>>، تكرر الحديث عن فشل الافكار القومية والمشاريع الوحدوية في المنطقة، للاستنتاج باستحالة نجاح مجتمعاتنا في بناء وحدة اقليمية مستقلة عن الهيمنة الغربية. دامجين بذلك، بصورة تعسفية، بين جوهر المشاريع اليها، وبين بعض الذين وصلوا الى السلطة باسمها. في ذات السياق، شاع شعار الانغلاق والتقوقع، تحت ضغط الاملاءات الاميركية والاسرائيلية: العراق اولا، مصر اولا، الاردن اولا، لبنان اولا، الخ... (هل يمكن وضع حماسة بعض السياديين خارج هذا السياق؟).
    وأخيرا وليس آخرا، يلاحظ فتور الليبراليين الجدد، حيال اي مسعى لتجاوز الخلافات بين القوى الرافضة للهيمنة الاميركية، او حيال اي جهد لتطوير التنسيق بين القوى الاستقلالية والوحدوية في المنطقة، في الوقت الذي تراهم فيه، شديدي الحماس للتعاون مع القوى الانفصالية، او الحاملة لمشاريع عصبوية ضيقة، وجلها من المراهنين علنا او سرا على المشاريع الاطلسية. ويبرر الليبراليون موقفهم ذلك، بلا ديموقراطية القوى الوحدوية، وبضرورة الدفاع عن حقوق الاقليات المضطهدة. علما بأن قيادات تلك الاقليات، ليست أقل استبدادية، وليست بريئة غالبا من تهمة التآمر مع القوى الغربية، او غيرها، ضد مواطنيها الآخرين او جيرانها. ونكتفي بالتذكير ببعض الوقائع ذات الدلالة: لقد تواطأت القيادة الكردية الحالية مع القيادة التركية ضد حزب العمال الثوري، عندما كانت تركيا اكثر اطلسية، وكان الحزب المذكور فصيلا من فصائل الحركة الثورية في المنطقة، ولكنها باتت اكثر سلبية من تركيا، في مرحلة ابتعادها النسبي عن الولايات المتحدة. كما كانت وما زالت شديدة العداء تجاه العراقيين العرب، علما ان مدى الاستقلال الذاتي الذي حصلت عليه في اطار الدولة العراقية، لم تحصل على جزء منه في الدول الاخرى المجاورة. وهذا يكشف ان توجهاتها المعادية تلك هي فعل لا رد فعل، خاصة عندما تراهن على القوى الاستعمارية لفرض ارادتها.
    واذا انتقلنا الى الساحة اللبنانية، نجد ان القيادات المسيحية المتطرفة، باشرت تحالفها المعلن مع اسرائيل خلال الحرب الاهلية، غداة الدعم السوري الذي أعطي لها، وليس قبله، وهذا يكشف انه لم يكن خيارا اضطراريا، بل دفعا لاستراتيجية معتمدة مسبقا. ونستطيع ان نلحظ مسارا مشابها في السودان، حيث صعدت الحركات الانفصالية في دارفور من عدائيتها للسلطة المركزية، تحديدا، بعد الحل الذي جرى مع متمردي الجنوب. وهذا يثبت انه ليس ردا على تصلب تلك السلطة. وليس سرا ان الهدف الحقيقي من ذلك، هو تفشيل مبادرات الحل العربية والافريقية، حتى لا يبقى سوى الحل الاميركي الصرف او بالاشتراك مع الاوروبيين. ومن يشك بذلك ليس عليه سوى مراجعة مراحل حروب تفكيك يوغوسلافيا. وهذا الدور ليس غريبا عن تلك الحركات المرتبطة بالاوساط الغربية، وخاصة النفطية منها. ونستطيع إيراد المزيد من الأمثلة المشابهة، حول الاستعمال المغرض، لشعار حقوق الاقليات، ولبعض المطالب التي قد تكون محقة، ولكنها تستخدم مطية للاغراض الاستعمارية. في نهاية القول، يمكننا الجزم بأن خيارات التيار الليبرالي العربي المعاصر تحاول الايحاء بأن الانحناء امام العاصفة الغربية وتنفيذ املاءاتها، وهو ما تسير به، على كل حال، اكثرية الانظمة العربية، يؤدي الى انحسارها، بل الى تقدم المنطقة. ولكن، هذا لا يعكس في الحقيقة، سوى الأوهام التي يحملها التيار المذكور، تجاه الاهداف الغربية الصهيونية الاستراتيجية الفعلية. وقد أثبتت مجريات الاحداث في العالم وفي المنطقة خلال العقود الماضية، عبثية تلك الرهانات.
    وقائع عنيدة
    وتبقى في النهاية، الوقائع العنيدة. ففي ظل التوجه الشديد العدوانية والرجعية لمحور بوش، بلير، شارون، وبفعل ضعف القوى الاجتماعية والسياسية ذات المصلحة باسناد مشروع ليبيرالي قابل لتطور ديموقراطي لاحق، في المنطقة، وبفعل غياب الرؤية القومية والاقليمية لاطروحات الليبيراليين الجدد في العالم العربي، ليس مستبعدا تحول هؤلاء، الى مجرد ديكور للوجود الغربي في المنطقة، ولحلفائه الحقيقيين. ومع ذلك، من الخطأ التعامل معهم كأعداء، في سياق الصراع الطويل الذي ستخوضه القوى الاستقلالية، ضد الغزوة الاميركية الصهيونية. ان مصالح القاعدة الاجتماعية والسياسية التي يستند اليها تيارهم، غير متعارضة مع المشروع الاستقلالي، المناهض للوجود الاميركي الصهيوني الاستعماري في المنطقة. لذا من الممكن تجاوز التباينات الحاصلة راهنا وتلك التي قد تحصل لاحقا مع هذا التيار، فهي ليست ذات طبيعة ثابتة او استراتيجية. ومن الممكن كذلك، في حال عودة ميزان القوى للميل لصالح خط الصمود والمقاومة في المنطقة، وفي حال تطور نمط العلاقات القائمة بين اطرافه، جذب أقسام منه مجددا الى هذا الخط. لذا من الضروري متابعة الحوار مع اوساط الليبيراليين الجدد، والتعاون الجزئي معهم حيث أمكن ذلك، رغم الصعوبات التي قد نواجهها في سبيل ذلك. مع الحرص ان يجري الحوار والتعاون، دون مساومات فكرية او سياسية جوهرية، ودون انزلاق الى الأوهام التي تداعب خيالهم.




    ( عضو المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني




    .....

                  

12-13-2007, 02:27 PM

حاتم الياس
<aحاتم الياس
تاريخ التسجيل: 08-25-2004
مجموع المشاركات: 1981

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: حاتم الياس)

    ياعصام جبر الله ...ويامشاركي البوست وشعوبه (المعوملة)....أجر المناوله..خلونا (النتفكفك)
                  

12-28-2007, 09:10 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: "بضعنة" العالم ... غول الليبرالية الجديدة و مد المقاومة (Re: esam gabralla)

    يا حاتم و من لف لفه

    ادى رفعة ... للمواصلة ... الكلام لسه في

    مزيد من الاسئلة و الاراء
    Quote: أوهام الليبرالية الجديدة هل يمكن الانتقال إلى الليبرالية الجديدة في بلد متخلف؟ مناقشة المفاهيم
    محمد عابد الجابري
    -1-
    ظهر في العقدين الأخيرين في الولايات المتحدة وبريطانيا مذهب اقتصادي إيديولوجي سمي بـ "الليبرالية الجديدة". ولعل أهم عنصر جديد في هذا المذهب هو دعواه الإيديولوجية التي تبشر بنموذج جديد للدولة، تمارَس السلطة فيه على أساس مبدأ "الكوفيرنانس" governance، على غرار شركات المساهمة في النظام الرأسمالي ذي التقاليد الأنجلوساكسونية، حيث يمارس حملة الأسهم نوعا من "الرقابة" والتوجيه، عند توزيع الأرباح، بهدف دفع المدراء إلى العمل على تحقيق أقصى قدر من الربح للمؤسسات التي يتولون تسييرها. وهذا النوع من ممارسة السلطة في إطار من الرقابة التي يقوم بها المعنيون بالأمر هو مضمون "الكوفيرنانس"، وهي كلمة إنجليزية مشتقة من govern التي تعني في آن واحد "الحكم" بمعنى ممارسة السلطة (الحكومة government) والرقابة والتوجيهcontrol . وإذن فنموذج "الحكم" الذي تبشر به "الليبرالية الجديدة" يهدف إلى تقليص دور الدولة بحيث تكون مهمتها القيام بالتسيير تحت توجيه ومراقبة أولئك الذين يوازي وضعهم إزاءها وضع حملة الأسهم بالنسبة للمديرين في الشركات الكبرى.

    وقبل أن نناقش هذا النموذج نريد أن نطرح مسألة ترجمة كلمة governance -التي استعملت للدلالة على هذا النظام- إلى اللغة العربية. وهذا ليس من أجل "الترجمة" ذاتها، بل من أجل استعمالها هنا كمثال نشرح من خلاله الفكرة التي نصدر عنها في إبداء الرأي في مدى مصداقية أو عدم مصداقية التفكير في الشأن العربي من خلال هذه المفهوم.
    -2-
    لقد وردت هذه الكلمة في الورقة التوجيهية لهذه الندوة([‌أ]) مترجمة بلفظ "الحكم" ووضعت في سياق جعلت فيه في موضع المعطوف عليه مع كلمة "دولة" state، هكذا "الحكم والدولة"، مما يعني أنهما يدلان على معنيين مختلفين. إن القارئ العربي يجد نفسه هنا أمام عبارة لا غبار عليها من حيث الاستعمال اللغوي، فالكلمتان عربيتان أصيلتان، ولكن عطف الواحدة منهما على الأخرى بحرف الواو (الحكم والدولة)، يثير من الالتباس والغموض في ذهن القارئ ما يدفعه إلى التساؤل بينه وبين نفسه: "وما الفرق بين مدلول "الدولة" ومفهوم "الحكم" حتى يوضعان مثل هذا الوضع"؟ إن حرف العطف إنما يستعمل عادة للربط بين المتباينات نوعا من التباين، أما المترادفات والمتواطئات والمتقاربات وما في معنى الجزء والكل مثل "الخبز" و"الطعام"، والعطاء والكرم، والساق والرجل الخ، فلا يدخل بينها حرف العطف إلا في العبارات التي تنتمي إلى الخطاب الأدبي الذي يستعمل المجاز والاستعارة والكناية وما أشبه ذلك.

    هذا الإشكال يصبح غير ذي موضوع –ربما- إذا وضعنا إزاء اللفظين المذكورين ما يقابلهما في اللغات الأوربية، وخاصة الإنجليزية Governance and the state. إن القارئ في هذه الحالة إما أن يكون على صلة بالمجال التداولي الذي يستعمل فيه هذان اللفظان في هذه اللغة، وفي هذه الحالة فهو "صاحب الدار" كما يقال، وإما أن لا تكون له علاقة بذلك المجال، وفي هذه الحالة يمكن أن يرجع إلى القواميس الإنجليزية اللغوية، أو المتخصصة، وسيجد من المعاني والشروح ما يزيل الغموض والالتباس.
    علام يدل هذا؟
    إنه يدل على أن المرجعية العربية بالنسبة للفظتين المذكورتين غير المرجعية الأوروبية. وليس في هذا عيب في اللغة، فكثير من الكلمات المترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية لا يمكن استيعاب معناها إلا بالرجوع بها إلى الحقل الدلالي العربي. نحن هنا إذن أمام ظاهرة اختلاف المرجعية : "الحكم" و"الدولة" كلمتان تدلان في اللغة العربية على معنى، بينما يحيل مقابلهما في اللغات الأوروبية الحديثة إلى معنى آخر مختلف، أو أدق أو أوسع، أفقر أو أغنى الخ.

    لفظ "الدولة" في المرجعية العربية من "دال يدول دولة"، ويقال عن الشيء يكون مرة في هذا ومرة في ذاك، فهو يفيد معني التناوب والانتقال من يد إلى أخرى، ومنه تداولُ المال، وتداول السلطة alternance الخ. وقد أخذ هذا اللفظ يشيع بعد انتقال "الأمر" (= الحكم) من الأمويين إلى العباسيين وصار أنصار هؤلاء يقولون : "هذه دولتنا"، أي نوبتنا في ممارسة السلطة. أما اللفظ المقابل له في اللغات الأوربية الحديثة Etat, State فيدل في الاصطلاح السياسي –وهو المقصود هنا- على الهيأة أو المؤسسة التي تدبر الشأن العام في بلد ما، تدبيرا يقوم على النيابة على الجميع في ممارسة السلطة، والمحافظة على النظام، والفصل في المنازعات والحكم بين الناس، واللجوء إلى العنف لتطبيق القانون الخ. وهذا المعنى حديث في اللغة العربية ولكنه صار شائعا مقبولا ومفهوما (إلى درجة ما!).

    هذا باختصار عن مصطلح "الدولة"، أما لفظ "الحكم" فهو يشير في العربية إلى معنيين رئيسيين، أحدهما : الفصل في أمر متنازع فيه، ومنه القرار الذي يتخذه القاضي لجعل حد لخصومة أو نزاع الخ، وهذا يقابله في اللغات الأوربية لفظ آخر judgment, jugement, . وثانيهما المنع والردع، ومنه الحَكَمة وهي "ما أحاط بحنكي الفرس من لجامه يمنعه من مخالفة صاحبه". ومن هذين المعنيين أخذ معنى "الحُكم" الذي يعني ممارسة السلطة لتدبير الشأن العام والفصل في الخلافات والنزاعات الخ. أما لفظ governance، الذي وضع لفظ "الحكم" كترجمة عربية له هنا، فهو أصلا يفيد -في الإنجليزية- معنى الرقابة والتوجيه والتدبير، وأيضا معنى السيطرة وممارسة السلطة، وهو غير الحكومة بمعنى الجهاز المعروف (وزارة …) gouvernement, government كما أنه لا يدخل في علاقة اشتقاقية مع اللفظ الإنجليزي الذي يفيد "الحكم" بمعنى "حكم القاضي".

    وإذا نحن أردنا أن نحدد صلب الاختلاف بين معنى لفظ "الحكم" كما يتحدد في اللغة العربية ولفظ governance كما يتحدد معناه في الإنجليزية، وفي السياق الذي استعمل في العبارة السابقة التي جمعت بينهما، قلنا: إن هذا الأخير يفيد معنى لا يفيده الآخر: معنى "الرقابة" التي قد تكون من أعلى إلى أسفل، أو من أسفل إلى أعلى. وهذا ما يلح منظرو "الليبرالية الجديدة"، إذ يؤكدون أن المقصود بالـ governance هو الجمع بين الرقابة من أعلى (الدولة) والرقابة من أسفل (منظمات المجتمع المدني الخ). وواضح أن هذا المعنى يستحيل استحضاره استحالة تامة من مجرد تأمل معنى لفظة "الحكم" كما تتحدد في اللغة العربية. من أجل ذلك فأنا أفضل استعمال هذا المصطلح كما ينطق به في مرجعيته الأصلية "كوفيرنانس"، كما هو الشأن في عدد من المصطلحات مثل ليبرالية، ديموقراطية، جغرافية، فينومينولوجية، فلسفة الخ، وذلك إلى أن نهتدي إلى لفظ عربي مناسب.

    -3-

    قد يتساءل البعض: ولماذا هذه الاستطرادات اللغوية؟ ألم يكن يكفي إبراز هذا المعنى في البداية والانتقال إلى صلب الموضوع؟

    وأجيب : لقد قصدت بها إثارة الانتباه إلى أن موضوع هذه الندوة يطرح مشكلة مماثلة لهذه التي شرحناها بصدد اللفظين : حكم، دولة. فالمطلوب منا في هذا المحور الأول، حسب ما نصت عليه الورقة التوجيهية، هو أن ننظر في "مفهوم "الكوفيرنانس" وتطوره ومساهمته في التنمية والتخفيف من الفقر" في البلاد العربية. وهذا "يقتضي : 1) النظر في مدى تقدم عملية الإصلاح السياسي في العالم العربي بما في ذلك محاولات الدمقرطة وتحرير الاقتصاد. 2) النظر فيما إذا كان ذلك قد ساهم في توسيع دائرة مشاركة الجميع والرفع من درجة الفعالية والمسؤولية والشفافية والتمثيلية في مؤسسات الدولة. 3) رصد الدلالات والمرامي والبرامج الهادفة إلى تحسين أنماط "الكوفيرنانس" في العالم العربي من أجل ضمان تنمية اجتماعية واقتصادية والتقليص من الفقر.

    وعلى أساس هذه المقاصد تعرِّف الورقة التوجيهية مفهوم "الكوفيرنانس" بكونه : "يحيل إلى عملية ممارسة السلطة بالمعنى الشامل للكلمة، فهو يضم ليس فقط الحكومة التي تتألف من مؤسسات وفاعلين مكلفين بممارسة السلطة، بل يشمل أيضا عناصر مماثلة تنتمي إلى القطاع الخاص والمجتمع المدني. إن مفهوم "الكوفيرنانس" يراد به الإمساك بظاهرة معقدة، قوامها آليات ومؤسسات وفاعلين في الدولة وسوق ومحيط اجتماعي، وأنواع التداخل القائمة بين جميع هذه العناصر، كل ذاك في مقاربة شمولية ومنهجية. و"الكوفيرنانس" الصالح يتميز بخصائص أساسية مثل الشفافية والمسؤولية والفعالية والمشاركة العامة وحكم القانون. إنه الحرص بدون هوادة على أن تسود هذه الخصائص الأساسية المحيط السياسي والاقتصادي والاجتماعي".

    وواضح أن المرجعية المباشرة في هذا التصور لـ "الكوفيرنانس" هي النظرية الاقتصادية المعروفة بـ "الليبرالية الجديدة" Neo-liberalism، كما أبرزنا مضمونها في الفقرة الأولى من هذه المداخلة. وقد أثارت هذه النظرية، وتثير، جدلا واسعا بين الاقتصاديين حول مدى صدقها وصلاحيتها مما لا شأن لنا به هنا. وما نريده نحن من الإشارة إليها أمران: أولهما أنها هي نفسها النظرية التي تطبق بصورة أو أخرى في العالم العربي بتوصية من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والتي تشكل الخوصصة والانفتاح أبرز مظاهرها. ثانيهما أن المهمة التي رسمتها الورقة التوجيهية لهذه الندوة هي : تقويم عملية تطبيق هذه النظرية ونتائجها في العالم العربي بالمقارنة مع "أنماط الدولة" التي عرفتها الأقطار العربية في العقود الأخيرة. ومعلوم أن هذه الأنماط صنفان: 1) صنف يستوحي أو يطبق "النظام الرأسمالي"، أساس الليبرالية الجديدة هذه، إما منذ البداية (الاستقلال) كالمغرب ودول الخليج... وإما منذ تدشين اختيار "الانفتاح" في الثمانينات من القرن الماضي كمصر. 2) وصنف ظل يستوحي أو يطبق "النظام الاشتراكي" منذ فترة ازدهار الفكر الاشتراكي في العالم العربي (الستينات من القرن الماضي بصفة خاصة)، كالجزائر ثم سورية والعراق وليبيا...

    يتعلق الأمر إذن بتجربتين مختلفتين تستند كل منهما إلى نظريتين متباينتين بل متناقضتين في كثير من أسسهما وتطلعاتهما. والمهمة التي يمكن أن أدعي إمكانية القيام بها هنا تقع خارج المجال التطبيقي وخارج البحث الميداني، فذلك ما ليس من اختصاصي. ومع ذلك، فإذا نحن أخذنا بعين الاعتبار الحالة العامة في العالم العربي، كما تصفها الأدبيات الاقتصادية والسياسية الراهنة، جاز القول إن أيا من التجربتين لم تحقق الأهداف التنموية المرجوة منها، وإذن يجب البحث في أسباب فشلهما معا. يمكن أن يقال إن "التجارب الاشتراكية" التي استوحتها بعض الدول العربية قد فشلت أيضا في مواطنها (الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشيوعي على العموم)، وهذا صحيح، ولكن هذا الحكم لا ينسحب على التجارب الأخرى التي سلكت منهجا آخر في تطبيق النظرية الاشتراكية كالدول الإسكندنافية، كما لا ينطبق على إنجازات الأحزاب الاشتراكية في البلدان الأوروبية الأخرى، في مجال الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتعويضات البطالة وغير ذلك مما يندرج في أهداف الاشتراكية.

    ونحن لا نريد أن نصل إلى نتيجة تقرر أن الفشل ليس هو فشل النظرية بل فشل التطبيق، فهذا كلام عام، وهو موضوع آخر ليس من اختصاصنا الخوض فيه. ما نريد طرحه هنا شيء آخر يفصح عنه السؤال التالي: هل من الممكن تطبيق نظرية، نبعتْ من وضع معين، في وضع آخر مختلف؟

    هذا السؤال، طرح في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، من منظور "ماركسي" في العالم الثالث عموما، طرح بصيغة : "هل يمكن الانتقال إلى الاشتراكية في بلد متخلف؟". ونحن نعتقد أنه لا شيء يمنع من طرح هذا السؤال نفسه اليوم بصدد "الليبرالية الجديدة"، فنقول: "هل يمكن الانتقال إلى الليبرالية الجديدة في بلد متخلف؟". وما يجعل طرح هذا السؤال مشروعا هو أن الأمر يتعلق ببنيتين إيديولوجيتين، متشابهتين من حيث التركيب، وإن كانتا متناقضتين من حيث الاتجاه، كما يتبين من الجدول التالي الذي نورد فيه المفاهيم الرئيسية والمتقابلة، تقابل تضاد في البنيتين، (بدون ترتيب مقصود):

    الإيديولوجيا الليبرالية الجديدة: النظام العالمي الجديد /الليبرالية / الاندماج في السوق العالمية / العولمة/ الأقليات/ حقوق الإنسان/ الخوصصة/ نهاية الدولة/ اقتصاد الدولة/ نهاية السياسة/ نهاية التاريخ/ صراع الحضارات/ المجتمع المدني/ التنمية المستدامة/ البشرية/ التقليص من الفقر/ الكوفيرنانس/ الثقافة/ الإرهاب


    الإيديولوجيا الماركسية : الإمبريالية/ الاشتراكية/ الاستقلال الاقتصادي / الاستقلال الوطني / القومية / حقوق الشعوب/ التأميم/ تدخل الدولة/ حرق المراحل/ صراع الطبقات/ الجماهير الكادحة/ التنمية المستقلة - التصنيع/ القضاء على الاستغلال/ الدولة/ الإيديولوجيا/ المقاومة

    -4-
    من النظر إلى هذا الجدول يتبين أن "الكوفيرنانس" يقع بديلا عن "الدولة"، و"الفقر" مكان "الاستغلال" وهكذا. وبما أن الإيديولوجيا الأولى أسبق زمنا من الثانية في العالم العربي خلال المرحلة موضوع الحديث هنا، (الخمسينات/الثمانينات من القرن الماضي)، فإن "محاسبة الدولة" في العالم العربي، سواء كانت من هذا النمط أو ذاك، على ما أنجزته في "مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية والحد من الفقر" الخ، معناه في الحقيقة محاكمة إنجازات الإيديولوجيا الأولى بواسطة وعود الثانية (محاسبة مضامين عناصر العمود الأول من الجدول بواسطة مقابلها في العمود الثاني)! والمشكلة الأساسية في هذه المحاكمة ليست في الاختيار الإيديولوجي الذي يمكن التعبير عنه بهذا السؤال: من يحق له أن يحاكم من؟ بل المشكلة في الحقيقة سابقة لمثل هذا السؤال، إنها نفس المشكلة التي حللناها في بداية هذه المداخلة عندما كنا بصدد مناقشة الطريقة التي تتم بها الترجمة عندنا في معظم الأحيان، كما هو الحال في ترجمة لفظ governance بـ "الحكم". أقصد بذلك الترجمة/النقل من المعجم بدل الرجوع إلى المرجعيات الخاصة باللفظ الذي يراد ترجمته واللفظ الذي يراد وضعه كمقابل له.

    إن نقل البنيات الإيديولوجية من مرجعياتها الأصلية إلى فضاء آخر مباين، اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتاريخيا، لا يختلف في شيء عن نقل لفظة/مصطلح من لغة إلى أخرى. إن الأمر يتطلب اعتبار خصوصية الطرفين كليهما. ولكي أوضح فكرتي أكثر أطرح الأسئلة التالية: ما علاقة البنيتين الإيديولوجيتين المذكورتين بالعالم العربي؟ هل خرجت إحداهما، أو كلتاهما، من جوف الوضع العربي؟ هل كانت الأرض العربية حبلى بهما؟

    الجواب معروف! لقد وردت –أو استوردت- البنية الإيديولوجية الأولى إلى العالم العربي، ابتداء من منتصف الخمسينات بكيفية خاصة، فتبنى بعض أقطاره بعض عناصرها لبعض الوقت… وبمجرد ما انحلت عراها في موطنها ودخلت في عالم "كان" وردت، وترد على العالم العربي، البنية الأخرى، بنية الليبرالية الجديدة، وهاهي معظم أقطاره تتبنى بعض عناصرها! وفي كلتا الحالتين واجه العالم العربي ويواجه مشكلة التعامل مع هذا "الوارد". إنها مشكلة عملية معقدة تفرعت عنها عدة مشاكل عملية ونظرية!

    لنذكر ببعض المعطيات التاريخية:

    تنتمي البنية الأولى إلى الماركسية، ومعروف أنه بناء على تحليل الاقتصاد الرأسمالي، كما كان في القرن التاسع عشر، استنتج كارل ماركس (ويجب أن لا ننسي أنه محلل اقتصادي قبل كل شيء)، أن تناقضات هذا النظام ستؤدي في النهاية –عبر صراع البروليتاريا مع البرجوازية- إلى قيام النظام الشيوعي في الأقطار الأكثر تصنيعا، وهي أوروبا في ذلك الوقت وعلى رأسها ألمانيا. فكان من شروط قيام الثورة الاشتراكية عنده –الثورة التي كان يرى أنها ستقضي على الاستغلال والفقر- هو تطور قوى الإنتاج الصناعية والتكنولوجية إلى أعلى مستوى في أوروبا كلها، الشيء الذي سيزيد من حجم الطبقة العاملة الأوربية ويعمق من وعيها بوضعيتها، فتصبح بذلك البلدان الأوربية كلها –أو الرئيسة منها على الأقل- تعيش "الوضع الثوري" من خلال "اتحاد الطبقة العاملة" فيها داخل حركة ثورية "عالمية" واحدة، غايتها القضاء على الطبقات المستغلة وبالتالي على الاستغلال والفقر، وصولا إلى "تلاشي الدولة" التي لن تعود الحاجة بها قائمة في "مجتمع لا-طبقي". المهم أن قيام الاشتراكية يتوقف في نظر ماركس وصديقه إنجليز على توفر شرطين أساسين: بلوغ أوربا أعلى درجة من التصنيع من جهة، واتحاد العمال في الأقطار الأوروبية كلها من جهة أخرى. وكان هذا الشرطان يوفران الأداة والحماية: فبالتصنيع الراقي المتقدم وشموله للأقطار الأوروبية قاطبة –وهي وحدها التي كانت صناعية- يزداد حجم الطبقة العاملة ويتعمق وعيها ونضالها وبالتالي تنفجر تناقضات الرأسمالية. وباتحاد العمال على صعيد أوروبا بل على الصعيد "العالمي" تتوفر الحماية لمسلسل إقامة الاشتراكية : الحماية الداخلية والخارجية، من خصمها النظام الرأسمالي الذي سيكون حينئذ في حالة احتضار..!

    ليس من مهمتنا هنا مناقشة هذه النظرية، فهي ككل نظرية إنما تستمد مصداقيتها من كونها تعبر عن الواقع الملموس أو عن مظهر أساسي من مظاهره، ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الماركسية كانت كذلك بالفعل في أوروبا النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما نجاح هذه النظرية أو تلك فيتوقف أكثر على قدرتها على ملاءمة أدواتها المنهجية ورؤاها الاستشرافية مع تطور الواقع وتغير مجرى التاريخ. وقد عرفت الماركسية نمطين من التطور مختلفين تماما: ففي الأقطار الأوربية المتقدمة بقيت الماركسية منسجمة مع مقدماتها تراقب اتجاه التطور وتلائم تحليلها معه، وذلك من خلال أحزاب ومفكري "الاشتراكية الديموقراطية" بكل تلويناتها. وقد سلكت في نضالها من أجل تحقيق الاشتراكية أسلوب الضغط الديموقراطي، فساهمت في إجراء تحولات اقتصادية أساسية (القطاع العام مثلا) وحققت مكاسب ومنجزات اجتماعية وسياسية و"إنسانية" على درجة كبيرة من الأهمية...

    وعلى العكس من ذلك تماما ما حصل في روسيا حيث تحولت الماركسية إلى لينينية. لقد اتجه الزعيم العمالي الروسي لينين بالماركسية اتجاها مختلفا، بل متناقضا مع مقدماتها، فقرر أنه يمكن بناء الاشتراكية في بلد واحد، وأكثر من ذلك كان هذا البلد "الواحد" –روسيا- في وضع متخلف كثيرا على درجة التقدم الصناعي التي بلغتها أوربا. ومع تطور الطموحات نحو الهيمنة داخل أوروبا نفسها والتنافس على المستعمرات الخ، تحول الصراع فيها من صراع اجتماعي داخل القارة إلى صراع سياسي وإستراتيجي بين الرأسمالية و"الاشتراكية الديموقراطية" معا في أوربا، وبين الشيوعية السوفيتية في روسيا والأحزاب المرتبطة بها في أوروبا وخارجها، الصراع الذي تطور إلى حرب باردة بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تزامن مع هذا الصراع، بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي، صراع آخر بين دول أوربا الاستعمارية وبين مستعمراتها في آسيا وإفريقيا. وفي إطار التداخل بين الصراعين انتقلت الأفكار الاشتراكية والحركات الشيوعية إلى العالم العربي من جهة، وحصل التقاء في المصالح بين حركات التحرر الوطني في كثير من الأقطار العربية وبين المعسكر الشيوعي من جهة أخرى، مما جعل العالم العربي ككل يعاني من نتائج الحرب الباردة على صعيد النظام السياسي والاقتصادي كما على صعيد الفكر والإيديولوجيا، وذلك شيء ما زال عالقا بالأذهان فلا داعي لتفصيل القول فيه.



    -5-

    لنعد إذن إلى ذلك السؤال الإشكالي الذي ذكرناه قبل، والذي عانى منه الفكر العربي اليساري في الستينات والسبعينات خاصة، وقد طرح كما قلنا بالشكل التالي: "كيف يمكن الانتقال إلى الاشتراكية في بلد متخلف"؟

    وما يهمنا اليوم من هذا السؤال الإشكالي هو أنه يعبر عن الشعور بكون المعادلة التي كانت تطرحها قضية "الاشتراكية في العالم الثالث"، معادلة مستحيلة الحل، وذلك للتناقض القائم بين طرفيها: الاشتراكية لا تقوم حسب ماركس إلا في مجتمع بلغ درجة عالية من التصنيع، والاشتراكية هنا تعني "ابتداء التصنيع" وفي نفس الوقت "وضع نهاية للاستغلال"، أي القضاء على الفقر باجتثاث أسبابه ومكوناته. هذا بينما العالم العربي هو في مجمله "بلد متخلف"، بعيد جدا من مستوى التصنيع الذي يتطلبه قيام الاشتراكية فيه.

    لنؤكد مرة أخرى أن ما نريده من استرجاع هذه المعطيات، التي قد يعتبرها البعض ميتة (وكل المعطيات الجديدة ستصبح في يوم من الأيام ميتة)، هو أن التقصير أو الفشل -أو كيفما كان الاسم الذي نفضله- الذي يمكن أن ننسبه إلى نمط الدولة القائم على "الاشتراكية" أو "الاقتصاد الموجه" أو "التأميمات" أو ما شئنا من الأسماء التي يمكن أن نسمي بها "نموذج دولة جمال عبد الناصر في مصر" ونسخه في أقطار عربية أخرى. إن ما نريده من هذا التذكير هو تقرير ما يلي:

    1) إن التجربة التي خاضها هذا النمط من الدولة كانت تجربة منقولة من بيئة مختلفة.

    2) إن هذه التجربة لم تتم تبيئتها بشكل ملائم.

    3) إنها تمت في ظروف الحرب الباردة، فحاربها الاستعمار والمعسكر الرأسمالي الإمبريالي كله.

    4) إن مساعدة المعسكر السوفيتي لها كانت خاضعة لحساباته هو وليس لحاجتها هي.

    5) إن ما حققته على صعيد التنمية والتقليص من الفقر كان دون المطلوب بكثير.

    6) إن الأقطار العربية الأخرى التي لم تنخرط في تلك التجربة والتي بقيت مخلصة للنظام الرأسمالي الليبرالي تابعة له لم تحقق نتائج أفضل، لا على صعيد التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولا على صعيد التقليص من الفقر. (ما عدا دول الخليج التي حققت بفضل عائدات النفط "تنمية" على مستوى الوجاهة والمظاهر الاستهلاكية، وبعيدا عن الشفافية والاستقامة و"الكوفيرنانس" وكل ما تنادي به "الليبرالية الجديدة".



    -6-

    والآن ماذا يمكن أن نقول عن هذه الأخيرة، أعني "الليبرالية الجديدة"؟

    إن أول ما يجب إبرازه، بعيدا عن أي حكم من أحكام القيمة- هو أن وضع العالم العربي إزاءها شبيه تماما بوضعه بالأمس إزاء الماركسية. ذلك:

    1) أنها بنية إيديولوجية تمثل أرقى ما أفرزته الرأسمالية في موطنها، تماما كما كانت الماركسية في وقتها.

    2) أن نقل هذه البنية الإيديولوجية أو أجزاء منها إلى العالم العربي يتم في ظروف ما يسمى بـ"العولمة" و"النظام العالمي الجديد" و"صراع الحضارات" الخ، والتأثير السلبي الذي تمارسه هذه الظروف على العالم العربي لا يختلف في جوهره عن التأثير السلبي الذي مارسته عليه الحرب الباردة بالأمس. ويكفي أن نشير إلى تدمير العراق والحصار المضروب عليه منذ أحد عشر عاما.

    3) أن وضع القضية الفلسطينية لم يتغير رغم التنازلات التي قدمها العرب والفلسطينيون أنفسهم، ورغم احتكامهم إلى أمريكا وإعلان اعتمادهم عل الغرب الخ. ولا نعتقد أن تغييرا حقيقيا في الشرق الأوسط في اتجاه التنمية يمكن أن يحصل بدون حل القضية الفلسطينية. فالتغيير الإيجابي في إطار هذا النموذج الليبرالي أو ذاك يتطلب الاستقرار الذي يبعث على الطمانينة والثقة.

    4) أن مساندة الغرب للأنظمة العربية التي تعادي الحداثة السياسية والاجتماعية والثقافية وتحاربها ما زالت مساندة قوية ومتواصلة لأنها محكومة باستمرار حاجتها إلى النفط، وليس بإيمانها بقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان والشعوب الخ.

    5) أن شعار "الكوفيرنانس" الذي تنادي به الليبرالية الجديدة وما يرافقه من دعوة إلى اعتماد الشفافية والمسؤولية والاستقامة والجد في العمل الخ، شعار يؤسسه تصور للدولة "كـ "شركة مساهمة"، لها مدراء (الحكومة) ومساهمون (حملة الأسهم وجمعيات المجتمع المدني الخ)؛ والهدف هو التقليص من دور الدولة، وهذا إن كان معقولا ومقبولا في مجتمع مستقر ومتطور في بنياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فهو موضوع تساؤل ملح في مجتمع غير مستقر متماوج الخ.

    6) أن هذه النظرية تنسى وتتجاهل العمال والمستخدمين، تماما كما أهملت الماركسية شأن الفئات الاجتماعية الأخرى، كشرائح الطبقة المتوسطة مثلا. وهي إذ تجعل هدفها الرئيسي تحقيق أقصى ما يمكن من الربح من أجل استقطاب الاستثمارات تنسى أن ذلك لا يمكن أن يكون إلا على حساب الشرائح المتوسطة التي تزداد فقرا، وبالتالي فالنتيجة لن تكون "التخفيف" من الفقر بل تعميمه.

    7) أن الليبرالية الجديدة تتحرك في إطار عام يسمى العولمة. وردود الفعل التي نشاهدها في كل مناسبة ضد العولمة في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وفي أقطار أخرى متقدمة مصنعة، دليل على أن الليبرالية الجديدة والعولمة معا قد بدأتا تفرزان نقيضهما، في عقر دارهما!

    8) وأخيرا وليس آخرا، فإن الشرط الضروري الذي من شأنه أن يؤسس نظريا على الأقل مصداقية هذا النمط من "الدولة" الذي تدعو إليه الليبرالية الجديدة، هو وجود شركات تستحوذ على القسط الأكبر من الاقتصاد، أعني وجود نظام رأسمالي وطني متطور، تماما كما كان الشرط الضروري الذي كان يؤسس، من الناحية النظرية، قيام الاشتراكية من منظور ماركسية ماركس وإنجلز، هو وجود بروليتاريا متطورة! والعالم العربي الذي لم يوفر شرط الاشتراكية بالأمس ليس قادرا اليوم على توفير شرط الليبرالية الجديدة.



    -7-

    هذه الملاحظات المتحفظة لها ما يبررها في الواقع العربي الراهن. ودون الدخول في التفاصيل يمكن أن نسجل المعطيات التالية، وهي ذات دلالة خاصة فيما نحن بصدده.

    1- معروف أن المغرب، مثلا، لم يخض في أي وقت من الأوقات، منذ استقلاله، أية تجربة مستوحاة من الاشتراكية، بل بالعكس لقد بقي "ابنا مخلصا" للمعسكر الرأسمالي مرتبطا به تابعا له. والقطاع الخاص فيه بقي مفتوحا على الجميع، مغاربة وأجانب. أما القطاع العام فلم يكن نتيجة تأميمات بل هو، في جزء منه، موروث من دولة الحماية الفرنسية، وفي جزء آخر من عمل الدولة التي اضطرت، أمام ضعف الرأسمالية الوطنية، إلى النيابة عنها والقيام بمهمتها. ومنذ سنة 1980 دخل المغرب في مسلسل إعادة الهيكلة الذي فرضه صندوق النقد الدولي، الشيء الذي جعله يعرض تماما عن بذل ما ينبغي من الجهد لمحو الأمية وتعميم التعليم وتوسيع الخدمات الصحية والاجتماعية الخ، مما جعله يحتل في السنوات الأخيرة مرتبة 125 على سلم التنمية البشرية، المرتبة التي وضعته في مؤخرة القافلة.

    2- أما جمهورية مصر العربية التي تبنت "الاشتراكية" (أو اقتصاد الدولة أو الاقتصاد الموجه) والتي تمت فيها إنجازات في مجال التصنيع والتعليم والخدمات الاجتماعية، فقد عدلت عن تلك الطريق قبل عشرين سنة وسارت في طريق الانفتاح، طريق الليبرالية، ومع ذلك فيبدو أن ما حققه الانفتاح خلال العشرين سنة الماضية، في مجال التنمية البشرية، لم يتجاوز ما حققته "الاشتراكية" في السنوات العشرين التي سبقته.

    3- أما ما يشاهد اليوم في تونس من تقدم على مستوى التنمية البشرية والتقليص من الفقر فلا يمكن تفسيره بدون استحضار المجهودات المتواصلة التي كانت تنتمي إلى نوع من "الاختيار الاشتراكي" ركز على التنمية البشرية خلال الستينات والسبعينات.

    يمكن استعراض تجارب مختلف الأقطار العربية، فهي تندرج بصورة أو أخرى في هذه النماذج الثلاثة (إذا نحن استثنينا دول الخليج التي لا يمكن إدخالها في الحساب لكون اقتصادها اقتصادا ريعيا تماما)، والنتيجة لن تختلف كثيرا عما قررناه، وهو أن المشكلة ليست في اختيار هذا النظام أو ذلك من النظم المتوفرة في "السوق"، وإنما المشكلة هي في كون ما خرج من جوف الوضع الاقتصادي المتقدم (تكنولوجيا وعلميا) لا يمكن أن يثمر نفس الثمار إذا هو نقل نقلا بـ "المفتاح" إلى وضع آخر متخلف، لا يتحمله أو لا يقدر على حمله. وإذا أضفنا إلى ذلك الدور السلبي، بل التخريبي، الذي يلعبه العامل الخارجي المتمثل في هيمنة الغرب سياسيا واقتصاديا، دولا وشركات، وسياسات الحماية التي يتبعها، إضافة إلى المنافسة العربية/ العربية التي يفرضها تشابه المنتوج (الفلاحي أو الصناعي الخ) أدركنا مدى تعقد المشكل الذي نحن بصدده، مشكل التنمية والتقليص من الفقر.

    -8-

    وبعيدا عن الكلام بلغة الحلول الجاهزة، أو الاختيارات الإيديولوجية المسبقة، يمكن القول إنه ما لم تبن التنمية على مبدأ "التجديد من الداخل" فلن تكون لها النتائج المتوخاة. و"التجديد من الداخل" يتطلب نوعا من الكتلة التاريخية بين جميع العناصر والأطراف : بين الدولة والمجتمع، بين المجتمع والفرد، بين القديم والجديد، بين التقليدي والعصري، بين التراثي والحداثي، بين الريف والمدينة الخ.

    والحاجة إلى كتلة تاريخية من هذا النوع تبررها ثلاثة معطيات خطيرة في الوضع العربي الراهن تعوق التقدم بل تجعل التنمية المطلوبة متعذرة إن لم تكن مستحيلة :

    - هناك من جهة الهوة العميقة التي تفصل بين ما هو قروي وما هو مدني، بين ما هو قروي في الأرياف والمدن، وما هو مدني في المدن والأرياف، في الاقتصاد والاجتماع والفكر والثقافة. وهي هوة تكرس عملية إعادة إنتاج متواصلة لظاهرة اتساع الشقة بين نخبة مشدودة إلى الغرب ونخبة مكبلة بالماضي، نخبة مغتربة وأخرى منغلقة، نخبة تقرأ الماضي في المستقبل وأخرى تقرأ المستقبل في الماضي…

    - وهناك من جهة ثانية غياب التنسيق الجاد، والتضامن المتواصل والتكامل المتنامي، بين الأقطار العربية. والحاجة إلى التنسيق والتضامن والتكامل لم تعد قضية ترف إيديولوجي بل هي اليوم، في عالم العولمة، ضرورة وجودية. إن "الكتلة الإقليمية العربية" هي كتلة تاريخية بمعنيين: فمن جهة هي ضرورية لتغلب الدولة القطرية العربية على مشاكلها الخاصة، وهي أيضا ضرورية للوقوف في وجه المنافسة والهيمنة داخل العولمة.

    - ومن جهة ثالثة ليس في أي قطر عربي قوة مهيمنة، هيمنة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، قادرة موضوعيا وذاتيا على "النيابة" عن الباقي في تحقيق التنمية والتقدم. إن شرط الاشتراكية كان هو هيمنة الطبقة العاملة، وشرط الليبرالية هو هيمنة الطبقة الرأسمالية. وحيثما تغيب إمكانية هيمنة هذه الطبقة أو تلك تصبح إمكانية تعميم مشروعها الإيديولوجي حلما مستحيل التحقيق. والنتيجة أن الكتلة التاريخية التي تؤجل فيها المشاريع الإيديولوجية الفئوية الطبقية لفائدة المصلحة الوطنية، مصلحة الجميع، هي المخرج الوحيد في نظرنا من الوضع الذي يسود المنطقة العربية حاليا: وضع التفتت والحيرة وغياب أي مشروع للمستقبل. إن الليبرالية الجديدة والقديمة على السواء ليست -بسبب من طبيعتها ذاتها- مشروعا للمستقبل، بل هي دوما "مشروع الحاضر". ومن المؤكد أن ميولاتها وتوجهاتها ستتغير بمجرد ما تلمس أن الحاضر آخذ في التغير. أليست تقوم فلسفيا على مذهب التجريبية empirism، وأخلاقيا على مذهب المنفعة . pragmatism


    1- ندوة "الحكم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفقر" التي عقدتها الإيسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة) بالقاهرة ما بين 11-13 نوفمبر 2001
                  

01-08-2008, 03:53 PM

esam gabralla

تاريخ التسجيل: 05-03-2003
مجموع المشاركات: 6116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
آلان بيهر...رأس المال ... البشري (Re: esam gabralla)

    Quote: آلان بيهر...رأس المال ... البشري

    ابتداء من الثمانينيات، شاع مفهوم "رأس المال البشري"، بعد أن بقي وقتاً طويلاً محصوراً داخل الدائرة الضيّقة للاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد [1]، ليتحوّل إلى واحدٍ من المفاهيم المفضّلة لدى منظّري "الموارد البشرية" ومكاتب التوظيف. وهو يحتلّ اليوم مركزاً مرموقاً في قائمة مفردات المسؤولين السياسيين، كما تبيّن أثناء الحملة الرئاسية السابقة في فرنسا. فقد أعلن السيد نيكولا ساركوزي، في عرضه للمحصّلة السلبية للحكومة الاشتراكية الماضية خلال لقاءٍ شعبيٍّ عُقِدَ في سان إتيين بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2006: "إذا كانت الدولة تُسرِف بإمكانياتها، فإن فرنسا تعيش بأكثر ممّا تسمح به مواردها. فهي تبذّر رأس مالها البشري في البطالة وهجرة الأدمغة والـ35 ساعة الأسبوعية". وتجيبه منافسته الاشتراكية، السيدة سيغولين رويال: "لم يفهموا (اليمين) جوهر الموضوع: تفترض إعادة إطلاق النمو الاقتصاديّ تغييراً جذرياً في السياسات لا يجعل من العدالة الاجتماعية عدوّاً بل رافعة للنجاح، ولا يعتبر رأس المال البشري مجرّد معيارٍ متغيّر، بل ثروةً يجدر بنا تثميرها، لأنّها اليوم ميزتنا التنافسية التي هي أكثر ديمومةً" [2].

    في الواقع، يمثّل تعبير "رأس المال البشري" نعتٌ غريبٌ للشيء بنقيضه، فرضته اللغة المُبتدَعة والشائعة للخطاب النيوليبرالي. وكأن رأس المال، هذا الوحش البارد، هذا التراكم للعمل الميّت، والذي لا يحيا إلاّ بافتراسه الدائم للعمل الحيّ، في حين يُنزِل الفقر والبطالة بمليارات الأفراد، قابلٌ للتمتّع بشيءٍ من الإنسانيّة! فالاقتصاديون ومديرو الأعمال والسياسيّون، وحتى الناس العاديين، الذين يتجرؤون على استخدام هذه الصيغة، يعبّرون في الواقع عن لاإنسانية هذه النظرة إلى العالم، التي تقيس وجود كلّ شيء وأيٍّ كان بالمقياس الوحيد المقبول والمطلوب الانصياع له: وهو القيمة التجارية.

    لكن ماذا يعنون بـ"رأس المال البشري"؟ ببساطة، قوّة عمل العاملين: مجموعة القدرات الجسديّة (القوة، التحمّل، المهارة، المقدرة) والمعنويّة (الشجاعة، المثابرة، الضمير الأخلاقي والمهني) والفكريّة (المعارف العامة والمتخصّصة، الخيال والذكاء) والجمالية (الذوق والمواهب) والتواصلية (القدرة على التعاطف، روح التواصل أو التفاوض) التي يمكن للعاملين بيعها في سوق العمل.

    هؤلاء الذين يشيرون إلى قوّة العمل على أنها "رأس مال بشريّ" يحاولون أن يقتَنِعوا وأن يُقنِعوا العمّال المأجورين بأنّ كلاًّ منهم يمتلك هو أيضاً مع قوّة عمله "رأس مال"، أي مجموعة من الموارد يجب تثميرها بصورةٍ فضلى، مع السهر على المحافظة على قيمتها، لا بل على تحسين هذه القيمة عن طريق التدريب الأساسي والمستديم، وأيضاً الخبرة المهنية والمسار الوظيفي والاهتمام بالصحّة والنشاطات الثقافية والترفيهية والعلاقات الشخصية، الخ. على كلّ فرد، في كل أبعاد حياته إذاً، أن يعتبر نفسه وأن يتصرّف كمركزٍ محتملٍ لتراكم الثروة النقدية، على غرار الشركة الرأسمالية. فعلى الجميع أن يتصرّفوا كرأسماليين، "رأس مالهم" ليس سوى شخصهم الكريم. فالجميع رأسماليون والجميع متعهّدون لذواتهم.

    أيّ صلافة هذه وأي انعدام دراية في الكلام عن "رأس مال" (ومن ثَمّ عن إمكانية تثمير وإثراء) تُقصَد به قوّة عمل تلك الأعداد المتزايدة ممن يعانون ظروف الحياة الهشّة والبطالة، وصولاً بكل بساطة إلى التهميش الاقتصادي والاجتماعي؛ لمجرّد أنهم لم ينجحوا في بيع قوّة عملهم كبضاعة، وبالطبع فشلوا في تثميرها كرأس مال. وتبقى هذه الصلافة عيباً وانعدام الدراية غباءً عندما تطبّق العبارة أيضاً على من يبادلون قوّة عملهم مقابل أجورٍ بائسة، والذين يزداد عددهم مع تنامي السياسات النيوليبرالية في الشمال كما في الجنوب.

    فعبر هذه الصلافة وهذا الانعدام في الدراية تتمّ محاولة إقناع هؤلاء وأولئك بأنّهم هم المسؤولين عن وجودهم في وضع البطالة أو "السخرة" في وظائفٍ مؤقتة: فإمّا أنّ ما لديهم ما يبيعونه، أو إنهم لم يحسنوا بيع ما لديهم. وهكذا تُطمَس التركيبات المسبّبة للتوزيع غير العادل أو للتملّك غير المتساوي للموارد المادية والاجتماعية والثقافية والرمزية في مجتمعنا، والتي لا تساوي في الحظوظ بين "رأس المال البشري" لشابٍّ من الأوساط الشعبية في ضواحي المدن وشابٍّ ينتمي إلى أوساطٍ أكثر يسراً.

    فمفهوم "رأس المال البشري" يعطي المشكلة بعداً فردياً ونفسياً، يذوّب جميع العلاقات الاجتماعية والحتميات المتفاوتة القوة الناجمة عنها في إرادة السعي الشخصي المتجسِّد في العبارة القائلة: "تكفي الإرادة للتمكّن". أما العاملون الذين ما زالوا محظوظين بالتمتّع بعملٍ ثابت، فالعبارة نفسها تحاول إقناعهم بأنهم مدينون بهذا الثبات إلى "رأس مالهم البشري". ولا يدفعهم ذلك فقط إلى فكّ تضامنهم مع الآخرين، بل أيضاً إلى الاقتناع بأنّه يكفي السعي باستمرار للمحافظة على "رأس المال" الثمين هذا وتطويره، وذلك بتحويل حياتهم خارج العمل، وفي جميع أبعادها، إلى مؤسّسة دائمة لتراكم الموارد المختلفة والهادفة إلى رفع قيمتهم في سوق العمل.

    لكن إذا كان كلّ فردٍ متعهّدً خاصّاً لنفسه، فإنّ ما لا يبقى مرئياً هي آلية الاستغلال الرأسمالي ذاتها. فالعامل، بصفته مديراً لـ"رأس مالٍ بشري"، لا يكون مفترضاً به أن يبيع رأس المال قوّة عملٍ تكون لترجمتها العملية (تحويلها إلى عملٍ في مدّة ووتيرة وجودة، أي في النهاية، في إنتاجية معيّنة) قيمةٌ أكبر من قيمتها الخاصة، وهو ما يؤدّي عموماً إلى فائض قيمة، أي إعطاء رأس المال أكثر من الكلفة التي تكبّدها. فالمفترض أن العامل يبيع "خدمات" يكون المعاش ثمنها العادل وموازيها النقدي. فلا مجال للاستغلال بين رأس المال والعمل المأجور؛ مجرّد أن الواحد يستفيد من "قدرته التسويقية" أكثر من الآخر...

    أصف إلى ذلك أن اعتبار مجرّد بضاعة (قوّة العمل) رأس مال، يعني ممارسة الـ"تيميّة" (التقديس الأعمى) بالمعنى الذي أراده ماركس لهذه الكلمة. وهذه إشاعة للاعتقاد بأنه، بحجة كون "رأس المال" قيمةً متحوّلةً قادرةً على الاستمرار والتطوّر عبر حلقةٍ لا تنتهي تتّخذ خلالها بالتناوب شكل بضاعةٍ ومال، فإن أيّة بضاعة (كقوّة العمل) أو أي مبلغٍ من المال، هما بمثابة رأس مال.

    هذا بدوره تستّرٌ مُتَجدِّد عن الشروط التي تسمح بنشوء رأس المال: استغلال قوّة العمل المأجور، وتحويل قوّة العمل إلى بضاعة، وما يستلزمه من إقصاءٍ للعمال وتجريدهم من الوسائل الاجتماعية للإنتاج، مع أنّها بالذات الثمار المتراكمة لعملية استغلالهم نفسها. فالتحدّث عن "رأس المال" بخصوص ما هو عكس رأس المال، وفي الوقت نفسه العنصر المؤسِّس له، يعني قلب جميع علاقات الإنتاج الرأسمالي، على نحوٍ يجعلها غير مفهومة. إنّه قلبٌ لنظام العالم.

    * أستاذ علم الاجتماع في جامعة "فرانش كونته". النصّ مأخوذ من كتاب يصدر هذا الشهر بعنوانLa Pr�histoire du capital (Editions Page deux, Lausanne)


    [1] نحن مدينون بمفهوم "رأس المال البشري" لعالم الاقتصاد الأمريكي تيودور وليم شولتز الذي اخترعها في الخمسينات. وقد جعلها شعبيّةً زميله ومواطنه غاري ستانلي بيكير، أحد ممثلي مدرسة شيكاغو، مع ميلتون فريدمان.

    [2] “ Ma lettre aux Français ”, Nouvelobs.com, 4/5/2007.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de