|
|
 البطانة استراليا السودان
|
البطانة استراليا السودان
بقلم السفير /محمد محمود أبوسن
مقال منشور في جريدة ألوان العدد3968 بتاريخ الثلاثاء 28/8/2007
يرتبط الحديث بالبطانة دائما بالشعر والد وبيت والمسا دير والخريف والوديان والصيد والغزلان وطائر الحباري وجميع مايريح النفس من الرهق الذهني والبدني , وفي المقابل قلما ما يرد الحديث عن البطانة وربطها بالتنمية والاقتصاد والعمل التجاري .
وفي هذا المقال فليسمح لي القارئ الفطن التطرق لموضوع البطانة والتنمية, وعبر هذا المقال هنا كرسالة يراد إيصالها للجمهور وللقيادات التنفيذية والسياسية
أول مقاصد هذه الرسالة هو رفع الوعي الوطني بشقية الشعبي والرسمي للالتفاف والتركيز على الثروة الحيوانية كأحد ركائز الاقتصاد الوطني لها ميزة نسبية على بقية قطاعات الاقتصاد بأنها لا تحتاج مدخلات كثيرة .
القصد الثاني لفت الانتباه لمنطقة البطانة الكبرى كمنطقة ذات ميزات خاصة من حيث الموقع الجغرافي قريبة من مراكز الاستهلاك وقريبة كذلك من موانئ التصدير على البحر الأحمر ومن حيث المناخ والطقس والنبات بالإضافة إلي إن لها إرثا متعارف عليه في تربية وتنشئة الجمال والأبقار والأغنام .
القصد الثالث هو التنبيه إلي ضرورة التخطيط الاستراتيجي للاقتصاد التكاملي علي مستوي السودان بحيث يوزع السودان إلى مناطق اقتصادية متخصصة تصب جميعها في الاقتصاد الكلي .
وأخيرا فأن من ضروريات التنمية وحسب ما يقول به خبراء الإدارة
والاقتصاد هو المشاركة الشعبية التي تتيح للمواطن العادي المشاركة والمساهمة في المشروع الاقتصادي المعني حتى لا يأخذ موقفا سالبا يكون معيقا للعمل ومحبطا لمخطط الاقتصادي.
نعود لعنوان المقال (البطانة استراليا السودان ) والعنوان يتحدث عن أن في الأمر مقارنة ومقاربة تتحدث عن تشابه وتقارب بين البطانة التي تتخذ في السودان الجزء مكان القلب واستراليا تلك القارة البعيدة والتي أصبحت عملاقا اقتصاديا بسبب الزراعة وتربية الحيوان ,بينما ظلت البطانة قابعة في مكانها لاتتجاوز سمعتها مايتداوله عامة السودانيين من أشعار قومية .
استراليا هي بلد قارة تشكل المناطق الرعوية فيها 90بالمائه من الأراضي الزراعية كما إن الإنتاج الحيواني يتركز في مناطق قليلة الأمطار في إقليم (new south Wales) وتشاب البطانة في نسبة الأراضي الرعوية والتي تشكل النسبة الأكبر من أراضيها كما أن مناخها اقرب إلي السافنا الفقيرة وهو ذات المناخ الذي تربى فيه الأغنام في استراليا وتتشابه كل من استراليا والبطانة في إنهما سهول ممتدة ومنبسطة وخاليه من المرتفعات تقريبا مما يسهل حركة الرعي وانطلاقها خاصة الرعي الواسع.
عرفت استراليا تربية الأغنام مع قدوم المستوطنين الأوربيين في القرن السابع عشر الذين ادخلوا سلالات الضان من المستعمرات التي أقيمت في ثاوث ويلز حين إن الأغنام عرفت في البطانة قبل وقت ابعد بكثير من هذا التاريخ وأنها سلالات مستوطنة وليست مستوردة .
تنتهج استراليا نهجا علميا وتجاريا في تربية الأغنام والأبقار بينما ظل الإنتاج الحيواني في منطقة البطانة والسودان عموما خارج الدورة الاقتصادية وظل الرعي والإنتاج الحيواني تقليديا وبدائيا.
تنتج استراليا نحو 25 بالمائة من إنتاج العالم من الأغنام حيث تمتلك 146.8 مليون رأس من الأغنام ونحو 24 مليون من الأبقار ويقدر إجمالي الثروة الحيوانية بنحو 170 مليون رأس في الوقت الذي يمتلك فيه السودان نحو 126 مليون رأس من الثروة الحيوانية وهي نسبة تمثل نحو 80 بالمائة مما تمتلكه استراليا ولكن المفارقة تأتي عندما نذكر أن حجم مساهمة استراليا في السوق العالمي في حين إن السودان لابساهم في السوق العالمي بأي رقم يذكر .وبقرءأة مبسطة بمفهوم اقتصادي فأن كافة المنتج الحيواني السوداني خارج دورة الاقتصاد العالمي.
حجم استراليا في السوق العالمي لم يأت من فراغ وإنما جاء بعمل علمي جاد أسس لبنيات تحتية متميزة ..مؤسسات متخصصة في صحة الحيوان ,الترويج ,التسويق ,التقنية والبحث العلمي.
فعلى سبيل المثال فان مزارع تربية الضأن في استراليا والتي تنتشر في منطقة نيوثاوث ويلز لا تقل مساحة المزرعة الواحدة عن العشرة الآلاف هكتار وتصل في بعض الأحيان إلي مائة إلف.
وتعمل المزارع هذه والتي يمتلكها بالكامل القطاع الخاص بتنسيق محكم في شكل مجموعات ينسق كل العمليات الإنتاجية وتشرف على ذلك شركات متخصصة Australian wool innovation, dairy Australia meat and livestock, Australia animal health, Australia marketing intelligence.
تتبع الإنتاج الحيواني صناعة كاملة مرتبطة مثل صناعات منتجات الألبان من الضان, اللحوم, الجلود والأصواف ويلاحظ في هذا الصدد أن منتجات الألبان من الضأن تدخل في المنتج الحيواني الكلي في السودان خارج دورة منتجات الألبان وكذلك الحال بالنسبة للأصواف.ولعل من أهم نجاحات أستراليا هي التسويق أو marketing والذي تسخر له كافة أجهزة الدولة بما فيها وزارة الخارجية ,أجهزة المخابرات ووزارات القطاع الاقتصادي والخدمي فمثلا توفر وزارة التعليم منحا دراسية جامعية وفوق الجامعية لمستهدفين من صناع القرار في بلدان العالم المستهدفة ,والتي كذلك ومن خلال البنكي توفر استراليا لبعض تجار اللحوم فيها بواخر نقل كبيرة صممت لحمولات الضأن الاسترالي, ومع كل ماذكر من ايجابيات وميزات تتمتع استراليا إلا إن السودان وبما يملكه من ثروة حيوانية ومن إمكانات وميزات يظل المنافس المتوقع لذلك العملاق ذو المساهمة الكبيرة في السوق العالمي لمنتجات اللحوم .
هذه الحقيقة تلمستها شخصيا من خلال عملي في الخارج في بلد يستورد كلا من اللحوم السودانية والاسترالية سويا, وحيث تجد اللحوم السودانية إقبالا كثيرا يثير حفيظة الطرف الأخر ويسعى جاهدا لإيقاف هذا التنافس في سوق ظلت محتكرة لعقود من الزمن.فلماذا هذا الشعور بالمنافسة ؟ والرد يكمن في الأتي : السودان يمتلك ثروة حيوانية ضخمة لها وزنها على مستوى العالم ..وهذه الثروة يمكن أن تتضاعف إذا ما وجدت وسائل تقنية حديثة.
إذا قسنا الثروة الحيوانية بعدد السكان فأن المعدل يبلغ 5:1 بمعنى أن كل فرد في السودان يفترض نظريا أن يمتلك خمسة رؤؤس ثروة حيوانية وهذا مؤشر إلى أن هناك فائضا من هائلا قابل للتصدير.
أن اللحوم السودانية تتمتع بسمعة طيبة من حيث جودتها (قليلة الشحوم)وتصنف ضمن قائمة الطعام العضوي بحكم الرعي الطبيعي..وأن اللحوم السودانية اقرب للوصول لأسواق دول الخليج وبلاد الشام ,وشمال إفريقيا وهي أسواق مهمة تتنافس عليها جميع دول العالم وعلي رأسها استراليا.
الحديث عن الثروة الحيوانية في السودان يقودنا إلى منطقة البطانة التي خصها هذا العنوان وربطها باستراليا فلماذا هذا ؟ من ضرورات التخطيط الاقتصادي هو تحديد مناطق التركيز الجغرافي الذي يقصد به هنا تكثيف الجهد في منطقة ذات ميزة نسبية بقية الخروج بأفضل النتاج الاقتصادية..وفي هذا الصدد فأن البطانة تلك البقعة الممتدة في مساحة لاتقل عن ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع تقع في وسط السودان وتمتد إلى الشرق في ثلاث ولايات هي الجزيرة والقضارف وكسلا..فهي بالتالي قريبة من مناطق الاستهلاك المحلي وكذلك موانئ التصدير على البحر الأحمر..وكذلك قريبة من طرق المواصلات الرئيسية التي تربط وسط السودان بشرقه.
ثانيا من حيث المناخ هي الأقرب لمناخ ثاوث ويلز في استراليا سافنا فقيرة وأخرى غنية في جنوب البطانة .
ثالثا:تعتبر البطانة من حيث التضاريس الجغرافية سهول ممتدة تصلح للرعي الواسع كذلك الحال في استراليا.
لاتزال الأراضي المخصصة للرعي هي الأكبر والأوسع على الرغم من وجود مشاريع ضخمة للإنتاج الحيواني .
للبطانة ارث متوارث في تربية وتنشئة الجمال والأبقار والأغنام ويوجد بها عدد من كبار مربي الأغنام والأبقار مما يؤسس لقيام مشاريع ضخمة للإنتاج الحيواني التجاري.
كذلك هنالك فرصة جيدة لقيام صناعات موازية في منتجات الألبان والصوف حيث إن هنالك حرفية واضحة لدى السكان في غزل الصوف ومنتجات الألبان لما يؤسس لقاعدة مهنية جيدة لنجاح صناعة على مستوى اكبر وأشمل ولعل قيام وحدة إدارية اقتصادية على مستوى السودان لتطوير الصناعة التقليدية هو أهم مشاريع الأسر المنتجة ومحاربة الفقر وفي هذا الصدد فأن التجربة المغربية في رعاية الصناعة التقليدية تعتبر نموذجا يمكن أن يحتذى.
منطقة البطانة تكاد تكون خالية من أمراض الحيوان وهي بهذه الصفة وبحكم قربها من مواني التصدير يمكن أن تكون بمثابة نقطة تجميع لصادرات السودان من الثروة الحيوانية.
كيف يمكننا تحويل منطقة البطانة إلى مانبتغيه لتكون نافذة الصادر للثروة الحيوانية ومنطقة تركز جغرافي لصناعات ملحقة بالثروة الحيوانية ..كم الحال بالنسبة لثاوث ويلز في استراليا.
ونبدأ بالمقترحات الآتية:
دون خلل بالتبعية الإدارية (البطانة موزعة بين ثلاث ولايات), فمن الضروري تسمية البطانة كمنطقة اقتصادية خاصة(special economic zone) ويصدر بذلك قانون خاص لإنشائها ,تمثل في هذه المنطقة الاقتصادية الخاصة الولايات الثلاث على أن يترأسها مسئول ذو اختصاص تعينه الحكومة المركزية وترفد الهيئة بخبراء في المجالات المهنية المتخصصة .
تحدد الهيئة فترة زمنية (10) سنوات مثلا تتحول مسئولياتها بعدها لاتحاد كبار الملاك.
تعمل وفق قانون تحدده الحكومة المركزية..وفق أغراض محددة تعني بتطوير المنطقة لتصبح المصدر الأساسي للثروة الحيوانية, ويحق لها الاستعانة ببيوت خبرة محلية أو عالمية في مجال أنتاج الحيوان.
تبدأ الهيئة وبالتعاون مع السلطات المحلية في الولايات الثلاث بحصر تصديقات المشاريع الزراعية المرتبطة فقط بآلانتاج الحيواني .
تعمل الهيئة على كبار ملاك الثروة الحيوانية في مجمعات زراعية كبيرة و لاتقل عن العشرين ألف رأس من الأغنام أو الأبقار والغرض من ذلك توفير خدمات بيطرية لصحة الحيوان.
البحث والتطوير العلمي في مجال الإنتاج الحيواني
توفير المياه للإنسان والحيوان والصناعة.
إدخال البحث العلمي في مجال تطوير زراعة الاعلاف.
تعمل الهيئة وفق قانون الاستثمار للترويج الاستثماري وتستهدف ذلك رأس المال المحلي, هنالك عدد من الرأسماليين من أبناء المنطقة الراغبين في مشاريع ضخمة وكذلك السعي لاستجلاب رأس مال عربي وإقليمي.
تعمل الهيئة
|
|
 
|
|
|
|
مشتاق
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست