الشعرُ المُطَلْسَم ليس من الحداثة في شيء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-09-2007, 04:02 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
الشعرُ المُطَلْسَم ليس من الحداثة في شيء

    الشعرُ المُطَلْسَم ليس من الحداثة في شيء
    خالد أحمد بابكر

    بادئة:
    شعراء هذا اليوم جنس ثالث،
    فالقول فوضى، والكلام ضباب
    (نزار قباني)


    ظاهرة الغموض في الشعر الحديث واحدة من أعقد الظواهر التي يجابهها القارئ أثناء قراءته لقصيدة أو خاطرة شعرية أو أي جنس آخر من أجناس الأدب المتعارف على تصنيفه على أيامنا هذه. والأدب مقصود به ـ كما هو معروف ـ التهذيب والتأدب والصقل والتثقيف وإيصال ما يُكتب إلى الآخر بأسلوب جمالي ينفذ إلى القلب والوجدان دون تعقيد. والأدب الرفيع وحده يستوعب التجاريب ويعبر عما تمليه بواعث الحياة التي تخاطب الفطرة الإنسانية. وشتان ما بين كتابة تنبض بالحياة والمتعة، وكتابة تعقدها وتقف عند مظاهر القشور والطلاء.
    إن ما يدفع القارئ إلى القراءة ـ دون شك ـ هو الهواية، فليس من الإنصاف وضع العراقيل في طريقه لابتزاز حاجته إلى فعل القراءة. ولكن - من جهة أخرى - ماالذي يدفع الشاعر إلى كتابة هذا النوع من الشعر، أو كتابة الشعر على هذه الصورة الترميزية؟ هل هو تشربه بثقافة غير تلك التي درج القارئ على قراءتها؟ وهل هذا هو الأسلوب الأمثل لإيصال الفكرة إلى القارئ؟ وهل يعني هذا أنه يفتقد الأساليب المناسبة لإيصال تلك الفكرة؟ ما الذي يجعل الشاعر شاعراً في ظل افتقاره لأساليب إبداعية تعينه على إيصال المتعة والفكرة إلى القارئ؟!
    يحضرني قول قديم للشاعر المصري المعروف صلاح عبد الصبور حين سئل ذات يوم: هل تقرأ لجيل الشباب؟ فأجاب: نعم بكل تأكيد، ولكنني في بعض الأحيان أجد صعوبة في فهم ما يرمي إليه الشاعر، وقد قرأت في إحدى المرات قصيدة لشاعر شاب فلم أفهمها، ومعروف عني أنني أقرأ القصيدة لمرة واحدة فأردد غيباً أغلب أبياتها، ولكن الذي حصل هذه المرة ـ أنني لم أفهمها، فأعدت قراءتها مرة أخرى، لا بل (مرات) أخرى ولم أفهمها أيضاً، فأدركت في النهاية أن العيب ليس فيّ أو في ذاكرتي، ولكن العيب في كاتب هذه الكلمات المبهمة والمستعصية على الفهم". ومعروف أن صلاح عبد الصبور أطلق على هذا الصنف من الشعراء لقب (شعراء الأحاجي والألغاز). وهو وصف يكاد ينطبق على كثيرين ممن نعرفهم من أبناء جيلنا. فإذا كان شخص في قامة صلاح عبد الصبور وتاريخه قد عانى من هذه المشكلة، فكيف لا يعاني منها قارئ هاوٍ ينحصر كل همه في إشباع ذائقته الأدبية؟
    على أن هنالك قامات أدبية باسقة كتبت أدباً وشعراً واضحاً فهمه الناس.. كتبت شعراً رصيناً فأحبه الناس وأحبوهم، لم يستعرضوا عضلاتهم اللفظية على القارئ لأنهم كانوا أصحاب رسالات أدوها بكل ثقة وأمانة واقتدار، وخلدهم التاريخ حتى أصبحت كتاباتهم مراجع ودراسات يستعين بها النقاد والدارسون والباحثون.
    قد نختلف في بعض الأحيان حول الشكل أو المضمون مع هؤلاء الشعراء الذين نحن بصدد الإشارة إليهم، ولكن هل يجادل مجادل في موهبتهم أو يشكك في شاعريتهم؟ فالراحل نزار قباني ـ مثلاً ـ كتب شعراً هيناً سلساً طيّعاً يفهمه حتى أنصاف المثقفين وأشباههم ويتذوقه العامة، ومع ذلك فقد جاء أدبه رائقاً استساغته فئات المجتمع كافة، وكُتب له الخلود بعد ذلك. أنظر كيف كان نزار قباني يتغنى بدمشق فيصفها وصفاً تذوب له الأفئدة، وتستوعبه العقول، وتستنفر له كل الأحاسيس الرهيفة، يقول:
    قمرٌ دمشقيٌّ يسافر في دمي
    وبلابلٌ.. وسنابلٌ.. وقبابُ
    الفلُّ يبدأ من دمشقَ بياضَهُ
    وبعطرها تتعطرُ الأطيابُ
    والماء يبدأ من دمشقَ.. فحيثما
    أسندتَ رأسك، جدولٌ ينسابُ
    وهاهو صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله يَعْرض ببراعة ويسر قلّ أن تتوفر هذه الأيام، في قصيدته (حنتوب – شاعر شعب)، وهو يبدع وصفاً ويرثي رفيقه (شيبون):
    كان شيبون مع ذلك إنساناً بسيطا
    كان ريفي
    كان كالسيل وكالظل الوريف
    قال لي فوق ندى العشب الخريفي
    والثعابين لها نحو الصديقين التفات
    يا صلاح..
    ما حياتي إن أنا ضيعتها دون أن
    أبني بناء للغد
    أنا إن عشت وشعبي مرهق مستغل
    ثم لم أمدد يدي
    فأنا لست بإنسان له عيد ميلاد
    أنا لم أولد
    هكذا غنى كمال
    فلنفجر شعرنا فوهة بركان
    نضال
    إذن لم الغموض والإبهام في الشعر؟ ولماذا كتابة أدب يستعصي على الفهم؟ لماذا نقرأ قصيدة للمتنبئ أو محمد المهدي المجذوب أو محمد المكي إبراهيم أو مصطفى سند، فنحفظها ونحللها جملة وتفصيلاً؟ ما الذي يرمي إليه هؤلاء الشعراء المحدثون من وراء كتاباتهم لشعر كهذا؟! ماذا يريدون أن يقولوا للقارئ؟ وما الذي ينتظرونه منه؟ هل يأملون منه أن يصفق لهم ويثني على هذه الكتابة (الخارقة) التي توهموا ساعة كتابتها أنها اكتشاف عظيم وفتح مبين في عوالم الشعر؟. ومما يؤسف له أن هذا النوع من الشعراء يوظف بشكل غريب: السريالي والرمزي والغرائبي، دون أن يكون ملماً بأبسط قواعد ومعايير هذه الفنون، فالتحديث الشعري ليس تذويقاً لفظياً أو شكلاً فضفاضاً وحسب. ثم ما هي الأساليب الإبداعية والأنماط الشعرية التي اكتشفها وابتكرها لنا هذا الغموض المغرق في الظلمة؟ فالأدوات هشة وغير متماسكة دلالياً، واللغة فقيرة وغير مشذبة حافلة بالركاكة اللفظية في كثير من الأحيان. اقرأ معي يا قارئي هذه المقاطع من «منزلة الرمق» لنجلاء عثمان التوم:
    هب هذه هي الحياة
    هبك هواء أجرحه بصراخي
    هبك أيضاً تمنحني ظلاً وجرائر
    هبني جلست إليك لأندم عليّ
    كيف ستجعلني أنسى أنني عبور
    جذور جديدة تتفسخ ريثما تبرأ
    عندما قرأت هذه المقاطع النثرية - والتي لا يمكن بأية حال أن تكون مقاطع شعرية – تذكرت ابن خالي الأستاذ أنس الحبيب الشريف حين قال لي ذات مرة مستهجناً ما يسمونه بـ (الشعر المنثور).. وقال متهكماً أن بإمكانه أن يصدر ثلاثة دواوين شعرية كل شهر من هذا النمط الكتابي العجيب!!
    ونقول إن الغموض له حدود فنية إن تجاوزها تحولت معه الكتابات إلى كتابات (مشفّرة) وطلاسم وأحجية تجعلك تتهم نفسك بالغباء ومن ثمّ تعمد إلى ضرب رأسك بالحائط وشجِّها على أساس أنها كتلة لحم وعظم لا فائدة منها لفهم كلام مكتوب!
    يظن بعض شعراء قصيدة النثر أن الأمر يتركز في رصف كلمات مبهمة إلى جانب كلمات أكثر إبهاماً، في ممارسة تشبه الشعوذة، معتقدين أن القارئ سينظر إلى إبداعاتهم (المفترضة مجازاً) على أنها العبقرية التي تفوق مستوى إدراكه. بينما بساطة الصياغة، وعمق الفكرة وبكارتها جعلت من محمد الماغوط رحمه الله ـ ملكاً متوجاً لمثل هذا الفن النثري ـ كما هي الحال لدى الشاعر الأمريكي (والت وايتمان: أول رواد قصيدة النثر) وصحاب القصيدة المشهورة عالمياً (أوراق العشب Leaves of the Grass). والماغوط عبّر عن أوجاع منفاه وتشرده وجوعه في ديوانه (غرفة بملايين الجدران)، صارخاً في جب معاناته السحيقة: لقد نسيت شكل الملعقة.. وطعم الملح)!.. ست كلمات منه كانت كافية لرسم لوحة كثيفة التعبير.
    من خلال طرحنا لظاهرة الغموض باعتبارها عقبة في وجه الأدب، لا نطالب الشاعر بأن يلجأ إلى الشرح والتفصيل بشكل يؤدي إلى اهتراء النص وافتقاره للإثارة وإشارات اللغة والرمز والتكثيف والشاعرية، فنحن نعيش الآن غربة أدبية قاتلة تجعلنا نفهم الحداثة بشكل بائس وكأنها نظرية مستعصية على الإدراك بسبب ظاهرة الغموض هذه، فالحداثة حالة تجدد وتحول تصب أولاً وأخيراً في رفعة الأدب ورقيه ومنحه دلالات إبداعية معرفية متجددة.
    تقتضي الأمانة ألا نتجاهل النماذج الجيدة على قلتها والتي كتبت في هذا المنحى بشكل واكب الحداثة واستوفى شروطها، فأفرز أدباً زاهياً تقبله كثيرون في حقل الأدب. نحن لا نطالب الشاعر بأن يدلي بأسراره ومفاتح شعره من خلال معادلة الوضوح التي نطالبه بها، ففي هذه النقطة بالذات يمتلك الشاعر حق السير في هذا الاتجاه، فله أن يراوغ مستعيناً بالغموض والرمز لطرح الفكرة وتقديم الصور الناصعة ناثراً شعره تلميحاً لا تصريحاً، فلسنا من دعاة التبسيط، بل من دعاة البساطة.. البساطة في كتابة الكلمة المعبِّرة، والبساطة في نقل الواقع ولكن بكتابة معمقة تلتزم بشروط الكتابة، وبالتالي بناء وتشييد نص إبداعي زاخر بما يخدم وظيفته في توصيل المبتغى إلى القارئ.
    وعندنا، أنه إذا كان لابد من هذا الغموض فيجب أن يكون غموضاً يشف عن دلالة بالتأمل لئلا تصبح الصورة لغزاً من الألغاز. والغموض لا يكتسب مشروعيته الشعرية إلا إذا دخل في علاقة مع مكونات الخطاب الشعري الأخرى. ومادامت القصيدة بناءً متكاملاً، فإن الغموض الدلالي ينبغي أن يكون في انسجام تام مع عناصر الشعر الأخرى. ولكن لا يجب الخلط بين الغموض والإبهام لأن الأخير يلغي مسافات من التفاعل بين النص والواقع، وبين الشاعر والمتلقي، ومردُّ الإبهام إلى اضطراب في الفكرة، وتشويش في الرؤيا، بينما الغموض على العكس من ذلك. وهذا الخلط بينهما فتح المجال أمام المتطفلين على الشعر فظهرت أسماء كثيرة تدعي كتابة النص الحديث المسربل بالغموض دون أن تمتلك ذرة من موهبة أو إبداع.
    هل يُعقل أن نثقل كاهل القارئ بفك هذه الطلاسم، ونلقي على كاهله الاستعانة بقواميس لفك هذه الأحاجي؟ ليس القارئ مضطراً لقراءة مثل هذا الشعر، وليس مضطراً فوق ذلك للاستعانة بمثل هذه القواميس لفك الطلاسم. إذن فعلى من تقع المسؤولية؟ نرى أنها تقع على الجميع نقاداً وباحثين ومثقفين. هذا الشعر المطلسم ليس من الحداثة في شيء، فهو قد فُرضَ علينا لأسباب ليست أدبية.
    يقول العقاد في مطالعاته، صفحة (18): لا فلاح لأمة لا تصحح فيها مقاييس الآداب ولا ينظر فيها إليها النظر الصائب القويم لأن الأمم التي تضل مقاييس آدابها تضل مقاييس حياتها، والأمم التي لا تعرف الشعور مكتوباً مصوراً لا تعرفه محسوساً عاملاً".
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de