|
دييجــو غارســيا - صــالح فــــرح
|
هل تعرف هذا الإسم؟ أكبر الظن أنك لا تعرفه ولا تعرف أين يكون. ولو حدثتك أنه إسم لجزيرة في المحيط الهندي قبالة شواطئ إفريقيا الشرقية، وأن تلك الجزيرة في محيط أرخبيل سيشل وأن سيشل كانت منفى سعد زغلول وزملائه يوم ضاقت بريطانيا بمعارضتهم حمايتها على مصر، وأن أرخبيل سيشل بأسره كان مستعمرة بريطانية، فإن ذلك كله قد لا يعينك في تحديد مكانها على الخارطة. دييجو غارسيا لا يتجاوز عدد سكانها 1800 (ألف وثمانمائة) شخص، هم (العبيد) الذين رأى النخاسون البيض تكويمهم (dump) في تلك الجزيرة الصغيرة. تسابق الإستعمار الأوربي نحو إفريقيا في القرن التاسع عشر انتهى في القرن العشرين بموجة الإستقلال التي اجتاحت القارة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب فأغرقت النظام العنصري في جنوب إفريقيا وانهت حكم إيان سميت في روديسيا (زمبابوي اليوم) وقضت على فكرة الجزائر هي فرنسا وراء البحار كما قضت على فكرة انجولا هي البرتغال وراء البحار. وخرج المستعمرون مخلفين وراءهم الفوضى والإقتتال. في وسط هذه الفوضى والإقتتال نشأ سوق عمل مربح لمن عرفوا بالمرتزقة، نفر من البيض اتخذ من التقتيل مهنة يبيعها لمن يرغب. واستأجرت خدماته الفرق المتناحرة في بعض أقطار إفريقيا وفي السودان كانوا قد قبضوا على واحد منهم. ثم سعى المتقاتلون للإستنجاد بالخارج ـ لم يسعوا إلى السادة القدامى وهم قد ناضلوا للخلاص منهم، وإنما سعوا إلى المعسكر الإشتراكي. وجن جنون الرأسمالية المنسحبة وبدأ تسابق جديد نحو إفريقيا غايته الحيلولة بين وصول الإشتراكية والإشتراكيين إلى إفريقيا من جهة ومن الجهة الأخرى الإستحواذ على ما تكشف ـ حقيقة أو ظنا ـ من ثروات في أرض إفريقيا البكر. فالإستحواذ على ثروات إفريقيا ضرورة لأن يعيش أطفالهم في أمن وسلام كما زعموا. التسابق نحو إفريقيا هذه المرة تدفعه شركات المال وتقوده حكومات على رأسها الإمبراطورية الأمريكية وفي ذيلها حكومات الإستعمار الأوربي القديم وحكومات أخرى من أوربا تدافعت نحو الفتات بعد أن فاتتها الوليمة. التمدد الإمبراطوري الأمريكي في سعيه للتسيّد على الدنيا ولفها بحزام من قواعده العسكرية، بحث عن موطن قدم له حول إفريقيا. وعرضت بريطانيا جزيرة دييجو غارسيا، ولكن للجزيرة سكانا وأمريكا تريدها خلوا من الناس، لا بأس. بريطانيا سترحل الألف وثمانمائة قسرا إلى سيشل حتى تؤجر الجزيرة خالية للأمريكان، وأمريكا ستدفع نحو 12,000,000.00 مليون دولار ـ بمعدل نحو 600.00 دولار عن كل رأس من البشر. لبرلمانها وللعالم قالت حكومة بريطانيا أن الجزيرة أرض بغير سكان ـ تماما كما زعموا بشأن فلسطين أنها وطن بلا شعب، وأن ألـ 12,000,000.00 دولار ليست ثمن مقايضة البشر ولكنها مساهمة أمريكية في مشروع بريطاني لتقنية الغواصات النووية. أنا لا أدري كم مدة عقد إيجار الجزيرة وكم مقابله، ولكن الأمركيين مازالوا هناك ويبحثون الآن عن موقع لقاعدة في أرض إفريقيا القارة، وسيجدونه بكل تأكيد فإغراء المال في حالة التراضي أو الجبر بالقوة في حالة التمنع سيجد من يضعف أمامه ـ هذا إن كان هو أصلا على شئ من القوة، ومن قال أن أبا رغال أو كويلزنج لن يتكررا وكلاهما خائن عرفه التاريخ. قصة دييجو غراسيا لم تنته فصولها. بعد تغريب أهلها لأكثر من ثلاثة عقود غلبهم الحنين إلى ديارهم، وأهل سيشل قد ضاقوا بالقادمين المفروضين عليهم، وكفاهم أنهم احتملوهم على كره نحو ثلاتة عقود. هذا التململ في الجانبين كان نذيرا بعدم استقرار، فلما استقلت سيشل في سنة 1974 ظن أهلها أنهم قد ملكوا أمرهم فأعلن رئيس الجمهورية الجديدة عزمه لأن يعيد الأمر إلى نصابه " فيشحن " أهل دييجوغراسيا إلى حيث جاءوا ـ من غير مقابل هذه المرة. ولكن مجرد الإعلان (وقبل أن يتم فعل) فيه خروج عن الطاعة ونقض لما أبرمه السادة فلا بد من التصرف، والتصرف هو الإنقلاب أو الإغتيال وأيهما كان فإن CIA و MI6 جاهزان لنوع التصرف الذي قد يقتضيه الحال، والتصرف دائما عن طريق العملاء. ولم ينجح التصرف هذه المرة وقبض على ستة من المشاركين فيه وتدافع القوم عن طريق طرف ثالت جديد لفك أسر عملائهم ـ ربما درءاً للفضيحة أو ادخارهم لمهمة أخرى، وافتدوهم بـ 3,000,000.00 ملايين دولار.. نصف مليون دولار عن كل عميل، كانت برداً وسلاماً على المستضعفين. المفارقة.. ثلاثة ملايين دولار عن ستة من البيض، وإثناعشر مليون دولارا عن ألف وثمانمائة من إنسان إفريقيا الأسود.. باعته بريطانيا واشترته أمريكا وفي آخر القرن العشرين. إنسان إفريقيا ظل دائماً عندهم رخيصاً.. اصطادوه كما تصطاد الأرانب واستعبدوه وباعوه بالثمن البخس.
صالح فرح
صحيفة السوداني
|
|
|
|
|
|