لماماً جعفر عبد المطلب : مقاهي القرفصاء! (إنطباعات إجازة في الوطن )
ربما لا يعرف أبناؤنا الذين ولدوا و فوق رؤوسهم البندقية أبان العهود الشمولية ، أن الخرطوم التي إنتشرت فيها مقاهي " البنابر " في كل حي وركن و ساحة ، كانت تنتشر فيها المقاهي الراقية مثل "أتنيه " و " السليماني " و "الجي بي " والمحطة الوسطي " و" يوسف الفكي " في أمدرمان . هذه الأسماء نذكرها علي سبيل المثال لا الحصر . المحطة الوسطي كان روادها ، طلاب المرحلة الثانوية ، والجامعة ، وأبناء الطبقة الوسطى من الموظفين كافة . كنا نجلس ونحن أبناء الثانوي ننتظر الأستاذ الكبير (المحجوب ) ليطل بقامته الباسقة في طريقه إلي مكتبه . أما "السليمانى " فكان الجلوس فيها قاصرا علي النخبة ، أمثال مولانا ( أبو رنات ) و الأستاذ (أبوحسبو) وكبار القضاة ورجال القانون . أما "الجي بي " فروادها من نوع اخر ! أما "اتنيه " فكانت تعج بالأدباء والفنانين والصحفيين والشعراء وغيرهم . مايزال ذالك الركن القصي الحبيب الي نفسي ، في "أتنيه "مطبوعاً في ذاكرتي ، حيث كنت ألتقي ضيوف ( مرافئ الغربة). كانت كل هذه المقاهي في منتهي النظافة والأناقة ، يخدم فيها نادلون في أزياء موحدة ،عندما كانت الخرطوم تشبه المدن الراقية . للأسف الأنظمة الشمولية كعادتها لايروقها وجود مثل هذه المقاهى، حيث تصبح مكاناً يتجمع فيه الناس ، لاسيما الطلاب والمثقفين ، حتي لاتتسع دائرة الإستنارة، ويشع ضوء الوعي ، ويتقلص ظل الظلم وألإستبداد !. أختفت المقاهي في ذات الفترة التي إختفت فيها بعض معالم الخرطوم ا مثل الجندي المجهول،الذي كان منتصباً بقامته المديدة صوب القصر الجمهوري ومعالم كثيرة أخري . قصدت من هذه المقدمة أن أقدم لأبناء هذا الجيل "فلاش باك "، كما تقول الفرنجة . حتى يكون في مقدورهم تخيل الخرطوم في زمانها الباهي .أما خرطوم اليوم فقد تغيرت بشكل دراماتيكي . !هاهي مقاهي القرفصاء و" البنابر " تغطي أحياء العاصمة وأزقتها وتتمدد في الشوارع والساحات .حتى لا يساء فهمي أنا لست ضد بائعات الشاى ، أكيد هن نساء مناضلات من أجل لقمة العيش الشريف ، ربما يعلن أسر، ربما يشرفن علي تربية وتعليم أبناء وبنات . ولكن الذي لم أفهمه ولن أفهمه أن تتحول العاصمة إلي هكذا ظاهرة . الغريب عندما تكون البائعة في الخمسين من عمرها يبدو الجو جاداً ، وعندما تكون البائعة دون الثلاثين تحس أن الزبائن في حالة انبساط يتجاوز إنبساط " كيف الشاي العادي" ! ماذا يفعل هذا الكم من البشر وهم جلوس حول بائعة الشاى طول النهار ؟ صحيح فيهم الشباب المحبط ، المنتظر أداء الخدمة الوطنية ، وفيهم الذي أداها وفي إنتظار الوظيفة التي تأتي ولاتأتي ! وفيهم ضحايا قانون الصالح العام سئ السمعة ! وفيهم أرباب معاشات ، وأيضاً طفيليون وغيرهم من الهائمين علي وجوههم . .إذا كان الله قد جعل إبن أدم وريثه في الأرض لفلاحتها وإعمارها، ليخترع الشبكة ويسافر في الفضاء ويكابد من أجل تحسين البيئة والمحافظة على مواردها للأجيال التي تأتي .أي خلافة هذه التي تكون قاصرة علي تناول الشاى طول اليوم ؟ لقد عرف اهل السودان بتناول الشاي ثلاث مرات في اليوم من باب العادة . صحيح في بلاد مثل المغرب العربي وموريتانيا يقدم الشاي طول اليوم ، و لكن ليس في السودان ! هل لاحظتم أن العاصمة تخلو من المطاعم السودانية الراقية ! أقصد مطاعم سودانية تعكس ثقافة المائدة السودانية . بحثت عن مقهى لديه هوية (بالضمة بالمناسبة) سودانية ، أقرا فيه صحف الصباح فلم أجد ، لايقل لي أحدكم ذالك المقهي المشهور ! ، أنا أقصد المقهى الموجود فى كل من القاهرة وبيروت ودمشق وطنجة وداكار وباريس ومدريد وتورنتو وغيرها من المدائن . أيضاً لاتوجد دورات مياه صالحة للإستعمال ! كيف نسوق ماعندنا من كنوز وثروات سياحية للعالم ، ومدننا تفتقر لأبسط مقومات السياحة ؟ طبائع الشعب السودانى المميزة وتنوعنا الأثني والثقافى والجغرافي و موروثنا المتفرد من العادات والتقاليد ، ألا يستحق أن يشاهده السواح من مختلف بلدان العالم ؟ صدقوني لو احسنا استثمار ما لدينا من امكانات سياحية ياتي علي راسها ظاهرة معانقة النيل الابيض لتوامه الازرق فى الخرطوم ،التي لاتتكرر في أي مكان اخر في الدنيا ! ثم جمال اهل السودان وبساطتهم وكرمهم الوراثي وترحابهم بالضيف ، كل ذالك يشكل دخلا قوميا يتجاوز دخلنا من البترول. في محيطينا العربي والأفريقي بلاد عريقة فى مجال السياحة وهي بلاد شقيقة وصديقة يمكن الأستفادة منها في التدريب السياحي وتبادل الزيارات بين الخبراء .أيضاً هناك ظاهرة هندسة العمارة المشوهة ، حيث لاتعكس المباني هوية المدينة السودانية ولاحتي أسماء الأحياء تعبر عن تاريخنا ولاتراثنا! من الملامح الإيجابية ، تسمية الشوارع بأسماء رموزنا الوطنية ، لأول مرة أستطيع أن أقول إنني أسكن شارع المربي والمعلم الأستاذ الجليل ( عبد الرحمن علي طه ) . هؤلاء يستحقون أن تنصب لهم تماثيل في الميادين والساحات العامة . ولكن كيف ذالك ؟ الأستاذ ( مبارك الكودة ) المعتمد الجديد أمامه فرصة ذهبية لدخول التاريخ ، شريطة أن يتحلي بفضيلة الإعتراف بما ارتكب من أخطاء.ابان سنوات الانقاذ الاولي . ان يبدا فورا في ازالة التشوهات ، وان يسعي جاهدا لاعادة تاهيل الخرطوم لتكون عاصمة عملياوليس اسميا !و ان يرتق كل الفتوق التي اصابت ثوب الخرطوم الذي كان يسمي" الخرطوم بالليل" وتلبسه سيدات المجتمع المخملي انذاك ، وأن يعيد أوصالها المقطعة ، طبعا ليس من بينها "الجي بي " ، ,ان يضئ الخرطوم بالمكتبات والمسارح ويطرزها بالمقاهي الراقية والمطاعم النظيفة ، لاسيما المطاعم الشعبية التي تعكس ثقافة المائدة السودانية وتنوع اطباقها . .حتى يحس أهل السودان أن الخرطوم تشبههم ويشبهونها ، خاصة و الرجل له تجربة في كرري اتسمت بالكثير من الانجازات الحضارية الراقية إذاً ما الذي يمنعه ان يجعل من الخرطوم توامة لمدينة (دبى ) او (ابوظبي ) او ( الشارقة)؟ لاسيما واهل هذه البلاد الطيبة يسعدهم ذالك ويتمنون ان تكون عاصمة السودان البلد الذي بني ابناؤه لهم مدنهم الجميلة في مستوي هذه المدن .
لقطة الخميس : علي مشارف سوق أمدرمان توجد دورة مياه عامة، يبدو أنها "إستثمارية " سعرت خدماتها كما يلي : ثقيل: 1000 جنبه :خفيف: 500 جنيه . ؟ تساءلت في نفسي كم سيدفع المسكين المصاب بنزلة معوية خاصة ونحن في موسم الخريف ! !
إنتظرونى الخميس القادم كما يقول مذيعو القنوات الفضائية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
جعفر عبد المطلب
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست