شيبون.. قضيب القطر.. محمد خير حسن سيد أحمد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 09:16 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-01-2007, 05:34 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
شيبون.. قضيب القطر.. محمد خير حسن سيد أحمد

    شيبون.. قضيب القطر
    محمد خير حسن سيد أحمد

    كان من عادة الشبان السودانيين – الماجنين – أن يذهبوا إلى (الأنادي، جمع أنداية) إن أرداوا أن يشربوا الخمر.. وقد كانت خمرهم لا من خمر بنت الإغريق.. خمرة (باخوس النقية).. وإنما كانت خمرهم بنت الفتريتا – مريسة أم زين.. كانوا يقصدون الأنادي عصراً ويجلسون على البنابر وأمامهم (الدُلّق والكتوش والقروانة) والكأس يطوف عليهم.. يشربون ويغنون ويدوبون و(يتنبرون) بأعمالهم وأفعالهم ويفتخرون بأنسابهم.. ويذكرون محاسن قومهم وشجاعتهم وجمال بناتهم..
    وعندما يبلغ بهم السكر ذروته، يتفاخرون برجولتهم وكثيراً ما يخرج الواحد منهم سكينه من (ضراعو) ويجرح بها ساعده الأيسر مبرهناً لرفاقه مدى شجاعته، وإعزازه لمحبوبته.. وكان منهم من يقول:
    - أنا (خَرَا) الجداد الضلّع الفكي. ويقول الآخر:
    - أنا القطر. فيرد عليه أخوه
    - أنا القضيب البمشي عليهو القطر.
    وقد كان شيبون قضيب القطر.. كمر من الحديد الفولاذ مغروس في الأرض يمشي عليه القطار وهو بتلك الشحنة من المحاصيل الثقيلة من الأبيض إلى بورتسودان. ما أطولها من رحلة.
    كان شيبون - وقت أن عرفته – أزرق اللون ذو سحنة تميل إلى السواد – كان كعود الأبنوس – أسود وناشف.. كان شاباً في مقتبل العمر، كان عمره دون الأربعين بقليل.. كان شعره أجعد، وأسنانه بيضاء مرصوصة، عيونه عسلية لا بالواسعة ولا بالغائرة. كان أحدباً قليلاً يميل رأسه إلى الأمام، كان مهندماً، نظيف الجسد والثوب.. جميل الوجه والشكل.. تركت عليه سنين (الكدح) بصمات غائرة على بطنه الضامرة ورجليه النحيلتين.. كان قليل الكلام، يتحدث لماماً وإذا تحدث إليك بسم في وجهك ونظر إلى عينيك ليسبر إنطباع كلامه على وجهك – لا يرغي في كلامه ولا يطيل.. يقول ما قلّ ودل.. يفهم النكتة بسرعة ويبتسم لها ويستخف بالهزل.
    شبهت شيبون بقضيب القطر لأن القطر والسكة حديد (التي قربت المسافات) – في قول قديم لعبد الله علي إبراهيم - والقضبان إن كانت قضبان السجن أو قضبان السكة حديد، هي المفردات التي تطرب لها آذان الدكتور عبد الله علي إبراهيم.. ابن مدينة (الحديد والنار).. لذلك اخترت هذا التشبيه وأطلقته على الأستاذ محمد عبد الرحمن شيبون. فقد تحمّل عبء الفكرة وما تحتاجه من تفهم ونضال وقراءات لاستيعاب ما يجدُّ من أفكارها المتطورة، وقد تحمل تضحياتها الجسام، وكثيراً ما التحم بالشرطة، وانقاد لها ودخل السجون المظلمة الموحشة لعدة شهور أو سنين. كان إذا خرج منها – يخرج أصلب عوداً وأقوى شكيمة وأن ما كان يتلقاه في السجن، كان بمثابة المصل الذي يشفي أسقامه ويجدد خلاياه، ويمنحه القوة والاستطاعة على السير قدماً في مستقبل الأيام، حتى تنتصر (الفكرة) ويعيش العالم في (إشتراكية وديمقراطية).. هذا ما كان يتمناه شيبون للعالم عامة وللشعب السوداني خاصة...
    لا أعلم بالتحديد متى انضم شيبون للحزب الشيوعي، ولكني أعتقد منذ أواخر الأربعينيات. ومنذ ذلك الوقت كان شيوعياً ملتزماً.. يقرأ ويكتب ويؤلف بعض (المناشير)، ويؤدي دوره في الكمونة.. يتنقل في البلاد الواسعة يجتمع بالطلاب والعمال والمزارعين والشغيلة وغيرهم غيرهم.. ينقل لهم رأي الحزب في كل المسائل السياسية والاجتماعية، ثم يعود إلى الحزب غني الوفاض.. فيناقشونه ويناقشهم، يقيمون عمله ويسجلون له ما قام به في جولاته العديدة، ثم يستعد إلى جولات وجولات قادمات، لا يكل ولا يمل.
    الكاتب عثمان الحوري كان يرى أن شيبون بعد أن فصل من الجامعة، كانت فرصته في الوصول إلى وظيفة حكومية فرصة صغيرة. هي فرصة ضائعة ولقد تبناه الحزب الشيوعي (كعامل متفرغ) على أن يدفع له ما يقيم الأود ويسد الرمق. وبحسب التكوين السايكولوجي لشيبون فلقد كان ماركسياً عقلياً وكان (فردياً).... (يبدو أن عقلانيته وفرديته جعلته عضواً غير تام النفع للعمل في منظومة شيوعية نابعة من مجتمع (بدوي ريفي فقير) وتواجه الحكام الإنجليز الأجانب).. وانخرط شيبون يؤدي عمل الكادر الملتزم.
    ويقول عثمان الحوري: «إن العامل الشيوعي يستمريء حياة التبطل عن (العمل المنتظم) بقيود، في مقابل أجر ثابت. وهو يفضل القيام ببعض الواجبات للحزب الشيوعي في مقابل فتات من الخبز تقيم أوده وتنسيه الجوع، والانتماء الاجتماعي، العامل الشيوعي يتحرر من (روابطه العائلية) بثقلها ومسؤلياتها ويتحرر من قيود (العمل الرسمي) الرتيب وهذه الحرية – حرية النصف بشر – تجعله يقبل الجوع والتشرد... ».
    لقد قبل شيبون العمل داخل الحزب الشيوعي طائعاً مختاراً.. جاع وتشرد. ودخل السجون. وحورب في أن يتحصل على وظيفة حكومية أو في مؤسسة أهلية.. وعندما أدى دوره تماماً – كما يعتقد – أخذ يفكر في مصيره ومصير أهله. راودته فكرة اللجوء والانتماء إلى الأسرة، وهي أسرة سودانية (ممتدة).. فعمل بالتدريس (مدرسة أبو زيد الأهلية بمدني – الأحفاد بأم درمان – أمل المجتبى برفاعة).. وغيرها.. كما امتهن مهنة (النكد) الصحافة كما يحلو لدهاقنة الصحافة أن ينعتوها بهذا النعت.. أبرز عمل قام به مساهمته في تحرير الصفحة الأخيرة من جريدة (الرأي العام) فقد كان يساعد الأستاذ حسن نجيلة في تحرير تلك الصفحة، وقد التزم حسن نجيلة بتحرير عموده المشهور (من يوم إلى يوم).. وكان شيبون يترجم بعض المقالات الأجنبية التي تُكتب باللغة الإنجليزية ويقوم بترجمتها، فقد كان ترجماناً بارعاً كالجنيد علي عمر وغيره من قيادات الحزب الشيوعي – الذين امتازوا بالثقافة الغزيرة والإلمام.
    يقول عثمان الحوري في مقالته آنفة الذكر: «ولم يكن أحد من أهل السودان في الستينيات يصدق ما أذاعه الراحل صلاح أحمد إبراهيم عن دور المغفور له – بإذن الله – عبد الخالق محجوب في مسألة انتحار شيبون. جميع أهل السودان في تلك الفترة برأوا عبد الخالق محجوب من أي شبهة تتعلق بانتحار شيبون»... إنّ الذي أشاعه صلاح ربما كان خطأ وربما كان صواباً، والمنطق وقرائن الأحوال تثبت أنه كان صحيحاً بحجة أن صلاح كان زميل دراسة لشيبون وكان رفيق درب والدروب كثيرة وقتذاك.. وكان صديقاً. وكان بينهما حلف عُقد تحت أشجار العشر والطندب وليس تحت أشجار الزيزفون.. وأن صلاح يعرف شيبون أكثر مما يعرفه (الحوري) أو عبد الله علي إبراهيم.. وصلاح يعرف عبد الخالق (مثل جوع بطنو)، وهو يعلم حق العلم لماذا خرج صلاح على الحزب... وماذا كان دور الراعي وقتذاك... فصلاح خرج على أحمد سليمان قبل عبد الخالق ومعه (مؤنته وغلاته (علي المك).
    ويمكن لنا أن نقول إن شيبون كتب ثلاث رسالات إلى حسن نجيلة منهن (ملاحقات يعوزها المبرر).. ويمكن لنا أن نقول إن شيبون قد كتب لصلاح أكثر من ثلاث رسالات.. ويمكن لنا كذلك القول إنه قد باح بالسر وأوضح لصلاح ما فعله الرفاق به وربما كاشفه شيبون بقراره الأخير، واعتمد (الانسلاخ) من الحزب وليس من (الفكرة).
    إن كنت أنت (يا عثمان) وأنت (يا د. عبد الله) تريدان أن تبرئا ساحة الحزب، فلكما ما تعتقدانه ولكن كل قرائن الأحوال تشير إلى عكس ما تريان، فالأمر غريب فقد قلته يا (حوري) بعظمة لسانك في مقالك بالصحافة: (فإن انتحار شيبون يظل لغزاً محيراً. أما أسلوب د. عبد الله علي إبراهيم في (البحث عن مسألة انتحار شيبون) فهو (أزمة) جديدة من أزمات السودان في القرن الواحد والعشرين) أليس هذا كلامك يا حوري؟؟ بلى إن انتحار محمد عبد الرحمن شيبون، لغز محير جداً.. ونرجو من السادة البروفسيرات والدكاترة والباحثين، عندما يفكون هذا الطلسم ويميطون اللثام عن هذا اللغز المحير، أن يكتبوا لنا بذلك!!
    يقول عثمان الحوري: « والوقوف على حادث انتحار شيبون ليس فيه (جديد). وكما قلت فإن أحداً من أهل السودان لم يصدق أن الراحل عبد الخالق له علاقة بانتحار شيبون، وهي إشاعة أطلقها الراحل صلاح أحمد إبراهيم ولم يكترث لها أحد من الناس. أما د. عبد الله فقد تطوع للدفاع عن المرحومين الراحلين عبد الخالق وشيبون ولقد توقعنا أن يروي عبد الله علي غبراهيم حادث الانتحار بكل (ملابساته) الواقعية (الحقيقية) بدلاً من ذلك. فقد تفرغ (للهرجة وإعلاء الصوت في حضرة المرحوم صلاح أحمد إبراهيم».
    إن الذي قاله الحوري بين القوسين أعلاه صحيحاً كله عدا «إن أحداً من أهل السودان لم يصدق أن الراحل عبد الخالق له علاقة بانتحار شيبون». وأن الوقوف على حادث انتحار شيبون كله جديد وإلا لماذا تناول د. عبد الله علي إبراهيم القلم هذه الأيام وأخذ يكتب عن انتحار شيبون وقد مضى عليه (45) خمس وأربعين سنة. هل جاءه عبد الخالق في منامه وقال له أكتب في هذا الموضوع عدة مقالات وإن شئت اجعلها كتاباًُ؟! ولما انبريت أنت يا (حوري) تعاتب د. عبد الله علي إبراهيم عندما شرع يكتب وينقب في انتحار شيبون. وكنت تتوقع أن يكتب د. عبد الله عن حادث الانتحار بكل ملابساته (الواقعية الحقيقية) بدلاً من تلك (الهرطقة) التي تفرغ لها بصوت عال في وجه صلاح.
    إن الأخ الرفيق د. عبد الله علي إبراهيم كتب عن انتحار شيبون مقالات عديدة، ويبدو لي أنه ينوي أن (يلمّها) ويسويها كتاب. لكن لقد سبق وكتبت مقالاً واحداًَ بعنوان (شيبون حنجرة شعبي الذهبية – الصحافة 5/8/ 2005م) كتبت ذلك المقال بعد أن قرأت معظم مقالات د. عبد الله علي إبراهيم ولا أقول كلها فأظلمه.. كتبت ذلك المقال لأنني لمحت من مقالات د. عبد الله علي إبراهيم معلومات غريبة وسألت نفسي من أين جاء بتلك المعلومات؟؟ وسمعت (هرجاً ومرجاً وإرغاء وإزباداً).. ووجدت حقائق مغلوطة.. وتوكلت على الله وكتبت ذلك المقال علّ الدكتور يكف عن الكتابة أو يسترسل وهو يقف على حجر صلد وقاعدة من الصوان.
    لكنه أخذ يسترسل في الكتابة كأنك فتحت صنبوراً للماء كان محبوساً.. اتصل بي أن أزوره في جريدة الصحافة وقد جئت له وبعد هنيهة من جلوسي معه، جاء جنابو (فاروق هلال)، ولما أن راه خف إليه واستقبله أحرّ استقبال وذهب به إلى مكتب آخر من مكاتب جريدة الصحافة.. وخرجت ومعي الأستاذ مجذوب عيدروس محرر الملف الثقافي بجريدة الصحافة، وأنا أقول في سري (الحمد لله) لقد وجد د. عبد الله ضالته (يلا يا ولد) وذهبت إلى أهلي أسفاً.
    لقد منح السيد فاروق هلال معلومات ثرة عن انتحار شيبون ولكن بها أشياء صحيحة وأخرى غير صحيحة.. كنت أتوقع من السيد فاروق هلال أن يرسم لعبد الله (البرندة والحمام والغرفة وأعقاب السجائر والطاولة التي ترك عليها شيبون الوصية)، وكتاب من (سلسلة أقرأ) المنكفيء على صفحتي (45-4) واسم الكتاب (المجتمع العربي).. لقد كان شيبون يقرأ حتى آخر ثانية من عمره وقد كان (Book Worm) كما يقول الإنجليز.
    لنا وقفة مع قول الصبية أخت شيبون ( لكن ما قطعتي نملية الحكومة يا يمة). فحديث أخت شيبون لأمها هو ما أحبه د. عبد الله علي إبراهيم وجعله عنواناً لمقاله في (الرأي العام). وكلام شقيقة شيبون كنت أوردته في مقالتي عن انتحار شيبون (الصحافة 5 أغسطس 2005م).. وقد دونته لمافيه من معان سامية، فهذه البنت قد تعلمت في المدرسة كيف يحافظ السوداني على ممتلكات الدولة لأنه ساهم في تكوينها وأنها ترجع له وأنه هو المستفيد منها.
    كثيراً ما حول د. عبد الله علي إبراهيم أن ينفي تهمة صلاح أحمد إبراهيم ويخلي ساحة عبد الخالق من دفع شيبون إلى الانتحار.. وأن الذين دفعوه شيوعيو رفاعة وليس الزمرة التي جاءت موفدة من قبل الحزب لتلقي تهنئة العيد على ذلك الضابط الإداري وتعرج على (منزل) شيبون - سبحان الله – لقد كان لشيبون منزلاً، يسكنه وتأتيه الوفود تزوره وتهنيه بالعيد السعيد. ويقول د. عبد الله كذلك – لقد عشق شيبون صبية في عمر أخته- أحبها وأحبته وقد كانت تزورهم لماماً متصنعة صداقتها لأخته.. فهي تأتي إليه ضمناً ولأخته معنى. ويقول عبد الله إنها أخيراً أعطته (شاكوشاً) ولما لم يتحمل الصدمة انتحر... وهكذا حاول (البروف) عبد الله علي إبراهيم أن يبعد التهمة عن عبد الخالق وحزبه.. وإلباسها لشخص شيبون العاشق الولهان الذي ما تمالك وقوى، بل إنهار من أول (شاكوش) على رأسه.. وهو الذي تلقى العديد من ضربات هراوات المباحث، والذي تحمل العديد من ركلات نعل الشرطة والمخابرات.. وهو الذي نام على البلاط البارد يفترش الثرى ويتوسد ساعده العاري.. وهو الذي خبر الأجحار والأنفاق!!
    يقول عثمان الحوري إن: «انتحار شيبون يغلب عليه طابع البؤس واليأس العميق الذي تبلور حول (غصن سالسبورغ) والغصن في حالة شيبون هو ميله إلى (الاختمار وشرب الخمور البلدية الرخيصة والتي تعج بالسموم المتلفة للأعصاب» هكذا وبكل بساطة يرجح الحوري إقدام شيبون على الانتحار، نتيجة للجوع والبؤس واليأس العميق، ومعاقرته للخمر والخمر البلدي (العرقي يعني) وهو النوع الرخيص الذي يعج بالسموم!
    كان شيبون يشرب الخمر ولكنه لم يكن مدمناً. وكان يفضل (الشري) وليس العرقي ولا الوسكي لأنه شراب البرجوازيين وهو ليس منهم... كنت يوماً مسافراً إلى الخرطوم، غادت رفاعة، عبرت الأزرق العاتي.. ذهبت إلى مكتب مدير السكة حديد أسأل عن قطار الأبيض المتجه إلى الخرطوم..
    - القطر في مدني يا سيد. رد علي ناظر المحطة.
    قلت أمشي بار خواجة (كوستي) أتعشى سمك مسلوخ ساخن فالدنيا خريف والجو منعش. ذهبت إلى البار، فإذا بي أمام شيبون وجهاً لوجه يجلس هو خلف طاولة مستديرة بيضاء عليها ملاءة ملساء وأمامه زجاجة (شري).. يلبس جلباباً أبيضاً وينتعل حذاء أسود ويضع على رأسه عمامة أنيقة.. ألقيت عليه التحية.. ثم قال لي:
    - اتفضل.. طبعا إنت ما بتشرب لكن عارفك جاي تتعشى.. تاكل شنو؟
    - والله أنا جيت مسافر الخرطوم.. والناظر قال لي القطر في مدني، قلت أجي أتعشى.. فهسع نفسي في سمك مسلوخ أو مشوي. تناولت عشائي ذلك وشرب هو زجاجته تلك.. ذهبت لأغسل يدي وأدفع الحساب.. لحقني وقال لي:
    - والله ما تدفع.. حلفت عليه بالطلاق.. فقال لي:
    - طيب أدفع حق السمك لكن وشرفي ما تدفع حق الشري. حق الشري مالك ومالو؟ غبينتك شنو.. شربتو معاي؟ ثم تحركنا.. أنا صوب المحطة، وهو صوب البنطون – بنطون رفاعة الحصاحيصا.
    ما عُرف شيبون بالمجون والخنا والدعارة.. ولا عُرف بالإدمان، كان متماسكاً طوال حياته. ما علمت ما كان بالمذكرة التي تركها شيبون على الطاولة بمنزل أحمد علي جابر بمدرسة نورين.. لكن علمت أنه وصف أحد الشيوعيين الذين كانوا معه في رفاعة بأنه (حية رقطاء ناعمة الملمس).
    وعلمت أنه ذكر في تلك المذكرة أشياء كثيرة، من أهمها أن يُدفن في ودمدني. لماذا؟ أعتقد أن لها مدلولاً خاصاً يعرفه هو.. فهو يريد أن يُدفن في ودمدني لا حباً في تراب ودمدني ولكن ليكون أمام ناظري من تسببوا في موته ودفعوه إلى الانتحار.. ويكون قبره قريباً من الذين بلّغوا الحزب بما عُرض عليه من قبل طلعت فريد.. وليكون لهم (شوكة حوت لا تنبلع ولا تفوت)، وربما يكون في دفنه في مدينتهم عزاء له وتخفيفاً على روحه.
    لا يختلف إثنان من عامة الشعب السوداني في أن للحزب الشيوعي دور كبير في دفع شيبون نحو الهاوية.. الهاوية التي لا قرار لها كما قال لينين... فصلاح أحمد إبراهيم قالها بصراحة ونحن لم نقلها بعد بصراحة صلاح المعهودة..
    ربما كان شيبون يفكر في التخلي عن (الفكرة) منذ أن تخلى عنها صلاح. لكني أعتقد أن شيبون قد (تحشم) كما يقول الليبيون... وصبر.. وبدأ يفكر في الانسلاخ.. لكنه تريث.. ثم تجشم له ذلك التفكير وأخذ يلاحقه في صحوه ومنامه.. وبمرور الزمن وتشعب الحياة، قرر أن يبدأ حياة تختلف عن الحياة التي كان يحياها مع الرفاق في باطن الأرض والكهوف وزنزانات السجون.. بدأ بالعمل والتوظيف ليس في دواوين الحكومة ولكن في المؤسسات الأهلية. ثم وجد وظيفة لا بأس بها، لكنها بداية لعمل ومشروع كبير إذا نجح فيه سيكون سعيداً، وإذا فشل فإلى الجحيم.. وسيكون الجحيم أرغد داراً وحياة من الدار والحياة التي يعيشها.
    ثم علم الرفاق بما كان يدور في خاطره.. وإنهم لأذكياء. فقد قرأوا افكاره ثم جمعوا جمعهم وخرجت اللجنة المركزية بقرارها (الصائب) ألا تدع شيبون يوافق بالعرض الذي عرضه عليه اللواء طلعت فريد.. فكيف يتركونه وهذه (نوفمبر) تلفظ أنفاسها بفعل ضرباتهم المتتالية.. وكيف يتركونه ليوافق وربما كشف أوراقهم لزمرة نوفمبر – كما اعتقدوا.. يقول الشيوعيون: (نحن دائماً خلف السلطة)، بمعنى إن كانت السلطة منهم فهم معها وخلفها يشدون من أزرها، وإن كانت السلطة ضدهم فهم خلفها يقاومونها حتى تسقط. استعجل شيبون وانتحر يوم /12/ 191م، ونجح الشعب السوداني في إسقاط (حكومة نوفمبر) في أكتوبر 194م.
    لقد كان انتحار شيبون (لغزاً محيراً) – كما قال عثمان الحوري. فعثمان معلم أو مدرس بالمعنى الدقيق.. وشيبون مدرس كذلك وأنا كنت مدرساً.. مدرسي مدرسة متوسطة.. المرحلة التي ذوبتها (الإنقاذ) وشربها المجتمع السوداني في فجنان صيني.. المدرس يعرف كنه المدرس الآخر.. وعبد الله علي إبراهيم أستاذ جامعي (جامعة الخرطوم وجامعة ميسوري).. مجتمع أساتذة الجامعات يختلف عن مجتمع حفنة مدرسي مرحلة وسطى.. يعيشون في (ميز) بسيط.. يعرف الواحد منهم كل شيء عن زملائه الآخرين.. استغرب الحوري لانتحار ذلك المدرس (شيبون)، فقد كان (أنيقاً وسمح الزي ومهذباً خفيض الصوت.. يجيد تدريس المواد في كل صفوف المدرسة (الوسطى) ويمزج في حديثه ما بين (الفائدة والجدوى والطرفة الحاضرة). هذا معلم حاذق شديد الحضور وولد ممتاز.. إنسان طيب ولامع ومحبوب. في مدرسة (أبي زيد الوسطى بمدني) يدخل شيبون لحل ضائقة التلاميذ (المساكين)... المصاريف الدراسية، المأكل والتموين والحالات الخاصة (يعني عنده سايكولوجي) أحمد الفضل أحمد.
    أعتقد جازماً أنه مهما دبّج الكتاب من مقالات وكتبوا كُتُباً ضخمة أو بسيطة عن أسباب انتحار شيبون، فإنهم عاجزون تماماً عن كشف لغز الانتحار.. فالرجل كان قمة وكان هرماً كإهرامات البجراوية.. تستخفه بسمة الطفل.. قوي يصارع الأجيال. ما انهزم في معركة (كلامية) قط وإنما ضعف وخارت قواه أمام حبائل الرفاق، وسدد له السهم في نحره من كان يعلمه الرماية وأصاب الهدف.
    كان شيبون مدرساً في المرحلة المتوسطة داخل محيط التعليم (الأهلي) (أبو زيد – الأحفاد – أمل المجتبى) وغيرها من مدارس شعبية. لم يكن كرصفائه مدرسي المرحلة المتوسطة الذين كانوا يتمرغون في تراب الميري، وتضربهم مطرقة الوزارة تنقلاً كما تضرب مطرقة الإسكافي المركوب القديم حتى تعيده إلى سيرته الأولى. فكان مدرس الوسطى في وزارة التعليم والتربية معرضاً للتنقل كل عام.. فهو من سنكات إلى حلفا القديمة، ومن حلفا القديمة إلى حلفا الجديدة، ومنها إلى واو وإلى طمبرة.. وهكذا يجوب أصقاع السودان.
    يقول د. عبد الله علي إبراهيم في مقاله بجريدة (الرأي العام)، وهو مقاله قبل الأخير كما أعلن ذلك: «الروايات عن مصرع شيبون كثيرة.. سمعت من قال إنه انتحر ببندقية والده. أو بحي حمدين برفاعة». إن مثل هذا الكلام يجب أن لا يأتي من كاتب في قامة الدكتور عبد الله.. ليست هنالك روايات كثيرة عن مصرع شيبون. الموجود رواية واحدة سقتها له وإن كان يكذبها ويستبعدها، فعليه أن يصدق رواية جنابو وهو الرجل الذي شاهد الجثمان وهو يتأرجح على مرق الحمام، وأنزله فاروق وذهب به إلى أبي عشر ليشرحه د. عثمان أبو عكر. فمن أين جاء د. عبد الله برواية انتحار شيبون ببندقية والده..؟ ومن أين جاء برواية انتحاره بفريق حمدين برفاعة؟.. اللهم إلا إذا أراد د. عبد الله علي إبراهيم أن يؤكد رواية أخرى سكت عنها وألمح لها في مقالات عديدة وهي (إدمان شيبون الخمر ومعاقرته لها وربما هي التي أودت بحياته في فريق حمدين برفاعة!!). وقد أيد هذه الرواية الباطلة الأستاذ عثمان الحوري – حسب تحليلاته المجافية للواقع – في مقاله آنف الذكر «هو ميله إلى الاختمار وشرب الخمور البلدية الرخيصة والتيتعج بالسموم المتلفة للأعصاب». لكننا نقول للدكتور عبد الله إن (فريق حمدين) فريق مشهور برفاعة، فهو يشبه حي (East Harlem) يسكنه أناس فقراء.. يعملون في كنس السوق، وفراشين بالمستشفى، وكانوا مشهورين بجلب الماء من النيل قبل أن تدخل مواسير الماء بيوت رفاعة.. وكان هذا (الفريق) مشهوراً بصناعة الخمور البلدية الرخيصة، خاصة (المريسة). وأجزم أن محمد عبد الرحمن شيبون لم يزر ذلك الحي قط وما دخله يوماً من الأيام. كان يعبر النيل الأزرق (العاتي) ويذهب إلى الحصاحيص ويجلس في (بار خواجة كوستي) بزي مهندم يحتسي (البيرة أو الشري).. وكان يعاف (العرقي) وغيره من الخمور البلدية. كنت أستبعد كتابة ذينك الروايتين وأستغرب لماذا دارتا بذهن الدكتور عبد الله.. وعنده الرواية التي ذكرناها وذكرها له السيد فاروق هلال.. وهو شاهد عيان. لقد انتحر شيبون في بيت الأستاذ أحمد علي جابر بمدرسة الحصاحيصا الوسطى التي كان ناظرها وقتذاك الأستاذ نورين. فإن جاءت عدة روايات أخريات، كان يجب على د. عبد الله أن يستبعدها وهو يملك رواية شاهد عيان. فرواية أنه مات ببندقية والده أو بفريق حمدين برفاعة، روايات لا يسندها الواقع ولا المنطق ولا الحقيقة.
    هنالك سؤال يلح عليّ دائماً لا يغادر ذاكرتي (لماذا انتحر شيبون في الحصاحيصا؟ ولماذا أوصى أن يدفن بمدني؟). أعتقد أن الإجابة على هذين السؤالين أن شيبوناً هذا كان رجلاً رقيقاً وإنساناً مهذباً. فهو يرى أن الانتحار (عيب) وفعل منكر وهو لا يريده أن يحدث في رفاعة.. تلك المدينة التي آوته وبالغت في رفادته.. فهو لا يريد أن يطعنها في نحرها بذلك السهم المسموم.. فقد كان يعزها ويُجلها.. ولم يكن الشيوعيون الثلاثة الذين ذكرهم شيبون في الوصية من أبنائها فقد كانوا غرباء من مدن أخرى في السودان، ولم يكونوا من أبناء رفاعة وإنما جاءوا ليعملوا بها في حقل التدريس، وقد كان التعليم حرفة وصناعة تلك المدينة. أما لماذا أوصى شيبون أن يدفن في مدني، فهو ما ذكرناه وأجبنا عليه في وقت سابق ونؤكد أنه كان يريد أن يقول لشيوعي مدني أنه وإن غاب جسده عنهم، فهذا قبره أمام أعينهم.. فهو حاضر بينهم وربما أراد أن يهز كيانهم وأراد أن يستشعروا وجوده بينهم ويبرهن لهم أنه لم يخن القضية وإنما مات من أجل (الفكرة).. ولم يذهب إلى طلعت فريد ولم يقبل بالعرض الدسم ولم يفش أسرار الحزب... كأني به يقول لهم (اطمئنوا يا رفاق فأسرار الحزب في الحفظ والصون وإن كنتم في ريب مما أقول، فها أنذا ميت وأرقد في قبري أمامكم).
    تألمت كثيراً وتأسفت أن يتناول د. عبد الله علي إبراهيم موضوع انتحار شيبون بهذه الصورة وهذا الأسلوب، ويحاول في مقالاته أن يبريء ساحة الحزب الشيوعي. وأكثر في مقالاته في عتاب صلاح أحمد إبراهيم – عندما حمّل الحزب الشيوعي وزر انتحار شيبون.. وقد كان صلاح شجاعاً وقال كلمته في هذا الأمر بصوته الجهور وقلمه الرعاف، وكثيراً ما تصدى له الرفيق عمر مصطفى المكي طيب الله ثراه وثراهم جميعاً.. ثم انبريت أنت يا دكتور.. كتبت عدة مقالات على ما أذكر مستنداً على أسطورة – علك تذكرها – فقد أوردتها في أول مقال تتصدى فيه لصلاح أحمد إبراهيم، فإن كنت تذكرها فالحمد لله، وإن نسيتها فهي: «أن سكان العالم كانوا في حقبة من الزمن واقفين في مكانهم. كل واحد واقف في مكانه لا يتقدم إلى الأمام خطوة لأن هنالك قول أن من يتقدم سيضع رجله في هوة سحيقة.. لا قرار لها كهوة لينين.. وبينما هم على تلك الحال، جاء شخص آخر لا يمشي الهوينا.. استغرب الناس لأنه لم يحصل له شيئاً.. لم يقع في هوة، وإنما جرى على سطح الأرض.. وبرهن للناس أن تلك الأسطورة زائفة، واندفع الناس يمشون ولم يحصل لهم شيء». وأخذ عبد الله علي إبراهيم يكتب ويرد على صلاح أحمد إبراهيم عندما انبرى يهاجم الحزب الشيوعي عامة وأحمد سليمان وعبد الخالق خاصة.. تصدى له عبد الله علي إبراهيم ودبج عدة مقالات في ذلك الزمن، واعتقد أنها كانت في منتصف الستينيات. والله أعلم.
    تناول د. عبد الله علي إبراهيم انتحار شيبون من زاوية ضيقة، وكان يحتم عليه الحدث أن يتناوله من عدة زوايا منها: لماذا انتحر شيبون؟ ولماذا كان يعبر النيل عصراً ويعود من الحصاحيصا ببنطون الحادية عشر ليلاً. إن كان يذهب ليشرب، فكان من الممكن أن يتناول بغيته في فريق حمدين برفاعة. ولماذا ترك شيبون (وصية) وهل كانت وصية ضعيفة لأنه حقق مع الثلاثة الكبار كما قال شيبون في وصيته عنهم، وأخيراً تبين لفاروق أن تلك الخلية الشيوعية المتمركزة في رفاعة، هي خلية خاملة.. وكان يجب على د. عبد الله أن يبحث في إلحاح شيبون أن يدفن في ودمدني.. لماذا لم يشر إلى دفنه في الحصاحيصا التي مات فيها بدل ودمدني؟ ولماذا لم يطلب من فاروق هلال أن يعبر به الأزرق العاتي في رحلة (عكسية) ويدفنه في رفاعة المدينة التي أحبها وأحب غادة فيها – كما زعم د. عبد الله. كنا نتوقع من د. عبد الله عندما تصدى لمعرفة أسباب انتحار شيبون والملابسات التي أعقبته، أن يوضح لنا رأي الحزب في هذا الإشكال (ولا كان الحزب مشغول بكتابة الكتاب الأسود عن حكم عبود وزمرته)؟.
    ثم سألني سائل قرأ كل ما كتبه الدكتور عبد اله عن انتحار شيبون – لماذا تحمس الدكتور هذه الأيام وأخذ يبحث ويحقق وينبش في هذا الموضوع الذي مرت عليه عشرات السنين.. وإلى ماذا وصل؟.
    أقول إن الروايات عن مصرع شيبون هي رواية واحدة.. وقد ذكرناها. وهي الرواية التي استبعدها الدكتور عبد الله بقوله: «على بلاغة وأسر شحنتها اللغوية»، وهي الرواية الصحيحة.. وأرى من الصالح والأنفع الأخذ بها، وهي تختلف عن رواية السيد فاروق هلال قليلاً. فوالدة المرحوم شيبون جاءت إلى بيت أحمد علي جابر في مدرسة (نورين) لتقابل إبنها وتأخذه إلى المحطة، فالقطار كان قد دخل المحطة فوجدت سريره خالياً في منتصف البرندة.. وانتظرت هي وابنتها عدة دقائق ظانة أن شيبون بالمرحاض وسيأتي بعد قليل أو أنه خرج لأقرب (كنتين) يشتري سجائر وسيعود حالاً.. ولما طال الانتظار، خفق قلبها و(دخلها شك) فتركت ابنتها في البرندة وخرجت تدور حول المنزل.. دخلت المرحاض فلم تجده.. ذهبت وراء الحجرة الأخيرة ولم تجده.. ساقتها قدماها خلف الحمام.. وقفت خلفه وألقت نظرة عبر (المنور) الذي كان مكسياً بالنملية.. جذبته مخلعته.. فرأت فارسها (مدلدلاً) تتأرجح قدماه.. فولولت وخرجت تخبر الناس بما جرى لابنها. هذه هي الرواية الصحيحة. لا شبشب أمام الحمام ولا (متاوقات) عبر ثقب المفتاح.. لا هذا ولا ذاك. للدكتور عبد الله أن يأخذ هذه الرواية أو يستبعدها فهو حر في ما يكتب وله (الحرية) كذلك أن يصدق ما يصدق من الروايات ولا نعتب عليه حتى وإن صدق رواية انتحاره ببندقية والده أو (شقته) الخمر في فريق حمدين برفاعة.
    يقول فاروق هلال إن أم شيبون تحركت معه كل تحركاته البوليسية رابطة الجأش، وكانت تردد ولا تزيد هذا القول (ليه يا فارس القلم والميدان بتعمل كدا).. ماذا عمل فارس القلم والميدان؟ غير أنه انتحر.. انتحر لأنه رأى مستقبله ومستقبل أمه وأخته مظلماً.. وقد شرع في إضاءة ذلك الظلام وبدأ يعد السراج والقنديل... اشترى المصباح واشترى الزيت وصبه في المصباح وذهب إلى الكنتين وابتاع الكبريت.. ثم جاء إلى البيت الذي أجره في حي الجناين برفاعة.. لكنه وجد الزوار أصحاب الكتوف الباردة التي ما توهمها يوماً أن تكون دافئة.. يخبطون ويقرعون باب داره.. لماذا أتى الرفاق؟ هل صحيح أنهم جاءوا (ليعيدوا) على ذلك الضابط الإداري قريبهم أم أن في النفس حاجة؟ وأن خلف الأكمة ما خلفها؟ إنها (ملاحقات يعوزها المبرر) كما قالها شيبون. انتحر لأنه وقف عاجزاً آخر أيامه.. إنه يريد أن يعيش ولكن بشرف.. مرفوع الرأس مرتاح الضمير.. متمسكاً بمبادئه ما حاد عنها قيد أنملة.. ما فكر يوماً أن يتخلى عنها.. وما فكّر يوماً أن يخون الرفاق ويذهب إلى زمرة نوفمبر ويبيع نفسه وحزبه ويطلعهم على أسرار الحزب بدريهمات بخسة وهو فيها من الزاهدين.. كان رفاقه يظنون به ظناً لا يليق بهم ولا (يشبهه)، فما كان خواناً ولا غداراً ولا عُرف عنه الجبن والخور قط.. لم (ينفنس) في ملمة من الملمات.. كان مقداماً وأخو أخوان وأخو بنات وهادي الرفاق إلى الحرية والديمقراطية... الخ
    يقول الشاعر نزار قباني: «الحب بعض من تخيلنا وإن لم يكن في الأرض لاخترعناه».. هذا رأي نزار قباني في الحب، لكن كيف يكون الحب عند الخاصة، وهل كان شيبون يؤمن به؟ يدّعي د. عبد الله علي إبراهيم أن الرفيق شيبون قد أحب فتاة صبية يافعة، كانت زميلة وصديقة لأخته التي كانت في المرحلة الابتدائية.. ونحن لانعتقد ذلك البتة، فقد عشنا معه زماناً. لقد اخترع د. عبد الله ذلك الحدث وفصل منه فستاناً ألبسه تلك الصبية، وفصّل كذلك جلباباً وعمامة ألبسها محمد عبد الرحمن شيبون.. لم يكن الحب بعض من تصور شيبون ولم يفكر فيه وما اخترعه – كما قال قباني. فشيبون بريء من هذه التهمة.
    نواصل

    التعديل بحذف الصورة

    (عدل بواسطة khalid kamtoor on 08-02-2007, 01:25 PM)
    (عدل بواسطة khalid kamtoor on 08-02-2007, 01:28 PM)

                  

08-02-2007, 01:34 PM

khalid kamtoor

تاريخ التسجيل: 06-04-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شيبون.. قضيب القطر.. محمد خير حسن سيد أحمد (Re: khalid kamtoor)



    محمد خير حسن سيد أحمد
    نواصل
    نعت (أبشر الطيب أوشي) تلميذ شيبون قائلاً:« إن خصاله مبهرة وفريدة في نوعها قد لا تتكرر في بني البشر بصورة غالبة ومشاعة. النقاء وحب الخير للمجاميع (الشعبية) الفقيرة والبذل والتضحيات والابتسامة المطبوعة على الدوام. وفوق ذلك العلم الغزير والفهم البصير يسوق درسه بإمتاع وسلاسة والجميع في إصفاء وانتباهة كاملة وعيونهم معقودة بعينيه مع صرامته وجديته فإنه يبغض إنزال العقوبة البدنية على تلاميذه وكما في منهج التربية الحديث في القول عن قهر الشخصية وارتجاجها ومع ذلك فهو يسيطر على جنوح وشقاوة المنفلتين. ويحملفي إبطه الصحائف والمجلات للاطلاع وشحذ الذهن في القراءات المجدية بإدمان!! وبإشرافه على الجمعية الأدبية بالمدرسة. قدم في يوم الاثنين محاضرة عن منظمة الأمم المتحدة. ثم كوّن فريقاً من التلاميذ للتمثيل...» من مقال للأستاذ أحمد الفضل أحمد بجريدة الصحافة.
    اتهم د. عبد الله علي إبراهيم شيبون بالحب، وأنه كانت له علاقة مع صبية صغيرة في عمر أخته، وأنها كانت تأتي لبيت شيبون متزرعة بأنها تطلب أخته لكنها في الحقيقة كانت تطلب شيبون وقد جاءت لرؤيته، وقال بأنها كانت تختلق الأسباب كما كان يختلقها قيس بن الملوح عندما يريد مقابلة ورؤية ليلى:
    - أجئت تطلب ناراً أم جئت تطلق في الحي نارا.. قال والد ليلى لقيس عندما سأله عن سبب مجيئه دار ليلى - وقد قال قيس:
    - جئت أطلب ناراً وقد خلت من بيتنا النار
    يقول د. عبد الله:«وهو يجمع شتات أسرته ويلتزم بها ويتعلق قلبه بصبية من مدرسته. لقد وجد صبية الأحلام فليبنِ العش... حبة حبة أي (قشة قشة). ووطدت من هذه العلاقة أن الصبية كانت صديقة لأخت شيبون تغشى دار شيبون بهذا الساتر المعروف». نقول لدكتور عبد الله علي إبراهيم: لم تكن لشيبون حبيبة، ولم تكن له بثينة أوليلى أو لبنى أو سعاد أو سلمى.. وإنما كان رجلاً ملتزماً (فكرته) مؤمناً بعقيدته... لم يفكر في الزواج قط ولم يتخذ خليلة له.. كان مشغولاً ومهموماً لا وقت عنده لمثل هذا العبث.
    عبر التاريخ الطويل – نجد أن عدد الذين انتحروا من أجل (الفكرة) كثر... فسقراط مات من أجلها. والأستاذ محمود محمد طه عرضوا عليه (التوبة) فرفض.. وذهب إلى المقصلة برباطة جأش وعين مصرورة وبسمة عريضة (وزعها) على الجميع... وتشيكوف مات منتحراً وكان انتحاره كانتحار شيبون... وعبد الرحيم أبو ذكرى وقع من شاهق في أحد شوارع موسكو.
    لم ينسلخ شيبون كما انسلخ الدكتور عبد الله علي إبراهيم. وما فكّر شيبون في ذلك قط.. لكنه كان يفكر في تطويع (الفكرة) ومدى قابليتها في تبني وتحديث (المذهب الماركسي) وقبوله أو تفاعله مع مجريات الجديد في الحياة.. فالعالم قد بدأ يتغير وقد تغير فعلاً.. وقفت الحروب العالمية.. ولم تظهر الحرب العالمية الثالثة.. وتحررت معظم دول العالم الثالث.. وتحرك المارد الإفريقي.. المارد الأسمر بقيادة جومو كنياتا وكوامي نكروما ومانديلا ونايريري.. وبدأ جدار ألمانيا الشرقية يتشقق ثم انهار تماماً.. وتحررت كمبوديا وتمرغت كرامة (اليانكي) في وحل الخريف الآسيوي.. ثم ظهر باسترناك وكيف غازله الغرب حتى لانت قناته.. وظهر أخيراً (قورباتشوف ويلسن) وكيف دقّا آخر مسمار في نعش الاتحاد السوفيتي. كل هذه التغييرات التي حدثت على سطح جسد (الفكرة) كان شيبون قد قرأها وسبر غورها وحاول أن يضع فكرة الجديد على طاولة الحوار ويقدمه للرفاق وينتظر بماذا يخرج الباحثون. لكن عاجله الرفاق ولم يسمعوا إلى ما أراد أن يقول.. فاتهموه بالعرض الذي قدمه له طلعت فريد.. وجاءوه ليعلموا ماذا فعل شيبون بالعرض.. لكنهم لم يجدوه في الدار.. وهكذا قفل الرفاق أمامه كل منافز الفكر والحوار بتلصصهم وتشكيكهم فيه.. وأداروا له الأكتاف الباردة التي ما توخاها أن تكون دافئة يوماً من الأيام. ورماه بسهم من علمه كيف يرمي. آثر شيبون الاختفاء من مسرح الرفاق.. وأن يطوي جناحيه على جروحه الغائرة.. ويترك للرفاق هذا العالم.. كان مثالياً في معركته معهم... ذهب في هدوء وصمت محير.. يقول (فيرجرال) على لسان الخيام (I came like water and like wind I go).. ولقد ذهب شيبون كما جاء، وذهب كما تنساب المياه من علِ. دخل إلى الدنيا فقيراً، وكما دخل إليها خرج منها.. إنه أحد المتصوفة والعارفين الذين عرفوا وخبروا حقيقة الحياة.
    رجع وفد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي من رفاعة إلى أم درمان، رجعوا بعد أن عيّدوا على ذلك الضابط الإداري ولم يفلحوا في مقابلة شيبون ليوثقوه ويقودوه إلى أنانسي. لكنهم رجعوا وهم يحملون دم شيبون في كؤوس من (قرع الصعيد).
    هذه هي الحياة.. راح شيبون وذهب الحزب الشيوعي السوداني وتفرق.. شيء الخاتم عدلان وشيء (حق) وشيء نقد.. وشيء مختار عبيد... الخ. وفات صلاح أحمد إبراهيم والشعب السوداني يبكيه بالأمس واليوم وغداً. ثم بقي د. عبد الله علي إبراهيم وبقيت (أنا) ولكنني أرى المنية ماثلة والموت يدنو نحوي بخطى وئيدة... لا ينقذنا منه إلا العمل الصالح. اللهم أرحم موتانا جميعاً وأغفر لمن ظلمنا وظلم نفسه.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de