الاستاذ فتحي الضو يواصل تشريحاته لجذور الازمة السودانية: الاتحاديون، وفقه الأزمة (2/2)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 07:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-25-2007, 04:25 AM

صلاح شعيب
<aصلاح شعيب
تاريخ التسجيل: 04-24-2005
مجموع المشاركات: 2954

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
الاستاذ فتحي الضو يواصل تشريحاته لجذور الازمة السودانية: الاتحاديون، وفقه الأزمة (2/2)

    برز الاستاذ فتحي الضو في الآونة الاخيرة ككاتب ومحلل للازمة السودانية وظل يتحفنا بكتابه ومقلاته التي تنم عن عمق وطني وروح وثابة لاجترح طرق جديدة للانفكاك عن الازمة المحتقنة، وفي هذا المقال يواصل الضو تجلياته النقدية التي يجب أن تجد الحوار البناء

    الاتحاديون، وفقه الأزمة (2/2)

    فتحي الضو

    حتى لا نتهم بإطلاق القول علي عواهنه، وبهدف أن يكون للنقد معنيً إيجابياً، ينبغي الإشارة صراحة لمواقع الخلل والقصور، لربما ساهم ذلك في تنزيل تلك الوحدة الطوباوية إلي أرض الواقع، أو بأضعف الإيمان أوصد الأبواب أمام ذرائع الانقسامات والخلافات غير المؤسسة، وفي التقدير أن ما يشكو منه الحزب الاتحادي الديمقراطي، قد تعدي رحابه، لم يضعف مسيرة النضال الوطني الهادف لاسترداد الحرية والديمقراطية فحسب، وإنما ساهم بالقدر نفسه في التفريط فيها كلما أدخلها السودانيون (بيت الطاعة) الأمر الذي فتح الباب أمام هواة الانقلابات العسكرية كما هو معلوم، إلي أن دخل السودان نفقاً مظلماً في العام 1989 وظللنا نتكوي بنير ظلاماته وكابوس ظُلماته، ومازال يحدونا الأمل في خروج مُشرف من هذه الأزمة، لعله ينسينا رهق السنين ويزيل عنا كآبة الماضي والحاضر، ويضعنا علي مشارف مستقبل مشرق وضاء!

    وعليه نورد في خطوط عريضة هذه السلبيات، ولربما يري فيها البعض أنها مجرد عزف جديد علي أوتار لحن قديم، وان كانت كذلك ليس لنا سوي أجر الاجتهاد في محاولة حصرها إلي حين أن يتبرع أحد المنقذين بحيثيات تجُبُ قولنا.

    أولاً :غياب الديمقراطية:

    قلنا أن الحزب ظلّ يحمل رتلاً من الأسماء التي تناقض واقعة، ومن بين هذه الأسماء فقد أضاف الديمقراطية صفةً وهي فعل، وفي الوقت الذي سجلت فيه غياباً أو تغييباً مستمراً في ممارسات الحزب السياسية والتنظيمية، كما أدي غياب الديمقراطية إلي تقييد الحراك السياسي للحزب، واصبح بالتالي إما في حالة (بيات) سياسي بعض الوقت، أو دائراً في حلقة مفرغة كل الوقت، وذلك نتيجة الخلافات والانقسامات وما يليها من حديث عن وحدة واندماج، في حين أن الطبيعي أن تنمو الأحزاب وتتطور وتظل في حالة ديناميكية مستمرة لمواكبة المهام الوطنية بأساليب عصرية وتحديثية.

    لا يستطيع الحزب أن يدعي أن عضويته ظلت في حالة ازدياد كما هو مفترض، بل لا يستطيع أن يدعي معرفة عضويته حتى، لا تحديداً ولا تقريباً، وقد ظلّ يحصرها بعدد الذين يصوتون بأقدامهم (علي حد تعبير المثل الإنجليزي الشائع)، بل حتى الأجيال الجديدة التي انضمت له، لا تستطيع أن تجزم بأنها أقدمت علي هذه الخطوة بتلقائية وقناعات ذاتية، فهي أما مدفوعة بإرث طائفي أو نتيجة ولاء عائلي سياسي، ذلك لافتقار الحزب لفكر يتجادلون حوله أو برامج يتحاورون فيها، ولهذا لا غروّ أن ولج أكثريتهم باب الحزب بحثاً عن مغانم خاصة وأمجاد شخصية، ولو أن هناك برامج مقنعة لما ظلت حبيسة الصدور، ولو أن هناك برامج مقنعة لما توارت خلف الجدران المغلقة، ولو أن هناك برامج مقنعة لما تردد الحزب علي طرحها في الهواء الطلق، ليتناقش الناس حولها وليثروها بالحوار الموضوعي، إن شاءوا أخذوها عن قناعة وإن شاءوا لفظوها عن زهد.

    الديمقراطية كما هو معلوم هي العامود الفقري لأي تنظيم سياسي، دونها لا يستقيم أمر البناء حتى لو تعددت طوابقه، والديمقراطية لا تُمارس بالقوائم الجاهزة ولا الإشارة الصماء ولا القرارات التي تتنزل من علٍ، بل هي منهج سياسي تصطرع بداخله الآراء المختلفة، وهي مشاركة القواعد في القرارات المصيرية، وهي التي تشعر العضوية حينما تمارسها بأن لها حقوق وعليها واجبات، لكن نتيجة لهذه الممارسات غير الديمقراطية، لم يكن غريباً أن يألف الناس في الحزب الاتحادي قيادات تُجئ، وأخري تذهب دون أن تعرف قواعده لما ذهب أولئك ولا كيف جاء هؤلاء!

    كما أن غياب الديمقراطية تجسد بصورة أكثر وضوحاً في الشكل التنظيمي للحزب، فمن ذا الذي يصدق أن حزباً يعد من كبريات الأحزاب السودانية، لم يقم مؤتمراً تنظيمياً منذ تأسيسه، دعونا نقول تحديداً دون نبش التاريخ، منذ أن أصبح اسمه (الاتحادي) بعد اندماج حزب الشعب الديمقراطي والوطني الاتحادي في العام 1967 بل أن الحزب أدهش مراقبيه بمشاركته الحكم في الأنظمة الديمقراطية وإدارة عجلة الدولة مؤتلفاً مع آخرين، دون أن يجرؤ علي عقد أي مؤتمر عام، وذلك ما يعيد لنا السؤال سالف الذكر والذي ينبغي علي أي ناشط في الحزب أن يسأل به نفسه أولاً: كيف أصبح السيد محمد عثمان الميرغني رئيساً للحزب في ظل عدم عقد أي مؤتمر؟

    كما أنه نظراً لغياب الديمقراطية أيضاً بالوقائع التي ذكرنا، فقد كانت تجربة الحزب في الانتخابات البرلمانية الثالثة أكبر كارثة، تعدت شرورها دائرة الحزب، وأثرت فيما بعد علي الواقع السياسي كله، يومذاك شهد الناس (أم المهازل) في تنافس غريمين يتبعان للحزب نفسه في دائرة واحدة، تناصفوا فيها أصوات الناخبين، الأمر الذي أدي لفقدان الحزب دوائر كثيرة (مضمونة) كما يقال، كان يمكن أن تشكل له أغلبية مريحة، وفي نفس الوقت أدي ذلك النهج التهريجي إلى فتح الباب لمنافسيهم ومعظمهم من مرشحي الجبهة الإسلامية للفوز بتلك الدوائر، حتى أصبحت الجبهة رقماً في الجمعية التأسيسية لا يعبر عن واقعها تماماً، إذاً فعلاوة علي خسارة الحزب الخاصة يبقي المسئول أيضاً عن التصعيد المفاجئ لنواب الجبهة الإسلامية، بل الأنكى والأمرْ ما أن أقدمت الجبهة الإسلامية نفسها علي وأد النظام الديمقراطي، حتى هرعت بعض قيادات الحزب نحو النظام الانقلابي، قبل أن تستبين ليله من ضحاه، وتسنموا فيه المواقع المختلفة وما يزالون، وقد يستغرب البعض لماذا يعارض الحزب نظاماً منحه تلك الفرصة في التصعيد المفاجئ، ورفده فيما بعد ببعض قواعده وقياداته؟ وبالطبع ذلك ما كان له أن يتأتى لولا أن الحزب أقدم علي خوض تجربة الانتخابات البرلمانية، دون أن يكلف القائمون علي أمره أنفسهم مشقة عقد مؤتمر عام، تتواضع فيه عضويته في الاتفاق علي خارطة طريق تحدد مسارات الحزب المستقبلية.

    ونتيجة لغياب الديمقراطية داخل الحزب، لم يكن مدهشاً للبعض أن يستمر السيد محمد عثمان الميرغني في التفاوض السري مع النظام رغم أن الخط المعلن للحزب هو معارضة النظام، بل الأغرب من ذلك أنه حتى المفاوضات السرية تلك محظور علي قيادات الحزب العلم بها، إلي أن انتهت تلك المسيرة (القاصده) بتوقيع اتفاق بين الحزب والنظام في القنصلية السودانية بجدة العام 2003 والمؤسف أن تلك العادة السرية هي إحدى البلايا والرزايا التي استلهمها السيد الميرغني في إدارة الكيان المعارض (التجمع الوطني) ولم يهنأ له بال إلا بعد أن فرض تلك الاتفاقية الثنائية عليهم في القاهرة العام 2005 وبموجبها قبر الكيان المعارض نفسه بالارتماء في أحضان نظام منّاهم سيادة الميرغني باجتثاثه من جذوره ذات يوم.

    ومن جهة أخري يعنّ للبعض أن يضفي صفة مؤتمر علي اجتماع المقطم 1995 والقناطر الخيرية في العام الماضي 2006 وهما في حقيقة الأمر اجتماعان استثنائيان نظراً لأنهما خارج السودان (مصر المُؤمنة)، مما لا يمكن الادعاء بشموليتهما تمثيل كل قواعد الحزب، ولا يستطيع المشاركون الزعم بأنهم ممثلين حقيقيين لتلك القواعد، ومع ذلك لعل الأخير الذي سُمي (بالمرجعيات) أيضاً، كان تجسيداً لمسرح العبث الذي برع الحزب علي ترسيخه في الحياة السياسية السودانية، فبغض النظر عن تفاصيل كثيرة قد ترهق قارئها، فقد أمّ ذلك المؤتمر نفرٌ كثير ببعضهم لا علاقة له بالمناسبة وآخرين جاءوا للاستشفاء في مصر، أو لقضاء بضعة أيام للترويح عن النفس، وخلاصة الأمر قام السيد الميرغني باختيار أكثر من ثمانين عضواً في المكتب السياسي، وفقاً لمعاييره الخاصة التي لا يعرف الناشطون ما هيتها؟ منهم رجال أعمال بغض النظر عن كونهم كانوا دعامات للنظام في احلك سنواته، لكن أحداً لم يجرؤ بطرح السؤال المحرّم عن مساهماتهم السياسية والفكرية والنضالية التي تجعلهم يتبوأون مثل تلك المناصب، لكن بعد أن أضاف لهم رئيس الحزب مكرمة تضاف إلي مواهبهم المتعددة، وجدوها فرصة في الحزب العتيد لغسل أنفسهم بعد أن غسلوا أموالهم في دهاليز النظام.

    دخل المكتب السياسي أيضاً ما يمكن تسميته (بالخلايا النائمة) في الحزب أولئك الذين حملوا ديباجة الحزب فيما سبق، وما أن دهست دبابات الإنقاذ الديمقراطية حتى إنزوا إلي منازلهم كأن الأمر لا يعينهم في كبير شئ، ثم راحوا في ثبات عميق طيلة سنوات الإنقاذ، ولم يفيقوا منه إلا يوم أن وطأة أقدامهم ارض مصر تلبية لدعوة المؤتمر، وهؤلاء قد يبدون أحسن وضعاً من أولئك الذين ظلوا يشاركون الإنقاذ موبقاتها التشريعية، مثل ذلك القيادي الذي لبي نداها بنظرية (تبادل المنافع) وأصبح عضوا في المجلس الوطني الأول المُعيّن، ثم الثاني الذي ادعي النظام أنه جاء بالانتخاب، ولأنه أصبح خبيراً في هذا المضمار، عُيّنه السيد الميرغني أيضاً في المجلس الوطني الثالث ضمن (الكوتة) التي جاد بها النظام علي التجمع الوطني، وحاز فيها الحزب علي نصيب الأسد رغم بؤس المغنم، وهذا قد يكون أفضل حالاً من أولئك الذين عينهم رئيس الحزب في المكتب السياسي المذكور وهم أعضاء وإلي الآن في حزب النظام، المسمي بالمؤتمر الوطني. ولو شاء المرء توسعاً في المفجعات لتعرضنا لذكر نماذج أخري ربما تنغص عيشة القارئ وتجلب له هماً وغماً.

    عليه نعتقد أنه من الناحية الأخلاقية قبل السياسية، لا ينبغي أن ينادي الحزب الاتحادي بعودة الديمقراطية، طالما أنها مفقودة في رحابه، وادعي للقول أن فاقد الشيء لا يعطيه كما يعلم الناس بداهةً، وعليه إن أراد الحزب أن يكون متصالحاً مع اسمه، وصادقاً فيما يدعو إليه خاصةً في قضية الديمقراطية، ومساهماً حقيقياً في القضايا الوطنية، عليه أن يهتدي بالديمقراطية منهجاً ويملأ بها فراغاته، وينشرها في أروقته، ودون ذلك لا يدعي سوي المتنطعون والمكابرون فيما ظلوا يرددونه دوماً دون وعي أو إدراك بديمقراطية الحزب وسيمفونيات أخر من شاكلة هذا القول النشاز.

    إنعدام المؤسسية:

    نظراً لأن السيد الميرغني يتحمل كثيراً مما حاق بهذا الحزب؟ وتبعاً لأنه لم يقل للناس أو القواعد إن كان هذا الحزب ملكاً خاصاً أو عاماً كما تساءلنا في البداية، عليه سيظل القاسم المشترك في الأمثلة التي نضربها للتدليل علي السلبيات التي يعيش فيها الحزب، فانعدام المؤسسية يتجلي باستمرار في كونه صاحب القرار الأول والأخير، لا يعرف الناس مؤسسات تعالج في إطارها القضايا العامة ولا الخاصة بتسيير شئون الحزب، فكل المواقف تصاغ وتقال وتدبج بناء علي مشيئة رئيس الحزب، وأحيانا مشيئته تلك تكون في الغالب مبنية علي مصالحة الخاصة، وقد أتحفنا السيد حاتم السر بقول مدهش أغنانا عن أمثلة كثيرة كان يمكن أن نوردها للتأكيد علي انعدام المؤسسية في الحزب، والسر الذي نقسو عليه رغم الذي بيننا، ورغم أنه يعد من صفوة الحزب، لأنه كان ذات يوم ناطقاً بما يجوس في صدور المعارضين من أقوال وأحلام وتمنيات بعودة الديمقراطية، واكثر من ترديدها في الكيان المعارض حتى حسبه الناس أحد تلامذة أفلاطون، ولهذا جاء حديثه غريباً، قلنا بعده أن كان هذا الجيل من الحزب يفكر بهذه الطريقة، فما علي نشطائه سوي مواراته الثري، بلا عزاء أو مراسيم تنقب أمجاده.

    قال السر (الصحافة 9/6/2007 ) أن الميرغني لا يشعر بالرضا تجاه الأداء التنظيمي للحزب في الداخل، متهماً المكتبين السياسي والتنفيذي بالتقصير في أداء الدور المفترض!!، بعد أن حصلا علي تفويض وصلاحيات كاملة للاجتماع!! واتخاذ القرارات في القضايا الحزبية والسياسية الطارئة، ولم يستبعد السر أن يخضع الميرغني فور عودته الجميع للمحاسبة تجاه ذاك التقصير.!! ورفض السر ما يثار عن نهاية الدور السياسي للميرغني، وأتهم من أسماهم بأصحاب الغرض بالترويج!، مؤكدا أن الميرغني عازم علي العودة إلي السودان في غضون شهرين للتصدي لمرحلة الانتخابات، وترتيب أوضاع الحزب الداخلية!!، معترفا بحالة الارتباك التي تعيشها مؤسسات الحزب. وقال أن الميرغني نفسه لا يشعر بالارتياح لما يجري في الاتحادي!!، معتبراً الحديث عن مسؤولية الميرغني الشخصية في الارتباك الحالي محاولة للتنصل من الفشل الذي لازم الأداء خلال الفترة الماضية!!. ونوه إلي أن زعيم الحزب نقل سلطاته الفعلية والتنفيذية إلي نائبه الأول احمد الميرغني والمكتبين التنفيذي والسياسي!! لاتخاذ القرارات السريعة بعد الاجتماع في الخرطوم، وتساءل :لماذا لم يجتمعوا منذ ستة اشهر؟! ألم يكن هناك ما يستحق؟!

    فيما عدا علامات التعجب، فإن النصوص الواردة أعلاه هي جميعاً من حديث السر، وفي التقدير أن كان يعني ما قال تماماً، يكون أهم ما جاء في حديثه هذا أجابته علي السؤال المفتاحي الذي أرقّ الكثيرون، وذلك بالتأكيد علي أن الحزب هو حزب الميرغني وحده، أي ملكاً خاصاً له، إن رضي سيادته، فسيعم الخير والبركة علي الحزب وعضويته، وإن غضب سيادته فالويل والثبور في انتظار العضوية! التي عليها أن تعيش في هلع وجزع ريثما تتم محاسبتها من قِبله وليس المؤسسة! ثم ما معني أن ينقل الزعيم سلطاته الفعلية والتنفيذية لنائبه والمكتب السياسي والتنفيذي؟ وكيف صبر ستة أشهر علي عدم مباشرتهم مسئولياتهم الحزبية في وقت تفور وتمور فيه الساحة السياسية؟ ألا يمكن أن يتصدى الحزب للانتخابات في ظل اغتراب الرئيس؟ أو ليس ذلك مثلاً ناطقاً بانعدام المؤسسية التي نعنيها؟.

    إن غياب المؤسسية دائما ما يؤدي لتضارب القرارات، وتوهان الحزب في أودية اللامعقول، وما اكثر الأمثلة التي تقف طابوراً لاستجلاء ذلك، ولكن ثمة مثل صغير ربما قرّب الصورة للأذهان، ففي ملابسات الديمقراطية الأخيرة، ألف المراقبون ممارسات عشوائية لعضوية الحزب داخل البرلمان، فتجد هناك من يدعم موضوعات تناقض أجندة الحزب، و لا يجد مانعاً في التصويت معها أو ضدها دون اكتراث إن كانت تتسق مع توجهات الحزب أو تتضاد معها، كذلك أنظر لمعارك الدكتور محمد يوسف أبو حريرة وزير التجارة السابق، والذي حورب من قبل حزبه في سياساته الاقتصادية والتجارية أكثر مما فعل الحزب الشريك في الائتلاف، ذلك لأنها كانت ببساطة تتضارب ومصالحهم الخاصة.

    لنضرب مثلاً اخراً كنا قد أوردناه في مؤلفنا الأخير(سقوط الأقنعة/الفصل السابع)، حول ما جري للسيد محمد المعتصم حاكم، الذي نطق في فترة من فترات توهج النضال الوطني بشعارات ضد النظام القائم، وذلك فيما ظلت تلهج به ألسنة المعارضين حول تفعيل النشاط العسكري، أعتبره السيد الميرغني أنه نطق كفراً، فكوّن له لجنة لتحاسبه علي ما اغترفت يداه، ولم يكن ذلك لأن الحزب غير إستراتيجيته فجأة أو أن التجمع الوطني الذي يرأسه أيضا أوحي لجنده المعلومين أو المجهولين مفارقة خنادقهم، ولكن لأن السيدة بدرية سليمان كانت يومذاك في الإسكندرية تحمل عرضا سخياً من النظام للشقيقين بإعادة ممتلكاتهم المصادرة، ويبدو أن ذلك الخطأ (التاريخي) دفع السيد حاكم ضريبته فيما بعد، فقد شقّ علي الذين أضاعوا عمراً في العمل المعارض أن يروه خارج إطار تشكيل المكتب السياسي سالف الذكر، في الوقت الذي عيّن السيد الميرغني بعض ممن لا يعلمون شيئاً عن الحزب إلا في الصحف كما ذكرنا، المفارقة أن حاكم الذي انضم للحركة الشعبية ظنّ أن متاعبه مع الحزب أو مع زعيمه قد انتهت، لكن المراقبين فوجئوا بانعدام المؤسسية يتجلي في أسوأ صوره، فالحزب لم يكلف نفسه عناء مناقشة الأسباب التي دفعته وغيره لمغادرة وكره الدافئ، وعوضاً عن ذلك يصدر الحزب بياناً من الكويت ليكيل (شتائما)ً مقذعة يعف القلم عن ذكرها، وحتى لو كانت من باب اغتيال الشخصية، فثمة منهج أخلاقي أيضاً لا يؤذي الحزب و لا الممارسة السياسية بالشكل الذي وردت به تلك الموشحات، والموسي أن الذين صمتوا عن الاعتذار عن تلك اللغة الكريهة، شاركوا المذنب مجهول الهوية جريرته أيضاً، إن لم يكن شركاء في الأصل، في حين أن مُثل الزمالة السابقة تفرض عليهم شئ من الاحترام، لاسيما وأنه فارقهم بإحسان بعد أن كان يحمل معهم أعباء الحزب - وهناً علي وهن - لأكثر من عقدين من الزمن!

    الازدواجية:

    السيد محمد عثمان الميرغني يتسنم رئاسة الحزب، وفي الوقت نفسه هو زعيم طائفة الختمية، إلي جانب رئاسته التجمع الوطني، يوم أن كان ملء السمع والبصر بل حتى بعد أن تمّ قبره، والسيد الميرغني أو طبقاً للمهام المذكورة (سيد الحيشان الثلاثة) علي حد تعبير التراث الشعبي السائد، يتولى مهاماً أخري غير مرئية في الحزب نفسه، فهو علي سبيل المثال يشغل منصب أمين المال، وفي رواية أخري المراقب العام للحزب (هنالك شخص يتولى هذا المنصب في المكتب التنفيذي مع علاته)، وثمة مناصب أخري كان السيد الميرغني لا يتباهي بذكرها فيما يظن أنها تنقص من قدره الطائفي، فقد تولي منصب رئيس أو عضو اللجنة العسكرية المشتركة للتجمع الوطني، وكان القائد الأعلى لقوات جيش الفتح وهي الصفة التي كان يداريها حينما يحتدم الوغى في الجبهة الشرقية، ويتذكرها حينما تخمد المدافع وتهدأ الخواطر، وكان السيد الميرغني أيضاً المفاوض الأوحد نيابة عن التجمع الوطني الديمقراطي، حتى أوصله لحتفه بظلفه.

    لكن الازدواجية المرهقة للعقل والوجدان، والتي يعيشها الحزب تجلت في أبهى صورها الآن، فالحزب شارك النظام السلطتين التشريعية والتنفيذية ومع ذلك ما يزال يعد نفسه في زمرة المعارضين، ولا أحد يطرح السؤال الطبيعي، كيف؟ والحزب يعمل في الداخل ورئيسه يوجهه من الخارج، لماذا؟ وللحزب مائة ناطق وليتهم كانوا علي قلب رجل واحد فيما يدلوا به من تصريحات، علاما؟ والحزب مشغول بتشييد صروح وافتتاحها اكثر من انشغاله بعضويته، أين؟ والسر يحدثهم عن عودة الرئيس للمحاسبة والاستعداد للانتخابات، ويصمت عن الفريضة الغائبة المسمي عقد أول مؤتمر للحزب منذ تأسيسه، متي؟ وقد زاد الصورة قتامة بالتأكيد علي أن الصلة مقطوعة بين الداخل والخارج لأكثر من ستة أشهر! فمرحي؟

    في ملابسات الازدواج الثلاثي المذكور، المدهش أن السيد الميرغني لا يزال يعتبر نفسه رئيسا للتجمع بعد أن أصبح بفعل حسن قيادته وحكمته جثة هامدة وتاريخ محنط! ومع ذلك ربما تلك حالة أفضل من ازدواجية الحزب والطائفة التي ذكرنا، لأن التجمع تحالف سياسي طارئ حتماً سينتهي العزاء فيه بانتهاء مراسم الدفن، أما ازدواجية الحزب والطائفة فهي المعضلة التي ظلّ الحزب يشكو منها منذ تأسيسه وإلي الآن، وليس ثمة أمل في حل رباط هذا الزواج الكاثوليكي، في حين ألا سبيل لبلوغ الأهداف التصحيحية المذكورة سابقاً، إلا بطلاق بيّن بينونة كبري بين الكيانين، ودون ذلك فإن أي محاولات للإصلاح ما هي إلا حرث في البحر، والدليل علي ذلك أن السيد الميرغني لم يجد أي حرج سياسي أو طائفي حينما وقّع علي مقررات أسمرا، التي أكدت بوضوح لا لبس فيه ضرورة فصل الدين عن السياسية، لكن الأمانة تقتضي القول أن السيد الميرغني لم يوقع وقد وقع الحزب أمام أسمه علي المقررات المذكورة، وعلي الذين يظنون أن تلك (فزورة) كما تقول ثقافة شمال الوادي، عليهم أن يكلفوا أنفسهم بضعة دقائق لقراءة المؤلف سابق الذكر.(ص 294)

    ربما لاحظ القارئ الكريم أن المقال غير معني بالأفراد المتساقطين في فصيل الديكور المسمي (بالأمانة العامة)، فهي في خلد الكاتب بلا مواربة مجموعة من الانتهازيين والنفعيين، ولربما في خلد كل الذين يناؤون الإنقاذ أيضاً بعد أن رأتهم بأم عينها يزايدون علي الملك في ملكيته، غير أنه بعد كل موبقاتهم التي مارسوها في وكر الإنقاذ لن يندهش أحداً إذا ما رآهم غداً يجلسون بين هؤلاء أو أولئك، طالما أن الخروج من الحزب والدخول إليه أمران متشابهان كما ذكرنا.

    في الختام أذكر في قول صديق صدوق نقلاً عن السيد الصادق المهدي في حديث خاص، قوله أن الحزب الاتحادي "محض رد فعل لحزب الأمة" ولعل الوقائع المذكورة تدعم قول القائل، وعلي الذين يعتقدون غير ذلك، أو يظنون أن في الأمر استخفافاً بالحزب، عليهم أن يؤكدوا لقائله العكس بالفعل وليس بالقول، خاصة في القضايا التي أثرناه، انعدام الديمقراطية والمؤسسية والازدواجية، فهي الكفيلة بإطلاق صفة الحزب علي التنظيم، وبعدها يمكنه أن يضيف لها ما يشاء من أوصاف لا تناقض الواقع، ويقول بملء فيه لمن عايره قد كذبت! وإلي حين ذلك نؤكد لمن يري غير ما رأينا، أن الحوار هو الوسيلة المثلي لإبراء كل الجروح!! طالما أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، فوالله ما ناظرنا أحداً قط وأحببنا أن يخطئ، ولا كلمنا أحداً قط ونحن نبالي أن يبين الله الحق علي لسانه أو لساننا، أو كما قال الأمام الشافعي رضوان الله عليه.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de