أبيي :مستقبل السلم والنزاع(د.ابو القاسم قور حامد يناير 2006!!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 04:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2007, 07:35 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
أبيي :مستقبل السلم والنزاع(د.ابو القاسم قور حامد يناير 2006!!!

    دراسة فى الإبعاد الاجتماعية والإستراتيجية - د. ابو القاسم قور حامد يناير 2006 لم تعد (أبيي) قرية صغيرة تقع عند الجزء الجنوبى الغربى لولاية غرب كردفان سابقا×، بل أضحت بؤرة توتر استرتيجى، واجتماعى تشمل كل ما يمكن أن نطلق عليه اليوم منطقة أبيي بأبعادها الجغرافية والطبوغرافية كما وردت فى بروتكول أبيى فى اطار اتفاقية السلام الشامل التى تم توقيعها فى عام 2004م بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودانSPLA/M.تعتبر منطقة أبيى من أكثر مناطق النزاعات فى السودان وأشدها توترا من الناحيتين الاستراتيجية والاجتماعية (القبلية و التاريخية والجغرافية).لقد كان لهذه المنطقة الصغيرة أثرا كبيرا فى انهيار اتفاقية أديس ابابا عام 1972 وكادت أن تعصف بمفاوضات السلام بضاحية نيفاشا الكينية فى عام 2004م بعد أن تسببت فى تأسيس نقاط الاختلاف على ضوء سياقات الهوية السودانية والتاريخ والجغرافيا بين طرفى الاتفاقية. فما هو سر منطقة أبيى؟هل ستصبح هذه المنطقة مهددا لاتفاقية سلام السودان مرة أخرى؟ أم ستتحول الى فضاء للتعايش السلمى بين المجموعات المتنازعة فى تلك المنطقة ونموذجا مصغرا لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل؟

    هل ستنجح الحكومة الوطنية الانتقالية فى تجفيف المنطقة من انتشار الاسلحة الصغيرة والنارية؟ أم ستصبح المنطقة نموذجا جديدا لفشل برنامج نزع السلاح ، التسريح واعادة الدمج DDR ؟ يبحث هذا الكتاب عن هذا السر الغائر، ويتلمس الطريق لايجاد الحلول ثم يقترح النماذج البديله.ولأنه سر غائرا وطريق وعرة سيتم بحثه وتقصيه فى ثلاثة فصول وخاتمه وملحقات. الفصل الأول البعد الاجتماعى ( التاريخى والثقافى): يتناول هذا الفصل ألمعانى الثقافية والتاريخية لدى قبيلتى المسيرية الحمر (العجايره)، والدينكا نقوك. فدراسة الابعاد الاجتماعية والثقافية ، وتفكيك رموزها ومقاربة البنى المعرفية لطبيعة وتفكير وحياة الانسان المسيرى والدينكاوى، كذلك معرفة تصوراته الذهنية لبعض المفاهيم الأساسية مثل السلطة والكون وطموحاته وارثه، لعل كل ذلك يساعدنا كثيرا فى معرفة تصور هذا الانسان لذاته ورؤيته لنفسه، أعنى رؤيته التى يريد هو أن يكون عليها.فانسان منطقة أبيى – بحر العرب/كير انسان مجتمع تقليدى Traditional يمكن التعرف على مشاكله و مؤشرات النزاع عنده بواسطة تفكيك رموزه الثقافة التقليدية ونمط تفكيره المحلى.اذ من المعروف ان برامج السلام التى تستهدف منطقة أبيى هى فى الاصل مشاريع للتنمية الاجتماعية والتى تعنى التحول من مجتمع تقليدى الى مجتمع حضرى. الفصل الثانى: البعد الاستراتيجى(سياسىأقتصادى -عسكرى): لقد تم التركيز فى هذا الفصل على البحث فى الأبعاد الاسترتيجية لمشكلة ابيى حيث تم تقصى تاريخ تطور الصراع بين المجموعتين والتدابير السابقة ، ثم البحث فى ديناميات هذا الصراع وتمظهراته السياسية والعسكرية.كما يركز هذا الفصل فى دور النفط فى مسألتين اساسيتين هما النظرة الراسمالية لدى شركات النفط وعدم افرازها لبرامج تنموية ملموسه تفيد فى استقرار المنطقة و شيئ آخر هو تكالب المؤسسة السياسية السودانية والعالم على المنطقة برمتها مما يرشحها للوقوع تحت الحماية الدولية فى حالة انهيار اتفاقية السلام الشامل والوضع الأمنى فى المنطقة. الفصل الثالث: ابيى بعد اتفاقية نيفاشا : يتناول هذا الفصل راهن منطقة أبيى ذلك من خلال قراءة متأنية لبرتوكول أبيى الذى جاء بعنوان ( حسم نزاع أبيى ) والموقع من قبل طرفى اتفاقية السلام الشامل بتاريخ 26مايو2004م. يورد هذا الفصل قراءة لمستقبل النزاع فى منطقة أبيى ومستجدات التوترات ، والمساعى والتدابير الراهنه لأحتواء المنطقة. فى الخاتمه يخلص الكاتب من خلال قراءته لمستقبل النزاع فى منطقة أبيى الى ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول وهو أسوأ الأحتمالات وهو انفجار الوضع الأمنى فى المنطقة ونشوب الصراع المسلح بين الدينكا والمسيرية بذنب الاستقطاب بين حكومة شمال السودان وحكومة جنوب السودان ودفع كل منهما بقواته ومن والاه من ميليشيات الى المنطقة. أما الأحتمال الثانى هو تنامى حركات التمرد والعصيان بين أوساط عرب المسيرية مما يرشحهم لحركة سياسية مسلحة تطالب بحقوقها وربما أدى ذلك الى اتحادها مع حركات أخرى فى غرب السودان أو أن تتسع دائرة النزاع العربى-الأفريقى بعد أن يشمل مجموعة الرزيقات بجانب المسيرية والدينكا ملوال بجانب الدينكا نقوك حينها ستسعى شركات البترول الى حماية مشاريعها الأمر الذى سىؤدى الى وقوع المنطقة تحت الحماية الدولية.أما الاحتمال الثالث وهو أفضل الاحتمالات هو أن تنجح مساعى وجهود حكومة الوحدة الوطنية بدعم الأمم المتحدة والمجتمع الدولى فى السيطرة على السلاح، وتوفير الأمن والمشاريع التنموية للمواطنين فيقبل العرب المسيرية حقيقة انهم عرب الجنوب كما يقبل الدينكا نقوك هذا الواقع بعيداعن الاستقطاب السياسى فتعيش المجموعتان بسلام فى منطقة أبيى فى حالة انفصال جنوب السودان عن شماله أو عدم انفصاله. الفصل الأول الابعاد الاجتماعية لمشكلة أبيى - دراسة سيسيو ثقافية - الموقع الجغرافى تقع منطقة أبيي وهى المنطقة التى تعيش فيها كل من قبيلتى (المسيرية الحمر بدنة العجايرة¼) و (الدينكا نقوك) فى الجزء الجنوبى الغربى من ولاية غرب كردفان سابقا ، والمنطقة الجنوبية الغربية لولاية جنوب كردفان حاليا، بين خطى عرض 30.4 ؛- 11.5 ؛ غرب وخطى طول 27.10 ؛ - 30 ؛ شرق، فى مساحة تقدر بخمسة وعشرين ألف كم2 .أكبر أنهار هذه المنطقة هو بحر العرب أو بحر (كير) بلغة الدينكا، والذى يجرى من الغرب الى الشرق فى هطول الامطار ثم يتحول الى برك متقطعه على طول مصبه فى فصل الصيف. تقدر أعداد الدينكا (نقوك) بحوالى ثمانية وثلاثين ألف وخمسمائه نسمة حسب تعداد عام 1956 ، أما المسيرية فيقدرون بـ مائة وأثنين الف وتسعة وعشرين نسمة حسب تعداد 1956 م. تتميز هذه المنطقة فى الشمال بطبيعة شاقه تنتمى الى السافانا الفقيرة فى مناخها، التى تتدرج الى سافانا غنية رويدا رويدا و تمتد جنوباً حتى جهات (بحر العرب أو بحر كير).وتمثل منطقة بحر العرب وحوضه بضفتيه الجنوبية والشمالية مواقع للرعى والماء ويمكننا النظر الى مجرى بحر العرب/ كير بوصفه محور نمط الحياة وسبل كسب العيش وبالتالى يمكن أن يلعب ذات الموقع دورا كبيرا فى التحولات التنموية المطلوبة. ويتبع هذا التدرج تدرج آخر فى الغطاء النباتى متمثلا فى النباتات العشبية القصيرة التى تنمو على الرمال أو القيزان جمع قوز(*) عند الجهة الشمالية حيث تكثر أشجار الأبنوس عند مدينة (بابنوسة)، ويتواصل هذا التدرج منحدراً فى شكل كثبان رملية فى الجهات الجنوبية للمنطقة ليتحول الى ارض منبسطة ، مسطحة، يطلق عليها عرب المسيرية (الحمر) اسم (الجلدة)(*) ومنها جاءت تسمية (المجلد) ، وهناك تكثر أشجار (اللبخ) و (الهجليج). أما من الناحية الغربية حيث جهات قرى (المقدمة) و (أبوبطيخ) تكثر أشجار (الدروت والصهب وأم سروج)(*) ويتواصل هذا التدرج جنوبا حتى جهات وقرى التداخل والتمازج بين قبيلتى المسيرية ودينكا ملوال ( بحر الغزال) مثل قرى (الميرم)(*)، حيث تتخذ التربة اللون الاسود وتكثر اشجار الطلح، عند جهات (السميح)(*) و(كونقا) و( شقادى ) بالقرب من مجرى (بحر العرب)، وهذه المسافة يطلق عليها العرب اسم (السهلى)(*)، وهى المساحة التى تنتهى (بالجُرف) وهو الاسم الذى يطلقه العرب الحُمر على (مجرى بحر العرب). وهو جُرف عميق، يمتد فى شريط طويل من الغرب إلى الشرق.ويسمى هذا الجزء بالمرحال الغربى وتقطنه قبيلة الفيارين التى تلتقى جنوبا مع قبائل دينكا ملوال ( بحر الغزال) وغربا مع قبائل الرزيقات بولاية جنوب دار فور.أما جنوب المجلد فيمتد شريط من القرى نحو الجنوب مثل ( نعمتين ) ، (ام دريس) ( الستيب) ( الجنقاى) ( النعام دينق مجوك) ثم ( ابيى) وهو ما يطلق عليه المرحال الاوسط وهو مرحال قبيلة أولاد كامل أحد فروع قبيلة المسريية الحمر. وفى الناحية الشرقية تتحول التربة الى تربة طينية ، حيث تكثر أشجار الطلح عند جهات قرى ( ناما) و ( الدبب) الى ( الدمبلوية) وهذا هو المرحال الشرقى حيث تتحرك فيه قبيلة أولاد عمران.تغطى هذه المنطقة ثلثى حقل النفط فى السودان الذى يبدأ شرقا بحقل شارف وأبو جابرة منتهيا شرقا بحقول هجليج ، وبليله.لذلك يعتبر البترول أحد أهم اسس الصراع الحديث بين أطراف حكومة السودان ( حكومة الشمال ) وحكومة ( الجنوب) من جهة ومصدر آخر للتنافس الدولى خاصة الولايات المتحدة الامريكية التى ترى أيلولة السبق فى اكتشاف البترول فى السودان حينما بدأت شفرون الامريكية التنقيب عن النفط فى هذه المنطقة فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى. تحد هذه المنطقة من الناحية الشرقية بولاية الوحدة وجنوباً بولاية شمال بحر الغزال، وغرباً بولاية جنوب دارفور. فتبدو المنطقة أشبه بمثلث يلمس ثلاث ولايات تحف حقول النفط فى هذا الجزء من السودان. يتبع هذا التدرج تدرج طبوغرافى وسكانى، حيث يسكن الجزء الشمالى عدد كبير من القبائل مثل عرب المسيرية الحمر (العجايرة) الذين يتوغلون الى الجنوب، وقبائل (المعاليا) وهى مجموعة ريفية تعيش عند الاطراف الشمالية وبعض القبائل الأخرى مثل (البرقو) و( البديرية) و(الداجو) و (الفلاتا). لكن يمثل عرب (المسيرية الحمر والدينكا) الغالبية العظمى لسكان هذه المنطقة. سأتناول فى ما يلى البنى الاجتماعية لقبيلتى الدينكا نقوك والمسيرية الحمر ( عجايرة)، ذلك بغية توضيح طبيعة التعايش بين هاتين القبيلتين واثر التوترات القبلية والنزاعات المتتالية فى التعايش السلمى بينهما. أيضا سيركز هذا الفصل على تبيان تفشى العنف وثقافة الحرب فى الأدب الشفاهى وحياة المواطنين عامة. هذا الفصل يكشف عن ما يمكن أن نسميه ( نظم التفكير المحلى ) Indigenous Knowledge System IKS وهو النظام الذى يتيح لنا اعمال نظريات التحليل الثقافى والانثربولجى فى تفكيك رموز هذه الثقافة، ثم قراءة مستقبلها وتصميم نماذج التعايش السلمى بينهما. قبيلة الدينكا نقوك ( بحدسى سأقرأ وجهك، فالذى يحبك وجهه أبيض . . .يسلم عليك، ويضحك معك. أماالذى يكرهك فهو ذو وجه مرعب كالحيوان المفترس . . يسلم عليك ثم يجلس. نحن فى أبيى رأيناكل شيئ، كل قبيح وكل جميل ، ولم يبق لنا غير شيئا واحد لم نره وهو الشيطان الرجيم ) . ان كان هناك وصفا سريعا لقبيلة الدينكا عامة والنقوك على وجه الخصوص انهم قوم أهل حكمة ونظر وميثولوجيا تتضمن قيم ضبط النفس، وعفة فى الاخلاق وحب الحياة والايمان بتعميرها وعدم افسادها.لذا قد يتعجب المرأ ان قبيلة بتلك الصفات لا يمكن أن تقبل الحرب أو العنف الا فى حالة أن تكون حرب مفروضة عليها للدفاع عن هذه القيم والمفاهيم أو باسباب سياسية أو بذنب الوقوع تحت مؤامره دولية تستهدف هذه الفئة البشرية هوية قبل غيرها.فالحرب مسألة مبغوضة لدى الدينكا. قد يلاحظ المرأ طبقية هوية وانفصافى الخطاب- ان صح التعبير - بين أفراد الدينكا نقوك على مستوى القاعده ، والحياة التقليدية ، وبين مثقفيهم الذين انطلت عليهم الحيله وصاروا ضحايا لأطروحات المنظمات، فظنوا انهم أحسن سلاله عن غيرهم ، وأشد قوة وبأسا. لكن كما هو معروف ان كثير المنظمات العالمية ، والمجتمع الدولى يعود الى الحقيقة كاملة بعد أن يستنفد مشروعه. فمن المتوقع أن تظهر الحقيقة كاملة ، حول المعلومات المغلوطه التى وفرها مثقفو النقوك عن المسيرية للمجتمع الدولى عاجلا أو آجلا وحينها ستعود المياه لمجاريها، ويأخذ كل ذى حق حقه.تتكون قبيلة الدينكا (نقوك) من تسع أفرع وهى: 1- أبيور. 2- أجيل. 3- اللى. 4- ماجور. 5- ديل. 6- أشوينق. 7- أشاك. 8- بنقو. 9- ماريق. ودينكا النقوك يشكلون فرعا واحدا من احد عشر أفرع للدينكا عامة فى السودان الذين يقدرون بـ 11% من مجموع سكان السودان و 50.4% من سكان جنوب السودان"(1).أما الاحدى عشر فرع تنقسم لمجموعتين هى دينكا ملكال الى تنقسم الى عدد من القبائل وهى (دونق جول، جونق لوال ،حونق بارن ، بان أرو ، بار بور، رونق) ودينكا بحر الغزال(بور توج، جور مان اقار ، أفوك، أقور، ملوال جار جانق ،دور شول، نقوك) أما التسعة أفرع التىتتكون قبيلة الدينكا نقوك يسمى كل فرع منها (ووت) ومفردها (وت)، والتى تعادل العربية كلمة (عمودية) من عمدة، ويرأس كل منها زعيم يعرف بـ (بنج)(*) ويعادل بالعربية المفردة (عمدة) " وينقسم كل فرع إلى فرعين أو ثلاث (شياخات)(*) لكل منها زعيم يعادل ما يسمى بالشيخ لدى العرب"(2). ويمتاز الدينكا برشاقة وجمال الجسم. وهم قبائل رعاة، يرعون الأبقار، أى من الممكن ان ينطبق عليهم المصطلح (بقارة) لأن رعى الابقار هو أساس الحياة وسبل كسب العيس لدى أفراد هذه القبيلة. وقبائل الدينكا (نقوك) قبائل وثنية، على الرغم من تاثرها بالإسلام منذ التقائهم بعرب المسيرية فى القرن السابع عشر، بالنصرانية مؤخراً. وتمثل الاسطورة أو (الخرافة) مرتكزا ميثولوجيا، وعقائدياً، وأساساً للقيم والعادات والتقاليد لديهم. وللدينكا فى بداية الخلق ومجيئهم إلى كوكب الارض أسطورة شهيرة يرددونها فى حلهم وفى ترحالهم، وتقول تلك الإسطورة " إن جد الدينكا يسمى (بنج ديت) وتعنى بلغة الدينكا (ربنا الكبير) ، يقولون انه فى زمن من الازمان البعيدة .. القديمة .. السحيقة قد جاء مطر، وسبقة غمام كثيف، وبرق، ورعد، وظلام دامس، ثم جاء برق آخر بدد الظلام، فجاء صوت وكلام فى انهمار الامطار الغزيرة، ونزلت بنت ممشوقة القوام، فارعة جميلة، ضامرة الحشا مع المطر اسمها (الوث Aloth) فى لغة الدنيكا تعنى بنت الغيم أو الغمام أو بنت رزاز المطر، وكانت حبلى بارزة البطن، ومع نزولها وسط المطر ولدت ولدا صغيراً، بأسنانة تامة، فقالت (الوث) للناس من حولها: هذا الولد جاء معى من السماء. وإذا أردتم ان يتكلم الولد الصغير هذا أحضروا ثيراناً بيضاء، واعملوا ذبائح وكرامات، وبعد الكرامات، والأعياد، ووسط جمع الناس، سيتكلم الولد الصغير. فذبحت الذبائح، وأقيمت الكرامات فجاء المطر منهمرا، غزيراً، فقالت (الوث): هذا الولد اسمه (بنج ديت) وهو يحفظكم كلكم. أن هذا الولد هو الصلة بينى وبينكم والرب. ثم نزل المطر غزيراً وطارت (الوث)الى السماء العليا، وتاركة (بنج ديت) مع الناس. ثم تكلم بنج ديت حاثا كل من له بقر أن يعزل منها بقر بعينه ويحفظها باسم بنج ديت وسط ابقاره وعندما يسمى الشخص أبقار بنج ديت لايحق له بيعها، وإنما يحسن تربيتها، ليستفيد منها فى الزواج"(1). هناك شك حول متن هذه الحكاية ، ان التدخل فى حياة الدينكا لم يكتف بالأطر السياسية والجغرافية والتاريخية بل وصل درجة تزوير الميثلوجيا والمفاهيم العقدية والتقاليد.لكن مهما يكن من صدق و توافق حكاية الأسطورة بالسمات الكنسية تكشف لنا هذه الاسطورة ارتباط البقر بالرموز المقدسة والعقائدية لدى الدينكا فأصبحت للأبقار قيمة مقدسة ويصبح الدفاع عنها، ورعايتها، مهمة أساسية للبقاء لدى أفراد القبيلة. كما تكشف لنا هذه الاسطورة عن فهم الدينكا للخلق وبدايته ، وهو فهم بدائى معرفيا اذا تمت مقارنته بالاديان والميثلوجيات الأخرى، وهو مفهوم يشبه مفهوم (الوسيط) لدى بعض الممارسات الطقوسية الأخرى وبعض القبائل مثل الكجور لدى بعض القبائل السودانية، وهو مفهوم خرافى ينص على أن هناك سلطة روحية تتمثل فى شخص بعينه تجعله اقرب إلى الإله من غيره الأمر الذى يؤهله ليصبح الوسيط بين العباد والإله نفسه. لكن عند الدينكا قد يجمع هذا الشخص بين السلطتين ، السلطة الدينية والسلطة السياسية.لقد تاثر دينكا نقوك بالإسلام عبر التاريخ خاصة بعد التقائهم بالعرب أول مرة فى مطلع القرن السابع عشر بعد فرارهم من جنوب بحر الغزال وبعد قيام الدعوة المهدية فى نهاية القرن الثامن عشر. لكن تعتبر فترة المهدية الفترة الوحيدة التى وجدت نوعا من التوثيق حيث تمت المراسلة بين الإمام محمد أحمد (المهدى) إلى محمد الرقيق(*) كما ورد ذلك فى الوثيقة (*) 130 وبها إشارة إلى الدينكا باسم (جانقى) فى مجموعة الآثار الكاملة للإمام المهدى، المجلد الأول وتحقيق الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ومن جملة ما ورد فى تلك الوثيقة الآتى " أما بعد فإن الفقيه محمد الرقيق أحد منكم ومن أنصار الدين وأمرناه بإقامة السنن وإحياء الملة المحمدية وأجزناه فى قتال المشركين والجهاد فى سبيل الله وفى دلالة الخلفاء إلى الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر. حكم الإمضاء عليكم وجعلته خليفة فى قومه لتعليم شرائع الإسلام، واتبعناه من جانقى من بعض فرقة ماريق الشيخ الـ (روب) ولد بيونق وأتباعه وقبيلة روينق أيضا، الجميع تبعا للمذكور فى الأمر والنهى وتعليم ما فرضه الله عليهم. فليكن معلوما ذلك واتفقوا أنتم الجميع على إصلاح الرعية واقصدوا الله ورسوله والدار الآخرة واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وتحابوا فى الله وتزاوروا فى الله وتشاوروا فى أمور الديانات...الخ"(1). وعلى الرغم من الاشارة الواضحة التى تقرر علاقة محمد الرقيق قائد قبيلة المسيرية الحمر ب(الروب بيونق) سلطان الدينكا منذ تلك الفترة، وما تدل عليه من تعايش قديم فرضه واقع الجغرافيا والتاريخ لكن هناك من ينفى أو يشكك فى هذه العلاقة، على سبيل ينفى الكاتب الدكتور فرانسيس دينج مجوك ويشكك فى هذه العلاقة فى عدد من مؤلفاته خاصة فى كتابه (حرب الرؤى). لعل مرد هذا التشكيك هو موقف فرانسيس دينج من الهوية العربية التى يرى انها صارت مفروضة على اسرته، لكن مجرد ورود الإشارة الى المهدية والدينكا فى كتابه (حروب الرؤي) يدل على تأثر الدينكا نقوك بالإسلام فى إطار دعوة المهدية يقول فرانسين " خلال المرحلة الأولى للحركة المهدية، وحسب رواية الزعيم دينق أبوت(*) يقول المهدى " هناك زعيم عظيم يدعى أروب سمعت عنه عندما كنت حينها فى البعيد. أرجو منه ان يحضر لزيارتى. يبدو أنه وحكماً لسمعة الحركة المهدية وعنفها الذى لايرحم، قوبلت الدعوة المهدية بالشك والتوجس، يواصل دينق أبوت حديثه فيقول : العديد من الزعماء ذهبوا لزيارة المهدى وتم قتلهم ولمدة عامين منع قوم الأنقوك زعيمهم أروب من الذهاب للمهدى. وقالوا له : كيف يمكن ان تذهب إلى حيث يقتل الناس ؟ ويقوم الخليفة عبد الله بقطع رقاب الناس حتى قبل وصولهم للمهدى. قرر أروب فى النهاية الذهاب مصحوبا بالزعيم اللور أجنيج من عشيرة دينديور المنافسة، والذى سبق وتم الاعتراف به ليكون نائبا للزعيم الأكبر لدينكا (الأنقوك)(2). هذا الاقرار يشوبه نوع من التشويه وذلك لما ورد من قول (ويقوم الخليفة عبد الله بقطع رقاب الناس)، بالفعل لم يكن المسيرية وعرب الغرب عامة بالسودان ذوى حظ فى المهدية، فالمشروع المهدوى لم يقم على التنمية أو التوعية ، فكان حصاد المسيرية مثل غيرهم ، خراب ديارهم وموت قادتهم لكن مثل هذا الزعم يمكن تدوينه من قبل فرانسيس خاصة انه يعتمد على الروايات الشفهية، فهى روايات غير قابلة للتحقق إلا فى حالة الإجماع. ويذهب فرانسيس فى وصف فظاعة المهدية حد القول " أنقسم العرب الحمر الى معسكرين فى تعاملهم مع دينكا (الأنقوك). فالجناح الذى احترم العلاقة التقليدية دعم المصلحة بين الزعيم أروب والمهدى. وحسب رواية إبراهيم الحسين(*)، ذهب أروب لزيارة المهدى ليعلن ولائه فى مكان يدعى أم حراز، قال المهدى لأروب: منذ اليوم سوف يكون اسمك عبد الرؤوف، بدلا من أروب ورحب به معلناً إسلامه بصلوات وأهداه سيفا، ورجع أروب بعدها لقومه. ونرى هنا بوضوح بداية عدم السماحة الدينية. لكى يتم قبول أروب وأحترامه، كان عليه ان يعتنق الإسلام وان يغير اسمه(1). هكذا ينتهى حديث فرانسيس وابعاده السياسية يمكن القول أن لآراء فرانسيس دورا كبيراً فى بروز التنازع بين القبيلتين وفى (تدويل)(*) قضية أبيي، ووضعها فى صورة الاعلام الدولى كمنطقة عدم تسامح دينى.لكل ذلك ظل عدد كبير من المتعلمين من أبناء المسيرية ينظرون الى مؤلفات الدكتور فرانسيس بانها مؤلفات جاحدة، وليست محايدة.تسعى الى تضليل الرأى العالمى ، وعدم تمليكه الحقائق، تمثل ذلك فى موقف اسرة بابو نمر ناظر عموم المسيرية التى قابلت مؤلفات فرانسيس بالاستنكار والاسترابه و لما ورد فيها من تزوير – حسب رأى الفريق مهدى بابو نمر- علاقات التسامح والتعايش التاريخى بين والدهم بابو نمر على الجله ناظر عموم المسيرية ووالد فرانسيس دينق السلطان دينق مجوك ناظر الدينكا نقوك وعلى الرغم من ورود عبارة (وتشاوروا فى أمور الديانات)، والتى تدل على معرفة الإمام المهدى بالطبيعة الوثنية للدينكا نقوك، من الواضح وخاصة بعد المقارنة بمؤلفات فرانسيس حول (أبيي) نكتشف ما أثاره كتاب (حروب الرؤى) من خلاف ، ذلك لما جاء فيه من تناقض فى الرؤى. فالحقيقة هى ان ثمة تمازج وتصاهر وعلاقات تاريخية جمعت بين قبيلتى الدينكا نقوك والمسيرية الحمر( العجايره)، ذلك لإشتراكهما فى سبل كسب العيش ونمط الحياة فكل القبيلتين من رعاة الأبقار (بقارة) لقد كان فى الماضى عرب المسيرية أكثر تمدنا من الدينكا نقوك ، فينعمون عليهم بالكساء ، والغطاء، ولم يحدثنا التاريخ أن عربيا مسيريا طلب من أحد الدينكا بأن يدخل الى ملة الاسلام أو أن يكون عربيا. كان الدينكا دينكا النقوك يرون فى نموذج العربى الذى تعرف على اسباب التمدن من ملبس وتحضر ، فيقلده حتى صار بعض من الدينكا أشد عروبة واسلاما من العرب أنفسهم فى تلك البقعة. ويقطن الدينكا على ضفاف بحر العرب أو بحر كير من الجهة الجنوبية وجهات (مدينق أويل وقوقريال ) ويزداد هذا التماس بصورة واضحة فى منطقة (الميرم) وقرية أبيى كما تشير عدد من المصادر الى العلاقات التاريخية الطيبة بين القبيلتين التىظلت تحكم القبيلتين يقول هندرسن" إن العلاقة بين الحمر والدينكا نقوك ظلت علاقة صداقة قوية" وفى العام 1940 وصف حاكم مديرية كردفان العلاقة السليمة المتطورة بين الحمر والدينكا بأنها علاقة ممتازة وفى مارس 1948 أورد حاكم كردفان فى تقريره إلى السكرتير الإدارى أن الدينكا نقوك والحمر قد وقفواجنبا الى جنب فى مواجهة دينكا أويل توج الذين حاولوا التعدى على اراضى الراعى التابعة الى منطقة أبيي(1).ويرى فرانسيس بأن ارض الأنقوك تمتد شمالا حتى دينقا والتى تعرف الان بالمجلد"(2).هذا القول ينفيه الانثروبولوجى أيان كنسون قائلا " عندما وصلوا – العرب المسيرية – الارض التى تسمى دينقا Denga والتى وسطها اليوم تسمى المجلد وجدوا شعب اسمه الداجو Dajo وشات Shatt فلم يستطيعوا المقاومة فهزمهم المسيرية(3) ، ويدل حديث كنسون أن أرض دينقا – المجلد – هى عاصمة الداجو ودينقا اسم لأم سلطان الداجو من المرجح أن رواية كنسون أكثر صدقا من رواية فرانسيس التى تزعم ان المفردة (دينقا) مشتقة من دينق ، فهناك العديد من افراد قبيلة الداجو وقبيلة الشات الذين يعيشون فى منطقة المسيرية ويرون صحة رواية كنسون حول الاسم (دينقا) و اصل الكلمة مشتق من اسم والدة سلطان الداجو التى تسمى (دينقا). نظام السلطة والعشيرة والقيم والعادات لدى الدينكا نقوك: تجمع المراجع حول عشيرتين ومجموعتين تمثلان الزعامة لدى قبيلة الدينكا نقوك هما مجموعتا (دينديور) و (جوك) ، وإلى هاتين المجموعتين تنسب كل مظاهر الحكم والاسطورة وتفسيرها من أصل الحكم. وهاتان المجموعتان تكاد تكون موجودتين فىكل المجموعات القبلية من الدينكا نقوم وترتبطا هاتان المجموعتان بمجموعتين قديمتين وأصليتين هما (البيور) و (مانيوار). وبالرغم من ان هاتين السلالتين قد تزواجتا على كل مستويات النسب لتدعيم التعاون بينهما، الا انهما لازالتا فى تنافس شديد. يعتقد الدينكا عموما منتسبى دندبور يمثلون اكثر القبائل الدينكا كزعيم روحى لهم. وفى فترة ما خلال ذلك التاريخ، يقال بأن جوك، الذى تربطه الاسطورة بالنسب الرئيسى لدندبور قد انفصل وكون فرعا خاصا به. وتقلد احفاد جوك من دينكا الأنقوك بصورة متزايدة الدور الرئيسى، حتى تدخل الاستعمار ومنهحم الزعامة المهيمنة ومنح دندبور المركز الثانى. وكان فى ذلك اثره فى النزعة نحو إعادة تغيير الاساطير حول الزعامة الاساسية لتبرير وترسيخ التفوق الراهن لعشيرة جوك، الباجرك ولكن المنافسة مع عشيرة رفديور بشكل كبير الى دور المجموعة المعارضة"(1) للدينكا نظرة كوزملوجية عن الوجود وهى اسطورة قديمه تنتمى الى اسطورة الخلق التى جاء ذكرها من قبل، تقول أن (جوك) هو الأب المؤسس للباجوك ، وقد جاء الى هذا الكون من السماء ومعه حربتان مقدستان"، وهاتان الحربتان ظلت تتوارثها الاجيال جيل بعد جيد، ولا زالتا موجودتان مع مجموعة الباجوك ويقول فرانسيس فى هذا الجزء " وحتى الباجوك يقرون بأن لونقار. زعيم عشيرة ديندرو كان بمثابة الاخ الاكبر لجوك، وكأن القائد فى البداية، ولكنه برهن على تقاعسه، وعليه تقلد جوك الزعامة العليا. ويقال انهما وصلا الى نهر تكمن فيه قوى جنيه لها القدرة للقضاء على من يحاو عبور النهر. وكانت تلك القوى توصف احيانا بانها ارواح خفية واحيانا على انها اناس بيص. منح جوك فى النهاية ابنه الشاى لتلك القوى، مما جعلها تنسحب وتشق مجرى النهر ليتمكن الدينكا العبور على ارض اليابسة"(1) والى جوك هذا ينتمى الامير كوال امير دينكا نقوك الحالى فى منطقة ابيي ويمكن تتبع نسبه كالاتى : بولابيك، رونقبيك، كولديت، مونيدهانق، اللور، بيوتق، أروب، كول، دينق ماجوك، مونياك، عبد الله، كول (آدم)، كول الحالى. يتضح مما ذكرناه سابقا ان نظام السلطة لدى قبيلة الدينكا نقوك هو نظام عشائرى يشبه نظام السلطة لدى قبائل عرب المسيرية الحمر وهو نظام يرتكز على الابعاد الروحية للشخصية الحاكمة. فالسلطان لدى الدينكا يمتاز بسلطتين (روحية اجتماعية) و (سياسية) وهو أمر لابد من وضعه فى الاعتبار فى أى مشروع يهدف الى التنمية البشرية أو الاقتصادية. فالرموز التقليدية للعشائر ، والقيادات الروحية ، كذلك كل المفاهيم الشعبية ، والكوزملوجية، التى تعمل عل ربط المواطن بقيمه ، ومثله، وتقاليده المحلية هو ما نسميه بالىلية التقليدية Traditional Mechanism أو نظم التفكير المحلى Indigenous Knowledge System .وهو موضوع سنعود اليه لاحقا فى هذا الكتاب. القيم الروحية والعادات والرقص والشعر والأدب: يمثل الأدب الشفاهى والرقص مدخلا لفهم طبيعة الشخصية الدينكاوية ،و لعل من أكثر الخصائص التى تمتاز بها قبيلة الدينكا نقوك مقدرتهم الشعرية الكبيرة، ويمثل الشعر الروائى الاسطورى جزءا اصيلا فى حياتهم وثقافتهم. لدرجة انه فى الكثير من الاحيان لا يمكن الفصل ما بين الحياة عامة ونمط ونظام الانتاج الشعبى الابداعى. وتمارس قبيلة الدينكا الرقص والايقاعات (النقارة) وقرض الشعفر للتعبير عن مقاصدهم وافكارهم فى مستويات الحياة الواقعية، فى الرعى، فى الحل والترحال، فى الحرب والسلم، فى الافراح والاتراح، ومثل كل القبائل الافريقية يعتبر الانتاج والفنون التقليدية لهذه القبيلة مدخلاً فاعلا ومهما لفهم حياة هذه القبيلة وعلى الرغم من أثر الحرب على صيرورة هذه النماذج الثقافية الهامة، لكن لا زال هناك قدراً كبيرا من هذه النماذج الابداعية موجوًا فى شكلها (الادبى الشفاهى) ، أو تمارس فى شكل (درامى) مما يوفر لنا إمكانية استقلالها فى منظومة المسرح التنموى فى نشر ثقافة السلم. بطبيعة الحال، ولما كانت الحرب قد لعبت دورا كبيرا فى تاريخ قبيلة الدينكا نقوك، نجد ان عددا كبيرا من الاشعار تصب فى خانة (ثقافة الحرب). وتمتاز قبيلة الدينكا نقوك بمعرفة هائلة لفنون الحرب، بل تمثل (رقصة الحرب) جزءا أصيلا فى ابداعهم وهو شئ غير ايجابى فى منظور ثقافة السلم، فمنذ الاولى للنشء يتعلم الصبية على استعمال الحراب المختلفة، والقفز والفر والكر وكل اساليب الحرب بالالات التقليدية. مثل (الحربة)، و (الدرق) الذى تتم صناعته من جلود الابقار وبالنظر الى رقصة وأداء (رقصة الحرب) بمنظور تحليل العرض.يتضح لنا إلى أى مدى أفرزت الحرب اجناسها الابداعية. ويمتاز الدينكا بالحكمة والسخرية التى نلحظها فى اشعار ميشيل راو شاعر وحكيم الدينكا والذى ساق اغنية لا زال يرددها الدينكا، وتدور احداثها حول صلاة زعيمهم أروب مع الإمام المهدى حينما ذهب وبايعه ، تقول الاغنية: هذا النزاع مع العرب بدأ مع زعمائنا القدماء عندما ذهب أروب بيونق مع اللور أجينج(*) وسافروا كل الطريق إلى الشمال وهناك قابلا المهدي وأقاموا الصلاة معاً – متجهين شرقا سأل اللور ، ورؤوسهم مطأطئة نحو الارض يا أروب ، اين بيونق، هل ترى الإله ورد أروب أبن بيونق لا يا اللور لا أرى الإله لكن دعنا نترك الامور على ماهى عليه ينطوى هذا النص على نوع من الحكمة التى اتصف بها افراد قبيلة الدينكا، ونلاحظ هذه الحكمة فى قول الروب ورده على سؤال اللور: لكن دعنا نترك الامور على ماهى عليه (فلننحى حتى تنتهى العاصفة). كما يتضح من سؤال اللور : هل ترى الإله ؟ على فهم الدينكا نقوك للإله، فالدينكا ليس لهم علم بدين التوحيد، بل ينظرون إلى مفهوم الإله من زاوية ميثولوجية، فيها الكثير من صور الطقوس والاساطير. للدينكا اغانى شهيرة فى حربهم مع العرب المسيرية والرزيقات وأشهر تلك الاغانى اغنية (الحصان الذى فر) والتى لازالت تحظى باعجابهم ويترنم بها عدد من الافراد الى يومنا هذا، والاغنية تم قرضها بعد معركة بين الدينكا وعرب الرزيقات فى منتصف الخمسينات من القرن العشرين وفيها يصف الشاعر والمغنى عرب الرزيقات بقوله (الفور السمُر) ويقول: الحصان البنى للفور السُمر (العرب) يقول يجب ان اترك ارضى حذارى فى نصال حرابى فى قتالى مع الحصان البنى ألم نتعذب معا ؟ ألم يسقط حصان الفور ؟ ما الذى يريده العرب ؟ أنا ثور شرس وصاحت القبائل سائلة هل يمكن الأبيور التخلى عن أرضه تحليل النص: يقول الشاعر هنا ليس من الكرامة ان يترك افراد قبيلة (الأبيور) - وهم احد افرع قبيلة الدينكا نقوم – ارضهم. ويقول ايضا: يجب ان اترك ارضى، هكذا تبرز الارض بوصفها مشكلة حقيقية لطبيعة النزاع بين هذه القبائل. وهذه مسألة لابد من وضعها فى الاعتبار ابان عملية نشر ثقافة السلام بين هذه القبائل. كذلك يمتاز شعراء الدينكا خيالا ثرا وخصباً يكنهم من التفاعل مع قضايا التنمية والقضايا الانسانية الحيوية الاخرى كقضايا التنمية، فالشعر والرقص التعبيرى يدخلان فى حياة هذه القبيلة فى كل مناحى ومناشط الحياة الاقتصادية منها والاجتماعية. ويمكن التدليل على ذلك ماورد من شعر ينم عن الاحباط الشديد بعد ان فشل مشروع معهد هارفاد للتنمية H.I.I.D الذى تمت الموافقة عليه بناء على طلب من الحكومة السودانية عام 1975م وذلك بغرض تنمية وتطوير منطقة (أبيي) التى تجمع كل من الدينكا وعرب المسيرية الحمر، لكن فى تلك السنة شهدت قبيلة الدينكا نقوك نزاعات اسرية تسببت فى توقف المشروع بعد ان علق كل من"ديفيد كول وريتشارد هنتيجتون" من معهد هارفارد للتنمية الدولية، بعد ان راقبا الوضع عن كثب، علقا على حجم الخلافات ووضعا اعتبارا لتلك المنافسات الداخلية وقدماها سببا للإضرار بالمصلحة العامة للأنقوك"(1) فما كان من الشاعر (منيل رو) الا ان انرى يهجو انصاف المتعملين والمثقفين من ابناء الدينكا، والذين فى رأيه الخاص هم سبب الكارثة التى وقعت، وصورهم بكائنات تفتقد القيم وتقدير القيم، بل وصفهم بالجهل لأنهم لم يستفيدوا من التعليم فيقول الشاعر: عندما أتحدث عن المتعملين ارتد الى الوراء !! معهم، ما تقوله يطير ويدور كريشة فى مهب الريح وقليل العلم كالوافد الجديد الى معسكر الأبقار والوافد الجديد لمعسكر الابقار يقابل بالسخرية لأنه يحضر معه الذباب الى المعسكر وعندما ، لايحقق التعليم الاولى المعرفة: يصبح كارقة. فى ارض اجدادنا وآبائنا القديمة كان الناس حذرين فى استعمال الكلمات يوقرون بعضهم منادين بعضهم باحترام ولكن فى سودان اليوم، من كان مهذبا فهو غبى، إن كنت مهذبا، سوف تبتلع أهـ ، أهـ إننى حقيقة محتار أجلس لوحدى أسأل نفسى والآن أسألك أيضا : من هو المتعلم الحقيقى ؟ إن ترددت فى إجابتك، سوف أخبرك المتعلم الحقيقى هو من يحتاط هو من يفكر فيما يطور البلاد المتعلم هو المتماسك الذى لا يشارك فى الحديث المتهور، المتعلم من تقلقه مصلحة البلاد، لماذا لا تقف البلاد على ارضية صلدة ؟ ولماذا لا تستند على ظهر قوى ؟ نحن بين أقوام عديدة مع البشر. تحليل النص: وربما تساءل شخص ما عن إمكانية شاعر أمى مثل منيل رو فى غرض مثل هذا الشعر ذى الحكم والمعانى العميقة. لكن هذا امر اشرنا اليه فالدينكا يقدرون الشخص بمقدار حكمته واحترامه لنفسه. بل يتمتع الدينكا نقوك ببعض الخصال النادرة التى وقف عليها الباحث فهم مثلا لا يقربون الزنا ولا يسرقون. ومن يرتكب منهم مثل هذه الموبقات يتم نفيه من الارض الى الابد. ولقد كان لانهيار مشروع هارفارد اثرا سيئا على قلوب كل من أبناء أبيي (ديكا، وعرب) ويرى الشاعر فى هذه القصيدة انصاف المتعلمين سببا مباشرا لهذه المشكل. وقصيدة الشاعر منيل رو تعتبر نوعا من المسرح التنموى ذلك لما تحوتيه من مفاهيم قيمى واخلاقية تهدف الى تنمية الانسان. وتأخذ اغانى واشعار الدينكا من الاحاجى والاساطير مصدرا ورافدا تمتاح منه بغزارة وهنا أورد هذه الاغنية التى اتخذت من الاسطورة موضوعا لها. اراد الشاعر ان يشبه بعض افراد قبيلته الذين يعيشون فى منطقة أبيي بالذئاب، والتى تتمسح بمسوح الفضيلة لكنها ليست من الفضيلة فى شئ. فلجأ الى الاسطورة والحكاية حتى يستلهم المعنى والقيم التى تجعله قريبا من وجدان المواطن فاستلهم حكاية تقول ان ذئبا بلغ من الحساسية درجة أن صلى صلاة وتضرع تضرعا شديداً من اجل عافية طفل صغير مريض. ولينفذ ذلك اتخذ شكل إنسان حسن الخلق مستجاب الدعاء والصلوات، وهو فى الحقيقة لايهدف من ذلك سوف إخفاء شكله الحقيقى وطبعه الاساسى، فهو يفعل ذلك كذبا لأنه ما ان يجد طفلا حتى يأكله ، فقال الشاعر فى ذلك: " ابيي تشبه ذلك المعسكر والاسطورة حيث وجد الثعلب الناس يصلون من اجل طفل مريض الذئب، والد الطفل، كان يصلى مرددا الذئب لست شريرا اذا وجد بقرة ضالة على الطريق ، لا اقربها وإن وجدت عنزة او خروفا ينام خارج الحظيرة احمله لداخل الحظيرة، حيث يكون المالك قد ذهب لينام اذا تركت المرأة العجوز ورائها الجلد خارجا سوف ارفعه واحفظه لها لتجده فى الصباح سمع الثعلب صلوات الذئب ومشى والبسمة تعلو وجهه، الطفل لن يحيا اليوم ملائكة الموت سوف تسمع صلوات الذئب إن كان الذئب ورعاً، فمن هو الشرير ؟ هذا ما يردده الناس فى أبيي يعتبر الشرير طيبا والطيب شريراً ! ويدخل الشعر الغنائى والراقص (Lyrical Choreography) فى حياة الدينكا نقوك لا مسا لكل القضايا والتعبير عنها، وخاصة ما يعبر عن السلطة Power ، أو التنافس من أجلها الذى يقود الى الاحتراب، فقال الشاعر: عندما أظل ساهراً، أبحث فى قلبى عما دمر البلاد أخلص الى ان البلاد اصبحت مزدحمة برجال السلطة ويبدو ان الانقوك قد انجبتهم الزرافة ! أرضنا حيث كل الناس متساوون فى الطول، وحتى وسط الزراف، بعضها أطول من بعض، ما حقيقة هذه النار التى لاتنطفئ وتبعث الدخان للسماء، لابد ان يكون حاضرا من يجعل الاخشاب تحترق، ومن يهب عليها يزيدها اشتعالاً هل هذا صحيح، أهـ هى الحقيقة ؟ يا قوم أبيي هل تثيرون الاضطراب من جديد ؟ ليتلون بعض الرجال، كما الحرباء أغانى ثقافة الحرب عند الدينكا نقوك: فى عام 1977 اعتدى عدد من افراد قبائل الدينكا نقوك بتحريض من الانانيا، على (فريق) كامل للعرب المسيرية الحمر، فقتلوا النساء والاطفال والرجال وأخذوا كل الابقار، كان لذلك الحادث اثر كبير على عرب المسيرية الحمر فما كان منهم الا ان اتجهوا الى اقرب الوسائل لتنفيذ هذا الثأر فاعتدوا على عدد من الشاحنات التى كانت تحمل عدد من الدينكا نقوك فقتلوهم جميعا، وكان من ضمن القتلى الأستاذ مجاك البييم الذى كان فى طريقه لإعداد بحث ميدانى لرسالة أطروحة الدكتوراه بين العرب والدينكا من جامعة لندن – كلية الدراسات الشرقية والافريقية (SOS) ولقد تواترت الاحداث بعد ذلك وتطورت بسرعة وفى عام 1980 وقعت احداث اخرى فى منطقة بحر العرب بين الدينكا نقوك والمسيرية الحمر، وفشلت كل السلطات المحلية فى احتواء المشكل، فازداد عدد القتلى وانتشر الموت فى كل مكان، فما كان من الشاعر منيل رو الا ان بدأ فى الغناء الشعرى باثا شكواه للإله فيقول: " النار تواصل الاشتعال ولا احد يصغى لقضيتنا نادينا ونادينا لكن لم يسأل أحد لماذا نصرخ ! تحدثنا وتحدثنا ولكن لم يسأل أحد عم نتحدث يا إلهى، إنك انت الذى وهب الدينكا البقرة وانت الذى منح العرب الثروة مالا التهم العرب ثروتهم ، وانطلقوا لنهب قطعاننا : نهبت ابقارنا، وانتزع اطفالنا، وأحرقت قرانا والآن نتزاحم تحت الاشجار كما الطيور. المسيرية الحمر (العجايرة) يعيش معظم افراد هذه القبيلة فى شكل رعاة ابقار، او مجموعات ريفية بتركيز فى مناطق (الميرم) ، (المجلد) و (بابنوسة) ، ( الدبب) ، ( ناما)، لكن الغالبية العظمى هم عرب رحل (بقارة) . ويتكون المسيرية الحمر من بدنتين هما (الفلايتة) و (العجايرة) وتنقسم كل مجموعة من هاتين الى خمس عموديات، فالعجايرة كفئة مستهدفة فى هذا الكتاب على سبيل المثال ينقسمون الى خمس قبائل هى (أولاد كامل)، (الفيارين)، (المزاغنة)، (الفضلية)، (أولاد عمران)، وكذلك تتكون كل مجموعة من مجموعة (خشوم البيوت) على رأس كل خشم بين يوجد شيخ ، وتجمع على مشيخات، وخشم البيت ايضا ينقسم الى عدد من (أولاد الراجل) وتجمع على (أولاد الراجل) على رأس كل منها (ضامن). هذا الشكل الادارى القبلى هو ما يطلق عليه (الإدارة الأهلية). إذ لازال مجتمع المسيرية الحمر يدار من قبل الإدارة الاهلية. ولقد اختلفت المصادر فى تاريخ وصول المسيرية الحمر إلى هذه المنطقة ، لكن من الراجح انهم قد جاءوا الى هذه المنطقة فى نهاية القرن السادس عشر الميلادى ثم توغلوا جنوبا حتى جهات بحر العرب، حيث التقوا قبيلة الدينكا نقوك ودينكا بحر الغزال لأول مرة، يرجع انفصال المسيرية الحمر عن المسيرية الزرق فى كردفان عام 1745 الى السلطان خريف تيمان(1)".بل تفيد المراجع ان اسم المسيرية كان محصورا على المسيرية الزرق ، أما الحمر فكانوا يسمون هكذا.الدليل على ذلك تشير كل مراجع ودائرة المعارف وكذلك تقارير المفتشين فى عهد الاستعمار الى الحمر باسم الحمر (بضم الحاء)وليس المسيرية الحمر.لكن الشاهد ان كل من المسيرية الحمر والمسيرية الزرق تجمعهما هجرة واحدة ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه ( ِArab Diaspora ) الذى بدأ منذ خروج العرب من مصر وسقوط القسنطينة فى القرن الرابع عشر الميلادى.فعرب المسيرية عامة او ما يعرفون اليوم بعرب البقارة (Bagara Arabs) هم فى الواقع سلالة تنتمى فى جذورها وتاريخها إلى مجموعة القبائل العربية القاطعة (Arabs Diaspora) التى تمتد فى شكل حزام فى وسط القارة الافريقية، من الغرب الى الشرق مارا بدول المغرب العربى وتشاد والسودان ثم جهات غرب نيجيريا. وهذه القبائل ترجع فى اصول هجرتها الى تاريخ خروج العرب من مصر إن تدرج اصول سلالة العرب يدل على انتمائهم الى قبيلة جهينة أحد فروع قبيلة بن حمير بجنوب الجزيرة العربية ذلك قبل مولد النبى محمد (ص) . نحن لاندرى كيف وصل البقارة الى موقعهم الحالى هذا والذى يمتد فى شكل حزام.يقول البعض: عندما دخل العرب مصر واصل جزء آخر رحلته عبر اطراف وسواحل شمال إفريقيا الى تونس الحالية، ثم ضرب بعد ذلك فى اتجاه الجنوب عبر الصحراء. ويقول البعض الاخر ان جزء من العرب الذين دخلوا مصر كونوا مجموعة من الغزاة حتى نهر النيل فى نهاية القرن الرابع عشر والذى من المعروف يتكون من اعداد كبيرة من القبائل ذات الاصول الجهينية. على كل حال يبدو انهم قد استقروا منذ قرون بعيدة فى اقاليم الباقيرمى Bagirmi ووادى "Wadai(1). يشبه عرب البقارة الدينكا نقوك فى سبل كسب العيش، والحياة الشاقة، لكنهم اكثر صرامة ويمثل الرعى نمط واحد سبل كسب العيش، ويطلقون على هذه الحياة اسم حياة (المسار) والمفردة من سار، ويسير، سيراً لأنهم يسيرون ويرحلون بأبقارهم من مكان إلى آخر، وكل مكان يحلون فيه اسمه (الدار) توجد لكل قبيلة وعمودية خط مسار يتراوح بين الجنوب والشمال، تسير فيه مواشيها طلباً للماء والعشب، فى رحلة شاقة طول العام، صيفا وخريفا. وكل (مسار) يطلقون عليه اسم (المرحال)، و تجمع على مراحيل من (رحل، ويرحل رحيلا) ولكل قبيلة من مجموعة الحمر مرحالها: فمرحال قبيلة الفيارين يبدأ شمالا عند منطقة (التبون وينتهى بمناطق (بحر العرب ) و(كونقا) و(شقادى) مارا بمناطق (المقدمة) و (الميرم). ومرحال أولاد كامل الذى يبدأ شمال (المجلد) ثم ينتهى فى الجنوب عند (أبيي) مارا بمناطق (الخشيم) و (الستيب)، وقرية ( أبيى) ومرحال أولاد عمران الذى يبدأ شمالا (ببانوسة وينتهى جنوبا (بالدمبلوية) مارا بمنطقة (جاما) و ( الدبب) ثم مرحال الفضيلة والمزاغنة. ثقافة المسار: تلعب رحلة البقاء التى تقوم على الرعى التقليدى والترحال (المسار) دوراً كبيرا فى تشكيل ثقافة عرب البقارة المسيرية الحمر، فيضربون فى ذلك مثلا شهيرا. كقولهم: المسار عز العطاوة(2) فبدون الالمام بثقافة المسار وأثرها على حياة هذه الفئة يصعب معرفة وتحليل العقل البقارى بوصفه بقارى ، كذلك يتعذر كيفية التعامل مع هذا المجتمع التقليدى مما يقود الى فشل نماذج الاستقرار و وأنماط الحياة البديله. لقد ظل البقارة من عرب المسيرية يحافظون على المسار بوصفه نمط كسب عيش ونظام حياه يستوجب الحماية والمحافظة عليه بكافة الوسائل. على الرغم عدم تجاهل الدولة فى السودان لهذا الأمر ، ظل عرب المسيرية يبذلون كل شيئ لحماية المسار ، مما أطرهم الى حمل السلاح والقتال مع أقرب جيرانهم مثل الدينكا. يتسائل المرء ماذ يحدث لهذه المجموعة البشرية اذا ما انهار المسار كسب ونمط العيش؟ فى هذه الحالة ستعيش هذه المجموعة نوعا من التمزق والعنف. ومن القصص التى تروى عن أصول العرب وانتمائهم لجد واحد يدعى عطية " سجل التاريخ حربا طاحنة بين قبائل خزام وقبائل جهينة لم يحفظ أدب الحروب هناك بمثلما حفظ ادب تلك الحروب عبر العصور. سبب الحرب ناقة روى ان الله خصها بلبن حتى قبل انهم يربطون دلاء بصلبها فتملأه لبنا وكان بملكها احد العريقات وهم بطن من عطية وكان سلطان خزام خال العريقى شقيق امه أعجبته الناقة وكثرا لبنها الذى لا مثيل له فاستولى عليها وكانت لخزام سطوة وغلبة ظاهرة كقبيلة موحدة ومتمرسة فى القتال عكس الجهنيين مع كثرتهم الا انهم موزعون على قبائلهم المتعددة. أمر العريقى على اخذ ناقته وألا يقبل بديلا عنها واصر خاله سلطان خزام على موقفه الرافض تسليم الناقة وقال لأبن اخته (يا ولد الناقة انا اكلتها ودخلت بطن تمساح وخشم دود(1) وقرن جاموس وكرش فيل وعين سمع الناقة أقنع منها) فرد عليه العريقى معتدا بقبائله مواجها خاله الذى اخذ ناقته ظلما فقال: الساير عطية والمقيم حيماد والدخان البتلتل داك راشد الولاد الناقة ما تأكلها إنت يا الخزامى الداج فرد عليه خاله ملك خزام مسفها عرب جهينة ومستخفا ومتوعدا: كن تلمو جنيد ومجنود ومعاكم عبدكم سلامة المعتوق كوم الغنم ما بقابل جبين الدود(2) أهم نقطة نوردها هنا بعد تشريحنا لهذا النص أن العرب الحمر كانوا رعاة ابل،وربما أجبرتهم البيئة على استبدال الابل بالابقار كما يدل النص عن اعتزازهم باصلهم العربى وهى احد خصائص وقيم العربى أينما كان فقوله الساير عطية والمقيم حيماد يعنى اصول العرب فى غرب السودان فكل عرب غرب السودان ينتمون فى جدودهم الى الأخوين (عطية) و (حيماد) فهو يحدث خصمه ويخبره بأن افراد قبيلته يملئون اركان الارض وينتشرون فى كل اصقاعها مثل (عطية) الذى هو ظاعن ببقره ومثل (حيماد) وهو مقيم فى مكان واحد وكأنه يوضح الى خصمه ان قوما بهذه الكثرة لا يمكن لك ان تأخذ منهم شيئا عنوة. كما يدل كل ذلك على ارتباط الرعى باصلهم مما يشكل قيمة اخلاقية فالعرب الحمر يربطون بين الرعى (المسار) واصلهم (العربى) ويرون ان المسار هى (سولة) اى عادة جدودهم الذين ينتمون الى اصل النبى محمد (ص) وهناك مصادر عديدة ولمست فيها بعض الصدق وهى شتى أوصلت اشجع جد العطاوة وابناء عمومتهم الى عبد المطلب ابن هاشم من ذلك ما وجد لدى الفقيه الورع الراحل العالم عبد الحميد ريدان دليل وبيت آل دليل بيت فقه عريق داخل الرزيقات وقد جاء نسب الفقيه عبد الحميد انه عبد الحميد ريدان بن دليل بن صالح حمول بل بليلة احمد بن مقدم بن جاد الله بن نيس بن رزق بن ناصر بن احمد بن وافى بن ماهر بن رزيق بن على بن رحال بن عطية بن الجنيد بن احمد بن شاكر بن زيبان بن المعز بن عز الديان ابن عبد الله بن العباس بن عبد المطل بن هاشم(1)". وتعتبر رحلة المسار رحلة خصبة وتكون اماكن الترحال والمقام اماكنا للإبداع. وتكون الرحلة صيفا حيث يتحرك نفر من الشباب فى اول الرحلة ويسمون (العزابة) ويخلفون ورائهم الاسر من نساء واطفال وشيوخ وهؤلاء يطلق عليهم اسم (التقلية). والسبب فى ذلك لأن الرحلة فى اولها ستتوغل الى جهات بحر العرب وهو مايحتاج تأمين المرحال والماشية فذلك امر لايخلو من خطر. وفى هذه الفترة التى يظل فيها الشباب وحدهم ، تجيش مشاعرهم بالحب والحنين فيغرضون الشعر ويسمونه. الاغانى والشعر والرقص لدى المسيرية (البقارة) ينقسم الفن الشعبى لدى الحمر الى الاتى: 1- النقارة. 2- المردوم. 3- الدورية. أما الشعر فينقسم الى: 1- الهداى. 2- الحكامة. 3- الجرداق. 4- البرمكة. 1- النقارة: ليست هناك رقصة اكثر تعبيرا عن افريقية قبائل المسيرية الحمر من النقارة. ويمكن تحليل النقارة كأدوات ايقاعية الى ثلاث طبل. أ- النقارة. ب- التميل. ج- الحمار. وتضرب هذه الطبول الثلاثة فى تداخل مما يوفر نوع من القرع والايقاع المتداخل. وليس هناك اى نوع من الشعر أو الحديث فى هذه الرقصة. فهى نوع من الرقص التعبيرى وفيه ينقسم المؤديون Performers الى قسمين: 1- الدور: وهو صف الرجال الذين يرقصون فى شكل دائرى، ويرتدون الملابس المزركشة ويضعون الريش على رؤوسهم . فتراهم فى أزيائهم تلك لوحة جميلة. 2- الراقصات: وهن المؤريات من النساء، ويرقصن فى صف واحد فى جانب الاخرى، وتضع الراقصة على رأسها نوع من الفضة، تسمى (الجدادة)، وتربط خسرها بثوب أبيض وفى الغالب مايكون ذلك عمامة أحد الشباب وهذه مسألة فيها رمزية وترقص المرأة باسلوب تعبيرى اى تعبر عما فى داخلها رقصاً. وتستمر رقصة النقارة فترة طويلة خمس ساعات واحيانا اكثر. ومن الملاحظ ان الراقص لايرقص بصورة منفردة مع راقصة اخرى الا فى حالة واحدة تسمى (الخوازق) ، وفى هذه الحالة يصبح الرقص اكثر تعبيرا وفيه يجلسون تارة، ويحدثون بعض الايحاءات والحركات، ويضرب الرجل على الرمل ويضرب اخماس فى أسداد، ثم يقدم كل ما يمكن ان يفعله من حركات تعبيرية لإبراز مهارته ومايجيش فى خاطره ، بينما يظل الرجال يضربون (الكوراك) اما النساء يزغردن. 3- المردوم: رقصة المردوم فيها خلط بين الرقص والغناء، والرقص مشترك بين النساء والرجال. أما الغناء فهو للنساء فقط، ويكون بقيادة المغنية الاساسية الحكامة، وعلى اثر صفقة النساء يضرب الرجال المردوم، ويبدو ان المفردة المردوم من (ردم) والردم يتم بقولك ردم الارض ردما وهو ضرب الارض بالاقدام بشدة ومن اغانى المردوم: قول الحكامة: العاجكو الليلة ما نعو ديل صبحوا وديل غربوا ودول جكوا الريشة بتن ماجوا تحليل النص: قولها (العجكو) من عجك الشئ فى قول عرب البقارة تعنى هرسة لأن ضرب الاقدام على الارض يتم بشدة وكأنهم يهرسون الارض هرسا شديدا. ثم تقول الحكامة (ديل صبحوا) اى هؤلاء ذهبوا الى دار الصباح أى انهم ذهبوا الى (الخرطوم) ويقول عرب البقارة (فلان صبح) اى انه ذهب الى دار الصباح، ودار الصباح هى (الخرطوم)، وقولها (ديل غربوا) اى انهم ذهبوا الى دار الغرب اما قولها (ديل جكوا الريشة بتن ماجوا) اى انهم اصبحوا عساكر وانخرطوا فى مجال القوات السودانية المسلحة ، ولأن كان فى سابق العهد يضع العسكر بضعا من الريش على خوزاتهم وبرانيطهم كجزء من الزى الرسمى، هذا الامر قد اعجب الحكامة ايما اعجاب. كان لهذه الاغنية اثرا كبيرا على شباب المسيرية فى الستينات من القرن العشرين حيث تمت اكبر هجرة لهم الى العاصمة السودانية (الخرطوم) لينخرطوا فى سلك العسكرية. وقبائل المسيرية عامة لهم ولع كبير، واعجاب بالمهن التى تنتمى الى طبيعة العسكر،ويفضلون الزى العسكرى، فانعكس ذلك فى شعرهم وآثارهم التراثية. ومن أغانى المردوم: بريدة وأنا راقدة مريضة الحبيب تعالى لى السونكى فى ايده يا غرينيق تعيس الموت لسيدة بعد تطور الحرب وفنونها منذ مطلع عام 1982م ، اصبح السلاح الآلى يحل محل السلاح الابيض، ظهرت عناصر ومفدرات ثقافة الحرب فى شعر واغانى المسيرية، ويمكن القول ان ظهور مثل هذه المفردات هى المؤشرات الأولى لثقافة الحرب فى فنون هذه المجموعة القبلية. وفى الجزء التالى سأورد عدد من النصوص متقصيا مظاهر ثقافة الحرب فيها. النص (1) الشاعر أبو القاسم عبد الرحمن: ياكواسه، الحب بدور السياسة. يا آلة الفور أبونظارة، البلح شايل نوراه. تحليل النص: (الفور أبو نظارة) نوع من انواع السلاح الاتوماتيكى وهو (ج. أم فور) GM4 ، لأن هذا السلاح به منظار يمكن حامله من رؤية الهدف البعيد وكأنه قريب فالشاعر كما نلاحظ شبه محبوبته بنوع من انواع آلة الحرب، وكونه معجبا بهذا السلاح إلى هذه الدرجة، تحولت مفرداته الإبداعية الى مفردات ثقافة حرب. الشاعر أبو القاسم عبد الرحمن: الخشيم دحيل النونى، ذخيرة القمبال ماكى س.ص. الحسينى صاروخ صدام، مضاد لكل الطيران. تحليل النص: الخشيم تصغير خشم وهو الفم و (ود حيل) تصغير لدحل، والدحل هو المكان العميق فى البحر تنموة فيه زهرة (النونى)، نوع من الورد الابيض الفاقع. فالشاعر هنا يشبه فم محبوبته وكأنه زهر أبيض فاقع اللون على ماء لجى. ثم يشببها مرة اخرى بـ (ذخيرة القمبال) وهى نوع من انواع الذخيرة المضيئة ليلا، ويقول (ماكى) اى لست اما قوله ( س ص ) يعنى به نوع من انواع لا يحدث اضاءة ليلا، فالشاعر يشبه محبوبته بالذخيرة المضيئة (القمبال) والتى ارفع شأنا من نوع الذخيرة (س ص ) الذى لايحدث ضوءا وهذا يدل على معرفته بانواع الذخائر مما شكل لديه ثقافة من ثقافة الحرب. النص (3) وقال شاعر آخر: الفرسان شالو السلاح دخلو البحر الفارس مضروب الجبين ما مضروب الضهر الفرسان شالو السلاح دخلوا البحر. أى أن عدد من الشباب حملوا سلاحهم وذهبوا إلى (بحر العرب) حيث اللقاء مع العدو. الفارس مضروب الجبين، والجبين هو مقدمة الرأس اى الجبهة والضهر هو الظهر والمعنى واضح انهم لايفرون ولا يولون الادبار عند ملاقاة العدو فمن قتل منهم يموت مقبلا وليست مدبراً. النص (4) هنا أورد قصيدة الشاعر آدم سماحات من قبيلة المسيرية الحمر والذى يلقب بـ (نكير العاصى) فهى قصيدة بها الكثير من المعانى التى تكشف لنا عناصر ثقة الحرب التى انشبت اظفارها على الملكة الجمالية لهؤلاء الشعراء. جينا سوق (أبوبطيخ)(1) ليقينا (حواء الفيرانية)(2) قالت لى ادم سماحات على درب (الصعيد)(1) (همينا)(2) قلت ليها نحن رجال ما تهمو لينا كلمى كبار ابهاتنا الفيارين ينزلوا يس لينا نحن يوم (تبينا)(3) بـ (دريته)(4) ( عدينا)(5) لقينا (حبابة بت الشيخ)(6) بخشمها زغردت لينا بسلاحنا فى (راصا صوينا)(7) نحن (كن)(8) نوينا الحكومة ما بقدر علينا سنة 86 نحن عيال جمالدين الزرقة قاطعين العلاقات مع (جنقى)(9) الشلقين يأم قندول أوريك المعقول (. ..) ابو جغره قعد بلعب بأمتمبول(1) لعبة العيال الصغار بالزرزور أبو بطيخ منطقة تقع عند شمال منطقة الميرم غرب المجلد انظر الخريطة، اى انهم مرو بهذا السوق العامر و (حواء الفيرانية) حكامة مشهورة تنتمى الى قبيلة (الفيارين) من المسيرية الحمر. آدم سماحات هو الشاعر نفسه لكنه اشتهر بـ (نكير العاصى) و الصعيد هو الجنوب و(همينا) اى نوينا. ويعنى انهم قد عزموا العقد على الذها ب والخروج الى الجنوب لملاقاة العدو. يقول هذا الشاعر نحن اذا ما عقدنا القرار وخرجنا الى ملاقاة العدو إن الحكومة لا تقوى على نهينا، فنحن اشد بأسا وقوة. ويوصى الشاعر (الحكامة) بأن تخبر كل الناس الكبار من قبيلته بان يقرأوا لهم سورة يس حتى تحفظهم من بأس العدو، وهنا أمران لابد من اشارة اليهما وهما كونه يحصر الدين فى الكبار من اهله والثانى معرفته بالدين والقرآن. ثم يعلن الشاعر بصورة سافرة وواضحة بانهم قاطعين العلاقات مع الدينكا وما يهمنا هنا مفردات مثل (قطع) (العلاقة) التى تدل على تفشى مفردات الخصومة، وهى مفردات عكس التعايش السلمى، والعلاقات الازلية والتاريخية. ويقول الشاعر لمحبوبته واصفا عدوه بأنه (...) ولأن الدينكا لهم عادة ازالة الاسنان فى اللثة التحتية، فهو بالتالى له جغرة فيقول لها ان هذا (...) صار يمتلك البندقية جى. أم ثرى (GM3) ، فهو يرى انه أمر فيه نوع من الاهانة لنوع هذا السلاح، بل يقول لها ان هذا الشخص صار يلعب بهذه البندقية كما يعلب الطفل بطائر الزرزور. وهنا امر لابد من ايضاحه وهو توفر ذات السلاح لدى القبيلتين. للدينكا سلاحهم وكذلك العرب سلاحهم، كل ذلك يؤكد انتشار السلاح بين هذه المجموعات امر بالغ الخطورة، واساس لثقافة الحرب. ايضا من الملاحظات الهامة فى هذا النص وجود الحكامة فى ذاكره الشاعر ولكأن كل الأمر مبنى على نوع من الفعل الذى من شأنه ان يرضى هذه الحكامة يدل ذلك على السلطة الاجتماعية والقيمية للحكامة. وتكاد تكون الحكامة سببا مباشرا فى كثير من الاحداث الهامة والبالغة الاثر فى مجتمع الحمر. وتأخذ الحكامة دورها من واقع المرأة وأثرها الفاعل فى المجتمع. فالمرأة تمثل للرجل المسيرى بعد اجتماعيا وقيمه بالغة الأثر، وبالتالى تكون كل الافعال والجهود فى الاساس غاية لكسب ثقة المرأة واعجابها. يقول فى ذلك أيان كونسون " يقول شاب عريس ما الفائدة من الحياة دون النساء ؟ لماذا نسعى لجمع المال لو انه لم يصرف فى النساء؟ لماذا يسعى الرجل ليكون ناظرا او عمدة ؟ ذلك فقط للسمعة الطيبة التى تجلها له هذه المهنة، والسمعة مسألة طيبة لأن النساء سيسمعن بأفعاله ويذكرن فلان فعل كيت وكيت(1) تهجو الحكامة الجبان، وتمدح الشجاع " بينما لا تلعب المرأة دورا رسميا فى السياسة لدى مجتمع الحمر، لكن لها أثر كبير فى السياسة وذلك فى حالتين: أولاً: يؤثرن فى قرارات الرجال وذلك من خلال اغانى المدح (المشكار) والذم (المعيار) لذلك يشيع صيت الشجعان ويعم خبر الجبناء. ثانياً: كل القرارات التى يضعها الرجال رد فعل من النساء فى ذات الصرة(2). ومن الأحداث التى لازال يرددها الحمر ما وقع فى فترة الخمسينات بقيادة شخص من الحمر يدعى (الضبيب حميدان) الذى تحدى السلطات المحلية فى جهات ملكال فقتل عدد من رجال الشرطة الامر الذى قاده الى حبل المشنقة. " هناك حكاية ظلت تروى قبل وصولى دار الحمر وظل الناس يرددها أبان بقائى هناك. بل ظل صداها يتردد حيث رحيلى من دار الحمر.. وتدور القصة حول اعداد من المسيرية الحمر دخلوا منطقة (السهلى)، فى محافظة اعلى النيل ولقد تم القبض عليهم بواسطة بوليس من اعالى النيل فى تلك الفترة كان الرجال بعيدين من معسكر الصيد. وبعد مناقشة مستفيضة مع البوليس تم الاتفاق مع بوليس النوير ليتم التحرى معهم بواسطة المفتش، سمعت النساء هذا الحوار فعندما بدأ الرجال فى إسراج خيولهم للذهاب مع البوليس النويرى قالت النساء تذهبوا مع العبيد!! فجأة انقلب الموقف عقبا على رأس فدارت معركة قتل فيها فرسان الحمر اربعة من رجال البوليس. ثم وصلت قوة من الدعم القت القبض على الرجال ما عدا واحد فر(1)" وهذا يدل على اثر المرأة والحكامة وأشعارها على افعال وقيم عرب المسيرية الحمر. ومن أشهر الكلمات التى وردت على لسان الحكامة مادحة للضيب حميدان قائد تلك العملية قولها: الضبيب حميدان سيد البرتكان ودووا ملكان جابو الكتاب حلف ما نكر والبرتكان هو البرتقال وهو اسم فرس الضبيب الذى قاد العملية ضد بوليس النوير، وملكان تعنى ملكال وهى عاصمة المديرية ، والكتاب تعنى به القرآن، فهى تقول مادحة الضبيب حميدان بانه لم ينكر عندما تمت محاكمته التى قادته الى حبل المشنقة. البرمكة: البرمكة من اكثر المناشط الابداعية لدى الحمر انتظاما واشدها نظما. وعلى الرغم من انحسار نشاط البرمكة لكن ذلك لايقلل من شأن تطويرها وانعاشها. والبرمكة أشبه بجمعية ثقافية ورابطة للمثقفين – المثقف بمفهوم العرب البقارة – وهو (البرمكى) ، الشخص المهذب، الكريم، الذى يميل فى افعاله الى السلم، والنظافة واحترام الجار، وتوقير الكبير، وعلى الرغم من الطابع الهزلى لدى جلسات البرامكة، لكن هذه الهزليات بها كثير من الرمزية والتعبير عن القيم ومفهوم السلطة لدى المسيرية الحمر. ولقد حظيت البرمكة بدراسات عديدة لكن اهم ما يمكن ذكره هنا الدراسة الدقيقة التى قام بها الأنثروبولوجى أيان كونسون التى جاءت تحت عنوان : (الحمر وبعض المفاهيم عن السلطة) ، فهو يرى ان البرمكة ما هى الا انعكاس لرؤية الحمر للسلطة، اى البرمكة هى عملية اسقاط سياسى لمفهوم السلطة لدى قبائل المسيرية. وهذا افتراض به كثير من الصواب فعند البحث فى التركيبة الادارية والهيكلية للبرمكة نجدها تعكس وتحتشد بالرتب والوظائف القيادية العسكرية وايضا بها وظائف تشبه الادارة الاهلية مثل ناظر ، وعمده، وشيخ ويمكن القول ان البرمكة هى (دراما تقليد السلطة) اجاد بها العقلى الشعبى لدى تلك المجموعة القبلية. أى أن البرمكة هى نظام محاكاة للسلطة وتتكون من ناظر عموم البرمكة، عموديات، قضاة، عسكر، أفندية، كتبه، ودكاتره، ولهذا الشكل تصبح البرمكة من أقرب الأشكال الفنية الشعبية لدى الحمر قابلة للتوظيف فى بث المفاهيم الايجابية التى تصب فى خانة التنمية والقضايا الحيوية مثل التسامح ، والتماسك ومفاهيم ثقافة السلم المتعددة.نخلص فى نهاية هذا الفصل الى النتائج الآتية : أولا : كل من المسيرية الحمر والدينكا نقوك هما مجموعات قبيلة ، تعيش وفقا لنمط التفكير المحلى ، وتمثل قيم المجتمع دورا كبيرا فى تكوين أفكار هذه المجموعة ثانيا: تمارس المجموعتان نفس نمط وسبل كسب العيش ، لكل ذلك يمكن التركيز على دراسة هذا النمط البدوى وأثره على حياتهم ، ثم النظر لنمط الحياة بوصفه نظام . هذا النظام يمكن توظيفه فى عمليات التحول الأجتماعى والتعايش السلمى والتنمية الأجتماعية لدى المجموعتين. ثالثا: لا يمكن النظر الى الاطار السياسى للنزاع فى منطقة أبيى بمعزل عن نمط الحياة وسبل كسب العيش ، والثقافات المحلية . هوامش الفصل الاول (1) الاثار الكاملة للإمام المهدى، المجلد الأول، جمع وتحقيق محمد إبراهيم أبو سليم، الطابعون مطبعة جامعة الخرطوم، دار جامعة الخرطوم للنشر. (*) لم يذكر المؤلف شيئا عن الراوى. (2) دينق، فرانسس، حرب الرؤى ، ص 245. (*) لم يذكر المؤلف تعريفا للراوى. (3) دينق ، نفس المصدر السابق ص 245. (*) تدويل من دولة، نعنى ورود قضية أبيي فى الملفات الدولية. 4) دينق، نفس المصدر ص 239. (5) عمر سليمان آدم : أبيي نزاع المسيرية والدينكا الماضى والحاضر ومستقبل السودان، 2000م (ورقة غير منشورة). (3) Cunnison, Jan, Bagaa Arabs Man Power and Lineage oxford press, 1963.P.77. (7) فرانسيس : نفس المصدر ص 238. (8) نفس المصدر ص 238 . (*) فى لقاء مع السلطان عبد الباقى بمنظمة الدعوة الاسلامية أكد صحة هذه المعلومة. والسلطان عبد الباقى هو حفيد اللور اجينج كما ذكر بان قوات التمرد اعتدت عليه وسلبته السيف الذى اهداه الامام محمد أحمد المهدى لوالده. يوم 11/10/1999م. (9) نفس المصدر السابق ص 300. 10) Cunnison, Op.Cit P.7 11 Cunnison, Op. Cit. P.1 (12) العطاوة جمع عطية، وعطية هو جد عرب غرب السودان مثل الرزيقات، المسيرية، التعايشة. (13) الدود هو الاسد بلغة البقارة. (`14) احمد عبد الله ادم: عرب المسيرية والدينكا ومشكلة أبيي، الطبعة (-) ص 11. (15) أحمد عبد الله آدم : المرجع السابق ص 94. 15 – أبو بطيخ منطقة توجد غرب مدينة المجلد على بعد 18 كم. وسوقها سوق عامر، وهو سوق يتم فى يوم واحد من كل اسبوع وهو مايعرف عند اهل تلك المنطقة بسوق (أم سيوقو) لأنه يتم فى يوم واحد فهو يوم يتلقى فيه الناس من عارض لبضاعة بائعا لها واخر مشتر. 16 حواء الفيرانية حكامة معروفة ، من قبيلة الفيارين (مسيرية حمر). 17 الصعيد أى الجنوب ، يقول عرب المسيرية صعيد للجنوب، وريح للشمال، ودار الصباح للشرق. 18 اى عقدنا النية. 19 انطلقنا ، بدأنا، ويقول المسيرية (فلان تب) اى فلان قام، وسافر. 20 دريته منطقة جنوب منطقة ابو بطيخ فى مرحال قبيلة الفيارين، وكلمة دريته تصغير للدروت، والدروت نوع من انواع الشجر. 21 عدين اى مررنا، والعرب المسيرية يقولون (فلان عد البحر) اى عبره الى الجهة الاخرى. أو يقول احدهم (عديت بفلان) ويعنى مررت بفلان. 22 حبابة بنت الشيخ حكامة معروفة من قبيلة الفيارين. 23 راصا اى رأسها. صوينا اى اطلقنا النار فأحدث صويا ودويا، اى انهم برهنوا لها عن قوتهم، وقوت سلاحهم وهو ما يعرف بالتبشير فى كافة انحاء السودان. (24) كن تعنى لو بلغة العرب المسيرية. (25) الدينكا. 26) أمتمبول هو الاسم الذى يطلقه قوات المراحيل على البندقية ج أم ثرى GM3 ، فالمتمبول بلغتهم تعنى الشئ البارز، اظنهم قد اوحى لهم شكل هذا النوع من السلاح بما فيه من اماكن بارزة بهذا الاسم. (27) unison Op. Cit. P.116 (28) Cannisan, OP.Cit. P.117. (1) Op. Cit. 118. الفصل الثانى الابعاد الأستراتيجية للصراع ترجع جزور الصراع بين قبيلتى الدينكا نقوك والمسيرية الحمر فى منطقة أبيى إلى التنافس على سبل كسب العيش (الرعى) ، وعلى الموارد والمصادر الطبيعية الشحيحة فى تلك المنطقة. هذا بالطبع بالاضافة الى تفشى الجهل والتخلف الاجتماعى اذا أن منطقة أبيي – بحر العرب لم تحظى حتى اليوم بأى مشروع تنموى ، كفيل بتطوير حياة هاتين المجموعتين إلى الأفضل، وتلعب التحولات السياسية فى السودانية دوراً كبيراً وانعكاسا على منطقة بحر أبيي – بحر العرب. بل ربما أصبحت هذه المنطقة نموذجا فعليا وحيويا لدراسة أثر الحرب على حياة الناس عامة وثقافتهم وانعكاس ذلك فى طبيعة حياتهم وتفكيرهم وقيمهم. ومن الملاحظ ان الصراع فى منطقة ابيي – بحر العرب يتطور سلبا وايجابا تابعا لحركة الشد والجذب بين السلطة السودانية وحرب جنوب السودان. فالباحث عن أسباب هذه المشكلة، يجدها فى الغالب الأعم أسباب نزاع تقليدية، سرعان ما تتطور الى قتال يؤدى الى قتل عدد كبير من الأبرياء. وتكاد تكون الستينات من أكثر الفترات التى تقف كنقطة فارقة فى تطور قضية أبيي والصراع بين قبيلتى الدينكا نقوك والمسيرية الحمر. لكن أول إشارة واضحة لهذه القضية فى إطارها هو عام 1964 " كتب المحاضر الجامعى، عبد الباسط سعيد من أبناء المسيرية، الذى عين فيما بعد وكيلا مساعدا فى وزارة السلام فى حكومة الصادق المهدى، التى تلت حكومة النميرى، كتب مقدماً سرداً مفصلا يستحق عليه الثناء عن التطور فى العلاقة الانقوك والحمر، وربطها بالمواجهة بين الشمال والجنوب. وكان يعزى العدوان بين الانقوك والمسيرية لحادثنين: الاولى هجوم الأنرانيا فى سبتمبر 1964 على المدينة الجنوبية (قوقريال) بمديرية بحر الغزال حيث كان يقيم بعض المسيرية العرب التجار والثانية حدثت فى السادس من ديسمبر 1964، عندما اشتبك الشماليون والجنوبيون فى الخرطوم بسبب إشاعات صاحبت تأثير عودة وزير الداخلية الجنوبى كلمنت أمبورو من زيارته للجنوب فى مهمة للوقوف على حقيقة الاوضاع وإبداء حسن النية. بسبب تلك الحادثة، فر عشرات الجنوبيين من الخرطوم إلى الإقليم الجنوبى معهم روايات تدعو للإحباط عن مجزرة الأحد للجنوبيين فى الخرطوم(1)" هذه أول علامة واضحة لتحول طبيعة الصراع بين هاتين القبيلتين الى صراع متخذا من حرب جنوب السودان وتعقيدات الخطاب السياسى السودانى اصلا له كما يرى فرانسيس دينج مجوك. فكل النزاعات التى سبقت ذلك لاتعدو عن مناوشات وحروب تقليدية أصلها الصراع والتنافس على مصادر الطبيعة من عشب وماء وهو تنافس به كثير تلاقح وملامسه اثنيه. لكن بعد هذا الغزو كان عرب المسيرية الحمر فى الجانب الشمالى لمنطقة بحر العرب فى فترة الخريف فما ان تحركوا نحو الجنوب صيفا حيث التقوا بقبيلة الدينكا فى ذات العام اشتد الاشتباك وزاد التوتر. والواضح ان لبسا تاريخيا لابد من توضيحه وهو ان الهجوم على منطقة (قوقوريال) لم يتم بواسطة دينكا نقوك بل بواسطة قوات الانانا 2 التى تشمل افراد لقبائل متعددة من الدينكا والقبائل النيلية. لكن العرب الحمر لايفرقون بطبيعة حياتهم بين هذا وذاك فهم يرون الدينكا كتلة واحدة فى حالة ( الثأر)، كل ذلك تلعب الاشاعة دورا كبيرا فى التسريع الى تطوير هذا النوع من الصراعات لأن أغلب قبائل البقارة وبحكم الواقع التعليمى المتدنى وبعدهم عن المركز لايلمون كثيرا باخبار وطبيعة حرب فى جنوب السودان. فكل ما يعرفونه ان الدينكا الذين يعيشون معهم فى مدينة قوقريال قد خانوهم فقتلوا الاطفال والشيوخ وسبوا النساء واستولوا على كل أبقارهم، فأمر مثل هذا لكفيل فى تلك اللحظة بتحريك نوازع الثأر والضغائن فما كان منهم الا ان قاموا بحملات الثأر بصورة تستهدف كل ما يجدونه من الدينكا وهكذا فقدالجانبان اعدادا كبيرة من الابرياء . وفى هذا الصدد وتطور الحرب بين القبيلتين يقول عمر سليمان "ظلت منطقة أبيي تتبع إداريا لمركز غرب كردفان وظلت القبيلتان تنعمان بعلاقة متطورة واستقرار امنى وإدارى. عند اندلاع حركة التمرد فى العام 1955م كان الدينكا المختلطون بالعرب بعيدون كل البعد وقصد المتمردون لإفساد الجو السلمى المعاش فى المنطقة وبدأت حركات التحريض وسط الشباب. وبدأ يدب فتور الحماس السابق فى العلاقات البينية وساعد فى إزكاء لروح العداء بعض الشباب وأبنا بيت النظار دينج مجوك. كانت نقطة التحول الخطيرة فى عام 1964م عندما قام المتمردون بالقرب من (ميوم) بقتل بضعة من شباب عرب المسيرية كانوا يتاجرون بالابقار وسلبت أبقارهم. وحدثت حوادث نهب وسلب فى مناطق (قوقريال) لعرب المسيرية الموجودين هناك حتى قام السلطان (مشير ريحان) باطلاق سراح الاسرى من المسيرية من رجال ونساء وإرسالهم إلى المجلد فكان لمنظرهم وحالتهم المثيرة للشفقة قد أدت إلى إثارة الشعور العام عند المسيرية، وقام بعض شباب العرب المسيرية من (الكلابنة) خشم بيت (اولاد كامل) برد انتقامى قتلوا فيه اثنين من شباب الدينكا (حجير) على الرقبة بالقرب من (شقى) وطارت اشاعة بان يد أحدهما قطعت وضربت بها النقارة مما أثار الشعور العام عند الدينكا نقوك. وفى مارس 1965 م وعند الفجر قام الدينكا نقوك بهجوم ضد (اولاد عمران) من المسيرية على امتداد الرقبة الزرقاء وقتلوا عدد 142 من العرب فى ذلك الهجوم واثناء انشغال الحكومة باعمال الاغاثة للعرب المنكوبين نظم العرب حملة انتقامية استهدفت منازل الدينكا التى تم حرقها على طول الرقبة الزرقاء وكذلك حوادث انتقامية فى مدينة بابنوسة وقد تم التوصل لعقد مؤتمر للصلح فى اعقاب هذه الحوادث فى أبيي(1)" كانت أحداث الستينات بلغت درجة من الفظاعة والعنف من الطرفين ماهو كفيل باحداث شرخ نفسى وماهو كفيل باثارة وتصعيد الصراع وتطويره ويتجلى هذا الشرخ فى لغة فرانسيس التى جاءت منحازة ولاتخلوا من تعاطف مع افراد قبيلته فيقول" وهكذا تسلل عدد من الاشخاص وهجمت جماهير غفيرة من النساء والاطفال على مركز الشرطة حيث التجأ الجنوبيون طلبا للحماية، وتم ذلك بايوائهم داخل الغرف المتوفرة فى مركز الشرطة. حملت النساء العربيات وأطفالهن جاز الكيروسين وصبوه على الجنوبيين وأشعلوا فيهم النيران. وعندما وصل مفتش الحكومة المحلية للمركز بعد الظهر، كان كل شئ قد انتهى. كانت النار مازالت تتقد على الجثث المحترقة داخل الغرف، بينما كان رجل الشرطة المسئول عن المركز وناظر المسيرية يجلسان تحت شجرة أمام مركز الشرطة. ورفض سكان بابنوسة المساعدة لإطفاء الحريق، ولم يكن هناك حل سوى ترك النيران لتكمل مهمتها، وتم احراق اثنين وسبعين جنوبيا حتى الموت(2)". وعلى الرغم من تركيز فرانسيس دينق على هذه الحادثة بوصفها مؤامرة ومدبرة بين السلطات المحلية المتمثلة فى الشرطة وأفراد الادارة الاهلية مع المواطنين، لكن الحقيقة والدراسة الواقعية تطلب النظر الى واقع المنطقة المتخلف من حيث وسائل الامن عامة، فقوة رجل شرطى واحد لاتكف لصد هجوم جماهيرى شاركت فيه الاطفال والنساء. ومدينة بابنوسة تفتقرلأدنى الاحتياطات الامنية لصد ومكافحة الحرائق لكن بلا شك ان الاسلوب الذى تمت به هذه المحرقة كان كفيل بتوسيع شقة الخلاف بين المثقفين خاصة من ابناء الدينكا نقوك والمسيرية الحمر عجايرة. بل ربما تطور الامر عندما نعلم ان بعض من اسر المتعلمين من ابناء الدينكا قد تم حرقهم فى تلك الواقعة الفظيعة مثل " بعض أفراد أسرة أحمد اللور –دينق اللور حاليا- أحد قادة المكتب التنفيذى للحركة الشعبية لتحرير السودان S.P.L.A. بقيادة جون قرنق(1)" ومثل هذه الاحداث التراجيدية من الطرفين كان لها اثر كبير فى تطور الحرب والصراع التقليدى بين القبيلتين لصراع بالاسلحة الحديثة بعد ان بدأت حركة التمرد فى جنوب السودان تنفذ عمليات عسكرية تستهدف قتل الابرياء ونهب قطعان الماشية ثم الصاق التهمة بالابرياء، وهنا نقطة توجد جديرة بالتوضيح وهى توظيف حركة التمرد لعنصر الاشاعة بين افراد القبيلتين لتأجيج الصراع بينهم فتكون بذلك قد وضعت المنطقة كلها فى حالة عدم استقرار لتنفيذ مشروعها، ولم ينج افراد قبيلة الدينكا نقوك من هجمات قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق سابقا، فكثير ما قامت بنهب أبقارهم بعد قتلهم. إزدادت الحرب بين الطرفين وعلى اثر عملية اخرى قام بها طرف الدينكا الانقوك فى جهات بحر العرب فى عام 1972م ابيدت فيها اسرة كاملة من اسر قبيلة المسيرية الحمر كما وقعت اعمال عنف اخرى فى عام 1977 . كانت محصلة تلك المؤامرات بين الدينكا انفسهم وبين العرب قد ادت الى تعقيد الاضطرابات فى المنطقة، لتنفجر فى النهاية الى عنف واسع النطاق، استعمل فيه العرب اسلحة حديثة ليوقعوا دمارا عظيما بارواح الدينكا وممتلكاتهم. وكان لابد لقوات الأمن وسلطات كردفان ان تشترك فى ذلك بلغت درجة العنف بين العرب المسيرية والدينكا الانقوك ذروتها فى مايو ويونيو 1977 ، عندما ادت سلسلة من المناوشات الناتجة فيما يبدو عن احداث طفيفة ، الى موت عدة مئات من الضحايا من كل جانب. بلغ مسلسل العنف مداه، عندما داهم العرب ثلاث شاحنات محملة باعداد كبيرة من الدينكا العزل القادمين من مدن الشمال، وكان من بين مايقارب المائة قتيل من الدينكا(1)" التطورات السياسية للحرب بين الدينكا نقوك والمسيرية الحمر والحلول السابقة: بعد عام 1980 دخلت النزاعات والصراعات بين قبيلتى الدينكا نقوك والحمر (العجايرة) مرحلة جديدة من حيث الكم والكيف، الوسيلة والأسباب، وبعد قيام الحركة الشعبية لتحرير السودان حيث تخلت قبيلة الدينكا نقوك عن حركة الانانيا، وانضمت الى الحركة ذات القاعدة العريضة. "التحمت قوات الدينكا تحت قيادة مايكل فى معركة مع مقاتلى أنيا – نيا، مع النوير، لدى عبورهم ارض النوير وتكبد الدينكا خسائر فادحة تقدر بالف رجل مما أثر بشكل واضح على اعداد القوة المقاتلة فى منطقة الانقوك. توفى مايكل نفسه فى ظروف غامضة، وزعم البعض بانه انتحر نتيجة للفقد العظيم وسط رجاله، ومن ضمنهم احد اخوانه، الذى تخرج مهندسا قبل التحاقه سابقا بالجيش السودانى، وايد البعض الاعتقاد القائل بانه قد اغتيل بيد منافس من بين رجاله"(2). وبسبب هذا التصعيد والدعم الكبير الذى وجده الانقوك من قبل قوات جون قرنق، برزت لأول مرة فى نهاية السبعينات قيادات عسكرية من ابناء العرب المسيرية تعمل على تدريب واعداد ابناء الحمر (البقارة الرحل) لمواجهة عدوهم فى شكله الجديد ، فظهر مصطلح قوات (المراحيل) لأول مرة، وهى القوات التى تحمى مراحيل وأماكن الرعى من هجمات قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان تحت غطاء الانقوك ذات التدريب والمزودة بالاسلحة الفتاكة مثل (الكلاشنكوف) و (الجى أم 3) بل ترك عدد كبير من ابناء عرب المسيرية الحمر مناصبهم العسكرية ليعودوا الى وطنهم لمباشرة تدريب وقيادة ابناء قبيلتهم فى مواجهة قوة جديدة مدربة تنتمى الى حركة التمرد فى جنوب السودان. وهكذا دخلت منطقة أبيي – بحر العرب مرحلة جديدة من النزاع المسلح وثقافة الحرب. مرحلة جديدة فقدت فيها الوسائل القديمة لفض النزاعات والتعايش السلمى فاعليتها تماما وانتشر السلام الحديث اذ بلغ " بين قبيلة المسيرية الحمر وحدها 3000 قطعة سلاح حديث(1)" وهذا بالطبع عددا ليس قليلا وسط مجتمع مدنى بدوى، فهو كفيل بخلق نوع من الفوضى والخسائر بين قبائل الحمر أنفسهم. التدابير والمعالجات السابقة للصراع بين الدينكا نقوك والمسيرية الحمر: يقول عمر سليمان " انقسمت التدابير لمعالجة المشكلة إلى محورين أساسيين المحور الاول وكان يمثل طابع المعالجات قبل اتفاقية أديس أبابا فقد عنى بمعالجة النزاع القبلى والاجتماعى. أما المحور الثانى وهو يمثل الجهد المبذول فى فترة مايو فقد اهتم بايجاد (2) المعالجات الادارية والسياسية. ساقوم فى ما يلى بتوفير ملخص لعدد من المعالجات والمؤتمرات، وكل المعلومات فيها تم جمعها من وثائق المؤتمرات، بل احيانا المتابعة الشخصية لهذه الاحداث لأن كثير من هذه المعالجات ليس موثقة. هناك مؤتمرات عديدة تم عقدها لمعالجة الاحداث التى وقعت بين المسيرية الحمر والدينكا نقوك مثل مؤتمر أبيي الاول، والثانى وأبيم يم، وكادقلى، والابيض لكن من الملاحظ كل تلك المؤتمرات لم تركز على آليات مستمرة لفض هذا النزاع بل ركزت غالبيتها على التعويضات والصلح، وحصر الانفس، والمال، وتحديد الديات، والتعويضات، والاهتمام بمراحيل، ومسارات الرعاة على اراضى المزارعين المقيمين، واماكن دمر واستقرار قبائل الرحل فى المشاتى والمصائف بالاضافة الى توزيع الاراضى بين المرعى، والمزارع وتحديد مواقيت دخول الرحل لمناطق البحر. كما عملت المؤتمرات على قيام مؤتمرات سنوية للوقوف على التدابير المتخذة لمنع وقوع الاحداث ، والوقاية منها ومتابعة تنفيذ مقررات المؤتمرات السابقة وتكوين الآليات(1). ولأن مسألة السلام مسألة متداخلة و تحتاج الى معرفة عميقة بالأبعاد القبلية، والسياسية، والثقافية، والتنموية، والنفسية كان مصير كل المؤتمرات هو الانهيار او الفشل التام بسبب اختلاف الرؤى والحلول ومن تلك المؤتمرات مؤتمر أبيم يم الذى تم عقده فى عام 1974 بمنطقة على بحر العرب حيث تلتقى مديريات كردفان واعالى النيل وبحر الغزال، ويعتبر من اشهر المؤتمرات حيث عنى بوضع المعالجات الوقائية وتنظيم العلاقات وتنسيقها تكونت اجندة مؤتمر ابيمنم من الموضوعات التالية: 1- تنفيذ قرارات مؤتمر الابيض وابيمنم وابيي. 2- الدية والتعويضات الخاصة بين المسيرية والنوير. 3- موضوع المرعى ومناهل المياه وطرق مسارات القبائل. 4- مناقشة الحوادث التى بدأت فى فبراير 1973م وادت الى اشتباكات بين المسيرية والنوير، والنوير وأم بررو من جهة اخرى. 5- حوادث السلب والنهب بين القبائل فى المديريات الثلاث. 6- مناقشة موضوع فلاتة أم بررو. 7- أى مواضيع اخرى يراها المؤتمر. وبعد تداول فى هذه المواضيع استمر لمدة 3 أيام اصدر المؤتمر بيانه الختامى الذى جاء فيه: ( انعقد هذا المؤتمر التداولى لتنظيم العلاقات وتنسيقها بين التجمعات القبلية لعرب المسيرية الحمر والنوير والدينكا على اساس جديد يراعى المصالح الذاتية لكل منهما والمرتكزة على حقائق البيئة ليس فى اطار القبيلة الضيفة الا وهو الاطار الاقليمى المعتمد على المواطنة مبدأ، واحتياجات الانسان والحيوان اساسا وعلاقتهم بالارض مرتعا وملكا مشاعا، وضرورة تحقيق وتأكيد حسن الجوار). وقد هدف مؤتمر ابيمنم الى: 1- العمل على استقرار الامن والنظام ، بتأكيد الوجود الحكومى فى مناطق الالتقاء والتداخلبين المواطنين فى المديريات الثلاث. 2- العمل على نشر وإقرار وتثبيت القيم التى اختطتها الدولة وخلق المناخ الملائم للتنمية الاقتصادية الاجتماعية لكل المواطنين دون قيد بالانتماءات القبلية. 3- السعى الجاد لتقديم خدمات اساسية للمواطنين تصبح اساسا لضبط العلاقات بينهم وصهرها. 4- ممارسة صلاحيات الحكم الشعبى المحلى فى مجال الادارة والامن لرعاية مصلحة المواطنين. ولتحقيق هذه الاهداف فقد بحث المؤتمر: 1- إجراءات حفظ الامن والنظام. 2- تنظيم المرعى ومراحيله. 3- تسوية المسائل المعلقة بين سكان اجزاء المديريات الثلاث. وقد خلص المؤتمر كذلك الى اتفاقية بين المسيرية والنوير والدينكا. (أعالى النيل) لتسوية الخلافات وقد تضمنت الاتفاقية. 1- تسوية كل الخلافات القديمة التى تتعلق بالدية والابقار المنهوبة من الطرفين بعد دفع 500 راس من المسيرية للنوير. وان تكون هذه تسوية نهائية لكل الخلافات التى كانت بينهم على ان تخضع الحالات امام سلطات البوليس والقضاء وما يستجد من حوادث للأسس والضوابط التى يضعها مؤتمر ابيمم 20/4/1974 م. 2- كما تم الاتفاق بين الدينكا ماريق (أبيي) والنوير على تسوية الخلافات بينهم على النحو التالى: أ- يتسلم الدينكا ماريق عدد 150 رأس من الابقار وهى ماتبقى من 300 رأس اعترف بها النوير فى مؤتمر ابيمنم فى 20/3/1993م. ب- ان يدفع النوير دية شخصين للديكا اعترفوا بقتلهم فى مؤتمر ابيي. وفى ختام مداولاته اصدر المؤتمر قراراته فى الموضوعات المختلفة التى تم التداول حولها وبحلها فيما يلى: أ- فى مجال تنظيم العلاقات بين القبائل: 1- ضرورة اصدار احكام شمولية تطبيق فى جميع المناطق التى تتجاور فيها المديريات الثلاث وفقا لظروف تحرك القبائل. 2- وجوب تنسيق العمل بين الاجهزة الادارية التنفيذية المتمثلة فى المجالس الشعبية الريفية والضباط الاداريين والسلاطين والعمد والمناديب. 3- تكوين لجنة مشتركة تتبع للجنة العليا وتكوين لجان متخصصة تتبع للجنة المشتركة لضمان حفظ الامن العام والنظام. 4- تأسيس محاكم خاصة للفصل فى المنازعات حول الامور التى اتفق عليها فى المؤتمر. ب- فى مجال تنظيم المرعى: 1- يسمح للمسيرية بدخول مناطق بحر الغزال ومناطق النوير فى يناير من كل سنة وفى حالات شح الامطار يسمح لهم بالدخول المبكر لتلك المناطق بعد الحصول على تصديق مسبق من سلطات تلك المناطق. 2- يسمح لدينكا بحر الغزال بدخول مناطق كردفان فى حالة حدوث فيضانات فى مناطقهم وذلك من اغسطس وحتى اكتوبر. ج- حفظ الامن والسلام: 1- فتح نقاط بوليس فى أماكن تم تحديدها كما تم تحديد عدد القوات والاحتياجات المطلوبة لها. 2- تنظيم حملات مكثلة لمنع حمل السلاح غير المرخص. كانت تلك هى نتائج مداولات مؤتمر ابيمنم. لمجموعات القبلية فى المنطقة(1)" أيضا هناك من الحلول السياسية والادارية التى استنتها بعض الحكومات السودانية لحل مشكل الدينكا النقوك والمسيرية الحمر لكنها ايضا لقد انهارت كلها بفعل اهمال الجانب الاجتماعى والالمام التام بطبيعة ارتباط هذه الحرب ببعض المفاهيم والقيم التى تحتاج الى كثير تفكير وتأنى. لقد استدركت الادارالت المايوية ان تطورا نسبيا قد حدث فى المشكلة المسماة بمشكلة أبيي إذ لم تعد مشكلة قبيلة صرفه بين عرب المسيرية الحمر والدينكا نقوك أى لم تعد حبيسة إطار النزاع القبلى الذى ينحصر فى الخلاف حول المصادر الاساسية كالمياه والمراعى والمزارع أو يحدث نتيجة للعصبية القبلية والتمسك بها والتعبير عنها. اذ كان التعبير السياسى عن المشكلة فى أديس ابابا وما تبع ذلك يستدعى النظر للمشكلة من زاوية اخرى واتخاذ تدابير توافق هذا التطور النوعى للمشكلة. فكونت اللجان ورفعت التوصيات واتخذت القرارات تبعا لذلك(1)" ويقول عمر سليمان فى اطار وصفه للحلول لمشكل أبيي فى الفترة المايوية أعد الدكتور فرانسيس دينج السفير بوزارة الخارجية فى ذلك الوقت مذكرة حول الوضع فى أبيي رفعها لرئيس الجمهورية، هذه المذكرة عبرت عن آراء واضحة حول أصول المشكلة وحوت مقترحات عدة للمعالجة يرى د. فرانسيس دينج أن أبيي هى بتوقة تمازج وتفاعل ثقافى. وأن الدينكا والمسيرية ظلوا يمتازجون عنصريا وثقافيا لقرون بالرغم من مرارات التاريخ التى شهدها السودان. انه ينبغى ان ينظر الى المنطقة كمنطقة تمازج مستقبلى رمزا للوحدة الوطنية. والتالى تتطلب قدرا كافيا من الاهتمام من الحكومة المركزية. ويرى ان مواطنى ابيي من الدينكا يطلبون ان يدبروا مورهم بأنفسهم وان يشعروا بأن وجودهم فى كردفان ليس وسيلة للضغط عليهم وهذا يعنى ان يكون بعض الاداريين ورجال البوليس والمعلمين من ابناء المنطقة وذلك حتى لايفهم المواطنون ان صلتهم الوحيدة بالحكم كانت عن طريق زعماء القبيلة، كما اقترح ترفيع أبيي الى منطقة تابعة لمحافظة جنوب كردفان برعاية خاصة من المركز لضمان استمرارية برامج التنمية وتوفير الثقة كما اقترح تعيين جستن دينج وهو من ابناء الدين.


























                  

07-21-2007, 10:04 PM

JOK BIONG
<aJOK BIONG
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 5393

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبيي :مستقبل السلم والنزاع(د.ابو القاسم قور حامد يناير 2006!!! (Re: JOK BIONG)

    رغم اختلافي كليا مع الدكتور ابو القاسم قور في نظره لمنطقة أبيي وتاريخها الا انني اتفق معه في بعض نقاط على معالجة قضية ابيي التى أخذت أبعادأ محليا واقليميا ودوليا.
    الدكتور ابو القاسم قور من المسيرية وشخصي جوك بيونق اللور كوال من دينكا نقوك ....
    وساعود بعد قليل الي الموضوع.....
    جوك
                  

07-21-2007, 10:43 PM

Abubaker Ahmed

تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 1825

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: أبيي :مستقبل السلم والنزاع(د.ابو القاسم قور حامد يناير 2006!!! (Re: JOK BIONG)

    ابيي هذه ستكون نواة الوحدة -عليك الله نواة دي كيف- في بلادنا، هذا تفأول اتمني ان يصحبني في الكثير
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de