انقلاب يوليو 1971: علم اجتماع الضل الوقف ما زاد د. عبد الله علي إبراهيم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 02:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2007, 00:11 AM

Amjed
<aAmjed
تاريخ التسجيل: 11-04-2002
مجموع المشاركات: 4430

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
انقلاب يوليو 1971: علم اجتماع الضل الوقف ما زاد د. عبد الله علي إبراهيم


    انقلاب يوليو 1971: علم اجتماع الضل الوقف ما زاد (1-2)


    د. عبد الله علي إبراهيم
    [email protected]

    " أعددت هذه الورقة العلمية بالإنجليزية بالمعهد العالي التابع لجامعة ميتشجان الأمريكية في نوفمبر 1994م وقدمتها بعد ذلك في سمنار علمي حول فترة ما بعد الحرب الباردة. وقد نشرت النسخة المترجمة الآن بمجلة الدراسات المقارنة في جنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط الصادرة باللغة الإنجليزية المجلد 16 رقم "1". ونشرتها جريدة الصحافة في أول القرن بترجمة لم تنسبها لإسم بذاته. وقد راجعت الترجمة كثيراً شاكراً جهد من عربه أول مرة. وتشكل الورقة الفصل الثاني من كتاب أعده للنشر عن انقلاب 19 يوليو.أما الفصل الثاني فأنا أنشره منجماً في جريدة الرأي العام هذه الأيام.

    إلى روح الرفيق صلاح إسماعيل لازم جابرة غمار الناس "من الحامداب لحلفايا"، كما قال صلاح احمد إبراهيم

    الرادكاليون وانحسار الموجة:

    بوسع المرء أن يفهم لِمَ هزت الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين قناعات راكزة عند الراديكاليين الأفارقة والأفريقانيين، أي غير الأفريقيين من جعلوا دراسة أفريقيا أكثر همهم. فكم كانت دهشتهم عظيمة حين رأوا، بعد كل الهجاء النظري للديمقراطية الليبرالية، أنها تسترد اعتبارها واحترامها من جديد[1]. وها هو سمير أمين الذي ظل يهون من الديمقراطية الليبرالية وفرصها في أفريقيا دون كلل أو ملل ، طالما ظلت الطبقة البرجوازية، موئل الديمقراطية الليبرلية، فيها ضعيفة الشأن، يفصح الآن عن التباس وغموض المعضلة التي تواجه الرادكاليين. فهو يقول متبعاً قرامشي، زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي ( 1891-1937)،[2] في وصفه للزمن الذي نعيشه بأنه زمن " انحسار الموجة". وإنه برغم قوة موجة التحرر الوطني الأولي – كما يقول – إلا أن القوى الشعبية لا تزال في مرحلة التكوين، وأنها لم تتبلور وتلتف بعد حول بدائل مناسبة. فتأمل – والقول ما يزال لسمير أمين – هذا الزمان النذل الموصوم بالفوضى والارتباك والاستسلامات الفكرية والسياسية[3]. ويشاطر عيسى شفيجي، الأكاديمي التنزاني، سمير أمين عقيدته في ضرورة الاعتراف بهذه الاستسلامات الفكرية أينما وجدت[4] . وكتب شفيجي، بما وافق قناعته بفساد هذه الاستسلامات، كلمة في ختام كتاب أعده للنشر وحوى الأوراق التي عرضها زملاء له في موتمر ما. وجاءت الكلمة مفارقة لما اتفق لرفاقه الراديكاليين الذين تنكروا لمواقعهم الفكرية الطبقية عن لبرجوازية الليبراية عازفين علي وترها الذي اصبحت له الشنة والرنة في عالم "انحسار الموجة"[5]. ومما زاد الطين بلة أن هؤلاء الراديكاليين صوروا استسلامهم الفكري هذا على أنه فتح مؤزر لمواقع فكرية برجوازية تقدمية حتى وأن بدأ الأمر وكأنه ليس اكثر من مجرد تكفير عن خطايا ماضي الارتباط السابق بالراديكالية الماركسية[6].

    ويركن الراديكاليون الآن لسحر الديمقراطية الليبرالية دون ان يتهيبوا اتهام الآخرين لهم بالاستسلام. ولتمكين وجهتهم الجديدة هذه فأنت تراهم يعقدون اجتماعات ليشد بعضهم أزر بعض ولها عناوين شفائية مثل: " في سبيل التعامل الجاد مع الديمقراطية البرجوازية "[7]. ولهم إستراتيجيتان في الدفاع عن موقفهم الجديد عن وجوب نضال الاشتراكيين أنفسهم لأجل الديمقراطية الليبرالية " [8]. فهم يسارعون أولا لإنكار او إظهار عدم مبالاتهم بالنعوت التي يعلمون سلفاً أن رفاقهم الواقفين عند المبدأ الأصلي سيرشقونهم بها. فساندبروك، على سبيل المثال ، ينكر أن في استحسانه للديمقراطية الليبرالية –وهو ما قد لا يروق للاشتراكيين – ما يعبر عن موقف لا ثوري[9]. ومن ناحية أخرى يشق كوهين عصا الطاعة ويعلن عن عدم اكتراثه لتهمة الردة عن العقيدة والطرد من الملة. ويقول " وان رموه بتهمة التحريقية فليكن"[10].

    أما ثانياً فهم يعيدون النظر في شجرة نسبهم الثورية ويقتفونها بحثًا عن أسلاف أكثر سعة للديمقراطية الليبراية وثقة فيها. ومن المفهوم أن يكون لينين هدفا لعملية التنصل من الأسلاف القابضين بسبب نظرته الميكانيكية التي اختزلت الديمقراطية اليبرالية الى مجرد قناع تتخفى وراءه الهمينة البرجوازية "؟[11] وقد كرهوا في لينين مفهومه عن "الطليعة" وهى صفوة الحزب التي تحمل الوعي إلي الطبقة العاملة وتتدرج بها إلى الثورة[12]. علاوة على عدم استلطافهم لفكرته عن "مراحل الثورة" التي تتدرج بها ثورة الطبقة العاملة من الديمقراطية البراجورزية إلي الاشتركية التي ستؤدي إلى "فرتقة حافل البرلمان" البرجوازي[13]. ورشح راديكاليو انحسار الموجة برنشتاين، الديمقراطيى الاجتماعي الالماني، بدلاً عن لينين، بوصفه السلف الأكثر ملاءمة للحركة التقدمية في القرن الحادي والعشرين نظراً لاعتقاده بانه ما أن " يقترع العمال للبرلمان حتى يتحولون " الى " مواطنين " بدلاً عن مجرد " بروليتاريا "[14] .

    على نقيض الراديكاليين المستميتين يرى الراديكاليون المصلحون أنه يقع على عاتقهم واجب النضال من أجل الديمقراطية الليبرالية[15]. فقد نَمّوا ذوقاً مبتكراً للمارسة الديمقراطية الليبرالية بعد حسرتهم من النظم الاشتراكية التي أحسنوا الظن بها ووالوها فخابت وعابت وأورثتهم حكمة أن لا يقبلوا حتى بالسعادة الاجتماعية حين تفرض من عل على الناس[16]. وخلافاً للراديكاليين المستميتين، لا يرى قوتو في ممارسة الانتخاب وحرية التعبير والتنظيم عيباً يفوح منه نتن البرجوازية أو الليبرالية[17]. ويتمسك كوهين بقوله بحاجة العمال والفلاحين الى نظام قانوني يذلل لهم حق التنظيم والتفاوض والنضال. فالفقراء، بل جميع الناس، بحاجة للحماية من عسف السلطان[18].

    وهذه الحاجة الانسانية للديمقراطية هي اساس دعوة المنادين بتكوين " جبهة متحدة " لليبراليين والاشتركيين على حد سواء في سبيل العمل من أجل حكومة متحررة ومستقلة[19] لتشكم الدولة الخطّاءة والتي استقلت بنفسها عن أوجاع الناس وتقطع الطريق أمام تردي الصفوات الحاكمة في حمأ الفاشية[20]. إضافة إلى ذلك يقوم المصلحون الرايكاليون الآن بإعادة تعريف الاشتراكية حتى تسع أقباساً من الديمقراطية[21]. أما من وجهة نظر كوهين فانه لا يمكن الأخذ بالاشتراكية بديلا عن الديمقراطية[22]. ويرى الاشتراكيون المصلحون أن غياب الديمقراطية هو الذي يباعد بين أفريقيا والتنمية. وهم يرون أن عقيدة رفاقهم المستميتين في النظم الاشتراكية من وجوب التضحية بالحريات من أجل التنمية هي عقيدة قائمة على رأسها وقد استعدلها بيتر ناونجو على قدميها لتصبح الحرية هي شرط التنمية. ويشجب هؤلاء المصلحون ما سلف من الإيمان المفرط بفعالية النضال المسلح وانتزاع السلطة غلاباً وادارتها بواسطة طاقم من الثوريين[23]. وخلافاً لذلك فراديكاليو الموجة يشجعون الحركات الديمقراطية على المزاوجة والتوليف بين الوسائل القانونية واللاقانونية وما بين ذلك قواما في سبيل تحقيق أهدافها[24]. كما تم إقناع هذه الحركات بأن تحسن اغتنام الفضاء الديمقراطي " الذي توفره المؤسسات البرجوازية". وقد شبهوا هذه " الفضاء " بمنطقة محررة تحتلها الحركات الشعبية وتتنفس من فوقها وتنمو صٌعداً[25].

    وجدير بالملاحظة أن هذا الإيمان الجديد بالديمقراطية البرجوازية قد اقترن بالاعتقاد بأنه ما أوهن الراديكالية حقاً هو نفاد صبر الراديكاليين في موالاة مشروعهم بترويجه بين الناس وتمكينه بينهم[26]. وحتى المستميتين من الرديكاليين أمثال سمير امين لا ينفك يدعو الى التحلي بحكمة أكل الصبر المر[27]. ويذهب والرشتاين الى أن الراديكاليين قد ضافت صدورهم في العقود الأخيرة فاستحال ماؤهم الى سراب. ويرى جوزيف أنه لابد للأهداف النبيلة أن تصمد أمام تعقيدات وبطء التطور الدستوري الديمقراطي وتتخطاها. فالديمقراطية ليست إقليماً نقياً للسعادة كما أنه لا يمكن القاؤها في سلة المهملات لمجرد انها لا تلبي تطلعات الراديكاليين. فالديمقراطيات لا تنمو إلا عبر الزمن. وتأكيداً لبطء نموها فهم يحيلوننا إلى مجازات عتيقة من صنع الإغريق القدماء. فعلى حد تعبير دايموند فان الديمقراطية – وخلافاً لما يراه الراديكاليون المستميتون – ظاهرة ملوثة ولا تنشأ نقية مكتملة الصحو مثلما انبثقت الربة أثينا من حاجب زيوس[28].

    ويجدد الراديكاليون المصلحون النظر في مسألة الثقافة والديمقراطية لكي يتوطن الثوريون في خصلة الصبر وأن لا "يزفوا" شعوبهم في طرق الفنتازيا الاجتماعية لاستبعادهم أن تكون ثقافتهم صالحة للديمقراطية الليبرالية. فهم قد اقتنعوا الآن أنه لا يوجد ثمة شيء في تركيب الثقافة الأفريقية أو الاقتصاد الأفريقي ما يتعارض مع الديمقراطية البرجوازية ويستغلق دونها. ووفقا لهولنكست فإن عقبة التحول الديمقرطي لأفريقيا لا تكمن في أي من تراكيب الثقافة فيها بل في الظروف السياسية الدارجة الضرورية لتعزيز استدامة تلك الديمقراطية في أفريقيا وغير افريقيا[29]. أما صمويل هنتنجتون فقد شاء أن لا يأتي بذكر فرضية عدم ملاءمة أرض أفريقيا لنبتة الديمقراطية[30]. بل أن إيفن بوست، الذي ما زال يتمسك بهذه الفرضية، لم يعد شديد التشاؤم في ما يتعلق بآفاق الديمقراطية الليبرالية في أفريقيا.

    وأنتهى راديكاليو الاصلاح إلى أن الثقافة عنصر قليل الخطر في ما اتصل بنهوض الديمقراطية أو كبوتها. فقد توصل كل من روبنسون (1994) وجان فرانسوا بيار إلى أن للثقافة دينامية محايدة. فهي لا تعيق الديمقراطية ولا تعينها. وقد استخلصا هذا الموقف عن حياد الثقافة من نظرية مبتكرة في حقل علم الثقافة هي نظرية الممارسة. فقد كان علم الثقافة يحلل الوقائع التى بين يدينا وكأن حدوثها بالصورة التي نراها ضربة لازب أو قدر اجتماعي مكتوب. حلافاً لذلك فنظرية الممارسة ترى في الأفراد المجتمع لاعبين مهرة قادرين على تشكيل الوقائع بمشئية منهم. فهم يستصحبون التغيير من حولهم بنظر محيط وذكاء دقيق وشغف مستنير يأخذون منه بمقدار ما يجدد حياتهم ويغنيها[31]. فالثقافة بحسب نظرية الممارسة ليست عائقا لنبتة الديمقراطية. بل الثقافة بما رحبت ، في قول هذا الرهط، ربما كانت خميرة تعجل بازدهار الثقافة.

    يجدد المصلحون من الراديكاليين النظر في عقيدة سادت بين الراديكاليين قوامها أن الديمقراطية لا تكون بغير نشأة طبقة البرجوازية. وكانت هذه القناعة طريقاً مختصراً للراديكاليين لنفاد الصبر في خير الديمقراطية الليبرالية لأن أفريقيا لم تشهد بعد نمو مثل هذه الطبقة في مجتمع مدني موفور الصحة السياسية. ولهذا كانت أفريقيا عندهم غير أهل للديمقراطية وهذا ما أغراهم بإرتكاب مغامراتهم الاجتماعية بتجريع الناس غصص التقدم[32]. وقد جاء هؤلاء المصوبون من الراديكاليين الاصلاحيين بعوامل أخرى بها تزهر بذرة الديمقراطية الليبرالية في أفريقيا. فقد شددوا على أن الثقافة السياسية أو المدنية ستمكنان للديمقراطية البرجوازية في افريقيا[33]. كما علقوا أكبر أملهم في تنشئة الديمقراطية علي إفشاء عادة الديمقراطية التي هي ما يغرسه قادة العمل العام بتوخي الحق والعدل في سياستهم والالتزام بالمحاسبة والشفافية. وهي عادة لا غنى عنها لنضج الديمقراطية أينما كانت. ولن يجد قادة افريقيا في ثقافتها ما يشاكس عادة الديمقراطية. بل ربما وجدوا فيها تراثاً حافلاً بها[34].

    التجربة السودانية في افريقيا:

    يعتري كتابات الراديكاليين المعاصرة عن افريقيا هاجس أن هناك ما قد يتعلمه الثوريون، في حوارهم الحثيث عن فرص الديمقراطية الليبرالية في افريقيا، من خبرات الحركة الجماهيرية في السودان وتجربة الحزب الشيوعي[35]. فقد توقف بن تركوك عند منهج الحزب في تغليب العملي والواقعي في ممارسته السياسية، من غير إسفاف وترخص، في سبيل تثبيت علاقة استراتيجية ذكية بين النضال من أجل الديمقراطية والنضال من أجل الاشتراكية افريقيا[36]. ووصف هذا المنهج بأنه "منقطع النظير" ولم يقع لغير الشيوعيين السودانيين في افريقيا[37].

    وسيكون موضوع هذا الكتاب تحري الطريقة التي توسل الحزب الشيوعي السوداني للنضال للتغيير الاجتماعي بوسائط الديمقراطية البرجوازية. وسنفرد هنا اهتماماً خاصاً لجهد الحزب في تعزيز مواقع الجماهير عن طريق الدفاع عن " الفضاء الديمقراطي " الذي توفره الديمقراطية البرجوازية ضد المخاطر ولا سيما مغامرات البرجوازية الصغيرة. وعليه فان المقالة ستركز على منهج الحزب الذي استهجن التكتيكات الانقلابية ودعاوي " الديمقراطية الجديدة " بوصفهما تكتيكات برجوازية وحيل مغامرة ترمى لاغتصاب السلطة وتسنم سدة الحكم. ولا تري هذه الدعوة الراديكالية لضبط النفس السياسي، التي ينطوي فيها الصبر على مضمون طبقي، في من يتورط في الفنطازيات الاجتماعية التقدمية الفطيرة التي لم يحن أوانها مجرد فاعل خير ضال. فمن منظور قناعة الحزب فإن "المخرمين" لسعادة الناس والاشتراكية برغماً عنهم نهازون للفرص لأن العجلة واستباق نضج المعاني هما حيلتهما الفريدة إلى الحكم. وانصافا لهذه السياسة متعددة المستويات وناشطيها الأسوياء فاننا سننظر اليها على خلفية الانقلاب المنسوب للشيوعيين في يوليو 1971م ضد نظام نميري " 1969-1985م ". وهو مغامرة دفع الحزب لها ثمناً باهظاً. فقد أريقت دماء زبدة القيادة اليسارية لأجيال ثلاثة إلا قليلا. ومن جهة أخرى فقد إصيبت مصداقية الحزب في الصميم لأنه نهى عن فعل، وهو الانقلاب، وأتى مثله: عار عليك إذا فعلت عظيم.



    خلفية عن دعوة الحزب الشيوعي لليبرالية:

    تعود استراتيجية الحزب القائمة على أن الصراع من أجل الاشتراكية والصراع من أجل الديمقراطية متلازمان بصورة لا فكاك منها إلى نشأته عام 1946م ونهوضه اللاحق الذي تلازم مع بروز الحركة النقابية وسط العمال وومزارعي المشاريع الزراعية الحكومية. ففي اعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد لأي، منحت الإدارة البريطانية الاستعمارية العمال حق التنظيم بإفتراض أن مؤسسات سودان الحكم الذاتي ستقلد تلك القائمة في حاضرة الإمبراطورية. وفي واقع الأمر فقد ترعرعت الحركة النقابية وسط العمال والمزارعين واشتد عودها من خلال النضال ضد القيود التي فرضتها عليها الادارة الاستعمارية في الجوانب المتعلقة بحدود ووظيفة وتمثيل التنظيمات النقابية الناشئة. ويصف إي بي بروان نهوض الحركة النقابية السودانية في عقد من الزمان، بناء على كتابات المرحوم سعد الدين فوزي المميزة عنه، وكأنه قد انبثق من العدم أو كاد[38].

    ووجد هذا الربط بين الديمقراطية والتغيير الاجتماعي مباركة مؤتمرين للحزب انعقدا لاحقاً. فقد وضع المؤتمر الثالث للحزب المنعقد عام 1956م، سنة استقلال السودان، الاشتراكية كهدف أعلى للحزب. ولتحقيق هذا الهدف وَطّن الحزب نفسه على بناء السودان كدولة ديمقراطية شعبية تتبع نهج التطور غير الرأسمالي بقيادة الطبقة العاملة وحلفائها بين المزارعين. ولا شك أن الحزب قد تأثر في بلورة هذه الصيغة بنهوض الحركات الاشتراكية والديمقراطية الشعبية في بلدان أوروبا وآسيا. وما حال دون أن تصبح هذه الصيغة مجرد ترديد ببغائي لمصطلح زمانها وعباراته هو الممارسة العينية الملموسة للحزب في مناخ سياسي اتسم بتنام الحركة النقابية . ثم جاء المؤتمر الرابع للحزب عام 1967م مسانداً في مجمله لإستراتيجية الولوج إلى التغيير الاجتماعي من بوابة الحقوق الليبرالية البرجوازية أيضاً، وإن خالط هذا التائيد شئ من شبهة في الديمقراطية البرجوازية وصدق ما تدعي من حقوق[39].

    وكان للحزب سببان للريبة في الديمقراطية الليبرالية يوم انعقد مؤتمره الرابع. أولهما أنه قد وقع أسيراً شئياً ما لجاذبية الاشتراكيات العربية والافريقية الناهضة في الستينيات التي إما قادها حزب واحد أو جباه يأتلف فيها الديمقراطيون الثوريون.وبدا آنذاك أن بوسع الثوريين "حرق مراحل التطور الاجتماعي" ،كما يقال، وبه انتفت الضرورة أو الحاجة للمرور بمرحلة الهيمنة البرجوازية. فتطور المجتمع سيحرق مرحلة هذه الهيمنة قفزاً إلى الاشتراكية. أما السبب الثاني فهو أن المؤتمر قد انعقد في ظل ظروف كان الحزب فيها هدفاً لاضطهاد سافر من قبل "برلمان متوحش". فقد استبد الغِل بصدور خصومه السياسيين في الأحزاب الدينية والتقليدية وهم يرقبون تقدم أدائه السياسي ( وفي الانتخابات حيث أجريت) قبل وأثناء وبعد ثورة اكتوبر 1964م التي أسقطت ديكتاتورية الفريق ابراهيم عبود التي صعدت إلى سدة الحكم في عام 1958م. واستهدفت الهجمة الشرسة على الحزب مكمن الضعف فيه أو "كعب آخيله " ،كما يقال، ألا وهو الإلحاد. ونشطت حملة لحل الحزب في أواخر عام 1965م فيما عرف بحادثة معهد المعلمين العالي التي اتهم فيها طالب- يشتبه في أن له علاقة بالحزب – بالتقول على بيت النبوة. وتداعت لحل الحزب قوى أحكمت نسجها وتوزعت الأدوار. واستجابة لضغط هذه القوي اجتمع البرلمان وأجرى تعديلاً دستورياً حل به الحزب وطرد نوابه البرلمانيين التسعة شر طردة. غير أن المحكمة العليا، التي لجأ اليها الحزب، قد قضت بعدم دستورية حله. الا ان السلطتين التنفيذية والتشريعية لم تعيرا قرار المحكمة العليا اهتماماً بل إختطا خطة لتأمين البئية السياسية لتسد المنفذ لعودة الحزب للمسرح السياسي. وفوق ذلك كله نشطت الدوائر المعادية للحزب لتضع مسودة لدستور اسلامي متفقاً عليها أمام البرلمان. فبمثل هذا الدستور تقطع هذه الدوائر قول كل خطيب شيوعي.

    عليه فإنه يصعب جداً لوم الحزب بسبب شبهاته حيال الديمقراطية الليبرالية التي أسفرت في وثيقة مؤتمره الرابع المعنونة: الماركسية وقضايا الثورة السودانية. فقد توصل المؤتمر الى أن التطلعات الاجتماعية والديمقراطية التي علقها الناس على ثورة اكتوبر 1964م قد خرقها البرلمان الذي جاء نتيجة لتلك الثورة. وأضاف المؤتمر أنه من العجب أنه تم التنكر للحقوق الليبرالية والإشمئزاز منها تحت دعوى حماية الديمقراطية الليبرالية من أعدائها الشيوعيين. وزاد بأن قال إن زيف الديمقراطية الليبرالية في السودان حقيقة توصلت اليها الأقسام الطليعية من الجماهير منذ أواخر الخمسينيات وقبل انقلاب 1958م[40]. وبدلاً عن الديمقراطية البرجوازية يقترح التقرير صيغة السلطة الوطنية الديمقراطية كصيغة للديمقراطية " الموجهة " او الجديدة[41]. واستوحى الحزب تهافت الديمقراطية الليبرالية ليسأل عما كانت الديمقراطية الغربية مما يصلح للسودان. واتخذت شكوك الحزب نحو صلاحها صورتين، اولاً: شجب الحزب بحرقة خصومه السياسيين على انتهاكهم قواعد اللعبة البرلمانية التي ادعوا التزامهم بها. فقد اتضح أن الحقوق التي تكفلها البرجوازية الليبرالية للجماهير هي فوق احتمالهم . ويمضي المؤتمر الرابع قائلاً:

    "إن الضيق والفشل (ضيق اليمين التقليدي بالحقوق البرجوازية وفشله في مقابلة مستوجباتها) . . . ترجع أصولهما إلى أن الحقوق الديمقراطية البرجوازية نفسها أصبحت عاملاً في جلب الأقسام العاملة في القطاع التقليدي (الريف حيث تسود هذه القوى الطائفية الدينية والقبلية) إلى ميدان النشاط السياسي والاجتماعي[42]." أما مصدر ريبة الحزب الثانية في الديمقراطية الليبرالية فهي ما توصل إليه، مثله في ذلك مثل الثوريين في العالم الثالث، من استحالة إبتداع صورة من الديمقراطية الليبرالية صالحة للتطبيق في بلد كالسودان يرزح 87% من جملة سكانه تحت قهر الطوائف الدينية وعلاقات شبه الاقطاع في القطاع التقليدي. ويعيد الحزب هنا وحهة النظر الشائعة في أوساط الثوريين التي ترد خيبة الديمقراطية الليبرالية في العالم الثالث إلى خصيصة في تركيبة مجتمعاتها. وقد سبق ذكرنا لذلك. فسيصعب، وفقاً لهذا المنظور البنيوي، علي الديمقراطية الليبرالية أن تضرب بجذورها في بلاد تفتقر إلى طبقة برجوازية متماسكة وواعية بكينونتها الطبقية. وأشار تقرير المؤتمر الرابع إلى نقص في القواعد الاجتماعية التي يمكن أن نبني عليها نظاماً برلمانياً برجوازياً في السودان. فالتقرير يقول:

    وفي نفس الوقت فإن الطبقة الرأسمالية نفسها، التي يمكن أن تبني هذا النظام السياسي البرجوازي، ما زالت من أضعف الطبقات الاجتماعية في البلاد اقتصادياً وسياسياً، وهي ما تزال لا تستطيع التعبير المستقل عن ذاتها إلا في حيز التحالف مع القوي القديمة القبلية وشبه الاقطاعية[43].

    وعليه فان أقصى ما يمكن أن تنجزه هذه الطبقة – من منظور التقرير – هو نظام سياسي برلماني شكلي معزول عن حيوية وأشواق حركة الجماهير الواعية سياسياً. وأكد التقرير أن هذه الطبقة، بما هي فيه من وهن، ستلقي بالديمقراطية الشكلية نفسها إلى قارعة الطريق وتسلك مسلك العنف الوحشي متي ما تعرضت مصالحها لأي تهديد[44].



    من الانقلابات ما تصحو به من غفلة ومنها ما قتل

    تعرضت عقيدة الحزب المرتابة بالديمقراطية الليبرالية إلى اختبارين في 1969م و1971م بواسطة انقلابيين تقدميين. وأسفر الانقلابان عن مشابه من سوء ظن الحزب في تلك الديمقراطية، إن لم يكونا قد استلهما هذه الريبة منه هو نفسه إلى حد كبير. ولسوف نرى لاحقاً كيف سعى الحزب حثيثاً ل " طرد أرواح" الشكوك التي ساورت نظرته للديمقراطية الليبرالية من خلال الممارسة والحوار السياسي الواسع داخل الحزب، وعلي نطاق المجتمع السوداني بأسره، في الفترة التي سبقت انقلاب مايو 1969م وأعقبته. فقد خَلٌصت أخيراً عقيدة الحزب في هذه الديمقراطية من الشوائب خلال جداله ضد التكتيك الانقلابي ومضامينه الاجتماعية والسياسية. وقد تكبد الحزب الأمرين حتى خلصت له الليبرالية معافاة من ظنونه القديمة بها. فجر عليه ذلك أن انقسم على نفسه بصورة داوية باهظة التكلفة عام 1970 قبل أن تتعمق حماسته من جديد للديمقراطية الليبرالية.

    قبيل انقلاب مايو 1969م

    شهدت الفترة التي اعقبت انعقاد المؤتمر الرابع للحزب عام 1967م نشر الكتابات التى نضج فيها موقف الحزب عن تلازم التغيير الاجتماعي والحقوق الليبرالية. وهي كتابات فضلها كله منسوب لعبد الخالق محجوب سكرتيرالحزب العام منذ 1949 الذي تمتع بكريزما آسرة. وهي مواقف تطورت ونضجت خلال الصراع ضد فصائل البرجوازية الصغيرة داخل وخارج الحزب. وكانت هذه الأقسام، وفقا لتقرير المؤتمر الرابع، قد فقدت ثقتها في العمل الجماهيري الشعبي وغرقت في لجة اليأس والاحباط واللامبالاة تحت وطأة انتكاس ثورة اكتوبر 1964م. وكان تقرير المؤتمر الرابع في 1967 قد سمى باكراً هذه الفصائل ب" المغامرين " لأنها خَلٌصت إلى بطلان العمل الجماهيري بعد انتكاسة اكتوبر. وبديلاً عن ذلك دعت الحركة الثورية إلى إطراح، بل نبذ، التعلق بالحقوق الليبرالية واللجوء للعمل المسلح. وواصل عبد الخالق صراعه ضد " المغامرين " في مؤلفه " قضايا ما بعد المؤتمر الرابع 1968م " مشددا على أنه لا غنى عن الحقوق الليبرالية في سبيل تعزيز مواقع الجماهير وإعلاء دورها. ويكتب عبد الخالق في ذلك قائلاً:

    فالقوى المغامرة اليائسة من البرجوازية الصغيرة ترى أن النضال من أجل الحقوق الديمقراطية البرجوازية لا يقود إلى شيء وأن الطريق هو الدعوة من فوق رأس البيوت للديمقراطية الجديدة وحدها[45].

    ولكن حتى لوقت متأخر من عام 1968م كانت الشكوك في الديمقراطية تساور عبد الخالق من جهة نفعها للنضال الثوري في المدي الطويل. فقد ورد في كتابه " قضايا " حديث عن نقص الأسس المادية والثقافية لتوطد الديمقراطية البرجوازية في البلاد. فمن الوارد بناء على ذلك ألا يسلك السودان طريق التطور الطويل البطئ تحت قيادة الطبقة البرجوازية. ويمضي إلى القول بامكانية حدوث طفرة ثورية تفتح الطريق امام التقدم والديمقراطية[46].

    ولم يكن خافيا أن " المغامرين " في صفوف الحزب كانوا في حالة غزل مع فكرة التدخل العسكري كمخرج من المأزق السياسي بعد ردة ثورة أكتوبر. واضطر عبد الخالق محجوب نفسه لمناقشة هؤلاء " المغامرين" من خاصة رفاقه علي الملأ. فقد دعا احمد سليمان، وهو أحد اصدقاء عمر عبد الخالق وعضو بلجنة الحزب المركزية، في أحد الصحف البرجوازية، علي حد قول عبد الخالق، لإعادة السيناريو السياسي الذي تحققت به ثورة أكتوبر وهي التي غلبت قيادة البسار لها[47]. وكان من رأى أحمد سليمان تشكيل حكومة وحدة وطنية على غرار تلك التي تمخضت عنها ثورة أكتوبر قوامها الاحزاب السياسية والنقابات واتحادات المهنيين. وزاد قائلاً إنه لكي تستقر هذه الحكومة وتبقى فانها لابد من ان تحظي بحماية القوات المسلحة[48]. وفي معرض رده أشار عبد الخالق إلى خطأ رفيقة في النظر إلى القوات المسلحة، المدعوة لحماية حكومة الوحدة الوطنية، كقوة متجانسة منسجمة وفوق الصراع الطبقي.

    وتطور غزل المغامرين مع القوات المسلحة ليصبح عقيدة كاملة عن فعالية التكتيك الانقلابي كأداة للتغيير السياسي بديلاً للعمل الجماهيري. وطرحت هذه الجماعة الموصوفة بالمغامرة، بحسب تقرير حزبي للجنة المركزية عن اجتماعها في مارس 1969، هذا التكتيك الانقلابي ليجيزه ذلك الاجتماع غير أنهم باءوا بالفشل. ولكن المغامرين الموصوفين بالمغامرين ادعوا فيما بعد أن التقرير الصادر عن الاجتماع لا يمثل اللجنة المركزية، وإنما هو من عمل عبد الخالق وضمنه وجهة نظره وكفى[49]. وعلى أية حال فقد أكد التقرير "استحالة استبدال العمل الجماهيري الدؤوب بالتكتيكات الانقلابية[50]." وكان من رأي التقرير أن من شأن الانقلاب العسكري أن يجعل قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية في يد البرجوازية والبرجوازية الصغير. وكان الحزب قد سبق أن خَلٌص إلى أن كلا الطبقتين لا تصلحان للقيادة نظراً لأن هناك أقساماً من البرجوازية معادية للثورة من حيث المبدأ أما البراجوازية الصغيرة فتتسم بالبلبلة ويعوزها الثبات مما سيعرض النضال الثوري لآلام وتضحيات لا ضرورة لها[51]. وفي مواجهة دعاوى التكتيكات الانقلابية احتفى تقرير 1969م بالديمقراطية الليبرالية وبشر بها. فقد دعا التقرير إلى تكوين أوسع تحالف ممكن في ظل " دستور ليبرالي " بين كافة القوى المناهضة لمسودة الدستور الاسلامي لعام 1968م[52]. يقول التقرير في شجبه للانقلابيين:

    إن احلال التكتيكات الانقلابية محل العمل الجماهير يعبر عن مصالح الطبقات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة وسط قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية في نهاية المطاف[53].

    وهذا الشجب للتكتيك الانقلابي ستردد أصداؤه في دهاليز الحزب بعد انقلاب 1969. غير أنه سيقتص لنفسه من الحزب الذي ارتكب في لحظة وسن سياسي انقلاباً كان قد نهى عنه.

    انقلاب مايو 1969م

    بيت الطاعة

    بدا للكثيرين أن تحالف الشيوعيين مع انقلابي مايو 1969م، بقيادة جعفر نميري، أشبه بشهر عسل حافل بالمشاكسة انتهى إلى طلاق مزلزل ومفاجئ بعد انقلاب 1971م المنسوب إلى الشيوعيين. وغاب عن هؤلاء أنه - على الأقل بالنسبة لعبد الخالق محجوب وجناحه داخل الحزب – أن ذلك الزواج المزعوم لم ينعقد أصلاً. وسنمضي خطوة أخري بمجاز العرس الشائع لنقول إن انقلابي 25 مايو، كما هم في نظر عبد الخالق، قد زجوا بالحزب في " بيت للطاعة " على النحو الذي تجبر به المحكمة الشرعية الزوجة الناشز الحرون على طاعة زوجها والعيش معه. ولكن حتى في هذه الحالة يظل التشبيه قاصراً ومختلاً لأن " بيت الطاعة " مما يفرض على الزوجات وليس الصديقات أو المرافقات اللائي تحتفظ لهن الشريعة الإسلامية في مادة العقوبة بما لا يسر من المفاجآت. ويأتي عنصر إكراه الحزب على الاشتراك في انقلاب 25 مايو هنا من أن الضباط الشيوعيين، ممن كان لهم وجود مميز في تنظيم الضباط الأحرار الذي نفذ الانقلاب ، صوتوا مرتين، في أكتوبر 1968م وأبريل 1969م، ضد تنفيذ الانقلاب[54]. ولا شك أن اعتراض هؤلاء الضباط على الانقلاب قد انبني على موقف الحزب الحازم ضد التكتيكات الانقلابية على النحو الذي بيناه آنفاً. وهي موقف عبد الخالق خاصة الذي كان يشرف بنفسه على عمل الحزب وسط الضباط الشيوعيين. وخلال التصويت كان الضباط الشيوعيون في الأقلية في الاقتراع الأول إلا أنهم أصبحوا الأغلبية داعين إلى ترك فكرة الانقلاب. ومع ذلك لم ترعو الأقلية التي قادها جعفر نميري وسدرت في غيها الانقلابي. واغتصبت السلطة في 25 مايو 1969م من برلمان متوحش وحكومة سئية السمعة[55].

    وكان واضحاً أن بذرة الشقاق النظري والعملي بين فصيل عبد الخالق محجوب داخل الحزب من ناحية والانقلابيين من الناحية الأخرى قد بٌذرت في مساء يوم الانقلاب نفسه[56]. ففي ذلك المساء أصدرت اللجنة المركزية بيانا لتقويم الانقلاب أعاد فيه عبد الخالق موقف الحزب الثابت من التكتيكات الانقلابية كما هو مبين في تقرير اجتماع اللجنة المركزية في مارس 1969م. ورأينا كيف أنكر خصوم عبد الخالق في الحزب إنعقاد الإجماع على ذلك الموقف في اللجنة المركزية. وخلافاً لتصريحات الانقلابيين بأن ما قاموا به صبيحة 25 مايو هو " ثورة " ، وصف بيان الحزب الشيوعي المسائي ما حدث في صبيحة ذلك اليوم بأنه " انقلاب " نفذه ضباط البرجوازية الصغيرة داخل الجيش. ولم يبد الحزب ارتياحه لا للطريقة التي تسلموا بها السلطة ولا لأصولهم الطبقية في المجتمع. فقد الوصف البيان انقلاب نميري بأنه مخاطرة ووصم البرجوازية الصغيرة التي قادته بأنها لم تصمد أمام اختبار الحزم والاستقامة منذ أن خرجت للعمل السياسي المستقل في ثورة أكتوبر 1964م. ومع ذلك فقد أقر البيان الطبيعة اليسارية للانقلاب. بل كان الانقلابيون في كل ما اذاعوه من أهداف وبرامج إنما ينقلون نقلاً من أدب الحزب الشيوعي عن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية. ودعا البيان أعضاء الحزب لمناصرة الانقلاب عبر شن صراع لا يهدأ لفتح ميادينه أمام المشاركة الشعبية لتقليل النتائج المؤذية التي قد تنجم من إنفراد البرجوازية الصغيرة به. وغير خاف على القاريء فتور بيان الحزب تجاه التغيير الذي أحدثه انقلاب مايو. ودفع خبو الحماسة للانقلاب في بيان الحزب عضواً بمكتيه السياسي من خصوم عبد الخالق لوصفه ب" الوثيقة الملعونة ".

    وسواء بوركت الوثيقة أو لٌعنت فقد أثارت مناقشات حامية تميزت بقدر طيب من الاستنارة حول التمييز بين "الثورة" و"الانقلاب" وسط الحزب وفي المجتمع بأسره. وتطرق هذا الجدل لبعض المفاهيم النظرية منها مفهوم لينين عن أشراط " العصيان المسلح " و " الأزمة الثورية " ومفهوم بلانكي عن "الطليعة" ومفهوم " الديمقراطيين الثوريين " لدى المنظرين السوفيت المعاصرين الذي استبدلوا به مفهوم البرجوازية الصغيرة أو تجاوزوه، وكذلك مفهوم الدور التقدمي المزعوم للقوات المسلحة في بلدان العالم الثالث. وسوف نرى كيف أدى اشتراك الشيوعيين في انقلاب 19 يوليو إلى تعطيل كل اجتهاد جديد في فصل الانقلاب والثورة الذي خَطّوه في مواجهة انقلاب مايو، وقد تعلموا به ومنه، وكذلك الجمهرة علماً نافعاً كثيراً.

    ما بعد الانقلاب:

    على الصعيد العملي كان على الحزب منذ اليوم الأول للانقلاب أن يقبل بمضاضة بتعيين عدد من الشيوعيين في مجلس الوزراء دون استشارة قيادته. ولم ير من تحمس للانقلاب من الشيوعيين سبباً ينتظر به الوزراء الشيوعيون موافقة اللجنة المركزية للحزب قبل أن يحضروا اجتماع مجلس الوزراء الذي كان مقرراً عقده مساء نفس يوم الانقلاب. وبدت موافقة اللجنة المركزية لأولئك الوزراء بحضور ذلك الاجتماع كمجرد شكليات عقيمة نظراً للطبيعة التقدمية للانقلاب الذي خاطر بتمثيل حزب محاصر سياسياً في مجلس وزرائه. وخسر عبد الخالق محجوب التصويت الذي جرى بين اعضاء اللجنة المركزية التي أرسلت الوزراء الشيوعيين علي عجل لحضور الاجتماع الأول لمجلس وزراء الانقلاب في موعده بدون مناقشة لمبدأ اختيارهم بإرداة المنقلبين بغير مشورة الحزب. ثم اجتمعت اللجنة المركزية لاحقاً وأجازت مبدأ المشاركة في مجلس وزراء الانقلاب بما يشبه سبق السيف العزل. ورضخ عبد الخالق لهذه البادرة الأولى لسبق السيف العزل نزولاً عند قول القائل إن غياب الوزراء الشيوعيين قد يغري القوي الرجعية لتظن الظنون بمتانة التحالف التقدمي الناشيء. غير أنه شدد أن تعطيل الحزب لمبدأ الشوري حول وزرائه هذه المرة بالنظر للظروف الطارئة التي احاطت بالحكومة الجديدة لا ينبغي أن يكون سابقة تأذن للانقلابيين، في مستقبل علاقته بهما، أن يتطفلوا على شأن الحزب الداخلي يأمرونه فيطيع. وقال إن هذه السابقة في توظيف المثقفين الشيوعيين من وراء ظهر حزبهم قد تٌقَوي بين الانقلابيين اعتقاداً سائداً أصلاً وسط دوائر البرجوازية الصغيرة العربية والأفريقية لا ترى ضرورة لوجود الحزب الشيوعي ذاته لانجاز مهام الثورة الاجتماعية[57].

    تنامت قناعة الحزب الشيوعي بأهمية الحقوق الليبرالية بوتائر متسارعة خلال جدالهم مع نظام نميري والعلاقة العاصفة التي ربطت بينهما ومن خلال الصراع الداخلي بين جناح عبد الخالق محجوب والتيار الآخر الذي تطابقت مواقفه مع الانقلابيين. واحتدم النقاش داخل صفوف الحزب حتى بلغ ذروته في مؤتمر الكادر التداولي في أغسطس 1970م. و قادت الخلافات فيه لوقوع انقسام نتج عنه قيام حزبين مستقلين. وتداول أعضاء الحزب قبل المؤتمر وخلاله النقاش في خمس وثائق تمثل رأي الفصيلين. وبلغ من حيوية الجدل أن وقائع اجتماعات اللحنة المنشورة لم تعد تقريراً اجمالياً كسائر التقارير بل ما يشبه صورة النص المسرحي احتفظ فيها كل عضو بصوته الخاص. وهذا شيء أملاه طلب الدقة وأن لا ينسب لعضو غير ما قال في ظرف حرج إعتقد فيه أولئك الأعضاء أنهم أمام تبعة تاريخية كبرى في منعطف عظيم في تاريخ الحزب والوطن. ووضع الحزب للنقاش أمام مؤتمر الكادر التداولي وثيقتين ضافيتين كما نشر تفصيلاً وقائع المؤتمر نفسه. وساد رأي عبد الخالق، الذي هفت له قلوب وأفئدة قاعدة عضوية الحزب، غير أن الانقسام وقع وطال أكثر من نصف أعضاء اللجنة المركزية.

    شاورمة للثوريين:

    تناول عبد الخالق محجوب موضوع الحقوق الليبرالية في مستويات مختلفة أثناء سجالاته مع الانقلابيين. وكان من الواضح أنه واصل مشاوراته مع بعض أقسام التحالف الليبرالي المناهض لمشروع الدستور الاسلامي الذي كنا قلنا إن القوى المناوئة للشيوعية قد أعدته لمحو الحزب الشيوعي من ساحة السياسة قبل أن يقلب انقلاب 1969م التقدمي المائدة بوجهها. كما كان جلياً أيضا أن عبد الخالق كان يسعى لكسب السيد الصادق المهدي إلى صف الانقلاب، لا سيما وأن الصادق، الذي كان قد شرع في تحديث حزبه، حزب الأمة، في وجهة الليبرالية، كان يبدي ويعيد حول سداد فكرة حل الحزب الشيوعي عام 1965م الذي لعب فيه حزبه،حزب الأمة، دوراً نشطاً مقدماً. ومن الطريف أن خصوم عبد الخالق في الحزب الشيوعي كانوا اتهموه دائما بضعف خاص تجاه السيد الصادق آملاً أن تلطف ثقافة الصادق المستقاة من أكسفورد من عداء حزبه التقليدى للشيوعية. ومن الثابت أن عبد الخالق كان على اتصال بالصادق حتى بعد وقوع الانقلاب. واتهمه خصومه بأنه اطلع السيد الصادق على مسودة تحليله الناقد السلبي للانقلاب قبل مناقشتها داخل اللجنة المركزية للحزب[58]. على أنه من المهم التنويه بأن عبد الخالق كان تفهم انتقادات السيد الصادق للانقلاب التي تركزت حول المغالاة في تمثيل الشيوعيين في مجلس وزرائه. وكان السيد الصادق قد نقل وجهة النظر نفسها لجعفر نميري وطلب تصحيح الوضع حتى ينفتح الباب أمام علاقة إيجابية بين النظام وحزبه. وقد أراد عبد الخالق أن يكسب الصادق للنظام الجديد ويكف أذاه عنه. فقد كان عبد الخالق سيء الظن بالنظام وقليل الثقة في رباطة جأشه متى صار هدفاً لضغوط القوى التقليدية النافذة الحاذقة. وأقترح عبد الخالق على لجتنة المركزية خفض عدد الوزراء الشيوعيين في الحكومة ونزع الأستاذ فاروق أبو عيسى، نائب وزير الخارجية، لأنه شيوعيته الصارخة مما أزعج الدوائر المحافظة دائماً[59]. وبينما كان عبد الخالق مشتغلاً بتخفيض التمثيل الشيوعي في السلطة الجديدة لتطمئن القوي التقليدية ما وسعها للنظام ولا تعادية بقوة كان خصومه عبد الخالق قد اتهموه برفض عرض قادة الانقلاب بتعيين ثلاثة وزراء شيوعيين آخرين في مجلس الوزراء[60]. وهال منافسوه داخل الحزب وقادة الانقلاب كذلك أن رأوه يقترح على النظام منح السيد الصادق المهدي منصباً وزارياً في الحكومة. وقد هالهم من ذلك أن التحليل الماركسي السوداني درج دائما على نسبة حزب الامة، وبصورة مستقيمة، إلى القوى شبه الإقطاعية التى تعاونت مع الاستعمار قديمه وجديده. ولعل في هذا ما يفسر اتهام خصوم عبد الخالق داخل الحزب له بضعف يميني للسيد الصادق تعود جذوره إلى عام 1965م[61].

    ومن جهة النشاط الجماهيري اعترض عبد الخالق على البيانات الجمهورية التى صدرت في اليوم الأول للانقلاب التى حلت الأحزاب وحرمت الاضراب. ولم ير عبد الخالق سبباً واحداً لحل حزبه. أما خصومه في الحزب فلما يمانعوا في حل الأحزاب طالما بقي حزبهم هو الحزب الحاكم فعلاً. وقد هجوا زعيمهم لتمسكه بشجرة حزبه مضرباً عن رؤية غابة الرجعيين ، من برلمان مؤذ وأحزاب تقليدية ومجلس وزراء، التى ناضل الحزب ضدها طويلاً، وهي تهوي على عروشها بفضل النظام الجديد. وكان من رأي الخصوم أن مثل موقف عبد الخالق من حل حزبه هو مجرد تنطع لأن الحزب لم يكن ممثلاً في مجلس الوزراء فحسب بل كان يجتمع بانتظام مع ممثلين للانقلابيين لتبادل الرأي حول أداء الحكومة الجديدة.

    كان دفاع عبد الخالق عن الوجود القانوني للحزب وعن حق العمال في الاضراب مبنيا على قناعته بان نجاح مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، كمرحلة إنتقالية غنية بالصراع الطبقي، يعتمد على تمتع الجماهير بأعلى مستويات الديمقراطية[62]. وفي رأيه أيضا أن رفض الجماهير المتقدمة الخضوع لحرفية الديمقراطية البرلمانية الغربية لا يعني بالضرورة عدم رغبتهم في العيش في ظل حكم نيابي[63]. وضاق بعبد الخالق خصومه لأنه لم يعجبه تعيين الشيوعيين في مجالس إدارات مجالس الحكم المحلي والمؤسسات العامة وتحججه بأن الناس لم يتح لها انتخاب مندوبيها لهذه المجالس. وانتقد عبد الخالق الحكومة أيضا على مصادرتها لممتلكات العديد من الرأسماليين بموجب قرارات التأميم والمصادرة عام 1970م مطالبا بأن المحاكم وحدها هي التي تفصل في مسألة بهذا العظم متي نشأت الضرور ة لمثل هذا الإجراء الشديد بحق رأس المال. ونعى خصومه استدارة الزمان حتى أخذ السكرتير العام لحزب شيوعي يدافع عن الملكية الخاصة دون حياء.

    وسخر عبد الخالق أيما سخرية من تأميم الدولة لاستثمارات الأغاريق الصغيرة من مطاعم ومخابز وبارات واستعجب لإدارة الدولة لها بعد التأميم. ووجه سياط سخريته اللاذعة أكثر ما وجهها لرفاقه في الاتحاد العام للنقابات ممن اوكلت لهم مهمة إدارة بار ومطعم " كوبا كوبانا " المواجه للسفارة الامريكية والذي يأوي اليه دبلوماسيوها للشرب والسمر. كما طلب عبد الخالق من الانقلابيين التمييز بين سيطرتهم على أصول وممتلكات الصحف بالتأميم وبين تكميمه للأفواه ومصادرة حرية التعبير. وهذا ما وقع منها بعد تأميم الصحف.

    وعلى المستوى الأيديولوجي اهتم عبد الخالق بتلافي الخطابية الفجة لثوريي البرجوازية الصغيرة والحيلولة دونها ودون تغبيش وعي الناس. ومن ذلك أنه انتقد الحكومة في ترويجها للمساعدات الاقتصادية والفنية التي قدمها الاتحاد السوفيتي وكأنها العصا السحرية الشافية لجميع أدواء الاقتصاد السوداني. وكان يرى أنه من حق الشعب علي قادته أن يعي درجة استفحال أزمة الوطن الاقتصادية لا أن يشجع على توقع إنقضائها بالترميمات السهلة والسريعة. ومضى إلى المطالبة أيضاً بان يخضع جهاز أمن الدولة، الذي أنشئ حديثاً، للرقابة السياسية وأن يلتزم حكم القانون في أداء مهمته[64]. وألح عبد الخالق على أن قيام نظام الحزب الواحد خلال فترة الحكم الوطني الديمقراطي خرق لقواعد التحالف للقوى العديدة ذات المصلحة في المرحلة والتى ترغب في المساهمة في إنجازها من تحت راياتها المستقلة. واضاف أن حزبه الشيوعي نفسه مما لايؤتمن لإنجاز هذه المرحلة بصورة عادلة ومقبولة لأطراف التحالف[65].

    وتطرق عبد الخالق لديمقرطة الحياة السياسية لصالح التحالف الوطني الديمقراطي من وجوه أخرى. فقد وضع الانقلاب الشيوعيين في مواقع قيادية في جهاز الدولة. وحسب قول عبد الخالق فالنظام ربما تعجل في إتخاذ هذه الخطوة. ولذا اهتم عبد الخالق بتحسين مهارة قادة الحزب كرجال دولة. فوجه بقفل باب العضوية للحزب درءاً لقبول أعضاء جدد في الحزب من ذوي الغرض الذي طمعوا أن يحققوه من خلال الانضمام إلي حزب بدا للناس أنه "حزب الحكومة". إلي جانب ذلك تمسك عبد الخالق بضرورة أن يراعي الانقلابيون إستقلالية الحزب وأن يحصلوا على موافقته قبل تعيين أي عضو من أعضائه في المواقع القيادية لجهاز الدولة. ووضع عبد الخالق بذلك حجر الأساس للقواعد السياسية والخلقية لأعضائه فى شأن الحكم. وشدد عبد الخالق علي رجال الدولة الشيوعيين أن يعلموا علم اليقين بأن المناصب التي يشغلونها ليست "غنيمة" للحزب في معادلات الحكم الجديد وتحالفاته بقدر ما هي أدوات لخدمة الجماهير التي ستحكم لهم أو عليهم على أساس مثابرتهم في النهوض بواجباتهم ومسؤولياتهم القومية في ظل دولة مٌسَخرة لخدمة الشعب وتقدمه. اما في حال نكوص الحكومة عن ذلك فلن تكون مقبولة للحزب النظرية القائلة بتمسك الثوريين بالمواقع الثورية مهما كلف الثمن. فمثل هذه النظرية، عند عبد الخالق، هي مجرد ذريعة للتشبث بكراسي الحكم. ولجماً لغواية احتلال " الموقع الثوري " حذر عبد الخالق الشيوعيين من مغبة الاستئثار بالتعيينات السياسية لمواقع الدولة لأنها ستضر بعلاقات الحزب الطويلة مع اصدقائه والمتحالفين معه من ذوي الكفاءة والاستقامة من بين شرائح المثقفين. ودعا لإعطائهم الفرصة لخدمة شعبهم على المستوى السياسي وفي قيادة الدولة[66].

    وكان عبد الخالق يخشي أن يتورط الانقلابيون في استفزاز يساري فطير للغرب الاستعماري فيلقون منه ما لاطاقة لهم به. فإذا وقع ذلك وساخت ركب الانقلابيين من فرط ضغوط الغرب الجبارة ستجد الجماهير الثورية، التي استثمرت مكرهة أو طوعاً في دولة الانقلاب، نفسها عرضة لآلام وتضحيات لا داع لها. لذلك نصح عبد الخالق بإلا تعترف الحكومة بألمانيا الشرقية تفاديا لاستفزاز المانيا الغربية[67]. إلا أن نصحه مضى أدراج الرياح. وانتقد كذلك خطاب وزير الخارجية السوداني أمام الأمم المتحدة الذي احتد فيه علي الولايات المتحدة الامريكية التي لا قبل للسودان بعداوتها[68].

    وغني عن القول بان مواقف عبد الخالق هذه تسببت في تدهور العلاقة بين الحزب والنظام يوماً من بعد يوم. ففي اكتوبر 1969م نزع نميري، قائد مجلس الثورة، بابكر عوض الله، رئيس وزراء الانقلاب ورئيس قضاء سابق، عن منصبه وتولاه بنفسه. وكان نميري بهذا يؤاخذ بابكر لحسن ظنه بالشيوعيين. فقد صرح رئيس مجلس الوزراء خلال زيارة له لالمانيا الشرقية أنه لا يمكن الاستغناء عن الشيوعيين لإطراد الثورة في السودان[69]. وبالطبع لم ير عبد الخالق سبباً لمعاقبة بابكر على بداهتة. وكان عبد الخالق نفسه رهن الاعتقال منذ أبريل 1970م ثم نٌفي الى مصر وأٌعيد منها الى السودان حيث تحفظت عليه الدولة بمزرعة بالباقير جنوبي الخرطوم. ثم أخذوه منها الى مبنى سلاح الذخيرة الذي هرب منه في 29 يونيو 1971م بمساعدة قائد الحرس الجمهوري الذي أخفاه – كما يقال – قي القصر الجمهوري نفسه. وقد لعب هذا القائد دوراً مهما في كلا الانقلابين: مايو 1969م ويوليو 1971م. ومن ناحية أخرى بلغ الخلاف أشده في نوفمبر 1970 بين أعضاء مجلس الثورة الشيوعيين ونميري وأنصاره. فقد عارض الشيوعيون بغير هوادة مشروع اتحاد الجمهوريات العربية الذي كان يشمل السودان ومصر وسوريا وليبيا. ونتيجة لذلك تم فصل ثلاثة أعضاء المجلس من الشيوعيين وأصدقائهم بواسطة نميري وهم من قام على أكتافهم انقلاب يوليو 1971 الفاشل[70]. كما أعلن نميرى عزمه على سحق الحزب الشيوعي على إثر البيان الذي وزعه الحزب الشيوعي وأدان فيه كلا من نميري وموبوتو، الرئيس الزائيري الذي كان في زيارة الى السودان[71]. ومن وجهة نظر الحزب الشيوعي فإن استدارة النظام لليمين قد بلغت مداها في أبريل 1971م بحل اتحادات وتنظيمات النساء والطلاب والشباب التي يغلب عليها الشيوعيون[72] وانشاء نميري للاتحاد الاشتراكي السوداني باعتباره التنظيم السياسي الوحيد في البلاد[73]. وفي مايو 1971م بدأت حملات اعتقال الشيوعيين وحلفائهم. وسارع نميري الى اصدار اوامره باعتقال الضباط الشيوعيين ايضا لشكه في أنهم كانوا يدبرون انقلابا ضده[74]. إلا انهم " تغدوا به قبل ان يتعشى بهم " ونفذوا انقلابهم ظهر يوم 19 يوليو 1971م. وربما كانت تلك هي الملابسات التي أشار اليها تحليل شيوعي أولي ونسب اليها استعجال العسكريين للانقلاب بتقديم ساعة صفرهم شفقة بالحزب غير عابئين باعتبارات سياسية أخري لا مهرب من اخذها في حسبان الناشط في السياسة.



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] أنظر يوليوس نيانجورو ص 135

    [2] - قرامشي، مذكرات السجن

    [3] أنظر محجوب عزام ، 1990

    [4] عيسى شفيجي ص 258

    [5] المرجع السابق ص 255

    [6] المرجع نفسه .

    [7] عقد بجامعة Warwick في سبتمبر 1989م

    [8] " انظر ساندبروك ص 25

    [9] المرجع السابق ص 24

    [10] كوهين ص 2

    [11] راجع ساندبروك ص 9

    [12] كوهين 3

    [13] أنظر بوست ص 47

    [14] كوهين ص 6

    [15] أنظر جبرين ابراهيم ص 27

    [16] كوهين ص 12 ؟

    [17] أنظر بيكمان ص 86

    [18] كوهين ص 12

    [19] هولينكست ص 101

    [20] جبرين ابراهيم ص 29

    [21] " بوست ص 46

    [22] كوهين ص 2

    [23] المرجع نفسه

    [24] بوست ص 24 ، بيكمان ص 92

    [25] بيكمان ص 96

    [26] نايو نجو ص 23

    [27] أنظر محجوب عزام ص 14

    [28] دايموند ص 228 (الأسطورة)

    [29] هولينكست ص 100

    [30] راجع ص 20

    [31] روبنسون ص 53

    [32] سمير أمين 1978م شيبال 1986م

    [33] ساندبروك ص 252 وجوزيف ص 288

    [34] 1988، ص 252

    [35] نايو نجو 1978م وساندبروك 1988م ص 206 وبك ص 95

    [36] " بك ص 95، توروك ص19

    [37] توروك ص 153

    [38] ترجم الأستاذ محمد علي جادين هذا الكتاب في العربية مؤخراً.



    [39] أنظركتابات كمال الجزولي وصدقي كبلو عن الحزب الشيوعي والديمقراطية الليبرالية

    [40] الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص 131

    [41] المرجع السابق ص 132

    [42] صفحة 134

    [43] المرجع السابق ص 152

    [44] المرجع نفسه ص 153

    [45] أنظر قضايا ص 67

    [46] المرجع السابق ص 27

    [47] أنظر فؤاد مطر 1971م ص 101-107 ومحمد سعيد القدال 1968م ص 74-75

    [48] القدال 1968، ص 20

    [49] راجع فؤاد مطر ص 199

    [50] أنظر في سبيل تحسين العمل القيادي ص 18

    [51] راجع قضايا ص 18-19

    [52] في سبيل تحسن العمل القيادي ص 15

    [53] المرجع السابق ص 18-19 وعبد الملك 1983م ، ص 196

    [54] راجع نيبلوك 1987م ص 238-240

    [55] المصدر السابق

    [56] أنظر القدال 1986م ص 77-81

    [57] أنظر فؤاد مطر 1971م ص 134



    [58] أنظر فؤاد مطر ص 219

    [59] المصدر السابق ص 256

    [60] المصدر السابق

    [61] المصدر لاسابق ص 219

    [62] المرجع السابق ص 122

    [63] المرجع السابق ص 212

    [64] المرجع السابق ص 159

    [65] المرجع السابق ص 145

    [66] المرجع نفسه ص 140

    [67] المرجع نفسه 213

    [68] المرجع نفسه ص 220، 221

    [69] واربورج ص 122، نيبلوك ص 245

    [70] نيبلوك ص 255 واربةرج ص 124

    [71] أنظر نيبلوك ص 255 وواربورج ص 128

    [72] واربورج ص 129

    [73] واربورج ص 129

    [74] واربورج ص 120




    www.sudaneseonline.com
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de