الفريق فتحي أحمد علي وحاجة الوطن الراهنة...by Dr. Mahgoub al-Tigani

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 05:07 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-30-2007, 09:20 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
الفريق فتحي أحمد علي وحاجة الوطن الراهنة...by Dr. Mahgoub al-Tigani

    Dr. Mahgoub Altigani requested this article to be posted on Sudaneseonline Board
    mohamed elgadi
    Quote:
    الفريق فتحي أحمد علي وحاجة الوطن الراهنة
    لهيئة ديمقراطية وعقلية مدنية للجيش السوداني والقوات الأمنية

    محجوب التجاني

    هنالك غضب شعبي وشجب للسلطة في كل وقت تهجم فيه بوحشية شرطة الدولة وقوات أمنها أو جيشها علي طلاب يتظاهرون، مزارعين يحتجون، أو أي جماعات معارضة لسياسات الحكومة. في هذا العام، كمثال، حدثت مجازر مروعة في أماكن كثيرة بدارفور، وأعالي النيل، والعاصمة المثلثة، والمحافظات الشمالية. وقد شّكل الاستعمال الاستهتارى للأسلحة النارية والغاز المسيل للدموع إنتهاكاً صارخاً لقانون السودان الجنائي، وقوانين الجيش والشرطة، وغيرها من أدوات السلطة الرقابية.
    إلى هذا الحد، لم تتضمن أي أنباء، في أي لحظة، أن برلمانيي حكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان، بمن فيهم من ممثلي التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية لتحرير السودان، نطقوا بكلمةٍ واحدة لإدانة جنون السلطة، أو عينوا لجنة غير حكومية للكشف عن الحقائق من أجل ازجاء بصيصٍ من النور لتبصير عناصر الأمن الثّملة، بواجباتها الدستورية، أو علي الأقل تذكير حكام الجبهة القومية الاسلامية بالحاجة لتطبيق القانون بشئٍ من العقل. والنتيجة المحتومة لهذا الاهمال الشنيع، أن مزيداً من المواطنين الأبرياء يُسحقوا في خَبَل - يكاد يومياً - من جيوش الحكومة، وشرطتها، ومليشياتها، وربما كتائبا غيرها.

    المواجهات الجارية بين قوات الدولة المسلحة والمدنيين العُزلاء، مع ذلك، لم تتوقف أبداً عن الحدوث طوال سبعة عشرة عاماً متصلة من ما يدعى بثورة الانقاذ الوطني للجبهة القومية الإسلامية. علي ذات النحو، فرض نظام مماثل من طغيان السلطة وجوده بديكتاتورية الحزب الواحد وحكم الفرد الرئاسى لثورة مايو 17 عاماً، في كل أنحاء القطر، بالحديد والنار. وقبل ذلك، استولى المجلس الأعلي لثورة جنرالات الجيش علي السلطة السياسية سبع سنوات عجافاً، مارس خلالها نفس الصدام.

    لنستكمل هذه الصورة المأساوية لعلاقات الحكم، علينا أن نتذكر أن الحكم المصري- العثمانى للسودان في القرن التاسع عشر لم يكن سوى مجرماً تاريخياً يعاقر العنف ويؤسس أكبر استرقاق تدفع به الدولة في أوساط السودانيين. ومع أن الأشكال الظاهرة للرق حُرمت مؤخراً بواسطة نظام قانونى للاستعمار، فقد غرست الادارة البريطانية المتعاقبة مشروعات التنمية اللامتكافئة بممارساتها الاستغلالية في أنحاء البلاد، وصاحب ذلك تعميق علاقات الحكم المحلي الجارية علي أساس استعلاء المركز وممثليه علي الأقاليم والمحافظات في دوام.

    هذه الأزمة الجاثمة في صلب إدارة الدولة وعملياتها التنموية، أعادت بلا توقفٍ آثارها القاتلة في كل أوجه الحياة، سواء انطوت علي سياسات السُخرة المأثورة أم ارتدت لباساً جديداً في عهود ما بعد الاستقلال: مثال ذلك، مرتبات الخدمة العامة والعسكرية وهياكلها الطبقية التي تواصل إفقار الأغلبية العظمى من الفقراء، بالرغم من النص القانونى المانع لذلك الافقار، تماما مثلما كان الحال عليه في عهود الاستعمار الامبريالية.
    لقد تصاعدت الأزمة لاحقا إلي مستويات أعلي من قمع الدولة للجماهيرعن طريق الاحكام التسلطية وتَغَنُج الأمن بسوء استخدام السلطة في ظل حكومة الجبهة القومية الاسلامية الإرهابية. إن الجبهة أمعنت في مسلسلات الرعب باثارة النزاعات القبلية وتأجيجها بقوات الدفاع الشعبى، وعصابات الجنجويد قطاع الطرق، وغيرهم من المليشيات العرقية والاقليمية في شمال السودان وجنوبه بدعم الحكومة المباشر. كل هذا الفساد في الأرض وسفك الدماء هدفت به الجبهة في فشلِ دائم اخضاع المعارضة الشعبية الصامدة، واستحواذ إحساس فارغ بملكوت الدولة ووحدتها، وهو ما يدل علي ديمومة الأزمة المغروزة عميقاً في هيكل الحكم ووظائفه، وعلاقات الدولة بالشعب، جيلاً وراء جيل.

    إن تجذر الأزمة يعود قطعاً الى السياسات المشينة لاسترقاق البشر التى ثابر عليها خديوى مصر محمد على باشا وخلفاؤه، لهثاً وراء الاستعباد والذهب منذ عام 1821، حتى اندلاع الثورة المهدية الوطنية التي سحقت "رسمياً " هذه الممارسات بنجاح؛ ولكن نفس النزوع إلي انماط التسلط والاستبداد وغَنَج الأمن تواصل كوسيلة من أقوى وسائل التحكم واستحصال الثروة في كلٍ من العهود الاستعمارية وما بعد الاستقلال.
    أما تمسك الدولة السودانية بالعنف والغلظة في ردع الجماهيربسلطات المركز الشمولية، فقد أعاق علي الدوام التطبيق المبدئي الصحيح للاجماع القومى علي حل القضايا التي يتشوق الشعب السوداني المناضل لمعالجتها. أضحي العنف الحكومى أداة لاقرار الحكم وتثبيته لمواجهة نضال المدنيين، والعقلية المدنية، والمعارضة السلمية، والاستقلالية التنظيمية للمجتمع المدنى الشعبي. إن اتفاقات المركز مع الجنوب لم تفشل وحسب في تأمين الحد الأدنى من معاير الاستقرار السياسى، والتدابير الاقتصادية، والتعاون العسكري، كمثال؛ ولكن أكثر الاتفاقات تطوراً، وهي اتفاقية السلام الشامل تعرضت، علي قدمٍ وساق، وبشكلٍ متوقعٍ تماماً، لاختبارات من نفس الأعراض القاتلة لعلاقات الدولة المريضة بالشعب.

    لقد أكدت أهم البنود من قبل طرفى الاتفاقية الحاكمين، وبالتدريج، على آليات السلطة المركزية، وتغَنُج الأمن، والبأس العسكرى للجيش والقوات النظامية. أما أرقى بنود الاتفاقية الرامية الى تعزيز الوحدة الوطنية بين جزئى الوطن السودانى بتوفير الخدمات الاجتماعية وتأميناتها الحيوية، والارتقاء بحركة حقوق الانسان وتمتع الافراد والجماعات بها، وبناء الجسور الديمقراطية بين وحدات الحكومة وجماعات المجتمع المدنى فقد تهاوت ببساطة إلى المرتبة الأدنى في أجندة التطبيق.

    وتماما مثلما حدث خلال ستين عاماً من الامبريالية المصرية العثمانية علي السودان، وما تبعها من حكم المهدية الوطنى، والإدارة الاستعمارية البريطانية، وحكومات وأنظمة ما بعد الاستقلال، لم يُتخلى قط عن اجترار عين السياسات والأدوات والوسائل المو######## من عنف الدولة ودعمها بالأموال المركزية ومفاسد السلطات - بدلاً من تقوية المجتمع المدنى بوصفه الكفيل الحقيقي للدولة واستقرارها وعدلها ونمائها. ولهذه الأسباب، استمرت نفس سياسات الافقار وممارسات الأنظمة القديمة في الأزمان الحديثة، مصدراً ولوداً لمناهضات الشعب للحكومة، مصحوبةً بحالة من إفتقاد الثقة في مسئولى الدولة، والمصادمات الدائمة بين المدنيين وبنادق السلطة.
    شهدت علي هذا الصراع بالتأكيد انتفاضتا أكتوبر 1964 وأبريل 1985، اللتين أطاح بهما الشعب بديكتاتوريتى الفريق عبود والمارشال نميرى، واحدةً من بعد أخرى؛ إلا أن الحكومات المنتخبة ديمقراطيا، قصيرة الأجل، اندفعت للتمتع بنفس العلاقات العليلة ما بين المركز والمحافظات. وبالتالى، قاد الموقف الي تجدد الحرب الأهلية وتهالك الحكم، ومعاودة التدخل العسكرى بلا مانع يُذكر في السلطة المدنية.
    وإلى وقت قريب، كان السؤال الدائر بإلحاح هو: كيف تُحَقّق النهاية لهذه الحلقة المفزعة من مركزية الدولة في مواجهة التهميش الحاصل بحق حكومات الأقاليم؟

    إن العنف المتطرف الذى اشترعته الجبهة "الإسلامية" المزعومة لقمع معارضةٍ لا تستكين لحاكم، أياً كان، أضافت بعداً جديداً للأزمة التاريخية الواقعة؛ وهي لجوء القيادات السياسية لاستعمال أشد تدابير الأمن تطرفاً وقسوة لسحق كل مظهر أو عََرَضٍ للمقاومة الشعبية، في الساحة الجماهيرية، أوالثكنات العسكرية والنظامية علي حد سواء. ومع كل ذلك، لم يتوقف إطلاقاً عناء ضباط الجيش السودانى والشرطة وجنودهم من المتنورين المهمومين بقضايا الشعب والوطن فكرآً وعملاً، عن دعم الحركة الجماهيرية السودانية، من أجل نظام مستقر وناجز علي أكتاف الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية المتكافئة لكل الأمة، في كافة أرجاء الوطن.
    شرطة السودان وقواته المسلحة شاركوا يقيناً المعارضة العارمة للحركة الجماهيرية منذ أيام الحكم التركي المصري والمهدية، إلي عهود الاستقلال ومشارف القرن الحادي والعشرين الراهنة. هذه المعارضة النافذة قادها في تماسك عمال القطر ومزارعوه عبر تشكيلاتهم المجتمعية أو النقابية منذ عشرينيات القرن الماضى إلى اليوم.
    وفي هذا الصدد، لعبت قوات الدولة النظامية دوراً في منتهى الأهمية للاطاحة الحاسمة بأنظمة الاستبداد الديكتاتورية، برفضها الحازم للتصدى بالعنف لإجهاض حركة المعارضين المدنيين. وفي هذا الشأن، يذكر الشعب دائماً الوقفة الوطنية المجيدة لعلي عبداللطيف وعبدالفضيل الماظ (1924)، وهاشم العطا وفاروق حمد الله (1964)، وعثمان بلول ورفقائه (1985) علي سبيل المثال، لا الحصر.

    إن الفريق أول فتحى أحمدعلى، القائد العام الشرعي للقوات المسلحة السودانية، الذي انقلبت عليه الجبهة القومية الإسلامية بعسكرها الخائنين لشرف الجندية السودانية في يونيو 1989، لهو مثال الأمل المتجدد المشرق لتطوير عقلية مدنية متفتحة في جيش السودان والقوات النظامية من أجل أن : (1) تضع نهاية ثابتة لتدخل العسكريين في السلطة المدنية؛ (2) تحقق الديمقراطية في المؤسسة العسكرية كمؤسسة دستورية راسخة؛ و(3) تدعم عملية السلام والعلاقات السودانية - الدولية معافاةًَََ من المبالغات والاستهتار بالشرعية الاقليمية والدولية المرعية.

    ولكيما يمنع تدخلات العسكر في السلطة المدنية، رفض القائد العام الراحل في وطنية صادقة ُمطّهرة من الأغراض الحزبية والفئوية الضيقة أن ينقلب علي السلطة المنتخبة دستوريا في عام 1986 برئاسة الصادق المهدى. إن الفريق قاد حركة مدنية، بدلاً عن الانقلاب، في داخل الجيش؛ وهي التي أصدرت تحذيراً وطنياً عاماً للحكومة كي تسرع بانجاز السلام بالتصديق علي اتفاقية السلام السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. وكان من تداعيات هذا الموقف الوطنى الذى ترأسه الفريق أن أنشأ رئيس الوزراء المهدى حكومة للسلام والوحدة الوطنية بمشاركة كافة الأحزاب المسئولة، عدا الجبهة القومية الإسلامية التي كانت تخطط سلفاً لتدمير الحكم الديمقراطي قبل ذلك الاتفاق القومى الجامع، كما حققت بالفعل فيما بعد في يونيو 1989.

    تولى الفريق أول فتحي أحمد على أعباء القائد العام في القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، استُخَدم قبل إنقلاب الجبهة إستخداماً تقدمياً فذاً لتأسيس علاقات دستورية متماسكة بين القيادة العامة للجيش والقيادة السياسية للدولة. لقد كان الفريق شديد العناء بتدهور الوضعية المهنية للجيش والأمن في ظل ديكتاتورية نميرى، الأمر الذي تطلب في ظل الدستور والحكم الديمقراطيين انشاء جهازجديد لأمن الدولة السودانية، ديمقراطى البنية والأداء، موقراً للإرادة السياسية للجمعية التأسيسية، أو البرلمان المنتخب؛ وقد أديرجهاز الأمن الجديد بالانتداب من ضباط الجيش.

    إن المهدي يجب أن يُحْمَد له إتخاذ حكومته المنتخبة لقرارات تحويل جهاز الأمن الاستبدادى إبان طغيان نميرى إلى مركز مهنى للمعلومات لا يملك سلطة للقبض أو الايداع، دع عنك ممارسة عنف الدولة لإخضاع المدنيين ومصادرة أنشطتهم العامة كما يحدث الآن يومياً من ديكتاتورية الجبهة الممقوتة.

    ولسوء الحظ، تحت ضغوط مشددة من تحالف الجبهة الاستراتيجي مع حزب الأمة، لم تقم حكومة المهدى المنتخبة (1986 - 1989) بتطبيق روح المدنية الديمقراطية في إتخاذ القرار الحكومى للاسراع بعملية السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان؛ من ثم أضحي إصرار القيادة السياسية للأمة والجبهة لتجنيد المليشيات بدعم الدولة المالى والعسكرى واعترافها المعنوى تقويضاً فعليا للقيادة العامة للجيش السودانى وتوجهاتها الديمقراطية الدستورية المتعمقة؛ فصارمن ضمن ردود أفعال القيادة المتنورة المثمنة بمصلحة البلاد العليا وحس حركتها الجماهيرية النابضة إصدارها لبيان فبراير 1988 داعيا الحكومة للوصول الي كلمة سواء بشأن الحركة الشعبية من أجل السلام، والعدالة الاجتماعية، ووحدة الوطن، والكف عن استراتيجية تأليف المليشيات الهدامة أو دعمها.
    هنالك من المعلقين من اعتبر بيان الجيش، وعلي وجه التخصيص في ذلك الموقف، تهديداً مدمراً للنظام الديمقراطى إذ أنه أفسح الطريق في رأيهم لإنقلاب الجبهة. إن قراءة متأنية لنص البيان، مع ذلك، تبين أن عقلية الفريق فتحى المدنية وكافة رفقائه الوطنيين الديمقراطيين وفرت أفضل تقييم موضوعى ممكن لإنهاء خراب الحرب الأهلية، وتبنى اتفاقية السلام السودانية وتطبيقها (بما في ذلك تجميد قوانين شريعة نميرى الجائرة التي تسلقت بها الجبهة سلالم السلطة، الي جانب إلغاء الأحلاف العسكرية التي أبرمها الشمال ضد الجنوب)، وإزالة العزلة الدولية للحكومة التي مَثّلت أخطر تهديد لمصالح الأمة السودانية، وسيادتها، ووحدتها.

    واليوم بعد 17 عاماً من إنذار القوات المسلحة للقيادة السياسية للسودان لاعادة ترتيب سياساتها الداخلية والخارجية لصالح السلام الدائم والاستقرار السياسى، تحيط بالوطن أوضاع أشد صعوبةً وخطراًََ: فأداء حكومة الوحدة الوطنية الراهنة وحكومة جنوب السودان الوليدة "غير ناجز"، في أفضل الحالات، إن لم يكن فاشلاً فيما يتعلق بآفاق اتفاقية السلام الشامل وتوقعاتها المأمولة.

    نَشبت دورة جديدة مستّعرة من العنف المتطرف بين السودانيين وأجهزة الحكم القمعية، يتصاعد حريقها في كل يومِ وفقاً لنفس الأغراض والأسباب التي أشعلتها آنفا في الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي: الانعزال المفروض علي جماعات المجتمع المدنى وأحزابه المعارضة؛ الاحتكارالمهووس للسلطة من حزبِ حاكم؛ الأزمة المستحكمة بين الحكومة من جهة والأمم المتحدة وحكومة الولايات المتحدة والمجتمع الدولى برمته المؤيد لعملية السلام من جهة أخرى؛ والاعتماد المطلق من الطغمة الحاكمة علي الشرطة والأمن والقوات المسلحة لاستدامة الاحساس الفارغ بالسيطرة والقدرة الوطنية لتحدي النظام الدولى، كذباً ونفاقاً من ثلة التنكرقراط الذين يديرون الدولة هذه الأيام.

    كل هذه النفقات والمنصرفات الباهظة علي سياسات الرعب الساقطة استنزفت خزانة الدولة السودانية وامكاناتها، والكارثة أكبر بالنسبة للصفقات المالية فاقدة الحس والضمير لمشروعات السلاح مع الصين وروسيا دعماً لعنف النظام الحاكم لقمع الجماهير المعارضة في دارفور ومنطقة كجبار وسائر أرجاء البلاد.
    حكومة الأخوان المسلمين لا تسمع نصحاً من السودانيين في شئون الحكم، بما في ذلك المقترحات المعقولة من أعضاء التجمع الديمقراطى والحركة الشعبية في المجلس الوطنى الذى وُضع بكل أسفٍ تحت سيطرة حزب المؤتمر القومى للجبهة القومية الاسلامية بموجب اتفاقية السلام الشامل.
    ومع هذا، لربما تستمع حكومة جنوب السودان للناصحين؛ فهي، حكومة الجنوب، عليها أن تبدأ في تمدين الجيش الضخم والمليشيات التابعة له في الجنوب (وهو يصرف تقريباً 60% من ميزانية حكومة الجنوب). وهذا يعنى أن كل من يتلقى راتباً في الجيش الشعبي ومليشياته، بصرف النظر عن الرتبة، من الخير لهم وللجنوب والسودان ككل أن يقدموا مقابل المرتبات والامتيازات عملاً زراعياً منتظماً أوغيره من الأعمال المدنية الضرورية لخدمة الشعب، في نفس الوقت الذي يكون ممكناً فيه استدعاءهم للخدمة العسكرية أو الاحتياطى.
    المعروف جيداً ان الراحل الدكتورجون قرنق، بخبرته الأكاديمية في التنمية الزراعية، كان شديد الاهتمام بامكانية تطبيق مثل هذه الاستراتيجية التنموية لتسهم في تقوية النشاط الزراعي والثروة الحيوانية في الجنوب، بدلاً من توجيه كل برامج الحكومة لقطاع المعادن والبترول. إن النظر الي هذه النصائح بعين الاعتبارمتروك لمتخذى القرار في حكومة الجنوب الذين يُدعَون أيضاً إلي الاستعانة بالخبراء من غير أعضاء الحركة الشعبية من الجنوبيين وغيرهم.

    ليس هناك طريق سهل للتغلب علي أزمة حكومة الخرطوم المركزية، كيفما كان الحال. والحق يقال، أن عدة تناقضات برزت للسطح مؤخراً وزادته تعقيداً وعسرة: " فالدولة السودانية الحالية لا تدار من مركز وطنى، أى من حكومة تسيطر عليها أحزاب وطنية تحاسبها علي أدائها قاعدة شعبية داخلية؛ فالجبهة وحزبها الحاكم جزء عضوى يأتمر، ولا فكاك، بمؤسسة الاخوان المسلمين الدولية، وهى هيئة عالمية خارجية تدعم بالعنصر البشرى، والأيدولوجية، والمال أعضاءها من الجماعات في أنحاء العالم المختلفة بما في ذلك أحزاب سياسية وبيوتات اقتصادية ومالية، بما فيها الأجهزة الحكومية لنظام الجبهة القومية الاسلامية في السودان وغيره.
    هذه المؤسسة الأخطبوطية تُراقب وتُدعم من إيران. ويتذكر السودانيون، كمثال، الاعلانات الحمائية من رفسنجانى "للجمهورية الاسلامية" في السودان منذ أوائل التسعينيات، في تجاهل مستفز لنضال الشعب السوداني العنيد لإزالة نظام الجبهة العميل.

    ثانياً، لقد تم نقل الغَنَج الأمني وتفسخه الأخلاقي بفوضويته وازدرائه بالشعب السوداني الكريم ووطنه العظيم الي الساحات الإقليمية والدولية من حكام الجبهة وبكل استهتار لاحباط الحركة الجماهيرية السودانية ومجتمعها المدنى: فمنذ استيلاء الجبهة علي السلطة في يونيو 1989، سنين من قبل اندلاع أزمة دارفور في فاتحة القرن الحادي والعشرين، سقط رئيس الدولة وكافة خبراء حزبه ومستشارى شئونه الخارجية في دوامةٍ من العلاقات المهلكة مع الأمم المتحدة، والقطب الدولي الولايات المتحدة، وغيرهم من الدول المعنية بديمقراطية القطر وسلمه.
    وفي إدارته لهذه السياسة العبيطة، أظهر الرئيس ومعاونوه عرضاً خطيراً للأمن، يحتوى تعاوناً إنتهازياً قصير الأجل "لمحاربة الإرهاب" مع قوي الخارج. إن نفس الرئيس وجماعته وجبهته يمارسون في الداخل أشرس معاملات الارهاب بحق مواطنيهم.

    ما من شك، أن السودانيين يرعون الحاجة العالمية لمحاربة الارهاب اقليمياً ودولياً؛ ومع ذلك، ولأنهم هم انفسهم ضحايا مباشرين لرعب حكومة الجبهة واستهتارها البالغ بالقانون، فانهم لا يثقون البتة في صدق المعلومات التي يحشو بها أمن الجبهة عقلية الأجهزة الأمنية في الخارج أو الداخل.
    السجل الردئ لقيادة الجبهة السياسية والأمنية ينبئ عن نفسه، ولا يحتاج تعليقاً: فالتورط ثابت للجبهة في المؤتمر العربي الشعبي الاسلامي وعلاقاته الوثيقة مع بن لادن وجماعاته لتخريب دول عربية وافريقية عديدة في أوائل التسعينيات، مع محاولة الاعتداء علي حياة الرئيس حسنى مبارك في منتصفها، والهجوم المتكررعلي تشاد وافريقيا الوسطى في نطاق ممارسات غير دستورية وتجاوزات دموية للسلطة في دارفور ومحافظات عديدة أخرى.
    بالرغم من هذه الصورة الكالحة المخيفة، يواصل المجتمع السودانى بتركيبته القائمة علي المساواة وتبجيل العدل تحدي مظالم الحكم في بسالةٍ لا تعرف الخوف؛ وقد هَبّ الجنوبيون وأهل دارفور والبجا والمناصير والنوبيون منذ فترة قصيرة يواجهون هيمنة الجبهة القومية الاسلامية علي الدولة في غضب، ويضحون بالأرواح الغالية والممتلكات، ويواصل الشعب في كل مكان نضالاً قاسياً للاطاحة بجبروت الطغاة. أضف الي ذلك أن عزيمة الشعب لن تكل أو تمل في دعوة هيئة الجيش والشرطة من الوطنيين الديمقراطيين داخل الأجهزة، أو من فُصلوا منها بلا حق للوقوف الحازم إلى جانب الحركة الجماهيرية التليدة للقضاء علي مظالم الدولة، تماماً مثلما فعلوا في انتفاضتى أكتوبر وأبريل في مواقفٍ يعيد التاريخ كتابتها في تعظيم.

    هنالك أمل قليل جداً في أن نظام الجبهة المتعطش أبداً للسلطة، وقد ولغ في دماء الشعب وتلطخ بها لما يقارب عقدين من الزمان للاحتفاظ بالسلطة بأى ثمن، سوف يغادر في سلام كراسى الحكم وفقاً لانتخابات ديمقراطية تراقب بدقة، وطنياً ودولياً، خلال عام أو ما يزيد. فالجبهة تخندقت في غياب الرقابة الداخلية والخارجية الصاحية، ولملمت أنواعاً مختلفة من التسليح، والمليشيات وعصابات الأمن، وقوات الدفاع الشعبى من أجل البقاء في ترف السلطان. وتُحكم قبضتها باستمرار سلاحاً فتاكاً من الصين وروسيا مقابل مبيعات البترول المنهوبة.
    ومع انطباق مشاعر الكراهية والعداء علي نظام الجبهة في كل قرية في السودان، تغص شوارع المدن بآلاف المفصولين من ضباط القوات المسلحة وغيرهم من قوات الشرطة والأمن منذ طردهم من العمل بانقلاب الجبهة في 30 يونيو 89. وتنضم إلى هذا الجيش المفصول جماعات وأفراد من المفصولين الآخرين يوميا يكادً. معظم الضباط المفصولين وجنودهم كوادر مقتدرة تلقت أفضل تدريب في الجيش، والشرطة، والأمن والمصالح النظامية المختلفة قبل انقلاب الجبهة. ولكن الحكومة ترفض اعادتهم للخدمة أو تعويضهم بعدل.

    كثير من المحالين للمعاش تدربوا علي يد القائد العام الراحل وقادة الجيش والشرطة الشرعيين، سنوات طويلة قبل 1989، ليحترموا دستورية الحكم (الذى تمثله اليوم إتفاقية نيفاشا للسلام الشامل والدستور الانتقالى). ولقد تعلموا أيضاً إحترام حكم المدنيين، والتعامل بشرفٍ ووقار مع القوى الاقليمية والدولية. إن الدور الذى يقع على عاتق أولئك الذين تتلمذوا على يد الفريق أول فتحى أحمد لإنهاء عذابات مواطنيهم والشقاء المضروب علي أوطانهم دون أن يستولوا علي السلطة من أجل مصالح شخصية أو حزبية، التزاما بالشعب والوطن، ووفاءا بمبدأ القائد الديقراطى الحكيم، يظل أملاً ممتداً، يرقبه العيان.


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de