|
|
 قصة قصيرة .......... أ. شامة ميرغني عبدالكريم
|
كان عبد العزيز أرقا متوترا مشدودا في تلك الليلة والجو الملتهب لم
يفلح مكيفه الخرب الصدئ في تلطيف حرارته00 بصق السفة ( تتفف ) كأنه يبصق كل النقاش الذي دار في الجمعية تمدد علي فراشه وحاول أن يغمض عينيه وينام غير أن كلمات محمود اخترقته من جديد كسهم طائش
- أنت بالذات يا عبد العزيز ما تتكلم والله كان ما مرتك أنت ما كان عملت البيت ده
-يآخي روح بلا مرتك أنت لما كنت نايم في الجمعية دي و أنا شغال وديني طالع كان عشان شنو ؟ ما كان عشان البيت الزفت ده يتبني وألا انتو تنومو00 وتجو تقولوا المرأة! مرة شنو ؟وقاطعه حسن ببروده المعهود وصوته الذي يقطر ثلجا الأمر الذي زاد من كثافة عبد العزيز وارتفاع حرارته
- أنت يا عبد العزيز خالص ما تتكلم
- ليه ما أتكلم
- أنت يازول مرتك شغالة
- شغالة؟ شغالة بتأخد كم يعني؟
- أنا ما بعرف بتآخد كم 0 لكن كان ما بت عمتي أنت بيت زي ده في المنام ما بتشوفو
- ياخي روح بت عمتك شنو؟ أنت وبت عمتك تحت جزمتي دي
وتدخل محمود
-يا زول ما تشتم ساكت علي الحرام مرتك أحسن من راجل
في هذه اللحظة دخل زائر فانقطع حبل النقاش عند هذا الحد0
غادر عبد العزيز الجمعية وهو يرتجف من الغضب والغيظ
كان عبد العزيز محسودا منذ طفولته من أبناء قريته دائما ينسى عبد العزيز إن هذه الشلة تكالبت عليه عندما تفوق في امتحان الشهادة الابتدائية وأوسعته ضربا وينسى أيضا أن محمود كان يردد :
-تجي الأول ليه؟ أنت أرجل مننا!!؟
تباعد عبد العزيز من الشلة خوفا ألسنتهم اللادغة كما العقرب0 التصق عبد العزيز بخاله مما ساعده علي مواصلة الدراسة 0
استمرت الشلة تمارس الشغب وتجتمع كل ليلة للتعليق علي جميلات القرية ونساء المغتربين والخوض في أعراض الناس بما حدث وبما لم يحدث كانو يضيفوا من نسج خيالهم المراهق00 أشياء تمنوا لو أنها تحدث مثل اكاذيب حسن الذي كان متيما ببنت الناظر:-
-علي الطلاق لقيت مها بت الناظر جاية من المدرسة عاينت لي عين يازووول 00وبعدين أشرت لي مشيت عليها قالت لي انا –عايزاك تجينا في البيت قلت ليها خير قالت لي
أنا قاعدة براي وبخاف وقالت أنت عارف يا حسن أنا بحبك قدر شنو ويقاطعونه بلهفة
- ومشيت لها ؟
- ليشن أنا مجنون!!!
- والله كان تمشي
- يا زول حجاب الله مالي ومال المشاكل........ والله يا جماعة الله البت راقد فيها شعر!والعيون يا زوول كهارب المينا بس ولونها من الله خلقني ما شفت زي لونها 0برتكان بس0 عارف يا زول يوم كدى سلمت عليها ايدها صاااقطة وبلا الحرير؟00
كانت القصة كلها من نسج خياله ولو علمت بنت الناظر ما يدعيه حسن لأبلغت والدها ولقطعه والدها إربا اربأ!
ظل حسن يؤلف الحكايات عن بنت الناظر التي أضناه غرامها الي أن نقل الناظر من مدرسة القرية فزعم أنها راسلته وأصرت الشلة أن تري الخطاب فأسقط في يده وأنكشف أمره0
يمتد الأنس بالشلة دائما إلي وقت متأخر من الليل مرت الأيام 00كبروا قليلا فأخذوا يقلدون الكبار000 ذهبوا إلي بيوت العرقي وجربوا السكر وجربوا أشياءأخري فشعروا بزهو الرجولة وانحصر تفكيرهم في الزواج وما من سبيل اليه الا السفر00
وبالطبع زهدوا في الدراسة00 كان عبد العزيز في نظرهم (أبله لا يفقه شيء )وهكذا لقبوه بعبد العزيز (كمبوشلوق) وتعني باللغة النوبية عبد العزيز البيض الفاسد!!!!
عندما التحق عبد العزيز بالجامعة كان منطويا علي نفسه في سنواته الأولى ثم انطلق بعد ذلك وصار كائن مؤثرا متفاعلا
التقي عبد العزيز بفتحية وكانت شابة بارعة الجمال استوطن أهلها العاصمة لأن اباها كان موظفا000 كانت فتحية تعمل في مجال التدريس و من نفس قريته وقد رفضت كل الذين توافدوا لخطبتها منذ أن كانت في مراحل الدراسة المبكرة وعندما قابلت عبد العزيز صدفة في احتفال أقامه النادي الذي يحمل اسم القرية اشتعل بينهم حب من النظرة الأولى وتمت الخطوبة وحقق النادي واحد من أجمل أهدافه !!!! وعاش العاشقان احلي أيام العمر ثم توج الحب بالزواج واستمرت الحياة هادئة وجميلة وزادت جمالا بإنجاب هاني ورؤى ثم أخذت أوجه الصرف تزداد والدخل ثابت وإن زاد فالسوق بالوعة وللسكن نصيب الأسد من الدخل والمستقبل قاتم فكر الشابان في حيلة يودعون بها الفقر وشظف العيش الذي بات يهددهم00 وأخيرا قررا التضحية (أن يفترقا )يسافر عبد العزيز شرقا لحين امتلاك سكن ورصيد لشراء سيارة وضمان تعليم جيد للأطفال
هكذا جاء عبد العزيز إلي هذه البلاد معتمرا وسكن في الجمعية مع الشلة التي سبقته إلي هذا البلد وأخذ بعضهم يظهر الشماتة ويؤكد قناعته بعدم جدوى التعليم لكن و لما كان عبد العزيز مؤهلا فقد دحض ظنهم ووجد عملا في فترة وجيزة واستخرج له صاحب العمل فيزة فسافر واشترى ارضا بالمبلغ الذي جمعه في تلك الفترة وعاد يعمل براتب مغري اما الشلة التي كان منهم السائق لأسرة والبائع في بقالة ومن يعمل في أعمال موسمية والعاطل عن العمل وهكذا هي أرزاق مقسمة و مرتبطة بالسعي ولكن هل هذا يمنع الحسد ؟ أخذ بعضهم يبالغ في إظهار الغيرة و الكراهية لعبد العزيز فرحل وما عاد يأتي إلي الجمعية إلا في حالات العزاء أوقدوم المسافرين وقد ذهب إلي الجمعية اليوم خصيصا لاستلام رسالة فتحية التي حزت صور البيت الذي اكتمل قريبا لم يفتح عبد العزيز المظروف الذي يحتوي الصور فكان ما كان!!! وأمضى ليلته يغلي كما البركان في الصباح الباكر رن الهاتف
- آلو
- 0000
- آلو عزوز أنا توحة
- ايوه عارف
- مالك يا عبد العزيز أنت عيان؟
- أنا شديد الحمد لله
- الصور وصلتك؟
- ايوه وصلت لكن لسه ما شفتها
- طيب شوفها نحنا يا عزوزي بقينا عندنا أجمل بيت في الحي وعلي فكرة نحن رحلنا يوم الجمعة زي ما قلت ليك وأنا امبارح شلت صرفة الصندوق بتاعة جعفر أخوى وأديتها للمقاول
- وليه تشيلي قروش الصندوق بتاعة جعفر ؟ أخدتي الأذن من منو والا أنا هنا طرطور
- ليه بتقول لي كده أنا عملت شنو؟
- العملتيه براك بتعرفيه أنا هسع ما فاضي للكلام الفارغ بتاعك ده وأوعي تاني تتصرفي بدون ما تستشيريني فاهمة والا لا
- عبد العزيز ما تفقع مرارتي وريني الحاصل شنو
- المهم أنا كلمتك البيت ده بيتي بنيتو بعرقي أنتي فاهمة الكلام ده وألا مافاهماهو؟ عند هذا الحد انتهى رصيد فتحية وانقطع الكلام وأمضت فتحية يوما كاملا في انتظار مكالمة من عبد العزيز لكنه لم يتصل 0 عندما ذهبت إلي فراشها بعد يوم حافل بالعمل داخل وخارج البيت أحست بكل السخف الذي ردده عبد العزيز يسرى في دمها كما السم ولم تنم ليلتها وعند الصباح الباكر اتجهت إلي التلفون
- الو عبد العزيز أنت عايز تكتلني؟
- ليه عملت ليك شنو؟
- كلامك القلتو وعدم اتصالك ؟
- اتصل عشان أقول ليك شنو ؟
- يا أخي علي الأقل تعتذر لي علي كلامك البايخ000
- اعتذر ليك ليه ؟ انتي فاكرة نفسك شنو انتي حتة مرأة لا طلعت ولا نزلت والبيت البتتكلمي عنو وترسلي لي في صورو ده بيتي انا بنيتو بعرقي ده(خرط جبهته بيده كأنها تراه!!) وإذا أنتي أو أخوك دافعين فيه قرش انا مستعد أحاسبكم بالمليم
- اسمح لي أقوليك إنت يا سكران يا جنيت وأنا ما قايلة ده يكون آخر جزاي وأنا ندمانه علي كل دقيقة ضحيت بيها عشانك وخالص تاني ما حأتصل بيك
- إنشاء الله عنك ما اتصلت ياشيخة!!
- أقول ليك حاجة يا عبد العزيز أنت لو قنعان مني الطلاق مالو ما حلال؟
- حلال
- خلاص بدل ما تفقع لي مرارتي كل يوم 0000 طلقني وأغلقت الخط وظل عبد العزيز يتأرجح بين غضبه وافرازات جينه الوراثي الذي لا يرضيه حشر أنثاه في المواضيع بهذا الشكل!!! وبين ما كان يكتمه منذ الطفولة من معاناة مع هذه الشلة طفا كل هذا علي السطح ولم يعد عبد العزيز قادرا علي التفكير لكنه ظل ينزف كلما تذكر إن فتحية طلبت الطلاق فيحكم وضع السفة يردد وهو ينفض يده من بواقي التمباك:-
- مسخرة وكلام فارغ فاكرة نفسها شنو؟ (محاكيا نبرتها) طلقني 000 والله بالله نجوم السماء اقرب ليك
في اليوم الثالث رن جرس الهاتف في منتصف الليل وجاء صوت جعفر واهنا تعبا
- آلو عبد العزيز ازيك
- أهلا أهلا جعفر
- عبد العزيز فتحية دي تعبانة شوية وهسع دخلناها المستشفي وحيعملو ليها عملية مرارة بكرة
- لا اله الا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله مرارتها انفقعت؟ فتحية مرارتها انفقعت آخ أنا السبب أنا السبب
- يا راجل أجمد المسألة بسيطة بإذن الله
-بسيطة ؟ بسيطة كيف اديني ليها انا داير اكلمها
-والله انا حسع خارج المستشفي
0 طيب ما ممكن ترجع ؟
- لا ما ممكن الوقت متأخر وما بسمحوا لي بالدخول تاني يا زول صباحات الله بخيرها المسألة بسيطة مع السلامة لبكرة
أخذ عبد العزيز يدور في الغرفة يبكي ويردد كالمعتوه أنا السبب 000 أنا السبب لو حصل ليك شيء ما حسامح نفسي 0 أنا السبب أنا الفقعت مرارتك ده أبدا ما كان جزاك يا توحة آه يا هاني آه..... انت وين يا رؤى؟ نمتوا وين؟ ومع منو؟ آه يا فتحية آه..... ولم ينم حتي أذن الفجر فصلاه حاضرا لأول مرة وأستغرق في الدعاء بمفردات لم يجربها من قبل ثم أسرع يتصل بصاحب العمل ويطلب إجازة إضطرارية وعندما سأله كفيله عن السبب بكي عبد العزيز منهارا وجاءه صوت كفيله وطمأنه
- زين زين يا رجال ما يصير إلا خاطرك متي تريد تكون في السودان
- اليوم طال عمرك اليوم لو في طريقة
- اليوم ايش الربوع؟ في طيارة أقولك يا شيخ اسبقني علي المطار !!
عند العاشرة وقبل دخول فتحية غرفة العمليات بخمس دقائق فقط كان عبد العزيز هناك يعتذر مبللا يديها بدموعه .
|
|
 
|
|
|
|
الرفاعي عبدالعاطي حجر
سيف الدين عيسى مختار
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست