من خسر معركة رئاسة الإتحاد الأفريقي : السودان أم حكومته؟! د. فتح الرحمن القاضي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 05:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بكرى ابوبكر(بكرى ابوبكر)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2007, 09:18 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من خسر معركة رئاسة الإتحاد الأفريقي : السودان أم حكومته؟! د. فتح الرحمن القاضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    من خسر معركة رئاسة الإتحاد الأفريقي : السودان أم حكومته؟!



    إحتفت الخرطوم كثيراً بالتصريحات الرسمية الأمريكية ، البيت الابيض ووزارة الخارجية، والتي تفيد أن أمريكا ليس لديها مانع من تولى السودان رئاسة الإتحاد الأفريقي هذا العام ، كما أنها لا تنوى التدخل للحيلولة دون حصول السودان علي المنصب. التوق العارم للحصول علي المنصب ليس بخافٍ علي أحد ذلك أن السودان ما برح يعول كثيراً علي منصب ريادي كهذا للخروج من طوق العزلة التي يشكو منها طامحاً في أن يكون نيله للرئاسة مفضياً الي تعضيد موقفه السياسي والدبلوماسي في منظومة الاتحاد الافريقي. غير أن محاولات السودان ليتبوأ موقع الرئاسة اصطدمت من قبل بموقف اكثر من رئيس او تجمع افريقي ابدوا تحفظاتهم، بل رفضهم الصريح، لترأس السودان للاتحاد في دورته الحالية. مبعث تحفظ القادة الافارقة علي مبدأ ترأس عمر البشير للاتحاد يكمن في كون السودان لا يصلح لشغل منصب كهذا وهو يشهد علي المستوي الداخلي حرباً ضروساً في دارفور كانت لها إفرازاتها الوخيمة علي المدنيين من قتل وتهجير ونزوح ولجوء غير مسبوق في تاريخ الاقليم، علاوة علي الانتهاكات الجسيمة التي صاحبتها في حق الانسان لا سيما النساء والاطفال.
    اما علي المستوي الخارجي فقد كان تحفظ القادة الافارقة الذي عبر عنه اكثر من رئيس خلف كواليس القمة ابتداءا من الخرطوم وانتهاءا بأديس يتمثل في ان السودان ليس متهما فقط بالتقاعس في حل مشاكله وازماته الداخليه في دارفور وغيرها فحسب، وانما هو متهم ايضاً بتعكير صفو علاقات الجوار الاقليمي فهنالك اكثر من جار مازال يجأر بالشكوي من تدخل سافر للسودان في شئونه الداخلية إذ ما تكاد تهدأ شكاوي ارتريا حتي تنشأ شكاوي يوغندا لتتلوها شكاوي اكثر حدة من قبل تشاد بدعم فصائل المعارضة علماً بان تشاد كانت حتي عهد قريب تعتبر حليفاً مقرباً للنظام الحاكم في السودان وموئلا لجولات التفاوض مع حركات دارفور المسلحة الامر الذي حدا بقادة الحركات وقتذاك للمطالبة بنقل مقر التفاوض الي اديس او ابوجا وهو ما حدث بالفعل، فماذا حدث من بعد ليشهد الموقف التشادي تجاه السودان هذا الانقلاب الفجائي؟!! .
    إذاً فقد تضافرت عوامل عديدة في قمة الخرطوم لحرمان السودان من رئاسة كان يرجوها ويتطلع اليها، ولا يمكن بالطبع استبعاد العامل الدولي الذي تمثل امريكا ذروة سنامه حيث كان الدور الامريكي ملموسا وحاضرا في قمة الخرطوم. ولكن رغم أهمية التأثير الدولي وفاعليته في ارجاء تولي السودان للرئاسة ولو الي حين الا ان العوامل الاشد تأثيراً في اضعاف حظوظ السودان لنيل الرئاسة تكمن في مواقف السودان نفسه.
    ذات العوامل التي أفضت الي حرمان السودان من الرئاسة في قمة الخرطوم كانت حاضرة ، وربما بطريقة أكثر تأثيراً، في قمة أديس التي قصدها الوفد الحكومي مطمئناً وهو يتأبط وعداً غير مضمون من قمة الخرطوم السابقة يخوله تولي منصب الرئيس في الدورة الحالية للاتحاد ولكن من يفي هذا الزمان بوعده!!، وقد كان واضحاً للعيان ان الوفد السوداني استكان، فيما يبدو، الي الاشارات الامريكية المضللة التي حاولت إضفاء صفة الحياد علي الموقف الامريكي تجاه قضية الرئاسة ليفاجأ بموقف لا يحسد عليه في دهاليز القمة وقاعاتها العامة والجانبية.
    بقاء الاوضاع في البلاد، التي أفضت ابتداءا الي خسارة السودان لمنصب رئاسة الاتحاد الافريقي، علي ما هي عليه ان لم تزدد سوءاً، وتزايد ضغوط المنظمات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني الوطنية والدولية، الي جانب التحضير السيئ الذى واكب عملية التحضير للقمة افرز ، بلا شك، العديد من الفجوات القاتلة علي شاكلة ما اشار اليه الصحفيان النابهان عبد المنعم أبو إدريس وأسامة أبو شنب في جريدة الصحافة في الثاني والثالث من فبراير علي التوالي.
    ومع بداية العد التنازلي لانعقاد القمة تسارعت وتيرة الصراع حول قضية الرئاسة بين الحكومة السودانية، التي لم تشحذ اسلحتها لخوض المعركة، وبين مناوئيها الذين احسنوا استثمار المواقف كافة لمصلحتهم. وفي هذا السياق كان رهان السودان الخاسر علي الموقف الامريكي باشاراته المضللة، أحد العوامل الحاسمة في اسقاط السودان وارباكه علي نحو غير مسبوق في سباق الرئاسة!!؟.
    وفيما كان السودان يبدو متصلباً عشية القمة بانه ينبغي أن يتولى الرئاسة على الرغم من مجموعة المطالب من جماعات حقوق الانسان الوطنية والدولية والمجتمع الدولي التي نادت بابعاده بسبب ما يجري في البلاد وفي مقدمتها أحداث دارفور ، كانت الضغوط آخذة في التصاعد لمنع السودان من ادارة المنظمة التي تقوم قواتها لحفظ السلام بمهمة لانهاء العنف في اقليم دارفور.
    وقد سبق إنعقاد القمة بأيام تطوران هامان لا ينبغي إغفالهما من جملة العوامل التي أفضت لخسارة الحكومة لمنصب الرئاسة، أولي الموقفين هو عزوف الرئيس عمر البشير عن المشاركة في اجتماع القمة المصغرة التي انعقدت بليبيا في سياق التحضير لقمة الاتحاد الافريقي وكان من ابرز حضورها الزعيمان المصري والليبي. وقد أدى غياب البشير عن قمة ليبيا لاثارة حفيظة الرئيس الليبي معمر القذافي الي الحد الذي دفعه للعدول عن تحويل مبلغ خمسين مليون دولار سبق له ان تعهد بدفعها لتمويل قوات الاتحاد الافريقي بدارفور، ولا شك ان تطور كهذا يحمل في طياته مؤشر خطير علي صعيد العلاقات السودانية الليبية، فعلاوة علي ما يشكله فقدان مبلغ كبير كهذا من إضعاف وإفقار لقوات الاتحاد الافريقي التي تعاني في الاصل من مشاكل متفاقمة في تمويلها المتعثر، فإنه يشير بجلاء الي بداية تحول في الموقف الليبي إزاء السودان، وهذا ما حدث بالفعل إبان فعاليات قمة أديس حيث أشار الاستاذ الهندي عز الدين نائب رئيس تحرير آخر لحظة الي أدوار ملموسة لعبها القذافي من خلف الكواليس للحيلولة دون حصول السودان علي الرئاسة رغم ان الموقف المعلن لوزير خارجيته كان يشى بغير ذلك؟!!.
    أما التطور الثاني، وهو تطور لا يقل أهمية عن الموقف الليبي آنف الذكر، فهو موقف حكماء أفريقيا الذين لم يتوانوا عن شن حملة منظمة ضد رئاسة السودان منذ قبيل اسبوع من انعقاد القمة، وإذا ما أخذنا في الحسبان أن هيئة الحكماء الافارقة تتكون من رؤساء في وزن وتأثير رئيس جنوب افريقيا (أمبيكي)، ونيجيريا (أوباسانجو)، والسنغال (عبدو ضيوف) وما سواهم من الحكماء، أو المحكمين، فيمكن ان نتصور حجم التأثير الذي تشكله هيئة كهذه في عملية اتخاذ القرار الخاص بمسألة الرئاسة!!؟.
    ومع التئام القمة في اديس اتهم كوناري رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي في خطابه الافتتاحي الخرطوم بمهاجمة المدنيين في دارفور، وقال "نناشد حكومة السودان بوقف مهاجمة وقصف دارفور واعادة السلام بدلا من ذلك."
    أما المؤسسات الدولية المؤثرة في مجال حقوق الانسان من أمثال منظمة العفو الدولية فقد ذكرت بوضوح في بيان أصدرته عشية القمة ان الاتحاد الافريقي سيقوض مصداقيته اذا منح الرئاسة للبشير.
    وفى مواجهة هذه المواقف الرافضة لتولي السودان لمنصب الرئاسة فقد اكتفي الوفد الحكومي عشية القمة بإطلاق تهديدات صريحة، علي لسان المستشار الصحفي للسيد رئيس الجمهورية ، تشير الي ان السودان سوف يعلق عضويته في الاتحاد الافريقي إذا لم يف الرؤساء الافارقة بتعهداتهم التي قطعوها إبان قمة الخرطوم بمنح السودان منصب الرئاسة!!؟. بيد أن تهديدات السودان، الذى لم يحسن قراءة ملعب القمة علي نحو سليم، لم تسعفه مطلقاً في مباراة القمة بل علي العكس فقد عادت عليه بالخسران المبين حيث عدها الرؤساء الافارقة نوعاً من التهديد الاجوف الذي لا نفع ورائه ولا طائل.
    وما كاد الصباح ينجلي علي أروقة القمة، وهي تتهيأ لاسناد منصب الرئاسة لغانا، حتي تبين بالفعل أن تهديدات السودان تلك لم تكن سوى تصريحات جوفاء لم يقو قائلها علي الاستمساك بها. ولم يكن من مناص امام السودان، الذي بات يتحسس موقفه المتراجع ولكن بعد فوات الاوان، سوى التنصل عن موقفه المعلن ليتبني موقفاً جديداً في محاولة لإنقاذ ما تبقي من ماء الوجه في أروقة القمة، حيث صرح وزير الخارجية السوداني لام اكول لرويترز بأن السودان إقترح ان تؤول الرئاسة لغانا حتى لا تنجح العناصر الاجنبية التي تحاول تقسيم القارة حول هذه القضية وان الامر المهم هو اتخاذ القرار من أجل وحدة القارة!!؟. وهكذا ينطبق علي السودان المثل السوداني القائل (كان فاتك الميري اتمرمغ في ترابو)، فالكل يعلم تمام العلم أن السودان الذي ينتمي جغرافياً لمجموعة شرق افريقيا التي تضم كلا من اثيوبيا، ارتريا، كينيا، جيبتي، الصومال وتنزانيا ما كان له أن يتنازل طواعية عن الرئاسة التي من المفترض ان تؤول هذا العام الي مجموعة شرق افريقيا الا مضطراً ومكرهاً، وأن مسألة ترشيح غانا هذه التي يلتمس الوفد الحكومي بها مخرجاً من الحرج السياسي والدبلوماسي الذي ألم به لا تصلح بتاتاً لتفسير نكوص الوفد السوداني عن تهديداته بتعليق عضويته في الاتحاد الافريقي. وإذا قدر لنا ان نساير الوفد الحكومي في منطقه المعوج حتي النهاية فقد كان الاكرم للسودان أن يعلق عضويته بالاتحاد اسوة بموقف المغرب التي تزعم انها اضيرت بسبب مواقف الافارقة من قضية الصحراء الغربية!!،أما أعضاء الوفود المشاركة في قمة أديس فقد قالوا كلمتهم وهي أن التسوية المتمثلة في اختيار غانا قدمت بالفعل مخرجاً من المشكلة التي يدعمها الإجماع وهي الطريقة الافريقية التقليدية لحل النزاعات.
    أما السيد الفا عمر كوناري رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي فقد ذكر للصحفيين ان (جون كوفور) رئيس غانا سيرأس الاتحاد الافريقي. وقال "بتوافق الآراء..انه الرئيس كوفور." وقال ان السودان أيد القرار الذي تفادى نزاعا كان سيلقي بظلاله على القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة وبينها تجميع جنود لحفظ السلام في الصومال!!؟.
    تشاد التي توترت علاقاتها مع السودان بعد امتداد الصراع في دارفور الى حدودها أعلنت علي الملأ بأنها سوف تنسحب من الاتحاد الافريقي اذا تولى البشير رئاسته، وبغض النظر عن التأثير الفعلي الذى أحدثه تهديدها هذا علي مستوى صناعة القرار المتعلق برئاسة الاتحاد الافريقي إلا أن خسران الحكومة لمقعد الرئاسة كان يصب بالضرورة في مصلحة الموقف التشادي التي سارع رئيسها ادريس ديبي في استثمار الحدث مشيداً بالنتيجة "انه قرار حكيم للغاية، ينبغي أن تعلموا أن (القرار) اتخذ بالإجماع، انه قرار لا يطمئن الافارقة فحسب بل كل شركاء أفريقيا أيضا."!!
    وفي الوقت الذي أكد فيه دبلوماسيون ان حكومات غربية ضغطت بقوة في اديس ابابا كي لا يحصل السودان على الرئاسة الا أن مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية للشئون الافريقية جينداي فريزر رفضت الاتهامات التي وجدت لها صدى لدي وفد السودان. وقالت "اعتقد ان هذا خطأ، أعضاء الاتحاد الافريقي هم الذين يتخذون القرار حول من يرأسهم، واعتقد انهم يريدون رئاسة تعبر عن معايير موجودة داخل عملياتهم السياسية التي تتضمن ديمقراطيات ليست في حالة حرب."!!؟.
    علي صعيد حركات تحرير دارفور فقد أيدت حركة تحرير السودان الكبرى تولي الرئيس الغاني رئاسة الإتحاد الأفريقي واعتبرت ذلك انتصارا لشعب دارفور وتلبية لمطالبها وبرقيتها الموجهة للقمة التي رفضت من خلالها، كما اعتبرت الحدث فشلا جديدا لدبولماسية الحرب السودانية تولي الرئيس السوداني رئاسة الإتحاد الأفريقي بإعتباره جزءا أساسيا من الصراع بل سببا فيه.
    وهكذا انفض سامر القمة ليعود الوفد الرئاسي مبكراً بعد الخسارة الفادحة التي مني بها علي الصعيد السياسي والاعلامي والدبلوماسي، وهي خسارة امتدت علي نحو موصول لمدى عام كامل بين قمتي الاتحاد الافريقي في كل من الخرطوم واديس علي التوالي!!؟.
    خسارة السودان ، أو علي الاصح خسارة الحكومة السودانية فالشعب السوداني ليس طرفاً في هذه المعارك الفاشلة التي تدار باسمه وبمعزل عنه، تطرح اكثر من سؤال حيوي علي صعيد القمة الافريقية وتداعياتها ربحاً أم خسارة إن كان هنالك ثمة من ربح في الأصل!؟ : ما هو المخرج يا تري من دوامة الفشل التي تلازم إدارة أزمات البلاد من الداخل وقيادة معاركها الدبلوماسية في الخارج؟ والمعترك الدبلوماسي، كما يعلم أولي الشأن والنهى، لا يقل صعوبة ان لم يكن اخطر من المعارك الحية. واقع الامر ان الاجابة لن تتأتي لنا ، علي الاقل في الشق المتعلق بقمة اديس، الا من خلال الاضطلاع علي الاستعراض الوافي الذي تفضل به الاستاذ الهندي عز الدين حيث وضعنا استعراضه ذاك الضافي في اجواء القمة وخلف كواليسها ، وأبان لنا فيما أبان، تضافر الظروف والعوامل كلها في وجه السودان بحيث انه لم يكد يبق للسودان من صديق يستعان به، او (صليح) يستنصر بحكمته في معترك القمة!!؟. ونحن إذ نتفق مع بعض ما جاء في سيناريوهات الاخ الهندي الا اننا نختلف معه في جل الحيثيات والنتائج التي أفضي إليها، فالأخ الهندي يكاد يحمل امريكا والمعسكر الغربي وزر العملية التي استهدفت اقصاء السودان من مسرح الفعل والتأثير الافريقي من خلال الضغوط التي مورست علي الزعماء الافارقة لاتخاذ موقف كهذا الذي اتخذوه في أديس!!. وصحيح أن الدول الأفريقية، والسودان نفسه ربما يكون في مقدمتها، ليست بمعزل عن التأثير الأمريكي الغربي ولكن هذا العامل لن يسعفنا وحده في تفسير الموقف الكلي للزعماء الافارقة تجاه قضايا السودان ومن ضمنها قضية الرئاسة.
    والحال هكذا فينبغي إجراء عملية تحليل دقيقة للوصول الي تشخيص سليم للحالة التي تشكو منها البلاد في ظل حكومة الوحدة الوطنية التي شرع شركائها الاساسيين في التنصل منها شيئاً فشيئاً. والركون في هذا الاطار للعامل الامريكي الخارجي لتفسير علل السودان، والتحذير من مغبة التدخل الاجنبي مصحوباً بدعوات الويل والثبور التي يطلقها بعض قادة الوطني من أمثال الدكتور نافع بدون التدبر في طبيعة العوامل الداخلية الاخري التي أسهمت بلا شك في تعقيد وتأزيم أوضاع البلاد عامة ودارفور بخاصة، مع العلم أن عوامل التأزم المذكورة ما انفكت تتشكل تحت يد المؤتمر الوطني وتصنع علي عينه، سوف يعطي صورة كاذبة ومضلله لطبيعة منشأ الأزمات الداخلية مما يتعذر معه بالتالي إيجاد العلاج الناجع لهذه العلل والأزمات.. تدارك هذا كله يأتي في المقام الاول إذا ما أردنا حقاً أن نتلمس طريقاً للخروج السوي من دهاليز الأزمة.
    وفي المقام الثاني ترد قضية مراجعة وجهة المسار السياسي لحل النزاع القائم في دارفور، فقد ثبت لكل ذي بصيرة أن اتفاقية ابوجا التي جاءت علي هذا النحو الثنائي المتراجع وبأثر مباشر من ضغوط خاطئه مفروضة من قبل الوسيط الامريكي، روبرت زوليك، والبريطاني، ألكس دي وال، لم تفلح في شيئ الا في تأجيج أوار المشكلة وزيادة معاناة شعب دارفور علي الصعيد الانساني والامني بصورة لم يسبق لها مثيل والحل يكمن في وضع الاتفاقية باكملها علي منصة التفاوض مرة اخري وبلا شروط مسبقة ولعل المسعي الذي سلكته بعض الدوائر النافذة في الحكومة في هذا الاتجاه يشكل مخرجا اذا صدقت النوايا وجد المسعي.
    وفي مرتبة ثالثة تأتي معالجة البطء الذي واكب تنفيذ الاتفاقات الموقعة، علي علاتها، في كل من نيفاشا وابوجا وأسمرا حيث أفرز التباطوء الذي اكتنف انفاذ الاتفاقيات ، باعتراف العديد من اللجان الرسمية ومن ضمنها لجنة المجلس الوطني، أفرز تفجر أزمات رهيبة بين الشركاء المفترضين في حكومة الوحدة الوطنية علاوة علي الانهيار الكبير في الثقة مما يهدد العملية السلمية برمتها بالضياع مع العلم ان التحول السلمي الديمقراطي لا بل وحدة السودان المنشودة إنما تنهض في الاساس علي نجاح عملية بناء الثقة!!؟.
    أما المرتبة الرابعة فتتمثل في تقدير المجهود الذي تقوم به بصمت كبير لجنة جمع الصف الوطني لا تخذيل اللجنة او التشكيك في قدراتها كما نسب مؤخرا الي الدكتور مصطفي عثمان مستشار رئيس الجمهورية ومنسق القطاع السياسي بالمؤتمر الوطني، مع العلم ان اللجنة الموقرة الي جانب تمتعها بشخصيات كان لها دورها المشهود في الانتفاضة من امثال المشير سوار الذهب واللواء عثمان عبد الله، فهي تضم شباباً مشهود لهم بالاخلاص والتفاني في خدمة قضية توحيد الحركة الاسلامية والصف الوطني بأكمله من أمثال الأخوة الدكتور محمد سعيد الخليفة اخصائي الباطنية والقلب، والدكتور محمد الامين محمد اسماعيل اخصائي جراحة القلب!! ولعله ليس من قبيل المصادفة أن يلتئم في عضوية هذه اللجنة نفر من اختصاصي القلب ،طباً وجراحة، فمن الواضح أن حال السودان المعتل يحتاج الي ما هو اكثر من ذلك!!؟، وإذا كان ذلك كذلك فإن الحكمة تقتضي أن نمنح مسعي توحيد الصف الاسلامي الوطني ما يستحقه من هدوء، وأن نتيح للقائمين علي عملية الوفاق الوطني من خبراء وأطباء الأجواء الملائمة التي تمكن إجراء العملية بما تشتمل عليه من جراحات غائرة محتملة بلا أدني تشويش!!؟.
    وفي المرتبة الخامسة من حيث التسلسل، وربما تكون الأولي من حيث الأهمية، تأتي قضية إعادة الاعتبار للشعب السوداني ممثلاً في تياراته الفكرية وأحزابه السياسية ومنظماته التطوعية التي تشكل في مجملها ما يسمي بمؤسسات المجتمع المدني. ولو أحسن الوفد الحكومي التوكل على الله واعتمد علي كيانات السودان الطوعيه لأعانته علي الخروج من المأزق، ولكن الحكومة ما زالت تحصد بشاعة سياسات استهداف المجتمع المدني في فعاليات القمة الافريقية إذ أن الساحة الطوعية الانسانية ما زالت تستذكر بأسي شديد حملة التضييق والاعتقالات القاسية التي طالت بعض منسوبيها علي هامش الفعاليات المصاحبة لقمة الخرطوم ، كما أن فريق الصحافة الذي أشرف علي تغطية فعاليات قمة أديس لم يقصر في تبيان مظاهر القصور الذى واكب تمثيل السودان حيث خلا الوفد الرسمي من أي تمثيل للمرأة، فضلاً عن غياب التمثيل الطوعي عن فعاليات القمة بأكملها جراء سياسات التخويف!!. والحال كذلك فقد ترك ظهر الوفد السوداني مكشوفاً تتناوشه المنظمات الافريقية والدولية بالحق والباطل في مجالات حقوق الانسان وثيقة الصلة بتداعيات الحرب والسلام.
    وفي المرتبة السادسة كلمة حق لا بد أن تقال في حق الدبلوماسية السودانية التي يحاول البعض تحميلها أوزار القوم وعبء الفشل في مضمار سباق الرئاسة كما ورد منسوباً الي خبير وطني في سياق تحليل الأستاذ أبو شنب بجريدة الصحافة ، فالدبلوماسية السودانية التى شهدناها وخبرنا مجاهدات رجالها ونسائها في المحافل الاقليمية والدولية، لم تألو جهداً في تزيين وجه السودان رغم البثور والدمامل التي تكتنف هذا الوجه!! وتجد الواحد منهم أو الواحدة قائم بالنهار ينافح عن السودان رعاية لامانة التكليف المهني رغم قناعته الداخلية بخطل السياسات المتبعة في الداخل ولكن للضرورة الدبلوماسية أحكام. وبما أن السياسة الخارجية في الواقع ما هي الا انعكاس لسياسة البلاد الداخلية، فلذلك تجد صدر الدبلوماسي السوداني يعتمل بالأسى وهو يشهد الإضطراب المريع في السياسات الداخلية وما يجره من انعكاسات سالبة علي مجمل قضايا السودان في الخارج مما يترك الدبلوماسي امام امران احلاهما مر اما أن يتصدي للدفاع عن قضايا السودان ولوكان علي باطل قياماً بأمانة التكليف المهني، وإما أن يجهر بالحق ولو أدي ذلك لأن يقف ضد بلاده مما يضعه تحت طائلة المساءلة المهنية إن لم يضعه تحت طائلة الاتهام بالخيانة والعمالة للقوي الأجنبية!!؟. ما هو الموقف ياتري من محاولات توريط الدبلوماسية إلي درجة إكراهها علي تحويل (فسيخ) السياسة إلي (شربات) دبلوماسي ؟!! أليس من اللائق أن نترفق بالدبلوماسية السودانية وأن نمنحها قدراً من الرحمة والمصداقية والانصاف، وإذا لم يجئ ذلك من باب ما يمليه الواجب الأخلاقي تجاه دبلوماسيتنا ودبلوماسيينا الأماجد، وهم أهل فضل واستحقاق، فليكن ذلك علي أقل تقدير من أجل صيانة قضية البلاد وحفظ كرامتها وترقية سمعتها المنتهكة بين الأمم!!.
    وفي ظل هذه الاجواء القاتمة والسودان يُحمل إلي قاعة العناية المكثفة في أعقاب الخسائر الأليمة المتلاحقة التي حاقت به داخل البلاد وخارجها فهل يبدو في الأفق بصيص من أمل؟، وهل تشكل الأنباء التي رشحت عن تعيينات أو بشريات مرتقبة تعلن في شأن دارفور في غضون اثنتين وسبعون ساعة ، انصرم معظمها، مؤشراً حقيقياً علي بداية مراجعة المسار الدارفوري في أعقاب القمة الافريقية الفاشلة بمنظور السودان؟، ومتي تدرك الحكومة وحزبها الحاكم ، المؤتمر الوطني، أنها هي الخاسر الاكبر في جرد حسابات الربح والخسارة وطنياً وافريقياً ودولياً فالسودان ليس هو الخاسر بأية حال وإنما قد يكون ناله شيئ من الربح جرياً علي بعض التحليلات والأقوال؟!!، وهل تتجاوز الحكومة، وليس السودان، الخسارة الفادحة إلي بعضٍ من ربحٍ مرتجى عبر مبادرات نافعة تنفذ الي جوهر القضايا وتنأي عن الويل والثبور والسباب، أم يتقلب المؤتمر الوطني وحكومته في أطوار عديدة من تراجع في المواقف إلي بؤس إلي خسران؟... هذا ما سوف تجيب عليه الأحداث في مقبل الأيام!!.

    د. فتح الرحمن القاضي
    3.1.2007 م
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de