مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 08:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة بكرى ابوبكر(بكرى ابوبكر)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-29-2006, 06:40 PM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض

    مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية

    حكايات كانتربري السودانية كتاب قام باعداده السير دونالد هولي وترجمه للغة العربية الأستاذ محمد احمد خضر وقد قام مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي باصداره في طبعة فاخرة انيقة, وقد استلهم السير هولي فكرة كتابه عن حكايات كانتربري الشهيرة تلك القصص التي ألفها الشاعر البريطاني جفري سوشر، فقد جمع سوشر تسعة وعشرين شخصا من مختلف طبقات المجتمع في العصور الوسطى وعبر بهم نهر التيمس في رحلة حج إلى ضريح القديس توماس بيكيت وأتفق أن يحكي كل منهم حكايتين في رحلتي الذهاب والإياب تزجية للوقت ..
    على ذات المنوال استكتب السير دونالد هولي عددا من البريطانيين الذين عملوا أو أقاموا بالسودان أبان فترة الإحتلال البريطاني للسودان وطلب منهم أن يكتبوا عن تلك الأيام التي أمضوها بالسودان واستجابوا لندائه فجاءت حكاياتهم رائعة وجميلة واستحقت أن تضارع حكايات الشاعر جفري سوشر وأن تسمى حكايات كانتربري السودانية، تنوعت وتعددت الحكايات وكانت فيها حكاية مفتش المركز، حكاية الطبيب .. حكاية الطفل .. حكاية الراهبة … القاضي .. الممرضة ..المفتش الزراعي والطبيب البيطري وآخرون كثيرون..
    تهمنا في هذا المقال حكاية الممرضة الآنسة بولين أو السيدة رولي فيما بعد ,, تحكي الآنسة بولين عن مستشفي الأبيض التي عملت بها لعدد من السنوات وتذكر حادثة معينة تهمنا .. في ذلك الصباح من عام 1949 تتذكر الآنسة بولين أنها حضرت للمستشفي باكرا لتجدها خالية من العاملين .. وتقول .. جاءني ممرضان كانا يعملان ويبدو عليها بعض الخجل والإرتباك وأخبراني أن جميع الممرضين فيما عداهما وممرضات الحريم قد أضربوا عن العمل وأنهم لن يتلقوا أي أوامر مني ..
    وتقول .. قام المضربون بارسال برقية إلى مدير المديرية ومدير الخدمات الطبية تشرح الوضع وتطالب بإبعادي من المستشفى , كانت المدينة تشهد في ذلك الوقت بعض الإضطرابات السياسية وقد اكتشفت شرطة المباحث أن بعض الشيوعيين المعروفين ممن يعملون تحت رئاستي هم الذين قادوا الإضراب , وبرغم أنني كنت أشعر بعدم الميل في الاستمرار في العمل إلا أنني واصلت عملي واعطاء التعليمات أثناء طوافي بالأجنحة ، ولحسن الحظ أنني كنت أجد الدعم والمساندة من جميع الأطباء وموظفي الصيدلية والمختبر . أما فيما عدا ذلك فقد كنت أشعر بالعزلة ، وفي تلك الأثناء ألغيت كل المحاضرات والدروس . وكان ذلك بالنسبة لي بمثابة الكرت الرابح إذ أنه سيعمل على تأخير ترقيات الممرضين وما يعقبها من زيادة المرتبات .. لقد استمر هذا الوضع المتوتر حوالي أسبوعين إلى أن طلب مني المضربون مواصلة المحاضرات .
    إلى هنا ينتهي سرد السيدة رولي لتلك الحادثة ، ويلاحظ أنها تشير إلى توتر الوضع وأنها كانت تحس بالعزلة وان الوقت كان عصيبا ,, فما الذي حدث ولماذا لا تذكر مس بولين سبب إضراب العاملين ؟؟ ما هو الأمر الذي لم تشأ السيدة رولي أن تذكره ,, ولماذا عمدت على اخفائه؟؟ يبدو جليا أنها ما كانت لتجرؤ على ذكر تفاصيل الحدث .. لكن مواطني الأبيض في تلك الحقبة من الزمان يذكرون ذلك الأمر جيدا ..

    قام الأستاذ عباس الطاهر أحمد بإعداد كتاب رائع عن مدينته مدينة الأبيض، نفدت طبعته الأولى في أيام قلائل فأعقبه بطبعة ثانية ..ورغم أصرار مؤلفه أن الكتاب ليس سوى بضع ملامح من مدينة الأبيض إلا أنه حوى وجمع وأبان وأخبر أهل الأبيض بما لا يعرفونه عن مدينتهم .
    أفرد عباس صفحات كتابه لتاريخ مدينة الأبيض ومجتمعها ومرافقها الخدمية وأسواقها .. كتب عن دور العلم وعن أجهزة الحكم، وعن النشاط الرياضي وكتب عن الجاليات وعن شخصيات المدينة الشهيرة .. لقد تقلد عباس أقلامه وحمل أوراقه وجاب أنحاء المدينة يسأل ويتحقق .. ومن داخل أسوار المستشفي جاءت في كتابه حكاية …
    في يوم من أيام العام 1949 كانت عمليات النظافة والترتيب داخل عنابر المستشفي تجري بصورة جادة وحميمة .. فاليوم يوم المرور، يعاين فيه قادة العمل الطبي والإداري العنابر المعنية ويقررون بعد مرورهم أكثر العنابر نظافة لينال الجائزة الأولى .. كانت الجائزة من نصيب العنبر المشترك الذي يشرف عليه الممرض موسى الطيب، وموسى الطيب رجل معروف في المدينة بخلق كريم ، فرحته ومن معه بالجائزة لم تدم طويلا إذ اقتحمت عليهم العنبر مس بولين بعد أن عرفت أن العنبر قد نال الجائزة الأولى لتقول أن العنبر لا يستحق الجائزة لوجود أوساخ بالحوض .. يرد موسى أن ذلك أمر طبيعي أن تكون هناك أوساخ في الحوض نتيجة استخدامه وأن فراشي العنبر على استعداد دائم لإزالتها .. إلا أن صلف الإنجليزية يفوق الحد .. فإذا بها تقوم إلى الحوض المعني وتأخذ بإصبعها شيئا من الأوساخ من قعر الحوض وتضعها على قميص موسى الناصع البياض وتقول ما هذا؟ أليست هذه أوساخا ؟؟ وكان الرد الذي لم يتوقعه أحد.. لا المرضى ولا الفراشين ولا الباشممرض ولا بولين نفسها .. صفع موسى الخواجية صفعة جعلت الدنيا تغيم في عينيها، وأخذت تصرخ وتولول .. واجتمع أهل الدار وجاء حكيمباشى المستشفى د أحمد عكاشة والجراح المستر هسبند ..
    لم ينكر موسى ما حدث وكان أن أقتيد مخفورا إلى مركز الشرطة لتجرى التحقيقات .. فالأمر جد خطير.. سلطة استعمارية تحكم البلاد ثم في أحد مرافق الدولة تعامل امرأة إنجليزية بتلك الطريقة فذاك حدث جلل!! والمرأة ليست إمرأة عادية فهي الزوجة المرتقبة لمساعد السكرتير الإداري بكردفان المستر هكسويرث .
    سرى أمر اعتقال موسى سريان النار في الهشيم وزلزلت الأرض ، توقف أهل المهن الصحية عن العمل .. آزرهم عمال السكة حديد .. نشرت جريدة كردفان الحدث وجمعت التبرعات وأرسلت برقية عاجلة للخرطوم .. كانت الحركة الوطنية حينها في أوجها.
    اتصلت إدارة المستشفى بالشرطة وطلبت حفظ البلاغ على أن يسوى الأمر إداريا من داخل المستشفى . طلبوا من موسى أن يعتذر للآنسة بولين فرفض .. وكانت معه في أمر الرفض كل المهن ا لعمالية يشدون من أزره… وإزاء هذا الرفض كان لابد من حل.. وكان الحل الذي فرضته المهن العمالية على الإدارة الطبية ويتمثل في :
    1 . أن تعتذر الآنسة بولين لموسى الطيب .
    2. أن لا يحق مطلقا وبعد الآن للآنسة بولين أولغيرها من النساء الأجنبيات دخول عنابر الرجال.
    3. أن تكف الآنسة بولين عن ممارسة تدريس علوم التمريض.
    وكان لهم ما أرادوا وطبقت الشروط الثلاثة.

    لكن ما هو السبب وراء كراهية الآنسة بولين لموسى الطيب؟ تلك حكاية أخرى .. فقد كانت الدراسة لتأهيل الممرضين تبدأ عادة بعد العصر وتستمر لساعات، كانت الآنسة بولين تقوم بالتدريس، وكان من بين الدارسين الممرض موسى الطيب الذي اعتاد أن يطلب الإذن حين الأذان ليؤدي صلاته ، كانت الآنسة تضيق بهذه المقاطعة لدرسها وتقول لموسى لم لا تؤدي الصلاة بعد الدراسة؟؟ ويخبرها موسى أن الصلاة لا تؤجل … ثم تقول له لم لا يخرج الآخرون مثلك للصلاة ؟؟ ويرد عليها أن عليهم أن يفعلوا.. أخذت الآنسة بولين تسمح لموسى وتأذن له ولكن على مضض إلى أن رفضت مرة ولم يأبه موسى لرفضها وخرج ..ورفعت بولين الأمر للسلطات الإدارية وعوقب موسى عوقب بخصم يومين من مرتبه..
    تلك هي تفاصيل حكاية المس بولين في مستشفى الأبيض والتي حكت عنها بعد أن أخفت ما تود إخفاءه ووصفت تلك الأحداث بأنها إضطرابات سياسية كانت تشهدها المدينة آنذاك وأن بعض الشيوعيين المعروفين هم من قادوا الإضراب ضدها ..
    هكذا شاءت أقدار أن تأتي حادثة إضراب مستشفى الأبيض في كتابين مختلفين بعد أكثر من خمسين عاما .. وأن تأتي برواتين متباينتين الأولى بقلم الآنسة بولين في حكايات كانتربري السودانية للسير دونالد هولي والثانية في ملامح من مدينة الأبيض للأستاذ عباس الطاهر .
    التحية لعباس على سفره الجميل حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية.. ورحم المولى عز وجل موسى الطيب الرجل الطاهر ذو القلب الكبير والذي انتقل إلى رحاب ربه راضيا مرضيا عنه في يناير من عام 2006.
                  

11-30-2006, 03:06 AM

gamal elsadig
<agamal elsadig
تاريخ التسجيل: 07-07-2005
مجموع المشاركات: 3076

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض (Re: بكرى ابوبكر)


    .
    .
    الشقيق بكري :

    لك التحية على ايراد هذا البوست ...
    دائما مايجذبني اسم مدينة الابيض عروس الرمال بحكم الانتماء لها و الحنيين لكل ذرة من ترابها..
    وقد صادف هذا البوست اطلاعي باستمتاع للكتاب الرائع جدا (ملامح من مدينة الابيض ) للاستاذ عباس الطاهر احمد ...هى ملامح ولكنها واضحة وجميلة وبها كثيرا من الذكريات و الاحداث المختلفة التي لم يدونها التاريخ ..كحادثة المستشفى التي وردت اعلاه ....ليتني اجد الفرصة لنورد بعض هذه الملامح في هذا المنبر المميز ..

    التحية والتقدير للاستاذ / الامين عبد الرحمن عيسى




    .
                  

12-07-2006, 04:23 AM

Abdul Monim Khaleefa
<aAbdul Monim Khaleefa
تاريخ التسجيل: 08-28-2006
مجموع المشاركات: 1272

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض (Re: gamal elsadig)

    الشكر الجزيل ، مصحوباً بالتحية والتقدير للأستاذ بكري أبو بكر وللأخ الأمين عبد الرحمن عيسى على هذا الموضوع الشيق والمرتبط بمدينتنا الحبيبة الأبيض التي نهفو بكل الشوق لقراءة ما يكتب عنها وعن أهلها الأبرار أمثال المرحوم موسى الطيب .الاختلاف بين الرواية التي أوردتهاالممرضة الآنسة بولين وبين تلك التي أوردها الأخ الصديق العزيز عباس الطاهر أحمد حول تلك الحادثة مثال ناصع للاختلاف في كتابة التاريخ وسردأحداثه .

    رغم ما تمتاز به كتابات الإنجليز عن فترة الحكم الثنائي من منهجية ، واستنادهاعلى تفاصيل مأخوذة من يوميات مدونة ، إلا أنها غير محايدة تماماً، أو على الأقل تنظر للأمور نظرة مختلفة. وقد رأينا كيف أخفت الآنسةبولين جانباً من الحقيق (صفعة موسى الطيب لها) !

    لقد مضت فترة كافية منذ رحيل الإنجليز عن السودان بما يسمح بمحاولة لتقييم هادئ وموضوعي لدور الإدارة البريطانية والإداريين البريطانيين في السودان .

    الشكر للأخ حمال الصادق الذي وعد بإلقاء الضوء على كتاب الأخ المثقف الوطني وإبن الأبيض البار عباس الطاهر .. وسنظل في انتظاره .

    بهذه المناسبة آمل أن أكتب بشكل منفصل عن سير دونالد هولي !
                  

12-07-2006, 06:40 AM

عصام دهب
<aعصام دهب
تاريخ التسجيل: 06-18-2004
مجموع المشاركات: 10401

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض (Re: Abdul Monim Khaleefa)

    شكراً جزيلاً يا أخ / بكري على نقل هذا المقال الرائع ، و الذي هو غيض من فيض سيرة عطرة لرجل فاضل من رجالات مدينتنا الأبيض .. ألا و هو المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ الحكيم / موسى الطيب ، و الذي نفاخر به كرمز من رموز مدينتنا الأبية ،و أفخر به كوالد لزميلي و أخي الممثل المعروف / محمد المجتبى موسى .
    و ليتك يا أخ / جمال رويت ظمأنا و أنجزت عاجلاً وعدك بإلقاء الضوء على كتاب الأستاذ / عباس الطاهر .. و أكون ممنوناً لك لو تكرمت بدلالتي أين أجد نسخة من هذا السفر القيم ..
    و ليتك ليتك يا أستاذنا الكبير / عبد المنعم واصلت إمتاعنا بكتاباتك المدهشة و الرائعة عن مدينتنا الأبيض و عن شخصياتها و عن كل شيئ فيها وعن سير دونالد هولي و هسبند صاحب العنبر الأشهر بمستشفى الأبيض.
    و بمناسبة مستشفى الأبيض قديماً أذكر أنني حينما كنت صغيراً كنت أسمع حبوبتي ـ رحمها الله ـ و هي تهدهد أخواتي الصغيرات بأغنية لا زلت أحفظ منها عبارة ( دستور يا أب عكر ) التي كانت تكررها عبر كل مقطع و حينما سألت والدتي ـ حفظها الله ـ عن معنى ذلك أخبرتني بأن أب عكر المقصود بالأغنتية هو طبيب شهور كان يعمل في مستشفى الأبيض و أكتسب محبة أهل المدينة حتى تغنوا بإسمه فما مدى صحة هذه الرواية يا أستاذنا ؟؟ و هل لنا أن نعرف ما لم نعرفه عن مدينتنا عبركم ؟؟
                  

12-07-2006, 07:57 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48774

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مستشفي الأبيض في حكايات كانتربري السودانية/الأمين عبدالرحمن عيسى/ الأبيض (Re: بكرى ابوبكر)

    شكرا لك يا أخي بكري.. والشكر للأخ جمال الصادق وجميع المتداخلين..

    والشكر والتحايا لأخي وزميلي إبن دفعتي بالأبيض الثانوية أمين عبد الرحمن أحمد عيسى.. وهو إبن المربي والمعلم المعروف عبد الرحمن أحمد عيسى، عليه رحمة الله، صاحب مكتبة الجيل بالأبيض ومرشح حزب الأمة عنها في مرة من المرات..
    لقد سعدت بقراءة كتاب الأستاذ عباس الطاهر أحمد الذي أحضره لي معه أخي وشقيقي حسبو الشريف [صديق الشريف] عندما زارني هنا في ألمانيا.. وهو كتاب عظيم.. الأستاذ عباس الطاهر هو شقيق الأستاذ الراحل الحاج الطاهر المحامي المشهور والذي كان مرشح الحزب الشيوعي السوداني في الأبيض في الستينات وهو من أبناء الأبيض المحبوبين..

    قصة مس بولين من القصص الشيقة في الكتاب، أشكر الأخ الأستاذ عصام دهب على إيراد خبر وفاة العم موسى.. نسأل الله له الرحمة وعالي الجنان..

    جاء في قصة مس بولين أنها قد تزوجت فيما بعد من هكسويرث الذي كان مساعد السكرتير الإداري بكردفان..

    Quote: لم ينكر موسى ما حدث وكان أن أقتيد مخفورا إلى مركز الشرطة لتجرى التحقيقات .. فالأمر جد خطير.. سلطة استعمارية تحكم البلاد ثم في أحد مرافق الدولة تعامل امرأة إنجليزية بتلك الطريقة فذاك حدث جلل!! والمرأة ليست إمرأة عادية فهي الزوجة المرتقبة لمساعد السكرتير الإداري بكردفان المستر هكسويرث .


    والشيء بالشيء يُذكر.. فقد كان هسكويرث هذا له علاقة بثورة رفاعة التي قادها الأستاذ محمود محمد طه في العام 1946، ودخل بسببها السجن.. وهكسويرث هذا كان هو مفتش المركز في الحصاحيصا.. وقد كان مشهورا بصلفه.. سيجيء ذكر القصة في هذه الفقرات في أخبار الصحف ولكن لم يذكر إسمه وإنما ذكر بوظيفته "مفتش مركز الحصاحيصا"..
    Quote: الأبعاد السياسية والإجتماعية لمسألة الخفاض الفرعوني
    في أوائل عام 1946م وقد انتظمت البلاد حماسة الوطنية وتكثف النشاط السياسي .. في هذا الوقت الذي تهيأت فيه دولتا الحكم الثنائي مصر وبريطانيا لعقد مفاوضات صدقي – استانسجيت بشأن مصر والسودان ، وفي الوقت الذي علا فيه صوت السودانيين بالمطالبة بالاستقلال ، في تلك الساعة ، سن الانجليز قانون الخفاض الفرعوني ، وتشددوا في تطبيقه .. ولماكانت عادة الخفاض الفرعوني عادة متأصلة في المجتمع السوداني ، وهي مرتبطة في الأذهان أشد الأرتباط بالعرض والشرف ، كان المنتظر بداهة ، لدى الأنجليز ، أن يقاوم السوداينون هذا القانون بأشد من مقاومتهم للأستعمار نفسه ، وذلك للحساسية المرتبطة بهذا القانون .. وعندما يقع رد الفعل بهذه الصورة ، يسهل عليهم أن يصوروا للعالم بأن الشعب السوداني شعب متخلف ، همجي ، وهو ، من ثم ، لم يتأهل بعد للأستقلال – هذا ما أراده الانجليز فعلا ، من وراء سن قانون الخفاض الفرعوني الذي لم يدفعهم اليه حرصهم على المرأة السودانية ، وعطفهم على السودانيين .. فانخدع بذلك كثير من المثقفين ولم يفطن لهذه الخدعة ، وهذه الأهانة التي تلحق بالمرأة السودانية ، وبالرجل السوداني من تطبيق هذا لقانون ، الا الجمهوريون فهبوا الى محاربته من هذا المنطلق ، فحسبهم بعض المثقفين ، جهلا ، مدافعين عن عادة الخفاض الفرعوني الذميمة .. ومادروا انما الأمر دفاع عن كرامة أمة ، أراد أن يهدرها الاستعمار بهذا القانون ..

    استثمار المناسبة
    لقد صمم الجمهوريون على استغلال مناسبة اصدار هذا القانون بتوعية الشعب بكيد الانجليز ، وتصعيد الشعور بالكراهية نحوهم .. صونا لكرامة المرأة السودانية أولا ، وخدمة لقضية الحرية ثانيا .. وقد أصدروا بيانا في أول الأمر ، وأعقبوه بالخطابة ، في المسجد ، وفي الشارع .. وقد كان تحليلهم للقانون ، وتوقعاتهم لما سيترتب عليه ، كلها صحيحه أثبتها الواقع بعد ذلك ..
    وهاكم مقتطفات من بيانهم الأول :
    ((لانريد بكتابنا هذا ، أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ، ولانريد أن نتعرّض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السوان ، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم الي يومنا هذا – ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة ، وأساليب خاصة ، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان ، أوقل ، ابتدعتها ابتداعا وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها ارغاما )) ((من الآيات الدالّة على سوء القصد ، في هذه الأساليب ، اثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف .. وأساليب الدعاية التي طرقتها له ، والطرق التي ارتأتها مناسبة لابطاله ، والقضاء عليه ، ولقد جاءت هذه الآيات دليلا واضحا على التضليل المقرون بسبق الاصرار ))

    قانون عجيب
    لاشك في أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون ، للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس تأصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون قد رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ ، أو عقيدة ، أو أن تكون قد أرادت أن تقول للعالم الخارجي أن السودانيين قوم متعنتون ، وأن تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ، هو نفس التعنّت الذي وقف في سبيلنا ، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والأستفادة من مياه الدندر ، والرهد ، والأتبرا ، والتوسع في التعليم .. هذا من ناحية الالتجاء للقانون .. وأما القانون في ذاته فهو قانون أريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة ..
    ((قل لي بربك !! أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره ؟؟ وأي كريم يرضى أن يكون سببا في ارسال بنات جاره ، أو صديقه ، أو عشيره للطبيب للكشف عليهن؟؟ عجبا لكم ياواضعي القانون - أمن العدل ، والقانون أن تستذلونا باسم القانون ؟؟ أومن الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسيها في أعماق السجون ؟؟ ))

    مواجهة عملية
    كان هذا البيان قد خرج ساعة صدور قانون منع الخفاض في ديسمبر 1945م .. وفي سبتمبر 1946م ظهرت أول آثار القانون التي توقعها بيان الجمهوريين ، فقد اقتيدت الى السجن سيدة سودانية ، في رفاعة ، لأنها خفضت ابنتها ، مخالفة للقانون .. ولقد أهدت تلك الحادثة مواجهة عملية للقانون من الجمهوريين .. فقد ألقى الأستاذ محمود خطبة بمسجد رفاعة جاء فيها : - ((ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي ، والزوايا ، أيها الناس ، وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصّر عن الجهاد ، وهو قادر عليه ، ألبسه الله ثوب الذل ، وغضب عليه ، ولعنه . أيها الناس : من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه ، فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره ، فلن ينصره الله على عدو . ألا ان منظر الظلم شنيع ، ألا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأى مظلوما لاينتصف من ظالمه ، ومن رأى ذليلا لاينتصر على مذلّه ، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الى النصرة ، والمدافعة ، فليس له من الايمان ولاقلامة ظفر .))
    واستجاب الناس لهذه الخطبة ، وتحركوا من توهم ضد الاستعمار وقانونه المجحف .. ونترك تصوير الأحداث لجريدة الرأي العام التي تابعت تطوراتها :

    • (( الرأي العام 21/9/46 - نشرنا قبل أيام ، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض ، لأنها خفضت بنتا ، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة .. وجاءنا اليوم تلغرافيا ، بتوقيع أهالي رفاعة ، أن السلطات عادت فسجنت المرأة ، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع ، واقتحم السجن ، وأطلقوا سراح المرأة ، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين ، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضا ، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة ، وأخذها الى جهة غير معلومة .. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا ، ومنعت السلطات المعدية من العبور ، وأضربت المدارس ، وأغلق السوق ، وقامت مظاهرة عمومية ، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء ، وفي كل مكان))
    تعليق :- رغم منع السلطات عبور المعدية فان الجمهور عبر بقوارب الصيد ..
    • ((الرأي العام الأثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر ، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا ، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس .. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة ، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك ، فتحطم كثير من الأبواب ، والنوافذ ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين .. وعلى أثر ذلك ، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة ، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة))
    • (( الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتقال بعض الناس من رفاعة ، والحصاحيصا ، منهم الأستاذ محمود محمد طه ، وشقيقه مختار محمد طه ، فوضعوا في سجون رفاعة ، والحصاحيصا ، ومدني .))
    • ((الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس ، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم .. وقد خطب منصور عبد الحميد في احدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق ، فاعتقله البوليس للتحقيق - وكان الغرض من الموكب ، والخطبة ، الأحتجاج على اعتقال رئيسه ، والتنديد بقانون الخفاض. ))
    • ((الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جباره ، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري .. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري ، وقانون الخفاض ، وكبت حرية الرأي والخطابة ))
    • (( الرأي العام 1/10/1946م
    بيان رسمي عن الحزب الجمهوري
    تريد الحكومة أن تؤكد أن الأشخاص الذين قبض عليهم ، في رفاعة ، ثم في الخرطوم ، والخرطوم بحري ، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني .. فكل شخص له الحق في أن يكون له رأيا خاصا ، وأن يعرب عنه ، بالطريقة المشروعة .. فالاشخاص الذين في رفاعة قبض عليهم لاثارة الشغب ، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري ، قبض عليهم لالقاء خطب مثيرة ، علانية ، يحتمل أن تعكر صفاء الهدوء العام ، وأن تثير اخلالا بالأمن .))

    اطلاق الرصاص على الجمهور الثائر
    وفي بيان رسمي آخر عن اعتقال الأستاذ برفاعة ، وثورة الجمهور ، وتحركه لاطلاق سراحه ، واطلاق البوليس الرصاص عليهم جاء مايلي :
    * ((الرأي العام 7/10/1946 : جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني ، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي ، وقابل المفتش ، وقمندان البوليس ، ورجع الى مقر فرقته .. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه ، وأحضر الى المركز .. وأثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز ، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع ، خارج المدينة .. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز ، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز ، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز ، ولما لم يقفوا ، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم ، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز ، ولم يصب غير أربعة أشخاص ، أثنان منهم باصابات بسيطة جدا ، وأما الرابع ، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا))

    اشتراط مناقشة القانون
    • (( الرأي العام 10/10/1946 - علمنا أن الأستاذ محمود محمد طه رفض أن يقبل محاميا للدفاع عنه ، وأنه أعلن بأنه لن يدلي بأية أقوال للتحقيق الا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض .))

    محكامات أحداث رفاعه
    * (( الرأي العام 21/10/1946 - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على كل من : عباس المكي ، عوض القريض ، أحمد الأمين ، محمد الياس ، الزبير جاد الرب ، عبد العال حسن ، أحمد عثمان ، حمد النيل هاشم ، علي مالك ، محمد الحاج على ، بابكر وقيع الله ، عبد الله حامد الشيخ ، حسن أحمودي ، منصور رجب ، عبدون عجيب - وحكم على "صبي" بالجلد .))

    محكمة كبرى بمدني
    • (( الرأي العام 17/10/1946 – حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات ، بسنتين سجنا على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ، بتهمة اثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه .))

    محاكمة الجمهوريين بالخرطوم بحري تحت المادة 105
    • (( الرأي العام 19/10/1946 – أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة 105 وكانت الأحكام كالآتي : عثمان عمر العتباني 3 شهور سجنا ، سعد صالح عبد القادر ، شهر سجنا ، ذا النون جباره شهر سجنا وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر ، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري ، والعمدة عمر كويس .))

    منقول من كتاب "معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاما 1945 ـ 1975 الجزء الأول"..

    أرجو ممن يعرف المزيد عن هسكويرث وعن فترة عمله في الحصاحيصا مما نشر في كتاب حكايات كانتربري السودانية أن يمد القراء به..
    وللأخ العزيز عصام دهب أقول بأن مستشفى الأبيض كان من أوائل مستشفيات السودان في عهد الحكم الثنائي وقد عمل به أغلب الأطباء المشهورين في السودان مثل الدكتور والدكتور باخريبة والدكتور مبارك الفاضل شداد والدكتور محي الدين مهدي والدكتور موافي عبد الفتاح من الجيل القديم.. وفي السبعينيات عمل به الدكتور بشير أرباب والدكتور عبد الدائم كشان والدكتور عثمان محمود حسنين [شقيق الأستاذ علي محمود حسنين القطب الاتحادي المعروف] والدكتور أبو مدين وكثيرين غيرهم..

    الكتاب ممتع جدا وأظن أنه يمكن الحصول عليه في السودان..
    وشكرا

    ياسر


    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 12-07-2006, 08:07 PM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de