|
وهذه با رباب الخليل ,عاصم الحزين و صبري الشريف.....واحدة من حكايات الزمن الطليق......
|
عبد الرحيم.... عندما يزورك
لن يكون ذلك بالأمر الذي يمكن نسيانه.......وأقصد إي واحدة من زيارات عبد الرحيم بطبيعة الحال.... وكلمة واحدة هنا تعني حتما تعدد الزيارات وهذه من لوازم عبد الرحيم إذ أنه لن تكفيه زيارة واحدة يقوم بها إليك بل ولن تكفيه زيارتان أو حتى ثلاثة بل لا بد أن تتواصل الزيارات وبدون سقف أعلى و لا يهم بأي قدر أن تقوم أنت برد أي منها ، والواقع أن ذلك هو ما يطبع عبد الرحيم بالذات فبمجرد أن يتعرف إليك.. وهذه المسألة - مسألة التعرف – أقصد – لا تأخذ لديه سوى دقائق معدودات حتى يبدأ بالتخطيط فورا لزيارتك أينما تكون ومسألة أن يزورك عبد الرحيم لن يحول دون وقوعها حائل كائن ما كان فهو زائرك حتما والمسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت وهذا الوقت لن يكون طويلاً، أما الزيارة الثانية والزيارات اللاحقة فهي تحصيل حاصل حتى إذا غيرت مكان إقامتك مثلاً فهو سيكون قد تعرف على الجيران وربما قام بزيارتهم وهؤلاء سيدلونه بكل تأكيد على مكانك الجديد وهكذا لن يكون بإمكانك الإفلات أبداً من إطلاله عليك وفي كل حين... على أن من يقرأ هذا الكلام يجب أن لا يتصور إن زيارة عبد الرحيم هي شيء من المستحسن تجنبه فالواقع إنها شيء أقرب إلى أن يكون محبباً أو هكذا كانت بالنسبة لي على الأقل في كل واحدة من تلك الزيارات التي لا اول لها ولا آخر والتي لم يقطعها سوى إقامتى خارج البلد ولتقريب الأمر أكثر دعوني أحدثكم عن البدايات – بدايات عبد الرحيم طبعاً- وهو يسلم عليك وفي الحقيقة لم أجد شخصاً يسعده السلام على الآخرين مثل عبد الرحيم وعملية السلام بالنسبة له ليست مجرد تحيات يتبادلها مع الآخر في وقت محدود وينتهي الأمر بل أنها تستغرق وقتاً مديداً وعبد الرحيم لا يكتفي بالسلام الأول إذ كثيراً ما يسلم عليك مجدداً في ذات المرة وله طقوس خاصة جداً أثناء السلام وإعادة السلام إذ أنه يأخذك في أحضانه ويربت على ظهرك ربتاً منتظماً قوياً وعلى وجهه ابتسامة لا حدود لاتساعها وبعدها يأخذ كفك بكلتا يديه وفي هذا الأثناء يسأل عن حالك وأحوالك وعن جميع من تعرف ولا تعرف ثم لا يلبث أن يأخذك في أحضانه مجدداً قبل ان يستلم يمناك مرة اخري بين يديه وإذ هو سائلك عن الحال والأحوال لا يتوقف رأسه عن الحركة ذات اليمين وذات اليسار مع كل سؤال ولا توقفه أي إجابة عن إعادة السؤال تلو السؤال... وأخيراً بعد أن تبادر أنت بالجلوس وأنت تحس بشيء غير قليل من الإرهاق يجلس هو ويبدأ تفاصيل الزيارة ووجهه يفيض بسعادة قل نظيرها وأخيراً بعد أن ينصرف لا ينسى أن يؤكد أنه سيمر عليك مجدداً كلما سنحت له الفرصة وهذه الأخيرة دائماً ما تسنح له بأسرع مما تتصور والرجل تزداد سعادته مع كل زيارة وهو لا يفتأ يعيد الكرة دون ان يكل طبعا او يمل. زارني ذات مرة عبد الرحيم في المستشفى وذلك المستشفى بالذات كان يتميز بشيء لا يوجد في كل مستشفيات السودان إذ أن مديره كان قد نجح في تنظيم الزيارة إليه نجاحاً منقطع النظير وأصبح من المستحيل تقريباً على أي شخص أن يدلف إلى داخل المستشفى من غير مواعيد الزيارة المنظمة تنظيماً محكماً وبالتالي لم يكن من المعهود رؤية أي شخص غير العاملين والمرضى في غير ألاوقات المحددة لذلك لكن عبد الرحيم كان قد زارني في البيت وعندما أخبروه أني في ذلك المستشفى ولن أعود للبيت قبل يومين، قرر أن يأتي إلى هناك لزيارتي وطبعاً لم يلتفت إلى الملاحظات عن استحالة دخول المستشفى ولما كان عائداً للخرطوم في ذات النهار لم يكن باستطاعته انتظار مواعيد الزيارة و و .... رأيت عبد الرحيم في تلك الظهيرة يقطع المسافة بين البوابة المستحيلة العبور وردهة المستشفى وبخطوات واسعة وهمه عالية بينما على البوابة من خلفه ساد هرج ومرج عظيمين!!!!!... لقد دخل اذن عبد الرحيم المستشفى وفي غيراوقات الزيارة !!!– كيف يمكن ان ذلك قد حدث !!؟؟ لا أحد يدري بالضبط لكن أستطيع بحكم خبرتي السابقة أن أتصور السيناريو التالى: عبد الرحيم يقترب من البوابة التي يقف عندها بشر بالعشرات يحاولون بلا جدوى إقناع الحارس بالدخول وذلك الحارس قد كلف بتنفيذ تعليمات مشددة بأنه إذا شوهد أحد الناس من غير العاملين داخل المستشفى في غير أوقات الزيارة فإن ذلك يعني فصله فوراً من وظيفته – كيف إذن فعلها عبد الرحيم واستطاع الدخول من بين عشرات المنتظرين؟؟ لنتخيل معا: عبد الرحيم يقترب من البوابة وعلى شفتيه أوسع ابتسامة يمكن تصورها وبداخله يقين لا يهتز بانه عابر هذه البوابة ومكمل زيارته مهما يكن من أمر... عبد الرحيم الآن في مواجهة الحارس الذي سوف لن يتردد في إسماعه أغلظ العبارات بأن الدخول ممنوع وأن عليه العودة من حيث أتى وربما دفعه بعيداً إن أقتضى الأمر لكن فبل أن يكون الحارس قد بدأ مهمته تلك يكون عبد الرحيم قد بدأ بالسلام عليه وبحرارة لا مثيل لها... الحارس يفاجأ تماماً ولكن قبل أن يسترد توازنه يكون عبد الرحيم قد أخذه في أحضانه وأخذ يربت على كتفه سائلاً إياه عن الحال والأحوال والشغل وعن حراس آخرين سبق أن تعرف عليهم في مستشفيات أخرى في زيارات سابقة... الحارس الآن في قبضة عبد الرحيم الممسك يمناه بكلتا اليدين والأسئلة تنهمر كالمطر... الحارس يتراجع شيئاً فشيئاً تحت وطأة التحيات وعبد الرحيم يتقدم والسلام يتواصل بلا هوادة... الحارس يستدير مغموراً بالسلامات مولياً ظهره للبوابة وعبد الرحيم الآن عملياً في جانب البوابة الموجودة داخل المستشفى والسلام يتواصل... الحارس وعبد الرحيم كلاهما الآن داخل المستشفى على بعد خطوتين من البوابة وبعض المنتظرين بدأ يجتاز البوابة الشاغرة لأول مرة من حارسها... الحارس منتبهاً لهذا الأمر يخلص يده من عبد الرحيم في محاولة لمنع هذه الجموع من اقتحام البوابة... عبد الرحيم والحالة هذه يستدير تاركاً البوابة خلفه بحارسها وحشودها ويجتاز الساحة الفاصلة بين البوابة والردهة بنشاط لا حدود له وابتسامة تسع كلما حدث...
أنا وعبد الرحيم وجهاً لوجه برغم الحارس والبوابة ونظام المستشفى.. عبد الرحيم سعيداً...وأنا واقفا يتلقى ظهرى ربته القوى المنتظم ودهشتى تتجاوزنى مع كل خبطة. د/ محمد خليل الكارب
|
|
|
|
|
|
|
|
|