رحلة الى الجابرية مع محمد الحسن سالم حميد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 11:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-01-2007, 05:50 PM

وائل فحل

تاريخ التسجيل: 11-29-2007
مجموع المشاركات: 1426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رحلة الى الجابرية مع محمد الحسن سالم حميد



    http://www.sudaneseonline.com/ar/article_15753.shtml

    (كتبت هذا المقال عند عودة شاعرنا الكبير حميد من الاغتراب قبل اعوام)


    محمد الحسن سالم حميد من الشعراء الكبار فى السودان وان كان اهتمام وسائل الإعلام به قليلا نوعا ما بسبب عوامل كثيرة منها الطبيعة الثورية المصارمة لكثير من قصائد ،ومنحاها الفكري الذي يجعلها عصية على من لا يملك الجرأة الكافية بسبب الرقابة السياسية،ثم إن هناك استخدام الرموز دون المباشرة في القصائد مما يزيد الأمور إبهاما على جهات النشر ،رغم إن نقاطاً من الضوء تشع هنا وهناك من آن لآخر ،وهذه الرحلة إلي (الجابرية ) بمثابة احتفاء بعودة (حميد )إلى الوطن بعد غياب طويل بحساب الايام ،مع إن قصائده ظلت تعبر المسافة الفاصلة بين الوطن والغربة ما بين الحين والحين .



    تميز (حميد)دائما باجادة استخدام وتوظيف الرموز فى قصائده حتى إن الامر قد يصل احيانا الى إن يعتبر القارى إن الرمز هو القصد من القصيدة وليس ما يرمز اليه هذا الرمز وقد يكون الامران صحيحان فى قصيدة واحدة ،فكمثال فان قصيدة (حميد) المسماة (عم عبد الرحيم) التى لحنها وغناها الفنان الراحل (مصطفى سيد احمد) يمكن اعتبار شخصية عم عبد الرحيم فيها بمثابة تجسيد لاى فرد عادى من العمال بسيطي الحال الذين تخنقهم الضغوط الاقصادية والاجتماعية ويمكن انزال وتطبيق وضع (عم عبد الرحيم) والمشاكل التى تواجهه على كثيرين جدا من الشخصيات الحقيقية التى تعيش بيننا ونراها يوميا ،وكل قارى يمكنه استحضار قصيدة (عم عبد الرحيم) واجراء المقارنات كما يشاء . مجمل القول هنا اذن إن الرمزية موجودة بإتقان فى قصائد (حميد) وهذا الامر ينطبق بصورة واضحة على قصديته (حكاية الجابرية )التى نضعها امامنا الان .فالجابرية كما يصفها (حميد)عبارة عن قرية صغيرة فى منطقة ما من السودان ،ولكن باكتمال قراءتنا للقصيدة سرعان ما نكتشف إن الجابرية يمكن اعتبار انها السودان نفسه بكل تفاصيله السياسية المعروفة التى يحشدها (حميد) بلغة قصصية سلسة تجعل القارئ يسترسل في قراءة القصيدة - القصة - كأنها فعلا (حكاية) وليس قصيدة . وبصورة موجزة ، فان ملخص (حكاية الجابرية) هو إن اهل (الجابرية) استفادوا من زيارة الرئيس لهم فقاموا بعرض مطالبهم عليه ، وهي أن يبني لهم مكتب بريد (بوسطة) ومدرسة وسطى (كان هذا قبل إن تلغى المدارس الوسطى) بالاضافة الى (شفخانة) لعلاجهم ، وطالبوا ايضا بضبط السوق وحركة التعامل التجاري فيه بحيث لا يبالغ التجار في رفع الاسعار . ونلاحظ إن كل هذه المطالب مشروعة بل اساسية وبديهية لأي منطقة وتمثل حاجيات الانسان الضرورية ، وهي التواصل مع الاخرين ، التعليم ، الصحة وتوفير الغذاء والكساء (من السوق), فماذا حدث ؟ لقد وعدهم الرئيس هباءاً ومرت الشهور وأخيرا قرروا الاعتماد على انفسهم وبنوا (الشفخانة) غير إن السلطة تدخلت وحولتها الى (نقطة بوليس) .وتغير نظام الحكم فجاءت الاحزاب بانتخاباتها والتف اهل الجابرية حول احد المرشحين بعد أن اثنى عليه (شيخ الحلة ) وكل هذا يحدث بطريقة مريبة – كما سنرى – وذلك على امل إن ينفذ لهم مطالبهم غير انه خدعهم ايضا واستخدم مواد البناء التي جاء بها الى الجابرية لبناء مسجد رغم عدم حوجة (الجابرية) له باعتبار إن فيها مساجد اخرى كثيرة غيره وهي مجرد قرية صغيرة لا تحتاج لكل هذا العدد من المساجد . وفي آخر القصيدة يرجع اهل الجابرية الى انفسهم ويدركون إن الشارع والمواطن العادي هو الذي يخدم نفسه وان ارادوا تعمير قريتهم فلا بد لهم من الاعتماد على عمل اياديهم لان كل حكومة أو مسئول تهمه مصلحته أولا ولا يولي الجابرية ومثيلاتها الكثير من الاهتمام الا بالقدر الذي يحقق له مصلحته هو فقط .



    هذا هو باختصار ملخص الاحداث في (حكاية الجابرية) وحتى نقف على التفاصيل الممتعة والمدهشة التي يقدمها لنا الشاعر ، فلنأخذ الاحداث على لسان احد سكان الجابرية ولنتابع من بداية (حكاية الجابرية) :





    كان ضحوية وكنا نسنّد في في المحروت



    فجاءة يدوي مكبر صوت



    قال الريس مار بي فوقنا



    من شغلتنا قلعنا عروقنا



    إن شغلتنا بلا ما روقنا



    فكينالو حبل واسوقنا



    وانماسكنا يطمـّـن روقنا





    نحن الان فعلا في جو زراعي نرى امامنا مجموعة من الناس يعملون على ارضهم في (الضحوية ) وكما هو معروف فالزراعة في الريف وقتها خلال اليوم يكون (ضحوية) أو (ضحوة) في الفترة الصباحية ثم (ضهرية) في العصر وحتى المغيب



    وبينما مزارعي (الجابرية) منهمكون في عملهم يرتفع صوت الميكرفون ليعلن عن زيارة يقوم بها الرئيس الى المنطقة ، فماذا حدث ؟ لأن هذه الزيارة تاتي فجاءة وبلا ترتيب فان اهل الجابرية يتركون عملهم باهمال ويهرعون لاستقبال الرئيس كما نقرأ في تفاصيل الحكاية :





    قمنا جميع الحلة مرقنا



    البشوفنا يقول وا شوقنا



    كان ضحوية وكانت عين شمس الله قوية



    وكان الريّـس في عربية



    واقف طولو تحت شمسية





    لنتأمل المشهد الان في الجابرية ، فالناس الذين خرجوا لاستقبال الرئيس يقفون تحت الشمس اللاهبة شديدة الحرارة ، بينما الرئيس في عربة محتمياً بمظلة من الشمس ، انها مفارقة ساخرة وكأن هذا الرئيس بعيد تماما عن المواطنين وما يعيشونه من معاناة . ورغم ذلك :





    هللنالو …… هلجنالو …ولوحنالن بالطورية



    فرّ عبايتو وهزّ عصايتو … وهزو بنادقن الظابطيّـة



    صفقنالن صفقة قوية …



    زغردنالن … وهدًن عندنا خمسة دقائق



    قدمنالو كتاب الله … درقة وسيف … تبروقة هدية



    قفة تمودة … وفاس دهبية





    نرى هنا مشاهدا تحدث دائما عند زيارة مسئول لمنطقة ما ولكن اللافت هنا طبيعة الهدايا التي قدمها أهل (الجابرية) للريس فـ(كتاب الله) رمز لتمسكهم بالدين ، والدرقة والسيف يوضح طبيعة المصادمة والفروسية فيهم ، والتبروقة رمز للعادات والتقاليد الحميدة ذات الاصل الإسلامي العربي ، ثم قفة التمودة كناية عن إن المنطقة ارض انتاج وزراعة ، وهذا ما تشير اليه (الفأس الذهبية) ايضا . وهكذا ببساطة يوضح لنا (حمًيد) طبيعة الحياة في (الجابرية) ثم انتقل الى اصل المأساة :





    وكنا قبل بيّـتنا النية … وبين بيتين علينا اليافطة



    اليافطة أم زيق الدمورية … وأنعبـينا هتافاً واحد :



    (الجابرية تحي الثورة) …



    دايرين بوسطة ومدرسة وسطى..



    والشفخانة وسوق منضبطة





    أهل الجابرية اذن انتهزوا فرصة زيارة الرئيس وقدموا له الهدايا ثم رفعوا اللا فتات ، والهتاف كل ذلك كتمهيد لمطلبهم الذي يتمثل في بوسطة ومدرسة وسطى وشفخانة وسوق منضبطة . ونلاحظ طبيعة الهتاف (الجابرية تحي الثورة) ونذكر فورا إن الحكم في البلد يتبدل بتسلسل رتيب … ثورة عسكرية ، فحكم أحزاب ، فثورة ، فأحزاب … وهكذا .



    وينتقل الشاعر ليصف رد الرئيس على هذه المطالب :





    روّح باسم … قام خاطبنا بنهج الثورة الصارم وحازم



    أمّن لازم من شفخانة والتعمير بالعون الذاتي



    أمّن لازم من شفخانة ومدرسة وسطى … والتعمير بالعون الذاتي



    الاّ البوسطة دي ينظر فيها … أما السوق السوق منضبطة



    للتجار الاسعار واضحة … وبالتأكيد



    للمستهلك باينة وواضحة … وان جاملتوهن تبقى الغلطة





    لقد ضاع هتاف أهل الجابرية سدى ، فالرئيس الذي خاطبهم بطريقة غليظة وصارمة ، أكد على بناء الشفخانة والمدرسة الوسطى ولكن بالعون الذاتي ! فماذا ستقدم الحكومة لاهل الجابرية اذن ؟! اما البوسطة فقد تحفظ الرئيس عليها ربما لان الرسائل قد تستخدم كوسيلة لنقل الاخبار والاحداث وهو أمر لا ترغبه السلطة التي تريد أن يظل اهل الجابرية في حالة انقطاع عن العالم لان المعرفة بالاحداث تنتج الثورة على الواقع السيئ والمطالبة بالحقوق بما يؤدي الى اهتزاز عرش السلطة وهدمه ومعظم النار من مستصغر الشرر كما يقولون !! وقوة استخدام الخطابات والرسائل معروفة وأبدع (حميد) في توظيفها في قصيدة أخرى وهي (رسائل ست الدار الى ود حامد) .



    وهكذا يلاشي الريّس حلم الابوسطة لدى أهل (ابلجابرية) ويقدم لهم منطقا اقتصاديا فاسدا لحل مشكلة السوق بان الاسعار واضحة ومحددة دون إن يلاحظ مدى المستوى المعيشي لاهل الجابرية وهل هذه الا سعار مناسبة لهم أم لا . ولكن … ما هو رد الفعل لدى سكان الجابرية على خطاب الرئيس … نلاحظ إن الخداع قد انطوى عليهم ، ولنقرأ معا :





    انكفينا … رفعنا ايدينا وهزيناهن بالتأييد



    (لا تفريط في قوت الشعب)



    سحقا سحقا للرجعية



    الجابرية ضراع الثورة … بالانتاج حنبني بلدنا





    للاسف فان اهل الجابرية ينساقون خلف الهتافات دون وعي ، ويختم حميد مشهد الزيارة كما يلي :





    وكانوا في جيهة ونحنا في جيهه



    وهم انهببوا بالكابات … وما همانا الصيف وعرقنا



    فات الريس وانفرقنا …



    بالجابرية تجيها البوسطة … الشفخانة ومدرسة وسطى





    مفارقة أخرى هذه ، فأهل الجابرية يدركون انهم في جهه بينما السلطة في جهة أخرى ، ومع ذلك يصدقون السلطة ، بل تمتد احلامهم اكثر فاكثر :



    قلنا ياريت لو زارنا فطور





    واتحزمنا ضبحنا التور



    كنا اقلا ضمنا التور



    أو يا ريت لو درنا الصفقة



    وعاش اليوية ويسقط يوية



    كنا اقلا ضمنا الموية





    مسكينة (الجابرية) !! أي قرية هذه ؟ وكيف يعيش سكانها ؟! لا نور ولا مياه ولا بوسطة ولا مدرسة وسطى ولا شفخانة ، والسوق يتقاذفهم يمينا ويسارا ! وما فائدة السلطة اذا لم توفر هذه الاساسيات للجابرية ؟! ونلاحظ مبدأ (الصفقة) في المقاطع السابقة ، فكلما زاد اكرام اهل المناطق للمسئول زادت مطالبهم ، مع كل هتاف جديد يتوقعون خدمات أكثر ، وهذا مقياس سقيم للامور ، فبديهي أن تجري العلاقة بين السلطة والشعب بهذه الطريقة التي تضر بالطرفين .



    ولان اهل الجابرية تعودوا على الظلم والتناسي كما هو بائن فمن الطبيعي أن لا يصدقوا ما يحدث امامهم ، ولنقرأ :





    كنا بننضم بايدينا



    دا أحسن ريس مر علينا



    من الله خلقنا وشفنا خلقنا



    دا اول ريس ذاتو يجينا !!



    وكونو يجينا يقنب بينّـا.. يشوف اليينا .. كفاية علينا





    هكذا اذن !! اان اهل الجابرية يرون إن مجرد زيارة الرئيس لهم تكفيهم وتفقده لاحوالهم شرف كبير لهم ! وكأن هذه الزيارة ليست من واجبات الرئيس للشعب ، وكأن الرئيس هو شخصية اسطورية بينها وبين الاهالي الاف الحواجز الوهمية !



    إن ثمة مشكلة في التركيبة النفسية لاهل الجابرية ، فالقناعة محمودة ولكن الخنوع واستصغار الذات كارثة كبيرة ، قديما قل الشاعر المتنبئ :



    اذا غامرت في شرف مروم … فلا تقنع بما دون النجوم



    فمعظم الموت في امر حقير … كطعم الموت في امر عظيم



    وهو القائل كذلك :



    على قدر اهل العزم تأتي العزائم … وليس على قدر الكرام تاتي المكارم



    ولكن اهل الجابرية احلامهم محدودة ، ولكنها للانصاف واقعية الى حد كبير .





    آ الجابرية يجوكي الحكما … آ الجابرية تواصلي البرّا



    آ الجابرية ولادك تقرأ …



    نمشي الليلة نصاقر الرادي …



    نمشي الليلة نحضر النشرة





    نلاحظ ان (الراديو) وسيلة صلتهم بالعالم ، والتلفزيون لا يوجد بسبب أن الكهرباء لا توجد ، وهنا تنبيه للدور الذى يمكن ان تقوم به الاذاعة تجاه مواطني الريف .



    ونجلس مع اهل الجابرية وهم يستمعون الى كلمات الريس في (الراديو) ونراقب :





    كنا نراجع في كلماتو …



    الا في ستة من الجابرية



    قالوا تعبكم خارم بارم



    يذهب حاكم خلف الحاكم … والجابرية تظل في حالا



    حلة حياتها تسر الظالم … لا جلكوز ولا تقرا رسالة



    لا راح يطلع منها عالم …



    في كل مجتمع دائما هناك فئة يكون لها رأي آخر في الاحداث ، وهؤلا الستة كانوا يخالفون بقية اهل الجابرية رايهم في وعود السلطة ، في نهاية القصيدة ولكن ما نظرة الستة فى ذلك ؟ وما هو رأيهم لتحسين حال الجابرية ؟ نتابع ونقرأ :





    ما بينصفكم الا ضراعكم … عبوا ضراعكن يا رجالة



    وخلوا بصركم دغري وسالم …



    حكم العسكر ما بتشكر … كلو درار ...كلو مظالم



    ما هو قدركن تحيو همالة … مقصودين والقاصد فاهم !





    اتضحت لنا اذن رؤية هؤلاء الستة للامور ، وانهم يدعون الى الاعتماد على الذات ، لبناء الجابرية .



    ولكن ما رأي بقية اهل الجابرية في ذلك ؟ وماذا كان موقفهم من هؤلاء الستة ؟





    وقاطعناهم … وحاربناهم



    وتميناها البينا شتايم



    حالتن احسن ناس في الحلة



    ايدا نزيهة … عقولا نبيهة



    وقلنا يفرزو … وقلنا قواتهم



    يطلعوا فالصو وقطاع رحمة



    وقطعناها معاهم جملة وقاطعناهم !



    وصاروا في جيهه ونحنا في جيهه





    استخدم اهل الجابرية الشتائم والمقاطعة مع الستة المذكورين ، مع انهم ـ اهل الجابرية - يقرّون بان هؤلاء الستة هم (احسن ناس في الحلة) كما جاء في القصيدة ، تناقص اخر مارسه اهل الجابرية سيندمون عليه لاحقا - كما سنرى ، ولكن كيف سارت الامور في الجابرية بعد انصراف الرئيس ؟ نتابع القراءة :





    مر اليوم… الشهر … الحول … والجابرية بلد في حالا



    قواسي شيوخها … مآسي اطفالا … عذابات ناسا



    من القراصة ولى قراصا حلة تعافر ومقطوع راسا



    عشرين كيلو من الجابرية … صبية تسابق بي كراسا



    آ الجابرية عذابك فينا لاكي القرية ولاكي مدينة





    ينقل حميد صورة مؤلمة للوضع في الجابرية فالبعوض يمتص دماء اهلها مسببا للامراض ، والصغيرات يقطعن مسافة مرعبة للوصول الى مدارسهن … انه وضع سيئ ولم تتحقق أي وعود من السلطة ! فماذا حدث ؟ ويقول الراوي :





    وفد في وفد يقوم ويجينا



    عايزة دراسة واجراءات



    عون امريكي ، وقرض الماني وحاجيات



    وحد مانشوفلنا مسعولين



    مسعولين أو خواجات



    نجري تلم قداحاتنا عليها … ترطن ترجع زي ما جات



    الشفخانة وعايزة دراسة … ومدرسة وسطى واجراءات !





    انه الروتين الحكومي القاتل ، وتعقيد الامور بصورة مبالغ فيها … فكيف لمجرد مبنى شفخانة أو مدرسة أن يتطلب كل هذا التعقيد من قروض خارجية وزيارة خبراء واجانب واجراءات ودراسات ، انها مجرد تبرير لعجز أو عدم رغبة السلطة في انشاء هذه المرافق الضرورية . ولا تخفي علينا الاشارة الى العون الامريكي والالماني وزيارة (الخواجات) كرمز لمدى التغلغل الاجنبي والتدخل في شئون البلاد وهنا تكمن مقدرة الشاعر (حميد) على تسخير مجرى القصيدة ليعكس موقفا أو راياً دون أن يعطي القارئ الاحساس بالانحراف عن الموضوع .



    وتتواصل الدراما في (حكاية الجابرية) وينتبه اهلها قليلا الى مرور الزمن دون تحقق احلامهم فيبادرون :





    لما المطوحة طالت بينا



    اتذكرنا العون الذاتي



    واتحزمنا وقلنا برانا … نبني نقوم للشفخانة



    طوبة فى طوبة وقومناها …



    ويومها التمت جات السلطة … عربي وعجمي ومرة رطانة



    الشفخانة دا ما هو مكانا



    هاك يا تلتلة وهاك يا ورطة



    وغصبا عنك يا الجابرية … وغصبا عنك يا احوالا



    وحمياتا وموت اطفالا … وحمرة عينكم يا رجالة



    قوة انشكت بينا النقطة … وفي الجابرية تحوم الشرطة



    هوّوا كلاب الحلة وصنّو …



    ومن يوم داك ما شفنا الستة !





    اغبياء اهل الجابرية كيف لكم أن تروا (هؤلاء الستة) مرة اخرى بعد أن تم تشييـــــد



    نقطة شرطة في الجابرية …؟ إن الستة المختفين كانوا يمثلون مبعث الامل في الجابرية وهم اصحاب فكرة الاعتماد على الذات في تشييد المرافق بالجابرية هذه الفكرة التي عاد اليها بقية اهل الجابرية وعندما اتموا بناء الشفخانة جاءت السلطة واستولت عليها وحولتها الى نقطة بوليس ! … منتهى الظلم ، لم تنفق السلطة جنيها واحدا على البناء وعند اكتماله تستولى عليه بكل صفاقه (وحمرة عين) ! .



    وننتبه لمشهد صغير يورده (حميد) وهو نباح كلاب (الجابرية) كانما احتجاجا على ما يحدث . ويواصل (حميد) بلسان الراوي ناقلا لنا (حكاية الجابرية) المدهشة :





    وفد الحلة السافر جانا قال اتاكد شاف الخرطة



    ونحن بدل نبني الشفخانة اتسرعنا بنينا النقطة



    الشفخانة دا ما هو مكانا … وكانت غلطة وانقلبت ورطة



    انفاهمتو مع المسعول ؟؟ انفاهمنا مع المسعول



    وقال حيقوم الشفخانة أو يدفع لنا حق الطين



    مع انو النقطة وكت بينانا … قومتوها بلا زنزانة



    في تقديرنا كلام معقول كونو يقوم للشفخانة



    حاجة تضحك … محرقة …هانة



    انتو تقيفوا مع المسعول … وللا الكنتو تنقيفوا معانا ؟؟





    يواصل اهل الجابرية الاستسلام ، ربما لانهم بطبيعتهم قوم مسالمين بدليل إن القرية لم تكن بها نقطة شرطة أصلا وحتى هذه التي بنيت كانت بلا زنزانة ، ورغم ذلك نلاحظ مرارة التساؤل في البيت الاخير من المقاطع اعلاه ، مع أن هذا الوفد الذي ارسلوه ما كان بيده أن يفعل غير ما فعل . ويتواصل سير الامور في الجابرية دونما بشائر :



    وقلنا وخفنا نصد الجاي … خفنا نفشل باقي الخطة



    فضلت جاي … هي فضلت خطة ؟



    وانفرقنا على الجابرية … وانعلقنا تجينا البوسطة



    ومدرسة وسطى … والشفخانة قصاد النقطة



    تجينا … تجينا … تجينا … تجينا …





    وكما هو واضح فان اهل الجابرية ذووا بال طويل لا يفقدون الامل بسهولة ، ولكن الايام تمر ، وتتغير السلطة من عسكر الى الاحزاب كما نرى :





    وما انيقنا … ناس انولدوا وواحدين ماتوا



    لما الريس ودوشتو فاتوا …



    فاتوا العسكر … وجو الاحزاب



    بعد خراج أرواح وعذاب



    ونفس الحلم اتجدد تاني …



    نفس الوجع الراح تحتاني



    حتلناهو جمعنا رفاتو



    نفس اليافطة فىنفس الحتة



    الجابرية تحيي الشعب



    دايرين بوسطة



    ومدرسة وسطى



    والشفخانة بديل للنقطة !





    سكان الجابرية يخاطبون كل عهد سلطة بما يناسبه ، فنحن نلاحظ انهم في سلطة العسكر كتبوا في اللافتة (الجابرية تحي الثورة) ، والان مع مجيء الاحزاب تحولت اللافتة الى (الجابرية تحي الشعب) ! ويكررون نفس المطالب … فهل تتحقق هذه المرة ؟ لنشاهد مشهد الاحداث المثيرة :







    فينا انكلم شيخ الحلة … صنقع … دنقر - سلم وصلى



    وكانوا كلاب الحلة يهووا



    وقال كلمتنا تكون فد واحدي … شان ننقوي وما ننزلا



    شان مشهادنا وعدل الحلة



    - نحن نفوز حاج البلة



    وذاد هوهيو كلُّوب الحلة !





    وهذه طريقة اخرى لمداهنة السلطة عن طريق الوقوف خلف مرشح ما في الانتخابات ثم التصويت لمصلحته على امل فوزه وتحقيق وعوده ونلاحظ إن كلاب الجابرية بدأ نباحها يزداد مع كلمات (شيخ الحلة) وكأنها تشتم في هذه الكلمات رائحة الكذب والنفاق !



    وفي البداية وجدت دعوة شيخ الحلة معارضة من بعض الاهالي ، غير انه ما لبث أن اقنعهم بمنطقة المبنى على تقديس الناس لشرع الله بحيث لا يجاهرون علنا بمعارضتهم لمن يدعي الاحتكام الى شرع الله ،,, لنرى كيف انطلى الامر عليهم :



    …. بعضنا عارض … رد وفاوض



    شيخ الحلة القام حمسنا …



    وقال بله دا هولنا



    وراح يحكملنا بي شرع الله



    هو … هو … هو هو … هووُّا كلاب الحلة !





    وضح لنا الان إن كلاب الجابرية لم تنخدع بكلام شيخ الحلة كما انخدع به الناس ، حتىأن شيخ الحلة نفسه استغرب من طريقة الكلاب في النباح ! وكأنه ادرك انها كشفت المستور !!



    وتتواصل الاحداث ، ويقول الر اوي :





    وانفرقنا على الجابرية …



    وانفرقنا …و يوم الليلة انجمعنا عموم الحلة .



    شيخ الحلة قرأ القران … صنوا كلاب الحلة وهوّا



    وبلة انقدم وسمى وصلى .. صنوا شوية هوّا وهوّوا





    ونلاحظ اشراك الكلاب في الاحداث بطريقة درامية ، فالكلاب عندما يقرأ شيخ الحلة القرآن تصمت وعندما يتكلم عاديا تنبح بصوت عال ، وعندما يسمى (بلة ) ويصلي تسكت ، وبعدها تواصل النباح فكأنها تحترم امور الدين بالصمت وتنتقد ما غير ذلك برفع الصوت بالنباح .



    وترى الان مرشح الانتخابات (بلة) وهو يقف مخاطبا أهل الجابرية , ولنتابع الموقف :





    وقام انكلم … وكان بنقسّم



    النسوان الجاي تنهامز



    الصبيان الجاي تنغامز



    … وكانوا كلاب الحلة بهوّوا



    شكّر وشتّم ... هو هو هوّوا



    حلّل وحرّم .... هوهو هوّوا



    هوّد سبانا … وفات ودّانا الاخرة وجابنا





    نلاحظ التصوير الدقيق الذي يقوم به الشاعر لشخصية حاج بلة ، فهو يبدو شخصا منعما ، بعيدا عن واقع أهل الجابرية ، ويحاول إن ينفذ اليهم من نافذة الدين فيحدثهم عن الاخره وما فيها حتى لكأنه ينقلهم الييها فعليا ويرجعهم للدنيا مرة اخرى ، تلاحظ كذلك انه اباح لنفسه حرية التحليل والتحريم شأنه شأن كل من يتخذ الدين مطية لتحقيق أغراضه ونلاحظ ايضا إن كلاب الجابرية لم تكف عن النباح طيلة حديث حاج بلة !





    قاطعناهو وصوتو انوطّـا



    اصلا واطي وتاني انوطا



    دايرين بوسطة ومدرسة وسطى … والشفخانة بديل للنقطة



    التموين وزيادة الحصة … كهربا … موية وسوق منضبطة



    بلة اتبرع وقال بنبنيهن … هوّوا كلابنا



    واستغربنا قبل بالمرة



    لامن نهتف ترسى كلابنا … لامن ينضم بلة يهوّوا



    بلة انحمس وقال بسقينا … وبي اذن الله يضوي الحلة



    هتف الشيخ وهتفنا وراهو … لاتبديل لشرع الله



    هو هو وو… لا ولاء لغير الله … طاء طاء طاء



    عاش الفارس امل الحلة.... بلة الطاهر علي حسب الله



    بلة الطاهر علي حسب الله … كبر فينا وقام اندلّــا



    ولسة كلاب الحلة يهووا … وزاد هوهيون





    وهكذا انخدع الجميع وتراصوا خلف شعارات براقة الغرض منها كسب التأييد ، الكلاب وحدها كانت على صواب - ويواصل الراوي :





    كبشا ضاع من مرحاتو وقاقع باع



    (بلة الطاهر علي بلاع)!



    كانت اول مرة نشوفو - يومنا الشفنا اللاندكروزر



    اللون مخطط … والبنوت الراسها مربط التنبوبر



    لوري مكوش أقمشة … سكر … حتى الفوفو



    وعتّل تؤجر وامحى المنكر بي معروفو



    بلة الطاهر علي بلاع … اكرمناهو … اكرمنا ضيوفو





    (حمّيد) بلسان الراوي يستخدم اسما ساخرا وذا دلالة لوصف بلة فهو بلة الطاهر علي (بلّـاع) للاشارة الي انه معتاد على (بلع) خيرات البلد وقوت المواطنين المساكين ، ثم يواصل وصف لحظة قدومه الى الجابرية بعربة فخمة مع حاشيته من بنات يرتدين اغطية الرأس ولكن مع (بوبار) دلالة على إن الامر مجرد ديكور فقط لا غير ثم محاولة كسب ود الناس ورضاهم عن طريق توزيع المواد التموينية وغيرها .



    ويواصل الراوي ممسكا بالريشة ليرسم لنا لوحة ناطقة لشخصية بلة الطاهر علي بلاع كما يراها :





    يشبه مرت الشيخ في وشيهو …



    لولا الدقن الدشدش صوفو



    بلة خبارك ما بنشبهنا وعامل زولنا



    وتاني نقول الزول برّانا نغير قولنا



    الا كبار الحلة يقولوا … بلة دا هولنا



    بلة دا اصلا من ها الحلة



    الا اتربى وقرا في الخارج … ورافق جدوا الفتح التركي



    وسيرتو انقطعت في المهدية



    ومرة سمعنا استوطن برة وقام اتزوج من مصرية



    جابت علي ..علي جاب الطاهر … حتى الطاهر خلّف بلة



    جدوا اتشيطن اخير ما لانا



    وبلة اسركن وجا وبرّانا



    اقرب واحد لي حاج بلة … اقرب واحد شيخ الحلة





    ترى - للاسف - إن سلاح التموين والعطايا قد ادى غرضه وصرف سكان الجابرية عن التشكيك في اصل حاج بلة ، برغم انهم شكوا في ذلك لانه لا يشبههم لا خلقاً ولا خٌلقا ! ونعرف الان فقط السبب الذي جعل شيخ الحلة متحمساً لحاج بلة وداعما له ، فهو قريبه وعطاياه تمتد له !



    حان الان وقت الصلاة وننتبه مع الراوي لهذه اللحظة وهو ينقلها لنا :





    بلة الطاهر علي حسب الله



    اول مرة يصلي معانا



    قدمناهو وقام امّانا



    صوتو مرخرخ لمن يقرا



    لامن يركع جسمو متختخ



    عند السجدة سجودو ممخمخ



    شيخ الحلة يقول عن امرو



    زول غرقان في الدين من عمرو



    ستة سنين قابض في جمرو



    ما فكاهو طريق الله ... صوتو وِدِر من كترة ذكرو !



    وجسمو التختخو شدة صبرو



    قلنا حقيقة ... الزول بىعزرو!





    يا للحماقة ! إن اهل الجابرية تنطلي عليهم كل التبريرات وشيخ الحلة يجد مبررا مقنعاً ـ ساذجاًـ معاً لكل عيب من عيوب حاج بلة ، ولكن بذرة من الشك بدأت في نفوس بعض سكان الجابرية ، ونقرأ مع الراوي :





    وفتنا قناعة ... ومانا قناعة



    الا الستة الصارو جماعة



    قالو دا زول ترباتو مياعة



    زول زول دنيا ودنيا صياعة



    قصة دينو ودقنو بضاعة



    ونحنا اصواتنا ... يا اما مضاعة



    ... ويا اما جهالة وناس متباعة



    وفي الحالتين احلامنا مضاعة ... وخارم بارم !





    (حزب الستة ) اذن يوضح الامور بطريقة بسيطة ولكن .. هل سيستجيب بقية اهل الجابرية لكلامهم ؟ انهم يواصلون على لسان الراوي :





    كونها بوسطة ومدرسة وسطى ..



    والشفخانة وموية ونور



    كونو يجينا دا ما منظور



    وزيادة الحصة .. الزول زول سوق



    زول من جدو يلف ويدور !





    وهذا أمر منطقي تماما ، فحاج البلة تاجر ، والتاجر لا يمكن إن يصلح امور السوق لان مصلحته ان تظل الاسعار مرتفعة ، ويواصل (الستة) كلامهم :





    ويا الجابرية دا مطلب عادل



    كونو تطيبي تكاتبي وتقري



    ضوّك يشلع ودشّـك يرشع ..



    واحنا دفعنا ضرايب بدري



    ولسه بندفع .. لسّـع .. لسّـع !





    وهذا تساؤل عن أيلولة الضرائب والرسوم التي يدفعها اهل الجابرية ومثلهم من القرى للحكومة ـ ما هو مقابل هذه الضرائب ؟ واين تذهب ؟ اذا كانت هذه القرى تشكو من ابسط اساسيات العيش .



    (ويلقى الستة) باخر اقوالهم لاهل الجابرية ثم يغادرونها بعد إن صبروا ما يكفي وتعرضوا للمضايقة والمقاطعة من السلطة والاهالي على السواء ، ويأتي على لسانهم :





    بس يا جماعة ..



    إن قضينا حياتنا تباعة وصِنّـيت رادي



    وقول في الفاضي .. خوفنا نقوم ما نلقى اراضي



    ونحنا اساسنا وراسنا زراعة ..



    والجابرية إن دايرا شفاعه ما بيشفعلها الا ضراعا



    عبوا ضراعكم يا رجالة ... وخلوا بصركم دغري وسالم



    شيخ الحلة أضل وضلّ وأسألو درّة وحاجة السرة



    عن التيبان وحكاية الصرة



    اللمّ البلة وشيخ الحلة مع شرع الله !!



    والناس ديل العارضين برة .. جربناهم كمّين مرة



    تاني نجرب شان ننضر ؟



    ويا الجابرية معاكي سلامة ...



    كان الفوقك ما فات مرة !





    اذن انكشف المستور واتضح لنا إن البلة وشيخ الحلة شخصيتان مشبوهتان حقاً بدليل حكاية الثياب و (الصرة) مع (برة) و (حاجة السرة) وإن لم يوضحها الراوي وتركها لخيال كل قارئ !!



    حسناً ، وبعد رحيل هؤلاء الستة ، ماذا حدث في الجابرية ، وما هو موقف الاهالي ؟ .. نتابع الراوي :





    كان كلماتهن ناشف ريقا وكانت مرة



    الا حقيقة غلبنا نطيقا .. وين في الصرمة وقل القدرة



    سكتناهم .. بس ما صنّوا



    وقاطعناهم تاني المرة





    يحاول اهالي الجابرية إن يبرروا موقفهم من الستة الراحلين بأن الفقر وقلة الحيلة هي الدافع وراء ذلك .. ولكن كان الاوان قد فات على ذلك !



    وينقل لنا الراوي مسيرة الحكاية نحو المأساة :





    وبلة طريق الناس وخيارا



    فوزناهو وجانا زيارة



    كرمنالو التور وعرضنا .. وخليناهم برة الدارة



    دايرين بوسطة ومدرسة وسطى ..



    موية وكهربا والشفخانة .. زيادة الحصة وسوق منضبطة



    وصدّوا كلاب الحلة يهووا .. ينضم بلة ويهوّوا معاهو



    نهتف نحنا يزيد هيوهيوا !





    ونلاحظ مدى التغيير ، ففي المشاهد الماضية كانت كلاب الجابرية تنبح عندما يتكلم بلة وتصمت عند هتاف اهل الجابرية ، الآن صارت تنبح عند كلامه ويزداد نباحها عند هتاف السكان !! .. مؤشر آخر على سوء الحال .



    ولكن ما هذا الذي يحدث ؟.. مواد بناء تدخل الجابرية .. ترى هل صدقت وعود حاج بلة ؟! ... لنتابع الراوي :





    ما في شهر جاتنا الخرسانة .. جانا السيخ .. الطوب .. الرملة



    جا الاسمنتي شكارة شكارة .. عديناهن الف شكارة



    كرمنالن خيرا جانا - وكل كلاب الحلة الهوّن



    طفشناهن بالجبخانة !!





    يبدو إن اهل الجابرية قد صدّقوا الأحداث لدرجة أن يطردوا الكلاب التي كانت تنبح ساخرة ومحتجة على الخداع الذي يمارس على الجابرية وسكانها !.. هؤلاء السكان الذين يغرقون في الاحلام ويقول الراوي بلسان امالهم :





    اتغالطنا كتير في بعضنا .. أولى المدرسة ولاّ البوسطة ؟



    أولى المدرسة والشفخانة .. الشفخانة محل النقطة



    ونان النقطة نحنا اهالي وودنا صافي



    بينا معزة .. جرائم مافي .. وما بنحتاج لي شرطة ونقطة



    تحصل علة في شيخ الحلة وناس السلطة



    نحنا الايدينا بنت النقطة .. والجيران زبّالة اطيانا



    ستين طلبة وعشرين أوسطى .. شغالين ما ملّو سخانة





    ويعيش اهل الجابرية المساكين في لجة احلامهم الوردية ، ويتغنوا اشادة بحاج البلة ، ثم فجأة تتضح الحقيقة المرة ، وتتهاوى الاحلام كأنها لم تكن .. .. يقول الراوي :





    مدرسة .. بوسطة .. وقلنا غنانا



    يا الجارية الله ادانا ..



    حاج البلة المبروك جانا .. جاب المدرسة جاب البوسطة



    وبكرة يرجع للشفخانة ..



    نصحى نصابح موية الدش .. نمسي نلاقي الضو عمانا



    مدرسة بوسطة .. مدرسة بوسطة



    وفجأة تبين في السطح الخرطة



    ..... وكب تنتصب الميضنة ..... أخ !



    أخ من حظك يا الجابرية .. سابع جامع الجابرية !



    وصدوا كلاب الحلة يهووا ..



    ... أخ يا الناس الحالهم قـطّ !





    بهذه الطريقة تتضح فصول هذه المسرحية البشعة التي مثلها حاج البلة في الجابرية ، فمواد البناء لم يكن الغرض منها تشييد البوسطة أو المدرسة أوحتى الشفخانة ، بل كانت لبناء مسجد مع أن الجابرية بها ستة مساجد اخرى ولا تحتاج الى مسجد اضافي ، فايهما أولى : مسجد لا يجد من يصلي فيه أم شفخانة تعالج الناس ومدرسة يتعلمون فيها وبوسطة يتراسلون عبرها ؟



    إن الامر يمثل قمة الاساءة في استغلال الدين للمصالح الشخصية وبدون معرفة حقيقية بجوهر الدين الذي ييسير حياة الناس ، ولا يقوم على الخداع مثلما فعل حاج البلة في الجابرية !.



    ثم نصل الى الفصل الاخير من حكاية الجابرية - هذه الحكاية المحزنة - ونتأمل حال اهل الجابرية بعد أن ادركوا ما يمارس عليهم من خداع فعرفوا ان مخرجهم فقط في اعتمادهم على انفسهم فجاءت الكلمات التي صاغها (حمّـيد) على لسان الراوي جميلة ، ومعبرة :





    في البلدان الحظها فاجع ..



    بُـق يا الصاح الماك متراجع



    بق في ارحامنا .. في شافع نافع



    ترفعوأمّـو في حيطة الجامع .. يكتب يسقط دجل السلطة



    يسقط بلة وشيخنا التابع



    وكشفناك وكشفنا الخطة



    تحيا كلابك يا الجابرية .. يحيا ضراع الزّيتهم طالع



    غـلب يصارع مُر الواقع .. يحيا ترابك والطورية



    الجابرية تحي الشارع ..



    دايرين كهرباء .. دايرين موية



    دايرين بوسطة وسوق منضبطة



    والله بنعبدو في أيّة حتّــه



    دايرين هسه زيادة الحصة .. الشفخانة بديل النقطة



    دايرين بوسطة ومدرسة وسطى !





    هذه المرة عرفت الجابرية من تحيي ، فكان الهتاف (الجابرية تحي الشارع) وهو القادر على تحقيق احلامها, ولا يفوتنا ملاحظة مشهد الطفل الذي ترفعه أمه على حائط الجامع - الجامع بالذات - ليكتب (يسقط دجل السلطة) دلالة على الاستياء من اساءة استخدام الدين كذريعة سياسية ، ونلاحظ ايضا ان الجابرية قد تشبعت بالدين حتى الثمالة وعرفت ان الله يمكن ان يعبد في اى مكان وكل الارض خلقها الله مساجد وقد بلغ الضجر ذروته حينما طال التمجيد حتى وصل كلاب الجابرية باعتبار انها لم تنخدع بالوعود والدجل فكان الهتاف : (تحيا كلابك يا الجابرية) .



    وهكذا نرجع من هذه الرحلة الى الجابرية
    .
                  

12-01-2007, 05:57 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 25060

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلة الى الجابرية مع محمد الحسن سالم حميد (Re: وائل فحل)

    شكرا وائل

    كتابة مبدعة ورائعة


                  

12-02-2007, 07:31 AM

وائل فحل

تاريخ التسجيل: 11-29-2007
مجموع المشاركات: 1426

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رحلة الى الجابرية مع محمد الحسن سالم حميد (Re: حيدر حسن ميرغني)

    شكراً الاخ حيدر على التعليق والفيديو المرفق ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de