د. محجوب التجاني: نهب الإنتخاب بنزع الضمان (منقول)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 08:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-26-2007, 05:41 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. محجوب التجاني: نهب الإنتخاب بنزع الضمان (منقول)

    The English version is available in Sudan Tribune:
    http://www.sudaneseonline.com/spip.php?article24881


    Quote:
    بقلم / محجوب التجاني
    23نوفمبر2007 - طغمة السودان الحاكمة مصممة علي الحكم دونما منافس؛ وبصرف النظر تماماً عن النصوص القاطعة في الدستور الانتقالي التي تلزم شريكي الحكم، حكومة السودان وحكومة جنوب السودان بتحقيق أكبر قدر من المشاركة لكل الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدني في فترة الحكم الانتقالي بمقتضي اتفاقية السلام الشامل.
    المعتقد فيه أن حكومة جنوب السودان ليست لديها أية تحفظات حول موجهات الاتفاقية. إلا أن حكومة السودان تتصرف في نفاق إذ تدَّعي أنها أنشأت حكومة وحدة وطنية لكل السودانيين في نفس الوقت الذي أخرجت فيه حزب الأمة والأحزاب أو القيادات الفاعلة الأخري إخراجا وسواسياً من قبل الحرب الحاكم من كل شئون الدولة. ولم تعد هناك لغة تخاطب بها الطغمة الحاكمة جماعات المعارضة والمجتمع المدني سوي إضطهادهم بأمن الدولة وشرطة السودان.
    إن نفاق الحزب الحاكم واضح لايحتاج بياناً للعيان : في نوفمبر الجاري، ذرف مسئولو الحكومة دموع التماسيح مع قادة حزبهم علي الأطفال الذين جري تهريبهم من دارفور إلي أوروبا، مشفوعة بتهديد ووعيد من رئيس الحكومة "ليلقن الغرب درساً في الأخلاق والسلوك الحسن". إن الناطقين باسم الحكومة، مع ذلك، لم يذكروا أبداً مسئولية إدارتهم عن جرائم النزوح الاجباري لعائلات دارفور ومجتمعاتهم البريئة فيما لم يسبق له مثيل، سنوات قبل أن يقع حادث نقل الأطفال عبر الحدود والموانيء السودانية. وفي نفس الليلة، شاهد الكثيرون تلفزيون السودان يحكي عن تمزيق وليد مؤود في شوارع إحدي مدن السودان من قطيع كلاب جائعة (21 نوفمبر 2007)!
    إسقاط إتفاقية السلام من رئيس الحكومة البشير، وفقاً لملاحظاته المتهجمة علي كير رئيس حكومة الجنوب لزيارته الولايات المتحدة، ورفض البشير الصارخ للجنة أبيي الحيادية المنوط بها إيجاد حلول لمشكلات الحدود، والإدارة، ودخل البترول الخ، وهي لجنة متفق عليها آنفاً من الحكومتين، حوت بّينة كافية علي نوايا حزب الجبهة/ المؤتمر القومي الحقيقية تجاه الاتفاقية، وعلاقات الشمال والجنوب، والحاجة الحساسة لخلق أجواء معافاة تؤدي إلي بناء الثقة والشركة النشطة لتحقيق الاتفاق.
    فإعلانات الحكومة المقلقلة لسير الاتفاقية، وردود الأفعال الشاجبة لها من باقان أموم الناطق باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان ومن الأحزاب المعارضة في جزئي القطر أتبعت بحملة مستطالة لإسقاط هيبة الاتفاق بالإعلام والصحافة من نائب رئيس الحكومة علي عثمان طه، ومستشاره الرئاسي مصطفي إسماعيل ومخطط الأمن نافع علي، ينددون بالحركة الشعبية وحكومة الجنوب "لضغوطها علي شريكها، المؤتمر الوطني الحاكم» [كي يلتزم تماما بتطبيق إتفاقية السلام!]
    وَِجّه طه اللوم لحكومة الجنوب "لعدم رغبتها في حضور اجتماعات اللجنة المشتركة لمتابعة تطبيق الأتفاقية" [دون أن يذكر قيام حكومة السودان بتعيين وزراء حكومة الجنوب في الحكومة المركزية]. وانتقد "الاتصالات الخارجية من جانب واحد ما بين حكومة الجنوب وحكومة الولايات المتحدة" [بالرغم من علم السلطات المسبق وسفارة الولايات المتحدة في الخرطوم بجدول الزيارة].
    كانت الساحة السياسية السودانية تشاهد أداء حكومة السودان المجافي لحكومة الجنوب، وما يرمي إليه من إفراغ لاتفاقية السلام الهامة بما استجلبته من فرص سانحة لإنهاء عداوات الشمال والجنوب، سيما تهديدات الحرب أو أي سياسات أو ممارسات تثير إوارها في أي منطقة من مناطق القطر.
    تواصل تراكم الفشل من حكومة الجبهة القومية الإسلامية وحزبها الحاكم المؤتمر الوطني دون تطبيق الاتفاقية بأي قدر مبدئي، مع ذلك، مما يهدد أجواء السلام، وتقاسم السلطة، وخطي الانفتاح نحو الديمقراطية التي قطعها الشعب السوداني بمساندة عظيمة من المجتمع الدولي، علي وجه العموم، والأمم المتحدة، والاتحاد الافريقي، وحكومة الولايات المتحدة بوجه خاص.
    ما يجب تذكره إلي هذا الحد عن عداوات حكومة السودان الغميسة بحق الاتفاقية وحكومة الجنوب واستعداء البشير الصارخ لقوات الدفاع الشعبي «لتتأهب لأبيي بكامل استعدادها " في ضوء "رفض الحكومة لتوصيات لجنة أبيي لتسوية النزاع الناشب بين الحكومتين علي المنطقة" الحقيقة القائلة بأن حكومة الجبهة ومؤتمرها القومي ظلت تنفذ عمداً وبكل ما استولت عليه من سلطات الدولة وقدراتها خطة محكمة لاستبعاد أي احتمال تتوفر به منافسة عادلة في انتخابات 2008 القادمة.
    ان حيوية هذه الانتخابات لاتتعلق في بساطة بنضال عادي لاستحصال السلطة، أو اجراء منافسة تقليدية بين جماعات لنيل مقاعد برلمانية أو مواقع تنفيذية في نظام ما. إنتخابات 2008 ستجعل في إمكان الشعب السوداني في الجنوب أن يقرر في شأن مصيره السياسي (الوحدة الطوعية مع الشمال في سودان موحد، أو الإنفصال عن الشمال كدولة مستقلة)، لأول مرة في تاريخ السودان الحديث.
    هذا الهدف الرئيس ضمن أهداف اتفاقية السلام شكل بالتأكيد أهم ما نصت عليه الاتفاقية وأجبرت حكومة السودان علي تقبله مضض في محادثات نيفاشا. ولقد ظل ثمنا باهظا لحكومات القطر المتعاقبة أن تحتفظ بالجنوب «جزءاً مهمشاً من الشمال» بدلاً عن الاعتراف به "جزءاً يحكم ذاتياً في إطار السودان الواحد" ودعا ذلك الأمر للإمعان في سعار الحرب الأهلية التي دمرت الأمة حقباً عديدة متواصلة (1955 - 1972، 1983- 2005).
    إصرار حكومة السودان علي إمضاء تعهدات الحكومات المركزية السالفة بالاحتفاظ بالجنوب عدوانياً "جزءاً مهمشاً من الشمال" ثابرت عليه في جلاء تصريحات رئيس الحكومة قبل أيام قليلة، الرافضة مباشرة لتوصيات لجنة أبيي وإتفاقية السلام بشكل غيرمباشر، وإنحاء طه ومستشاروه الرئاسيين باللائمة علي حكومة الجنوب علي مساعيها المشروعة لممارسة الحكم الذاتي وتطبيق الحقوق الدستورية لإنجاز أهداف إقليمية أو قومية (وبخاصةٍ أمن الجنوب وسلام دارفور).
    ما تمخض عنه الموقف يعني أن الأزمة العصيبة التي تأخذ بخناق السودان وتحول دونه وتطبيق الاتفاقية بأفضل منهج مرغوب تتحكم فيها ثلاث إشكاليات رئيسة :1) طبيعة النظام الحاكم في الشمال؛ 2) توازن القوي السياسية في الشمال؛ و3) تركيب الصفوة الحاكمة في الجنوب وعلاقات القوة فيما بينها وبين المجتمع.
    الاشكاليات الثلاثة لابد أن تعالج بحكمة وعلي أساس متساو من المراعاة السياسية في كل الساحات الوطنية والدولية، لكيما تعان عملية السلام بموجب الاتفاقية علي الارتقاء بعلاقات الشمال والجنوب؛ وتهيئة القطر للانتخابات الانتقالية واستفتاء تقرير المصير في الجنوب؛ وتقوية مسيرة الشعب للسلام الدائم والعادل؛ وتسريع ذلك المسار لتحقيق الحكم الديمقراطي والتنمية الاقليمية المتكافئة.
    طبيعة النظام الحاكم في الشمال ولا مناص عامل مصيري لتحديد حاضر السودان ومستقبله. إن احتكار الحكومة المركزية للخزانة العامة وتصريف المال العام (بما فيه تكثيف القيود تحت نظام قهري من الضرائب والجمارك والعوائد علي المال الخاص من قبل وزارة المالية والاقتصاد الوطني بتنسيق كامل مع أمن الدولة، ووزارة الداخلية، ومخابرات الجيش، وقوات الدفاع الشعبي، وعصابات الجنجويد) يضمن دائما الطرد الفاعل لجماعات المعارضة المنافسة من تقاسم السلطة، ولو كانت المعارضة علي استعداد كاف لخوض انتخابات نزيهة.
    لقد نعم نظام الجبهة ومؤتمرها الحاكم باحتكار شامل ومتواصل لمقدرات الدولة منذ 30 يونيو 1989 إلي اللحظة، وأغدق علي نفسه ميزات إضافية بوصفه المستلم الوحيد لعوائد غير معروفة من دخل البترول. وإلي جانب استثمارات غير مسائل عنها تولاها الحزب الحاكم بأعمال عديدة مع الصين، وإيران، ودول الخليج، وماليزيا، وسنغافورة، وباكستان، والهند، إضافة إلي ضمانات غير مكشوفة الحجم والقيمة مع الاخوان المسلمين بتنظيمهم العالمي، تكتنف هذه الصفقات بملايين مركبة من العملات سمسرة بالغة الثراء من مبيعات السلاح باهظة الأثمان من الصين وروسيا.
    وبقيادة وزير الدفاع وغيره من قادة الجبهة ومؤتمرها في القوات المسلحة، والشرطة، وأمن الدولة، بُددت كميات غير محددة من الأموال وأنفق منها ما أنفق علي منصرفات التجنيد وبرامج التدريب علي عشرات الألوف من قوات الدفاع الشعبي ومليشيات الجنجويد. وتم تبديد كميات مماثلة من المال العام على عمليات أمن الطغمة الحاكمة، ومشروعاتها الضغمائية وفي مقدمتها مؤتمر الترابى العربي الاسلامى الشعبي الذي أفرغ الخزانة العامة، وغيره من عبث الدعاية الحزبية اللاهية.
    ان المرة الأولى التي تعرضت فيها أجهزة حكومة السودان للمساءلة الحقة لتبين كم وفيما أعملت هذا الانفاق المالى الهائل جاءت في مذكرات رسمية عاصفة من حكومة جنوب السودان، واستفسارات محددة تقدم بها ممثلو التجمع الوطني الديمقراطي في المجلس الوطني (برلمان الحكومة)، وبيان إنتقادي يدين صمت الحكومة المطبق إزاء هذه المنصرفات المُبددة للمال العام أصدره زعيم حزب الأمة الصادق المهدي قبل فترةٍ ما.
    نظام الاسلاميين وقياداته الأخوانية لم يرد على أيِِ ٍمن هذه المساءلات القانونية، مما يشكل دليلاً قاطعاً علي طبيعة النظام المفسدة واحجامه اللادستورى عن الادلاء الكامل بتفاصيل تبديده لثروة البلاد طوال هذه السنين التي انفرد فيها بالحكم والسلطات. ومن أخطر ما خشي النظام مجابهته من مساءلةٍ ما اتهمته به المعارضة من إخفاء الجبهة ومؤتمرها الحاكم للأسلحة الفتاكة في أماكن عديدة بالقطر، بما في ذلك العاصمة القومية الخرطوم، تحت سيطرة الحزب التامة، بعيداً عن أى تقرير نظامى رسمي.
    مدعمة هكذا باحتكار سلطات الدولة وقدراتها وأجهزة القمع المنفلتة من كل رقيب أو حسيب، كمثل ما عليه قوات الدفاع الشعبى وعصابات الجنجويد، لسوف توفر تلك الأموال المتدفقة الضخمة التي أقبلت حكومة الجبهة علي كنزها وإغراقها عطايا لمنتفعي نظامها وعملائه السياسيين، ومؤسساتهم الاقتصادية والتجارية الخاصة، وغيرها من مقربى الحزب، دونما اكتراث أياً كان بأوجه الصرف القانونى لأموال الوطن، مصادر فاحشة للطغمة الحاكمة لتؤمن اكتساحاً شاملاً في الانتخابات القادمة لمنسوبيها. وباستثناء دوائرها من التحقيقات والمساءلة الرسمية والشعبية، لسوف يُقدِم مُشّرعو الجبهة بأغلبيتهم البرلمانية علي تقييد حركة الأحزاب المنافسة وتحجيم قدراتها المالية في المعركة الانتخابية بقانون الانتخابات الجاري إعداده، وتأكيد التسلط والقمع بفرض الجزاءات الرقابية علي مصادر دخل الأحزاب المعارضة، وحرية السفر ونقل المال، وتحويلات المغتربين، وما إليها لإحكام سياسة التضييق وافراغ الانتخاب من كل ضمانٍ نزيه.
    الحاجة القومية لتأمين اانتخابات نزيهة وعادلة وديمقراطية لتُمّكن الوطن من الانتقال الموعود للديمقراطية الدائمة والسلام المقيم تتساوي صعوبات تحقيقها مع انعدام التوازن السياسي بين الأحزاب السياسية في الشمال، وهي حالة ازدادت سوءاً بكل أسف بسبب السماح الخاطئ لحزب الجبهة المتاجر بالحروب، وبرغم وحشيته الموغلة والمعلومة، بالتسيطر السياسي والتشريعي والقضائي والتنفيذي علي الفترة الانتقالية، بتفاصيلها وبكليتها، طبقاً لمفاوضات نيفاشاً ونصوص اتفاقية السلام الشامل.
    ولسوء الحظ، تجاهلت الايقاد وأصدقاء الايقاد في إهمالٍ تلك التحذيرات الصادقة والانذارات البالغة من جماعات المجتمع المدني السوداني وأحزاب المعارضة التي جهرت تبصيراً لأرض السودان والعالم الخارجي بمغبة تسليم الوطن الجريح لجلاديه؛ إلا أن الايقاد فَضّلت التركيز على تدبير سلام قصير الأجل لانهاء المفاوضات المرهقة، بديلاً عن الجهاد في سبيل إيجاد الحل، على أساس استراتيجية سودانية طويلة الأجل لتكفل سلام القطر ونمائه وديمقراطيته، بما تنطوي عليه أزمته من تجذرٍ عميق، وأبعادٍ مركبة التعقيد (بمثلها اختبرت مالى وجنوب أفريقيا من حَل ناجز).
    الافتراض الذى أجرت به مجموعات عمل نيفاشا ومفكريها (في مواجهة للمعارضة السودانية الوطنية) عملية تسلط الجبهة وحزبها الحاكم علي الاتفاقية هو أن سلطة الاخوان "سوف تعمل في مشروعية من أجل السلام، بدلاً من أن تعمل بلا مشروعية من أجل الحرب". ولقد سقط ذلك الافتراض سقوطاً تاماً في فترة ما بعد الاتفاقية، وهي الفترة التي استغلها حكم الجبهة المعادي للديمقراطية، وقد اعترف به اعترافا دولياً مؤملاً في سلامه؛ يستخدم كل مقاليد للسلطة ليغرق الوطن في المفاسد ا لمالية، والعمليات الحربية، والقهر الأمني منذ اليوم الأول لاتفاقية السلام الشامل.
    الطبيعة الاحتكارية للجبهة وحكومتها لن تجعل في الامكان أبدا تعديل الاتفاقية لتشمل ما هو ضرورى لتأكيد مشاركة كل السودانيين في الفترة الإنتقالية، ولو وافقت الحركة الشعبية لتحرير السودان عليه. الأدهي من ذلك، أن الحاجة الماسة لتأمين مشاركة الأحزاب السياسية وجماعات المجتمع المدنى في القرار الوطنى يجب أن تكون قمة الأجندة القومي؛ فهي البديل الوحيد لتدهور حال البلد وانفلات شئونه السيادية وحياته اليومية وتصاعد النزاع بين شريكي الاتفاقية - ويستدعى كل هذا الوضع بلا شك تنبهاً جاداً وخطوات حالية علي مستوى الساحة الوطنية والساحات العالمية.
    أما الضغوط الراهنة علي حكام الجبهة ليتخذوا الاجراءات المطلوبة لانهاء الكارثة المحيقة بدارفور - بدءاً باعادة الاستقرار الكامل للنازحين من الأهالى الي حواكيرهم (أراضيهم الزراعية) المنهوبة، مع التعويض المجزي والأحوال الحياتية القريرة - فقد أمعنت الطغمة الحاكمة في تجاهله بما أتيح لها من إنتهازية متجددة.
    وأما قيام الصين بقيادة إتجاه عالمى لا يأبه بالدور الكبير والمصيرى الذى تستطيع المعارضة السودانية ان تتولاه لإنهاء أزمة أمتها السودانية في حسن نية مع شريكي الاتفاقية المتنازعين، فهو موقف يوضح أثراً من أثار الابعاد القمعى للمجتمع السوداني والأحزاب السياسية المتنفذة، عن كافة شئون الدولة من قبل النظام المتجبر الذي يدفع بكل ما عنده من مجال واستطاعة هذه الأوضاع الهابطة، ليعزز من مكاسبه الحزبية الرخيصة، علي حساب كل الوطن والمواطنين.
    والنتاج النهائى لهذا الطغيان في موازين القوي السياسية بِّين جَلي: إستمرار الفشل في علاقات حكومتى الشمال والجنوب؛ إحباط دور القوي الاقليمية والدولية الصديقة؛ والافراغ الخطير للقدرات الوطنية وامكاناتها السياسية من فاعلياتها الحية بواسطة حكام الجبهة واللاعبين الدوليين علي حد السواء، مما أوقع السودان في مصائد الإفتراس.
    تركيب الصفوة الحاكمة في الجنوب وعلاقات القوة فيما بينها وبين المجتمع إشكالية تتحكم أيضاً في عملية الديمقراطية السودانية وتركيبتها السياسية القومية. حقاً، إن الشعب السوداني يتشاطر أوجهاً كثيرة من التماثل في الحياة الاجتماعية وميادينها العامة، مثل التأكيد علي الحريات الفردية والنضال الدائم لنيل كافة الحقوق العامة.
    في نطاق الشمال، أياً كانت الحالة، استجمع السودان الأوسط، ولو علي حساب مناطق القطر المهمشة الأخرى، فوارقه العرقية والاجتماعية في ثقافة موحدة من سياسة التفاوض والتنافس الانتخابى (علي الرغم من تدخلات القوات المسلحة والاعتراض غير الدستوري والقانوني لحكم المدنيين)، واستطاع أن يسكب في بوتقة متحضرة حصيلة قرون من المعاصرة العالمية، والزراعة المروية ومهارات التصنيع، واكتسب خبرة عالية في التخطيط الحديث، وادارة الأعمال، والتعليم، والصحة، وغيرها من الخدمات الحديثة الأخري.
    إن الجنوب المجني عليه بالحروب الدائمة نصف قرن من الزمان حُرم حرماناً مُمّعناً فيه من المهارات والتسهيلات الحديثة. وبالرغم من الامكانات والقدرات العالية لأبناء الجنوب لإدارة حكم ذاتى اقليمي وتقاسم السلطة والثروة علي أساس متكافئ مع الحكومة المركزية، هنالك فوارق هامة بين الجنوب والشمال فيما يتعلق بمدي الممارسات التفاوضية والتصالحية بين الدولة والمجتمع؛ وحجم النقابات ونشاطها؛ ومستويات الامتداد الحضرى، والبناء الاقتصادي التحتي، وبناء المدن؛ وفعالية التنظيمات الحديثة وخبراتها.
    علاوة علي ذلك، تمايز صفات مميزة في الحياة الثقافية الأفضليات الدينية، وأساليب الحياة الاجتماعية، والعلاقات القانونية، والمماحكة السياسية، جزئي القطر عن بعضهما البعض. هذه المميزات حقائق معلومة أقرتها اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي، وجماعات المعارضة؛ مع أن حكومة الجبهة ومؤتمرها الحاكم تسعي دائماً لتجاهلها لهثاً وراء الوصاية السياسية وتحيزاتها العرقية والاقليمية الآثمة. وفي الجانب الآخر، يقع علي عاتق حكومة الجنوب ان تقرر في شأن القطاع المتزايد من المغتربين الديمقراطيين بالاستغناء عنهم إذ أن رجوعهم للجنوب يقتضى وجود سلام عرقى واقليمى ثابت الي جانب إقامة مستويات مقبولة من الحكم الديمقراطى غير العسكري.
    الجنوب وأى اقليم مهمش آخر في السودان سوف لا يتمكنوا من إنجاز الأهداف المرجوة لإحراز التقدم الاجتماعى والاقتصادي والسياسي دون أن يتحرروا تماماً من معوقات المركز المُعّلة التي لن تزيلها سوى حكومة شعبية مدنية في دولة موحدة، تطبق في حزم وعزم علاقات عادلة ما بين المركز والاقليم، في ظل نظام ديمقراطى شفاف. إن تطبيقات الجبهة المراوغة لاتفاقية السلام الشامل، ومليشياتها الارهابية في الجنوب، وهجومها الاعلامي علي حكومة الجنوب، وعدم رغبتها في الكشف الأمين والصريح عن عائد النفط وحساباته لكل من حكومة الجنوب وقوى المعارضة، وغير ذلك من مظاهر ومكامن السياسات المعادية تستلب من الشمال والجنوب آمالهما العريضة في إكمال حاجة الوطن الي الانتقال للحكم الديمقراطى الناجز.
    لعبت الآلة العسكرية للحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها دوراً نشطاً ضد جيوش الجبهة وحزبها الحاكم في الحرب الأهلية. إن الحركة ورثت في آخر المطاف جنوباً مُدّمراً يحتاج سكانه الي تنمية ناجعة، تدار بعقل مدنى، لتبسط علي الجنوب زراعة واسعة النطاق، وتصنيعاً فالحاً للملايين من النازحين وغيرهم من المواطنين الذين أفقرهم الصراع المسلح، وحرمهم من كل الخدمات والتسهيلات، سيما الوظائف والاسكان والصحة والتعليم. ميزانية حكومة الجنوب، مع ذلك ، لم تخاطب في كفاية هذه الأجندة إذ أن 60 (ستين) في المائة أو ما يزيد عنها من ميزانية الجنوب المقدرة بمئات الملايين من الدولارات تذهب الي المواهي والمرتبات، وامتيازات العسكريين وهيئة الأمن وموظفي الحكومة الأثيرين، تماما مثلما تفعل حكومة الجبهة وحزبها في الشمال.
    إن مذبحة ملكال، التي وقعت أحداثها المؤلمة منذ فترة، وأحداث يامبيو التي جرت ُرحاها في الأسابيع القليلة الماضية تعكس الهم الثقيل الجاثم علي جماعة الجنوب الحاكمة؛ ولعل الأشد أهمية أن النزاعات المؤسفة تزيح الغطاء عن الحاجة الملحة لتفعيل الديمقراطية في نظام حكم الجنوب عن طريق التمثيل المتساوى للقوى العرقية والاجتماعية في الاقليم، والأحزاب السياسية وتنظيمات المثقفين التي لا تنتمى للحركة الشعبية - والأخيرة ذكراً تشكل المعين الاساسى للاستقرار السياسى اللازم لانشاء مجتمع سياسى حديث في جنوب السودان. ومن المأمول فيه أن إمكانات الجنوب لتأسيس حكم علمانى، بنحو ما هو مُودع في الاتفاقية، تُبدي وجودها بقوة في كيان ديمقراطى فعلي - يتعدي شكل الحكومة العسكرية القابضة علي الحكم في الوقت الحاضر.
    قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، مع ذلك، لم تُظهر بعد مساعى جادة لتضع يدها فى يد المعارضة الديمقراطية في السودان. وبدلاً عن ذلك، فقد ضاع وقت ثمين في محاولات فاشلة للتحالف مع جماعة الجبهة وحزبها المتعنصر، الذى يؤمن بكل وضوح بتعالى الأخوان المسلمين على كل جماعة عداهم (مسلمة كانت أم غير مسلمة، في السودان أو خارجه)؛ وهي جماعة تردد باستمرار أنها على أهبة الاستعداد للزج بالوطن وفرض نظام الحزب الواحد، وعزل البلاد من الديمقراطيات العالمية والاقليمية، واحباط المجتمع المدنى في كل مناطق القطر.
    والخلاصة:
    أن الاشكاليات الثلاثة للانتقال الديمقراطى بالحكم في السودان، على نحو ما تناولته المناقشة في هذا التحليل، وبالذات طبيعة النظام الحاكم في الشمال، وتوازن القوى السياسية في الشمال، وتركيبة الصفوة الحاكمة في الجنوب وعلاقات القوة ما بينها وبين المجتمع، يجب أن تُعالج كلها بشكلٍ جامع نحو إيجاد تسوية دائمة للأزمة السياسية في القطر. إن مدخل "المعالجة بالقطعة" الذي يتبناه في راحةٍ نظام الجبهة وحزبها الحاكم، وقد تلقي تشجيعا خاطئا ومُضراً بمصالح الوطن ومستقبله من قبل قوى خارجية (على غرار ما تمت به معالجة أزمة دارفور المحبطة، وما يحيط باتفاقية السلام الشامل من إخفاق متزايد) لابد من إبطاله فوراً.
    ومن أجل أن تُفّعل اتفاقية السلام بطريقة مبدئية رشيدة؛ لترقية علاقات الشمال والجنوب سلمياً؛ ولتهيئة الوطن للانتخابات الانتقالية واستفتاء تقرير المصير في الجنوب بقدرة مهنية عالية؛ يجب التأكيد علي عقد مؤتمر كل السودانيين القومي الدستوري برعاية الأمم المتحدة، والاتحاد الافريقي، وحكومة الولايات المتحدة، والقوى المعنية الأخرى قبل أن تُعْقد الانتخابات: فبلاد المليون ميل يتعين علي أبنائها المحافظة عليها وهم يمثلون 35 مليون إنسانا، منتهجين أفضل تقاليد غير إقصائية في الشركة السياسية والاجتماعية، في ضوء تاريخ أمتهم العريقة. ولابد من الحيلولة دون رمى مصير السودان في الحقب القادمة تحت أقدام الحكم الوحشى لتنظيم الاخوان المسلمين الدولى ووكلائهم المستهترين، حكومة الجبهة ومؤتمرها الحاكم.
                  

11-26-2007, 05:52 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. محجوب التجاني: نهب الإنتخاب بنزع الضمان (منقول) (Re: Mohamed Elgadi)

    Quote:
    قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان، مع ذلك، لم تُظهر بعد مساعى جادة لتضع يدها فى يد المعارضة الديمقراطية في السودان. وبدلاً عن ذلك، فقد ضاع وقت ثمين في محاولات فاشلة للتحالف مع جماعة الجبهة وحزبها المتعنصر، الذى يؤمن بكل وضوح بتعالى الأخوان المسلمين على كل جماعة عداهم (مسلمة كانت أم غير مسلمة، في السودان أو خارجه)؛ وهي جماعة تردد باستمرار أنها على أهبة الاستعداد للزج بالوطن وفرض نظام الحزب الواحد، وعزل البلاد من الديمقراطيات العالمية والاقليمية، واحباط المجتمع المدنى في كل مناطق القطر.


    I believe Dr. Tigani meant te Islamic Movement and not the Mulsim Brothers Movement

    mohamed elgadi
                  

11-27-2007, 04:53 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. محجوب التجاني: نهب الإنتخاب بنزع الضمان (منقول) (Re: Mohamed Elgadi)

    Dr. Mahgoub Tigani sent me this reply, via email, since he's not a member of this Board

    Quote: Thanks, Dr. Gadi, for your note.


    ما قصدته أن الجبهة الاسلامية القومية وهي تمثل تنظيم الأخوان المسلمين في السودان تؤمن وتخطط وتنفذ علي اساس ان تنظيم الأخوان المسلمين هو الأعلي بأي مقياس كان وأن التنظيم العالمي للأخوان المسلمين الذي يخضعون له يعلو علي كل هيئة عالمية أيا كانت
    نعم الحركة الاسلامية لافتة كبيرة تتواري خلفها عشرات الجماعات تلنقي وتفترق ولكنها شأن كل مجتمع سياسي ترتب شئونها حسب اعتقادها ومصالحها الذاتية




    mohamed elgadi
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de