كتب راشد اوشي في صحيفة السوداني بتاريخ 25/11/2007 مايلي
تفشي حالات تسمم مصحوب بغثيان في كوستي
تحقيق : راشد أوشي طوال (23) يوماً عاشت مدينة كوستي حالة من الاشتباه في مياه الشرب التي فاحت منها رائحة كريهة، ومن لم يصب من السكان بالصداع فإنه يشعر بالغثيان وبرغبة في حك جلده.. ورغم تباين الآراء والاتهامات حول المتسبب الأول في تلوث المياه سارعت الجمعية السودانية لحماية البيئة بكوستي الى عقد ورشة عمل كشفت خلالها المتهم الأول وراء التلوث (مخزن المبيدات القديم بجوار النيل الأبيض). من جهته أكد المدير العام لمياه الشرب بولاية النيل تلوث المياه بالمبيدات، لكنه رفض تحمل المسؤولية أو إيجاد علاج لها باعتبار ان الأمر يعود لوقاية النباتات مالكة المخازن، ولكن مدير وقاية النباتات دعم دفوعاته بأنه قدم الحلول وينتظر تحرك حكومة الولاية.. (السوداني) استمعت لكل الأطراف، اليكم الوقائع كما تم رصدها. (23) يوماً من الاشتباه!! على مدار (23) يوماً عاش سكان كوستي الذين تصلهم خدمات المياه في منازلهم كابوس (الرائحة الكريهة) عند تناولهم لمياه الشرب أو الاستحمام. وفي حين كانت كل الآراء تذهب لتلوث المياه بأشكال التلوث المختلفة (عدم معالجة المياه، اختلاط المياه بمياه الصرف الصحي، كثرة الأعطاب التي تسرب مياهاً ملوثة للخطوط)، ذهبت آراء اخرى رغم قلتها وقوة حجتها إلى ان (الملوث) حالياً اخطر مما يتصور الجميع، وقد ظل يشكل مهدداً (خفياً) و(مشتبها به في الوقت ذاته).. ولكن تلك الآراء التي بدت حجتها منطقية لم تسعفها الأدلة لتماطل الجهات المسؤولة في اخذ عينات من المياه لفحصها في حينها. (تطالعون لاحقاً تصريحات في غاية الخطورة لنائب رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة)، وفي المقاهي وأحاديث المدينة التي لم يعد يخفى فيها شئ ترد اشارات متواترة عن ان المدينة عاشت (23) يوماً من الاشتباه في حالات تسمم ناتجة عن مياه الشرب!. السكوت الجماعي!! صداع، الشعور بالغثيان ثم التقيؤ، حمى ذات حرارة عالية، كلها عوارض للتسمم بالمبيدات، وبمبيد بعينه، ورغم وجود الحالات التي اكدها شخصياً البروفيسور مهيد، المدير العام لمستشفى كوستي التعليمي، (أكد مدير عام المستشفى انه يعاني من تقرحات جلدية شاهدتها شخصياً في اليد اليسرى)، معلومات تأكدنا منها، ولكن من يثبت تلك الحالة؟ هل كان هنالك سكوت (جماعي) تجاه البحث عن مخرج يحمل في واجهته (صفة قانونية)، في حين يبطل في الواقع خفايا (أو اخفاء وقائع لا يجوز الإفصاح عن فحواها)، البروف مهيد اكد على ان (الصمت في الوقت الراهن) أغلى من الذهب، في ذلك الوقت كان الإحساس بالخطر يقترب من عامة المواطنين!. لون.. ورائحة.. وطعم!! المدير العام لمياه الشرب بولاية النيل الأبيض المهندس عبدالقادر الفكي أكد ان مشكلة تلوث المياه بالمبيدات ظهرت في بداية العام 1992م حين جرفت المياه المبيد للنيل، مؤكداً انه لم يكن هنالك اي علاج سوى ردم المساحة المتضررة بالمبيد الذي يتحلل بمجرد غسله بالمياه، مشيراً إلى انه، ومنذ ذلك الحين- وحتى العام 2007م- هطلت امطار غزيرة ادت لجرف التربة الملوثة من جديد. ويقول عبدالقادر ان وزارة التخطيط العمراني بالتنسيق مع الهيئة العامة لمياه الشرب عند ورود معلومات عن تغييرات في رائحة المياه وطعمها (90% من السكان اجمعوا على حدوث تلك التغييرات)، كشفت وجود فتحة في خط السكة الحديد (الفاصل بين النيل والموقع الملوث)، مضيفاً: "وقمنا قفلنا الحتة دي بردمها"، مشيراً إلى انه لم يكن هناك من علاج آخر. مشكلة عالمية ويقول المهندس عبدالقادر ان مشكلة التخلص من (مقابر الكيمائيات) هي مشكلة (كبيرة جداً) في العالم ولا تصلح معالجتها الا بوجود جهات مختصة، مشيراً إلى انه لا يمكن نقل التربة الملوثة بالمبيد من جهة إلى جهة اخرى، مؤكداً: "بمبادرة من وزير التخطيط العمراني قمنا بإحاطة المنطقة الملوث بردميات للحيلولة دون وصول المياه الملوثة للنيل"، ويقول المهندس عبدالقادر ان تلك الفترة لم تشهد اي تلوث للمياه، وفيما لم يؤكد تسرب المبيدات للمياه منذ انشاء المخازن لمياه النيل الأبيض (تطالعون لاحقاً تصريحات مدير وقاية النباتات ونائب رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة)، نفى ظهور أي تلوث للمياه بالمبيدات، مضيفاً –وفقاً للتسجيل الذي بطرفنا-: "والله انا ما اقدر اقطع ليك بالشك مية بالمية انحنا لقينا فتحة في السكة الحديد تسرب المياه الملوثة، ويتخيل لي من ما دفناها ما حصلت إشكالية"!. الحل الجذري.. الجهة المختصة!! يؤكد المهندس عبدالقادر حامد، مدير مياه الشرب بالولاية، ان الحل الجذري يعود للجهة المختصة وهي وقاية النباتات، ويقول ان المشاكل الناجمة عن (مقبرة الحصاحيصا) للمبيدات جعلتهم يفكرون في حل لا يسبب مشاكل مستقبلية، مشيراً إلى ان مخازن المبيدات الحالية صارت في قلب المدينة وسببت الكثير من المشاكل، مؤكداً ضرورة وجود خرط موجهة لتفادي اي مشاكل لاحقة، مضيفاً "الحل الذي لجأنا إليه تسوير المنطقة الملوثة بالمبيد وتجميد القضية". التخزين في العراء منذ منتصف الخمسينيات، حيث لم تكن مدينة كوستي قد تمددت بعد، شيدت مخازن المبيدات التابعة لوقاية النباتات، ويقول مدير الوقاية عبدالفتاح عبدالكريم ان المخازن حالياً خالية من المبيد عدا بقايا مبيد (2.4. B) الذي يكافح الأعشاب المائية وكان يخزن في العراء على مدى عشر سنوات، مؤكداً ان تلوث التربة كان نتيجة للتخزين في العراء وبكميات كبيرة، مبيناً "في الوكت داك ما كان في احتياطات سلامة، وكانت المبيدات بتجي على شكل منح من الحكومة الألمانية وبكميات كبيرة جداً"، ويقول ان سوء الترحيل وفترة التخزين لفترات طويلة ادت لما هو حاصل الآن (ترحيل المبيدات للجنوب). وفيما اكد ان المبيد يؤثر على عملية التمثيل الغذائي للحشائش عريضة الأوراق الا ان عبدالفتاح نفى ان يكون له علم بمدى تأثير المبيد على الإنسان، ولكنه عاد وقال "انا أؤكد لك ان اي مبيد أو مواد كيميائية لها آثارها الضارة على المدى الطويل"، مشيراً إلى ان المساحة المتضررة تقدر بنحو فدان، نافياً تسرب المبيد للمياه من باطن الأرض، مضيفاً "الحل الجذري يكمن في وضع التربة الملوثة في حاويات ودفن المكان بالجير الحي لمنع اي تفاعل وتبلغ التكلفة 75 مليون جنيه". أكثر من المسموح به تقول الدكتورة سلمى علي طه، نائب رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة، ان الجمعية قامت في الأساس عام 1996م بعد ان ظهرت مشكلة تلوث المياه بالمبيدات، مؤكدة ان الجمعية وضعت حلا وقتيا بردم المنطقة الملوثة بالتراب (الحماري) لحين حضور منظمة الأغذية والزراعية العالمية وتوقيع السودان على اتفاقية (بازل)، مشيرة إلى ان الوضع ظل على ما هو عليه لسنوات مما أدى لحدوث تعرية في المنطقة الملوثة وانجراف التراب (الحماري)، مضيفة "نسبة لهطول الأمطار الغزيرة لهذا العام ظهرت المشكلة من جديد للسطح"، وتقول الدكتورة سلمى ان تحرك المحلية البطئ وأخذ عينات من المياه الملوثة بعد مضي (23) يوماً ادى لعدم ظهور التلوث في نتائج الفحص المعملي، مؤكدة ان الجمعية اخذت عينات من المياه من ثمانية مواقع واتضح ان ثلاثة منها ملوثة بنسبة تركيز عالية اكثر من المسموح به من منظمة الصحة العالمية (أخذت العينات في عام 1996م). الإجهاض المبكر وتقول الدكتور سلمى ان نسبة التركيز التي وجدت في المنطقة الملوثة (متوسطة السمية)، مشيرة إلى ان السكان في مربع (8) القريب من المنطقة المتأثرة أبلغوا عن حدوث حالات اجهاض لأغنامهم التي ترعى في ذات المنطقة الملوثة، مؤكدة ان تأثير المبيد على الأطفال اكبر ويؤثر على نموهم، مضيفة: "لاحظنا اصابة الناس بصداع حاد وغثيان واضطرابات في الجهاز الهضمي وإسهالات وذلك على حسب افادات المدير العام لمستشفى كوستي"، وتقول الدكتورة سلمى ان جمعية حماية البيئة قامت بجهود كبيرة، وقامت بالاتصال بالمسؤولين وعلى رأسهم الوالي الذي تعاون معهم بدفع نفقات الورشة التي اقيمت بقاعة دار القضاء بكوستي وشهدت حضوراً على مستوى المركز وخرجت بتوصيات مفيدة. حلول وقتية تقول الدكتورة سلمى علي طه، نائب رئيس الجمعية السودانية لحماية البيئة بكوستي، ان خطر المبيدات التي تختلط بمياه الشرب اكبر على الأطفال وتتسبب في اصابتهم بالتخلف العقلي والقلق الزائد وعدم الانتباه والتركيز وظاهرة التوحد، مشيرة إلى ان الحل الذي لجأت إليه ادارة مياه المدن بعمل (ترس) حول المنطقة الملوثة هو حل وقتي خفف نوعاً ما من تسرب المبيدات للمياه، مبينة أنه اذا كان التحرك مع كل جهات الاختصاص فإن الحلول ستكون افضل وفعالة أكثر، داعية الجهات ذات الصلة بالقضة لتبني الحلول الناجعة مهما كانت التكاليف لتفادي الآثار السالبة مستقبلاً.
ــــــــــــــــــــــــــ
ياناس مياه الشرب و ياناس وقاية النباتات رفقا بالآنسان في كوستي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست