الصرف الصحي جعجه بلا طحين

Quote: تحقيق: محب ماهر *التخلص من مياه الصرف الصحي في النيل.. ما بين (الآمن) و(المُدَّمر) *شركة الصرف الصحي: تخلُّصنا من المياه في النيل آمن.. والمُدافعون عن البيئة يتهمونها بالمُدمرة لها خلاف كبير وجدلية أكبر بين القائمين على أمر الصرف الصحي بولاية الخرطوم من جهة، والمنظمات الطوعية المدافعة عن البيئة، والمواطنين من جهة أخرى.. طريق مسدود ذلك الذي وصل إليه الحال من كل جانب.. فكل طرف يرى أنه على حق، وأن الجانب الآخر لا يرى من الكوب إلا الجزء الفارغ.. بعض المنظمات الطوعية ترى أن ما تقوم به شركة الخرطوم لخدمات المياه جريمة لا تغتفر في حق المواطن والوطن، بإعتبار أن الشركة تتخلص من مياه الصرف الصحي الملوثة في نهر النيل مباشرة بمنطقة (الدباسين) بالعزوزاب، فيما ترى الشركة أن التخلص من هذه المياه يتم وفق أُسس علمية مدروسة، وبعد معالجات تجعل من المياه المُتخلص منها موافقة لكل المقاييس المتفق عليها داخلياً، وتوافق أيضاً المعايير التي صادقت البلاد عليها في عدد من المواثيق والإتفاقيات الدولية. مُحاكمة الحاكم حنان الأمين مدثر رئيسة منظمة الإتحاد البيئي المدافعة عن البيئة وسلامتها قالت أن مياه النيل الأبيض قد تلوثت في هذه المنطقة جراء تفريغ الشركة المسؤولة عن الصرف الصحي للمياه (العادمة) في النيل مباشرة، عبر ترعة رئيسية تمر بـ (مجمع اليرموك) للتصنيع الحربي، من المحطة سوبا الرئيسية للصرف الصحي الواقعة جنوبي مدينة الصحافة، لتمر بعدها بمنطقة (الإنقاذ- الأزهري- أبو آدم)، حتي تصب في النيل عند النقطة الفاصلة بين حي الدَّباسين بالعزوزاب، والكلاكلة القلعة شمال، محازية للكوبري الجديد الذي يتم إنشاؤه هناك، وأن هذه المياه ملوثة بكميات كبيرة من البكتيريا الضارة والمواد الكيميائية عالية السمية الناتجة عن تصريف مياه الصّرف الصحي للمستشفيات والمصانع، الأمر الذي يهدد سلامة الإنسان والحيوان، بجانب الأحياء المائية، وأنه من المفترض محاسبة هذه الشركة الحكومية (الخاصة) على ما تسببه من دمار للبيئة. حتي لا تكون النتيجة صفراً رئيسة منظمة الإتحاد البيئي دللت على قولها ذلك بشهادات تحليل من قسم ميكروبيولوجي المياه والأغذية بالمعمل القومي الصحي التابع لوزارة الصحة، لعينات من المياه أُخذت من موقع الترعة الخارجة بجوار النيل، أكدت تلوث العينات ببكتيريا (Thermotolerrant Coliform &E.col ) ما يعني إحتوائها على مواد برازية، ضارة بصحة الإنسان ومسببة للكثير من الأمراض، وتوالد الذباب وخلافه من الحشرات الناقلة للأمراض، إلا أن مدير شركة الصرف الصحي شكك في مصداقية نتيجة التحاليل بإعتبار أنه من الممكن أن تكون هذه العينات مأخوذة من أماكن ملوثة أصلاً لا دخل للشركة في تطهيرها، كأن تكون الترعة الناقلة للمياه المعالجة الخارجة من محطة المعالجة ملوثة بالقاذورات نسبة لقضاء الناس حاجتهم فيها، إلا ان ذلك بالطبع لا يعفي الشركة من تأمين وصول المياه بدون أية نسب تلوث إلى النيل، حتى لا تكون كمن (ينفخ في قربة مقدوده) بإعتبار أن كل مجهوداتها ستضيع سدى أن هي تجاهلت المصب النهائي لعملياتها التي تقول أنها مكلفة ومُجهدة جداً، وإلا أصبحت حصيلتها صفراً. تخلُّص آمن شركة الخرطوم لخدمات المياه إعترفت بمسؤوليتها عن التخلص من مياه الصرف الصحي بالنيل الأبيض، وقالت على لسان حسن محمد كسكوس مديرها العام أنها تقوم بعملية تصريف مياه الصرف الصحي في النيل بعد معالجتها وجعلها آمنة من كل المخاطر التي يتخوف منها الناس، وأنها تستند في ذلك على الدراسات والبحوث والإتفاقات الدولية الخاصة بالتخلص من مياه الصرف الصحي، وأن معدل المعالجة للمياه الخارجة من محطاتهم- والتي يوجد بها أحياء مائية من أسماك وضفادع وطيور الوز، ولا تنبعث منها روائح نتنة- يفوق المعدل المحدد عالمياً، وأن وزارة التخطيط العمراني - التي تتبع لها الشركة- متعاقدة مع مركز المختبرات الإنشائية والبيئية لعمل تحاليل دورية للمياه الداخلة والخارجة من المحطات، للوقوف على الوضع العلمي والصحي للمياه، وأن الوزارة مُطلعة بصورة لصيقة على كل التقارير المرفوعة لها، والتي تؤكد صحة التخلص من مياه الصرف الصحي في النيل بطريقة سليمة، بخلاف ما يثيره الكثير من غير العارفين ببواطن الأُمور والجهود الكبيرة التي تبذلها الشركة للمحافظة على البيئة. نِسب مُتضادة كيف يقبل سكان منطقتي أبو آدم والعزوزاب بما ذهب إليه مدير الشركة المسؤولة عن الصرف الصحي وهم يكتوون بإستمرار وبصورة يومية من تدفق المياه (الآسنة) والروائح (النتنة) من الترعة المارة من أمام منازلهم، ومن طفحها (المُقزز) كل مرة - بحسب تعبير المواطن أحمد عمر النور الساكن بمربع (1) أبو آدم- وكيف يتقبل الآخرون فكرة أن التخلص من مياه الصرف الصحي في النيل آمن ولا أضرار ناتجة عنه، ما لم يستند ذلك على مبررات علمية (تُقنعهم)؟!.. وهذا ما كشف عنه (كسكوس) بقوله أن تقرير شهر أغسطس 2007م الصادر عن مركز المختبرات الإنشائية والبيئية أكد أن نسبة قياس الأكسجين البايولوجي (BOD) في المياه الداخلة إلى محطة المعالجة كان (247,5) ملغرام/لتر، وأصبح في المياه الخارجة- بعد المعالجة- (40,5) ملغرام/لتر، بنسبة إزالة فعلية بلغت (83,6%) وأنه بحسب تصميم محطة المعالجة كان من المفترض أن تكون (83,3%)، وأن نسبة المواد العالقة الكلية (TSS) في نفس الشهر كانت (338,75) ملغرام/لتر في المياه الداخلة، وأصبحت بعد المعالجة (100) ملغرام/لتر، بنسبة إزالة بلغت (70,2%) ما يدل على أن هذه النِّسب تعتبر جيدة جداً في تصريف مياه الصرف الصحي والتخلص منها في النيل، في حين كانت نتيجة معمل الهندسة الصحية التابع لجامعة الخرطوم تقول عكس ذلك، إذ أثبت تحليل المياه الداخلة إلى محطة (ود دفيعة) أن نسبة قياس الأكسجين البايولوجي (BOD) تجاوز الـ (593,16) ملغرام/لتر، في حين سجلت المياه الخارجة منها تجاوزه الـ (351,23) ملغرام/لتر، وكذلك الحال في (إبو آدم) والذي جاءت نتيجته تجاوزه الـ (273,78) ملغرام/لتر، داحضة بذلك كل نتائج التحاليل التي تعتمد عليها شركة الخرطوم لخدمات المياه. التدفق (المالي) بدل (المائي) مدير شركة الخرطوم للصرف الصحي ذهب أبعد من ذلك بقوله أن المصطلح العلمي المسمي (معامل التخفيف) - بحسب المواصفات البريطانية- يُحدد إمكانية تصريف مياه الصرف الصحي بشكل آمن في الأنهار، وفق نسبة تدفق مياه النهر في اليوم، مقارنة مع كمية مياه الصرف الصحي المُراد التخلص منها، وأنه إذا ما تعدت هذه النسبة الـ (500%) يصبح من المسموح به، وأنه وفقاً لهذه المواصفة فإن الدراسات أكدت أن هذه النسبة في المنطقة التي يتم فيها التخلص من مياه الصرف الصحي في النيل الأبيض، وهي منطقة (أبو آدم) تصل إلى (800%) ما يعني أنها تفوق النسب المطلوبة بأزيد من (50%) إضافية، إلا أن ذلك القول لم يرض المُدافعين عن البيئة، بإعتباره مجافياً للحقيقة، وأن الشركة التي تتبع لوزارة التخطيط العمراني تحاول تغطية الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الوزارة ببيعها لمنطقة الحزام الأخضر الواقع جنوبي الخرطوم ، والذي كان بمثابة المصب الآمن والمُتنفس لمياه الصرف الصحي بغرض التوسع العمراني، وأن ما كان يسمي بغابات الحزام الأخضر الـ (محجوزة) ما قامت إلا لهذا الغرض، وأن الوزارة لم تراع فيما قامت به الآثار التي ستترتب علي بيعها للمنطقة، ولم تنظر مطلقاً للجوانب البيئية، وأن جل همها وإهتمامها إنصب في جانب (التدفق المالي) الذي سيصب في معينها. ونواصل.. تري هل من حلول جذرية لمشكلة الصرف الصحي بولاية الخرطوم؟!.. أم أن الحال سيظل على ما هو عليه إلى أن تصحو العاصمة يوماً ما لتجد نفسها غارقة في الفضلات الآدمية، خاصة في ظل التوسع العمراني الكبير الذي ظل يتمدد ؟!.. وهل من خطط لحكومة الولاية في هذا الجانب؟!.. هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة..

Quote: كيف يقبل سكان منطقتي أبو آدم والعزوزاب بما ذهب إليه مدير الشركة المسؤولة عن الصرف الصحي وهم يكتوون بإستمرار وبصورة يومية من تدفق المياه (الآسنة) والروائح (النتنة) من الترعة المارة من أمام منازلهم،