حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 06:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-29-2007, 12:43 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، .


    السودان :الفترة الانتقالية الجارية وبناء الدولة الوطنية*

    محمد علي جادين
    مركز الدراسات السودانية

    مقدمة:
    شهد السودان خلال الخمسين عاماً الماضية ثلاث فترات انتقالية، الفترة الأولى فترة الحكم الذاتي 53-1956م التي بدأت بانتخابات 1953 وانتهت بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان في مطلع عام 1956م (حسب الاتفاقية البريطانية المصرية 12/2/1953) وكانت تستهدف تمهيد الطريق لتحقيق الاستقلال ووضع الأسس المطلوبة لبناء الدولة الوطنية السودانية الحديثة. ولكن القوى السياسية والاجتماعية المسيطرة، التي قادت الحركة الوطنية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ركزت علي سودنة الإدارة البريطانية وجلاء قوات الاحتلال ومن ثم وراثة الدولة الكولونيالية، كما هي دون أي تغيير في بنيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ولذلك تجاهلت قضايا الديمقراطية والوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة. وبرز ذلك أولاً: في تجاهلها لمطالب الجنوب في الحكم الفيدرالي والمحافظة علي خصوصيته الثقافية،رغم وضوح مطالبه في مؤتمر جوبا 1947،و استمرار توتر الأوضاع في المديريات الجنوبية وتدهور العلاقة مع السياسيين الجنوبيين طوال فترة الحكم الذاتي وتفجر تمرد الفرقة العسكرية الجنوبية في أغسطس 1955 قبيل خروج القوات البريطانية من البلاد- وبرز ثانيا في تمسكها بالديمقراطية الليبرالية ممثلة فى النموذج البريطانى كأسلوب للحكم، دون أي محاولة لتطويرها وربطها باحتياجات وخصائص الواقع السوداني. ووضح ثالثا في طرحها لشعار (تحرير لا تعمير) وبالتالي إفراغ الاستقلال السياسي من مضمونه الاقتصادي الاجتماعي ... وكان يمكنها في كل ذلك الاستفادة من تجربة حزب المؤتمر الهندي بقيادة غاندي /نهرو- وهي تجربة كانت

    معروفة في أوساط النخبة السياسية وكان لها تأثيرها المباشر في الحركة الوطنية منذ النصف الثاني لثلاثينات القرن الماضي وفي تجربة مؤتمر الخريجين بشكل خاص. ونتيجة لكل ذلك ظلت القوى السياسية والاجتماعية المهيمنة تركز علي صراعاتها مع بعضها حول السلطة وصراعاتها في مجموعها مع الحركة الجماهيرية الديمقراطية و الحركات الإقليمية، في نفس الوقت، وتتجاهل تماما قضايا بناء الدولة الوطنية الحديثة والموحدة. وفي ذلك يشير بيتر ودوارد إلى أن فترة الحكم الذاتي كانت تمثل تلخيصاً مكثفا لصراعات ومناورات ومكايدات هذه القوى طوال فترة ما بعد الاستقلال اللاحقة (السودان: الدولة المضطربة) وربما حتى الآن. ومن خلال هذه الصراعات ونتيجة لها جاء الانقلاب العسكري الأول (17/11/1958) وبالتالي إدخال البلاد في دوامة حلقة شريرة مفرغة بين الانقلابات والانتفاضات والحكم الديمقراطي المدني. ومن هنا نبعت فكرة البحث عن بداية جديدة تضع الأساس لتسوية وطنية شاملة تضمن وحدة البلاد ومشاركة الجميع في تقرير مصيرها. ولذلك جاءت الفترة الانتقالية الثانية بعد ثورة 21 أكتوبر 1964 والفترة الثالثة التي أعقبت انتفاضة مارس/ابريل 1985.

    وتميزت هاتان الفترتان بصعود قوى سياسية جديدة مؤثرة في الشمال والجنوب علي السواء طرحت قضايا الإصلاح السياسي بشكل واسع وعميق، وخاصة قضايا الدستور القومي، والحل السلمي الديمقراطي لمشكلة الجنوب، وتغيير التركيبة الكولونيالية للدولة، والتنمية الشاملة والمتوازنة. ولكنهما لم تنجحا في تحقيق تلك الأهداف نتيجة لظروف ذاتية وموضوعية، وخاصة إصرار القوى المهيمنة والمسيطرة علي الدولة والمجتمع علي إبقاء الأوضاع القائمة كما هي ومقاومة أي توجه للإصلاح السياسي، بدعاوى حماية الوحدة الوطنية والدستور الإسلامي. وبرز ذلك، بشكل صارخ، في تحرك هذه القوى لإسقاط حكومة ثورة أكتوبر الانتقالية بعد شهور من تكوينها، وفي سيطرة المجلس العسكري الانتقالي علي الفترة الانتقالية الثانية. وأيضا في تحرك الجبهة الإسلامية القومية وقيامها بانقلاب 30 يونيو 1989 لإجهاض التجربة الديمقراطية الثالثة (85-1989) وقطع الطريق علي عملية السلام الجارية وقتها علي أساس اتفاق الميرغني / قرنق (1988) وعقد المؤتمر الدستوري في 18 سبتمبر 1989- وبذلك يمكن القول أن السودان ظل يعيش في فترة انتقال للدولة الوطنية الحديثة الموحدة طوال فترة ما بعد الاستقلال. فقد فشلت الفترات الثلاث السابقة في تحقيق مستلزمات تحقق هذا الهدف، وعلي رأسها الدستور القومي الديمقراطي، الذي يلبي مطالب وطموحات كافة القوى الفاعلة في البلاد.

    والآن تجئ فترة انتقالية رابعة ترتكز هذه المرة علي اتفاقيات مشاكوس/ نيفاشا (2002-2005) الموقعة بين حكومة الإنقاذ القائمة والحركة الشعبية لتحرير السودان من خلال دور فعال ومؤثر لدول مبادرة الإيقاد وشركائها. وهذا يعني أن الجنوب، والحركة الشعبية بشكل رئيسي، أصبح هو المفاوض الأول والأخير مع النظام الحاكم، وان الاتفاقيات المذكورة لم تسقط النخبة الحاكمة، كما حدث في 1964 و 1985، بل ظل النظام الحاكم باقيا ليلعب دورا أساسيا في تنفيذ تلك الاتفاقيات (محجوب محمد صالح، مجلة محاور، العدد الحادي عشر 12/2004)وهذه الفترة الانتقالية تمتد لست سنوات وتتمثل أهدافها المعلنة في تنفيذ هذه الاتفاقيات وصولا إلى تحقيق السلام الشامل والتحول الديمقراطي وتعزيز الوحدة الوطنية لتكون (خيارا جاذبا) لشعب الجنوب في نهاية الفترة الانتقالية وذلك بالإضافة إلى وضع البلاد في طريق التنمية الشاملة والمتوازنة. وفي هذا الإطار تجيء أيضا اتفاقية القاهرة الموقعة بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي (18/7/2005). واتفاقية سلام دارفور (ابوجا 5/ 2006م) واتفاقية سلام الشرق (أسمرا 11/2006م) والنتائج المتوقعة للحوارات الجارية مع القوى الدارفورية الرافضة لاتفاق ابوجا وغيرها من الحوارات الجارية مع القوى السياسية– وكل هذه الاتفاقيات وخاصة اتفاقية نيفاشا،تمثل مهام وبرامج الفترة الانتقالية الراهنة.

    فهل تفتح هذه الفترة الانتقالية الرابعة الطريق لبداية جديدة وتسوية وطنية تاريخية قادرة علي مواجهة الأزمة السودانية بجوانبها المتداخلة والمتشابكة وبناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي؟ هل تختلف عن الفترات الانتقالية السابقة؟ ما هي فرص نجاحها وإخفاقها في تحقيق أهدافها المعلنة؟ ستحاول هذه الورقة الإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها من خلال مناقشة الإمكانيات الفعلية لاتفاقيات مشاكوس /نيفاشا والاتفاقيات المرتبطة بها في مواجهة الأزمة السودانية بحلقاتها المتداخلة والمتشابكة : السلام ، الديمقراطية، الوحدة الوطنية والتنمية الشاملة والمتوازنة. ومن ثم بناء الدولة الوطنية الموحدة.
    اتفاقيات مشاكوس /نيفاشا:
    اتفاقيات مشاكوس /نيفاشا تشكل جوهر أهداف ومهام الفترة الانتقالية الجارية، بحكم ارتباطها بالطرفين الأساسيين في عملية السلام المسنودة من قبل قوى إقليمية ودولية مؤثرة في السياسة السودانية في المرحلة الراهنة. وهي اتفاقيات أدت إلى إنهاء الحرب الأهلية الجارية في الجنوب وتحقيق السلام ووضع البلاد في مجرى تطور جديد يقود إلى بناء السودان علي أسس جديدة تختلف كلية عن الأسس التي ظلت سائدة منذ إعلان الاستقلال حتى الآن...أو....إلي فصل الجنوب وتكوين دولته المستقلة عن طريق استفتاء تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية. ومع أن هذه الاتفاقيات تركز علي إنهاء الحرب الأهلية وعلاقة الجنوب بالمركز (الشمال) إلا أنها، في الواقع، تتجاوز ذلك لتتناول كافة جوانب الأزمة السودانية المزمنة والمستعصية، وتعمل علي أحداث تغييرات أساسية في النظام السياسي والاقتصادي الاجتماعي القائم (قسمة السلطة والثروة) وتقرير مستقبل البلاد (دولة موحدة أم دولتان) في نهاية الفترة الانتقالية. وهي مسؤولية وطنية كبيرة وخطيرة حاولها من قبل مؤتمر المائدة المستديرة (1965) واتفاقية أديس أبابا 1972 وتجربة الحكم الذاتي الإقليمي في الجنوب 72-1983.

    وكان المفترض أن يعالجها مؤتمر دستوري وطني في سبتمبر 1989- ولكنها تحسم الآن من قبل طرفي الاتفاقيات المذكورة فقط دون أي مشاركة للقوى السياسية والاجتماعية والإقليمية الأخرى. وهذا التوجه يرجع، بشكل أساسي، إلى ارتباط عملية التسوية السياسية الجارية بمبادرة الإيقاد وشركائها وإصرار نظام الإنقاذ الحاكم علي حصر المفاوضات في مشكلة الجنوب وبينه والحركة وتجاهل المشاكل الأخرى واستبعاد قوى التجمع الوطني الديمقراطي وقوى المعارضة الأخرى. ومن هنا جاء برتوكول مشاكوس (7/2005) وبرتوكولات نيفاشا (2003-2005) بكل ما تحمل من تناقضات واختلالات أشارت إليها قوى التجمع الوطني وحزب الأمة القومي في وقتها. وهي تناقضات واختلالات واضحة فرضتها تناقضات مواقف الطرفين المتفاوضين وتدخلات الوسطاء والقوى الإقليمية والدولية المرتبطة بمبادرة الإيقاد – فهي تنهي الحرب الأهلية في الجنوب وتتجاهل الحروب والتوترات الجارية في دارفور والشرق ومع القوى السياسية والاجتماعية الأساسية في البلاد، تركز علي مشكلة الجنوب وعلاقته مع الشمال وتتجاهل مشاكل الأقاليم الأخرى، تمنح الوحدة الوطنية أولوية في الفترة الانتقالية وتتجه عمليا لفصل الجنوب منذ الآن، تؤكد المساواة في الحقوق والواجبات وتنشئ دولة بنظامين مختلفين في الجنوب (علماني) والشمال(أسلامي) وهي تناقضات واختلالات واضحة يمكن الإشارة إلى بعضها في الآتي:-

    1) نظام الحكم المتفق عليه في الفترة الانتقالية يقوم علي أسس معقدة وهياكل متعددة ومتفاوتة في مسئولياتها. فهو يقوم علي نظام رئاسي (مؤسسة رئاسية) ودستور اتحادي (قومي) في المركز يحدد سلطات المؤسسات المركزية وعلاقتها بحكومة الجنوب والولايات الشمالية، ودستور علماني في الجنوب يمنحه صلاحيات وسلطات كونفدرالية شبه كاملة لإدارة شئونه كإقليم موحد. وهناك دساتير أخرى للولايات الجنوبية (تتبع لحكومة الجنوب) ودساتير (إسلامية) للولايات الشمالية التي تتبع للحكومة المركزية. وذلك بالإضافة إلى حكم فيدرالي موسع في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق يتبع لرئاسة الجمهورية (وضع خاص) وحكم ذاتي لمنطقة أب ياي ووضعية خاصة للعاصمة القومية. وتبرز تناقضات واختلالات هذا الوضع في إضعاف المركز وفي عدم المساواة والاتساق في صلاحيات المستويات الأدنى. فالجنوب يتمتع بوضعية إقليم موحد وصلاحيات كونفيدرالية شبه كاملة وولايات تابعة لحكومة الإقليم. وفي الوقت نفسه تحرم الأقاليم الشمالية من هذه الصلاحيات دون أسباب معلنة، بل يكرس تقسيمها إلى 15 ولاية تتبع للحكومة المركزية دون مستويات إقليمية وسيطة. وبينما تتمتع ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بصلاحيات فيدرالية واسعة نسبيا، تمنح الولايات الشمالية الأخرى صلاحيات أدنى مماثلة لصلاحيات الولايات الجنوبية. وهذه التناقضات والاختلالات سيكون لها تأثيرها السلبي الواسع في مجرى الفترة الانتقالية وفي تحقيق أهدافها ومهامها المعلنة، كما هو واضح منذ الآن في تفجر الأوضاع في دارفور والشرق وتوترات وسط القوى السياسية الأخرى بعد توقيع اتفاقيات نيفاشا، و أيضا في حشد القوي المختلفة لتحقيق السلام والاستقرار.

    ولذلك لابد من معالجتها بشكل يراعي الشمول والعدالة والمساواة وتقوية المركز، عن طريق إنشاء نظام فيدرالي متوازن يشمل الإقليم الجنوبي والأقاليم الشمالية المعروفة وحكومة مركزية في الخرطوم. ويضاف إلى ذلك أن هذه الاختلالات ترتبط أيضا باختلال واضح في تركيبة المؤسسات التشريعية والتنفيذية الانتقالية في المركز وحكومة الجنوب وحكومات الولايات، يتجسد في شراكة مغلقة بين المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان. إذ يسيطر الطرفان علي مؤسسة الرئاسة بشكل كامل، بجانب الحكومة المركزية والمجلس التشريعي القومي (52% للمؤتمر، 28% للحركة) مع مشاركة محدودة للقوى السياسية الأخرى (14% للقوى الشمالية و6% للقوي الجنوبية) وتشمل الشراكة المفوضيات واللجان والخدمة المدنية والأجهزة الأمنية والعسكرية الخ... وفي الوقت نفسه تشمل سيطرة المؤتمر الوطني علي الولايات الشمالية (70%) وهيمنة الحركة علي حكومة الجنوب والولايات الجنوبية (70%) ويعني ذلك استحالة تغيير هذه الوضعية حتى الانتخابات القادمة. وحتى إذا فازت القوى السياسية الاخري في هذه الانتخابات، فهي ملزمة بتنفيذ الاتفاقيات التي تشترط تغييرها وتعديلها فقط بموافقة الطرفين. وبعد تحول هذه التوجهات إلى واقع عملي، كما هو واضح في تعيينات المجلس الوطني القومي والحكومة المركزية الانتقالية وحكومات ومجالس الولايات، يبدو أن الطرفين يصران علي بناء شراكة ثنائية مغلقة تسيطر علي كافة مؤسسات الفترة الانتقالية. وكل ذلك لا يتناسب مع ضخامة مهام وتحديات الفترة الانتقالية وحاجتها لحشد أوسع إجماع وطني حولها ولا مع طبيعتها كتسوية وطنية تستهدف إعادة بناء السودان علي أسس جديدة تضمن مشاركة كافة القوى في تقرير مصير بلادها.

    2) أن هذه الاتفاقيات تتعامل مع قضايا التحول الديمقراطي كمنتوج ثانوي لحل مشكلة الجنوب ،ويتم ذلك عبر شراكة المؤتمر الوطني والحركة، حسب تعبير محجوب محمد صالح (محاور) وفي خطبته الأخيرة كان الراحل جون قرنق يقول أن التحول الديمقراطي سيتم من خلال عملية سياسية متدرجة وليس نتيجة ضربة واحدة. فالاتفاقيات تتحدث عن احترام حقوق الإنسان وإعلاناتها ومواثيقها العالمية، وعن ضرورة تضمينها في الدستور القومي وإجراء مصالحة وطنية شاملة وانتخابات في منتصف الفترة الانتقالية الخ... وكل ذلك يشير إلى إمكانية تحول ديمقراطي واسع نسبيا ينهي نظام الحزب الواحد ويقيم دولة الديمقراطية والمواطنة. ولكنها في الوقت نفسه تضع عقبات عديدة في هذا الطريق. فالاتفاقيات تضع نفسها فوق الدستور ويطرحها الطرفان كمعاهدة بين دولتين غير قابلة للتعديل إلا بموافقتهما. ومن الناحية العملية أصر الطرفان علي السيطرة علي مفوضية المراجعة الدستورية مع مشاركة محدودة للتجمع الوطني. ومع تقديرنا للمكاسب الدستورية التي حققتها هذه المشاركة، خاصة في مجال الحريات والتحول الديمقراطي، فقد جاءت وثيقة الدستور القومي الانتقالي النهائية لتستند، بشكل أساسي، علي اتفاقيات السلام ودستور 1998. ويضاف إلى ذلك أن الاتفاقية تفرض برنامج حكومة الإنقاذ و اجتهاداتها حول (الشريعة الإسلامية) كأمر واقع غير قابل للتغيير.

    وأكثر من ذلك أن دوائر نافذة في النخبة الحاكمة لا تزال تنظر للدستور الانتقالي كتعديلات ضرورية في دستور 1998 لاستيعاب اتفاقية السلام، وليس كوثيقة دستورية تفتح الطريق لبداية جديدة. ومشاركة هذه الدوائر الفعالة في صياغة الدستور الانتقالي ودساتير الولايات يمكنها من المحافظة علي ركائزها في المركز والولايات الشمالية، علي الأقل، والتحكم في مجري الفترة الانتقالية بشكل عام. ويبدو ذلك، منذ الآن، في تعديل مواعيد الانتخابات من نهاية السنة الثالثة إلى بداية السنة الرابعة للفترة الانتقالية وهناك ايضاً استمرار القوانين السابقة حتى الان، وهى قوانين وضعت لحماية النظام الشمولى.ويشمل ذلك قوانين الامن الوطنى والصحافة والنشاط النقابى والخدمة المدنية وغيرها.وفى بداية 2007م جاء قانون تنظيم الاحزاب بشكل يخضعها لمراقبة السلطة والتحكم فى نشاطها.ولذلك رفضته كل الاحزاب السياسية. وفي الوقت نفسه تتحدث الاتفاقيات عن إجراء مصالحة وطنية واسعة، ولكنها لا تربطها بالحريات العامة والمشاركة الفعالة ومحاسبة سلطة الإنقاذ علي انتهاكات حقوق الإنسان والفساد الإداري والمالي خلال سنوات حكمها كحد ادني من الشروط الضرورية لإجراء أي مصالحة وطنية. ويعني ذلك طيّ صفحات الماضي دون مراجعة ومحاسبة على هذه الانتهاكات ورد الحقوق المسلوبة إلى أهلها- وإذا أضفنا إلى ذلك وجود نظامين مختلفين في دوله واحده وتكريس الشراكة المغلقة بين الطرفين واستمرار نخبة الإنقاذ وقوانينها في السيطرة على جهاز الدولة في المركز والولايات الشمالية،كل ذلك يتناقض، بشكل صارخ، مع ما تبشرنا به هذه الاتفاقيات من تحول ديمقراطي واسع وإحداث تغييرات أساسية في بنية النظام السياسي القائم لمصلحة شعب السودان بمختلف فئاته واقاليمة واحزابة وتنظيماته.

    3) اتفاقيات السلام تتحدث عن أولوية الوحدة الوطنية في الفترة الانتقالية وعن العمل علي جعلها (جاذبة) لشعب الجنوب عند الاستفتاء علي تقرير المصير، حسب بروتوكول مشاكوس (7/2002) ولكنها عمليا تسير في طريق فصل الجنوب عن الشمال – ويتمثل ذلك في توجهها لإنشاء دولة موحدة بنظامين مختلفين في الشمال والجنوب، ووجود جيشين (احدهما للحكومة في الشمال والآخر للحركة في الجنوب وثالث مشترك بين الطرفين)، ونظام مصرفي عالمي في الجنوب ونظام أخر (اسلاموي) في الشمال، ومنح الجنوب صلاحيات كونفيدرالية واسعة، وتقسيم عائدات البترول علي أساس جغرافي (شمال/جنوب) بالإضافة إلى الاختلافات الأساسية في مناهج التعليم العام. وحتى خطة الجام JAM التي تستهدف إعادة أعمار وبناء السودان، تقوم بشكل واضح، علي الفصل بين البنية الاقتصادية في كل من الشمال والجنوب. وكل ذلك يضع الأساس، منذ الآن، لانفصال الجنوب. ويبدو أن هذه الوضعية ترتبط باتفاق مشاكوس الإطاري وتناقضات مواقف الطرفين، ونتيجة لإصرار الحكومة علي (المشروع الحضاري الاسلاموي) وحصر المفاوضات حول خيار وحيد هو: تقسيم البلاد علي أسس دينية وعرقية وبالتالي استبعاد خيار (الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة) المنصوص عليه في إعلان مبادئ الإيقاد 1994م. واستمرار سيطرة نظام الإنقاذ في المركز والشمال خلال الفترة الانتقالية يشكل بالتأكيد عقبة أساسية أمام أي جهود تبذل لجعل الوحدة خيارا (جاذبا) لشعب الجنوب خلال الفترة القادمة. وذلك بحكم إصراره علي (الدولة الدينية) والتمييز بين المواطنين علي أساس الدين، رغم تركيز اتفاقيات السلام علي المساواة في حقوق وواجبات المواطنة دون تمييز. والواقع أن الوضعية الخاصة لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق تسير في نفس الاتجاه.

    4) اتفاقية قسمة الثروة تلتزم معايير جغرافية وإقليمية (شمال/جنوب) في تقسيم عائدات الثروة، خاصة البترول. وفي الوقت نفسه تتجاهل ضرورة التخطيط الاقتصادي الاجتماعي ودور الدولة والقطاع العام في أحداث تنمية شاملة ومتوازنة. والاتفاقية تأتي في ظروف تراجع دور الدولة السودانية وتكريس سياسات الانفتاح في البلاد منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي بشكل عام وفي عهد حكومة الإنقاذ بشكل خاص. ولذلك تركز في مجملها، بشكل واضح، علي نهج اقتصاد السوق ودور القطاع الخاص في التنمية والنشاط الاقتصادي والعلاقة الحميمة مع المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية) انطلاقا من برنامج (الإصلاح الاقتصادي الحكومي) الجاري تنفيذه بتعاون كامل مع البنك والصندوق – ومثل هذا النهج، خاصة في نسخته الإنقاذية، لن يساعد علي تنمية الجنوب والمناطق المهمشة في الأقاليم الشمالية، بشكل خاص، وتنمية الاقتصاد الوطني، بشكل عام، بل سيعمل علي تعميق وتوسيع أوضاع التخلف والتهميش في كل الأقاليم لمصلحة مراكزها الحضرية وفئاتها الطفيلية والبيروقراطية. فهو نهج مجرب وظل سائدا طوال سنوات حكم الإنقاذ، ولم يؤدي إلا إلى الخراب وإشعال الحروب والتهميش وتوسيع قاعدة الفقر لمصلحة تنمية الفئات الطفيلية والبيروقراطية المسيطرة.

    ووجد هذا النهج تجسيده العملي في خطة البعثة المشتركة لتقدير احتياجات ما بعد السلام (JAM) التي وضعها فريق مشترك من الحكومة والحركة، بمشاركة فعالة من البنك الدولي، ووجدت دعما دوليا واسعا في مؤتمر المانحين الذي انعقد في أوسلو في ابريل الماضي. وهي خطة تركز علي البنيات الأساسية وبناء القدرات وتعتمد، بشكل أساسي، علي القطاع الخاص المحلي والأجنبي في مجالات الإنتاج والخدمات. وبذلك تحددت ملامح السياسات الاقتصادية الاجتماعية خلال الفترة الانتقالية منذ الآن لتسير في نفس اتجاهات (برنامج الإصلاح الاقتصادي) الحكومي الجاري تنفيذه طوال السنوات السابقة والمدعوم من المؤسسات المالية الدولية.

    5) اتفاقيات مشاكس/نيفاشا لها بعدها الإقليمي والدولي. فمنذ البداية لعبت مبادرة الإيقاد وشركاؤها دوراً واضحا في تحقيقها، بل تعدى الوساطة إلى المشاركة الفعالة من خلال الضغوط المباشرة (سياسة العصا والجزرة) وتقديم البدائل في حلّ خلافات الطرفين المتفاوضين. وامتد هذا البعد ليشمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وكل ذلك يستمر خلال الفترة القادمة عن طريق الرقابة الدولية المنصوص عليها في الاتفاقية. وذلك بالإضافة إلى برنامج إعادة الأعمار والبناء و دور بعثة الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام التي تتمتع بصلاحيات واسعة تمتد من حفظ الأمن حتى الشؤون المدنية كما منصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 1590- ومع تقديرنا للدور الايجابي الذي قامت به هذه القوى الإقليمية والدولية في تحقيق السلام، ومع تقديرنا لمساعدتها المطلوبة في تنفيذ اتفاقية السلام، مع كل ذلك، فان دورها في الفترة الانتقالية يعني عمليا وضع البلاد تحت (الوصاية الدولية). و يؤدي ذلك إلى بروز سلبيات عديدة يتمثل أهمها في إضعاف الدور الوطني في مواجهة تحديات السلام. فقد طلبت الاتفاقية من الأمم المتحدة القيام بدور الرقابة والمساعدة تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن القرار 1590 تجاوز ذلك إلى توسيع مهام بعثة الأمم المتحدة وربطها بالفصل السابع من الميثاق، أي (اعتبار السودان خطرا علي السلام العالمي).

    وقوات حفظ السلام تتجاوز الـ 11.000 جندي وتنتشر في كافة بقاع السودان وخاصة المناطق المتأثرة بالحرب الأهلية، أي انه يتجاوز كثيرا حجم قوات الاحتلال البريطاني عشية الاستقلال. وصلاحيات بعثة الأمم المتحدة تمتد لتشمل مجالات واسعة تشمل دارفور والشرق ومجالات مدنية عديدة. وهنا الخطورة. فالاهتمام الدولي بالسودان في هذه الفترة يرتبط بالإستراتيجية الأمريكية والغربية في المنطقتين العربية والأفريقية في عالم ما بعد الحرب الباردة وسيطرة القطب الواحد علي المسرح السياسي الدولي. وذلك طمعا في ثرواته وموقعه المتميز- ويضاف إلى ذلك تدخلات مجلس الأمن الدولي في أزمة دارفور من خلال قرارات عديدة خاصة القرارات 1591 و 1593و1706 وخطة الحزم الثلاث الموقعة فى نهاية 2006م .وتدخلات الاتحاد الأفريقي لمراقبة الأوضاع الأمنية في الإقليم ورعاية مفاوضات ابوجا بين الحكومة والحركات الدارفورية. وكل ذلك يشير إلى اتساع التدخل الخارجي في الأزمة السودانية بشكل يهدد سيادة البلاد ويضعها تحت الوصاية الدولية .وقد يعرضها إلى صراعات دولية وإقليمية حول مواردها في الفترة القادمة، كما هو واضح في أزمة دارفور. هذه الحالة تقع بين حالة الصومال (انهيار الدولة) وحالة العراق (الاحتلال) كما يقول عبد العزيز الصاوي (الصحافة 2005). ولكنها حالة متحركة قد تقود إلى الاحتلال أو انهيار الدولة. وهذه الوضعية تتطلب معالجة متوازنة تعمل علي محاصرة سلبياتها وتركيز ايجابياتها وبالتالي تجاوز مصير الحالتين الصومالية والعراقية.

    وذلك عن طريق تحديد دور الأمم المتحدة وقوات حفظ السلام بشكل قاطع وتقليص فترة وجودها.وليس هناك طريقة لتحقيق ذلك سوى تحويل اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا إلى اتفاق قومي سوداني تشارك فيه كافة القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة ومعالجة أزمة دارفور عن طريق إعادة التفاوض حول سلام دارفور بمشاركة جميع قواها السياسية والاجتماعية. والمشكلة أن نخبة الإنقاذ تتعامل مع هذه المسالة بانتهازية واستخفاف يستهدف تحسين علاقاتها مع الإدارة الأمريكية والبلدان الأوربية. وفي سبيل ذلك تقدم لها تنازلات أساسية في قضايا كانت تعدها من كبريات المحرمات في عقيدتها، كما هو واضح في تعاونها مع الولايات المتحدة بشكل واسع في المجالات الأمنية (محجوب عثمان الأيام 6/9) بينما ترفض بشكل قاطع تقديم أي تنازلات للقوى السياسية الأساسية فى البلاد بهدف تحويل اتفاقيات السلام إلى اتفاق قومي يشارك الجميع في حمايته وتنفيذه ويبعد البلاد عن مخاطر التدويل والتدخلات الخارجية.

    آمال ومخاطر:
    مع كل هذه التناقضات والاختلالات رحبت كافة قوى المعارضة، خاصة التجمع الوطني وحزب الأمة، باتفاقيات السلام باعتبارها خطوة هامة في طريق إنهاء الحرب الأهلية وتحقيق السلام ووضع الأساس لمعالجة علاقة الجنوب بالمركز (الشمال) وبأنها تتيح فرصة نادرة لمواجهة الأزمة السودانية بحلقاتها المختلفة وفتح الطريق لبناء سودان ديمقراطي موحد. فهي توقف الحرب الجارية في الجنوب وتوفر الأساس لإعادة هيكلة البناء الوطني علي أسس جديدة مختلفة كلية عن الأسس القائمة منذ الاستقلال، بشكل عام، وفي فترة حكم الإنقاذ، بشكل خاص، أسس تراعي تقوية المركز والاستجابة لمطالب الأقاليم المختلفة، وخاصة الجنوب، في الحكم اللامركزي والمشاركة الفعالة والتنمية المتوازنة في إطار وحدة البلاد وتنوعها وتعددها الأثني والديني والثقافي وحق المجموعات المختلفة في المحافظة علي ثقافاتها وخصوصياتها وتطويرها. صحيح أن اتفاقيات السلام لم تؤدي إلى تفكيك نظام الإنقاذ أو إسقاطه، ولكنها أدت إلى بروز وضعية سياسية جديدة تتميز بحكم ذاتي كامل للجنوب وشراكة سياسية بين الحزب الحاكم والحركة الشعبية علي المستوى الاتحادي وباستمرار الصراع السياسي والاجتماعي بين قوى السلام والديمقراطية والوحدة والتنمية، من جهة، وقوى الحرب والديكتاتورية وتفكيك البلاد علي أسس دينية وعرقية، من جهة أخرى، وذلك في ظروف أفضل وإمكانيات أوسع. والحلقة المركزية في هذا الصراع تتمثل في تحويل التسوية السياسية الجارية من تسوية ثنائية وجزئية إلى تسوية وطنية شاملة.

    وذلك لان مهام ترسيخ السلام وإعادة البناء ومواجهة تحديات الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد لا يمكن أن يتحملها طرفان فقط، مهما كانت قدراتهما، بل هي مسئولية كافة القوى السياسية والاجتماعية الشمالية والجنوبية علي السواء. ولذلك لا مناص من مشاركة هذه القوى في مناقشة ومراجعة الاتفاقيات المذكورة وإقرارها ومن المشاركة في تنفيذها. ومن خلال ذلك وحده يمكن ضمان استمرار عملية السلام والتسوية السياسية الجارية ووصول الفترة الانتقالية إلى بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والأفريقي والدولي. وبالتالي تجاوز مخاطر الانفصال وتفكيك الكيان السوداني علي أسس دينية وعرقية. وفي هذا الإطار تتيح هذه الاتفاقيات فرصة نادرة لتحقيق هذه الآمال، وقد تكون آخر الفرص المتاحة للمحافظة علي وحدة الكيان السوداني ووضعه في طريق النهضة والتقدم. وهذا يتطلب تركيز ايجابياتها وبذل الجهد المطلوب لمحاصرة ومعالجة سلبياتها واختلالاتها التي اشرنا إلى بعضها في السطور السابقة. ونجاحنا في ذلك يعني إمكانية بناء سودان ديمقراطي موحد. وفشلنا فيه يعني، في حدوده الدنيا، انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، وفي حدوده القصوى قد تتفاعل هذه التناقضات والاختلالات لتؤدي إلى فشل الفترة الانتقالية وانهيارها وعودة الصراعات والنزاعات بصورة أوسع في مناطق وأقاليم عديدة، ومن ثم فتح الباب للتدخلات الأجنبية وتفكيك وحدة البلاد علي أسس دينية وعرقية. واحتمالات هذا الفشل، والمخاطر المرتبطة به، ترجع أساسا إلى تناقضات واختلالات اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا وما فجرته من شعور واسع بالغبن والظلم في الأقاليم الشمالية والجنوبية وفي أوساط القوى السياسية الأخرى، كما هو واضح في انفجار الوضع في دارفور وتوتر الأوضاع في الشرق وفي مواقف القوى السياسية الأساسية من المشاركة في مؤسسات الفترة الانتقالية.

    وتنعكس هذه التناقضات والاختلالات، بشكل واضح، في تناقضات المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، بين المشروع الحضاري الاسلاموي ومشروع السودان الجديد، واختلافاتهما في تفسير بنود الاتفاقيات، وحتى عدم الالتزام بتنفيذها. ونشير في هذا الخصوص إلى وضعية مؤسسة الرئاسة (ذات الرأسين) وما قد يفرزه ذلك من صراعات ومناورات بين الشريكين، والي خلافاتهما الجارية حول تقرير لجنة حدود أب ياي واتفاقيات البترول، التي عقدتها الحركة مع شركات غربية، و عائدات البترول وحدود الجنوب والمليشيات وغيرها. ويضاف إلى ذلك اتساع عدم الثقة بينهما الناتج من تراكمات الماضي وسمعة نخبة الإنقاذ في عدم الوفاء بالعهود والمواثيق. وأيا كانت تأثيرات مثل هذه التناقضات والخلافات علي مسيرة الفترة الانتقالية، فانه يمكن التحكم في بعض محاورها عن طريق الضمانات الخارجية والرقابة الدولية المنصوص عليها في اتفاقيات السلام،أو عن طريق التنازلات المتبادلة ولكنه لا يلغيها. وقد أدي ذلك عملياً إلى تركيز الحركة علي قضايا بناء الجنوب بتعقيداتها المعروفة. وكل ذك يساعد، دون شك، في تمكين نخبة الإنقاذ من السيطرة علي المركز والولايات الشمالية ومن ثم مقاومة أي اتجاه للإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي والتغيير الاقتصادي الاجتماعي. ويعني ذلك استمرار حكم الإنقاذ وسياساته المجربة. ويبدو أن العوامل التي تهدد بفشل الفترة الانتقالية وانهيارها تتركز في ثنائيتها وجزئيتها. اذ بالإضافة إلى ما سبق، فقد أدى ذلك إلى إهمال مشاكل الأقاليم الأخرى واستبعاد القوى السياسية والاجتماعية الشمالية والجنوبية الأخرى. ولذلك تفجرت أزمة دارفور ومشكلة الشرق وقد تتفجر مشاكل أقاليم أخرى في الفترة القادمة.

    و الحكومة لا تملك أي خطة محددة للتعامل مع هاتين المشكلتين خارج إطار اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا وإصرارها علي السيطرة في المركز والولايات الشمالية. ونتيجة لذلك تطاولت محاولاتها لمعالجة أزمة دارفور حتى تمّ تدويلها بشكل كامل، وتطاول ترددها في مواجهة مشكلة الشرق لتدفع بها في نفس الطريق. وادي كل ذلك إلى اتساع نفوذ التوجهات القبلية والجهوية في كافة مناطق البلاد، بشكل عام، والأقاليم الشمالية، بشكل خاص. وامتد كذلك في شكل صراعات قبلية وسط الحركات الدارفورية وفي الجنوب والشرق. وفي الجانب الآخر تعسرت مفاوضات الحكومة مع التجمع الوطني وحزب الأمة القومي وتجمدت أمام إصرار طرفي اتفاقيات السلام علي احتكار السلطة والثروة وعدم إخضاعها للمناقشة والمراجعة. وهو توجه قصير النظر. وذلك لأن ظروف الانفراج السياسي في الفترة القادمة سيؤدي حتما إلى اتساع قوى المعارضة السياسية والنقابية والإقليمية في مواجهة عجز الدولة في التعامل الجدّي مع الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد، وخاصة في مجالات الخدمات ومشاكل المعيشة اليومية وأكثر من ذلك أن نخبة الانقاذ ترفض الاسراع فى تنفيذ اتفاق القاهرة مع التجمع الوطنى، رغم مرور ما يقارب العامين على توقيعه. وهناك أيضا القوى الإنقاذية المعادية للسلام وإعادة هيكلة السلطة والثروة، كما يعبر عنها (منبر السلام العادل) المرتبط بدوائر واسعة وسط النخبة الحاكمة وخاصة الفئات الطفيلية والبيروقراطية. وهناك قوى الهوس الديني والعرقي النامية والمرتبطة بانسداد الآفاق في مواجهة الأزمة الشاملة الجارية في البلاد.

    وفي الجنوب هناك مخاطر المليشيات والصراعات القبلية والجهوية وصراعات القوميين الجنوبيين والمجموعات الانفصالية مع الحركة الشعبية وشعاراتها حول السودان الجديد. وهي مليشيات مؤثرة وصراعات حقيقية وواسعة تعمل علي عدم استقرار الإقليم ويمكن أن تقود إلى انفلات أمني خطير، كما حدث فى بعض مدن الجنوب العام الماضي. ومثل هذه الوضعية يمكن مواجهتها فقط من خلال الحوار الجنوبي/الجنوبي لضمان وحدة الجنوب ووحدة كافة القوى الجنوبية وفتح الباب لمشاركتها في إدارة وتطوير إقليمها. وهناك أيضا احتمالات تفجر النزاعات والصراعات في ومع بلدان الجوار وانعكاساتها علي الأوضاع الداخلية، خاصة في الجنوب والغرب والشرق – ويتطلب ذلك تحسين العلاقات مع هذه البلدان علي أساس المصالح المشتركة وضمان استقرار وأمن المنطقة. وهناك أيضا الصراعات الدولية حول السودان بثرواته وموقعه المتميز في وسط أفريقيا والقرن الأفريقي والمنطقة العربية. وما يجري في دارفور يشير إلى احتمالات هذه الصراعات. وقد تؤدي التطورات الجارية هناك إلى تدخل دولي وإقليمي واسع في المنطقة من قبل أمريكا وفرنسا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة. وهناك أيضا احتمالات تدخل إسرائيل بوجودها المؤثر في بعض دول الجوار واهتمامها القديم بالسودان، بشكل عام، والجنوب، بشكل خاص. ويضاف إلى ذلك دور القوى الخارجية في مراقبة عملية السلام الجارية وفي عمليات إعادة الأعمار والبناء ومشاركتها في التخطيط والتنفيذ في ظروف هيمنة القطب الواحد وعسكرة السياسة الدولية وفرض شروط جديدة لتقسيم العمل الدولي وتمزيق بلدان المنطقة والعالم الثالث. ومن جهة أخرى فقد وعدت هذه القوى بدعم مالي كبير لعمليات إعادة البناء في مؤتمر أوسلو (4.5 مليار دولار) وتجربتها في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها تشير إلى أن مثل هذه الوعود لا تتحقق في الواقع، خاصة في ظروف التسويات الناقصة والمهدَّدة بتجدد النزاعات والصراعات وانشغال الحكومات المعنية بترتيب أوضاعها وتكريس سيطرتها السياسية والاقتصادية، كما هو حال السودان.

    المهم أن كل ذلك يشير إلى أن تحديات الفترة الانتقالية الجارية قد فتحت الطريق لبروز وضعية سياسية جديدة تتميز باستمرار الصراع السياسي والاجتماعي في ظروف أفضل وإمكانيات اكبر. و الحلفة المركزية في هذا الصراع تتركز في إمكانية تحويل التسوية السياسية الجارية من تسوية جزئية، تركز علي الجنوب، وثنائية، بين الحكومة والحركة، إلى تسوية وطنية شاملة تخاطب كافة جوانب الأزمة الوطنية وتشارك فيها كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة. ومن خلال ذلك وحده يمكن ضمان استمرار عملية السلام ونجاح الفترة الانتقالية في الوصول إلى أهدافها المعلنة. وهو هدف يمكن تحقيقه بحكم ضغوط الواقع والضغوط الخارجية إحساس دوائر متزايدة وسط طرفي اتفاقية السلام بضرورته، وأيضا بحكم تداخل علاقات الحكومة بالقوى السياسية التقليدية وعلاقات الحركة بقوى التجمع الوطني. ولهذا السبب جاءت اتفاقية القاهرة مع التجمع الوطني واتفاقية ابوجا مع الحركات الدارفورية إضافة إلى الاتفاق مع جبهة الشرق. وهناك أيضا الحوار الجنوبي / الجنوبي الذي بدأه الراحل جون قرنق مع الفصائل المسلحة والقوى السياسية الجنوبية، بالإضافة إلى حوارات المؤتمر الوطني المتقطعة مع حزب الأمة والمؤتمر الشعبي. ولكن هذه الاتفاقات والحوارات تعترضها صعوبات عديدة يتمثل أهمها في تمسك الحكومة والحركة بدرجة أقل بنصوص اتفاقية السلام الشامل واحتكار السلطة والثروة ورفض أي محاولة لتعديلها. وذلك رغم إعلاناتهما المتكررة حول (السلام الشامل ومشاركة الجميع في مؤسسات الفترة الانتقالية .)

    ومع ذلك فان ضغوط الواقع الوطني والخارجي قادرة علي تذليل تلك الصعوبات وفتح الطريق أمام تسوية سياسية شاملة (ملائمة) في إطار اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا. ويعتمد ذلك بشكل أساسي علي تغيير ميزان القوى لمصلحة قوى السلام والتسوية الشاملة. صحيح أن غياب زعيم الحركة، جون قرنق، كان له تأثيره السلبي في توازن القوى لمصلحة الحكومة والاتجاهات الرافضة لتحويل هذه الاتفاقيات إلى تسوية شاملة، وذلك بحكم رؤيته الواضحة حول مشروع السودان الجديد وسيطرته علي وحدة الحركة وعلاقاته الواسعة مع القوى السياسية الشمالية والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الأزمة السودانية. ولكنه تأثير مؤقت يمكن تعويضه عن طريق تماسك الحركة ووحدتها ودعم القوى الشمالية لقيادتها واستنهاض الحركة الجماهيرية الديمقراطية في الشمال والجنوب علي السواء. ويمثل اتفاق القاهرة نموذجا لحالة التأرجح والصراع الجارية هذه. فالاتفاق الموقع بين الحكومة والتجمع الوطني في يناير 2005 جرى تحريكه عن طريق ضغوط مباشرة من جون قرنق. ومع أن الاتفاق يفتقد المظلة الإقليمية والدولية المؤثرة، وجاء بعد اتفاقيات نيفاشا، إلا أن وثيقته الأساسية طرحت قضايا هامة أهملتها اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا.

    وشمل ذلك قضايا الحريات والتحول الديمقراطي، تحويل مؤسسات الدولة لمؤسسات قومية، تقييم ومراجعة تجربة الحكم الفيدرالي، الوحدة الطوعية، قضايا التنمية المتوازنة والسياسات الاقتصادية الكلية، برنامج الإجماع الوطني، حشد كافة القوى لدعم ومساندة عملية السلام، (وردّ المظالم ودفع الضرر) الناتج من انتهاكات حقوق الإنسان في سنوات حكم الإنقاذ الخ.... وهي قضايا مكملة لاتفاقيات مشاكوس/نيفاشا في جوانب أساسية. وبذلك يشكل الاتفاق خطوة هامة في طريق الحل السياسي الشامل بترسيخ التحول الديمقراطي ومعالجة أزمة دارفور ومشكلة الشرق وغيرها- ومجمل هذه القضايا يشكل برنامج عمل لقوى التجمع الوطني وقوى المعارضة الأخرى خلال الفترة الجارية سواء المشاركة في السلطة الانتقالية أو التي لا تشارك- ولكن أن شعور الحكومة بعد غياب جون قرنق بقوة موقفها في مواجهة القوى الأخرى، وخاصة التجمع الوطني، قد دفعها للتمسك بموقفها المسيطر والعمل علي إضعاف التجمع الوطني وإظهاره كمتهافت علي السلطة وخلق تناقضات وسط قواه ومحاولة جذب بعضها إلى صفوفها، بالتركيز علي دوائر محددة في الحزب الاتحادي الديمقراطي. وساعدها في ذلك ضعف التجمع الوطني وضعف مكوناته السياسية والنقابية خاصة بعد توقيع اتفاقيات نيفاشا في يناير 2005م، وعدم كفاية الضغوط الخارجية (مصر أساسا) ودور الحركة الشعبية في هذا الشأن. فالوسيط المصري ظل يركز ضغوطه علي التجمع الوطني أكثر من الحكومة.

    ودول الإيقاد وشركائها تركز علي نجاح عملية السلام بأي ثمن والحركة الشعبية ظلت تبدى اهتماما بمشاركة حليفها، ولكن دون أي تحرك عملي جديّ. ويبدو أن غياب جون قرنق قد أدي إلى تراجع دورها في المركز والشمال عموما والتركيز علي قضايا الجنوب بتعقيداتها المعروفة.والمهم أن هذا النهج ظل يمثل الخط الأساسي للنخبة الحاكمة في تعاملها مع كل قوى المعارضة طوال السنوات السابقة. فقد تحول اتفاق جيبوتي في نهاية 1999 مع حزب الأمة إلى وثيقة لا معني لها وأداة لتقسيمه وتفتيته. ونفس المصير وجدته اتفاقية الخرطوم للسلام (1997) مع فصائل جنوبية انشقت عن الحركة. وفي الفترة الأخيرة ظلت تتعامل مع الحركات الدرافورية بالمطاولة والتسويف ومحاولة تفتيت هذه الحركات وإغراقها بتنظيمات موالية للحكومة. وادي ذلك عمليا إلى تدويل المشكلة وتسليمها للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وفي تعاملها مع مشكلة الشرق سارت في نفس الطريق، وظلت تتعامل مع مسألة مشاركة القوى السياسية في مؤسسات الفترة الانتقالية بعقلية السوق وتوزيع المغانم علي القوى الأخرى، بهدف تفتيتها وكسبها إلى صفوفها. ومثل هذا النهج لا يساعد في تحقيق تسوية سياسية حقيقية وبناء دولة وطنية موحدة، وإنما يعمل فقط علي المحافظة علي سيطرة النخبة الحاكمة خلال الفترة الانتقالية الجارية حتى لو أدى ذلك إلى توسيع وتعميق الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد وتفكيك الكيان السوداني علي أسس دينية وعرقية. والواقع أن النخبة الحاكمة تنظر لاتفاقية السلام الجارية وشراكتها مع الحركة كفرصة ثمينة للمحافظة علي بقائها في كراسي الحكم طوال الفترة القادمة. ومن خلال ذلك يمكنها تركيز سيطرتها السياسية والأمنية الاقتصادية وتوسيع قاعدتها الاجتماعية علي حساب القوى المهيمنة التقليدية. خاصة حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي. والنخبة الحاكمة تعي ضعف قاعدتها وهشاشة سيطرتها القائمة علي القمع والاستبداد.

    فقد ظلت ترتكز، بشكل أساسي. علي قاعدة الجبهة الإسلامية القومية والفئات الطفيلية والبيروقراطية المرتبطة بها والتي نمت وتطورت في عهد النظام المايوى في ظروف الانفتاح والمجاعات وبدايات الأزمة الوطنية الشاملة الجارية في البلاد منذ منتصف سبعينات القرن الماضي. وانقلاب 30 يونيو 1989 نفسه جاء نتيجة لشعور الجبهة الإسلامية بضعفها وعجزها عن تحقيق برنامجها في ظروف الحريات وعملية السلام الجارية وقتها، وذلك بهدف تحقيقه عن طريق القوة – وازداد ضعف هذه القاعدة بعد انقسام النخبة الحاكمة إلى مؤتمر شعبي ومؤتمر وطني في نهاية عام 1999- ونتيجة لذلك أصبحت المجموعة الحاكمة ترتكز فقط إلى فئات بيروقراطية وطفيلية محدودة في جهاز الدولة والسوق. وهي الآن تقوم بإعادة ترتيب أوضاعها بهدف تركيز سيطرتها وتوسيع قاعدتها السياسية والاجتماعية من خلال سيطرتها علي المركز والولايات الشمالية وعلي المفاصل الأساسية في الاقتصاد الوطني (البترول ، المصارف، الاتصالات، الكهرباء، والتجارة الخارجية الخ...) ولهذا السبب تتمسك بحصر الفترة الانتقالية في شراكة مغلقة مع الحركة وترفض أي توجه لتطوير اتفاقيات السلام إلى تسوية وطنية شاملة. وبزر ذلك في إصرارها علي وزارة الطاقة في الحكومة الانتقالية وفي إجازة بعض القوانين قبيل تكوين الحكومة وإجراء تغييرات محسوبة في تركيبة الوزارات والمواقع القيادية في الخدمة المدنية. وكل ذلك يشير إلى إصرار النخبة الحاكمة علي إبقاء الأوضاع كما هي دون أي تغيير جديّ في سياسيات وتركيبة الحكم. وهو إصرار لا يعكس أي تفهم لمتطلبات واستحقاقات السلام والسند الداخلي والخارجي الذي وجده من جماهير الشعب السوداني وقواه السياسية والاجتماعية ومن القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في السياسة السودانية في المرحلة الحالية. وإذا كانت تستند في إصرارها هذا علي توازن القوى الحالي، فان تطورات الفترة الانتقالية الجارية ستؤدي حتما إلى تغيير هذا التوازن لمصلحة قوى التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وبمساندة مباشرة وقوية من القوى الدولة والإقليمية المهتمة بالأزمة السودانية.

    خاتمة:
    في الصفحات السابقة اشرنا إلى أن السودان ظل يعيش فترة انتقال لبناء الدولة الوطنية الموحدة طوال سنوات فترة ما بعد الاستقلال. وخلال هذه السنوات شهدت البلاد ثلاث فترات انتقالية. والآن تجئ فترة انتقالية رابعة تختلف عن الفترات السابقة في أنها ترتكز علي اتفاقيات مشاكوس / نيفاشا الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية (الجنوب) وليس علي انتفاضة شعبية كما حدث في 1964 و 1985. وهذه الاتفاقيات لها بعدها الخارجي المرتبط بمبادرة الإيقاد وشركائها. وهي تركز بشكل أساسي علي إنهاء الحرب الأهلية ومشكلة الجنوب وعلاقاته بالمركز (الشمال) وتتجاهل الجوانب الأخرى للأزمة السودانية بشكل عام. ومع كل ما اشرنا إليه من تناقضات واختلالات تضمنتها هذه الاتفاقيات، فقد أدت إلى إنهاء الحرب الأهلية وتحقيق السلام وخلق وضعية سياسية جديدة تتميز بحكم ذاتي كامل في الجنوب ووضع البلاد في مجرى تطور جديد يقود إلى بناء سودان ديمقراطي موحد علي أسس جديد أو انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة في نهاية الفترة الانتقالية.

    ومع أن قوى التجمع الوطني وحزب الأمة وقوى المعارضة الأخرى قد رحبت بهذه الاتفاقيات وأعلنت دعمها لها إلا أنها لا تزال ترى أن القضايا التي تناولتها لا يمكن أن يقرر فيها طرفان فقط (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) مهما كانت قدراتها، بل هي مسؤولية كل القوى السياسية والاجتماعية وذلك من خلال مؤتمر دستوري وطني تشارك فيه كل هذه القوى. ومن خلال ذلك وحده يمكن ضمان نجاح عملية السلام الجارية واستمرار الفترة الانتقالية ووصولها إلى تحقيق أهدافها في بناء سودان ديمقراطي موحد وفاعل في محيطه العربي والإفريقي والدولي، وبالتالي تجاوز احتمالات انفصال الجنوب وتفكيك الكيان السوداني علي أسس دينية وعرقية. ومع أن طرفي الاتفاقية يرفضان توسيعها ودمجها مع الاتفاقيات الأخرى ومن ثم تحويلها إلى اتفاقية شاملة، فان الواقع يقول أن هناك إمكانيات كبيرة لتحقيق ذلك بحكم ضغوط الواقع الداخلي وضغوط القوى الخارجية. أذ أن هذه الاتفاقيات ستؤدي إلى استمرار الصراع السياسي والاجتماعي بين قوى السلام والديمقراطية والوحدة والتنمية الشاملة والمتوازنة من جهة، وقوى الحرب والديكتاتورية وتفكيك البلاد علي أسس دينية وعرقية من جهة أخرى.

    والحلقة المركزية في هذا الصراع تتمثل في التحول الديمقراطي وتحويل التسوية السياسية الجارية من تسوية ثنائية وجزئية إلى تسوية وطنية شاملة تخاطب كافة جوانب الأزمة الوطنية الجارية وتشارك فيها كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة. وذلك بحكم ضخامة تحديات هذه الأزمة نفسها وعلي رأسها ترسيخ السلام وإعادة بناء البلاد علي أسس ديمقراطية راكزة. والمدخل إلى ذلك يتمثل في دعم ومساندة اتفاقيات السلام بتركيز ايجابياتها وبذل الجهد لمعالجة ومحاصرة سلبياتها وتناقضاتها. ويتطلب ذلك وحدة قوى السلام والديمقراطية ومواصلة نشاطها المشترك وسط جماهير الشعب في كافة مواقعها من أجل تطوير
    اتفاقيات مشاكوس/نيفاشا في المجالات الآتية:-

    1. العمل علي تحويل اتفاقيات السلام إلى اتفاقية وطنية شاملة، وذلك عن طريق استكمال تنفيذ اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني وإلى حل عادل لازمة دارفور ومشكلة الشرق، عبر تطوير اتفاق ابوجا إلى اتفاق شامل بمشاركة كل القوى الدارفورية وتدعيم اتفاق الشرق بتوجهات مماثلة. واستكمال الحوارات الجارية مع حزب الأمة والمؤتمر الشعبي، ودمج نتائج هذه المفاوضات والحوارات مع اتفاقيات مشاكوس/ نيفاشا وصولا إلى تسوية وطنية شاملة. ويتضمن ذلك معالجة تناقضات واختلالات هذه الاتفاقيات في اتجاه بناء دولة مدنية ديمقراطية في إطار نظام فيدرالي متوازن يمنح الأقاليم الشمالية، بما في ذلك دارفور والشرق، كامل حقوقها في إدارة شئونها والمشاركة الفعالة في المركز.

    2. التحول الديمقراطي الكامل بدءا بإشاعة الحريات العامة وتأكيد الحريات الأساسية وإلغاء القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات والمتعارضة مع الدستور الانتقالي 2005م، وانتهاءاً بتحول مؤسسات الدولة من مؤسسات حزبية إلى مؤسسات قومية والمشاركة السياسية المتوازنة في مؤسسات الفترة الانتقالية التشريعية والتنفيذية.

    3. العمل علي تعزيز الوحدة الوطنية بكافة الوسائل الممكنة، بما في ذلك إضافة الكونفيدرالية كخيار في استفتاء شعب الجنوب في نهاية الفترة الانتقالية، وإجراء مصالحة وطنية ترتكز علي المحاسبة والمساءلة في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي والإداري خلال سنوات حكم الإنقاذ، يشكل خاص، وسنوات فترة ما بعد الاستقلال، بشكل عام، ورفع المظالم الناتجة عن كل ذلك.

    4. التركيز علي قضايا إعادة الأعمار والبناء في إطار برنامج إنقاذ اقتصادي قصير المدى وخطة اقتصادية اجتماعية متوسطة المدى تراعي احتياجات الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب الأهلية والأقل نمواً ومتطلبات إصلاح اختلالات الاقتصاد الوطني ككل، خاصة في مجالات التعليم والصحة والحاجات الأساسية للإنسان. وذلك مع تركيز خاص علي إصلاح النظام التعليمي في مراحله المختلفة.

    5. محاصرة سلبيات البعد الاقليمى والدولي وقوات حفظ السلام فى الجنوب ودارفور والمناطق الأخرى، وذلك عن طريق الالتزام بتنفيذ اتفاقيات السلام وتحديد مهام هذه القوات والبعثة الدولية والأفريقية بشكل قاطع والعمل علي إنهاء مهامها في اقصر وقت ممكن حتى لا تتحول إلى قوى احتلال.
    أن تحقيق هذه المهام يمثل الطريق الوحيد لمواجهة تناقضات واختلالات اتفاقية السلام ومحاصرة سلبياتها واستكمالها بحل عادل لازمة دارفور ومشكلة الشرق وتحول ديمقراطي حقيقي في اتجاه تحويلها إلى تسوية وطنية شاملة قادرة علي مواجهة تحديات الفترة الانتقالية وإعادة بناء الدولة السودانية علي أساس المساواة في حقوق وواجبات المواطنة.

    *ورقة عمل قدمت لورشة " الاصلاحيون العرب وبناء شبكات والتحالفات " التي نظمها مركز القدس للدراسات السياسية في فترة من 24-25 مارس 2007
                  

10-30-2007, 10:58 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، . (Re: altahir_2)

    بدءا من هذا المقال نستعرض اراء حزب البعث السودانى التى نبهت واوضحت مآلات الاوضاع والتى لو تم التعامل والاخذ بها او على الاقل الرغبة فى التعرف والتثقف بها لكان هنالك شأن اخر نواصل على كل حال
                  

10-30-2007, 11:43 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، . (Re: altahir_2)


    يبدو الاستاذ محمد على جادين متفائلاً فى حذر يقرب من حد التشاؤم فى سلسلة مقالاته فى صحيفة (الايام) بعنوان "التسوية السياسية الجارية وتحديات الأزمة السودانية "فى الاسبوع الثالث من اكتوبر 2003م حين يتساءل: "تسوية مؤقتة ام تسوية تاريخية" وربما هى التسوية التاريخية التى يدعو لها د. حيدر ابراهيم ود. عبد الله على ابراهيم فى مقالاتهما فى الصحف السودانية. يبدو تشاؤم الاستاذ جادين وحذره حين يقول: "اذا كانت التسوية المتوقعة تنطلق من حسابات الارباح والخسارة فانها ستؤدى فقط الى تعميق الازمة الوطنية الجارية وليس الى مواجهتها وتصفيتها "ثم يلوح افق التفاؤل عنده فى خطابه المباشر للقوى السياسية قائلاً بان "هذه الازمة لا يمكن مواجهتها الا من خلال تسوية وطنية وتاريخية شاملة بمشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة فى المجتمع "ونتساءل كيف يمكن الوصول الى هذه التسوية التاريخية والانقاذ تسخر من الاوزان السياسية للاحزاب لعجزها وبعدها عن الشارع السياسى وجماهيره وهذه هى الرافعة الوحيدة للوصول الى هذه التسوية الوطنية التاريخية ومنظمات المجتمع المدنى ليست اقل بعداً عن هذه الجماهير؟ ثم يذكر الاستاذ جادين قائمة من المهام والحلول التى يرى وجوب تحقيقها للوصول الى التسوية التاريخية اهمها: انهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وتصفية دولة الحزب الواحد، وتأسيس دولة الوطن المدنية الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية فى اطار الهوية الوطنية المزدوجة والتنوع الاثنى والثقافى (صحيفة الايام 14/10/2003م).
    http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147485413[/B]
                  

10-30-2007, 11:46 AM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، . (Re: altahir_2)

    التجمع: تعثر تنفيذ بقية الاتفاقيات
    ومن جانبه اعتبر عضو سكرتارية الداخل للتجمع والنائب البرلماني عن كتلة التجمع والقيادي بحزب البعث السوداني محمد وداعة القرارات التي اتخذتها الحركة الشعبية "بالحدث الخطير ويدخل الأوضاع في نفق مظلم يهدد الأوضاع في كل انحاء السودان ويضع البلاد في مفترق طرق"، معتبراً في ذات الوقت ان بقية الاتفاقيات التي وقعتها اطراف اخرى مع المؤتمر الوطني "ليس حالها بأفضل حالاً من اتفاق السلام الشامل"، وأعلن تضامن الكامل مع الحركة حيال ما اتخذته من مواقف وقال: "ننادي بتطبيق كل البنود العالقة عبر الحوار المثمر البناء الذي يحفظ البلاد"، داعياً كل القوى السياسية للالتقاء والتحاور بما يحفظ الأهداف المتفق علبيها والمتمثلة في "السلام، التحول الديمقراطي، سيادة حكم القانون، المواطنة، التزام المؤتمر الوطني بما تم الاتفاق عليه في اتفاقات السلام (نيفاشا، القاهرة، ابوجا وأسمرا) واتساع الحوار ليشمل الذين لم يوقعوا على اتفاق ابوجا"، باعتبار ان ذلك يمثل الطريق الوحيد لحل مشاكل البلاد بما يضع البلاد على اعتاب السلام والتنمية والديمقراطية.
    وشدد وداعة على عدم وجود طريق آخر غير "السلام وتنفيذ الاتفاقيات"، وأضاف "على المؤتمر الوطني أن يرجح صوت العقل ويلتزم بتنفيذ ما وقع عليه نصا ورحاً في جميع الاتفاقات.. وإلا سيتعرض الوطن للتدويل والتدخل الأجنبي والتمزق وتضيع البلاد"، داعياً الشريكين للجلوس والتحاور بمشاركة القوى الأخرى لحل كافة القضايا العالقة بين الطرفين.
    http://www.rufaaforall.com/board/showthread.php?p=171172

    جادين: بداية انهيار نيفاشا
    واعتبر القيادي بحزب البعث السوداني محمد علي جادين القرارات التي اصدرتها الحركة الشعبية تعبيراً عن فشل المؤتمر الوطني في تنفيذ اتفاقية السلام وستكون بداية انهيار اتفاقية نيفاشا، مشيرا لوجود اختلاف كبير في وجهات النظر بين الشريكين "ففيما تركز الحركة الشعبية على قضايا الجنوب وتهمل قضايا التحول الديمقراطي، يركز المؤتمر الوطني على تأمين سيطرته على المركز والولايات الشمالية ويدع الحركة تتصرف في الجنوب كما تريد". وأضاف جادين ان الحل لكل قضايا الشريكين يتطلب توسيع الحوار مع القوى السياسية الأخرى حول تطبيق الاتفاقية وتنشيط دور المجتمع الدولي في مراقبة ومتابعة تنفيذ اتفاقية السلام الشامل.
    http://www.rufaaforall.com/board/showthread.php?p=171172[/B]
                  

11-01-2007, 04:08 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حزب البعث السوداني والتجمع والازمة الحالية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، . (Re: altahir_2)

    جزء من تقرير منشور في صحيفة الاحداث يوم 23 اكتوبر ويعتبر قيادي التجمع عن حزب البعث السوداني محمد سيد أحمد عتيق إن التجمع قائم بشكل حقيقي وكل قواه حريصة على أستمراره, لكنه عاد ليقول إنه يمكن الإعتراف بأنه حالة منضعف وخفوت الصوت , موضحاً ، أن ما حدث من لقاء مع الحركة الشعبية لم يكن مخططاً لدفع الحركة ودعمها لكنه صادف محاولة إنعاش كيان المعارضة وبالتالي فإن اللقاء ذاته يمكن النظر اليه فى اطار تنشيط قرارات التجمع الأخيرة ومساعيه لتفعيل دوره, نافياً معرفته بدوافع الفريق عبد الرحمن سعيد لنفي صلة التجمع بالبيان الختامي للاجتماع, وقال إن سعيد افتتح الاجتماع وقدّم له بأنه لقاء(للتشاور والاتفاق على ما ينقذ البلاد من تغوّل حزب المؤتمر الوطنى) ودفع تحالف الطرفين للأمام وفق برامج محددة كما تلى عليه البيان المشترك هاتفياً ووافق عليه, معتبراً حديث نائب رئيس الجمهورية علي عثمان عن جهله ماهية التجمع لا يضير التجمع فى شيء .
    مكتب الاعلام حزب البعث السوداني.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de