الفصائل الصغيرة والمغامرون يختطفون الجيش [ سالم أحمد سالم]

الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 09-16-2025, 01:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-24-2007, 04:50 PM

حسن الطيب يس
<aحسن الطيب يس
تاريخ التسجيل: 10-09-2005
مجموع المشاركات: 1322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الفصائل الصغيرة والمغامرون يختطفون الجيش [ سالم أحمد سالم]

    كتب الاستاذ سالم احمد سالم هذا المفال
    sudanile
    وهذة حصيلة ما فعله السياسيين بهذا الوطن
    والشعب كله كان من اجل السلطة
    فمن اين ناتي باحزاب و سباسين قلوبهم علي
    السودان



    .........................................................................................
    Last Update 23 اكتوبر, 2007 09:16:41 PM

    الفصائل الصغيرة والمغامرون يختطفون الجيش

    الجيش السوداني لا يتحرك بروح القطيع لتنفيذ الانقلابات

    ويتضامن مع الشعب في إقصاء كل الحكومات العسكرية



    سالم أحمد سالم/باريس
    [email protected]

    في عام 1985 خرج الشعب السوداني وبه تصميم شديد على إطاحة الحكومة العسكرية الثانية، أو ما كانت تعرف بحكومة مايو. 16عاما من الفواحش السياسية والدمار الاقتصادي والمعيشي والهوان الاجتماعي والتمرغ في أحضان النفوذ الأجنبي كانت كافية أن ينفذ الشعب من أقطار الصبر والرهبة، ولم يعد هناك ما يثنيه عن هدفه المحدد وهو الخلاص من تلك الحكومة ومن والاها. وفي لجة الأحداث وتصاعد وتيرة العمل الشعبي حدث ما لم يكن في حسبان الحكومة.. فقد انحاز الجيش إلى الشعب!. الجيش يجهز بيده وبكامل وعيه وحر إرادته على حكومة عسكرية طالما حماها وانتمت إليه طيلة 16عاما!.

    وقع الضربات الشعبية المتلاحقة أفقد الحكومة الثانية بوصلة المعركة بل ودوافعها. لكن المعركة ظلت مفتوحة وغير متكافئة بين شعب يمارس مقاومة مدنية يتسلح فيها بعزيمته ونقاباته وجسده، وبين حكومة مدججة بأصناف الأسلحة والأجهزة الأمنية الشرسة، لكنها أضحت مترنحة وعلى حال من الاضطراب بحيث لم تكن تتورع عن ارتكاب حماقة طائشة من أجل البقاء في الحكم. وبما أن الآلة العسكرية هي العنصر الوحيد في استمرارية أي حكومة عسكرية، فإن انحياز الجيش للشعب أحال الحكومة العسكرية الثانية إلى مجرد كوم من الرمل على حجر صوان. وعليه فقد جاء انحياز الجيش السوداني إلى الشعب بمثابة الإجراء العملي الحاسم الذي أجهز على الحكومة العسكرية الثانية في زمن قياسي وبأقل الخسائر. وهنا علينا أن نذكر ذلك الفصيل من الضباط الشباب الذين وضعوا الفريق سوار الدهب، والذي كان وزيرا للدفاع، أمام خيارين محددين: إما أن يتولى سوار الدهب بنفسه عملية التغيير، أو أنهم سوف يقومون بالمهمة بأنفسهم... خياران ينتهيان إلى نفس النتيجة! وقد آثر سوار الدهب أن تتم العملية بيده لا بيد الضباط. هكذا تحدث أولئك الضباط إلى وزير الدفاع، وإنه لحديث يتطلب قدرا عاليا من الجسارة داخل مؤسسة عسكرية في زمن حكومة عسكرية. قلت علينا أن نذكر الدور الذي قام به أولئك الضباط والجنود في عملية التغيير لأن الحادثات والسرقات السياسية التي أعقبت عملية التغيير قد تعمدت طمس معالم ذلك الدور وأهالت عليه غبار النسيان. لقد أدى أولئك الضباط والجنود دورهم بهدوء مثلما ذهبوا بهدوء بموجب قرار تنحيتهم عن العمل العسكري الذي أصدره سوار الدهب بمجرد أن آلت إليه صلاحيات الرئاسة وقيادة الجيش!. إلا أن معطيات دور الضباط والجنود في عملية إقصاء الحكومة العسكرية الثانية تضعنا أمام حقيقتين على درجة كبيرة من الأهمية:



    أولا: الظرف السياسي والاجتماعي كان مواتيا لكي يقوم أولئك الضباط بتنفيذ انقلاب عسكري والإعلان عن أنفسهم كمجلس قيادة ثورة أو ما شابه هذه المسميات، ومن ثم الإعلان عن حكومة انتقالية وفترة انتقالية تتناغم مع أهداف وحركة الشارع السوداني دون أن يضطرهم ذلك إلى مخاطبة وزير الدفاع. وبرغم توافر كل عناصر الانقلاب، إلا أن الضباط آثروا العمل المباشر الواضح بمخاطبة وزير دفاع الحكومة العسكرية نفسها!. ليس ذلك فحسب، بل اقترحوا من عندهم أن يتولى سوار الدهب قيادة العملية ورئاسة الحكومة الانتقالية. وبناء على ما تقدم فإن الخطوة الجريئة التي أقدم عليها أولئك الضباط والجنود لم تكن أبدا انقلابا عسكريا، بل كانت خطوة قام بها الجيش تنفيذا رغبة المجتمعات السودانية في إقصاء الحكومة العسكرية الثانية. في هذا المفصل أجدني أختلف مع الراحل الدكتور جون قرنق في وصفه لحكومة سوار الدهب الانتقالية بأنها (مايو 2). والواقع أن مايو 2 هي الحكومة العسكرية الثالثة الراهنة التي أبرم معها الدكتور قرنق اتفاقات السلام. وسوف نستوثق من ذلك ضمن هذا السياق.



    ثانيا: حركة أولئك الضباط لم تكن حركة معزولة بل وجدت سندا من غالبية فيالق الجيش. ولا شك أن مساندة الجيش لخطوة التغيير بدون انقلاب عسكري تؤكد بدورها عدم رغبة الجيش في الاستيلاء على السلطة. ولو توافرت لديهم الرغبة لفعلوها، أو لكانوا آزروا الحكومة العسكرية الثانية. وعليه فإن الالتزام بنهاية المرحلة الانتقالية كان التزاما من جانب الجيش ككل أكثر من كونه رغبة شخصية من الفريق سوار الدهب. لذلك حري بنا أن نصحح هنا المقولة المتداولة إقليميا ودوليا والتي تقول أن (سوار الدهب أول رئيس عسكري يسلم السلطة للمدنيين) بأن نقول عوضا عن ذلك أن التزام حكومة سوار الدهب بالفترة الانتقالية كان تعبيرا عمليا عن عدم رغبة الجيش في الحكم. ليس ذلك فحسب، بل إن انعدام رغبة الجيش في الحكم هي التي حكمت مسار حكومة سوار الدهب ومنعتها من أن تتحول إلى حكومة عسكرية مستمرة وأبقتها على صيغتها الانتقالية حتى جرت الانتخابات وكان ما كان. فقد ظلت حكومة سوار الدهب مطمئنة الظهر للجيش ولم تواجه أي محاولة انقلابية أو ضغوط عسكرية للاستمرار في الحكم. على أن إرجاعنا الأمر للجيش ككل لا يقمط الدور القيادي الهام الذي لعبه الفريق سوار الدهب باعتباره الشخصية المحورية التي حظيت بقبول واحترام جميع العسكريين.



    حركة الضباط وموقف الجيش بصفة عامة شكلتا معا إحدى العلامات الفارقة في علاقة الجيش السوداني بالسلطة من حيث أنهما أكدتا بوضوح شديد عزوف القوات المسلحة السودانية عن الحكم وعن الانقضاض الانقلابي على السلطة. وليس أبلغ تعبيرا عن هذه الحقيقة من كون أن الجيش قد أجهز بنفسه على الحكومة العسكرية الثانية تناغما مع إرادة الشعب. وإذا رجعنا إلى تاريخ انهيار أول حكومة عسكرية، حكومة 17 نوفمبر 1958، ألاحظ أن انحياز الجيش لإرادة الشعب في أبريل 1985 تماهى مع موقف الفريق إبراهيم عبود الذي اتخذ موقفا مماثلا عندما قرر حل حكومته العسكرية نزولا على رغبة المجتمعات السودانية إبان ثورة أكتوبر الشعبية عام 1964. الفارق بين التجربتين أن قرار تصفية الحكومة العسكرية الأولى قد صدر عن رأس الحكومة العسكرية إبراهيم عبود، مخالفا رغبات قياداته العسكرية العليا التي كانت تريد التمسك بالحكم. أما في تجربة 1985 فقد كان رأس الحكومة العسكرية الثانية هو المتمسك باستمرارية حكومة تهاوت على عروشها خلافا لرغبة الجيش السوداني التي عبر عنها أولئك الضباط الذين حملوا سوار الدهب على التغيير.



    قولنا بعدم توافر رغبة جماعية للجيش السوداني في الحكم يدفع بالسؤال المنطقي: لماذا إذن وقع الانقلاب العسكري الذي أتى بالحكومة العسكرية الثالثة الراهنة؟. كنت بصدد أن أجيب على هذا السؤال من منطوق ما يستتبع من هذه الحيثيات، لكن الاجابة الأولية على هذا السؤال تقتضي أن نفرق أولا بين غالبية الجيش وبين فصيل واحد داخل الجيش له أجندة خاصة. من هذا الفرق، واستنادا على الوقائع التي سبقت وصاحبت الساعات الأولى من الانقلاب أو تلك الاعترافات والمعلومات التي تكشفت لاحقا، فقد أصبح من المعروف أن الانقلاب العسكري الأخير قد نفذه فصيل صغير داخل القوات المسلحة، فصيل له أجندته الخاصة هو فصيل الجبهة السياسية الإسلامية. وطبعا لا الفصيل كان يمثل عمق وإرادة الجيش السوداني ولا أجندته السياسية كانت تعبر عن رغبات السواد الغالب من الجيش... الذي أخذته المكيدة الانقلابية على حين غرة!.



    لا جدال في أن الأحزاب الثلاثة، الاتحادي الديموقراطي والأمة والجبهة السياسية الإسلامية، التي سيطرت بعد سقوط الحكومة العسكرية الثانية قد تناحرت وفشلت أيما فشل في تحقيق جزء من وعودها أو من طموحات المجتمعات السودانية. حتى القوات المسلحة نفسها كانت تتلقى الهزيمة تلو الأخرى في الجنوب بسبب عجز الأحزاب عن تلبية احتياجات الجيش وعن توفير حل سياسي لقضية الجنوب، بل إن قضية الجنوب على خطورتها صارت ضمن أدوات المقاصة والمزايدات بين الأحزاب الثلاثة. لكن كل تلك الصعوبات لم تحرك رغبة الجيش في الاستيلاء على السلطة. ومع ذلك لم يقف الجيش السوداني موقف المتفرج تجاه الأزمات التي نجمت عن تناحر وسوء إدارة الأحزاب. فقد عبّر عمق الجيش السوداني عن سخطه من سوء إدارة الأحزاب بتلك المذكرة الشهيرة التي قدمتها قيادة الأركان لحكومة الأحزاب لعلها ترعوي. وبرغم توافر كل عناصر الانقلاب، فقد كانت تلك المذكرة بمثابة الحد النهائي الذي رسمه الجيش لنفسه دون أن يفكر في أن يتخطاه نحو القيام بانقلاب عسكري كان في متناول اليد. ولقد استعصم الجيش بموقفه ورفض الامتثال لرغبات قطاعات عريضة من المجتمعات السودانية التي كانت تتمنى انقلابا عسكريا يريحها من غلواء الأحزاب!.



    مذكرة الجيش إلى الأحزاب جاءت نتيجة للضغوط التي مارسها الضباط على قيادة الجيش، وهي ضغوط تتطابق تماما مع تلك الضغوط التي مارسها الضباط على الفريق سوار الدهب من حيث القوة والفاعلية، وهي ضغوط تعكس بوضوح عدم الرغبة في تنفيذ انقلاب عسكري. ضغط الضباط على سوار الدهب لتنحية الحكومة العسكرية الثانية استجابة لرغبة الشعب، ومن ثم عادت الحياة الديموقراطية. وبتلك المذكرة ضغط الضباط على الأحزاب حتى تلتفت إلى ضرورة توجيه اهتمامها نحو معالجة القضايا الوطنية الملحة بدلا عن الانشغال بالانقلابات البرلمانية، وهو ضغط ينحو صراحة إلى تكريس حياة ديموقراطية صحيحة تنفع الناس وتحل قضاياهم. وقبل ذلك، في أكتوبر 1964 جاء ميلاد تنظيم الضباط الأحرار كوليد شرعي من مواليد تلك الثورة الشعبية، فانحاز الضباط والجنود تلقائيا إلى الشارع السوداني في ثورته على الحكومة العسكرية الأولى وعصوا أوامر قمع الشعب التي صدرت عن أحد أبرز القيادات العسكرية آنذاك، حتى توج الفريق إبراهيم عبود انحياز الجيش لرغبة الشعب بقرار حل حكومته العسكرية والعودة الى الحالة الديموقراطية. وعندما نضع هذه القرائن والوقائع التاريخية إلى جوار بعضها البعض نجدها تكون معا حقيقة تقف من تلقاء نفسها دون سند مني أو من أحد لتشهد أن عمق الجيش السوداني كان عنصرا حاسما في مساعدة المجتمعات السودانية على استخلاص الحياة الديموقراطية من قبضة حكومتين عسكريتين، وتشهد أن عمق الجيش سعى حثيثا لتكريس الحالة الديموقراطية قبل أن يطيح بها الانقلاب الأخير. نحن المدنيون علينا أن نعترف بهذه الحقيقة التي قد تبدو للوهلة الأولى غريبة أو مباغتة للمألوف الذي درجنا عليه من أن الجيش لا يعدو كونه مؤسسة تئد الديموقراطية وتسطو على الحكم ليلا، وأن الجيش هو المقابل المضاد للديموقراطية. نعم ذلك صحيح من حيث الشكل، بما يجعل ما توصلنا إليه يبدو متناقضا في ظاهره مع حقيقة تتابع ثلاث حكومات عسكرية حكمت السودان قرابة أربعة عقود ولا زالت. لكننا سوف نتعرف مما يستتبع من هذا السياق أن الجيش السوداني نفسه قد جرى اختطافه واستغلاله. وعند نهاية أجل كل حكومة عسكرية يتم ركله إلى الثكنات تشيعه لعنات الفصائل السياسية التي استغلته في حكم البلاد والعباد!.



    كان لمذكرة العسكريين وقعها في إعادة بعض التوازن لأداء الأحزاب. إلا أن التوازن الطفيف الذي تحقق أخل بالاتزان التي تصنعته الجبهة السياسية الإسلامية التي أطاح بها آخر انقلاب برلماني إلى مقاعد المعارضة. والثابت عندي كما سوف نرى أن الانقلاب العسكري الذي أفرز الحكومة العسكرية الراهنة لم يكن وليد فشل وتصارع الأحزاب وتردي الأوضاع، بل جرى التخطيط له أثناء تحالف الجبهة السياسية الإسلامية مع الحكومة العسكرية الثانية، ليس من أجل إعادة الحياة الديموقراطية بل للاستحواذ على كامل السلطة في السودان. وبعد سقوط الحكومة العسكرية الثانية واصلت الجبهة السياسية الإسلامية تدابير الانقلاب لإطاحة الحياة الديموقراطية بغية الوصول إلى ذات الهدف وهو الاستحواذ على كامل السلطة في السودان. فمن المعلوم أن الجبهة السياسية الإسلامية كانت آخر الفئات التي تحالفت مع الحكومة العسكرية الثانية. وخلال تلك الفترة من التحالف تمكنت الجبهة السياسية الإسلامية من غرز كوادرها في كل مؤسسات البلاد وتصفية مئات آلاف الكفاءات السودانية بالتناغم مع التصفيات التي نفذتها أجهزة المخابرات المصرية والأميريكية. وفي تلك الأثناء سيطرت الجبهة السياسية الإسلامية على حركة الاقتصاد واحتكرت السلع والمواد الضرورية وفرضت قوانينها المسماة بالإسلامية، فسيطرت سيطرة مطبقة على الحكم والإدارة والاقتصاد والأجهزة.



    لم يتبقى من مفاصل الحكم إلا أن تزيح الجبهة السياسية الاسلامية رئيس الحكومة العسكرية الثانية ليجلس زعيمها مكانه!. وعندما استشعر العسكريون انقلاب الجبهة السياسية الإسلامية، حدثت المفاصلة التي انتهت ـ طبعا ـ بانتصار عسكر الحكومة وإيداع قيادات الجبهة السجون، وبالتالي فشل انقلاب الجبهة السياسية الاسلامية. ولسوء بخت الجبهة السياسية الاسلامية فإن محاولتها الانقلابية جرت في الزمن الضائع، أي بعد أن استنفذت الحكومة العسكرية الثانية عمرها الافتراضي وانتهت مدة صلاحيتها بالنسبة لواشنطن والقاهرة. ودون أن أخرج عن صميم السياق لابد أننا لاحظنا أن الجبهة السياسية الاسلامية ممثلة في زعيمها السابق قد حاولت تطبيق نفس السيناريو مع الحكومة العسكرية الثالثة الراهنة، وانتهت إلى نفس المفاصلة وإلى إيداع نفس زعيمها السابق الدكتور حسن الترابي إلى السجن مثل الذي حدث في المرة السابقة.. دليل أكيد أنه لم يستوعب من التعليمة الأولى أن المستحيل الرابع هو أن يجلس مدني على رئاسة حكومة عسكرية حتى لو كانوا عساكر الحزب!. لكن الفارق المهم هذه المرة أن الجناح العسكري المنتصر هو الجبهة السياسية الإسلامية بعينها!. وما يردده البعض أن الجبهة السياسية الاسلامية قد انقسمت هو مجرد خرف سياسي..



    ما علينا! المهم، من الثابت أن الجبهة السياسية الاسلامية كغيرها من الجماعات السياسية العقائدية تؤمن فقط بحقها الإلهي في الحكم دون سائر الخلق، لذلك لا تؤمن بالديموقراطية إلا كوسيلة من وسائل الوصول إلى الحكم، ومن ثم تقوم بإسقاط الديموقراطية في الفضاء الخارجي مثل جزء الدفع من الصاروخ بعد أن يستفذ قوته ووقوده. وبصرف النظر عن فشل المحاولة الانقلابية للجبهة السياسية الإسلامية أثناء تحالفها مع الحكومة العسكرية الثانية، إلا أن سقوط الحكومة العسكرية الثانية أسقط معه جانبا مهما من تدابير الجبهة السياسية الاسلامية في الانفراد بحكم السودان. وقد أكدت الانتخابات هذه الحقيقة عندما حصلت الجبهة السياسية الاسلامية على ثلث قوة البرلمان، فكان على الجبهة السياسية الاسلامية إما أن ترضى بقسمة غرماء بتشكيل حكومات ائتلافية مع أحد الحزبين، الاتحادي الديموقراطي أو الأمة، أو تنتظر إلى عقود أو ربما قرون لكي تصل بها الآلية الديموقراطية إلى حالة انفراد بالحكم، أو تقوم بعمل عسكري تصل به ما انقطع من سلطانها في أخريات زمن الحكومة العسكرية الثانية. تلك كانت البدائل الثلاثة أمام الجبهة السياسية الاسلامية. وإذا فحصنا هذه البدائل من جهة حسابات الجبهة السياسية الإسلامية نجد أن الحكومات الائتلافية غير مأمونة الجانب، وقد حدث بالفعل أن انقلب عليها الحزبان الآخران وأخرجاها إلى مقاعد المعارضة. ثم إن انتظار الآلية الديموقراطية مضيعة للوقت والعمر وغالبا ما ينتهي إلى تراجع في الحصة البرلمانية.. من عبرة دائرة الصحافة التي سقط فيها زعيم الجبهة السياسية الاسلامية!. لم يبق إذن إلا البديل الثالث.. الانقلاب العسكري الذي يصل ما انقطع من سلطان إبان الحكومة العسكرية الثانية والانفراد بحكم السودان.



    لا أعدو الحقيقة إذا قلت أن الجبهة السياسية الاسلامية برغم ضآلة حجم فصيلها العسكري داخل الجيش، إلا أنها استغلت بذكاء وحنكة ومكر تلك الظروف التي سبقت انقضاضها على السلطة. فمن جهة استغلت الجبهة السياسية الاسلامية تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية في تمويه الرأي العام السوداني، فبدا الانقلاب وكأنه وقع لإنقاذ البلاد والشعب، لذلك أطلقت على حكومتها مسمى "حكومة الإنقاذ". في حين، كما ذكرنا، لم تكن للانقلاب أدنى علاقة بالحالة الاقتصادية لأن التدبير للانقلاب تم قبل سنوات طويلة من تردي الأوضاع على يد حكومات الأحزاب.. اللهم إلا أن يكون الإنقاذ بأثر رجعي!. زد على ذلك أن المؤسسات والمصارف القابضة على دواليب الحياة المعيشية التابعة للجبهة السياسية الاسلامية قد تعمدت خنق الحياة المعيشية في إطار التمهيد للخطوة العسكرية، حتى يكفر الناس بالديموقراطية وأبو الديموقراطية.. وقد كان!.



    وضمن استغلال ظروف تلك المرحلة، استغلت الجبهة السياسية الإسلامية الأجواء التي أثارتها مذكرة الجيش أولا من جهة بثها إشاعات متقنة وسط العسكريين عن احتمال أن يقوم الجيش بانقلاب عسكري لإنقاذ البلاد وتأمين احتياجات الجيش في حربه في الجنوب، فجسدت الإشاعات لدى العسكريين مفهوما عاما بأنه في حال التحرك نحو استلام السلطة فإن الأوامر سوف تصدر لا محالة عن القيادة العسكرية العليا. وفي خارج الثكنات تحدثت قيادات الجبهة السياسية الإسلامية صراحة وفي المنابر العامة عن احتمال وقوع انقلاب عسكري. طبعا كان الهدف من تلك الأحاديث أن يستبعد الناس حدوث انقلاب عسكري أصبح مكشوفا!. وبالفعل نجحت الجبهة السياسية الإسلامية في ذلك بدليل أن الصادق المهدي رئيس الوزراء وأركان حكومته تجاهلوا المعلومات الدقيقة التي قدمت لهم عن تحركات عسكرية انقلابية. بالتأكيد ليس من حق رئيس الوزراء تجاهل مثل تلك المعلومات، وفي تجاهله تصرف فردي وقصور خطير في القيام بمسؤولياته لأنه لا يدير مزرعة خاصة به، خاصة في تلك الأوضاع الدقيقة التي كان يمر بها السودان.. اللهم إلا إذا صدق شكي المنهجي أن يكون الصادق المهدي نفسه ضالعا في الانقلاب، وغدر الانقلابيون بحصته.. فلم يستطيع أن يطالب بها جهرا ولا يستطيع الصمت على ما جرى له سرا!.



    هكذا سارت خطة الانقلاب التي أحكمت حلقاتها. والعارفون بدقائق الانقلاب العسكري الأخير خاصة من العسكريين يتذوقون إلى اليوم طعم الخديعة الكبرى التي تعرضوا لها عندما قيل لهم أن تحرك القوات يتم (بناء على تعليمات القيادة العامة). وقبل أن ينتبه العسكريون إلى أن التعليمات لم تصدر عن القيادة العامة، كان قد قضي الأمر من الوجهة العسكرية لكن دون أن يعرفوا أن فصيل الجبهة السياسية الإسلامية هو الذي سيطر على البلاد عسكريا. أما الشارع السوداني فقد قابل الانقلاب بتلك اللامبالاة حتى تكشفت له الحقيقة بعد بضعة أشهر عندما خرج الزعيم من الإقامة الطوعية في سجن كوبر. وهكذا نجح فصيل واحد صغير في اختطاف الجيش والسلطة والبلاد بأسرها. وعليه لم يعد من شك أن الحكومة العسكرية الراهنة هي امتداد لآخر مراحل الحكومة العسكرية الثانية. وبذلك تكون الحكومة الراهنة هي (مايو 2).



    كان من الضروري أن أعيد تركيب صورة الوقائع حتى نراها على الوجهة الصحيحة، ومن ثم تأكيد ما ذهبت إليه من أن الانقلاب الأخير لم يكن يعبر بأي حال عن رغبة عمق الجيش السوداني الذي لم يرغب إطلاقا في تجاوز حدود المذكرة إلى انقلاب عسكري، وأن انقلاب الحكومة العسكرية الثالثة الراهنة كان الحالة الاستثنائية التي تخالف تلك الرغبة. وغني عن القول أن الجبهة السياسية الإسلامية حاولت ردم الفجوة بينها وبين عمق الجيش السوداني عن طريق تصفية شاملة طالت غالبية الرتب، ومن ثم قامت بإحلال كوادرها. وفي ظني أنه قد فات على هؤلاء أن المؤسسة العسكرية تظل على ثوابتها، وأن ولاء الضابط والجندي للمؤسسة العسكرية يسبق أي ولاء سياسي أو عقائدي.. أولم ينحاز عساكر الجبهة إلى عسكريتهم عند المفاصلة الأخيرة وشقوا عصا طاعة زعيمهم؟!. ثم إن بلشفة الناس بالدين الحق تقربهم من العدل والحق ومن رد الحقوق لأهلها والتالي تباعد بينهم وبين الولاء للفرد أو الجماعة. ولن يجادلني أحد بالحق أن الحرية الفردية والاجتماعية تجيء في أول سلم الحقوق التي أمر بها الله وتسمو على كل الحقوق المادية.. وحرية الناس في اختيار من يدير شؤونهم تدخل ضمن الحريات التي يحض عليها الدين ويحرم اغتصابها، وأن حرية الاختيار واحدة سواء تمت تحت السقيفة أو عبر صناديق الاقتراع.



    ذلك ما هو كائن من أمر انقلاب الحكومة الراهنة. وحتى نستوثق مما ذهبنا إليه من أن فصائل صغيرة تختطف الجيش السوداني وأن الجيش نفسه يقع فريسة بل وضحية للمجموعات الصغيرة المغامرة وأهواء الأفراد، يتحتم علينا أن نستعرض بشيء من الإيجاز أمر الانقلابين العسكريين الأول والثاني. انقلاب 17نوفمبر 1958، وانقلاب 25 مايو 1969.



    لو أن قائل المعلومات التي سوف يرد نصها في الفقرات التالية كان شخصا آخر غير أمين التوم لشككت في مصداقيتها. أمين التوم لمن لا يعرفه أو تناساه هو أحد أبرز أقطاب حزب الأمة قبل وبعد الاستقلال، بل كان من أقرب المقربين للسيد عبد الرحمن المهدي. أصبح أمين التوم نائبا برلمانيا مرتين عن دائرة دنقلا، وتولى حقائب وزارية منها وزارة شؤون مجلس الوزراء ووزارة الدفاع وكان أول رقيب عام للجمعية التأسيسية. لكن الأهم من ذلك أن أمين التوم كان مستودع أسرار ورجل المهمات الخاصة للسيد عبد الرحمن المهدي، ثم من بعده نجله السيد الصديق عبد الرحمن المهدي. وقد ألف أمين التوم كتبا تحت عنوان"ذكريات ومواقف في طريق الحركة الوطنية" سرد فيه جوانب مهمة عن تلك الحقبة التاريخية من موقعه كشاهد عصر مشارك في تلك الأحداث السياسية. لذلك سوف أنقل نص ما سجله أمين التوم حول الدور الذي قام به عبد الله خليل رئيس الوزراء عن حزب الأمة في انقلاب 17نوفمبر 1958. يقول أمين التوم:



    (وفيما كانت الحكومة ـ ويقصد الحكومة الائتلافية بين حزب الأمة وحزب الشعب الديموقراطي ـ تواجه ذلك الموقف الحرج وأصبح احتمال سقوطها واردا وقف السيد الصديق المهدي رئيس حزب الأمة موقفا يطالب فيه بحل الائتلاف وقيام حكومة أخرى تتألف من حزب الأمة والوطني الاتحادي وأحزاب الجنوب. وتمت الاتصالات في هذا الصدد بين رئيس حزب الأمة ورئيس الوطني الاتحادي وتم الاتفاق من حيث المبدأ على عرض رئيس حزب الأمة وبدأ الحوار الجاد حول الشكل الذي تقوم عليه الحكومة المقبلة. ولكن عبد الله خليل أصر على رفضه التكوين الجديد للحكومة وعلى عدم التعاون على أي حال مع الوطني الاتحادي وظل على إصراره ذاك برغم كل المحاولات التي بذلت من داخل حزبه لفترة من الوقت. تم عاد ووافق على التشكيل الجديد للحكومة). ويواصل أمين التوم: (.. وفيما كان الموقف كذلك وحمدنا الله جميعا على تذليل العقبات والصعاب التي واجهتنا، أوقظنا ليلا نحن وزراء الحكومة في منازلنا بواسطة ضباط وجنود مسلحين من الجيش لنستلم خطابات كان واضحا أنها كتبت على عجل تشتمل على إعفائنا من مناصبنا الوزارية مع الشكر ممهورة من الفريق إبراهيم عبود قائد الجيش. وفي الصباح، صباح 17نوفمبر 1958 عزفت الموسيقى العسكرية من إذاعة أم درمان ألحانها وصدر بعد ذلك بيان من قيادة الجيش يعلن قيام سلطة عسكرية في البلاد.) ثم يمضي أمين التوم في رواية بعض مظاهر الانقلاب إلى أن يقول: (... وأصبح عبد الله بك خليل كئيبا حزينا يقص قصته بعد فوات الأوان.. ويقول أن الضباط خدعوه).



    أما كيف خدع الضباط عبد الله خليل فهذا ما يرويه أمين التوم على لسان عبد الله خليل. يقول أمين التوم: (قال ـ أي عبد الله خليل ـ أن الهزات المتتالية التي أصابت حكومته الائتلافية ومن قبل تعرضت لمثلها حكومة السيد إسماعيل الأزهري بعد إعلان الاستقلال جعلته يقتنع أن الحكومات الائتلافية أو القومية ليست أسلوبا صالحا للحكم في البلاد النامية بعد الاستقلال في البلاد التي اختارت الديموقراطية الليبرالية طريقة للحكم. وأن كل الوضع في البلاد بدا له انه بحاجة الى تغيير ليس بالضرورة الى حكم عسكري ولكن الى نوع من الحكم الديموقراطي يتناسب مع مستوى الساسة السودانيين والشعب السوداني ويتيح للحكومات فرصا للاستقرار والانتاج.. أما كيف يمكن أن تقوم هذه الحكومة المثالية في نظام حكم ديموقراطي مثالي فهذا ما لم يتيسر لعبد الله بك خليل تفهمه بعد.. لذلك كان يقول أنه اتفق مع قيادة الجيش لتتسلم السلطة الى حين والى وقت تتاح الفرصة فيه للأحزاب السياسية والقيادات الدينية والشعبية مراجعة الأمر كله ودراسته الى حين الوصول الى نظام ديموقراطي امثل يرضاه الجميع ويكون محققا للاستقرار والتقدم).



    ويقول أمين التوم: (هكذا كانت أحلام عبد الله بك خليل كما كشف الستار عنها فيما بعد.. وكان يواصل حديثه بعد فوات الأوان أيضا في حسرة وحزن ويقول أن ضباط الجيش خدعوه ووضحت الخديعة منذ اليوم السابق للانقلاب.. كان متفقا ـ أي عبد الله خليل ـ مع قيادة الجيش أن يزور هو القيادة في الساعة الخامسة من مساء 16 نوفمبر1958 ليلتقي فيها بقادة القوات المسلحة في أسلحة الخرطوم ويتحدث إليهم عن أهداف الانقلاب وحدوده باعتباره رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ولما ذهب في الموعد المحدد لم يجد غير الفريق إبراهيم عبود واللواء حسن بشير اللذين ابلغاه أن قادة الوحدات كانوا في قياداتهم وقد اعلنت حالة التأهب الكاملة وليس من الميسور استدعاؤهم لمقابلته فعاد إلى منزله وهو يعلم أن تلك كانت بداية الخدعة).



    ويواصل أمين التوم نصا: (وقال عبد الله بك خليل أن الضباط اتفقوا معه أيضا على تأليف حكومة من المدنيين والعسكريين بالتشاور معه ولما اعلنت الحكومة الجديدة حدث ذلك دون استشارته ولم يدخلها من المدنيين غير عدد محدد اختارتهم قيادة الجيش وحدها أما جل الوزارات الهامة فكانت عند العسكريين. وبذلك اكتملت أطراف الخديعة كما يقول عبد الله بك وأصبح هو غريبا عن الوضع كله). ويعلق أمين التوم على ما رواه عبد الله خليل بقوله: (وحتى بعد أن اتضح له قبيل يوم الانقلاب أن قادة الجيش قد خدعوه ولم يتيحوا له فرصة الاجتماع بقادة الوحدات كما كان متفقا عليه كان يمكنه كرئيس للوزراء ووزير للدفاع أن يعلن من المذياع تحرك الجيش لانقلاب قبل حدوث الانقلاب ويحذر ضباط الجيش صغارهم وكبارهم من مغبة الإسهام فيه ويطلب إلى الشعب والقوات المسلحة أن تعد نفسها للدفاع عن الديموقراطية ولكنه لم يفعل من ذلك شيئا ولم يتحرك لمواجهة مثل هذا الموقف). انتهى نص أمين التوم.



    الموقع القيادي الذي كان يتمتع به أمين التوم داخل حزب الأمة تجعل من شهادته وثيقة تاريخية خالية من الغرض ولا تقبل الرد. فعبد الله خليل كان قطبا من أقطاب حزب الأمة، وحزب الأمة جاهد في أن يدفع عن مؤسسته تهمة الضلوع في انقلاب 17 نوفمبر. ثم علينا أن نتذكر أن عبد الله خليل عمل ضابطا في قوة دفاع السودان منذ مطلع عشرينات القرن الماضي وتدرج فيه إلى أعلى الرتب العسكرية. إذن فقد أراد عبد الله خليل أن يقوم بانقلاب عسكري يتولى فيه منصبا رفيعا، أقله رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع. أما ما وصفه عبد الله خليل بخيانة العسكريين له فقد كان تصرفا بديهيا من قادة الجيش لأنهم في حال قبولهم إشراك عبد الله خليل لأصبح الانقلاب مجرد استيلاء لحزب الأمة على السلطة بقوة الجيش، الأمر الذي سوف تكون له تداعيات خطيرة في الشارع السوداني وداخل صفوف الجيش وعلى المستويات الإقليمية والدولية.



    عبد الله خليل وصف العسكريين بالخيانة والخديعة. لكن الواقع أن عبد الله خليل، من منطوق اعترافاته، هو البادئ بالخيانة الأكبر لأن تدبيره لانقلاب عسكري بالتواطؤ مع قادة الجيش، ثم تغطيته للانقلاب من موقعه الذي أؤتمن عليه كرئيس للوزراء ووزير للدفاع هو خيانة لحزبه والديموقراطية والوطن وآلية الحياة السياسية الوليدة. لذلك استلم منه العسكريون دعوة الانقلاب.. مع الشكر!. وإذا شئنا المقاربة، فإن ما قام به عبد الله خليل يتطابق تماما مع الدور الأساسي الذي قام به الدكتور حسن الترابي في إعداد وتنفيذ الانقلاب العسكري الأخير. كلاهما اعترف بدوره وكلاهما وصف العسكريين بالخيانة والخديعة وكلاهما خان الحياة الديموقراطية والحرية الاجتماعية وكلاهما قبض ثمن الخيانة فآل إلى نفس المصير فجلس كلاهما كظيما بكيا محسورا.



    كانت التجربة السياسية في بواكيرها، عامان فقط بعد الاستقلال.وكان الجيش أبعد ما يكون عن الدخول في مغامرة انقلاب عسكري، إلى أن جاءه عبد الله خليل يؤزه أزا نحو تنفيذ انقلاب عسكري. لقد وضع عبد الله خليل قيادة الجيش على محك خطير عندما قال لهم من موقعه السياسي الكبير أن البلاد في خطر وعليهم إنقاذها فكان فاتحة جهنم لسلسلة الانقلابات العسكرية التي لا تحصى. لكن أكثر ما يهمنا في ملابسات انقلاب 17 نوفمبر أنها تقع ضمن البراهين التي نسوقها بأن الجيش السوداني لا يشكل في عقله الجمعي مؤسسة انقلابية طامعة في السلطة لذاتها أو لكينونتها العسكرية. كما تؤكد وقائع الانقلاب أن الجيش يكون في كل انقلاب عرضة للاختطاف والاستغلال بواسطة فئة أو فصيل صغير أو فرد. لا فرق إذا كان المحرض على الانقلاب فردا مثل عبد الله خليل أو حسن الترابي أو فصيلا سياسيا له أجندته الخاصة مثل حزب الجبهة السياسية الإسلامية أو الحزب الشيوعي، أو عديد الانقلابات العرقية أو الجهوية التي لم يكتب لها الحظ. أما الجانب الآخر الذي يهمنا من تلك التجربة فهو أن الجيش، كما أشرت في الفقرات السابقة، قد لعب دورا مهما في العودة إلى الحياة الديموقراطية، وقد تجسد ذلك في قرار الفريق إبراهيم عبود بحل حكومته، وأيضا في انحياز الجنود والضباط الأحرار لجانب الشارع السوداني ومشاركتهم للمدنيين في العصيان.



    بقي لنا في سياق هذه البراهين أن نعرض لملابسات انقلاب 25 مايو 1969. فقد وقع ذلك الانقلاب بعد أربع سنوات من ثورة أكتوبر الشعبية 1964 التي تهب علينا ذكراها العطرة هذه الأيام. فقد شهدت تلك الحقبة ذروة المد الاجتماعي الاشتراكي في السودان بحكم الدور الذي لعبته الطلائع الاجتماعية في إنضاج ونجاح ثورة أكتوبر. ثم كانت انتخابات المرحلة المسماة بالديموقراطية الثانية، ثم كانت سابقة قرار البرلمان بطرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان. وبرغم أن الغالبية العظمى من الطلائع الاجتماعية التي تفاعلت في ثورة أكتوبر لم تكن منضوية في عضوية الحزب الشيوعي، إلا أن قرار طرد النواب علاوة على الممارسات التي أقدمت عليها الأحزاب الطائفية ضد هذه الفئات الاجتماعية قد خلقت حالة من الاحتقان السياسي الاجتماعي الخطير. وخلال ذلك المد الاجتماعي ظن الحزب الشيوعي أنه يمثل رأس الرمح في تلك الحركة الاجتماعية، أو بالأحرى أن الخطأ الفادح الذي ارتكبه البرلمان بطرد النواب وضع الحزب الشيوعي في ذلك الموضع المتصدر للأحداث. كان المد الاجتماعي كبيرا ومؤثرا مما دفع العديد من نواب الحزب الوطني الاتحادي الذي كان يمثل التيار الوسط وبعض نواب حزب الأمة استدراك خطأ البرلمان، وخطيئة رفض قرار المحكمة التي قضت ببطلان قرار البرلمان. لكن الأحزاب المسيطرة أصرت على إبقاء ذلك الثقل الاجتماعي خارج دائرة الفعل السياسي، فكان الاحتقان وكان لابد له من متنفس. لذلك كان انقلاب 25 مايو هو الانقلاب العسكري الوحيد الذي حظي في شهوره الأولى بمساندة اجتماعية كبيرة. فقد شعرت الفئات الاجتماعية بالظفر وبأنها استعادت وضعها الذي سلبته عنها الأحزاب.



    الحزب الشيوعي بدوره حزب عقائدي يلتمس السلطة كغاية بصرف النظر عن الوسيلة. لذلك لم يتورع عن تشجيع عضويته ومريديه من الضباط للتحالف مع عدد من الضباط لتنفيذ انقلاب 25 مايو 1969. بكل تأكيد لم يكن انقلاب 25 مايو شيوعيا صرفا على غرار انقلاب الجبهة السياسية الإسلامية الأخير، لكن المؤكد أن الحزب الشيوعي كان صاحب الحظوة لدى العسكريين خلال الشهور الأولى دون سائر الأحزاب الأخرى إلى أن حدثت تلك المفاصلة الدموية بين العسكريين بانقلاب 19 يوليو، والتي انتهت إلى الفشل والى تصفية الضباط الأقرب إلى فكر الحزب الشيوعي. وبرغم أن الحزب الشيوعي لم يصل إلى الحكم، إلا أنه دفع ثمنا باهظا بتلك الإعدامات التي طالت غالبية زعامات الحزب وفرقت قواعده أيدي سبأ.



    سبق لي أن عرضت في سياق سابق (زمن الصديد) لبعض تفاصيل تلك المرحلة، وللدور الذي لعبته أجهزة المخابرات المصرية والأميريكية. كذلك أشرت إلى جانب من التفصيل في كتابي (الطريق إلى الدولة). لذلك سوف أكتفي بالجوانب التي تهمنا في هذا السياق، وهما جانبان: جانب اختطاف الجيش بواسطة فصائل صغيرة، والجانب الثاني الدور الذي يلعبه الجيش نفسه في الخلاص من الحكومات العسكرية. لجهة الجانب الأول نجد أن الحزب الشيوعي حاله كحال الجبهة السياسية الإسلامية لم يطق صبرا مع الآلية الديموقراطية، وحاول حرق المراحل بالمشاركة في انقلاب عسكري. لقد كان في مقدور زعامات الحزب الشيوعي آنذاك تجنيب البلاد، وأيضا حزبها، ويلات مرحلة كاملة من الخراب السياسي والاقتصادي ووأد الحياة الديموقراطية لو أنهم نصحوا العسكريين بعدم التورط في انقلاب عسكري. وبدلا عن ذلك تكتموا على الانقلاب وساندوه فأسهموا بذلك في عملية اختطاف واستغلال الجيش أسوأ استغلال. ثم أنهم حاولوا تصحيح الخطأ بخطأ أشد فداحة بتورطهم في حركة 19 يوليو، والتي إن كتب لها النجاح كانت سوف تعني اختطاف الجيش بواسطة فصيل سياسيي صغير.. وبفشلها سقط السودان بأسره في قبضة أسوأ استغلال أميركي مصري بسبب هشاشة الجناح العسكري الذي كسب العراك المسلح على السلطة.



    أما لجهة الجانب الثاني المتعلق بدور الجيش في انهاء آجال الحكومات العسكرية، تجاوبا مع رغبات وثورات المجتمعات السودانية، فإنه يعيدنا إلى المشهد الأول من هذا السياق حيث شاهدنا كيف ضغط الضباط على المشير سوار الدهب، فحملوه على التغيير فزالت حكومة مايو العسكرية الثانية وانفتح المناخ السياسي إلى مرحلة ديموقراطية.



    هنا نطرح السؤال المنطقي: كيف إذن تتمكن انقلابات الفصائل الصغيرة من الصمود ؟. هنالك العديد من الأساليب الشيطانية التي تنتهجها الجماعات المغامرة التي تسطو على الجيش والبلاد. من هذه الأساليب المعروفة إقحام بعض قيادات الأسلحة المهمة، واتخاذ قرارات عاجلة بتنحية الضباط غير الموثوق فيهم وإصدار بيانات كاذبة مؤيدة للانقلاب بأسماء وحدات عسكرية، إلى غير ذلك من الأساليب التي تمنع تبلور رأي عام عسكري يناهض الانقلاب، بعد ذلك يتعامل الضباط والجنود مع الانقلاب كأمر واقع. لكن هنالك وسائل أشد شيطانية تتبعها الجماعات الانقلابية في تكريس وضعها بتحويل الجيش نفسه إلى مجرد أداة قمعية، وسوف أعرض هنا إلى نموذج واحد وكفى!.



    فبالعودة إلى أحداث أبريل عام 1985، وفي الوقت الذي شرع فيه الجيش بقيادة سوار الدهب في استكمال استلام مفاصل السلطة، برزت مشكلة لم تكن قيد الحسبان. فقد تمردت الأجهزة الأمنية ورفضت الانصياع، بل وتمترست بأسلحتها دفاعا عن الحكومة العسكرية الثانية المنهارة. لكن مع أول مصادمة مع القوات المسلحة، تأكدت الأجهزة الأمنية أنها مبشرة بحرب خاسرة وهزيمة ماحقة. فالآلة العسكرية للجيش قوية وضاربة. زد على ذلك أن حركة الجيش جاءت رديفا لحركة المجتمعات السودانية المشحونة بالكراهية للأجهزة الأمنية... فاستسلمت الأجهزة الأمنية ورفعت الرايات البيضاء. حادثة عصيان الأجهزة الأمنية، وإن بدت عابرة إلا أنها كشفت عن الكيفية التي تم بها وضع الجيش تحت خدمة الأجهزة الأمنية. فبرغم أن رئيس الحكومة العسكرية الثانية كان ضابطا في الجيش، إلا أنه نقل مركز حماية استمرار حكومته من الجيش إلى الأجهزة الأمنية التي تم تكوينها بواسطة أجهزة المخابرات المصرية بدعم أميريكي. ذلك التصرف يدل صراحة على عدم ثقة القوى الدولية في الجيش السوداني لجهة احتمال قيام الجيش بتغيير يطيح رئيس الحكومة العسكرية الثانية. ولهذا السبب بالذات تم تعيين سوار الدهب في منصب وزير الدفاع على يقين أنه لا يمثل خطرا. وبما يشبه الخدعة التنكرية كان رئيس الحكومة يتزيا في مظهره الخارجي ببزته ونياشينه العسكرية، لكن في داخله كان اعتماده الأساسي على الأجهزة الأمنية وليس الجيش. وبذلك تحول الجيش السوداني إلى مجرد أداة قمعية في أيدي الأجهزة الأمنية يأتمر بأمرها، وأصبح الجيش يتلقى الأوامر والتعليمات الصادرة عن الأجهزة الأمنية عن طريق رئيس الحكومة!. نعم رئيس تلك الحكومة كان ضابطا، لكنه سلّم الشرف العسكري للجيش السوداني كله إلى أجهزة مخابراته لكي يضمن استمرار حكمه. وقد انطلت الحيلة على الجيش لسنوات طويلة.



    تلك واحدة من الأساليب التي تنتهجها الجماعات المغامرة في تمكين واستمرار حكمها. والحقيقة السابق ذكرها قد تكون مؤلمة للعسكريين. لكن العزاء أن انحياز الجيش للشعب قد أعتق عنق الجيش من قبضة أجهزة المخابرات مثلما أسهم في تحقيق أشواق المجتمعات السودانية للحرية والديموقراطية، لكن إلى حين. ومن بين ما أفرزته تلك الأحداث أنها سجلت مفاصلة صريحة بين الجيش وبين الأجهزة الأمنية التي تم إنشاؤها إبان الحكومة العسكرية الثانية. تلك المفاصلة في تقديري أكدت بوضوح وجود مؤسستين تختلفان تمام الاختلاف هما الجيش من ناحية وأجهزة أمن الحكومة، أيا كانت الحكومة، من الناحية المقابلة. فقد برزت المؤسسة العسكرية (الجيش) كمؤسسة قائمة بذاتها وفق مميزاتها وتربيتها وتراثها. إلا أن الأجهزة الأمنية للحكومة العسكرية الثانية لم تنسى تلك الهزيمة التي منيت بها على يد الجيش، وظلت حانقة على الجيش تتحين الفرص للانقضاض عليه وعلى البلاد. وقد تماهى حنقها مع تدابير الجبهة السياسية الإسلامية في العودة إلى الحكم الذي تمتعت به إبان تحالفها مع الحكومة العسكرية الثانية، فكان التنسيق وكانت الاجتماعات التي كانت تنعقد في قلب الخرطوم (منها في دار إحدى الصحف!).. ثم كان الانقضاض الذي يتجسد اليوم في الحكومة العسكرية الثالثة الراهنة.



    نخرج من السياق ببعض الملاحظات:



    ـ كل جيش من جيوش العالم يحمل موصفات وأخلاقيات مجتمعه والخصائص السكانية للبلاد. ومن هذه التركيبة تنشأ العلاقة بين الجيش والمجتمع مثل علاقة الجيش المصري بالمجتمع المصري، وكذلك الأوغندي أو الأميريكي أو الجيش في السلفادور. والجيش السوداني، رغم محاولات عزله وحشره في أيقونة التميز عن المدنيين، إلا أنه ظل يحمل دوما صفات وسمات المجتمعات السودانية بصورة لا تخطئها العين. فاللبنة المكونة للجيش السوداني مأخوذة من طينة هذه المجتمعات السودانية التي تتصف بالتنوع المتداخل. لذلك مهما بلغت محاولات تشكيله وتفريغه وتلقينه وتبديله، تبقى قنواته مفتوحة مع مجتمعاته السودانية ينفعل بها ويتفاعل معها. وهذا ما يفسر انعطاف الجيش السوداني نحو مجتمعاته في تلك المنعطفات الحاسمة، فتقع المفاجآت.

    ـ جميع الانقلابات العسكرية التي عرفها السودان تمت أما بتحريض أو بمشاركة أو بتدبير من واحد من الأحزاب السودانية. هذه الحقيقة تنفي تماما ما يشاع عن ثنائية الحكم في السودان بين الجيش وبين الأحزاب، أو ما يسمى أيضا مرحلة ديموقراطية وأخرى عسكرية يحكم فيها الجيش. هذه الثنائية اختلقتها الأحزاب وروجت لها. الجيش السوداني لم يتحرك مطلقا كمؤسسة من تلقاء نفسه لحكم السودان عسكريا.

    ـ الجيش السوداني لا يتحرك بروح القطيع نحو تنفيذ الانقلابات العسكرية، وليست به نزعة جماعية للحكم لذاته وفرض جبروته على المجتمعات السودانية كمؤسسة عسكرية مثل بعض الجيوش الدموية في بعض بلدان آسيا وأفريقيا وأميريكا الجنوبية. لكن تنجح الفصائل الصغيرة وأحيانا أهواء الأفراد في اختطاف الجيش السوداني في كل مرة وتسخيره في تنفيذ أجندتها الخاصة. والمؤسف أن الجماعات التي تنجح في اختطاف الجيش تكون أول من يلعن الجيش بمجرد أن تنهار حكومته، ومن ثم يعود الفصيل أو الحزب لممارسة الحياة السياسية بعد أن يعلق الفشل على "الحكومة العسكرية"!.

    ـ التجارب التي مر بها السودان كفيلة أن تؤكد أن استغلال الجيش يظل محدود الأجل. إن مياه السودان وأنهاره السياسية تمر وتتحول باستمرار فتجعل من حكومات الانقلابات العسكرية والحكومات الشمولية مجرد جسور خربة معلقة على يابسة مهجورة لا يمر من تحتها ماء. لذلك يتعاون الجيش مع الشعب على تفكيكها.

    ـ الجيش وحده هو القادر على وضع الآلية التي تحميه من عمليات الاختطاف السياسي. إن استحداث مثل هذه الآلية لا يتعارض مطلقا مع حرية الضابط أو الجندي في الانتماء للحزب أو الفكر السياسي الذي يريد، ولن تحرم الجندي من الإدلاء بصوته الحر في الانتخابات الحرة. لكن من شأن هذه الآلية أن تكبح عمليات اختراق الجيش باستغلال بعض الفصائل العسكرية ذات الانتماء الحزبي أو العقائدي.



    عند خاتمة السياق نقف أمام حقيقة ماثلة هي أن السودان تحكمه اليوم حكومة حزبية شمولية قابضة تحكم باسم الجيش وبقوته مهما حاولت الحكومة وضع مساحيق مدنية أو ديموقراطية. وإذا كانت الحكومة القابضة تشرعن وجودها بالإسلام، فهي بذلك تختطف الدين مثلما اختطفت الجيش واختطفت به السودان. إذن لا مانع أن يحتكم الناس إلى الدين الحنيف حول مشروعية الانقلابات العسكرية إذن لوجدوه يحرم تحريما بائنا وقاطعا سلب حقوق الناس وحرياتهم بالقوة، فلا مجال هنا لتبرير الوسيلة بالغاية فكلاهما إثم. وإذا كان القرآن الكريم قد منع إكراه الناس على الدين ومنع إجبار الناس على الإيمان، فإن وضع طبنجة على رأس المجتمع باسم الدين هو الكفر والفسوق وتحريف الكلم عن موضعه. فلا ينخدع الناس بالتفسير المغلوط للآية الكريمة "أولي الأمر منكم"، فكلمة "منكم" المركبة تحوى منتهى الحرية ومنتهى الانتخابات الحرة البرلمانية النزيهة ومنتهى العدل الاجتماعي ومنتهى الديموقراطية. ومن ظن أو أشاع بين الناس أن "منكم" قاصرة على جماعة بعينها فقد باء بإثم عظيم. ومن اعتقد أن الإسلام يبيح الانقلابات العسكرية فليأتنا ببرهانه في هذه الساحة، فنحن في انتظاره.



    ليس من الغريب أو من باب الصدف أن تصبح اتفاقيات نيفاشا هي الطريق الممكن نحو عدالة الله بإعادة الحقوق إلى أهلها هذا الشعب السوداني الكريم متى ما (ضغطت) كل القوى الوطنية نحو هذه الغاية الإيمانية. فلعل الله قد فتح بهذه الاتفاقات منفذا لأقطاب للحكومة العسكرية الثالثة للخروج من غيابة ظلم التمكين قبل أن يحيق بهم كالذي حاق بالذين من قبلكم. (دخلت امرأة النار في هرّة... ) فما بالك بشعب بأكمله؟. إن التمكين في حقوق الغير يورث صاحبه عدما في مقبل الأيام، فلا حقوق الخلق تسقط بالتقادم، وحقوق الله لا تسقط أبدا... ومن عندي ألقي بالسؤال على عواهنه: هل حقا يحكم الجيش السودان اليوم؟!. هاتوا برهانكم!.

    سالم أحمد سالم

    باريس 21 أكتوبر2007

    (عدل بواسطة حسن الطيب يس on 10-24-2007, 04:52 PM)

                  

10-24-2007, 06:45 PM

حسن الطيب يس
<aحسن الطيب يس
تاريخ التسجيل: 10-09-2005
مجموع المشاركات: 1322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفصائل الصغيرة والمغامرون يختطفون الجيش [ سالم أحمد سالم] (Re: حسن الطيب يس)

    up
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de