هل اكتشف السودانيون أمريكا قبل كولمبس؟ محمد وقيع الله

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 06:37 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-21-2007, 10:37 AM

أبوتقى

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 289

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل اكتشف السودانيون أمريكا قبل كولمبس؟ محمد وقيع الله

    هل اكتشف السودانيون أمريكا قبل كولمبس؟

    آثارهم تملأ الرحب من هندوراس إلى نيفادا !

    د. محمد وقيع الله
    [email protected]

    (إهداء إلى الأخ الصديق الفاضل الأستاذ خالد موسى دفع الله .. مع التقدير)

    ( 1من 3)

    عندما أتيت بهذا الكتاب إلى البيت آثار دهشة ابني الأكبر إبراهيم الذي كان فى السابعة من عمره حينها. ذلك أن الكتاب وإن كان قديماً من حيث تاريخ صدوره إلا أنني كنت أول من يستعيره من مكتبة الجامعة فيما يبدو، فأوراقه كانت تحتاج إلى أن تُفض عن بعضها البعض في الحواشي، إذ أن نظم الطباعة القديمة كانت تأتي بأوراق الكتاب ملتصقة ببعضها البعض . وعبر ابني عن دهشته الساذجة قائلاً : ها قد اُتيح لك شرف أن تكون أول من يستعير كتاباً من مكتبة الجامعة!

    وقد فاه الابن بتلك الجملة لأنه كان يتوق لأن يُحظى بذاك الشرف الرفيع. إذ أنه لم يصادف أن كان أول من يستعير كتاباً من مكتبة المدرسة أو مكتبة المدينة العامة. وهو شرف لا يتأتى للمرء إلا في النادر القليل. فعلى طول عهدي بارتياد المكتبات في هذه البلاد ما تَاح لي إلا في مرات قلائل أن أكون أول من يستعير كتاباً من مكتبة الجامعة أو مكتبة المدينة العامة. لأن الكتب الجديدة يتسابق عليها الناس ويتخطفونها فور صدورها، ولا يقع الكتاب بين يدي إلا إذا كان قد قرأه العشرات ، هذا إذا كان قد صدر حديثاً ، أما إن طال به العهد فإنه يكون قد وقع من قبل في أيدي المئات، هذا بينما تكون الكتب التراثية والكلاسيكية قد وقعت في أيدي آلاف القراء .

    لكن هذا الكتاب مع أنه صدر في عام 1920م فقد كنت أول من يستعيره من مكتبة جامعة المسيسيبي العريقة، وأول من يفض أوراقه الملتصقة، وأول من يستطلعه ويقرأه فيما يبدو. ولذلك كانت دهشتي الكظيمة أشد وأعظم مما أفصح عنه ابني من علائم الدَهَشِ والاستغراب!

    عنوان الكتاب هو: إفريقيا واكتشاف أمريكا Africa and the Discovery of America ومؤلفه هو البرفيسور ليو واينر Leo Winer المتوفي في عام 1938م. والذي عمل أستاذاً للغات بجامعة هارفارد. ومما عُرف عنه أن كان يجيد أكثر من عشر لغات عالمية. وقد وصفه البروفيسور دوبوا قائلاً : " إنه يجيد عدد من اللغات لا يعرف معظم الأمريكيين أسماءها حتى الآن ! "

    وأما موضوع الكتاب فهو بحث لغوى أصيل وقوى وعميق وخصب اتجه به صاحبه لإقامة الدلائل اللغوية الساطعة على أن الأفارقة عموماً ، والسودانيين خصوصاً ، كانوا قد اكتشفوا أمريكا ، وتركوا بصماتهم واضحة على تراثها اللغوي والثقافي، كما يتبدى في ثقافة الهنود الحمر من أصحاب البلاد الأصليين، وأكد البرفيسور واينر أن السودانيين كانوا قد قدموا في عصور سابقة لميلاد المسيح، عليه السلام، إلى أمريكا وأقاموا بها، وأنشأوا فيها حضارة باذخة وذلك قبل زمان طويل من إنشاء البيض لمستعمراتهم في البراري الأمريكية!

    لماذا انصرف الناس عن قراءة كتاب واينر؟

    وثمة عاملان اثنان لا شك أنهما أسهما كثيراً في صرف الناس عن قراءة كتاب البروفيسور ليو واينر طوال تلك العقود. العامل الأول هو صعوبة قراءة ذلك الكتاب، إذ أن مدخل كتابه كان مدخلاً لغوياً صرفاً، اعتمد على دراسة تاريخ تَشَكُّلِ وتطور اللغات، والتحريفات التي تصيب تلك المفردات، و اتخذ من كل ذلك أساساً لإثبات أن التراث النوبي والسوداني عموماً كان قد وصل مع أهله إلى أمريكا منذ الزمان السحيق. ولمتابعة ذلك كله واستيعابه بدقة شديدة، فلا بد أن يكون القارئ قد أصاب حظاً جيداً من تحصيل اللغات، إذ أن الكاتب ينقله من لغة إلى لغة أخرى، من دون أن يشعر، مفترضاً أن قارئه يجيد تلك اللغات مثله، أو يلم بها وقواعدها وأجواء التعبير بها.

    و أما العامل الثاني فيتلخص في الاستعلاء الثقافي المعروف في المجتمعات الغربية التي لا تريد أن تجعل لأي من الشعوب الملونة، أو السوداء منها خاصة، أي مِنَّة أوأثارة من فضل عليها. ولا أن تعترف لها بأي نوع من الجدارة أو التفوق الثقافي التاريخي .

    و للتحقيق من أثر هذا العامل الثانى على وجه الخصوص، فقد رجعت إلى بعض المجلات الأكاديمية البحثية التى صدرت فى عقد العشرينات من القرن الماضى لأبحث عن الصدى الذي ربما يكون قد خلفه فيها الكتاب. ولكنى لم أجد من بعد التنقيب سوى ثلاثة عروض للتعريف بذلك الكتاب . إحداها بقلم العلامة دوبوا DuBois، المتوفي في عام 1963م ، و الذي كان أول أسود أمريكي يتخرج بدرجة الدكتوراه من جامعة هارفارد في مطالع القرن الماضى. وقد أشاد دوبوا بالكتاب وبصاحبه إشادة بالغة، مؤكداً أنه قد نَصَبَ نموذجاً يحتذى في العمل العلمي الجاد.

    أما الكاتبان الآخران (وهما من الأساتذة الأكاديميين البيض)، فقد تباريا في تسخيف الكتاب، والنعي على مؤلفه قائلين أنه قد أهدر مواهبه و قدراته الفذة، وابتذل مكانته وسمعته العلمية الرفيعة في تسطير كتاب وضيع يحمل دعوى منكرة متنطعة تزعم أن السود كانوا قد قدموا إلى أمريكا قبل البيض!

    وهنا قد يلحظ القارئ المعاصر أن تلك الحملة قد كانت خير سلف لحملة التسخيف والتشهير الاستعلائية التي تعرض إليها لاحقاً كتاب البروفيسور مارتن بيرنال، ( أثينا السوداء) ، الذي صدر في أول تسعينيات القرن المنصرم، والذي قام فيه أيضاً بإثبات الأصول الافريقية للتراث الفلسفى اليونانى باستخدام وسائل بحثية مختلفة .

    لقد كان البروفيسور ليو واينر مستغرقاً في دراساته حول قواعد اللغات الشعبية الأمريكية، عندما لاحظ وجود مؤثرات لغوية عربية وإفريقية عميقة في اللغات المستخدمة في أوساط الشعوب الأمريكية ، وبخاصة في لغات الهنود الحمر ، ولغة الجنوب الأمريكي ، فحوَّل اتجاه أبحاثه ليتقصى مصادر تلك الظاهرة الغريبة التى استفزنه و أقلقته.

    وكمثال لتلك الكلمات التي تأكد وجودها في لغات الهنود الحمر قبل قدوم كولمبس كلمة (قطن)، وهي كلمة تتحدر من اللغة القبطية القديمة. ومعناها الحرفي (التنقية الدينية)، ولذلك كان القطن يستخدم في تكفين الموتى لتنقيتهم من الآثام التى اقترفوها فى حياتهم. ولكن أصل الكلمة قد انحدر إلى اللغة القبطية من اللغة المروية السودانية، وهو الأمر الذي أثبته المؤرخون حديثاً وبعد مرور قرابة ستين عاماً على نشر كتاب ليو واينر وذلك في الكشف الأثري المدّوٍ الذى اتخذ مكانه على صدر الصفحة الأولى من صحيفة (نيو يورك تايمز) بتاريخ 1 / 3 / 1979م حيث أكد به صاحبه البروفيسور بروس وليام الباحث بمعهد الشرقيات بجامعة شيكاغو أن اللغة المروية هي أصل الهيروغلوفية.

    فاللغة الهيروغلوفية تفرعت عن اللغة المروية، تماماً كما تفرعت عن اللغة المروية فى وقت لاحق أو تأثرت بها لغتا الماندينغ والماندى فى غرب أفريقيا ، وقام بتطوير رموزها أهل تلك النواحى لكتابة لغاتهم المحلية، و ذلك من قبل أن يهجروها جزئياً ليتبنوا الحروف العربية واللاتينية، كما أثبت ذلك البحاثة العلامة كلايد أحمد الأستاذ بجامعة إلينوي. وقد استطاع الدكتور كلايد أن يستخدم رموز اللغة المروية ليثبت وجود صلات تاريخية وثيقة يبن إفريقية وأمريكا قبل كولومبس.

    ومن الباحثين المعاصرين يحدثنا البروفسور إيفان فان سيرتيما ، وهو عالم مجيد في علمي اللغة والأثروبولوجيا، عن تأثيرات اللغة الهيروغلوفية في لغات الهنود الحمر ، مستدلاً بالأقوال القديمة للبروفسور واينر ، ومعضداً إياها بمعارفه المكتسبة من علم الأثروبولوجيا ، فيؤكد وجود كلمات هيروغلوفية كثيرة في لغات الهنود الحمر ، وكذا وجود عادات وطقوس مروية سائدة في ثقافة الهنود الحمر .

    ولشهادة البروفسور سيرتيما أهمية فائقة، فهو أكثر من طور الأبحاث حول وصول السودانيين إلى أمريكا قبل كولومبس، وقد اعتمدنا على أبحاثه كثيراً في هذا المقال، وقد أعانه تعمقه في أكثر من علم على النفاذ إلى أعماق هذا الموضوع الشائك، كما دفعه أصله الأجنبي إلى الوقوف بحياد إزاءه. ونود أن نعرف به هنا بإيجاز ، فمن هو ؟! (في الحلقة القادمة سنرى بإذن الله)













                  

10-22-2007, 05:11 AM

أبوتقى

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 289

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: هل اكتشف السودانيون أمريكا قبل كولمبس؟ محمد وقيع الله (Re: أبوتقى)

    هل اكتشف السودانيون أمريكا قبل كولمبس؟

    آثارهم تملأ الرحب من هندوراس إلى نيفادا !

    محمد وقيع الله

    ( 2من 3)



    وعدنا في خاتمة المقالة السابقة أن نعرف القارئ الكريم بالدكتور إيفان فان سيرتيما، فنقول وبالله التوفيق، ولد إيفان فان سيرتيما في غويانا بأمريكا الجنوبية ، وأكمل دراسته الجامعية بمدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن ، ودراساته فوق الجامعية بجامعة (رتجرز) في مادتي الدراسات الأفريقية والأنثروبولوجيا . واشتهر بمواهبه النقدية الأدبية وقدراته اللغوية المتمكنة وكتب دراسات في تلك الحقول الأكاديمية الثلاث ، نالت رواجاً واسعاً، واعتمدته لجنة جائزة نوبل السويدية مستشاراً ليرشح بعض الشخصيات الأدبية العالمية البارزة لنيل تلك الجائزة المرموقة وذلك في الأعوام ما بين 1976 و 1980 م ، كما عينته هيئة اليونسكو من ضمن الفريق العلمي المكلف بإعادة كتابة تاريخ الجنس البشري .

    وقد بلغت شهرته ذروتها بنشره لكتابه :They Came Before Columbus, the African Presence in Ancient America .

    الذي طبع أكثر من عشرين طبعة منذ ظهوره لأول مرة في 1977 م ، وقد ألف ذلك الكتاب على إثر قراءته لكتاب واينر الذي حدثنا عنه القارئ في مطلع هذا المقال، وقال إنه وجد ذلك الكتاب القديم مهملاً في ركن قصي من مكتبة أستاذه، فلما قرأه هاله أمره، وقرر أن يغير تخصصه الدراسي ليلاحق ذلك البحث القديم الذي افترعه البروفسور ليو واينر.

    ويعمل سيرتيما اليوم في تدريس الأنثروبولوجيا واللغويات والنقد الأدبي ، ويرأس تحرير دورية Civilization The African

    ويعدُّ من أقوى الأساتذة الذين أثروا على توجهات الدراسات الثقافية المقارنة بمناهج الجامعات الأمريكية. وفي السابع من يوليو 1987 م استدعى البروفسور سيرتيما ليقدم حيثياته الدفاعية لأطروحته العلمية حول قدوم السود إلى أمريكا قبل كولومبوس أمام لجنة من الكونجرس الأمريكي ، كما قدم دفاعه عن الموضوع نفسه أمام معهد سميثونيان الأمريكي في 1995م . وقد حاضر سيرتيما بجامعتي رتجرز وبرينستون ، ودعته أكثر من مائة جامعة أمريكية ليحاضر أمام طلابها وأساتذتها . وسنتعرض لأمر دعواه أو فرضيته البحثية والأدلة التي استند إليها في تأييد فرضيته على وجه التفصيل، ولكن قبل ذلك دعنا نستعرض شهادات أخرى.

    شهادة كريستوفر كولمبس :

    إن وصول السود الأفارقة إلى أمريكا قبل كريستوفر كولمبس، أمر أقر كولمبس نفسه ، وسجل ذلك صراحة في مذكراته. ومع ذلك فإن المؤرخين الأمريكيين درجوا على تجاهل أقواله تلك . من ذلك مثلاً ما كتبه كولمبس في مذكراته ليوم الأحد 22/ أكتوبر 1492م قائلاً إنه أثناء انتظاره بمنطقة كويزي – قرب كوبا الحالية- لإعطاء رسالة من الملكة الأسبانية ايزابيلا إلى الخان الأعظم هناك، ثم استلام رد الخان عليها : "جاء قوم الملك، ومنهم أناس سود معهم حراب وبضائع من الفضة والذهب للمقايضة" . والطريف أن كولمبس ذكر أن هؤلاء القوم ظنوا أن كولمبس وقومه قدموا من الجنة لأنهم لم يروا قوما بيضا قبلهم .

    (راجع نص شهادة كولومبس في مذكراته عن الرحلة الثانية،

    (Christopher Columbus The journal of Christopher Columbus , Clarkson N. potter inc. new york 1969 pq. 41 -42)

    وهي إفادة عامة عن وجود قوم سود وصلوا أمريكا قبل كولومبس، وقد يكونون من السودانيين أو من غيرهم، ولكن المنطقة التي حددها كولومبس هي المنطقة نفسها التي تقول الأبحاث إن السودانيين المرويين وصلوا إليها.

    إفادة الدكتور ماثيو ستيرلنغ:

    ومع وضوح اعتراف كولمبوس بوصول السود إلى أمريكا قبل البيض، فقد تواطأ المؤرخون الأمريكيون على تجاهل هذا الاعتراف، ولكن اصطدم تواطؤ المؤرخين الأمريكيين على تجاهل مقررات كولمبس تلك بكشف أثري مدوٍ قرب خليج المكسيك . ففي عام 1938 م قاد الدكتور ماثيو ستيرلنغ فريقا بحثيا مشتركا من معهد سمثونيان والجمعية الجغرافية الأمريكية إلى خليج المكسيك ، وبالتحديد إلى قرية تدعى (زايوتيز) . وكان الدكتور ستيرلنغ قد سمع بأن بعض الفلاحين المكسيكيين قد اكتشفوا عن طريق الصدفة حجراً ضخماً في عام 1854م ثم تركوه على حاله منذ ذلك الوقت ولم يهتم به أحد أو يخرجه من حفرته التي ظل فيها لعصور طوال . وقد وصل الدكتور ستيرلنغ إلى تلك الناحية واستخدم أدوات رافعة حديثة تمكن بها من استخراج ذلك الحجر من حفرته ، فبدا كما قال أشبه ما يكون بقبة عليها قبعة. واتضح أنه تمثال عظيم لشخص أفريقي أسود !

    ووجد الباحث الأثري ستيرلنغ أشياء كثيرة مهملة قريبا من تلك الناحية تحتاج إلى استكشاف واستخراج ، وتتطلب وجود فريق عمل حفري كبير ، فرجع إلى أمريكا وانشغل في حملة تعبئة لجمع التبرعات لتمويل عمل ذلك الفريق ، وتمكن في عام 1939م من الوصول إلى منطقة فيراكيوز التي عثر بها من الآثار ما تطلب مهمة أخرى أكبر تتصل بمشروع خيري لإعادة النظر في كتابة التاريخ الأمريكي برمته ، إذ وجد عدة تماثيل لأشخاص سود .

    وقد حصر الدكتور ستيرلنغ أبحاثه على التمثال الأكبر الذي عثر عليه أولاً ، فأكد أن رأس ذلك التمثال على الرغم من ضخامته فقد نحت من حجر واحد غير متصل بالجسم وإنما وضع على قاعدة ضخمة أعدت لحمله ، وقد عثر الدكتور ستيرلنغ على المنطقة التي اجتلب منها ذلك الحجر على بعد نحو عشرة أميال من موقع التمثال ، وعند وزن رأس التمثال فقد اتضح أنه يزن نحو عشرة أطنان. وهنا ثارت حيرة العلماء كيف تمكن إنسان ذلك الزمان من حمل حجر بهذا الحجم قبل أكثر من ألفي عام.

    )راجع تفاصيل هذا الكشف الأثري المهم في المجلة الجغرافية القومية عدد أغسطس 1939 National Geographic Magazine , Augusts 1939 pp. 183 – 218)

    ثم اتجه الدكتور ستيرلنغ لإكمال بحث أثري ناقص كان قد قام به في 1935م فريق من جامعة تيلاني تكون من البروفسور فام بلوم وزميله البروفسور أوليفر لافارجي ، وكانا قد وجدا رأساً حجريا بدأ يطل من تحت الأرض بفعل عوامل التعرية الطبيعية في منطقة لافيتا على بعد ثمانية عشر ميلا من خليج المكسيك ، ولكنهما لم يجدا من الوقت ولا من الطاقة ما يمكنهما من مواصلة الحفر ، فاكتفيا بتصوير ذلك الأثر الذي بدأ يتعرى وفضلا راجعين. وقد شَخَصَ الدكتور ستيرلنغ إلى تلك الغاية فوجد أن صورة ذلك الرأس – أو الجزء الأعلى منه- يشبه صورة الرأس الذي كان قد وجده آنفا ، ووجد إضافة إلى ذلك ثروة ضخمة من الآثار المشاكلة دعمت ظنونه وفروضه السابقة بوصول السود مبكراً إلى تلك الديار قبل كولمبس بدهور ودهور .

    وفي وقت لاحق تمكن الدكتور ستيرلنغ من جمع تبرعات مالية كافية لانجاز عملية إخراج ذلك الرأس ، وتأكد بما لا يدع مجالا للشك أنه لجسم أفريقي وأنه بطول ثمانية أقدام . وقد قام صبي من أبناء تلك المنطقة بلفت نظر ستيرلنغ إلى وجود صخور شبيهة بذلك التمثال قريبا من ذلك المكان، فاتجه عليها ونقب فيها وتمكن من استخراج ثلاث رؤوس سوداء لا تشبه بأي حال ما اكتشف من رؤوس بأمريكا ، ذلك أنها كانت تلتحف بأغطية وتعتمر بخوذات أفريقية ويبدو أنها كانت لبعض القادة العسكريين الفاتحين .

    راجع تفاصيل تلك الرحلة الأثرية وإنجازاتها في:

    Constance Irwin , Fair Gods , Stone Faces , St. Martins Press 18 , New York , 1963 pp 139-145 .)

    نتائج الفحص الكربوني:

    وقد قدر تاريخ تلك الرؤوس وما وجد من بقايا فحم بجانبها في بحث لاحق باستخدام مقياس الكربون-4 ومقياس Herbert Spiden لتحديد العمر فتقرر أن تلك الآثار ترجع إلى عام 814 ق.م ، بحدود زيادة أو نقصان في المدة بحدود 134 عاما . وعندما استخدم بعض العلماء وسائل قياس أدق أرجعوا تلك الآثار إلى عام 800 ق.م بالتحديد.

    (راجع تفاصيل تلك الاختبارات في:

    philiph drucker et al , Radiocarbon Dates from la venta , tagaso , science magazine , july 12 , 1957 , pp 72-73) .

    ولذلك التاريخ الذي دل عليه الاختبار الأخير والأدق، من حيث المعيارية والمصداقية أهمية فائقة، فإنه يطابق تاريخ الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين التي حكمت مصر ، وكانت بقيادة الفراعنة السود الذين قدموا من السودان ودانت لهم مصر وامتد نفوذهم من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود أثيوبيا الحالية.

    أبحاث الدكتور سيرتيما:
    وهنا جاء دور الدكتور ايفان فان سيرتيما الذي أشار إلى عام 688 ق.م هو العام الذي شهد استيلاء الفرعون السوداني تهراقا على عرش مصر، واتجاهه بعد ذلك نحو الشمال حيث أسس الحدائق الفرعونية بمدينة ممفيس، ثم ابتدر معاركه ضد الأشوريين، ووطد علاقاته التجارية المشتركة مع الفينيقيين. وقد كانت العلاقات التجارية قد بدأت قديما بين حكام مصر من النوبة السودانيين وبين البحارة الفينيقيين ، ويرجع تاريخها إلى عام 730 ق.م ، واستمرت إلى عام 656 ق.م . أي بين تسلم الفرعون بعانخي للسلطة في أعلى وأسفل مصر وإلى عهد طيبة وامتدت إلى العهد الذي حاقت بالإمبراطور تهراقا الهزائم الشديدة من قبل الأشوريين .

    وقد رمق الفينيقيون بعين الاعجاب مكامن الثروات الباذخة التي تمتع بها الفراعنة النوبة ، وهي الثروات التي زادت في نطاق قدراتهم العسكرية ومن ثم السياسية ، ويسرت لهم بسط نفوذهم على مصر . وأخذت مظاهر تلك الثروة النوبية تتراءى للفينيقيين وغيرهم منذ عهد طويل يرتد إلى عام 1085 ق.م ، وأدت إلى توثيق علاقات التحالف والتعاون التجاري بين النوبة والفينيقيين عبر القرون ، وتطورت تلك العلاقات إلى الدخول في مجال الاستكشاف الجغرافي المخاطر ، حيث مخرت سفن النوبة والفينيقيين تبحث عما وراء الآفاق ، وما زالت تلك السفن تجوب أعالي البحار حتى انتهت بها إلى خليج المكسيك في حدود 680 ق.م ، وهو التاريخ الذي يتطابق مع تاريخ وجود تلك الرؤوس الأثرية التي اكتشفت بنواحي خليج المكسيك ويتطابق مع عهد عُلَّو ملك فراعنة النوبة بمصر، كما يتطابق مع تاريخ سيادة حضارة الأوليمك في تلك المنطقة، وهو المحدد ما بين عامي 800- 400 ق.م ، وهؤلاء الأولمك كانوا عبارة عن خليط من أجناس ثلاث هم: المغول ، والسود ، وبيض البحر الأبيض المتوسط ، وقد جاء العنصر الأسود من السودان ومن نوبته على التحديد إلى هناك، وجاء الفينيقيون معهم أدلاء مؤجرين يبيعونهم خبرتهم البحرية العتيقة .
                  

10-24-2007, 08:14 AM

أبوتقى

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 289

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل اكتشف السودانيون أميركا قبل كولمبس؟(3-3 محمد وقيع الله (Re: أبوتقى)

    هل اكتشف السودانيون أميركا قبل كولمبس؟(3-3)
    آثارهم تملأ الرحب من هندوراس إلى نيفادا!
    تحدثنا في الحلقة الماضية عن عظمة ملك الحكام النوبيين السودانيين الذين حكموا مصر، وشكّلوا ما عرف في التاريخ بحكم الأسرة الخامسة والعشرين، الذين امتد حكمهم من حدود أثيوبيا الحالية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. وقلنا إن الفينيقيين رمقوا حكم النوبيين لمصر بإعجاب شديد، وإن علاقات التحالف والتعاون التجاري قد توثّقت بين الطرفين، وتطوّرت إلى الدخول في مجال الاستكشاف الجغرافي. ولكن تناول بعض المؤرخين هذه المسألة بشكل مغلوط إذ ظنوا أن النو بيين كانوا مجرّد أتباع للفينيقيين، ونحب أن نبدأ بتجلية هذا الإشكال.
    من سيِّد من؟!
    إن أول من أشار إلى وجود رابطة ما بين النوبيين والفينيقيين، وبين الكشوف الأثرية التي أنجزت في أميركا في عام 1938م ونشرت أخبارها وصورها وتحليلاتها، كانت هي البروفيسور كونستانس إيروين Constance lrwin وذلك في كتاب لها صدر في عام 1963م، وقد أحيت البروفيسور إيرون البحث في تلك المسألة بعد أن تمادى علماء الآثار في تجاهل تلك الرؤوس الأثرية، لأن دلالاتها تعارضت بشكل صريح صاعق مع المستخلصات التي استنتجوها من الكشوف الأثرية السابقة، وبنوا عليها مقدّمات التاريخ الأميركي القديم، وهي مستخلصات تنفي أي وجود أو مأثرة للسود في حقب ذلك التاريخ الطويل.
    وقد أكدت البروفيسور إيروين في كتابها ذاك أن البيض الذين وجدت آثارهم بتلك المنطقة كانوا من الفينيقيين، لأنهم اعتمروا الخوذات التي اشتهر بها الفينيقيون، وذلك فضلاً عن أن حضارة الفينيقيين كانت نشطة في ذلك التاريخ بالذات، ولكن فشلت البروفيسور ايروبن فشلا ذريعاً في تفسير موضوع قدوم النوبيين السود مع الفينيقيين آنذاك، ولجأت إلى الافتراض المبتذل بأن النوبيين ما كانوا إلا عبيداً للفينيقيين. وكان ذلك مجرّد اجتهاد أو تخمين قاصر، لأن المصادر التاريخية التي استندت إليها لم تذكر ولو لمرة واحدة أن السود كانوا عبيداً للفينيقيين أو لغيرهم، بل إن السود لم يكونوا مستعبدين إلا في أطوار التاريخ التالية، وكلمة العبد نفسها Slave تدلنا على أن أول الأعراق التي كانت مادة للاسترقاق، في ذلك الزمان بالذات، هو العرق الأبيض من السلافيين.
    وتغاضت البروفيسور إيروين في كتابها عن ذكر حقيقة مصادمة لافتراضها باسترقاق الفينيقيين النوبيين، وهي حقيقة أن الفينيقيين أنفسهم كانوا خاضعين في تلك الحقبة لحكم الأشوريين، وأنهم كانوا آنها يدفعون الجزية صاغرين لحكمهم، فكيف يكونوا مستعبَدين ومستعبِِدين في الوقت نفسه، بل كيف يمكن أن يستعبدوا قوماً كنوبيي السودان الأشاوس الذين أصبحوا حكام مصر وساداتها منذ أن فتحها بعانخي وأسس فيها مملكته وجعل الفينيقيين مجرّد أدلاء وحماة لسفنه وبضائعه؟!
    وقد انتبه الباحث العبقري إيفان فان سيرتيما في وقت لاحق إلى ما يزين خوذات النوبيين السود التي وجدت بنواحي خليج المكسيك، حيث تزينها نقوش تشير إلى أنواع وأحجام الأتاوات والضرائب التي حصلوا عليها من الآخرين، مما يدل على أنهم كانوا ملوكاً وقادة محاربين تدين وتخضع لهم الأعناق، وما كانوا يدينيون ولا يخضعون لأحد من الناس كائناً من كان.
    أهرامات النوبيين بخليج المكسيك:
    ثم تضافرت قرائن أخرى على وصول النوبيين إلى تلك الناحية من خليج المكسيك، وهذه القرائن تتصل بنوع الأهرامات المدرَّجة غير متساوية الأحجار التي وجدت هناك، وهو نوع من الأهرامات لم يوجد هنالك قبل فترة الإتصال المشار إليها آنفاً بما بين عامي 800 و680 ق.م.
    وقد اكتشفت تلك الاهرامات أول ما اكتشفت في ناحية لافنتا venta La، أي نفس المنطقة التي اكتشفت فيها رؤوس السود والقاعدة التي عليها النقوش، ثم اكتشفت لاحقاً اهرامات أخرى شبيهة بها في عاصمة المكسيك الحالية، وفي شمال جمهورية بيرو. وقد لاحظ العلماء الأثريون وجود تشابه معماري شديد بينها وبين الاهرامات المصرية. كما لاحظوا أن مصمميها راعوا في التصميم، اتجاهات الشمس، وحركة النجوم، كما هو الشأن في الاهرامات المصرية. وإنها أُحيطت مثلها بفناء خارجي، وذكروا أيضاً وجود تشابه في المهام الدينية التي كانت تؤدى بتلك الاهرامات والاهرامات المصرية. (وقد ذكر هذا الأمر الباحث الأثري بيتر تومكنـز في كتابه عن أسرار الأهرامات العظيمة Peter Tompkins , Secrets of the Great Pyramids
    شهادة الأستاذ الفرد دي بري:
    وهنالك شهادة قديمة قيّمة لا يمكن تجاهلها، بخصوص موضوع أهرامات النوبيين بخليج المكسيك، أفضى بها أحد العلماء الأوربيين، وكان قد عمل بمصر وشاهد أهراماتها، ثم قدّر له أن يرى أهرامات خليج المكسيك، وقد أوردت شهادته قبل أكثر من ثمانين عاماً مجلة (الزهراء) التي كان يصدرها السيد المجاهد الإسلامي الكبير محبُّ الدين الخطيب، رحمه الله، وفيها يقول: «المستر الفرد دي بري، المدرس الآن بمدرسة بني سويف الأميرية، ذو خبرة واسعة بأحوال أميركا الوسطى، لأنه جاب بقاعاً عظيمة منها بوظيفة مستشار نباتي للرئيس دياز، وهو يقول إنه رأى أثناء سياحاته أن وجه الشبه عظيم جداً بين المدنية القديمة في أواسط أميركا وبين المدنية المصرية، وفي اعتقاده أن أول مكتشف للقارة الأميركية من أهل القارات الأخرى إنما كان رجلاً مصرياً، ويخيّل إليه أن قارباً مصرياً خرج من سواحل مصر قبل بضعة ألوف من السنين فجرفه التيار حتى بلغ شواطئ أميركا الوسطى، كما قذف الموج سنة 1500م سفينة كابرال البرتغالي أثناء قيامه برحلة إلى الهند، فرمته العواصف على شواطئ البرازيل على غير قصد منه، وبذا استولى البرتغاليون على مستعمرة فخمة.
    ويؤكد الأستاذ دي بري أن التشابه المشاهد الآن في أميركا الوسطى بين آثار حضارتها القديمة وبين حضارة الفراعنة في مصر، لا بد أن يكون نتيجة حادث قديم وقع قبل آلاف من السنين لسفينة مصرية طوّحت بها الأقدار فألقتها في تلك الديار، وقام ركابها بوظيفة الأساتذة لسكان البلاد التي آوتهم وأنقذتهم من براثن الأمواج، وأن سكان أميركا الوسطى ما برحوا يقومون منذ عهد طويل بحفلات يخلّدون بها ذكرى ذلك المعلِّم المجهول». (مجلة (الزهراء) القاهرة، بتاريخ أول ذي الحجة 1345هـ). وقد كان من الممكن أن ينسب فضل ذلك المعلِّم المجهول إلى المصريين، لولا أن االكشوف الأثرية دلت على وجوه قوم سود، أتوا في تلك الفترة إلى تلك الناحية بالذات، وأولئك أحرى أن يكونوا من السودانيين الذين حكموا مصر إذاك!
    نقد هذه القرائن الفرضية:
    هذه القرائن الفرضية التي ساقها هؤلاء العلماء، لم يسلم رغم وجاهتها من النقد، فقد أشار بعض علماء الآثار إلى أن بناء الاهرامات كان قد توقّف في مصر منذ نهاية عام 1600 ق.م، ولذلك يصعب القول بأن اهرامات المكسيك التي بنيت في وقت متأخر كثيراً عن ذلك التاريخ قد تأثرت بنمط بناء الاهرامات المصرية. وقد ذكر أصحاب هذا الرأي أن وجوه الشبه الملحوظة ما بين اهرامات المكسيك ومصر يمكن أن يرد إلى مؤثر غير مباشر، وتصوروا أن يكون هذا المؤثر مصدراً آخر تأثر بنمط بناء الاهرامات المصرية، أو تأثر به نمط بناء الاهرامات المصرية.
    ولكن هذا النقد يقوي في الواقع من فرضية تأثر النمط الذي بنيت به اهرامات المكسيك بنمط بناء اهرامات فراعنة النوبيين. وهو ما تتجه لإثباته آخر حفريات الآثار النوبية حيث أشار أكثر من عالم إلى اعتقاده بأن الاهرامات المصرية إنما تأثرت بالاهرامات السودانية في الأساس، وأن التصور القديم الذي يشير إلى أن الحضارة المروية إنما هي فرع أو امتداد للحضارة المصرية يحتاج إلى إعادة نظر وفق نتائج آخر الحفريات.
    ومن ناحية أخرى فلقد ثبت بما لم يدع مجالاً للشك أن فراعنة النوبيين بنوا آخر الاهرامات وكرسوها لعبادة الشمس، كما أعادوا بناء وإصلاح عدد من الاهرامات التي ران عليها الفساد وطرأ عليها البلى، لاسيما في عهدي يعانخي، وتهراقا حيث قام الأول بإعادة بناء معبد الموت، الذي توالى على تشييده كل من تحتمس الثالث والرابع، وزاد عليه رمسيس الثاني بعض الإضافات.
    (راجع ما ورد بشأن ذلك في كتاب آركويل عن تاريخ السودان A.J. Arokell , A History of sudun , university of London press , London , 1955 p. 124.).
    وقد جاء تهراقا ليشيد صفاً من الأعمدة الصلدة في معبد الكرنك، وأحد تلك الأعمدة لا يزال ناهضاً في مكانه حتى الآن. وقد قام تهراقا أيضاً بإعادة حفر مرتكز السقف لصفوف الأعمدة في معبد آمون رع في جبل البركل، ولا يشبه تلك الأعمدة المصفوفة بذلك النمط إلا مرتكز صفوف تلك الأعمدة التي لا تزال شاخصة للعيان من مخلفات الآثار الأميركية التي يعود تاريخها إلى فترة قيام حكم الأسرة الخامسة والعشرين السودانية لمصر.
    ويلحق بشأن الأهرامات من ناحيتها الشكلية أمر آخر مهم يتعلّق بناحيتها الوظيفية، إذ أنها بنيت أيضاً لحفظ جثث الموتى من عظماء القوم. والمعروف تاريخياً أن فن التحنيط اكتشف أولاً في أفريقيا السوداء ثم تطوّر ووصل إلى مستوى راق جداً في مصر الفرعونية، وقد انتقل ذلك الفن إلى نواحي المكسيك، حيث بانَ جلياً أن طريقة التحنيط كانت واحدة حيث تتم إزالة أحشاء الميت، ثم يحشى جسده بمادة الراتنج الحمضية. وقد وجدت بالمكسيك مومياءات نصبت على وضع أفقي، أي مثلما كان يفعل النوبيون بموتاهم، وعليها أغطية تكسو الرأس شبيهة بما كان النوبيون يغطون به رؤوس موتاهم.
    واكتشفت في الحفريات المكسيكية بعض الأجساد المحنطة التي تنتمي إلى العرق الأسود والفينيقي، مما ينمُّ على أن القوم كانت لهم صولات وجولات في إطار حضارة الاوليمك، لأن الشخص الذي يحظى جسده بالتحنيط لا بد أن يكون ملكاً أو أميراً أو قائداً دينياً، كما لوحظ على ملابس بلاط المكسيك شيوع اللون البنفسجي فيها، وهو اللون الذي كان شائعاً في البلاط الفرعوني النوبي، ولعله يعود إلى تقديس النوبيين للنيل ولونه. ورغم أن طريقة حياكة القطن كانت مختلفة عن طريقة الحياكة لدى النوبيين وسكان وادي النيل عموماً، لكن أكثر الأشياء التي ظهرت في نواحي بيرو، كانت على شبه وثيق على ما كان يبدو في (طِيبة) العاصمة المقدّسة للفراعنة السود، وقد انتقل فن التحنيط بعد ذلك من نواحي المكسيك ليصل إلى مناطق كولمبيا وبيرو، كما استخدمته قبائل الهنود الحمر الذين كانوا يقطنون نواحي نيفادا، وفرجينيا، وكارولينا الشمالية، والجنوبية، وفلوريدا، والساحل الشمالي الغربي، وأميركا الوسطى.
    حديد البجراوية في بيرو:
    ويمثل انتقال الحديد الذي كان يستخرج ويصنّع في منطقة البجراوية إلى نواحي بيرو، قرينة أخرى تقوي افتراض وصول النوبيين السودانيين إلى تلك الأصقاع، كما تمثّل دلالة كبرى على تفوّق السودانيين على المستوى التاريخي (العالمي). وهذا أمر لا يزال السود الأميركيون الحاليون يفخرون به. ففي بعض لحظات المنافحة والمصاولة اللفظية مع البيض، يجنح السود الأميركيون إلى الافتخار بأنهم انتقلوا إلى أميركا من قارة كانت متقدّمة عليها، وكانت رائدة للعالم أجمع في الصناعة وفي اكتشاف وتصنيع الحديد.
    وفي الواقع فإنهم لا يعنون بتلك المقولة إلا بلاد السودان الحالية، ولا يعنون بها بوجه التحديد إلا دولة مروي القديمة، وعاصمتها البجراوية، التي تقع شمال مدينة كبوشية، وشرق قرية كلي، حيث تأكد تاريخياً أنها أول حاضرة عالمية استخرجت معدن الحديد واستغلته في صناعة الأسلحة خاصة، وكان هو العامل الذي يجلب النصر لهم في حروبهم، هذا ولا تزال بقايا ذلك الحديد مترامية حول تلك المنطقة حتى الآن. وقد نما إلى علم الفينيقيين أن المرويين قد برعوا في تلك الصناعة فجاءوا إليهم لتسويقها عالمياً ونقلوه بسفنهم الضخمة إلى حواضر العالم التي أتيح لهم أن ينفذوا إليها.
    وعن طريق تلك الرحلات التجارية وصل حديد البجراوية إلى نواحي بيرو، حيث لم يثبت تاريخياً أن أهالي بيرو كانوا على معرفة بطرق استخراجه وتعدينه، ولا كان يوجد بكثرة في أرضهم، والأمر الذي يرجّح أنهم قد استوردوه من السودان، أن طريقتهم في صبه وتشكيله كانت هي عين طريقة وصب وتشكيل الحديد بدولة مروي القديمة. وقد ذكر المؤرخون أن استخدامات الحديد كانت محدودة في بيرو، حيث انحصر استخدامه تقريباً في اتمام عمليات دفن الموتى، وذلك على خلاف ما كان عليه الأمر بدولة مروي، حيث استخدم الحديد في صناعة الأسلحة، وكثير من أدوات الاستعمال المنزلي، وهذا مما ينسجم مع ما ورد سابقاً من أن أهل تلك النواحي الأميركية، كانوا يقتبسون من أهل مروي كل ما له علاقة بالطقوس ودفن الموتى، ويقصرون عن ملاحقتهم في نواحي الرقي التقني والحضاري بشكل عام.
    خاتمة:
    وبهذا القول نصل إلى خاتمة هذا المقال الذي اختصرناه من دراسة أوسع نحن بصدد إكمالها، بإذن الله. وقد أوردنا في هذا المقال أهم المعلومات والقرائن التي تشير إلى وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، وذلك في العهد الذي كانت أوربا تعيش فيه في الظلام الدامس، بينما كانت الحضارة السودانية تعيش في أوج الألق والإشعاع. إن الكثير من المعلومات التي احتواها المقال قد تبدو مدهشة للقارئ العادي، ولكن على هذا القارئ ألا يسارع إلى رفض هذه المعلومات لمجرّد أنه لم يسمع بها من قبل، كما نرجو ألا يستبعد أحد إمكانية وصول أبناء الحضارة السودانية القديمة إلى تلك الأقاصي السحيقة، بدعوى أن القدرات التقنية التي احتازوها كانت أقل مما يتطلّب هذا السفر المضني الطويل، فهذا استبعاد ورفض متسرّع، لا يلقي بالاً إلى بعض أسرار التاريخ القديم، التي تحتاج إلى مزيد درس وتفسير، فلقد شهدت عهود الماضي البعيد أنماطاً شتى من العجائب المعجبة، التي ربما يستبعد حدوثها المرء الآن، لولا أن أكدتها الأدلة القواطع.
    فقد ثبت -مثلاً- أن الناس كانوا قبل آلاف السنين، في بلاد لا تزال متخلّفة مثل بيرو، يجرون عمليات معقّدة في جراحة المخ، وقد كانت تلك العمليات تنجح في نحو (50%) من الحالات، بينما لم تكن تنجح أكثر من (25%) من الحالات التي أجريت في بريطانيا في القرن التاسع عشر! وثبت أن الناس كانوا يستخدمون الكهرباء في العراق القديمة قبل آلاف السنين! وثبت أن أهل مصر كانوا قادرين، بوسائل لم تعرف حتى الآن على وجه التحديد، على رفع الصخور الضخمة التي يزن الواحد منها مائتي طن إلى ارتفاعات شاهقة عند بناء الأهرام! كما ثبت أن أبناء حضارات قديمة أخرى بذلوا محاولات جادة في استكشاف الفضاء والمحاولة للوصول إلى الكواكب البعيدة! وثبت أن الصينيين القدماء قد تمكنوا من استخدم البارود، وعرفوا أن تعريض رمح للبارود المشتعل، كفيل بقذفه إلى مسافة ألفي ياردة، وتلكم هي بعينها فكرة الصواريخ وسفن الفضاء، التي صممتها وبرعت في تصميمها وتنفيذها الحضارة الغربية المعاصرة!
    إن هذه كلها معلومات موثّقة تدل على قدرات ضخمة كانت مشهودة في تقنيات الحضارات الإنسانية القديمة، وهي معلومات ينبغي أن نتسلّح بها لننقي أذهاننا من فكرة الرفض الاعتباطي اليسير الفطير -اللاعلمي- للفرضية التي تتحدّث عن تمكّن أبناء الحضارة السودانية من تسخير السفن الضخمة وامتطاء ظهورها لقطع المحيط الأطلسي والوصول بها إلى الغرب الأميركي.
    وبعد ذلك نقول إن هذه المسألة لا تزال حتى الآن في طور الفرضية محل الاختبار، وقد جرت بصدد اختبارها أبحاث وتحيلات جادة عديدة. لعل أقدمها وأقواها في الوقت نفسه هي أبحاث وتحليلات البروفسور ليو وارنر صاحب كتاب ( Africa and the Discovery of America) الذي تحدثنا عنه في مطلع المقال، وهو الكتاب الذي يتتبع أصول الكلمات النوبية في لغات الهنود الحمر، ويراقب تطوّر تلك الكلمات، وانتقالها إلى لغات الشعوب التي احتكت بالهنود الحمر، بما في ذلك الفاتحون الأوربيون، ولكن لا يستطيع كل قارئ أن يجاري البروفيسور واينر في مباحثه الصعبة، التي تتناول شؤون لغات عديدة في الوقت نفسه، فهذا ما لا يتهيأ إلا لمن تعلموا (أجرومية) تلك اللغات، وعرفوا مفرداتها، وطرائق كتابتها، ومهروا في فقه اللغة المقارن، وهؤلاء -إن وجدوا- ربما لا تكون لهم الرغبة في تتبع مسألة وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، وقد لا تبدو هذه الفكرة مهمة في نظر الكثيرين منهم!
    ولكن يكفي أن العلاّمة ليو واينر قد فتح مجال البحث الجاد في هذا الأمر لعلماء المباحث التاريخية الأثرية والأنثروبولجية، من أمثال البروفيسور سيرتيما، وما على من أراد من القراء أن يتعرّف على القرائن الأشد وثوقاً إلا أن يطلع على كتابين لسيرتيما أولهما: They Came Before Columbus: the African Presence in Ancient America
    والآخر يحمل عنوان: Black Egypt The
    وهي قرائن كثيرة قوية، يعضد بعضها بعضاً، وكلها تشير إلى وصول السودانيين إلى أميركا في ذلك العهد البعيد.
    ومع اتجاه تلك القرائن لترجيح صحة فرضية وصول السودانيين إلى أميركا قبل كولومبس، فإنه لا توجد دلائل ولا قرائن مضادة تناهض هذه القرائن الإيجابية أو تبطلها، فهذه القرائن تصلح بالتالي مادة واعدة للبحث المتعمّق، وتحفّز العلماء المهتمين لبذل مزيد من الجهد لتقصي الموضوع من أطراف أخرى.
    هذا وإذا كان مناسباً أن نرفق خاتمة المقال بتوصية إلى أولي الشأن في بلادنا السودان، فنقول يا حبذا أن يكون لعلمائنا الباحثين السودانيين - لا سيما الشباب منهم- بعض اهتمام واسهام في هذا الموضوع العلمي الكبير، ويا حبذا أن تقوم جهة علمية لها وزنها، كمعهد حضارة السودان، أو قسم الآثار بجامعة الخرطوم، أو أي جامعة أخرى، بدعوة البروفيسور سيرتيما ورفاقه من الأساتذة الغربيين الذين أسهموا في هذا المجال لزيارة السودان، لإلقاء المحاضرات التي تحتوي على نتائج أبحاثهم في المجامع والملتقيات العلمية السودانية، عسى أن يؤدي ذلك إلى إكساب العلماء الغربيين المنخرطين في تحقيق هذا الأمر، معلومات جديدة تنير بصائرهم، وتدفع بهم إلى استكشافات من نواح أخرى، تدعم الفرضيات التي صاغوها بهذا الخصوص.. والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de