هذه المقالة سبق أن نشرتها بصحيفة السوداني في أغسطس الماضي ولتوسيع دائرة المشاركة أعيد نشرها هنا
جمهورية قبرص الشمالية التركية ماضي عريق وحاضر زاهر ومستقبل واعد
تحت قبة سماء زرقاء هي البحر وعلى شاطئ بحر أزرق أشبه بالسماء، وعلى الضفاف الشمالية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط تستلقي في هدوء جزيرة قبرص. وهبها الخالق حسن الموقع وحسن المنظر فهي تقع عند ملتقى العالم القديم ، أوروبا وآسيا وأفريقيا ، حيث تقف على بعد 40 ميلا من الساحل التركي و60 ميلا من كل من سوريا واليونان ، وهذا الموقع المتفرد الذي يربط ما بين الشرق والغرب بقدر ما هو نعمة ، إلا أنه وعبر تاريخها الموغل في القدم كان وبالاً عليها وعلى أهلها، فبسببه كانت قبرص هدفا إستراتيجيا للغزوات الأجنبية ، تعرضت للغزو من قبل الفراعنة المصريين، والآشوريين، والفرس، والرومانيين، والبيزنطيين، والبنادقة، كما غزاها المسلمون على يد معاوية أبن أبي سفيان أمير الشام وقتها في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وفي عام 1571 صارت جزء من الخلافة العثمانية، ثم بعد ذلك تقاسمها اليونانيون والأتراك ردحا من الزمان قبل أن يحول الإنجليز عقد إيجارها إلى عقد احتلال لها ، إلى أن نالت استقلالها في عام 1960 وبضمانات تركية – بريطانية – يونانية تأسست جمهورية قبرص بأتفاقيتي زيورخ ولندن وتقاسمت "الأثنيتين" التركية واليونانية السلطة والحقوق السياسية إلى أن حدث انقلاب من قبل القبارصة اليونانيون في 1963 باستئثارهم للسلطة وأبعاد القبارصة الشماليين ذوي الغالبية المسلمة من مراكز اتخاذ القرار رافعين شعار "الإينوسيس" المتفرعة عن فكرة "الميغالي" التي تدعو بشكل مختصر إلى ضم كامل الجمهورية أو الجزيرة إلى اليونان إحياءً لحلم الإمبراطورية الإغريقية، تماما كما جرى لجزيرة "كريت" عام 1920 ، وحينما بدأت المنظمات القبرصية اليونانية المتطرفة بارتكاب جرائم ومذابح جماعية عديدة ضد القبارصة الأتراك منذ عام 1963 حتى منتصف عام 1974 اضطرت تركيا للتدخل العسكرى لحماية الأتراك القبارصة وللحيلولة دون تكرار ما جرى للأتراك في جزيرة كريت من عام 1897 حتى 1920. ونتيجة لذلك أسس القبارصة الشماليين جمهوريتهم الخاصة " وردا للجميل بعرفان تركيا سميت الجمهورية الوليدة "جمهورية قبرص الشمالية التركية" بقيادة رءوف دنكاش وذلك في 1983 بعد انتظار لوضع سياسي غير مستقر أستمر لأكثر من 20 عاما. لم أخطط بشكل مسبق لزيارتها هذا الصيف ولكن ومن خلال المعرض العقاري الذي أقيم مطلع هذا الصيف بدبي شدتني المنصة الخاصة بشركة "صن بيم" العقارية القبرصية وذلك ببساطة التصميمات الهندسية للبيوت المعروضة وأنها حقيقية موجودة على أرض الواقع وليست تصميمات على الورق ، سحرتني المناظر الخلابة للجبال والسهول وللشواطئ والمياه، أجمل المدن هي تلك التي تتكئ بظهرها على سفح الجبل وتتمدد بساقيها في الماء وهذا هو حال مدن الجمهورية القبرصية الوليدة، وهو ما دفعني لزيارتها ورؤيتها وتحسس عبق أنفاسها، قررت السفر إليها هذا الصيف فشددت الرحال إليها برفقة المهندس عصام محمد أحمد يعقوب عبر اسطنبول التركية ومنها بالطائرة إلى جمهورية قبرص الشمالية التركية "أو المقاطعة رقم 10" كما يطلق عليها الأتراك وما بين جبل الأصابع الخمسة والشاطئ اللازوردي للأبيض المتوسط وجدت مدناً تتكئ في طمأنينة وسكينة تحسدها عليها كل مدن العالم المضطرب ، نيقوسيا أو لفكوشا وكايرينيا أو "قرنا" كما يسميها أهلها وفمغوستا أكبر مدن الشمال، مدن صغيرة تعداد سكان أي منها يقل عن عدد سكان أي حي من أحياء القاهرة القديمة. استقبلنا في مطار "إيركان" المهندس عبد العظيم كرار المدير والشريك في شركة صن بيم العقارية وأخذنا بسيارته الفورد عبر سهول الجزيرة الخضراء ، عبرنا مدينة نيقوسيا والتي يقسمها خط أخضر أشبه بحائط برلين يفصل المدينة إلى قسمين القسم القبرصي التركي والذي يدعى "لفكوشا" والقسم القبرصي اليوناني الذي أحتفظ باسم نيقوسيا ورغم وجود بوابتين تسهلان عبور المواطنين القبرصيين بين شقي المدينة (بوابة فماجوستا وبوابة بافوس) ، إلا أن واقعهما الآن يقول بأنهما عاصمتين لدولتين مختلفتين الأولى تعج بالمساجد والثانية تضج بأجراس الكنائس.
سيدا أو صيدا الموظفة بفندق روكس مع المهندس عصام الدين محمد أحمد يعقوب وشخصي أواصل
10-09-2007, 07:34 AM
عاطف عبدالله عاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115
لاحظت بين السهول وعلى أطراف المدن اللافتات البراقة للكازينوهات والملاهي الليلية فعلمت بأن القائمين على أمر المدن في الشمال يعلمون بأن تلك الملهيات الصاخبة والتي تجذب أهل الجنوب والسياح الأجانب ففضلوا أن ينئوا بها عن مدنهم الوادعة ، وأخذت السيارة تشق التلال صعودا وهبوطا تطالعنا القرى الجبلية بمنازلها ذات الأسقف المحدودبة الحمراء ، والحدائق تحيط بها من الداخل والخارج، وتدل أسوارها الحجرية القصيرة على مدى الأمن والآمان الذي تنعم به، ومن وراءها الجبل يقف شامخا حارسا وفيا عليها ، خضرة الجبل وزرقة البحر مع أشجار الزيتون والبرتقال المتفرقة مشهد يخلب الألباب.ولاحظت أن كل المنازل تقريباً تستخدم الطاقة الشمسية في تدفئة المياه حيث لا يخلو سقف بيت من الخلية الشمسية "السولر سيل "Solar Cell" الزجاجية المولد للطاقة، وأخيرا وصلنا إلى مدينة كايرينيا "قرنا" وكانت الشمس في طريق غروبها والمساء يرخي سدوله رغم أن الساعة قاربت التاسعة مساء، ترجلنا أمام فندق روكس ذو الخمسة نجوم والمطل على البحر وهناك وجدنا حفاوة من إدارة الفندق وهدية عبارة عن طبق كبير من الفاكهة الطازجة المحلية ظللنا نتناول منها طوال الأيام التي قضيناها بين ظهرانيهم. كارينيا رغم أنها ليست اكبر مدن الشمال إلا أنها قبلة السياح حيث مينائها الصغير يدب بالحركة وقوارب الصيادين والمطاعم الشعبية والمطاعم الفاخرة التي تقدم شتى أنواع الأطعمة وكذلك المقاهي والكازينوهات ، كما توجد بها أهم الملامح السياحية كقلعة كارينيا Kyrenia castleالشهيرة المطلة على الميناء والمشيدة منذ العهد البيظنتي، والتي أقام بها القائد الصليبي ريتشارد قلب الأسد ، وكذلك توجد بها قلعة سانت هيليريون "Saint Hillarion castle" على قمة جبل الأصابع الخمس وهي القلعة التي أوحت رائعة ولت ديزني الجميلة النائمة "Sleeping Beauty " . ونجد بها أيضا أكبر وأهم القلاع الأثرية في قبرص وهي قلعة " سلاميس Salamis" وسلاميس هذه مدينة تقع على بعد ثلاثة أميال شمالي مدينة فاماغوستا. في صبيحة اليوم التالي وبعد أن تناولنا الإفطار بالفندق حضر مضيفنا المهندس عبد العظيم كرار مع صاحب الاسم الأشهر في مجال المقاولات والإنشاءات العقارية بقبرص الشمالية ، الاسم الذي ظلل يتردد طوال فترة بقائنا هناك، المهندس ورجل الأعمال "علي يمنيجي" رجل مربوع القامة قبرصي من أصول تركية رغم عمله كمقاول في سوق شديد التنافسية إلا أن صراع السوق لم يخفي آثار الإنسان فيه ، وأخذنا في جولة بسيارته ذات الدفع الرباعي بين التلال في زيارة المشاريع السكنية المنجزة والتي تحت الإنشاء لشركة "صن بيم" ومن تنفيذ علي يمنيجي وكانت بصمته واضحة فبالإضافة إلى بساطة وجمال التصميم نجد أنها تتميز عن معظم المباني الأخرى بشيئين أولهم نوعية الحجر المستخدم في البناء والذي يجلب من منطقة كارباز "KARPAZ." في أقصى شرق الجزيرة وهو حجر يمتاز بقدرته الفائقة على امتصاص الحرارة والبرودة ، وقد لمسنا ذلك في المنازل التي قمنا بزيارتها، فقد كانت كأنها مكيفة من الداخل رغم الحرارة العالية بالخارج ، ولقد علمنا بأنها تكون دافئة خلال صقيع الشتاء ، والشئ الثاني الذي يميزها هو نوعية أسقف القرميط المستخدمة فيها، فهي أسقف فكت من مباني قديمة أعيد تأهيلها تمنح المبني إرث تاريخي ولمسة سحرية تكسوه بهيبة الأزمنة الغابرة .
مع المهندس علي يمنيجي الأسم الأشهر في مجال الإنشاءات في قبرص
10-09-2007, 07:40 AM
عاطف عبدالله عاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115
في يومنا الثالث بالجزيرة صعدنا إلى جبل الأصابع الخمس الذي يقف حارسا على معظم مدن الشمال رغم أنه عمليا يقع ضمن مدينة كايرينيا وهناك وعلى أعلى قمة الجبل شاهدنا قلعة سانت هيليريون والنصب التذكاري للدبابة التركية التي فجرت خلال التدخل التركي في الثاني من أغسطس 1974 . وفي أعلى الجبل الأخضر شاهدنا أيضا قرى مهجورة و أماكن للرحلات واستغرقت الرحلة زهاء نصف اليوم ، وقضينا النصف الآخر في سهرة شرقية وعشاء على أنغام الرقص الشرقي والدبكة في مطعم مطل على أطلال أحد الكنائس الأثرية. معظم مدن حوض البحر الأبيض المتوسط ومهما اختلفت اللغات والعادات إلا أننا نجد تشابه الأكلات حتى بتنا لا نعرف هل الفول والفلافل والحمص أكلات مصرية أم تركية أم سورية لبنانية ، ففي قبرص تتشارك نفس تلك الأكلات والحلويات من البقلاوة الشهيرة إلى القهوة التركية ، رغم تلك الأكلات المشتركة إلا أننا في قبرص الشمالية التركية وجدنا بعض التميز في بعض الأطباق نوعاً وفي كل الأطباق كماً وكيفاً ، ففي أحدى المطعم الشعبية التي تكتظ بها المدينة ، طلبت طبق دجاج "شفتاليا " "Chicken Shaftalia" وهو دجاج مطبوخ بالجبن والزيتون ويقدم ساخناً في إناء خشبي ، وطلب مرافقي طبق الكباب المشكل ، ولم يستطع أي منا أن يكمل طبقه فظننت إن هذا المطعم خصانا بحسن الضيافة ولكنني اكتشفت لاحقا أن كل المطاعم تقدم أطباقا ذات أحجام مضاعفة لمثيلاتها في أي بلاد أخرى. ففي قائمة أشهر الأكلات القبرصية نجد الشوربة والتي تقدم في البداية وهي مختلفة الأنواع أشهرها تهرانا سوب Tarhana soup وهي خليط من القمح والأرز، وشوربة المكرونة أو الحمص Noodle or Humus soup وشوربة الدجاج . بعدها نجد قائمة الطعام تحوي البيلافPilaf وهو عبارة عن أرز مفلفل أو قمح يخلط أحيانا مع البازلاء، وبعدها نجد المززMezes أو المقبلات والتي تقدم بأنواع مختلفة باردة وساخنة ونجد أن الأطباق الرئيسية عدا الأكلات البحرية المتوفرة بكثرة نجد الكباب والكفته هما لأكثر استحواذا على لب الزائرين والمقيمين بتلك الجزيرة الفاتنة. في أحد أشهر المطاعم بالمدينة مع الشيف للذكرى
في اللقاء المطول مع الصحيفة العقارية والذي تم نشرة في عدد أغسطس 2007
10-09-2007, 07:53 AM
عاطف عبدالله عاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115
من الجوانب المشرقة أيضاً لقبرص الشمالية التركية أهتمامهم الكبير بالتعليم الجامعي حيث توجد ستة جامعات تمنح أعلى الدرجات العلمية، صار كل منها قبلة للطلاب العلم الأجانب حيث يفد إليها الطلاب من حوالي 65 بلدا حول العالم، ويشكل أكثر من 70% من عدد الطلاب الدارسين طلاب أجانب ، رغم حداثة تلك الجامعات ورغم حداثة القبارصة الأتراك أنفسهم بالتعليم الجامعي بعد سنوات الحرمان الطويلة التي عاشوها في ظل التفرقة التي كانت سائدة أيام ما قبل الانفصال. أكبر الجامعات هي جامعة شرق البحر المتوسط التي تأسست في عام 1979 في أحضان مدينة فاماغوستا (ماغوسا) الواقعة على الساحل الشرقي للجزيرة والجامعة الأمريكية بكارينيا. وجامعة الشرق الأدنى والجامعة الأوروبية وجامعة قبرص العالمية ، لذا نجد رغم الحصار ،فإن القبارصة الأتراك قد نجحوا في تشييد واحداً من أفضل نماذج التعليم العالي في الشرق الأوسط. من الأشياء الملفتة للنظر أيضا في قبرص الشمالية التركية هو ذلك الرقي في التعامل مع الأجانب سواء كان من ضباط الجوازات بالمطار إلى الباعة وسائقي سيارات الأجرة وموظفي وعمال الفنادق ، وأيضا الاحترام الذي يخصون به العرب، ولن أنسي جولتنا في المدينة أنا والمهندس عصام محمد أحمد حيث قمنا بها ونحن نرتدي الزي السوداني كاملا من الجلباب الأبيض والعمامة والشال فوجدنا الترحيب والإعجاب في كل مكان وأجري معنا لقاءاً مطولا في المجلة العقارية الاجتماعية "Property NC" التي تصدر في شمال قبرص وتوزع في كل أنحاء المعمورة. ونجد أن التسامح والاستقرار الذي يتسم به هذا الشطر من الجزيرة قد انعكس على أمنها وأمانها ، بحيث يندر أن تلتقي برجل شرطة راجلا كان أم راكباً ، وما حاجتهم إلى رجال الأمن والأمن مستتب ليلاً ونهاراً رغم الانفتاح وجود تلك الكازينوهات والملاهي وعلب الليل وذلك التدفق من السياح والعابرين من مواطني الشطر الجنوبي والأوروبيين. المهندس عبد العظيم كرار "شقيق الشهيد عبد المنعم كرار" مع أحد الألمان الذين أستوطنوا بالجزيرة في الميناء
10-09-2007, 08:00 AM
عاطف عبدالله عاطف عبدالله
تاريخ التسجيل: 08-19-2002
مجموع المشاركات: 2115
الخاتمة رغم أن الجمهورية ما زالت بكراً إلا أنها حبلى بمجالات واعدة للاستثمار حيث تتوفر فيها مقومات النجاح من وضع جغرافي مميز وقوانين اقتصادية مشجعة مثل حق التملك للأجانب في الأراضي والمشاريع وتحويل الأموال والأرباح، وهناك العديد من الفرص للاستثمار في المجال العقاري مثل تشييد الفنادق والمراكز التجارية والمنتجعات الصحية وفي مجال تصنيع وتعليب الفاكهة وصناعة الزيتون وفي مجال تحلية المياه والطاقة، أخيرا وفيما يتعلق بالمستثمرين العرب ، فمصلحتهم تقتضي تمتين العلاقات التجارية والثقافية مع القبارصة الأتراك. وليس من مصلحتهم الانتظار حيث يبادر الآخرون إلى ذلك، لأنهم عند ذاك سيكونون في ذيل القافلة، وسوف تكون كثير من الفرص قد تسربت وهي الآن بين أيديهم، خاصة إذا علمنا بأن معظم المستثمرين فيها الآن هم من البريطانيين اليهود ومواطني دول الإتحاد الأوروبي وهم أدرى الناس معرفة بسياسة "من أين تؤكل الكتف"، فأتمنى أن لا يتأخر المستثمرون والساسة العرب حيث لن يتبقى لهم سوى الفتات، فهذه الجزيرة سوف تستعيد وحدتها إن لم يكن اليوم فغدا ، وعلى العرب أن يدركوا ذلك قبل فوات الأوان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عاطف عبدالله
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست