السودان الجديد ... صلابة الأسئلة ، وسيولة الآيدلوجيا *

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 12:19 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-06-2007, 08:30 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السودان الجديد ... صلابة الأسئلة ، وسيولة الآيدلوجيا *

    ظل شعار (السودان الجديد) منذ أن ظهر في طروحات (الحركة الشعبية) ثم مع التداعيات الدراماتيكية التي صاحبت الأيام الأخيرة للراحل الكبير الدكتور جون قرنق ، يمثل جذبا دعائيا قويا ً يلهج به الجميع ولا ينتبه لمعناه إلا القليل .
    بيد أن ما يعنينا هنا هو قراءة الجدل حول هذا المفهوم من خلال سياق يحاول أن يتأمل في الأسئلة التي تنشأ من التفاصيل المعرفية في وجه ذلك الشعار ، واختبار جدواها في ضوء المعطيات السياسية التي تختزل الشعار كأيقونة دون أن تنتبه للإشكالات المحايثة له ، من حيث تفسير جدواه ، والمقدمات النظرية والجدلية لمضمونه ، وقاعدته المعرفية لتحليل خطابات الأزمة السودانية التاريخية على ضوئها ، وإدراكها وفق الواقع الموضوعي . وغير ذلك من شروط البرنامج الفكري لأطروحة (السودان الجديد) .
    ربما كان مدلول الجدة والاختلاف في مصطلح (السودان الجديد) هو المعنى الذي يتبادر إلى الذهن . وهذا المعنى بالفهم اللغوي الخام لا يضمر أي بنية فلسفية ومعرفية يمكن أن تكون تأويلا له ، أو أن يشكل أطروحة مكتملة لبرنامج فكري متماسك .
    ذلك أن تعويم هذا الشعار بالطريقة التي تكاد تجعل منه بديهة ضرورية ، عبر سيولة الدعاية في الخطاب الآيدلوجي للحركة الشعبية، لا يعين بذاته على تأسيس طرح فكري مقنع للقوى السياسية الأخرى.
    وإذا افترضنا أسئلة يمكن اشتقاقها من ردود التأويل على المعنى النقيض لمفهوم (السودان الجديد) من قبيل : ما هي حدود (السودان القديم) ؟ وهل هذه الحدود ستحتاج إلى فرز يعيد موضعتها في (السودان الجديد) ؟ أم ستكون ساقطة بالجملة والتقادم ؟ وهل علاقات (السودان الجديد) مع نقيضه (السودان القديم) ستكون على شكل قطيعة أم صيرورة ؟ وماهي حدود القطعية والصيرورة في ذلك ؟ وكيف يمكن تجريد قضية الانتماء بطبيعتها المتعددة ، عن قضية الحقوق المتصلة بمستوى واحد في علاقات المواطنين ؟ وماهي البرامج الفكرية التي ينطبق عليها هذا الشعار خارج الآيدلوجيا والفهم اللغوي الخام ؟ وكيف يمكن تأسيس قاعدة للتوافق الوطني على هذا الشعار (الذي هو بلاشك لفئة سياسية من السودانيين) ؟ وما هي قابليات تجديد الذاكرة الوطنية على أساس (الحقيقة والمصالحة) ؟ ـ كما حدث في جنوب أفريقيا ـ وغير ذلك من الأسئلة الصلبة أمام السيولة الآيدلوجية لهذا الشعار ؟
    ورغم المقاربات القليلة التي حاولت شرح مفهوم (السودان الجديد) ـ مقال الأمين العام للحركة الشعبية (باقان أموم) في التسعينات ـ إلا ان ذلك لم يكشف عن الكثافة الفكرية والمعرفية اللازمة لتأسيس برنامج سياسي توافقي يستجيب لطبيعة الأزمة.
    فإذا كانت قضايا التهميش والظلم التي تأتي كعناوين كبرى في هذا الشعار عادة ؛ فإن
    طبيعتها الحقوقية العابرة للانتماءات المتعددة ، لا يمكن أن ترتهن بالضرورة إلى هذا الشعار ، بقدرما تندرج في شروط عادلة للتسوية السياسية للأزمة السودانية برمتها ، وبقدرما تتأسس على تحولات مركبة لبنية الدولة في السودان والمساهمات الاضطرارية لمجموع القوى السياسية الفاعلة في تلك التحولات ؛ تلك التحولات التي تثير الكثير من الأسئلة والمراجعات في طريقة جدواها بعد نهاية الحرب الباردة وثورة الاتصالات والمعلوماتية . فلا يمكن اليوم ترسم طرق التحولات السياسية والثورية في القرن العشرين وما قبله ـ خصوصا ثورات القرن التاسع عشر ـ دون إدراك طبيعة المناخ والشروط التي أنتجت تلك الثورات كشروط عامة ، فضلا عن شروط الواقع السوداني الخاص التي أدت إلى إجهاض الحالات الثورية في (أكتوبر) 1964 و(أبريل) 1985 م ، في زمن كان يستجيب بسهولة لإمكانية تحولات حقيقية بخلاف هذا الزمن الذي نشأت فيه تعقيدات عميقة وحيثيات استراتيجية عالمية تقتضي صعوبات مركبة ولا يمكن تجاوزها إلا بتأسيس بُـنى كيانية صلبة تسبق التغيير ؛ تلك البُـنى التي لا يعين واقع الأزمة السودانية على استبقاء ما وهن منها فضلا عن استبقاء وجودها أصلا ؛ لأنه قام على تدمير بقيتها الباقية !
    والحال أن مفهوم (السودان الجديد) لا يمكن فهمه إلا بتأويل يتذرر في تلك المعطيات والآليات المتعددة والمركبة للخروج من مأزق الأزمة التاريخية في السودان التي اكتمل مسارها بانقلاب نظام (الإنقاذ) الإسلاموي . والتي هي شروط شارطة لمجموع القوى السياسية ضمن برنامج استراتيجي فاعل ، مما ينفي عن ذ لك المفهوم هوية فكرية خاصة وراسخة في نفس الوقت .
    ذلك أن الإنسدادات التي تعيق اطراد تغيير جذري لتحقيق ذلك الشعار تقف حيثيات عديدة ـ داخليا وإقليميا وخارجيا ـ للحيلولة دونه . فالتركيب والتعقيد الذي ينزاح على مجمل تجليات الأزمة السودانية لا يكاد يفضي إلا إلى مفاجآت غير سارة . كما أن تعاطي القوى السياسية في السودان مع الأزمة ـ حكومة ومعارضة ً ـ لا يستجيب للتحديات التي هي بالتأكيد أكبر بكثير من بضاعتها السياسية الفقيرة .
    وبالرغم من أن هذه القوى تنطلق من (مجازات هوية وطنية مفترضة) لطرح برامجها السياسية ، إلا أن طبيعة فهمها للتحديات ، واستجابتها الفقيرة لها يكشف ضرورة الحاجة إلى إعادة تجديد الأسئلة حول (مجازات تلك الهوية الوطنية أصلا) حيث تتكشف عبثية الشعارات في المصالح الضيقة لتلك البرامج الحزبية للقوى السياسية التي هي بالفعل برامج وترتيبات لفئات تندرج في مفهوم علاقات ما قبل الدولة ، أي بمنطق سياسي مشوه تختلط فيه مطالب القبيلة والطائفة بوعي آيدلوجي متدني إلى مستويات تطابق تلك المطالب الفئوية والطائفية والقبيلة بمفهومها لوطنية رثة وعلى مقاسها .
    وإذا جاز لنا أن نتأمل الحراك السياسي المؤثر بمنطق (قوة الأمر الواقع) الذي يكاد ينحصر في شريكين أساسيين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) سنجد أنه في أفضل الأحوال لا يخلو من منطق مرتبك لإدارة الأزمة السودانية ، دون أن يتجاوزها إلى القدرة على اقتراح وتنفيذ حلول خلاقة وقائمة على تنازلات مشرفة . فالبنية الأيدلوجية لمفهومي (السودان الجديد) ، و(المشروع الحضاري) هي بنية لا يمكن أن تنتج مفاعيل موضوعية استراتيجية في الواقع السياسي ، بل لا يمكن أن تلتقي في مركز مشترك لصيرورة قابلة للتفاؤل على مستوى المصلحة الوطنية . (على ضوء هذه الحقيقة يمكنا تفسير الخلافات والمعوقات التي تضع العصي في عجلة اتفاقية " نيفاشا " رغم الاتفاق النظري الذي تم بين الطرفين) .
    وإذا كانت صيرورة المشروع الحضاري الإسلاموي قد وصلت إلى نهاية بائسة ومتوقعة ؛ فإن الزخم الآيدلوجي لمشروع (السودان الجديد) ـ ما لم يجد آلية تشتغل على تحويل وفرز نقاط التقاطع الموضوعي مع مجمل القوى السياسية في شأن مستقبل السودان ضمن مشروع دولة متكامل يؤمن بالاختلاف والشراكة السلميين من ناحية ، وقدرة على التخفف سيولة الآيدلوجيا بالتحديق في المحمولات الفكرية للشعار من ناحية أخرى ـ ستظل الآيدلوجيا السائلة في ذلك الشعار وهمًا يتحول في وعي الجماهير التي تؤمن به إلى شعور يجسد تمايزات أشبه بـ(يوتيبيا سياسية) ترى في الاختلاف مع الآخر الشريك والتعاطي معه سياسيا ـ بكل علله ـ ضربا من إكراهات الواقع السياسي أكثر من كونه طبيعة موضوعية للحياة السياسية التي ينبغي أن تقوم على غايات وطنية واضحة ، ومجمع عليها تقتضي ذلك الخلاف .
    فمن أسف أن طبيعة الخلافات السياسية في السودان ـ خصوصا في واقع الأزمة المزمنة ـ لا تنطوي على طبيعية دنيوية ـ بالرغم من أنها في الأصل كذلك ـ تؤمن بنسبية الخلاف السياسي وسلميته ضمن سقف وطني أخلاقي (كما في الغرب) ، بل تندرج في طبيعة دينية (دينية هنا بمعنى تأسيس الخلاف على الآراء القاطعة وغير القابلة في وعي هذا الطرف أو ذلك للنقاش أو التنازل والقائمة على تصنيف المخالف في دائرة التكفير أو التخوين) بالرغم من القبول الظاهر أحيانا ـ نتيجة لضغوط وإكراهات إقليمية ودولية ـ بإدراة الخلاف بطريقة سياسية ، لكن هذه الطريقة عادة لا تفضي إلى نتائج ملموسة ، كأي خلاف سياسي دنيوي ، بل تظل معلقة باستمرار عبر تدوير الخلاف وإعادة إنتاجه ـ الأمر الذي نراه باستمرار في كثرة الاتفاقيات التي عقدها نظام الإنقاذ مع أطراف من المعارضة دون أن تفضي تلك الاتفاقات إلى حال أفضل للواقع السياسي والأمني في السودان ـ .
    بيد أن مجمل ما أسلفناه آنفا حول هذه القضايا ـ خاصة حول مفهومي المشروع الحضاري ، والسودان الجديد ـ لا يكاد يسعفنا برؤية استراتيجية ليس في إدارة الأزمة السودانية فحسب ، بل أيضا ـ وهذا هو الأهم ـ في اقتراح وطني جاد للحيلولة دون انهيار شكل الدولة وبقيتها الباقية أصلا .
    فبالرغم من أن كل المعطيات الإستراتيجية تشير إلى تآكل البقية الباقية من شكل الدولة في السودان بفعل تطبيقات آيدلوجيا المشروع الحضاري الإسلاموي طوال 18 عاما متزامنة ً مع فاعليات واقع إقليمي وعالمي يفيض بكل المؤشرات التي تتجه إلى تلك النهاية في السودان ، وبقية دول المنطقة بعد نهاية الحرب الباردة ؛ إلا أن سلوك القوى السياسية ـ خاصة الحكومة السودانية ـ واتجاهاتها تتصرف كما لو كانت هذه الحقيقة الإستراتيجية ضربا من الوهم ـ مع وجود نماذج واقعية قاسية لغياب شكل الدولة في العراق والصومال ـ للأسف .
    ذلك أن هذه الفوضى الضاربة والمعقدة في واقع القوى السياسية في السودان كشفت على الأقل عن حقيقة موضوعية واحدة لمن يتأمل ذلك الواقع وهي : أن هذه الفوضى هي الوجه الآخر لأزمة الكينونة الوطنية والسياسية ، أي أن وجود الأزمة هو نفسه تعبير شديد الوضوح عن غياب الوعي الوطني ومنطق الدولة الصحيح .
    وأزمة من هذا القبيل لا يمكن الخروج منها إلا بإعادة صياغة جديدة لمشروع وطني قائم على إدراك ووعي قضية قرب إنهيار الواقع السياسي برمته في السودان ، أي انهيار ما تبقى من شكل الدولة . و تحقيق هذا المشروع اليوم أشبه ما يكون بتحقيق معجزة وطنية في زمن غابت عنه المعجزات .
    فهل يمكن لمشروع السودان الجديد أن يعيد تأسيس بنية جديدة للوعي الوطني والسياسي قابلة للاندراج في تسويات سياسية وطنية خلاقة تحفظ ما تبقى من إيجابيات السودان القديم ضمن متخيل قومي يستوعب الاختلاف ويتصالح معه ؟
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    * عن صحيفة الحياة اللندنية ـ الأحد 23 أيلول / سبتمبر 2007




                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de