|
|
 حكاية «عبدالواحد».. الرجل الذي فقد جنده!
|
حكاية «عبدالواحد».. الرجل الذي فقد جنده!
أبوبكر القاضي -الوطن القطرية 30 سبتمبر ذ
مازالت فكرة «الرجل الذي فقد ظله» تلهم الكتب.. ألهمت في حوالي منتصف القرن الماضي الكاتب العربي القدير فتحي غانم ومازالت تلهم العقل العربي الشاب في الالفية الثالثة وسوف أتناول هنا بإيجاز «حكاية الرجل الذي فقط ظله» للكاتب سمير بن خليفة العريمي وهي القصة الفائزة بجائزة المركز الاول في مسابقة المنتدى الأدبي لعام 2006 لأربط هذه الحكاية مع حكاية عبد الواحد محمد نور زعيم حركة تحرير السودان الدارفورية الذي فقد جنده فحالته أشبهت حالة الرجل الذي فقد ظله.
تبدأ قصة الكاتب سمير بـ «يحكى أن» رجلا فقد ظله ذات يوم فانزعج كثيرا وبكى وعز عليه أن يمشي في الاسواق وينتقل من مكان الى آخر دون ظل كسائر مخلوقات الله، القصة مليئة بالاحداث المثيرة ولكني سأروي مشهدين متناقضين عن المشاكل التي ترتبت على فقدان الرجل لظله .. المشهد الاول عندما كان الرحل بالسوق ولاحظ السوقة أنه بلا ظل .. لم يكشف المستور سوى شحاذ عجوز أبله، شق الصفوف وأمسك بالرجل من تلابيبه والزبد يتطاير من شدقيه، دار به دورة كاملة وهو يزعق كالملدوغ.. «اقتلوا هذا الرجل اقتلوه.. إنه ساحر ملعون لا ظل له»، فضحك الناس من جنون الشحاذ العجوز وأطلقوا سراح الرجل عديم الظل بعد أن ملأه الخوف والذعر.
بعد هذه التجربة لجأ الرجل الى صديق له دله على شيخ صالح زاهد.. فعندما شاهد الشيخ الرجل «عديم الظل» قفز به معانقا اياه في شوق رغم أنها كانت المرة الأولى التي يلتقيان فيها قال له «أهلا يالمخلص الذي طال انتظاره»، تساءل الرجل.. المخلص؟! فأجاب الشيخ: نعم المخلص ألا ترى أنها العلامة التي تميزك أيها المنتظر؟!
هكذا يقول مخطوط (النجاة من الزلزلة باقتفاء سبيل من لا ظل له).
زوجته الملسونة لم تستطع مقاومة المكاسب التي يمكن ان تحقق من ميزة زوجها الفريدة، فأذاعت الخبر الذي انتشر، وقالت «لن يخرج الناس من البلبلة إلا زوجي الرجل الذي لا ظل له»، الوالي بنفسه جاء متبركاً راجيا ان يتكرم بزيارة قصره وعلاج قلبه العليل، بالرغم من توهم الناس جميعن بما فيهم الوالي بأنه صالح فإن الرجل لم ينخدع في نفسه، قال: إذن سأذهب اليه «إلى الوالي» وأخبره بالحقيقة، وان كل ما يقولونه محض كذب.
«عبدالواحد نور»: الرجل الذي فقد جنده
حكاية عبدالواحد زعيم جيش التحرير الدارفوري هي انه «رجل فقد جنده» ووجه الشبه بين عبدالواحد وصاحبنا الذي فقد ظله، ان واقعة «الفقدان» هذه اصبحت تشكل المزاج الداخلي الذي يحدد مواقفهما من «الآخر».. وكذلك اصبحت العين الوحيدة التي ينظر بها الآخر اليهما، فظل الإنسان رغم انه «عامل سلبي» بمعنى انه (أي الظل) هو المنطقة التي لا يصل إليها الضوء بسبب «وجود» الإنسان نفسه، إلا أن الظل كظاهرة طبيعية اصبح دليلاً على وجود الإنسان تحت «الشمس» وتحت الضوء، أما «الجند» في حياة القائد المتمرد فهو ظاهرة ايجابية، بمعنى ان الجند وان كان تابعا ومطيعاً للقائد إلا انه يستطيع ان يقوِّم نفسه، إذا اعوج القائد، في حين ان الظل تابع للعود حتى صار مثلا «لا يستقيم الظل والعود اعوج»، ويظل الشبه قائماً رغم كل ذلك في ان القائد إذا فقد جنده فقد «وجوده»، مثل الرجل اذا فقد ظله فقد فقد وجوده تحت الشمس.
لماذا يرفض عبد الواحد الذهاب إلى طرابلس؟
السبب الجوهري الذي يمنع عبدالواحد من الذهاب إلى مفاوضات طرابلس المحدد لها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في 25/10/2007 هو أن عبدالواحد قد اصبح القائد الذي فقد جنده، نعم هو متمرد بلا جنود، وبلا قادة عسكريين وبلاسيارت لاندكروزر وبلا راجمات ولا مضادات للطائرات، الحكاية باختصار هي ان السيد عبدالواحد حتى عام 2006 واثناء مفاوضات ابوجا كان يقول إنه الفصيل الاساسي والاكبر، وقد بدأت حركته تتصدع باجتمع مسكينته عام 2006 الذي نظمه منى اركو مناوي بالاراضي المحررة بحضور المجتمع الدولي، وقد كان المرجح في ابوجا 2006 ان يوقع عبدالواحد علي سلام مجذوب الخليفة رحمه الله الا ان منى اركو سبقه الى ابرام الامور بليل والجلوس على كرسي كبير مساعدي رئيس الجمهورية، وفور توقيع سلام ابوجا 2006 اتفقت الحكومة مع جناح منى اركو على تصفية الحركات التي لم توقع تصفية عسكرية وجسدية فتكفل منى اركو بالقضاء على غريمه عبدالواحد ليؤمن لنفسه كرسي كبير المساعدين وتكفلت الحكومة بالقضاء على حركة العدل، اما الحكومة فقد فشلت في مهمتها حيث خاضت مع حركة العدل بعد 5/5/2006 مباشرة عشرين معركة متتالية انهزمت فيها جميعا وتربع د.خليل على امبراطورية عسكرية مصدرها غنائم الحكومة اما منى اركو فقد نجح في مهمته الى حد ما ولكن على طريقة علي وعلى اعدائي فتدخلت حركة العدل والمساواة لحماية عبدالواحد. ومنذ اكثر من عام تحول عبدالواحد نور الى ظاهرة صوتية توجه الى اسمرا ثم الى باريس وصار يدير القضية من مقهى في باريس وبمعدات هي اربعة هواتف نقالة كما جاء في حوار اكثر من رأي بقناة الجزيرة، فالاستاذ عبدالواحد محمد نور يرفض الذهاب الى طرابلس للاسباب الآتية:
1ـ مفاوضات طرابلس لن تنصبه نائبا لرئيس الجمهورية، والسبب بسيط وبديهي ومنطقي هو ان عبدالواحد فقد جنده، فعبدالواحد يدرك انه يفاوض حكومة الخرطوم التي لا تفاوض الا من يحمل السلاح وتمنح المناصب الدستورية للمعارضين حسب وزنهم العسكري الميداني والاستاذ عبدالواحد في هذه اللحظة لا يملك قوة عسكرية نعم (فقد جنده).
فالسيد عبدالواحد يخشى في طرابلس ان تعرض عليه الحكومة حصة صغيرة تعادل حصة التجمع الديمقراطي 14% من قسمة السلطة، فالحكومة تمنح حصص السلطة حسب حجم القوة العسكرية في تاريخ التفاوض ولا يشفع لعبدالواحد انه كان اكبر قوة عسكرية في يوم من الايام فقد انفض جنده وقادته من حوله.
2- لماذا يعطي عبدالواحد وقف اطلاق نار «مجاني» للحكومة؟
ان اول بند سيناقش في طرابلس هو وقف اطلاق النار لأن الامم المتحدة معنية بوقف اطلاق ا لنار اذ لا يمكن ان تدخل القوات الهجين الى دارفور الا على ارضية وقف اطلاق نار من قبل الحكومة والمتمردين على السواء. ان حركة العدل والمساواة بقيادة د. خليل ابراهيم لن تقبل بوقف اطلاق النار الا بموجب اتفاق اطاري يضمن بموجبه د. خليل الحكم الذاتي الموسع لاقليم دارفور الموحد والتعويضات الفردية لأهل المخيمات والنازحين واللاجئين وميزانية اعادة الاعمار الخ. باختصار الذي يفاوض الحكومة والامم المتحدة هو د. خليل محمد والذي ينتزع حقوق النازحين واللاجئين هو د. خليل اما عبدالواحد الذي فقد جنده فليس له ما يفاوض به الحكومة في طرابلس فقد اعطى وقف اطلاق نار مجاني للحكومة ليس منحة منه ولكن لانه رجل فقد جنده.
3- عبدالواحد ليس قديسا وسوف يتجاوزه الزمن
الشعار في طرابلس عشية 25/10/2007 هو الصلاة قائمة بمن حضر فالأستاذ عبدالواحد امام خيارين الاول ان يأتي من باريس معطرا ومدهونا بالكريمات ليجلس مع ملثمي العدل والمساواة الغبش القادمين من ميدان القتال. الطريف انه خلال الفترة من 5/5/2006 حتى 25/10/2007 اذا اراد عبدالواحد اثبات وجوده فإنه يخرج مظاهرة عشرينية تحمل صور عبدالواحد لدى زيارة اي مسؤول أممي الى معسكرات النازحين في حين ان د. خليل لذات الغرض اثبات الوجود يقوم باحتلال مدينة حمرة الشيخ او عديلة او ود بنده بل يتجه من حمرة الشيخ نحو الخرطوم فتعلن الحكومة نفرة داخلية لتأمين دنقلا وشندي من أي ضربة استعراضية. باختصار عبدالواحد لن يحضر الى طرابلس لأنه لا يملك أدوات واسلحة المفاوض (لأنه فقد جنده).
وماذا لو غاب عبدالواحد عن طرابلس؟ لقد خسر عبدالواحد الحركة الشعبية بقيادة سلفاكير كما خسر دول الجوار اريتريا وتشاد وليبيا، واشكالية قبيلة الفور انه ليس لها امتداد خارج السودان.. وعليه اذا نجحت مفاوضات طرابلس في تحقيق الحكم الذاتي الموسع والتعويضات الفردية وميزانية إعادة الإعمار فإن التاريخ سيتجاوز عبدالواحد.. فعبد الواحد ليس قديسا.. وقد تجاوزت الحركة الاسلامية الشيخ الترابي وهو قديس، وتم ابرام سلام نيفاشا مع حملة السلاح، وتجاوز التاريخ السيد محمد عثمان الميرغني رئيس التجمع وهو قديس. فلنقرأ التاريخ.
|
|
 
|
|
|
|
Faisal Al Zubeir
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست