|
السودانيون وعلوق الشده
|
د فتح العليم عبد الله
نحن شعب اشتهر باضاعة الوقت في ما لا طائل من ورائه. وعندما يوشك المدى الزمني المرصود للفعل ان ينتهي، تجد ان كل الناس قد شمروا عن سواعدهم وأرجلهم وربطوا على رؤوسهم عصابة حمراء واستفرغوا اكبر قدر من الجهد في اقل زمن ممكن. وبعد انتهاء العمل كيفما كان يصاب الناس بالتلف اما غضروف او شقيقة او ضغط او موت يريح البلاد والعباد. كل سكان ولاية الخرطوم يعبرون الكباري ما بين الثامنة والتاسعة صباحاً، فترى السيارات وكأنها نظمت بخيط. وما بين السيارة والاخرى من مسافة لا يسمح بنزول موس حلاقة. وذلك يستدعي من رجال المرور عنتاً شديداً، فهذا يهرول بين السيارات وآخر يصفر وثالث رفع يديه الى الله.. ولا ادري هل يشكو الشعب ام الحكومة.. وبهذه المناسبة اكشف لسكان بحري المتوجهين الى الخرطوم سراً وهو إنهم ان توجهوا في تمام الثامنة فسيصلون عند العاشرة. ولو تحركوا الساعة 55:9 دقيقة فسيصلون ايضا عند العاشرة شفتوا كيف؟! في عرصات الجامعات تجد الطلاب ذكورا واناثا ناضجين وغريرين في حالة من الحبور تحسدهم عليه، فهذا ركن نقاش وذلك معرض للزهور الظليَّة. وفي الميدان حفلة بفنان من مواليد 1990م والكل فرح بما لديه. وما ان يعلق جدول الامتحانات آخر العام حتى يتذكر الجميع انهم طلاب علم. وعليهم الاستذكار ودفع الرسوم والدخول الى المكتبة. كما ان قاعات الدراسة تطفح بالمستمعين والمندهشين، حتى ان احد المحاضرين علق بقوله: يا اخوانا في قبول آخر السنة ولا شنو!!
في نهار رمضان وفي نصفه الاول تذهب الى الاسواق فتجدها خالية من الناس. وكأنما اكتسحها المغول فلم يذروا عليها من المشترين ديَّاراً. وفي آخر أسبوع على مشارف العيد يحتشد الناس من كل احياء البلاد ويندفعون نحو الحوانيت، فترتفع الاسعار وتهبط المعنويات. واشد ما يؤلمني منظر الاب الضحية ومعه زوجته وابناؤه وقد بدأوا بانزال الملابس واللعب ارضا وصاروا يتصايحون الله عليك يا بابا.. وتقول الام في دبلوماسية شرق اوسطية: هو ما تعبان ليكم وده يوم فرحتكم، فينتهز صاحب الحانوت هذا الطقس المشتعل ويشوت ثمناً ضخماً في أبعد زاوية للأسعار فيسقط الاب أرضا ولسان حاله يقول: كعصفورة في يد طفل يهينها تقاسي حياض الموت والطفل يلعب فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها ولا الطير مطلوق الجناح فيهرب في يوم الوقفة كل البيوت في العاصمة والمدن تكون في حالة استنفار 100%، فتجد البنات في أشكال تجعل مردة الشياطين تولي الادبار، فهذه تركت الرأس منكوشا وانكبت بالبوهية على الكراسي والسرائر دهناً وتلطيشاً. واخرى صارت مثل لاعبات الاكروبات تقف برجل على رأس السلم. والاخرى على شباك كي تتمكن من نظافة الستائر وما علق عليها من عبس.. ويخيل اليَّ ان الناس كلما ينظفون بيوتهم يتركون شيئاً من الغبار والعناكب عمداً ليوم الوقفة.. في يوم العيد تصبح المنازل آية في النظافة والروعة. ويصاب أهلها بكل المعضلات مثل ازمة تنفس، كسر في الحوض ودوار في الرأس. وان لم يحدث لهم كل ذلك جاءهم في صباح العيد رهط من النسوة يولولن لتنكيد فرحة العيد عليهم، فقط لأن هذا اول عيد منذ وفاة والدهم. والملاحظة الأخرى هي أن العادة جرت بأن يطوف الرجال عقب صلاة العيد على بيوت الحي للمعايدة. وعند دخولهم لا يجدون سوى الأم واقفة لاستقبالهم، فإذا سألوا أين بقية افراد الاسرة قيل لهم في الحمام، علماً بأن الحمام واحد وافراد الاسرة احد عشر فردا.. والاجابة الصحيحة هي ان الاولاد نائمون والبنات اختبأن وراء الابواب لانهن في اطمار مسحوقة ونعال مرقوعة وزينة منزوعة ولا يصبحن جاهزات لاستقبال الوفود الا بعد العاشرة، حيث تتفرق الجموع ويتبدد شملها. اقتراح للناس بالعاصمة والمدن مثلما تزورون المقابر والمستشفيات في ايام العيد، لماذا لا تزورون المساجين الذين تعرفونهم والذين لا تعرفونهم، ففي ذلك تفريج هم وغم وكربة ومواساة ذات اثر عميق، خاصة ان بعض السجناء ليس لهم أقارب بالعاصمة او المدينة. وتقربوا اليهم بما تيسر وبذلك تقرضون الله قرضاً حسناً. ونسأل الله العافية والحرية والاستقامة للجميع.
|
|
|
|
|
|