|
درس من الأخطاء المزدوجة للسودان والمجتمع الدولي / محمد الحسن احمد
|
منقول
أخيراً بعد عام من الشد والجذب والتوتر في الداخل، ومع المجتمع الدولي قبلت الحكومة السودانية مجيء القوات الأممية إلى دارفور بعد أن كانت المسميات لهذه القوات بين المشتركة والمختلطة والهجين وما الى ذلك قد أخذت حيزاً كبيراً من الأخذ والرد والتحفظات وضياع الوقت. وحسنا فعل المبعوث الرئاسي الصيني الذي زار الخرطوم أخيراً عندما قال عبر مؤتمر صحافي: ان بلاده لا تدعم الخرطوم في رفضها نشر قوة دولية افريقية مشتركة في اقليم دارفور. وانه على اصدقائنا السودانيين قبول الخطة وليس لتسمية القوة أية اهمية سواء كانت افريقية أو مشتركة. وكان هذا الموقف من الصين آخر ما توقعته الحكومة السودانية التي كانت تعول على مؤازرة منها تصل حد العشم باستخدام حق النقض في مجلس الأمن ضد اية اجراءات عقابية قد تطالها أو تدفع بإرسال القوات بالرغم من موقف الحكومة!
لقد كان واضحاً منذ بداية الأزمة قبل عام ان الحكومة السودانية لم تقرأ المشهد السياسي قراءة صحيحة وليس الموقف الصيني فحسب، وإنما الموقف العالمي بأسره ولذلك قطعت شوطا بعيداً في عداء المنظمة الدولية والولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى وحتى الدول الافريقية لم تسلم من الاحتكاك بها على مستوى الاتحاد الافريقي الذي طالبته بالكف عن طلب عون الأمم المتحدة باعتبار أن ذلك خارج دائرة اختصاصه، وان عجز عن اداء المهمة فعليه ان ينسحب!
كانت الامم المتحدة الأكثر استغرابا واندهاشا من موقف الرئيس البشير ووزير دفاعه حيث وصل بهما الأمر إلى حد التهديد بإعلان الحرب عليها بحسبان ان ارسال قواتها لدارفور هو بمثابة عدوان على سيادة السودان بينما للامم المتحدة اكثر من عشرة آلاف جندي في السودان بموجب اتفاق سلام الجنوب ولم تتجاوز هذه القوات حدود مسؤولياتها وجاءت بموافقة من حكومة السودان. ولذا بدا موقف الحكومة مدعاة للدهشة والاستغراب والاستنكار.
وفي خضم هذا الفوران وما تبعه من مواقف حادة من الحكومة في غالب الأحيان حاول المجتمع الدولي ان يقدم الكثير من الشروح والضمانات مما يجعل الحكومة مطمئنة لسلامة الموقف الأممي والأخذ بالاعتبار كل ما يجعل الحكومة تعدل عن موقفها الرافض، ولذلك تم في أديس أبابا في نوفمبر الماضي (تشرين الثاني) اتفاق برعاية كوفي أنان تضمن ما عرف بحزم الدعم الثلاث، وصولاً الى القوات المشتركة، لكن بعيد هذا الاتفاق بقليل اعلنت الحكومة انها لم توافق لا على القوات المشتركة أو المختلطة، إنما على عمليات مشتركة ليس بينها قوات، إنما دعم متعدد الجوانب من الأمم المتحدة، على الرغم من أن أنان أصرَّ على أن الاتفاق قد تم بالفعل، ومن ثم توترت العلاقات مرة أخرى مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى أن أزف موعد انعقاد القمة العربية في الرياض الشهر الماضي. ومن الرياض، انطلقت بشريات التوصل إلى الاتفاق من جديد على الحزم الثلاث نتيجة لقمة على هامش القمة العربية رعاها العاهل السعودي، وضمت إلى جانب البشير، الأمين العام للأمم المتحدة، وأمين الجامعة العربية، ومفوض الاتحاد الافريقي. وكان من نتاج تلك القمة عودة الأجواء إلى طبيعتها مع المنظمة الدولية والاتحاد الافريقي، مع توقع اجتماع فني لترتيب الأوضاع في أديس أبابا أيضاً، لكن قبيل الاجتماع تضاربت التصريحات من بعض المسؤولين السودانيين، مما أرهص باحتمالات انتكاسات في الطريق. بيد أن الاجتماع الذي ترأسه وكيل الخارجية الدكتور مطرف صديق، تكلل بالنجاح، وهذا ما عبّر عنه لدى عودته إلى الخرطوم. الآن بدا واضحاً أن السودان قبل بصورة قاطعة القوات المشتركة، وهذا أمر جيد، لكن ألا يستدعي الأمر مراجعة شاملة لكل المواقف التي اتخذت خلال عام بأسره، وكيف اتخذت؟ وعلى ماذا استندت من دراسات؟ وما هو حجم الخسائر التي لحقت بالسودان في الداخل والخارج؟ ومَن الذي يتحمل مسؤولية القراءة الخاطئة للمواقف الدولية؟ وهل كان القرار تلقائيا؟
إن مثل هذه الدراسة من الأهمية بمكان، وهي من المسائل الطبيعية في الدول التي تحرص على تجويد الأداء وتقدير المسؤوليات وتلتزم بالمحاسبة من مواقع المسؤولية، وفوق ذلك، لتتعلم من أخطائها لتجاوزها في المستقبل، خصوصاً الأخطاء الفادحة التي تتعلق بإزهاق أرواح الناس وتشريدهم وتهجيرهم وإهدار المال العام، الذي ينبغي أن ينفق في البناء والتعمير. لا بد أن تمتلك الحكومة الشجاعة الكافية لدراسة كل ما جرى واستخلاص الدروس والعبر، والعمل كذلك على إصلاح كل الأضرار التي لحقت بالعلاقات الخارجية للسودان، لاسترداد الثقة وجلب العون الذي كان مقدراً للسودان وحجب بسبب هذا الموقف من القوات الأممية، وأيضاً بسبب تأخير الوصول إلى السلام المنشود في دارفور. وبالطبع ما كان لسلام دارفور أن يتأخر لولا رفض القوات الأممية من جهة، والإصرار على اعتبار أن اتفاق أبوجا لا تغيير ولا تبديل فيه، وعلى الرافضين توقيعه أو مواجهة العقاب. وللأسف أن المجتمع الدولي وقتها كان رأيه من رأي الحكومة، وساعتها توالت الإنذارات للحركات الرافضة طلباً للتوقيع خلال 24 ساعة، ثم مددت إلى 48 ساعة، لكأنها مطلوبة للاستسلام وليس للتوافق على سلام. وبالطبع، ما كانت الساعات مقياساً للوصول إلى اتفاق طال انتظاره وأهمية شموليته تعتبر أبرز شروط نجاحه. حقاً وصدقاً، كان موقف الجميع: الحكومة، والاتحاد الافريقي، والوسطاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، خاطئاً، ولا يمكن تبريره، خاصة إذا نظرنا في عناصر أوجه الخلاف، أنها تتعلق بمسألتين: اعتبار دارفور إقليماً واحداً بدلاً من الولايات الثلاث، وزيادة التعويضات. وللأسف لقد انفق السودان على الحرب في مدى عام، أكثر عشرات المرات مما كان مطلوباً للتعويضات. كذلك وافق، ومعه المجتمع الدولي، على استئناف المفاوضات من دون شرط التمسك بقدسية مرجعية اتفاق أبوجا. بل، وخلال العام، أبرمت الحكومة اتفاقات جانبية مع فصائل منشقة عن حركات دارفور منحتها من المكتسبات أكثر من الذي كان مطلوباً في المبتدأ. وما زالت الحركات الرافضة تنتظر المزيد في جولات المفاوضات القادمة، التي قيل إنها قد تستأنف آخر هذا الشهر في ليبيا. وتلك الأخطاء أيضاً تحتاج إلى مراجعة واستخلاص الدروس والعبر منها.
|
|

|
|
|
|