|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: محمد على طه الملك)
|
تابع ما قبله .. من العــومـل الـتى مـيـزت العهـود الـتـالـيـة لـلمـَد العــربـي الإسـلامي بــوادي الـنـيــل الأعـلي العـامـل الـديـمـوغـرافـي ، حـيـث الـزيـادة الـسـكـانـيـة شــمـلـت شــقـّي الـمجـتـمع الحـضري والـبــدوي ، وكـانــت الـزيـادة أظـهـر فى الـقـطـاع الـبــدوي ، ذلـك بــسـبـب غــلـبـة الـبــدو عـلى مـوجـات المهـاجـريـن الـتى تــتـابـعــت خــلال الـقـرون الـثـالـث عـشـر والـرابـع عـشـر والخـامـس عـشـر الـمـيــلادي . مـن خـلال الـمصـادر - ربــما أمـكـن تــسـمـيـة الـقـبـائــل العـربـيـة ذات الـثـقــل والـتـأثـيـر الأكـبـر عـلى الـتـركـيـبـة الـسـكـانـيـة فى ســودان وادي الـنـيــل ، بـكـل مـن مـجـمـوعــة جـهـيـنـه الـكـبـري ، ربــيعــة ، فــزارة ، الـكـواهـلـة ، ثـم الـمجـمـوعــة العـبـاسـيـة . (2) لا يـعــني هــذا إغـفـالا لـمـسـارات أخـري عـربـيـة وغـيـر عـربـيـة ، قـدمـت الـى الـسـودان الغـربـي والجـنـوبـي مـن أقـطـار الـمغــرب الإفـريــقـي ووســط الـقـارة الـسـوداء ، الـتـقــت جـمـيـعـها وتـفـاعـلـت فـيـما بـيـنها مـشـكـلـة نـسـيـج الـمجـتـمع الـسـودانى الحـديــث . منـذ أخـريـات الـقـرن الخـامس عـشر ومـطـلع الـقـرن الـسـادس عـشـر المـيـلاادي ، سـجـلـت الـتـركـيـبـة الـسكـانـيـة فى سـودان وادي الـنـيـل غـلـبـة مـطـلـقـة لـلأصــول الـمسـتـعـربـة . ذاب الـكـنـزيـون والجـعــديــون الخـزرج فى الـكـيـان الـنـوبـى لـدولـة الـمـقـرة ، مكـونـيـيـن كـيـانـا نـوبـيـا مسـتـعـربـا ، ورث حـكـما كـان حـتي الـماضـي الـقـريـب تـحـت يـد ملـك نـوبـي وإنـتـشـرت قـبـائــل جـهـيـنـة وفـزارة والـقـبـائـل الأخـري ذات الـســمـة الـبــدويـة ، فـوق سـهول الـوسـط الـغـنـيـة بـالمـراعـي . لـم يـكن الأمـر يــسـيـرا أمـام الجـيــل الـمـسـتـعـرب في بــلاد المـقـرة ، حـيـث تـضـافـرت ضــده عـوامـل سـيـاسـيـة داخـلـيـة وخـارجـيـة زعـزعــت الإسـتـقـرار ، فـانـقـسـمـت الـبـلاد الـى مـقـاطعـات فـرضـت عـلـيـها كـل مـجـمـوعـة نـفـوذهـا وفـق ثـقـلها الإجـتـماعـي ، وفي غـيـاب الحـمايـة الـمركـزيـة الـتي نعـمـت الـبـلاد بـها طـويـلا ، إنـهارت الحـركـة الـتجـاريـة الـنـشـطـة عـبـر شـواطـئ الـنـيـل , وسـلـكـت الـقـوافـل الـتجـاريـة طـرقـا صـحـراويـة وعـرة تـقـلـصـت إثـرهـا الـموارد ، فـتعـلـقـت معـيـشـة السـكـان بـإقـتـصـاديـات الانـتـاج الـزراعي الـفـقـيـر . بـمرور الـزمن تـحـسـنـت أحـوال المزارعـيـن عـلي شـريـط الـنـيـل ، ذلـك بـعـد أن أصـبـح الإعـتـماد عـلي إنـتـاجـهم أكـبـر ، غـيـر أن تـنـافـس الـمـسـتـعـربـيـن فـيما بـيـنهم ، ومزاحـمة كـل مـنهم الآخـر فـى صـراع الـسـلـطـة والـنـفـوذ ، هــدم مـا تـبــق مـن هــيـبـة سـلـطـان عـتـيـق وفـتح البـاب امـام الـتـدخـلات الخـارجـيـة . بـعــد صـراع طـويــل مـريـر إسـتـقـر الأمـر لـلـمجـموعـة الـعـبـاسـيـة ، آخـر الـمجـمـوعـات العـربـيـة قــدومـا الي بـلاد المقـرة ، كـانــت تـلـك بــدايـة ظهـور مـشـيـخـاتهم الـتي عـرفـت بـمـشـيـخـات الـمجـموعـة الـجعـلـيـة . امـا قـبـائــل جـهيـنـه وفـزاره وغـيـرهـما من قـبـائـل الـبـدو ، وجـدت في سـهـول السـودان الـوســطـي وسـهـول كـردفـان مـرتـعـا خـصـبـا يـنـاســب اســلـوب عـيـشـهـا ، فـتـكـاثـرت بـطـونهـم وأحـاطـت بـسـكـان مـملـكـة عـلـوة ، مـقـتـسـمـيـن معـهم خـيـرات الـديـار . بـحـلـول الـقـرن السـادس عـشـر الـميـلادي ، تـوقـف الـتـدفـق العـربـي نـحـو ســودان وادي الـنـيـل ، وانـكـفـأت الـكـيـانـات الـمـسـتـقـرة والـبـدويـة مـن الـمـتـسـتعـربـيـن تــدور فى فـلـك نـظـم قـبـلـيـة ومـشـيـخـات شـبـيـة بـنـظـم الإمـارة الـعـربـيـة . حـتى ذلـك الـحـيـن ظــلــت مـملـكـة عــلـوة الـنـوبـيـة تـحـت يـــد مـلـوكـهـا ، مـتـمـســكـة بـعـقـيــدتـها المـسـيـحـيـة وســط بـحـر مـتـلاطـم مـن كـتــل الـقـبـائــل العـربـبـة الـمـسـلـمـة مـن حـولـها وداخـلها ، وكـان مـن الـطـبـيعــي أن يـضـعـف ذلـك الـوضـع سـلـطـة الـملـك الـمركـزيـة في الأقـالـيـم ألـطـرفـيـة ، الى الحـد الـذي إكـتـسـبـت معــه قــدرا مـن الإسـتـقـلال اوربـما الإنـفـصــال (3) . لـقـد لـعــب الـبعــد الإجـتـماعـي الــدور الـرئـيـسـي فى تـبـديـل المـسـار الـسـيـاسـي لـبـلاد الـمقـرة ، وفي الغـالـب تـابـع الـمسـتـعـربـون فـي الـقـطـاع الاوســط ذات الـمنـهـج تـمهـيــدا لإسـقـاط مملـكـة عـلوة ، حـيـث كـشـفـت سـيـرالمهاجـريـن التـاريـخـيـة عـن اسـاليـب مكروره إتـبـعــوهـا لـبـلوغ ســدة الحـكم ، وبـرهـنـت أحـداث دولـة الـمقـرة أن نـجـمها تـفـلَـت وسـار نـحـو الأفـول ، مـنـذ أن فـصـل المـسـتعـربـون عـنها اقـلـيـم الـمـريـس ، ومـصـادر الـتـاريـخ مجـمعـة في أن جـمـاعـة الـفـونـج ، كـانـت تـتـخـذ مـن الـقـسـم الجـنـوبـي لإقـلـيـم الجـزيـرة مـوطـنــا قـبــل أن يـكـتـمل تـطـورهـا وتـبـرز كـكـتـلـة سـيـاسـيـة تـحـت إسـم الـفـونـج . فى العـصــور الـوســطي عـمـرت جـمـاعـة نـيــلـيـة هـذا الجـزء ، وصــفهم الـمؤرخ العـربـي (إبـن حـوقـل ) بـشعــب أسـود يـنـتـسـب الى قـبـيـلـة ( كـرسي )(4) ، كـانـت لهم الـسـيـادة عـلي هـذا الجـزء وفـق نـظـام مـملـكـة عـلـوة ، ويـسـنــد الـمؤرخـون جـماعـة ( الـفـونـج ) لعـرق أسـود اواصـل نـوبـي قــدم مـن أعـالي الـنـيــل الأزرق (5) ، يـنـتـسـب زعـيـمها عـماره الى أب عــربـي وام سـودانـيـة (6) ، في ذلـك دلـيـل عـلي ثـبـوت إخـتـراق جـسـم عـربـي ، لـلـتـركـيـبـة الـوراثـيـة لـبـيـت الحـكم فى آخـر اقـالـيـم مـملـكـة عـلـوة ، وخـروجـه عـن طـاعـة الـملـك (7) . بـسـط الـفـونج نـفـوذهـم عـلي الـقـسـم الجـنـوبـي مـن الـمملـكـة ، واخـتـرقــت الـكـيـانـات الـمسـتعـربـة الأخـري خـارطـة عـلـوة مـن كـل الجـهات ، بـحـيـث لـم يـبـق مـنـها ســوي جـيـوب معـزولـة ، إحـتـمـت بـتـضـاريـس قـاسـيـة جـنـوبـي شــرق الـنـيـل الأزرق وجـبـال الـنـوبـة ، وفـرغـت قـبـضـة مـلـكها الا مـن سـكـان عـاصـمتـه ، والمنـاطـق المتـاخـمة فى إقـالـيـم الجـزيـرة والـنـيـل الأبـيـض والأبــواب ، حـتي في هـذه الـمنـاطـق لـم تـكـن سـلطـة الـمـلـك كـامـلـة ، بـعـد أن إخـتـرقـتها جـماعـات عـربـيـة ذات شـأن ، فى كـل مـن سـوبـا واربـجي وقـري والـنـيـل الأبـيـض ، لهـذا لـم يـمض مـن الـوقــت الـكـثـيـر حـتى إخـتـنـقـت ســوبـا بـغـبــار خـيـول الـمـسـتعـربـيـن ، وغـاصـت تـحـت حـوافـر خـيـولـهم الـى الأبـــد . بـسـقـوط سـوبـا نـشـأ حـلـف سـيـاسـي بـيـن زعـيـم الـمـسـتـعـربـيـن ( عـبـد الله جـماع ) وزعـيـم الفـونـج ( عـمارة دونـقـس ) ، بـمقـتـضـاه تـأســس نـظـام سـيـاسي جـديـد بـوادي الـنـيــل الأعـلي ، حـمل تـاريخـيـا مـسميـات عــديـدة - مـملـكـة الـفـونج ومشـيـخة العـبـدلاب السـلطـنـة الـزرقـاء ، سـلـطـنـة سـنـار . لـعـل بـعـض المصـادر غـلـبـت الـقـول بـأن ســقـوط سـوبـا ، جـاء نـتـاج عـمـل إسـلامـي منـظـم ، دفعــت الـيـه غـيـرة الـمسـتعـربـيـن الـديـنـيـة ، ومـع عــدم إغـفـال هــذا الجـانـب - فـإن إعـادة قـراءت الأحـداث مـن منـظـور إجـتـماعـي ، يـغــلـب حـتـمـيـة الـحـدث كـإفـراز طـبـيـعـي لـلـمـتـغــيـر الإجـتـماعـي ، حـيـث اضـحـت ســوبـا بـتـقـالـيــد حـكـمهـا الــوراثـي المحـصـور في عـرق واحــد ، لا تـعـبـر عـن الـواقـع الإجـتـماعـي الـمحـيـط ، بـمـصـالـحـه المتـضـاربـة واعـراقـه الـمتـبـايـنـة وعـنـاصـره الـثـقـافـيـة الـمـصـطـرعـة بـيـن الحـاكـمـيـن والمحـكـوميـن ، ومـا أن تغـلـب الــدم العـربي وأصـبـح لـه وجـود ديـموغـرافي وإقـتصـادي وثـقـافي مـؤثـر وظـاهـر ، حـتي إنـتـظـم صـراع الهـويـة فى الـوسـط الأجـتـماعي ، فجـاءت الغــلـبـة في نهايـة الـمطـاف لـلـفـئــة الـتى مـال نـحـوهـا مـيـزان الـقـوة . لـذا فـإن تـصـنـيـف نـمـط الـتـغـيـرالـسـيـاسـي الـذي شـهـدتـه عـلـوة كـثـورة إجـتـماعـيـة وثـقـافـيـه ، تـصـنـيـف يـعـبـر بـصـدق عـن دوافـع الحـدث وحـقـائـقـه (8) . بـاسـتـصحـاب هـذه الـرؤيـة يـمكن الـقـول أن فـتـرة حـكـم الحـلـفـاء ( الـفـونـج والعـبـدلاب ) كـانـت فى مجـملها مرحـلـة حـتـميـة ، تـسـتـجـمع خـلالها الـكـيـانـات الـبـشـريـة المصـطرعـة عـنـاصـر تـوافـقـهـا ، وتـكـمـل تـمـازجـها وســط مـنـاخ سـيـاسـي ، يـضـع عـن كـاهــلها احـمالا عـاقــت بـنـاء مجـتـمع سـودانى جـديــد . فـما هـي إذا تـلـك الـعـنـاصـر ؟؟ لعـلها ثـلاث عـنـاصـر وضـعـها العـهـد السـنـاري خـلال قـرون حـكـمه ، كـانــت بـمثـابـة حجـر الأســاس والـركـيـزة التى نـهـض عـليها بـنـيـان المجـتـمع الـسـوداني الحـديـث ، لم يـضعـفها صـراع الـسـلطة الـذي إنـتـظـم بـيـن الأقـطـاب دهـرا ، بـل فى أتـونها ومن خـلال انعـكـاسـاتها الـمـريـرة ، نـمـت قــوى حـديـثـة كـالـتـجـار والـمـؤســسـات الـصـوفـيـة ، أتـاحـت لأفـراد الـمجـتـمع فـرص الإنـتـفـاع بـجـزء مـن الـثـروة وقــدرا مـن الـتـنـويــر الـثـقـافـي ، حـوّ ل الـولاء الـقـبـلي الـى ولاء ديـنـي . ولـكن قـبـل أن يـكـتـمل الـبـنـاء ويـلعـب المجـتـمع دوره المـأمـول ، تــدخـلـت قـوي خارجـيـة وفـرضـت نـفـسـها سـيـاسيـا وإداريـا عـلى الـبـلاد ، وقـطـعـت مـسـيـرة تـطـوره الـطـبـيـعـي ، ثـم عـملـت عـلي نـقـل المجـتـمع بـطـريـقـة قـيـصـريـة نـحـو نـظـم الــدولة الحـديـثـة ، جـاء رد الـفـعـل الإجـتـماعــي إذاء ذلـك الـتحـول ثـالـبـا ، حــيـث إنـكـفـأت الـكـيـانـا وتـقـوقـعــت حـول نـفـسـها ، تــدور فى فـلـك تـقـاليـدهـا ونـظـمها الـقـبـلـيـة ومـؤسـساتـها الـصـوفيــة ، حـاجـبـة بـصـرهـا مـشـيـحـة بـوجـهها عـما يــدور فـوق صـفـحـة الـوطـن ، ولـعــل كـمـونـها إســتـغـرق سـنـوات طـوال الـي ان إسـتـردت صــدارتـها . واقـع الحـال - يــدل عـلي أن الـحـلـف الـسـنـاري وضـع خـلال قـرون حـكـمه لـبـنـات الـبـنـاء الـقـومي بـركـائـزها الـثـلاثـة، الإطـار الفــدرالي لـشكـل الـدولـة ، إقـتـصـاد الـسـوق ، تعــديـل الـبـنـيـة الـثـقـافـيـة لـلـمجـتـمع وتـقـنـيـن الإسـتعـراب . يتبع ..
| |

|
|
|
|
|
|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: محمد على طه الملك)
|
واقـع الحـال - يــدل عـلي أن الـحـلـف الـسـنـاري وضـع خـلال قـرون حـكـمه لـبـنـات الـبـنـاء الـقـومي بـركـائـزها الـثـلاثـة، الإطـار الفــدرالي لـشكـل الـدولـة ، إقـتـصـاد الـسـوق ، تعــديـل الـبـنـيـة الـثـقـافـيـة لـلـمجـتـمع وتـقـنـيـن الإسـتعـراب .
الركيزة الأولي : الإطار الفدرالي و قوانيين تنظيم الحكم شكـل الإطـار الفـدرالي لـلحـكم أحـد أهم ركـائـز الـبـنـاء القـومي فى الـسـلطـنة الزرقـاء ، نـص عـليـه دسـتـور الحـلـف السنـاري بـبـنـوده الـسبـعـة ، وعـلي الـرغـم من أن الـشـكـل الفـدرالي لـلـدولـة لـم يـكن أمـرا مـسـتـحـدثـا - حـيـث ألـفـتـه الأنـظـمة المـلـكيـة الـتى حـكـمت ســودان وادي الـنـيـل القـديـم - ولـكن كـان بـمثـابـة نـقـلة نـوعـيـة متـطوره بـالـنسـبـة لـلأنـظـمة الـتى حـكمـت مـنــذ أن تـصــدرالـمـسـتـعـربـون ســدة الـحـكم ، كـما عـكـس بــوضـوح الـتـكـويـنـات الإجـتـماعـيـة الـتى فـرضــت نـفـسـها وبـرزت كـقـوة تــصـدرت أحــداث ذلـك الـزمـان ، مـثــل قـطـاعـات المجـتـمع المـسـتـعـرب بـزعـامـة الـشـيـخ عـبـد الله جـمـاع ، وقـطـاعـات المجـتـمع الأقـل تـأثـرا بـالمـد العـربي بـزعـامة الـسـلـطـان عـمـاره دونـقــس ، حـيـث الـســواد الأعـظـم مـن أتـبـاعـه كـانـوا لا ديـنـيـن (9) . لعـل فـكرة الـتـحـالـف فى حـد ذاتـها أنـتـجـتـها الـظـروف المصـاحـبـة ، حـيـث عـكـسـت إدراك الحـلـيـفـيـن واعـتـرافهـما بــوجـود تـبـايـن إجـتـماعـي وثــقـافـي بـيـن كـيـانــيـهـما ، فـكـان تـحـالـفهما هـوالخيـار الأفـضـل لـتـخـطي كـافة الأشـكـال الـثـالبـة والعـنـيـفـة لـلصـراع الـثـقـافي وصـراع الهـويـة بـيـن الـكـيـانـيـن الـكـبـيـريـن . بـنـفـاذ بـنـود الـتحالـف تـوفـرالمـنـاخ المنـاسـب ومـضــت مـسيـرة الـتـمازج والإنـصهار بـيـن كـيـانـات المجـتـمع بـمـساريـه الـثـقـافي والإجـتـماعـي دون عـوائـق . ويـلاحـظ أن مـصـادرالعـبــدلاب وحـدهـا هـي الـتي اوردت بـنـود الـحـلـف ، غـيـرأنـه لايـنـبـغي أن نـسـتـنـتـج مـن صــمـت الـمصـادرالأخـري أن مـا جـاء فى مـصـادرالعــبــدلاب يـجـانــب الـصـواب لمجـرد أن المصـادر الأخـري سـكـتـت عـنـه (10) .
بـنـود الحـلـف:
الـبـنـد الأول : أن يـقـود عـبـد الله جـماع الجـيـش ، ويـمـده حـلـيـفـه عـماره بـا لعـسكـر.
الـبـنـد الـثـاني : العـرب المـوجـوديـن فى منـطـقـة الـفـونـج يـخـدمهم شـيـخ دار ولـد جماع . الـبـنـد الـثالث : الـنجـدة عـنـد الحـاجـة بـالـقـوة والمال إذا إعـتـدت دولـة أخـري عـلى الجـزء الـذي يـحـكمـه الفـونـج اوالجـزء الـذي يـحـكمـه العـرب .
الـبـنـد الـرابع : الجـزء الـذي يـحـكـمه الفـونـج هـو منـطـقـة الجـزيـرة الواقعـة بـيـن الـنـيـليـن الأبـيض والأزرق ، وبـقـيـة السـودان من نـصـيـب العـبـدلاب ( أي الشيخ عبد الله جماع)(11)
الـبـنـد الخامس : التـوليـة لأي رئـيـس جـديــد فى سـنـاراو قري (12) ، لا تـم إلا فى حضـور مفـوضيـن من العـاصـمتـيـن ، والـكـبـيـر فى الـسـن من أبـنـاء الـشـيـخ جـمـاع او الـسـلطـان عـماره هـو صاحـب الـكـلمة فـيها .
الـبـنـد الـسـادس : إذا حـضـر ولـد جـماع لـسنـار لا يــدق نـحاس مع نـحاسه ، كـذلـك الحال بـقـري ، لا يــدق نـحاس مع نـحاس مـك الـفـونـج .
الـبـنـد الـسـابع : رؤسـاء الـقـبـائــل العـرب الــذيـن هـم أهــل الطـواقي اوالمـشـيـخـات تـكون تـولـيـتهم فى قـري .
أبـرم هـذا الـميـثـاق بـإتـفـاق الـروايـات عـام 910 هـ 1504 م (13).
===============
لعـل النـظرة الموضـوعـيـة لبـنـود هـذا الميـثـاق ، تـكـشـف لـلعـيـان أن تـسـميـة شـكـل الحـكم لـم يـكن هـاجـسـا بـيـن الحـلـيـفـيـن لـيـتـصـدر بـنــود الإتـفــاق ، فـلعــل أمـره كـان مـحســوم قـبـل إلـتـقـاء الحـليـفـيـن عـلي مـائـدة الـتـفـأوض حـيـث لـكـل مـنهـما داره . غـيـرأن القـوتـين وهما فى طـريـقهما لـلإئـتـلاف تـحـت شكـل إتـحادي ، كـان لابـد من تـسـميـة كيـانـيهما وحـدودهـما الجغـرافـية وجـاء الـبـنـد الرابع موضـحا ذلـك . نـص الـبـنــد الـثـالـث عـلي إلـتـزام كـل طــرف بـنـجـدة الآخـر إذا تـعــرض لإعــتــداء خـارجـي ولعـل إقـتـصـار الـنـجـدة عـلى الإعـتــداء الخـارجي يـفـهم منه عـدم جـواز تــدخـل الحـليـف فـى شـؤون حـليـفـه الـداخـليـة ، مـما يـعـنـي إسـتـقـلال كـل طـرف فى حـكم داره ، وهــذا يـضـفـي بـدوره عـلي شـكـل العـلاقـة طـابعـا فـدراليـا يـدعـم تـماسـك الـكيـانـين ويـقـوى اواصـرالـتـآلف بـيـنهما ، ولعـل الـتـطبـيـق العـمـلي لهـذا الـبـنــد أشـاع مـشـاعـر الـوحـدة ورسـخ الإحـسـاس بـالمصـيـر المـشـتـرك بـيـن الجماهـيـر، فـكـان احـد العـنـاصـر الــداعـمة لـلـبـنـاء الـقـومـي . كـذلـك هـنـالـك عـنـصر آخـر من العـنـاصـر الـداعـمة كـشـف عـنـه الـبـنـد الخـامـس بـالإجراءات الـشكـليـة الـتى فـرضها عـلي الحـليـفـيـن ، وفـر بها الضـمانـات الـلازمة لـكي يـسـتـمر الـتعـاون بـيـنهما مـسـتـقـبـلا ، وقـد أثــبـتـت المصـادر الـتـاريـخـيـة تـمـسـكهما بـمضـمون هــذا الـبـنــد كما أثــبـتـت أيـضـا تـخـلي خـلـفـائـهما عـنه بـصـورة جـليـة عـنـدما تـسيـد( الهـمج ) وفرضـوا نـفوذهم وإرادتـهم عـلي سـلاطـيـن الفـونـج . يـلاحـظ أيـضـا من الـنـص عــدم إغـفـال الـقـيـادتـيـن لـلروح الـقـبـليـة الـتى تـعـلي شـأن كـبـيـر العــائـلة اوالـقـوم وتـجـعـل كـلمتـه الـفـاصـلة ، الأمـر الـذي يــدلـل عـلي أن الـتـطـور الـسيـاسي جـاء ولـيـدا لـتـطـور إجـتـماعـي طـبـيـعـي ، ولـم يـكن مجـرد إرادة ســيـاسـيـة فـوقـيـة ســعـي لها الطـرفـان ، وهـذه نتيجة في غاية الاهمية يجب الانتباه لها . لـقــد جـري العــرف بـإعـتـبـار( الـنـحـاس ) وهــو الـطـبــل رمـزا لـسـلـطـة الـقـبـلـيـة ، ولـما كـانـت تـركـيــبـة الـكـيـانـيـن الإجـتـماعـيـة مازال طـابـعـهـما قـبــلي ، شـرع الـبـنــد السـادس لـتـنـظـيم الـكـيـفـيـة الـتى يـتـم بـها إسـتـخـدام الـنـحـاس لـكـونـه يـشـكـل فى وجــدان الـنــاس رمـزا لـلـسـلـطـة والسـيـادة ، غــيـر أن ما يـلـفــت الإنـتـبــاه أن تـنـظـيـم إسـتـخـدامـه بـتـلـك الـكـيـفـيـة يـبـرهـن عـلي تـسـخـيـرهـم لـتـلـك الـرمزيـة بـطـريـقـة داعـمة لعـنـاصـر الـوحــدة بـين الـكيـانـيـن ، إذ أن سـماع طـبـول العـبــدلاب وحـدهـا تـقـرع فى بــلاد الفـونج عـنـد قـدوم زعـيـم الـعـبـدلاب ، يـطـبع فى روع جـماهـيـر الـفـونـج أن الـزعـامـة الـسـيـاسـيـة الـعـلـيـا بـيـد حـلـفـائهـم العـرب ، كــذلـك الحـال بـيـن العـرب عــنـد قــدوم مـك الـفـونـج لحـاضـرتـهم ( قـري ) فلا يـسـمعـون غـيـر نـحـاسـه . ربـما قـصـد بــذلـك أيـضـا تـوفـيـر العـنـصر الـمعـنـوي الـداعـم لـمسـيـرة الـلإئـتــلاف والـوحـدة بـيـن كيـانـيها. ويـبـدو أن الحـدود الـسيـاسيـه التي نص عـليها الميـثـاق بـيـن الـكيـانـين ، كـانـت الغـايـة منها تـحديـد الإختـصـاص المحـلي لسـلطـات كـل كيـان ، لـذا لم تـقـف حـائـلا دون إنـتـقـال الأفـراد والجـماعـات اوتـعـيـق إخـتـيـاراتـهم في العـيـش ايـنما شـاؤا . كـان الـتـبـايـن الثـقـافي بـيـن الـكـيانـيـن مـسـكوت عـنه في نصـوص الميـثـاق ، وكـانـت تـلـك محمـدة تـنم عـن وعي الزعـيـميـن ، وعـامل من عـوامل الـنجاح الـذي حـقـقـه الحـلف لتـتـدامج الـثـقـافـات ، حـيـث بــدى الـكـيـان الـفـونجي أكـثـر الـتـصاقـا بـالـتـقـالـيـد والأعـراف المحـلـيـة (14) ، في المقـابـل أظهـرالـكـيان العـبــدلابي مـيـلا أكـبـر نـحـو الـتـقـيـد بـمـبادئ الـشـريـعـة الإسـلاميـة وتـقـالـيـد الإمـارة العـربـيـة . غـيـر أن هـذا الـتـبـايـن خـفـف من غـلـوه وحـدتـه إعـتـنـاق زعـيـم الـفـونـج لـلإسـلام ، فـضـلا عـن نـظـام الحـكم الامـركـزي وتـشـابـه الهـيـاكـل الإداريـة والإتـفـاق حـول اجـراءات تـعــيـيـن الولاة ، عـلي الرغـم من إخـتـلاف المـسميـات الـوظـيـفيـة بـيـنهـما مثــل ( المانجـل - الـمـك شـيـخ الحـلـه - خـشـم الـبـيـت ) . لـقـد أبــدت تـوزيـعـات الـخـارطـة الـسكـانـية فى الـكـيـانـيـن غـلـبـة ملحـوظـة لـلحـس الأثـنـي ســواء عـلى نـطــاق الـمـدن والأريـــاف اوالـمـقـاطـعـات ، حـيــث نـجـد ( ســنـار) لـلـفـونـج وحـلـفـائـهم ، و( قــري ) لـلعـبــدلاب ، و( شــنــدي ) لـلجعـلـيـيـن ، و( بــربــر) لـلمـيـرفـاب و ( سـنـكـات ) لـلبـجا .. الـخ ، ولـعـل الحـدود بـيـن المـشـيـخـات رســمت لـيـس عـلي أسـس إداريـة مـركـزيـة ، بــل طـبـقـا لـلـثـقـل الإثـنـي لـكـل جـماعـة ، هــذا الـوضـع أضــفـي عـلـى الـخـارطــة الإقـلـيـميــة بـعــدا إجـتـماعــيـا إثــنـيـا أكـثـر مـن كـونــه ســيـاسـي ، حـمـل إســم ( دار) مـقـرونـا بـإســم الـقـبـيـلـة صـاحـبـة الـثــقــل ، مـثــل دار حـمـر ، دار شـكـريـة ، دار جعــل ، دار رزيـقـات ، دار الحسـانـيـة، دار ولـد جماع (15) .... الخ . كـانـت كـلمـة ( دار ) تـعـني الـمقـاطـعـة اوالـمنـطـقـة الـتـى تـمـتـد ألـيـها نـفـوذ شـيخ الـقـبـيـلة اوالـمـك ، هــذا مـا دلّ عـلـيـه الـواقـع عـلي الأرض وعــبـر عــنـه الـحـكـام (16) ، واصــبـح الـدار بـهـذا المعـنـي يـشـكـل وحـدة إجـتـماعــيـة إقـتـصـاديـة سـيـاسـيـة مـتجـانـسـة ، يـنـعـم بـسـلـطـات مـسـتـقـلـة لا تـمـلـك الـسـلـطـة الـمركـزيـة حــق الـتـدخـل فـى شـئـونـها الـداخـلـيـة اوتـرتـيـب عـلاقـتـها مـع جـيـرانـها (17) . غـيـر أن هـذه الإثـنـيـة المـسيـطـرة لم تـعــق الـتـقـارب الـي حــد الـتـمازج الإجـتـماعـي بـيـن الـكيـانـات ، ولـما كـانـت الإثـنـيـة فـي حــد ذاتـها إفـرازا إجـتـماعـيـا ولـيـس سيـاسيـا ، أوجـد الـمجـتـمع سـبـيـلا لـتـخطي سـلبـيـاتها ، من أبـرزهـا ظـاهرة الـتـصاهر ، حـيـث ازيـلـت بها الحـواجـز واذيـبــت العـصـبـيـات ، ورتـبــت آثــارا بـالـغـة الاهــميــة فى مـسيـرة الـتـمـازج مـنــذ دخـول الـعـرب . خـلاصـة ذلـك - أن مـيـثـاق الـحـلـف رسـم الإطـار الـعــام لـشـكـل الـعـلاقـة بـيـن الـكـيـانـيــن وقــواعـــد تـنـظـيـمـها ، وفــتــح الـبــاب أمـام الـكـيـانـات الإجـتـمـاعـيــه لـتـعـيـــد تـشـكـيــل نـفـسـهـا عـلـي أســس قـومـيـة تـقـبــل الآخـر وتـسـتـوعــب اخـتــلافـه
الركيـزة الثـانـيـة : إقـتـصاد السـوق
كـانـت الـتجـارة مـنـذ الـقـدم حـكرا عـلى الـملـوك والـسـلاطـيـن فى سـودان وادي الـنـيـل ، يـنـظـمون اسـواقهـا ويـنـتـفـعـون بـريـعـها ، ولعـل وقـائـع الـتـاريـخ لـم تـسـجـل اسـهاما شـعـبـيـا فى هـذا المضـمار بـعـيـدا عـن تـبـعـيـة الحـكـام ، إلا فـي أخـريـات العـصـرالـمروي والـنـصـف الأخـيـر مـن الـقـرون الوسـطي عـنـدما أصـبحـت الـتـزامات معـاهـدة ( البـقـط ) غـلا آسـرا عـلي رقـاب حـكـام الـنـوبـة . تـحـت ضغـط تـلـك الـظروف الإقـتـصاديـة تحـولـت فـئـات من المجـتـمع نـحـو المـشاركـة فى أسـواق تـجـارة الرقـيـق (18) وفـاء لـشـروط الجـزيـة ، ثـم خـبـأ الـنـشـاط عــنـدما إعـتـنـق مـلوك الـنـوبـة الإسـلام . فى عـهـد الـسـلـطــنـة الـزرقـاء ظــلـت الـتـجـارة كـعـهـدهـا الـسـابـق حـكـرا عـلي الـسـلاطـيـن بـمنـاشـطها الـداخـليـة والخـارجـيـة ، وبـقـيــت مـلـكيـة الأرض وتـنـظـيم حـيـازتها وإحـتـكارها أيـضـا بـيــد الحـكـام ، غـيـر أن مـلـكـيـتـهم لـلأرض كـانــت نـظــريـة حـيــث تـمـتـع حـكـام الأقـاليـم والمـشـيـخـات ورؤسـاء الـقـبـائــل بـسـلطـة واسعـة فى تـنـظيـم الـتـصرف فى الأرض وتــوزيـعها ورسـم حــدوهـا ، فـكـانــت الملـكـيــة الـخـاصـة والمـلـكـيـات الـقـبـلـيـة يـنـظـمها العـرف وتـحـميـها قـوة شـيـخ الـقـبـيـلـة (19). في أواخـرعـهـد السـلطـنـة الـزرقـاء بــدأ الـنـشـاط الـتـجـاري بـيـن الـفـئـات الـشعـبـيـة يـسجـل صـعـودا ، سـاعــد عـلـيـة إزديــاد الـطـلـب الإقـلـيـمي والعـالـمي ، تـبـعـه تـطـور محـلي آخـر تـعـلق بـظـاهـرة الـتـصـرف فـى الأرض ، إبـتـدرها الـسلاطـيـن بـإصـدارات وثـائــق تـملـيـك لـبـعـض الأشـخـاص ورجـال الـطـرق الـصـوفـيـة . عـنــدما ضـعـف نـفــوذ الـسـلاطـيـن بـاشــر الـمـلاك عـمـلـيـات الـتـصـرف فى الأرض بـبـيـعـها وايـجـارها ، فـأصـبحـت لهـا قـيـمة سـوقـيـة مـثـلها مـثـل الـسـلع الـتجـاريـة يـتـنـافـس النـاس فى بـيـعها وشـرائها ويـتـداولون قـيـمتها. فى مطـلع الـقـرن الـثـامـن عـشـرالـميــلادي ظـهـر تـطـورآخـر لا يـقـل أهـميــة عـن الـوظـيـفـة الـتجـاريـة التى إكـتـسبـتـها الأرض فى الوسـط الإجـتـماعـي ، حـيـث بـدأ السلاطـيـن يـفـقـدون سـيـطـرتهـم المـطــلـقـة عـلي الـنـشـاط الـتـجـاري الــذي إحـتـكروه أمــدا ، وتــقـلـص دورهـم بـصـورة متسـارعـة لـصـالح الـتـجـار مما زاد شـرهـهم لـلربـح والسـعي لـفـرض سـيـطـرتهم عـلى الاسـواق (20). هـذا الـتـطـورالأخـيـر إرتـبـط الى حـد بـعـيـد بـتـأثـيـرات خـارجـيـة ، مهـد طـريـقها الـنـظـام الـتـجـاري المـتـبـع من قـبـل الـسـلاطـيـن خـلال القـرنـيـن الـسـابـقـيـن ، حـيـث أخــذ الـتجـار وأصـحاب الحـرف الأجـانــب الــذيـن قــدموا مع قـوافــل الـسـلـطـان يـسـتـوطـنـون فى البـلاد ويـمارسـون انـشــطـة تـجـاريـة خـاصـة بـهم. مع نهـاية الـقرن الـسابـع عـشـرالميـلادي ، كـانـت الـعـاصـمة ( سـنـار) ومـدن تـجارية أخري تـضــم أعــدادا مـن الـتـجـار والحـرفـيـن الأجـانــب مـن مـخـتـلـف الجـنـسـيـات ، مـفـروض عـلـيهـم مـمارسـة نـشـاطـهـم الـتـجـاري وفـق نـظـام الـسـلـطـنـة الـخـاص بـتـنـظـيـم الأســواق (21)، كـان مجـرد ظهـورهـؤلاء الـتجـارالأجـانـب ومبـاشـرة اعـمالهم فى الاسـواق المحـلـيـة عـاملا مـساعـدا لإتـساع نـشــاط الـتجـارة الــداخـليـة وتـنـوعـها ، ونـموزج حي أمام الـسكـان عـن الـكيـفـيـة الـتي يـمكـنهم بها تـحـسيـن دخـولهـم عـن طـريـق الإسهـام فى العـمل الـتجـاري وتـحـقـيـق قـدر من الربـح ، سـرعـان مـا أغـري الـكـثـيـريـن وجــذبـهم الى حـلـبـة الســوق بعـضهم كـان من موظـفي بـلاط السـلطـان ، وبـعـضهم من الـذيـن إكـتـسبـوا مهارات وخـبرات عـمليـة ، من خـلال تـجـارة خــدميـة بـسيـطـة مـارسـوها فى المـدن والمحـطـات الـتي ظـهرت لـتـزويــد العـابـريـن بـاحـتـيـاجـاتهـم عـلي خـطـوط سـيـر الـقـوافـل . مع مـرور الـزمن وتـطـورالـنـشاط الـتجـاري ، تحـولـت تـلـك المحـطـات الي مراكـز واسـواق هـامة لـتـبـادل الـسـلع والـمعـلـومات الـتجـاريـة بـيـن الأجـانــب والـمحـليـن (22)، ولـما كـان هـؤلاء الـتجـارالجـدد جـزء من المجـتـمع الـوطـني ، أصـبح من العـسيـرعـلى رجـال الـسلطـان فـرض الـرقـابــة عـلى نـشـاطـهـم مـقـارنــة مـع نـشــاط الأجـانــب ، حـيـث كـان فى مـقــدور العــديـديـن منهم تـسـهـيـل عـملـيـاتـهم وتـوسـيـع نـشـاطهـم مـن خـلال عـلاقـتهـم بـمـوظـفـي محـكمة الـسـلـطـان والـرسـميـيـن فى الأقـالـيم . بـظهـور الـتـبــادل الـتجـاري عـن طـريــق الـعـمـلات الـتي ادخـلها الأجـانــب , تـم إسـتـقـطـاب الـسـلع الـموجـودة بـيــد الـتجـارالـمحـلـيـن وتـحـريــرالأسـواق من سـيـطـرة الـمقـايـضـة الـتي فرضـها نـظـام الـسـلطـان . بـهـذه الـكيـفـيـة إتـسـعــت مـنـافـسـة الـتجـار لـلـقـوة الـسـلـطـانـيـة الـمحـتـكرة حـتي تـراخــت قـبـطـتهـا ، فـتـسـارع نـمـو الـطـبـقـة الـتجـاريـة فى المجـتـمع (23) وانـفـتـح الـبـاب أمـامها لـتهـيـمن عـلى الأسـواق المحـليـة فى أخـريـات عـهـد الـسـلطـنـة ويـمتــد نـشـاطـها لـلمنـافـسة فى مـداخـيـل الـتجـارة الخـارجـيـة . حـيـن ذلـك عـرف الـمجـتـمع إقـتـصاد الـسـوق ، وبــرزالـتـجـاركـقـطـاع لا يـقـل أهـميـة وأثـرا عـن قـطـاعـات الـمجـتـمع الأخـري ، مـن زراع ورعــاة واصـحـاب مهـن حـرفـيـة وكـيـانـات صـوفـيـة . بـهـم سـطـرالعـهـد الـفـونـجي فى سـجـل تـاريـخـه بــادرة ظـهـور إقـتـصـاد الـسـوق ، كـأحــد العـوامـل التى أسهـمـت بــقــدر فى كـسر شـوكـة الإحـتـكـار وتــوزيـع العـائـــد الـتجـاري عـلي فـئـأت شـعـبـيـة . ملاحـظـة أخـيـره - لعـل الـسيـرة الـتـاريـخـيـة الـطـويـلة لـظـاهـرة إحـتـكـار الــدولـة لـلـنـشـاط الـتـجـاري بـيـن شـعـوب ســودان وادي الـنـيــل ، يـفــسـرالـنـظـرة الإجـتـماعـية المتـراخـيـة بــل السـلـبـيـة أحـيـانـا بـيـن غـالـبـيـة الـسـودانـيـن لـلمنـاشــط الـتجـاريـة حـتى وقـت قـريـب بـحـيـث كـان الأجـانـب يــديــرون جــل الأعـمال الـتجـاريـة دون منـافسـة محـليـة ، وربـما كـان ذلـك أيـضـا ضـمن العـوامـل الـتى شـجعــت الهـجـرة الى البـلاد مـنـذ الـقــدم .
الركيزة الثالثة: تـقـنين الإسـتعراب وتعـديـل الـبنية الـثقافـية
بـعــد تـغـلـب الــدم العـربـي واسـتـعـراب جــل افـراد مجـتـمع سـودان وادي الـنـيـل ، كـان من الـطـبـيـعـي أن يـلعــب الـعــامـل الـبـشــري الأثــرالأكـبــر فى تــقـنـيـن الإســتـعــراب وغــرس بــذرتها في الـتـربـة الإجـتـماعـيـة ، نـهـض بـهـا دعـاة ديـنـيــون وإخـتـصـاصـيـون عـرفـوا (بــالـنـسـابــة وكـتـاب الـسـيــر ) ، وجـهـوا إهــتـمامهم الـتـنــويــري نـحـو تـقـصـي أصــول الـفـئـات الـبـارزة ذات الـثـقــل الإجـتـمـاعـي فى كـافـة مـنـاحـي الـنـشــاط الإنـســانـي حـضـرا كـانـوا ام بــدوا ونـسـبـتهم الـي دمـاء عـربـيـة ، مـثــل الـحـكـام والــزعـماء وأئــمـة الـفــقـه والـطـرق الـصـوفـيـة ورؤسـاء الـقـبـائــل ، ولـعــل الـظـاهـرة بـلغــت اوجهـا حـيـن إجـتـذبـت إنـتـبـاه الـعـامـة ، فــتـبـنـوهـا مـتـفـاخـريـن وإن لـم يـكـن لـسـانـهم عـربـيـا . بـجـانـب الآثــارالهـامـة الـتي خـلـفـتها أعــمال الـنـسـابـة فى الـوسـط الإجـتـماعـي بـتـرسـيـخ ظـاهـرة إسـتـعـلاء الإنـتـماء الـى العـرق العـربـي ، لعــب الــدعـاة الــذيـن قـدمـوا من جـزيـرة العـرب وبــلاد الــشـام ومصـر والـمغـرب ، دورا مـفـصـليـا فى أسـلمة الـثـقـافـات المـحـلـيـة وتـعـريـبها . وكـفـيـما كـانـت إسـهـامات الحـكـام المـستـعـربـن وتـسهـيـلاتـهم الـتي قـدمـت في هـذا الـمجـال تـكـاد أن تـجـمع الــدراسـات أن عـــبء الـعـمـل الإسـلامـي وتـعـريــب الـثــقـافـة نـهـض بـهـما الـفـقهاء والمتـصـوفة ، ولم يـثـبـت أن كـانـت لـلجـماعـات العـربـية المهاجرة التى إمـتـزجـت بـالوطـنـييـن ، أي دور يــذكر فى تـعــديـل بـنـيـة المجـتـمع الـثـقـافـيـة (24) ، ولـعـل الـثـابـت مـزجـهات لـثـقـافـتـها بـالـثـقـافـات المحـلـيـة وتـبـنـى ذلـك الـمـزيـج ، لهـذا الســبـب ظــلـت الـثـقـافـة الإســلامـيـة ضـعـيـفـة فى الـبـلاد ، الـي الحـد الـذي يـمكن لـلمطـلـقـة أن تـتـزوجـت بـأخـر في يــومهـا طــبـقـا لـلاعــراف الـمحـلـيــة ، لـم تـشـتـهـر فـي الـبــلاد عـلي عـرضـها مـدرسـة عــلم ولا قـرآن ، عـلي الـرغـم مـن إعـتـنـاق الحـكـام لـلإسـلام وتـبـنـيـهم الـنـسـب العـربي ونجـاح ثــورة الـمسـتـعـربـيـن وتـأسـيـس الـسـلطـة السـيـاسـيـة . ظــل الحـال عـلي ذلـك الـنحـو الى أن قـدم الـشـيـخ ( محـمود العـركي ) وشـرع يـعـلم الـنـاس (25) ، ذات الــدور نـهـض بــه الـشـيـخ ( غــلام الله بـن عـائــد ) حـيـن قــدم الـى عـاصـمـة دولـة الـمقـرة ( دنـقـلـة العـجـوز) وأســس بـها اول مـدرسـة قـرآنـيـة (26). بـعــد اؤلـئــك الـرواد تـعـددت الـخـلاوي وحـملـت مـع مــدارس الـتـصـوف الأخـري عـــبء العـمل الــدعـوي ولعــبـت الــدور الـرئـيـس فى تـعـريــب الـثـقـافـة وأسـلمتـها عـلي المـستـوي الـشعــبـي . لعـل اسـهـامات مــداس الـتـصــوف ظــلـت الأبــلغ أثــرا فـي الـمجـالـيـن الـدعــوي والـتـربـيـة الأســلاميـة ، ســاعـد عـلي نـجـاحها تـفــشـي ظـاهــرة الـتـصـوف في الـعـالم الإسـلامـي في الـقـرن الـثـانـي عـشـرالـميــلادي ، بـعــد أن حـقـقــت نـصـرا فـي صـراعـها مع أهــل الـسـنـة (27) ، وإنـتـشـارها بـوجـه خـاص إثــر قـيـام الـدولـة الـفـاطـمـيـة وسـيـادتـها الـسـيـاسـيـة والـفـكـريـة عـلـي مـصـر وبــلاد الـمغـرب العــربـي ، فـضـلا عـن إبـتـعـاد شـيـوخ الـتـصـوف عـن الـسـمـة الـرسـميـة فـاكــتـسـب نـشـاطـهم الـصــفـة الـطـوعـيـة الشـعـبـيـة . عـامـلان اخـران سـاعـدا عـلي نـجـاح الـمؤسـسـة الـصـوفـيـة قــلما الـتـفــت الـيـهما ، تـمثــل اولهما فـي طـبـيـعـة الـتـكويـن السـايـكـولـوجـي الـمتـراكـم بـيـن شعـوب وادى الـنـيـل ، عـبـر مـؤثـرات مـوروثـهم العـقـائــدي الـسـالـف في تــقـديـس الـبـشــر وإتـخـاذهـم وسـطـاء بـيـنهـم وبـيـن الآلـه ، مـماجـعـلهم أفـضــل إســتـعـدادا لـتـقـبــل مـنـهـج الـتـصـوف أكـثـر مـن مـنـهـج عـلـوم الـظـاهـر . ثـانـيهما أن دعـاة عـلم الـظـاهـر او العـلـوم الـشـرعـيـة إتـبـعـوا مـنهجـا دعـويـا يـعـتـمد عـلي عـلـم الـلغـة وفـنـونها الخـطـابـيـة ، فـأمـالـت تـعـقـيــدات قـواعــد الـلغــة وصـعـوبـأت نـطـقها إتـجـاه العـامـة لـلإنـخـراط فى ســلـك الـتـصــوف الــذي إعـتـمـد مـنهج الـمـشافـة والـتـلـقـيـن فى تــدريـس عـلـوم الــديـن وحـفــظ الـقـرآن ، وتـقـويـم الـسـلوك عـمليـاعـن طـريـق مجـاهـدة الـنـفـس والـتـقــشـف . تـحـملـت الـخـلاوي كـافـة تـبـعـات تـعـريــب ثـقـافـة الـمجـتـمع وأسـلمتـه ، وربـطــت طـلابـهـا بـمحـيـطهم الإجـتـماعي ، وكـان مـن نـتـائـج نـشـاطـها الـتـعـريـبـي الـظـاهـر لـلعـيــان ، لـغـة واسـلـوب الـكـتـابـة بـالـخـط العـربـي ، وهي لـم تـكن بـعـيـدة عـن لـغـة الـتـخـاطـب اوالـلسـان الـتعـبـيـري بـيـن الـقـارئـيـن وغـيـرالـقـارئـيـن عـرفـت ( بـالعـاميـة الـسودانـية ) ، تـطـرق لها الـدكتـور ( ابـوسليـم ) واصـفا اسـلـوبها آنــذاك بـالوسـطـيـة بـيـن الـلغـة الفـصـحي والـدارجة (28) ، وربـما أعـطـي الأسـلـوب الـمـميــز لـكـتـاب ( طـبـقـات ود ضـيـف الله ) مـثـالا طـيـبـا لأسـلـوب الـلغـة المكـتـوبـة الـتى أفـرزها تـعـليـم الخـلاوي (29) . دور إجـتـماعـي آخـر نهـض بـه الـمقـرؤن وشـيـوخ الـتـصـوف فـى المجـتـمع ، سـاعــد عـلى إبـرازه العـامل الـسايـكـولـوجي الآنـف ، حـيـث كـان الـنـاس يـسـتـبـطـنـون ثـقـة عـمياء حـول قــدرات شــيـوخـهم الـخـارقـة فى حـمـايـتـهم وتــأمـيـن مـمـتـلـكـاتـهم ورد حـقـوقهم احـيــاء كـانـوا ام امـواتــا ، وكـان إعـتـقـاد السـلاطـيـن والـزعـمـاء فى اؤلـئـك الـشـيـوخ لا يـقـل عـما تــرســخ في وجــدان رعـايــاهـم ، الأمـر الــذي أتـــاح لـلـشـيــوخ فـرصــا طـيــبــة لـخـلـق قــدر من الـتـقـارب بـيـن افـراد المجـتـمع وزعـمائـهم ، ولـعـل بـعـضـهم أعـطـي أمـثـلة حـيــة بـإنـتـصـاره لحـقـوق العـامـة امـام السـلاطـيـن أشـار لـها كـتـاب الـطـبـقـات . كـان لاسـلوب الـتـوادد والـتـراحـم بـيـن المتـصـوفـة ، أثــره فى تـوثـيـق عـرى التـرابـط بـيـن المريــديـن عـلي إخــتـلاف مـنـاطـقهـم ولهجـاتهـم وقـبـائـلهم ، وبـعـد أن كـانـوا يـتـنـاصـبـون العــداء فى كـثـيــر مـن الأحـيــان ، ســمـت عـلاقـاتـهم عــن الـنـعـرات العـرقـيــة والـفــروق الجهـويـة والإقــتـصـاديـة داخــل خـلايــا الـطريـقـة ، وغــدت الـطريـقـة تـمثــل وحــدة إجـتماعـيـة نـموزجـيـة تـوفـر لأعـضائـها فـرص المعـرفة والـسـكن والعـمل فى حـمى الـشـيـخ وعـنـصرا من عـنـاصـرإعـادة صـيـاغـة المجـتـمع وبـنـائـه عـلي أسـس ثـقـافـيـة وإجـتماعـية جـديـدة . دور الخـلاوي لم يـغـب أيـضـا عـن عـمليـات الـتـوزيـع الـسكـانـي ، بـسبـبـها ظهرت العــديــد من القـري والمـدن الجـديــدة فى اواسـط البـلاد وشـرقها وغـربـها ، ذلـك بـفـضـل الـسيـاسـة الـتى إتـبـعـها الـشيـوخ في اخـتـيـار الأماكـن البـعـيـدة الخـالـيـة من العـمران لإقـامة خـلاويـهم ومـؤسـساتـهم الصـوفيـة ، فـاجـتـمع الـيهم الـنـاس من كـل حــدب وصـوب وانـطـلـق العـمران عـلي ضـوء الـشعـلة الـتى اوقــدهـا الـشـيـخ ، فـنـمت وتـطـورت بـعـض تـلـك الـقـري وغــدت مـدنــا مـثــل الــدامـر ، ود مـدنـي ، قــري ، أربـجـي ، خـرسـي ، كـسـلا ، حـلـة حـمـد ، حـلـة خـوجـلى وغـيـرهم ، ولا تـكـاد تـبـتـعــد سـيـرة من سـيـر الـشيـوخ الــذيـن تــرجم لهـم صـاحـب كـتـاب الـطـبـقـات عـن ذلـك (30).
تـلـك بـإيـجـاز ركـائـز الـبـنـاء الـقـومـي الـتي افرزتـها عـهـود الـسـلطـنـة الـزرقـاء ، أعــادت بعـنـاصـرهـا الـموضـوعـيـة بـنـاء الـوطـن عـلي أســس قـاربــت بـيـن كـيـانـاتـه الإجـتماعـيـة وعـملـت عـلي تـعـريــب ثـقـافـتـه وإزالـت العـوائــق الـسـيـاسـيـة الـتى حـالـت دون إنـصهاره فى الـماضـي .
بقلم محمد علي طه الملك
المراجع (1) ابن خلدون - المرجع نفسه - ج 2 ص 429 . (2) للاستزاده يمكن الرجوع للمراجع التالية : 1- محمد عوض محمد - السودان الشمالي قبائله سكانه. 2- د. يوسف فضل - العرب في السودان . (3) مصطفي محمد مسعد - الإسلام والنوبة - ص202. (4) ابن حوقل - صور الارض – ص 55 ، مصطفي محمد مسعد - الاسلام والنوبة ص 13- 79. (5) د. يوسف فضل - اصل الفونج الاموي - السودان في رسلئل ومدونات - العدد46 ص26 - 32. (6) د. يوسف فضل - بحث منشور بكتيب معالم تاريخ الاسلام في السودان ص 43. (7) فانتيني - تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة والسودان الحديث - ص 193. (8) د. محمد ابرهيم ابو سليم - بحوث في تاريخ السودان - 1992م ص22. (9) طبقات ود ضيف الله – تعليق د. يوسف فضل - الحاشية 9 ص39. (10) محمد صالح محي الدين - مشيخة العبدلاب واثرها السياسي - ص 100. (11) مابين المزدوجين اضافة من عندي . (12) كانت قري انذاك عاصمة للعبدلاب ثم انتقلت لاحقا للحلفاية . (13) مصطفي مسعد - الإسلام والنوبة - المرجع السابق ص 6 ، ايضا تاريخ ملوك السودان ص9 ، تاريخ العبدلاب من خلال رواياتهم ص 21، مملكة الفونج الإسلامية - ص 41، مجلة السودان في رسائل ومدونات العدد 17 ص 60- 61، مشيخة العبدلاب واثرها السياسي – المرجع اعلاه ص 98- 9 (14) د. محمد ابراهيم ابو سليم - بحث بعنوان دور العلماء في نشر الإسلام - كتيب معالم تاريخ الإسلام في السودان – المجموعة الاولي . (15) هكذا وردت في البند الثاني من ميثاق التحالف. (16) انظر :- البند الثاني من الميثاق ، ايضا طبقات ودضيف الله - المرجع السابق – ترجمة الشيخ ادريس ود الارباب رقم 6 وترجمة الشيخ ابراهيم ولد بري رقم 31 . حيث وردت كلمة ( دار ) فى الترجمة رقم 6 تشير لدار الفونج ودار النوبه ، وفى الترجمة رقم 31 تشير لدار الحعلين ، غير أن لكلمة دار استخدام اخر يدل علي الإتجاه مثل دار سافل ودار صباح ، ولكن حين ترد مقرونة مع اسم قبيلة تدل حينئذ علي حدودها الجغرافية . (17) الشاطر بصيلي عبد الجليل - معالم تاريخ سودان وادي النيل - ص 71. (18) ادمز – النوبة مدخل لافربقبا - ص 55 (19) محمد ابراهيم ابو سليم - بحوث في تاريخ السودان - ص 8. (20) اوفاهي و اسبولدنج - ممالك السودان - لندن 1974. (21) تيم لوك - صراع السلطة والثروة فى السودان - تعريب الفاتح التجاني واخر 1994 م ص 13- 14 . (22) تيم لوك - المرجع اعلاه . (23) تيم لوك - المرجع اعلاه ص 13. (24) د. يوسف فضل - مقدمة كتاب طبقات ود ضيف الله ص 3. (25) طبقات ود ضيف الله – المرجع اعلاه - ص40. (26) ترجمة الشيخ ابراهيم البولاد - الطبقات - هامش ه ص45. (27) د. يوسف فضل - انتشار الإسلام في شرق السودان. (28) الطبقات - المرجع اعلاه. (29) مقدمة الطبقات - ص 11. (30) الطبقات – نفس المرجع .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: محمد على طه الملك)
|
الاخ محمد الملك تحية وود شكرا على فتح هذا الموضوع المهم
لم اخلص بعد من قراءته كله ولكن في رأسي بعض اسئلة وودت مشاركتك فيها علك تساعدني على الاجابة عليها من خلال هذا البوست القيم او في بوست اخر ان شئت.
* هل وردت كلمة السودان في طبقات ود ضيف الله ؟ (ليس لدي نسخة هنا في امريكا)
* ما هو السودان في عام 1504 ، وهل وردت كلمة السودان في العهد السناري ابدا؟ * ماهي الممالك التي عاصرت السلطنة الزرقاء (كرونولوجي للممالك السودانية التي كانت تحتل هذه البقعة من الارض في ذلك الزمان) * هل ورد في الوثائق التركية ان محمد علي باشا يريد غزو السودان؟ وماذا كان يعني بالسودان انذاك؟ (بالطبع لا نرغب في التعريف العام للسودان بانه كان يشمل حتى غرب افريقيا هذا لن يساعدنا في شئ) ارغب في معرفة كيف تقلص هذا المفهوم حتى اصبح يعني الاراضي المعروفة الان بالسودان ، وكيف ، ومتى؟؟
* وكيف كانت علاقة سنار بسلطنات دارفور او كردفان ان كانت؟ * ثم بعد ذلك ندلف لنتحدث عن من هم افارقة السودان؟ وماذ تعني الثقافة الافريقية في السودان؟ هدفي من ذلك بالطبع فتح افاق ومفاهيم ومقتربات جديدة لقراءة التاريخ ؟
حتما سأعود
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: ابراهيم على ابراهيم المحامى)
|
الأخ الأستاذ ابراهيم تحية طيبة
أسعدتني مداخلتك بعد أن أصبت بخيبة أمل عندما تراجع البوست بعد مداخلة يتيمة من الأخ كوستا .. غايتي من الطرح لا مجرد التنوير او التذكير فتلك امور توفرها كتب التاريخ ، بل كانت الغاية تبادل الرأي والنقد والتحليل ، خاصة وأن البورد يضم العديدين من المثقفين واصحاب الرؤى السياسية والمهتمين بالشأن السوداني . وقبل الشروع في الاجابة أسمح لي أن أوضح أن هذا الجزء الذي عرض تحت مسمي مردود الهجرة العربية ..الخ هو مبحث ضمن مباحث أخري أعددتها وجمعتها تحت عنوان ( معالم التطور الاجتماعي والسياسي في السودان القديم والوسيط ) و البحث لم ينشر بعد ، ويتناول سيرة التطور الاجتماعي والسياسي بين الكيانات البشرية التي عمرت السودان الحالي بحدوده منذ بدايات ظهورها كتكوينات بسيطة اولية الي بلوغها ابواب مرحلة التشكل القومي . لذا لم يعني البحث بمنهج الدراسات التاريخية المتخصصه بل عني بنظريات علم الاجتماع والنظريات السياسية وتطبيقهما علي الوقائع والاحداث التي أرخها المؤرخون وأظهرتها للوجود الحفريات والبحوث الاثرية . وتجدر الاشارة الي أنني أجريت بعض التعديلات علي المسميات المستخدمة في البحث الرئبسي عند عرضها علي القراء في البورد ، منها علي سبيل المثال استخدمت مسمي سودان وادي النيل بدلا عن وادي النيل الاعلي او بلاد النوبة والبجا ، واستبعدت عرض الجزء الخاص ببلاد البجا بغية عرضه ومناقشته في بوست أخر لاحقا . فيما يتعلق بالسؤالين الاول والثاني حول مسمى السودان فهما في تقديري ينمان عن قراءة متمعنة ، وعلي الرغم من أن البحث لم يكن معنيا بالتدقيق في المسميات غير أنني لاحظت ورود الاسم ضمن البند الرابع من بنود الحلف وقد نقلته كما هو من كتاب تاريخ مشيخة العبدلاب وأثرها السياسي ولم اعلق علية لان غاية البحث كما اسلفت لم تكن تاريخية بحتة . لدي كتاب طبقات ود ضيف الله تعليق /بروف /يوسف فضل غير أنه الآن بحوزة صديق في مدينة أخري ، عند أعادته سوف اراجع بدقة ما اذا كان هنالك استخدام لمسمي السودان وموافاتك ، غير أنني اعتمادا علي الذاكرة أشك في أن يكون هنالك أستخدام لهذا المسمي ، وان وجد فربما جاء بمعناه الواسع الذي أشار الية الدكتور يوسف في الهامش رقم (4) ، مخطوط كاتب الشونه بدوره استخدم مسمي سلطنة سنار . كان اسم السودان يمثل عددا من الدول المحيطة وظل بعضها يحمل الاسم حتي نالت استقلالها مثل السودان الفرنسي ( افريقا الوسطي ) ، ولعل اسم السودان (اثيوبيا ) قديم غير أن استخدامة بصوره محدده علي بلادنا تم فيما يبدو في الحكم الثنائي تحت مسمي السودان المصري النجليزي تفريقا له عن السودان الفرنسي وغيره ممن حملوا اسم السودان . فيما يتعلق بالسؤال الثالث ان كنت تعني الممالك التي عاصرت السلطنة ولم تنضم اليها من الوهلة الاولي ، فهي سلطنات الفور والمسبعات وتقلي وبعض ممالك البجا ، غير أن بعض هذه الممالك ضمت لاحقا كمملكة تقلي والمسبعات وبعض ممالك البجا . تجمع جل المصدار أن كافة الممالك والمشيخات المنضوية تحت الحلف السناري كانت تتمتع باستقلال تام في الحكم والادارة وتبعيتها للسلطنة شكلية لا تتعدي الخراج المدفوع للسلنطة مقابل الحماية الخارجية ، حيث يمكن توصيف شكل العلاقة بالفدرالية . فيما يتعلق بالسؤال الرابع حول استخدام المسمي في الوثائق التركية ، لم يتطرق البحث لذلك لان غايته كما اسلفت كانت محصورة في تتبع حركة التطور الأجتماعي والسياسي . ختاما نبق جالسين في انتظار اضافتكم ورؤيتكم وتحليلكم ومنكم نستفيد . لك من الطيبات أطيبها
| |

|
|
|
|
|
|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: محمد على طه الملك)
|
الاخ الاستاذ الملك تحية وسلام
عميق شكري وتقديري لردك الضافي الذي ينم عن معرفة عميقة يشجعني على مواصلة الاسئلة المحفزة للنقاش وعشان برضو استفيد منك ومن قراءتك لهذا التاريخ. كما اسلفت اتفق معك في اهميةاعادة قراءة المؤثر العربي لاهميتها في معرض نقاش الهوية. واعجبني االمدخل الجديد الذي اتخذته في بحثك ومحاولة قراءة الاحداث التاريخية لفهم الديناميات الاجتماعية والثقافية. كذلك اتفق معك في ان الهجرات العربية كانت بدوية خالصة لذلك انحصر اثرها في الجانب الاجتماعي مثل النظام القبلي والبطريركي ، ولكن هذه الهجرات لم تستورد معها اي مؤثرات سياسية من النظم التي هاجرت منها، لذا انعدت المؤثرات السياسية. ودا طبعا رغم ان الدول التي هاجر منها العرب كانت بها انظمة وامارات عربية اسلامية الا ان المهاجرين الاوائل لم يجلبوا معهم اي مؤثرات سياسية ( ؟؟؟؟) مصر كانت في قبضة انظمة متعددة في فترة سنة 641 الى 1504 منها الخلافة ومنها الاموي والعباسي والمماليك وغيرهم ولم يتم تصدير هذا للسودان الا في اواخر العهد التركي 1821 ، واهم من ذلك ان هذه الهجرات لم تكن رسمية اي مرتبة من قبل تلك الدول او الممالك.
اهمية تفادي المصطلحات القديمة مهمة جدا وارى بوضوح نجاحك فيها لانها كلها شراك وفخاخ لن تقود الى كشف جديد باي حال. وسأستفيد في بحثي عن الهوية الوطنية من اصطلاحك الجديد " سودان وادي النيل" لانه مهم في فهم كيف تقلص مفهوم السودان الواسع الفضفاض الذي كان يصل الى سواحل نيجيريا ، ولنستطيع ايضا ان نميزه دون السودان الفرنسي او الاثيوبي. اذن يمكن ان نقول ان السودان القديم الواسع كان في الحقيقة مجموعة سودانات (فرنسي واثيوبي ووادي النيل ...الخ)
* ارجو مزيد من التوضيح حول هذه السلطنات التي عاصرت سنار وتواريخها لاني ما عندي اي مصادر هنا (انانية مني يعني !) ومعرفة كيف ومتى وعلي اي اسس تحالفت مع سنار؟ توضيح لو سهل الامر عليك... * هل هناك ما يؤكد الهامش رقم (10) الخاص بوثيقة الحلف السناري بين العبدلاب والفونج التي ورد فيها اسم السودان؟؟ مدى صحتهاومن اين اخذها مؤلف الكتاب مشيخة العبدلاب؟ وماذا كانت تعني الوثيقة (جغرافيا9 ببقية السودان؟ دي طبعا مهمة جدا لمعرفة ما هو السودان لو صحت هذه المعلومة.
* ارجو ان امكن نشر هذا البحث لاهميته من ناحية اثراء البحوث العلمية التي تكشف مكنون الكثير من الغموض.
ونواصل
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: قراءة لمردود الهجرة العربية وأثرها علي سودان وادي النيل . (Re: ابراهيم على ابراهيم المحامى)
|
الأخ الأستاذ إبراهيم.. تحية طيبة .. أعتزر لتأخر الرد ، شاكرا لك إهتمامك بهذا الموضوع الحيوي ، أملا أن نشحذ معا اقلام الآخرين ونفتح شهيتهم . أسمح لي في البداية أن أنوه لمسمي سودان وادي النيل فقد أخذته من كتاب معالم تاريخ سودان وادي النيل للأستاذ الشاطر بصيلي كما ذكرت في المقدمة . سؤالك عن المؤثرات السياسية التي جلبها المهاجرون أنوه أن جيل المهاجرين الاوائل لم تكن لهم اسهامات سياسية فهم جاءوا وتساكنوا وتصاهروا ثم كان للجيل الثاني ( المستعربون ) فرصة الحكم وفق التقاليد المحلية التي كانت تمنح حق وراثة الحكم لإبن البنت لا لإبن الولد حتي وإن كان الملك . غير أن أثر الهجرة العربية لبلاد البجا له مردودات مغايره سوف اعرضها مرة أخري . قبيل ظهور السلطنة الزرقاء ، وفي عهد الدولة الطولونية في مصر نهضت بمساعدتها إمارة عربية خالصة بالصحراء الشرقية عند وادي العلاقي المعروف تاريخيا بأرض المعدن ، هذا الجزء كان خاضعا لنفوذ ممالك البجا فبل هزيمتهم من أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبد الحميد العمري الذي أشتهرت باسمة الإمارة . تبني العمري نمط الإمارة العربية التي ظهرت بعد الإسلام ، حيث قام نظامها مازجا بين قواعد الشرع الإسلامي وتقاليد الإمارة العربية بموروثها العشائري ، ومعلوم أن الخلافة الإسلامية عدلت شروط الولاية علي القوم مزيحة عصبيتها الجاهلية التي كانت تحصرها في أشراف العرب ، وأحلت محلهم أصحاب الرسول (ص) والتابعين من المهاجرين القرشين ، ولعل زعامة العمري نفسها لم تبعد عن هذا المضمون ، إذ نسبه ( المقريزي ) لأحد أحفاد عبد العزيز بن عمر بن الخطاب ( رض ). قاسمت العمري في إدارة هذه الإمارة التي لم تعمر طويلا ، مجموعة من القبائل العربية منها ربيعة وجهينة وبكروائل ، إنتهت الإمارة وتبعثرت القبائل في أعقاب مقتل أميرها ، غير أن ظهورها كان له أثر في تاريخ البجا الاحق . عند إطلاعي لهذه السيرة التاريخية تماهي لخاطري حكاية ( علي بابا والأربعين حرامي ) ، تلك الحكاية التي غدت مشورة حتي في الأوساط الأوربية وأخرجوها في أفلام كرتون. تشاءلت في نفسي تري هل هم إعراب هذه الإمارة الذين أشاعوها بين العرب ، بعد أن حسبوا غارات علي بابا ورجاله عليهم بغية إسترداد جزء من ذهبه الذي أخذوه عنوة نهبا وسرقة ؟ لعلي أغلب ذلك خاصة بعد أن تأكد عندي من مصادر التأريخ أن علي بابا هو كبير البجا وزعيمهم الذي وقع عهدا مشابها لعد البقط مع المسلمين . ألسنا في حاجة لإعادة قراءة تاريخنا؟
السلطنات التي كانت قائمة قبل تحالفها عام 1504م ، كثيره ذلك بسبب نظام الحكم الذي كان سائدا في الممالك النوبية وممالك البجا وممالك السودان الغربي ، حيث كانت هنالك ممالك عديده تابعة للملك الكبير في دنقلة القديمة ، والملك الكبير في سوبا , هذه الممالك الصغيرة إخترقتها المجموعات العربية وصاهرت بيوت زعمائها وورث أبناءهم حكمها قبل أن يخترقوا بيت الملك الكبير ، فوقائع التاريخ تحدث عن وراثة الكنوز لحكم أقليم المريس التابع لملك دنقلا قبل سقوط دنقلا في يدهم ، والحال كذلك في سوبا حيث ورث عمارة دنقس حكم ولاية كرسي جنوب النيل الأزرق قبل أن تسقط سوبا . ولعل كل هذه الممالك بعد أن تزعمها المستعربون تجمعت تحت زعامة عبد الله جماع وعمارة دنقس.
فيما يتعلق بسؤال النقطة الأخيرة الخاص بالوثيقة فاعزرني فالسؤال في قامة مؤرخ متخصص .
دامت لك الطيبات .
| |

|
|
|
|
|
|
|