قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 01:57 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-20-2007, 03:34 PM

خالد الطيب أحمد

تاريخ التسجيل: 03-13-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا)




    قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق



    التجاني الحاج عبدالرحمن
    أسمرا مارس 2006



    مقدمة:



    إستطاع الزعيم السوداني الراحل د. جون قرنق ديمابيور بفكره وعمق رؤيته أن يضع نفسه عن جدارة وإستحقاق في سجل التاريخ "المشرق" لأبطال السودان من سلالة ملوك النيل. وأن يكتب بقلمه ودمه فصول لرواية نضال طويل من أجل كرامة الإنسان السوداني، ليقف بذلك كأحد إعمدة الفكر السياسي في التاريخ السوداني المعاصر. لكن الكثيرين لم تعجبهم سيرة الرجل، فمنهم من لم تتاح لهم الفرصة لكي يتعرفوا على تفكيره ونظرته لما يجب أن يكون عليه السودان، وآخرين أقعدهم وهم زائف بعلوا شأنهم، وهؤلاء من حملوا وتحاملوا عليه كثيراً عن قصد وجهل بحقائق التاريخ، فأضاعوه كلمحة برق خاطف، وسدوا بذلك ثقب النور الوحيد في جدار الهزيمة السياسية في السودان. لكنه رغم كل ذلك، رحل تاركاً خلفه تراثاً فكرياً عميق المحتوى، تتقاصر أمامه قامات طالما إمتهنت أمتنا سنين عددا. لقد أدخل الراحل بقوة الفكر مصطلح "السودان الجديد" في القاموس السياسي السوداني ليصبح الآن لغة ومنطق الخطابات السياسية حتى في أجندة ألد أعدائه.

    لم يكن د. قرنق مفكراً كلاسيكياً، بل كان ـ وسوف يبقى ـ عبقرياً متجاوزاً لزمانه، بكل ما تحمل هذه الجملة من دلالة. وبمقارنة ما طرحه من أفكار وفلسفة خلال تاريخه السياسي القصير في مواجهة معاصريه من الساسة السودانيين، تتكشف لنا كم كبيرة هي المسافة التي تفصله عنهم، سواء على مستوى الرؤية أو المنهج.

    لقد كان منتصف مايو من العام 2003م من الأيام القليلة النادرة التي مرت على الحياة العادية بالجبهة الشرقية، حيث حضر د. جون قرنق، وحالفني الحظ حينها لأكون ضمن قلة من القادة الميدانيين من قوات التحالف السودانية والحركة الشعبية، حيث ألقى الدكتور محاضرة قيّمة عن السودان الجديد في قاعة مشيدة من الطين والقش(قاعة الشهداء بموقع رئاسة قوات التحالف السودانية). وقد تحدث حينها مايقرب من الأربعة ساعات. وكنت أيضاً من القلة النادرة في ذلك الوقت ـ إن لم أكن الوحيد ـ الذي تحصّل على نسخة من المخطط الذي كان يشرح منه الدكتور فكرته عن مألآت الصراع في السودان(تفضل الأخ باقان أموم بإعطائي أياها لاحقاً بأسمرا).

    حقيقة لقد كشفت لي هذه الوثيقة النادرة عن تفكير هذا الزعيم الفذ، وعندما وصفته بأنه كان متجاوزاً لزمانه ومعاصريه، لم يكن ذلك من باب المبالغة أو ذكر محاسن موتانا، بل هي ـ وفي تقديري ـ الحقيقة بعينها وأقل ما يمكن أن يوصف به مثل هذا الإنتاج الفكري الفريد.

    منهجية د.قرنق:


    بمقارنة بسيطة لكل ما كتبه القدماء والمحدثين حول السياسة في السودان نجد أن كل هذه الكتابات لم تخرج عن قالب نمطي يستند على المنهج الوصفي/التحليلي، والذي وبقدرما يتميز بدقة السرد للوقائع، غير أنه من جانب آخر ضعيف في عملية التحليل(التفكيك وإعادة التركيب). إذ يغلب عليه طابع الترتيب الزمني التتابعي (الكرنولوجي) للوقائع بهدف تكوين "بنية كلية" لهذه الأحداث، تمتد خطياً لتربط هذه الأحداث مع بعضها البعض، على أساس تسلسل زمني مغلق بنقطتي بداية ونهاية. وهو الأمر الذي يؤثر في الناتج النهائي للتحليل. ولشرح هذه النقطة فلنتخيل الأحداث المتتالية الآتية: الواقعة (أ) حدثت في العام الأول، والواقعة (ب) في العام الثاني ... الواقعة(س) في العام (ن). فأول ما يبداء به المنهج الوصفي/التحليلي رحلته هو وصفه للوقائع [أ، ب، ج.....]، ـ كحوادث مجردة في التاريخ، مثال أن الملك فلان غزا المملكة العلانية في يوم كذا ـ يلي ذلك ترتيبها تصاعدياً أو تنازلياً مع أحداث أخرى سابقة ولاحقة لها، وليس بالضرورة أن تكون جميعها ضمن نفس الحقل الإجتماعي/السياسي/الإقتصادي، بمعني؛ أما أن يبدأ من (أ) إلى (س) أو العكس بحسب الأسبقية الزمنية للواقعة المعنية. هنا تتكون بنية عامة يمكننا أن نضعها في شكل المجموعة التالية: مجموعة ص = { أ، ب، ج، د، .....س}، حيث تقوم العلاقة الداخلية هنا بين عناصرها، على الترابط الزمني الكرنولوجي الذي يشدها مع بعضها البعض، فالزمن هو معيار القياس هنا لأن الحدث كذا أسبق للحدث كذا. وبالتالي فإن أول ما يسقط من تحليل هذه البنية هو شبكة العلاقات التي شكلت كل حدث على حدا في إطاره التاريخي وحقله الإجتماعي(ونقصد بشبكة العلاقات هذه العوامل الإجتماعية، السياسية، الإقتصادية، الإثنوغرافية، الثقافية، الدينية...إلخ والتي تشكل ملامح وأبعاد حدث ما في الزمان والمكان المحددين تاريخياً). وهو مايعطي في نهاية المطاف نتائج قد لا تعكس بدرجة كبيرة أبعاد كل حدث ضمن سياق المجرى العام لحركة التاريخ. ولأن هذه الأحداث جميعها مربوطة بتسلسل زمني في البنية الكلية التي تم تشيدها، فإنها تعطي تفسير "تراكمي" للتاريخ، يضعف الرؤية العامة لمجموع الأحداث بخلفياتها ومسبباتها، ويؤثر على الإستنتاج النهائي لحقبة تاريخية قد تكون طويلة ومؤثرة بما يكفي في حياة وتطوّر شعوب بأكملها.

    غير أننا نجد في كتابات د. جون قرنق منهجية مختلفة بالكامل عما ذكرناه آنفاً في تناول الأحداث، إذ يدخل منطق التحليل الرياضي في كتاباته، وهذا إتجاه جديد في قراءة وتفكيك الواقع الإجتماعي، يرتفع درجة أعلي في سلم التجريد. بمعني أنه يحوّل الوقائع الإجتماعية إلى رموز رياضية تتصف بدرجة كبيرة من المرونة تمكّن من رؤية العلاقات الداخلية لهذه الأحداث، وإستقراء المستقبل على أساس ما قد يفرزه هذا المنطق. ويكمن الفرق مابين إتجاه د. قرنق في طريقته هذه والطريقة الكلاسيكية، في أن الرؤية العامة التي تتشكل نتيجة للبنية التي يشيدها (هو) للأحداث من الرموز الرياضية، تمتلك قدرة أقوى على الإظهار والكشف عن شبكة العلاقات الداخلية مابين عناصر هذه البنية، سواء أن كانت لعناصر مجموعة مستقلة، أو عند ربط عدد من المجموعات مع بعضها البعض. والملفت للنظر هنا، أنه ليس بالضرورة أن يكون العامل الزمني الكرنولوجي هو الخيط الذي يشد عناصر كل مجموعة على حدا، والمجموعات مع بعضها البعض بشكل متزامن لتشكيل البنية الكلية النهائية، بل قد تكون حزمة عناصر مختلفة ومتباينة تشبه النسيج العنكبوتي. ولتوضيح ذلك فنرى المثال التالي:

    فإذا إفترضنا أن (ص) تمثلها المجموعة التالية، ص={أ،ب ،ج، د ،....س}، فإن العلاقات التي تجمع هذه العناصر قد تكون العلاقات الإقتصادية أو الإجتماعية أو السياسية أو الإثنوغرافية أو كلها مجتمعة/ متزامنة داخل سياق الحدث التاريخي.

    صحيح إن هذا النوع من الترتيب أو فلنقل الإنشاء الهندسي/الرياضي للأحداث يخضع للمنطق الرياضي، والذي قد يختلف الكثيرين معه على أساس أن القوانين الرياضية لا تنطبق على العلوم الإنسانية(بناء على أن لكل حقل من العلوم منهجه الذي يشتق منه). لكن وعلى الرغم من أننا قد لا نتمكن من دحض هذه المقولة إذا إستندنا على هذه المناهج التي تطرحها العلوم الإنسانية بشكل عام (أي من داخلها) والتي من ضمنها المنهج الوصفي التحليلي، إلا أنه وبنفس القدر لا يمكننا إستبعاد المنهج الرياضي من حقل العلوم الإنسانية، خاصة عندما نتعرف على الطريقة الحديثة التي أصبحت تفكر بها الرياضيات، والتي فتحت مجالاً أصبح يتسع يوماً بعد يوم لتجد العلوم الإجتماعية لها مكاناً فيه بدرجة من الدرجات. ذلك لأن موضوع الرياضيات لم يعد قاصراً على الإرقام أو المقادير القابلة للقياس أو تلك "الحقائق البديهية"، بل أصبح موضوعها العلاقات، أو بمعنى أدق "البنيات" . فعلي سبيل المثال لم يعد بذي أهمية أن كانت المجموعة {س} التي تحتوي على {أ، ب، ج....ن} تمثل أرقاماً مجردة أو حجارة أو بشر أو حدث، بقدرما الأهم هو رؤية شبكة العلاقات التي تربط ما بين هذه العناصر. وهو ما يجعل منهج التحليل الرياضي يقترب من المناهج الأخرى المستخدمة في الحقل الإجتماعي.

    لذلك عندما نقول أن الراحل قرنق كان رجلاً "مفارقاً" لزمانه ومعاصريه، ذلك لأن هؤلاء "المعاصرين" ظلوا حبيسي أضابير المناهج التقليدية في التحليل بينما قفز هو مرحلة إلى الأمام في سلم التطور الفكري، مستفيداً من المناهج الرياضية في ثوبها الحديث لتفسير واقعه الإجتماعي، ومناقشة المستقبل السياسي إستناداً على هذه الأداة التحليلية القوية والمعاصرة. ولكي نرى معاً ذلك نطلع على رؤيته للصراع في السودان والتي لخّصها في الرسم التخطيطي أدناه، والذي وفي تقديري تتجاوز فكرة أنها مجرد رموز القصد منها شرح وتبسيط أفكار بعينها، بقدرما هي تعبير عن رؤية جد عميقة.


    رؤية قرنق لمستقبل السودان من خلال أداة منهج التحليل ا لرياضي:





    تحليلية للمخطط/الرؤية:
    يعطينا هذا المخطط فكرة عن رؤية د.جون قرنق، من خلال السيناريوهات التي يتصورها للحلول المحتملة للصراع في السودان:"Solution Modalities in the Sudan Conflict". وبنظرة أولية سريعة، فهي أما آيلة نحو قيام دولة على أسس جديدة كما في النموذج رقم (1) والذي أسماه السودان الديمقراطي المتحوّل القائم على أسس جديدة "السودان الجديد" Transformed Democratic New Sudan. وهو أحد الحلول المحتملة. أو؛ الإنفصال إلى دولتين كما في النموذج رقم (5).

    للوصول إلى هذه الإستنتاج يبدو جلياً أن الدكتور إستند على منهج رياضي بحت كما نراه من شبكة العلاقات التى تربط جميع أجزاء إنشأت البنية. قراءة هذا المخطط لا تبدأ من مرحلة النموذج (1) Model 1، كما قد يتخيله البعض للوهلة الأولى إستناداً على ترتيب المستويات (1، 2،[3و4]، 5)، بل من مرحلة مستوى النموذجين (3،4). لأنهما موضوعياً يمثلان المعطي الكائن فعلاً وواقعاً لحال السودان ومكوناته (=عناصره) في شكل دولة إسلامية/عروبية، يوجد داخلها المكون الجنوبي كمجموعة جزئية داخل دولة هي قائمة هيكلياً وأخلاقياً ومادياً.(أنظر المجموعة [1] أدناه).



    هذين النموذجين، وعلى الرغم من أنهما يمثلان نقطة الإنطلاق في تصوّرات د. جون قرنق لمألآت الصراع في السودان، غير أننا وعندما نقارنهما بحقائق التاريخ نصطدم بتناقض لا تخطئه العين. فعلي الرغم من أن هذين النموذجين "قـد" يمثلان واقعاً حاضراً أمام أعيننا إنطلاقاً من وجهة نظر معينة ـ وهو واقع هناك الكثير من الإختلاف عليه ـ غير أن الثابت تاريخياً، لا السودان كان دولة عربية اسلامية، ولا كان الكيان الجنوبي يمثل جزئية (أقلية)، وذلك استناداً لحقيقة أن مفهومي الجنوب والشمال لما يتشكّلا في العقل السياسي السوداني إلا خلال الفترة التي سبقت وتلت مؤتمر جوبا عام 1947 وحتى يومنا هذا. فقبل هذا التاريخ ومنذ أزمنة سحيقة لم تكن مسميات مثل الجنوب والشمال تحمل دلالات معناها السياسي/الإجتماعي الحالي ـ إن لم تكن معدومة بالكامل ـ إذ أن المجموعات السكانية التي قطنت السودان خلال تلك الحقب التاريخية البعيدة كانت تتشكل في ممالك صغيرة جمع بينها ـ فيما بعد ـ الإستعمار التركي والإنجليزي المصري تحت دولة مركزية واحدة، ولم يكن لفظ السودان يقف على الحدود التي تم التعارف عليها من بعد 1956، بل كان أوسع من ذلك حسب تاريخ نعوم شقير(راجع: نعوم شقير، تاريخ وجغرافية السودان).

    أيضاً يمكن ملاحظة أن العلاقة القائمة داخل هاتين المجموعتين(مابين الدولة العريبة الإسلامية والمكون الجنوبي، أو مابين الدولة الإفريقية العلمانية والمكون الشمالي) ليست هي علاقة التسلسل الزمني التتابعي(الكرنولوجي) ـ عندما نستخدم المنهج الوصفي التحليلي ـ إنما هي علاقة قائمة على مجموع الروابط التي تشد العناصر المختلفة المكونة لكل مجموعة بكافة أشكالها ومستوياتها بصورة متزامنة، حيث أن تسمية الدولة العربية الإسلامية يعني تضمين كافة المكونات الثقافية والعرقية وغيرها من المكونات الأخرى. أيضاً تسمية كيان الجنوب يعني تضمين المكونات الإفريقية. وتظهر العلاقة الداخلية مابين المجموعات كعلاقة جزء من كل. أي أن المكون الإفريقي هو مجموعة جزئية من مجموعة الدولة العربية الإسلامية، وهي علاقة رياضية بحتة تعكس واقع إجتماعي/سياسي موجود.

    أما تصوّر الدولة الإفريقية الإفتراضي في نفس النموذج، فهو إفتراضي، لأن توجهات نظام الأمر الواقع، والأنظمة التي سبقته والشبيهة له تريد ذلك، فالسودان وفي وعي الدولة والمجتمع القائم الآن(المركز) هو بلد عربي/إسلامي. وبالتالي إنعكست هذه التوجهات في شكل وجود مادي ووعي من خلال منظومة القيم والسياسات والبنية التحتية للدولة ـ أي علاقات وهياكل الدولة. لذلك عمد الدكتور لوضع مسألة أفريقانية السودان وعلمانيتها في حكم الإفتراض بإعتبار أن هذا هو القائم فعلاً اليوم ولاتوجد له صور منعكسة على مستوى علاقات وهياكل الدولة. وطالما أنه وفي حركة تطور المجتمعات، ماهو إفتراضي، قد لايؤخذ بالطاقة القصوى لمفهوم إفتراض، فإن وجوده قد يكون وجوداً مادياً أو وعياً بصورة من الصور، كما في اللاشعور أو اللاوعي للمجموعات التي تنتمي لهذا النموذج أو ذاك، لأن الإنتماء لا تشكله المتغيرات السياسية، انما يتخلق كوعي وثقافة عبر الأجيال.

    وكأنما أراد الدكتور وبسخريته المعهودة أن يضع السودانيين أجمع عراة أمام مرأة مستوية في مواجهة مع ذواتهم وتاريخهم، مذكراً أياهم بماضيهم، من خلال عرض قضيتين صحيحتين على صعيد الحاضر ومتناقضتين أمام التاريخ. لكن أيتهما هي الحقيقة فهذا ما يجب أن يبحثوا عنه في أعماقهم، وأي إتجاه يجب أن يسلكوا فهذا ما يجب أن يختاروه. إجابات هذه الأسئلة نجدها في الخيارات التي تطرحها العلاقات ما بين المجموعات داخل البنية الكلية والخيارات/الإحتمالات التي تفتحها.

    ينتقل الدكتور إلى مرحلة أعلى في قراءته لمألآت هذه التركيبة المعقدة التي تبدأ من النموذجين (3و4). والتي يمر خلالها السودانيّن الواقعي والإفتراضي إلى مرحلة إتحاد جزئي عبر النموذج (2) حيث يتحول الكيان الجنوبي من كيان إفتراضي إلى واقعي ويتحرك الكيان الشمالي من واقعه السابق في الدولة الإسلامية العربية الكاملة التي يسيطر عليها، إلى جزء من مكون جديد مع الكيان الجنوبي، تجمع بينهما حكومة وحدة وطنية(أنظر المجموعتين المتقاطعين في [3] أدناه). ونظرياً يظهر هنا أن الكيان الجنوبي قد إنتقل من مرحلة الإفتراض إلى مرحلة الوجود الموضوعي، وهي تطور قياساً على وضعيته السابقة. بينما وبالمقابل نجد أن الكيان الشمالي قد تقلص، فبدلاً من وضعيته التي كان مسيطراً فيها على الدولة والمجتمع أصبح كيانا داخل دولة المرحلة الإنتقالية مثله مثل الكيان الجنوبي.




    وفي حال نجاح هذه العملية(والتي هي مشروطة بعوامل سنذكرها لاحقاً) يتم إنتقال النموذج (2) كليةً إلى المستوى الأعلي في النموذج رقم (1) مكوناً السودان الجديد. أو يحدث المسار المعاكس بخروج الكيان الجنوبي من داخل السودان العربي الإسلامي ليكون الدولة المستقلة لجنوب السودان، وبالتالي يصبح ماكان إفتراضاً حقيقة واقعة. أو يخرج المكون العربي الإسلامي من داخل الدولة الأفريقية العلمانية الإفتراضية ليكون دولته الإسلامية العربية.

    فإنتقال النموذجين (3و4) إلى المستوى (2) هو بلا شك تعبير عن العملية السلمية (مشاكوس/نيفاشا). أما ما رسمه الدكتور وصولاً إلى النموذج (1) أو (5) فهي مسارات مفضية إلى احتمالات عديدة، تتحكم فيها بدرجة كبيرة العوامل الداخلية للمعطيات التي شكلت الدولة السودانية في صورتها الراهنة كدولة عربية إسلامية، تحتوي في داخلها كيان الجنوب، أو كدولة إفريقية علمانية إفتراضية تحتوي في داخلها كيان الشمال. لذلك الآن بالإمكان وبدقة شديدة فهم المعني العميق للمقولة التي ظل يرددها د. جون قرنق دائماً :" بأن الوحدة تتحقق عندما نتمكن من أن نجعلها جاذبة"، والمرجح إنه كان يقصد هنا، أن "الشروط" التي تجعل من الوحدة جاذبة، تكمن في الكيفية التي يتحقق بها التحوّل من مستوى النموذجين (3 و4) إلى المرحلة الإنتقالية في المستوى (2) وصولاً إلى المستوى (1) والذي وكما كتب هو احتمال حل نهائي "ممكن" Possible Final Solution. وكما يمكن محلاظته أن المجموعة التي تكونت في المستوى (1) تمثل عملية إتحاد للمكوّنين الشمالي والجنوبي في المستوي (2)، حيث انطبقت الدائرتين اللتين تمثلان الكيان الجنوبي والكيان الشمالي في دائرة واحدة فقط، أي بحساب المجموعات تكاملت عناصر المجموعتين كلية في بعضهما البعض (إتحدتا) لتكونا مجموعة واحدة إسمها السودان الجديد. ومايظهر في المجموعة المتكونة من الإتحاد إن العناصر القديمة المنحدرة من مجموعاتهما الأساسية تختفي لتحل محلها عناصر جديدة هي محصلة إتحاد العناصر المتشابهة بين كل مجموعة(معنى الإتحاد)، والمضمنة في مقولة "السودان الديمقراطي المتحول ـ السودان الجديد". الترجمة السياسية هو أن هذه الوضعية لا تتحقق إلا في حالة واحدة عندما يتولد شعور عام بأن هناك تساوي في الحقوق الواجبات بين الجميع على كافة المستويات(سياسية /إجتماعية /إقتصادية/ دينية وغيرها) وتتكون هوية مشتركة. صفوة القول أن يشعر أي مواطن في السودان بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو ثقافته أو وضعه الإجتماعي أنه ينتمي لهذه الدولة، وأن طريقه للوصول إلى السلطة ومصادر الثروة لا تكون فيه المفاضلة لهذه المعايير. ونلاحظ أن الشروط الجاذبة لتحقيق الوحدة التي تحدث عنها د.قرنق تتناسب طردياً مع مقدار التحولات في هياكل وعلاقات الدولة نحو وضعية السودان الجديد، فبقدر ما تزداد هذه التحولات ترتفع بالمقابل إحتمالات الوحدة وإمكانية تحقيق السودان الجديد، وأيضا تتناسب هذه الشروط عكسياً مع الإنفصال، فبقدرما تتناقص التحولات في مجمل الهياكل والعلاقات المذكورة، تزداد في المقابل إحتمالات الإنفصال.

    رياضياً يمكن كتابتها على النحو التالي:



    ففي حالة الرغبة في تحقيق الوحدة (كما في المعادلة والأولى)، فبالقدر الذي تزداد فيه كمية التحولات في هياكل الدولة (الطرف الأيسر) تزداد بالمقابل الرغبة بالإتجاه نحو الوحدة.
    أما في المعادلة الثانية فالبقدر الذي تقل فيه هذه التحولات للدرجة تقارب الصفر (العدم) يصبح إحتمال الإنفصال أكبر مايمكن (نظرياً يسمى اللانهاية، وهي أكبر قيمة يكمن التعبير عنها رياضياً) وتعني أن قضية الإنفصال دخلت إلى نقطة اللاعودة.

    ومرة أخرى فالترجمة السياسية لهذه المقولة، تعني فيما تعني، إن قضية الوحدة والإنفصال، يتحدد تحقق أي واحدة من طرفيها عن طريق الشروط الموضوعية التي تقود إلى أياً منهما. فوجود دولة تتكافاء فيها الفرص على كافة المستويات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والدينية، دولة تتغير فيها الهياكل والعلاقات القديمة لتحل محلها علاقات وهياكل جديدة، تتحقق الوحدة، والعكس صحيح.

    الشئ المثير للدهشة في هذا المخطط وفي حالة بحث فروض الإنفصال، نجد أن في المستوى (3و4) حالتين للإنفصال (!!!). كيف؟؟؟ فإما أن ينفصل الجنوب كما هو في المسار (3) [=الدولة العربية التي تحتوي المكون الجنوبي] وصولاً إلى (5) [= الدولة الجنوبية المستقلة]. أو؛ أن ينفصل الشمال عن الدولة الإفريقية العلمانية وصولاً إلى دولة الشمال(كما يعطينا المخطط). مقارنة هذه الإستنتاجات بالواقع تربك الذهن وربما تمثل ـ وللوهلة الأولى ـ إنهياراً كاملاً لبنية المخطط التي وضعها الدكتور، إذا لم يتم قراءتها بشكل عميق. فإذا كانت الدولة العربية الإسلامية في النموذج (3) هي واقع ماثل، فإن الحديث عن مألآتها نحو مسار نموذج المرحلة الإنتقالية(2) وصولاً إلى السودان الجديد في(1). أو المسار (3) إلى (5) أمر منطقي بحكم أن البناء هنا على معطيات واقعية ممكنة موضوعياً.

    لكن كيف يمكننا التعامل مع حالتي وحدة أو إنفصال إنطلاقاً من تصور إفتراضي(؟) كما في حالة النموذج (4)، والذي يتم فيه إنفصال المكون الشمالي الموجود داخل الدولة الإفريقية الإفتراضية إلى مرحلة دولة شمالية كاملة. وكيف لنا أن نتخيل الدولة الإفريقية الإفتراضية يمكن أن تمضي إلى الوحدة أو الإنفصال وهي غير موجودة إلا في اللاشعور أو اللاوعي(؟). حقيقة أن الأمر مربك، لكن النظرة الفاحصة تعطينا جوهر ما كان يقصده الدكتور عندما كان يفكر وهو يرسم هذا المخطط.

    فإما أنه كان يعني أن النموذج (4) [=الدولة الإفريقية العلمانية] ليست نموذجاً إفتراضياً (Hypothetical ) بالمعني الرياضي الدقيق لهذا المصطلح، وبالتالي ومن الناحية المفهومية، فإن الأقرب أنه قصد أن الحالة الإفتراضية هنا هي حالة كامنة Potential . والفرق يكمن في أن الافتراضي هو على الدوام مجرد "إشتراط ذهني" تتساوي فيه إحتمالات الحدوث من عدمها. أما في الوضعية الثانية(حالة الطاقة الكامنة Potential) فهي حالة إستعداد لشئ متوقع الحدوث بدرجة كبيرة. وهو الأمر الذي يلغي تساوي فرص حالات الحدوث مع عدمه. وبالتالي فالمحتمل أنه لا يتحدث عن دولة إفتراضية في اللاشعور الجنوبي، إنما يتحدث عن حالة موجودة في شكل طاقة كامنة لهذه الدولة. وأيضاً وذهنياً، هذه الدولة في داخلها وجود للعنصر الشمالي والذي وبمرور الوقت سينفصل عنها تبعاً لمنطق نفس الشروط التي قادت لإنفصال المكون الجنوبي من الدولة العربية الإسلامية. لكنه لم يشير إلى أن إنفصال هذه المجموعة هل سيكون دولة أخرى أم أنه سيعود إلى أصله الشمالي في الدولة العربية الإسلامية في النموذج (3).

    أو؛ أنه كان يعني أن الدولة الإفريقية العلمانية ليست حالة طاقة كامنة Potential فحسب، إنما هي موجودة كواقع (مادي/مؤسسي)، وبالتالي فهو يتحدث عن وضعية كائنة مادياً. ولتقصي هاتين الفرضيتين، نستشف جذور لهما من خلال الحفر في تعريفات الحركة الشعبية لمصطلح السودان الجديد نفسه، والذي وفي كثير من أدبياتها يظهر بمستويين مختلفين من حيث المضمون. فالحديث عن السودان الجديد مرة يشير ضمناً إلى جنوب السودان، وهذا تعبر عنه القوانين التي وضعتها الحركة الشعبية والتي تمت صياغتها على أساس أنها قوانين السودان الجديد، لكنها في واقع الأمر قوانين وضعت لإدارة المناطق التي تقع تحت سيطرتها في الجنوب.

    المستوى الثاني هو الحديث عن السودان الجديد بمفهوم كلي يشمل السودان الشمالي أيضاً، لكنه مقيد بأنه يجب أن يكون "سودان على أسس جديدة". عليه؛ يمكن ببساطة ملاحظة وجود مفهومين مختلفين للسودان الجديد، الأول جغرافي يتحدد بحدود السودان الجنوبي، والثاني فلسفي/مفهومي يتجاوز الإطار الجغرافي إلى سودان على "أسس جديدة". والذي كان الراحل كثيراً ما يتحدث عنه لدرجة أنه كتب كتاباً كاملاً عنه.

    عليه هنا يمكن الإستنتاج بأن د.جون قرنق وعندما وضع الدولة الأفريقية كإفتراض، كان يتفهم في ذهنه واقع الحال الذي أمامه والذي يتكون من تناقضات كبيرة على صعيد الواقع والأحلام. فهناك الدولة العربية الإسلامية المسيطرة على السلطة، وهناك المواقع التي سيطرت عليها الحركة الشعبية والواقع الذي شكلته على الأرض وأسمته السودان الجديد. وما بين أحلام تحقيق هذا السودان الجديد في الرقعة الجغرافية التي هو عليها، وتحقيقه على السودان كله، تعددت هذه المستويات من التناول للمفاهيم والتعريفات للسودان الجديد، فجاءت مرة حديثاً عن جنوب السودان، ومرة عن الدولة السودانية ككل ولكن على أسس جديدة، وأصبحت هناك حالة تداخل، فالإطار المرجعي النظري لفكرة السودان الجديد تغطي التعريف الجغرافي قيمّياً وفكرياً، لكن التعريف الجغرافي يكتفى بحدود الأرض والتكوين الثقافي والإثني. والمؤكد أن هذه المستويات من التناول ولدّت تيارات تسندها من مواقع متباينة سواء إن كانت داخل أو خارج الحركة الشعبية نفسها وعلى أساس مصالح وآيديولوجيات مختلفة تدفع للتمسك بهذه الفكرة أو تلك.

    لذلك فحالة الإفتراض هنا للدولة الإفريقية تنتفي لأن الحديث يتم عن واقع (ما) سواء إن كان في شكل وجوداً مادياً محسوس هو جنوب السودان، أو وعي يعبر عنه. وفي تقديرنا أن وضعه لهذه الدولة الإفريقية في حالة إفتراض، أملته ضرورة سياسية أكثر منها منهجية. والأرجح أنها ـ أي هذه الضرورة ـ تقف خلفها موازنات عديدة يمكن إرجاعها إلى تكتيكات التفاوض مع النظام في مشاكوس/نيفاشا، المواقف المتباينة من قضية وحدة السودان داخل الحركة وخارجها، وجدوى الوحدة أو الإنفصال على مستوى الدولة السودانية ككل، في ظل ظروف جبروت الخطاب الإسلامي والعروبي وسيطرته على مفاصل الدولة، وإشكاليات هذه الوحدة وإنعكاساتها على المستوى الإقليمي والدولي، وعوامل أخرى قد تكون بعيدة عن الأنظار.

    لذلك، فإن قضية الوحدة والإنفصال لا يمكن أخذها في فلسفة د. جون قرنق بتلك البساطة الساذجة وإتهام الرجل بأنه كان كذا أو أنه يعمل على كذا، إنما تؤخذ إستناداً على الأسس الفلسفية التي كان يفكر بها، فقد كان الرجل سياسياً ومفكراً في آن واحد، وعندما تكلم عن الوحدة أو الإنفصال لم يتحدث عن "ماهيتهما"، وإنما عن "شروطهما"، وهناك عالم من الفروقات ما بين الإثنين. وبالتالي لم يحدد موقفه من هذه القضية كسياسي إنما كمفكر. وقد تجاوز بذلك مرض الذهنية التصنيفية التي ظلت السمة المميزة للساسة السودانيين والذين وعندما ينطلقون في مناقشة مثل هذه القضايا يتحركون من فهم لها أقل ما يمكن وصفه أنه سطحي، وفي أغلب الأحيان يقصد به الإدانة والإبتزاز أو الدعاية السوداء، أكثر من كونه بحث عن خيارات على أساس موقف فلسفي وتاريخي لوحدة السودان، أو قد لا يكونون على إدراك بما يقولون أو ماذا يريدون بالمرة تحركهم من خفاء مخيلة ولاشعور سياسي يجد أساسه في الثقافة العربية الإسلامية التي ينتمون إليها. لكن الراحل كان يعرف ماذا يريد على وجه التحديد، وعندما يتحدث عن السودان الجديد فهو كان يعني التغيير نحو واقع آخر للدولة الراهنة، له أبعاده الفلسفية والأخلاقية والهيكلية.

    ولملامسة مفهوم "سودان على أسس جديدة" كما فكر فيه قرنق، فقد طرح ذلك في كتاب له بعنوان رؤية للسودان الجديد شارحاً إن: " الوحدة التى ننادى بها مختلفة تماماً، وهى ليست الوحدة نفسها التى يتحدث عنها الآخرون. هنا يكمن مصدر الخلط والتشويش. فلام أكول مثلاً، عندما تحدث الى راديو بى بى سى وطرح سؤالاً بلاغياً (طرحه لمجرد التأثير فى النفوس لا ابتغاء الحصول على جواب): "جون قرنق يتحدث عن الوحدة والبشير يتحدث عن الوحدة، فما هو الفرق بينهما؟" نقول له: هناك عالم من الفرق بين الاثنين، فالوحدة التى نعنيها تقوم على واقعين، أولهما أسميه الواقع التاريخى أو التنوع التاريخى، والثاني أطلق عليه التنوع المعاصر أو الواقع المعاصر. هذان التنوعان أو الواقعان يمثلان عناصر تكويننا وتشكلنا ولا بدَّ من تأسيس الوحدة عليهما. فالأساس الأول للوحدة هو التنوع التاريخى، فكتب العصور القديمة، بما فى ذلك الكتاب المقدس، زاخرة بذكر السودان، إن كان تحت اسم كوش أو السودان أو مصر، وأنا لا أختلق هذه الأشياء" . ويمضي شارحاً التنوع التاريخي:" هذا هو الكتاب المقدس، وهو بين يدي وليس فى رأسي، فى سفر التكوين، الإصحاح الثانى، الله بحكمته المطلقة خلق كل شئ، "غرس الرب الإله جنة فى عدن شرقاً ووضع هناك آدم الذى جبله، وكان نهر يخرج من عدن ليسقى الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس. إسم الواحد فيشون، وهو المحيط بجميع أرض الحويلة حيث الذهب، وذهب تلك الأرض جيد، هناك المقل حجر الجزع (العطور النادرة والأحجار الكريمة). واسم النهر الثانى جيحون، وهو المحيط بجميع أرض كوش. واسم النهر الثالث حداقل، وهو الجاري شرقي أشور. والنهر الرابع الفرات". للناس فكرة مبسطة عن جنة عدن إذ يعتقدون أنها قطعة صغيرة من الأرض. فى الحقيقة أن جنة عدن مساحة كبيرة وممتدة من الأرض- فهى تنبسط من قيهون(قحيون) جنوباً الى الفرات شمالاً. وفيهون وفيشون اللذان يجريان فى أرض كوش هما نهرى النيل الأبيض والنيل الأزرق. وتقع كوش، وفقاً لتفسير إحدى الحواشي، فى السودان. فالسودان مذكور بالحرف فى الكتاب المقدس (...) ذكر السودان أيضاً فى سفر الملوك الثانى، الإصحاح التاسع عشر، "فرجع ريشاقى ووجد ملك أشور يحارب لبنة لأنه سمع أنه ارتحل عن لخيش، وسمع عن تهارقا، ملك السودان، قولاً قد خرج ليحاربك قائداً لجيش المصريين فعاد وأرسل رسلاً الى حزقيا ملك يهوذا". ونلاحظ هنا عمق الروابط التاريخيَّة بين مصر والسودان وأنهما كانا بلداً واحداً. ويذكر سفر أخبار الأيام الثانى، الإصحاح الرابع عشر، أنَّ حرباً وقعت بين الإسرائيليين وجيرانهم، وكان السودان أحد هؤلاء الجيران، "وكان للملك آسا جيش يحملون أتراساً ورماحاً من يهوذا ثلاثة مائة ألف ومن بنيامين من الذين يحملون الأتراس ويشدون القسي مائتان وثمانون ألفا. كل هؤلاء جبابرة بأس. فخرج إليهم زارح السوداني بجيش ألف ألف وبمركبات ثلاث مئة وأتى الى مريشة، وخرج آسا للقائه واصطفوا للقتال فى وادى صفاتة عند مريشة. ودعا آسا الرب إلهه وقال يا أيها الرب ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة". يتضح من ذلك أنه كان لنا حاكم يدعى زارح استطاع أن يعد جيشاً قوامه مليون رجل. إذن، حينما يصرح البشير بأنه سيجهز جيشاً من مليون مقاتل فهو لن يكون أول سوداني يفعل ذلك، فهذا ما تمَّ فعله قبل آلاف السنين. أيضاً، فى سفر زكريا، الإصحاح الثامن عشر، كما يعلم الكثيرون منكم، ورَّد أن الله سيعاقب السودان، ويبدو أن هذا العقاب قد وقع علينا بالفعل. هذا هو تاريخنا وهذا ما صنعنا نحن. لا بدَّ من الرجوع الى الماضى حتى ندرك الحاضر ونمهد الطريق الى المستقبل. فقد ازدهرت حضارات كوش، ومصر الفرعونيَّة، والممالك القروسطيَّة منذ آلاف السنين قبل الميلاد. ومن ثمَّ، ومع بدايَّة الحقبة المسيحيَّة، قامت فى السودان حضارات قويَّة تمثلت فى ممالك النوبة المسيحيَّة والتى دامت لأكثر من سبعمائة عام. وتبع ذلك، ومع ظهور الإسلام وتدفق المهاجرين من شبه الجزيرة العربيَّة، إقامة ممالك إسلاميَّة قويَّة. وبعدها جاء الحكم التركي-المصرى، ثم المهديَّة، ثم الحكم الثنائي الإنجليزي-المصري الى أن نال السودان لاستقلاله فى 1956. هذا هو ما أطلق عليه التنوع التاريخى، وهو جزء منا. فالناس الذين ورَّد ذكرهم فى الكتاب المقدس، والذين غزوا يهوذا بجيش مكون من مليون فرد، من ناحيَّة أحفادهم، حاضرون بينكم هنا، فإلى أين تعتقدون أنهم قد ذهبوا؟ فالأرض لم تنشق لتبلعهم بل هم موجودون فى السودان. كذلك هؤلاء الذين أقاموا الممالك النوبيَّة المسيحيَّة، والذين أسسوا الممالك الإسلاميَّة أيضاً، موجودون فى السودان. هذا جميعه ما زال حتى وقتنا الراهن، يشكلنا ويكون جزءاً من هُويتنا. يجب أن نكون فخورين بتاريخنا ويجب أن ننقله لأولادنا، كما يجب تضمينه فى المناهج التعليميَّة وتدريسه للطلاب لكي ندرك ثقافتنا وثراء ماضينا. فالتاريخ لم يبدأ مع د. الترابي ولكنه يرجع طويلاً جداً الى الوراء. هذا هو التنوع الذى أقصده. أما التنوع المعاصر فهو "الشكل الآخر من التنوع هو التنوع المعاصر. يتكون السودان من قوميات متعددة، من مجموعات إثنيَّة متعددة، أكثر من 500 مجموعة تتحدث أكثر من مئة لغة مختلفة، ومن قبائل كثيرة [ أنظر الهجرات العربيَّة الى كوش ]. هذا هو الموجود وأنا لم أختلقه. فالدناقلة ما زالوا يتكلمون "بالدنقلاوى"، والبجة ظلوا يتحدثون "بالبجاويَّة". وحدث لى شئ غريب عندما ذهبت الى شرق السودان، فى منطقة همشكوريب، لأتفقد قواتنا الموجودة هناك. كنت أخاطب شباب البجة، وهم لا يعرفون العربيَّة إنما يتكلمون لغة البجة فقط، وأنا قادم من الجنوب وأتحدث معهم بالعربيَّة، فكان لا بدَّ لى من الاستعانة بمترجم، كدكتور الواثق وهو معي الآن، ليترجم حديثى من اللغة العربيَّة الى لغة البجة. هذا هو التنوع المعاصر. نجد العديد من القبائل فى الجنوب، مثل الدينكا، والنوير، والشلك، والزاندى، واللاتوكا، والفرتيت، والمورلى وغيرها من القبائل. وفى الشمال أيضاً توجد قبائل كثيرة غير عربيَّة، فهناك النوبةأ والفور، والزغاوة، والمساليت، والعديد من القبائل العربيَّة كالبقارة، والكبابيش، والرزييقات، والجعليين وغيرهم. لدينا كل هذه القبائل وغيرها. هذا هو التنوع، وهو أيضاً هناك ولم أفتعله أنا. ولدينا أديان مختلفة، فهناك المسلمون، وهناك المسيحيون وأصحاب كريم المعتقدات الأفريقيَّة. أما مفهوم الإله الواحد فهو شائع بغض النظر عن دين الفرد. فالدينكا، مثلاً، يؤمنون بإله واحد يسمونه نيالج، ويشيع مفهوم الإله الواحد أيضاً وسط كل القبائل الأخرى، إذ ينطبق هذا على النوير والشلك كما ينطبق على القبائل الأخرى فى جنوب السودان. إذن، لدينا أديان مختلفة كلها متعايشة منذ زمن بعيد، باختصار هى الإسلام والمسيحيَّة والديانات الأفريقيَّة التقليديَّة. هكذا، فإن هذا التنوع المعاصر، "قومياً" واثنيا وثقافياً ودينياً، يشكل جزءاً من، وكما أراكم أمامي الآن فأنتم مختلفون ولكنكم واحد، والتحدي الذى يواجهنا فى السودان هو أن نصهر جميع عناصر التنوع التاريخى والمعاصر لكي ننشئ أمة سودانيَّة، نستحدث رابطة قوميَّة تتجاوز هذه "المحليات" وتستفيد منها دون أن تنفى أي من هذه المكونات. إذن، وحدة بلادنا، الوحدة التى نتحدث عنها، لا بدَّ أن تأخذ هذين المكونين لواقعنا بعين الاعتبار حتى نطور رابطة اجتماعية سياسيَّة لها خصوصيتها، وتستند على هذين النوعين من التنوع، رابطة اجتماعية سياسيَّة نشعر بأنها تضمنا جميعاً، وحدة أفخر بالانتماء إليها، وأفخر بالدفاع عنها. يجب أن أعترف بأنني لا أفخر بالوحدة التى خبرناها فى الماضى وهذا هو السبب الذى دفعنا للتمرد ضدها. إذن، نحن بحاجة الى وحدة جديدة، وحدة تشملنا كلنا بغض النظر عن العرق أو القبيلة أو الدين، بحيث انه إذا حضر أى شخص الى الخرطوم، سواء كان قادماً من الجنينة أو من كادوقلى أو من جوبا أو من نمولى، فهو مواطن سوداني جاء الى العاصمة، "وحدث ذات مرة وأنا قادم من جوبا الى الخرطوم، وفى القيادة العامة وكنت وقتها عقيداً ومحاضراً فى جامعة الخرطوم، كلية الزراعة، أن سألني زميلي فى القيادة العامة: جون، متى حضرت الى السودان؟ فالسودان بالنسبة له هو الخرطوم" .

    وكما نرى فإن هذه الإحالات تلخّص رؤية د. قرنق للسودان الجديد تأسيساً على مفهومي التنوّع المعاصر والتاريخي، كعناصر محددة للهوية ولوحدة السودان معاً. أما على صعيد المنهج فتشرح المعادلة الرياضية البسيطة التي يوردها ـ أدناه ـ هذه الوحدة كمتغير في عناصر التنوع التي ذكرها والزمن (=التاريخ)، وما يعنيه (هو) بقضية الأسس الجديدة للسودان بإدخال عنصري التنوع التاريخي والمعاصر كمتغيرات ضمن معادلة تشكيل الهوية والسودان الجديد. وعندما نقارن رؤيته هذه، بمنظور الفكر العروبي الإسلامي لهذه القضية نجد أن هذه العناصر لا تكتسب معنى لديه ـ أي الفكر الإسلامي/العروبي ـ وتظهر في حالة ثبات ضمن أي معادلة يمكن صياغتها بناءاً على ذلك. لأن قضية الهوية وببساطة في هذا الفكر محددة بالإطار المرجعي للثقافة العربية الإسلامية(فكرة الإعرابي صانع العالم كما لدى الجابري)، وهي بهذا المعطي تمثل ثابتاً لا يتغير، إنطلاقاً من أن الهوية لديهم معرّفة الحدود والملامح والمضمون داخل المرجعية الإسلامية العربية، على العكس تماماً من منظور د. قرنق لها، والذي يراها تتشكل كناتج لتفاعلات التنوع التاريخي والمعاصر، وبالتالي تتحدد شكلاً ومضموناً من هذا التطور(العلاقة الجدلية)، بمعني أنها ووفقاً للمعادلة الرياضية متغيراً بالنسبة لهذه العناصر والزمن.

    إذا فقد كان قرنق يري القضية رياضياً على هذا النحو: س=(أ+ب+ج). حيث (س) هى السودان أو الهُويَّة السودانيَّة وهى دالة مرتبطة بالمتغيرات أ ، ب، ج. يمثل (أ) التنوع التاريخى، ويمثل (ب) التنوع المعاصر، و(ج) تأثيرات الحضارات الأخرى علينا، لأننا وكما يقول هو: "لا نعيش فى جزيرة معزولة إنما فى مجتمع إنساني". أما المتغير (س) والذى يمثل الهُويَّة السودانيَّة، فهو المحصلة النهائيَّة لهذه المتغيرات أو المكونات . وبالتالي فإن محاولة رؤية التصوّر المضاد إنطلاقاً من نفس الأساس الرياضي، تعطينا المعادلة، وإستناداً على الرؤية العروبية الإسلامية، ثابت لا يتغير ولا يتأثر بعوامل التاريخ، لأن هوية الدولة والمجتمع يجب أن تكون "بالضرورة" إسلامية، وبالتالي عربية بحكم الإطار المرجعي الديني(وكنتم خير أمة أخرجت للناس). وبهذا المنطق فهي لاتقبل بمبدأ التنوع والتعدد (إلا من داخلها)، فإما أخذها كهوية أو ثقافة عربية إسلامية سائدة في حقل ما أو أي شئ آخر غيرها. وهو ما يفسر حالة الصدام الدائم الذي تعيشه هذه الثقافة مع الآخر ـ أيـَاً كان هذا الآخر. لذلك وعند إدخالها في نسق المعادلة الرياضية فهي تظل ثابت لا يتغير في أي فضاء يضمها مع ثقافات أخرى ـ إلا إذا إستثنينا حسابات التغير من داخلها فقط ـ بمعنى أنها تصبح متغيراً عندما نتعامل معها كدالة مرتبطة بعناصرها الداخلية هي كثقافة، بمعني حساب تطورها ضمن نسقها الخاص(تمايز المذاهب المختلفة فيها، جزئيات الثقافة العربية). قد يكون هناك نقد لهذه المقولة رجوعاً لمقارنة تجربة الثقافة الإسلامية العربية مع الحضارات التي عاصرتها في صدر الإسلام كما يقولون(الفرس والروم). لكن الملاحظ أن تفاعل الثقافة العربية مع هذه الثقافات في ذلك التاريخ تم في إطار سطحي للغاية إذ أن الثقافة العربية الإسلامية لم تستفيد من هذه الحضارات إلا في جانبها التقني وظلت في حالات تصادم مع التيارات الفلسفية التي حاولت "تبيئة" هذه الفلسفات داخل النظم المعرفية للثقافة العربية الإسلامية، وتم التعامل مع هذه الإجتهادات على أنها دخيلة على "الينابيع الصافية" للإسلام (تجارب المعتزلة، الفارابي وأبن رشد). وحتى هذه التجارب لفظتها الثقافة العربية الإسلامية فيما بعد وإرتدت عنها في كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" بالعودة إلى النظام المعرفي البياني، والذي كرّس لسيادة التيارات السلفية القائمة على منهجية النقل(عن فلان.. عن علان..إلخ) والقائمة على إنشاء بنية أسطورية تحيط بالنصوص التاريخية. والمدقق حتى في خطابات الحركات الإسلامية المعاصرة يلاحظ أن هذه هى التوجهات العامة لها، إذ أنها ترفض قبول النظم المعرفية والأخلاقية التي أنتجتها المجتمعات الحديثة، لكنها وفي ذات الوقت لا تجد في نفسها حرجاً من الإستفادة من إنتاجها المادي. والغريب أن أعضاء هذه المنظمات يحوزون على أعلي الدرجات العلمية في الهندسة والطب وغيرها من المجالات العلمية، ويمتلكون مهارات عالية في التعامل مع التكنولوجيا بمختلف أنواعها (من الكلاشنكوف والإستنجر إلى الكمبيوتر والإنترنت) ، لكنهم يرفضون القبول بالفلسفة والنظم المعرفية التي إنتجت هذه التكنولجيا(!!).

    وعموماً، فلنتصور الهوية الإسلامية العربية مرة أخرى بإفتراض أنها دالة مرتبطة بالتنوع المعاصر والتاريخي في المعادلة التي وضعها قرنق:

    س(ثابت) = (أ + ب + ج)، حيث (س) الهوية العربية الإسلامية وهي هنا ثابت، (أ)، (ب)، (ج) تمثل التنوع التاريخي والمعاصر والمؤثرات الحضارية الإنسانية الأخرى كمتغيرات. عليه تكون النتيجة على النحو التالي:

    (المتغيرات أ، ب، ج) = (ثابت)، وعند إجراء إشتقاق تفاضلي لهذه الدالة بالنسبة للزمن، وبما أن إشتقاق الثابت يساوي الصفر، وأن الهوية (س) التي تمثل الهوية العربية ثابتاً، إذا فمعدل تغير عناصر التنوع المعاصر والتاريخي تصبح صفراً (ثابت) أو لا يوجد تغير فيها(سكون لحظي).

    وبإجراء الإشتقاق فإن: د(أ،ب،ج)/دن = صفر، وفي الرياضيات وعندما يساوي معدل تغير متغير (ما) الصفر، فهذا يعني أنه إما وصل نهايته العظمي أو الدنيا أو أنه في مرحلة إنقلاب يمضي بعدها في مساره، والذي قد يكون إما إنحدار أو علو أو في مسار ثابت. وهذا يعني أن هذه العناصر ستعاني واحدة من هذه الحالات المذكورة. ووصول هذين التنوعين إلى هذه المستويات من الإستنتاج الرياضي يدخلنا في تناقض مع الصيرورة التاريخية عند رؤيتها في الحقل الإجتماعي الذي يتحركان فيه، فكيف يمكن تفسير ذلك؟؟ إن التفسير والوحيد الذي تقبله شروط العقلانية هو إفتراض تأثير عوامل محددة (Determinant) لهذين التنوعين تمكنت من الحد من تطورها في حقلهما التاريخي/الإجتماعي. وبدارسة عناصر المعادلة مرة أخرى يمكننا تقوية هذه الفرضية عند النظر لوجود الثقافة العربية الإسلامية كطرف في المعادلة. وطالما أن هذه الثقافة ـ وبحكم طبيعة تكوينها وبنيتها ـ سوف تعمل على الحلول مكان التنوع التاريخي والمعاصر بدلاً من التفاعل معه، فإن ذلك إما يؤدي إلى إنحدارهما أو وصولها إلى نهايتها العظمي أو الدنيا في تركيبية المعادلة، وإنحلال هذين التنوعين في بنية المعادلة يعني فقدان الرابطة التي من الممكن لها أن تتطور نحو تكوين هوية مشتركة. وبهذا فقط يمكن تفسير النتائج التي أفرزها المنطق الرياضي.

    وعلى خلفية هذه المناقشة ونسق المخطط الذي وضعه د. قرنق ومنطقه الرياضي والواقع التاريخي الذي أمامه، تظهر لنا المواجهات العاصفة ما بين هذا المنطق الذي يفرض عليه رؤية الأشياء وفقاً لعلاقاتها "الموضوعية والعقلانية"، ونتائجها، في مقابل تشابكات الإثني، الديني، الثقافي، الدولة الإسلامية العروبية، الدولة الأفريقية، الواقع الجديد الذي أفرزته نضالات الحركة الشعبية طوال 20 عاماً، مفاهيم السودان الجديد، خيارات الوحدة والإنفصال، تداخلات المصالح الدولية والإقليمية...إلخ، في مقابل شبح التمزق. لذلك، يبدو من الأرجح أنه وعندما وضع هذا المخطط كان يرى هذه الشبكة العنكوبتية ويرى نهاياتها تأسيساً على الإستنتاجات التي يمكن إستخلاصها وترجمتها إلى نصوص ومقولات سياسية. وهي وفي أدنى التصوّرات تعبير عن موقف من لايرغب في رؤية السودان يمضي بإتجاهات التمزق والصوملة، إنما موقف من يرى كافة الإحتمالات كأمور ممكنة الحدوث، وفي ذات الوقت يفتح أبواب الأمل أمام الجميع لتطوير قدرتهم على البقاء معاً(مقولة العمل على جعل الوحدة جاذبة). وهو موقف يجمع بشكل مدهش مابين شخصيتين لقرنق، هي شخصية المفكر والسياسي.

    فمن خلال تركيبة البنية الكلية التي يشيدها، نجد أن إحتمالات الوحدة والإنفصال تتساوى في ذهنه وعلى المخطط الذي يطرحه، فالذهاب من المستوى (3 و4) إلى (1) عبر المرحلة الإنتقالية في المستوى (2) يتساوى في إحتمال حدوثه بسلوك الطريق المعاكس من (3و4) وصولاً إلى (5).
    ولكي نرى ذلك بوضوح فلنعيد هندسة هذه البنية من جديد، وحسب إفتراضنا الأول، بإعتبارها تبدأ من المستوى (3و4)، و ليس من المستوى (1).



    لذلك فحساب الإحتمالات يعطينا نسبة حدوث 50% لكل نتيجة(الوحدة والإنفصال). وزيادة إحتمال واحد على حساب الثاني لاتحدده "ماهية" هذه الوحدة (بمعني، مبررات أن الوحدة هي الخيار الأفضل للسودانيين، وأن هناك عوامل مشتركة بين الشعوب السودانية وأن... وأن)، فكلها وكما يقال أشياء معلومة بالضرورة، لكن الأهم هنا هو شروط هذه الوحدة. فحتى يكون لهذه الأشياء المعلومة بالضرورة معني، فيجب أن تترجم إلى إنماط وقوالب من السلوك السياسي /الإجتماعي /الإقتصادي /القانوني والأخلاقي، إضافة إلى هياكل تسمح ـ وكما قلنا في البداية ـ بالشعور بأن طريق الأفراد والمجموعات في هذه الدولة لا تحكمه معايير اللون، الجنس، الدين، العرق والثقافة وغيرها من المحددات التي تفرق أكثر مما تجمع.

    فمثلاً، متى ما ظلت هذه الدولة الإسلامية العربية موجودة موضوعياً، ومتحكمة ومسيطرة هيكلياً، فإن هذه المحددات ستظل موجودة، رضي منظروا هذه الدولة أم أبوا، رضيت الحركة الشعبية بذلك أم أبت، لأنه وببساطة، هذه المحددات في ذهنية هذه الدولة مربوطة بإطار آيديولوجي/ديني/ميتافيزيقي، يمثل مرجعيتها اللاهوتية، وتلك قضية إيمانية بحتة في ذهنيتهم(لأنهم وعندما إستولوا على السلطة كان ذلك ـ وفي تعريفهم ـ جهاد في سبيل الله، و عندما حاربوا في الجنوب كان ذلك من أجل "رفع راية لا إله إلا ألله")، وعندما فرض عليهم المجتمع الدولي السلام، كان التبرير ديني أيضا(فإن جنحوا للسلم فأجنح لها). وهذه عقلية لا نجد في أياً من تبريراتها دعاوي وأسانيد قائمة على منطق أبداً، وإنما دائماً نصوص دينية "حمّالة أوجه". لذلك، سوف تنتقل هذه الدولة بهذه المحددات مرحلة إلى الأمام في المخطط (المستوى [2])، بحكم أن هذه المرحلة مفروضة عليها وعلى الحركة الشعبية أيضاً ـ نيفاشا ـ وستتصادم في هذا المستوى مع ما سوف تأتي به الحركة الشعبية من نمط أفكار ورؤى وسلوك يتناقض معها.

    وطالما أن هذه المحددات سوف تنتقل، فهذا يعني بالضرورة إنعكاسها على مستوى المؤسسات (سلطات، وقوانين، وإقتصاد وغيره) والخطاب السياسي، وهذه المؤسسات ستكون محكومة بهذه الموجّهات/المحددات، أو على أقل تقدير ـ إذا قدمنا حسن النية بأنهم بالفعل ملتزمون بالسلام وسوف يطبقون الدستور الإنتقالي بحذافيره ـ ستظل موجودة كسلوك ووعي يغذونوه (هم) على مختلف مستويات الخطاب الرسمية والغير رسمية، بإعتبار أن ما يمرون به ـ وفي تفسيرهم ـ إنما هو "إختبار من الله للمؤمنين" أو "إبتلاءآت واجب الصبر عليها من المؤمن". وبالتالي فإن إحتمالات الإنقسام ستزداد ويصبح إحتمال قبول الجنوبين بالمضي في إتجاه المستوى (5) أمر أقرب للمعقولية، إذ أنه وبإختصار ما الذي يجبرهم للبقاء في إطار دولة تفرض عليهم أمور لا يقبلونها، بل والأدهي من ذلك لاتريدهم بالمرة(دعوة الطيب مصطفى ـ خال الرئيس البشير)، وهم يملكون صك يخول لهم تقرير مصيرهم بنهاية الفترة الإنتقالية.

    لذلك فمؤشرات الإنفصال كثيرة، والتي قد نتلمسها في الكثير من الخطابات السياسية وبصور مختلفة الدرجات، لكن فلنقف الآن على ما تقوله الحكومة لأنه هو الذي يؤثر بدرجة كبيرة فى الوصول إلى هذه النتيجة من عدمها. فعلى سبيل المثال لا الحصر(التباطؤ، في تنفيذ الكثير من بنود إتفاق السلام المحورية، السلوك الإعلامي اليومي للنظام والذي لم يعكس أي تغيير في سياسات الدولة لا على مستوى الخطاب أو السلوك، الإصرار على القبض بمفاصل الدولة ـ السلطات الأمنية، مصادر الثروة.. وغيرها).

    لذلك عندما وضع قرنق هذه التصورات وقبل بالمضي إلى المستوى (1) عبر المرحلة الإنتقالية في (2) كان واضحاً أنه يدرك مدى صعوبة أن تتخلى هذه الدولة ـ الدولة العربية الإسلامية ـ عن أفكارها ومرجعياتها، لذلك وضع هذه المرحلة الإنتقالية ليختبر الجميع قدرتهم على المضي قدماً إلى الأمام. وأكرر مرة أخرى علينا أن نفهم لماذا كان الرجل يتحدث بإصرار عن ضرورة جعل الوحدة جاذبة.

    هناك حالة ونتيجة لم تظهر في المخطط الذي وضعه الراحل د. قرنق. وهي فرضية أن أيـاً من الوضعيتين قد لاتتحقق، بمعنى ألا يتم الوصول لا إلى المستوى (1) أو (5). فما هو إذاً شكل الدولة المتكون. هنا نجد إن إحتمالات عديدة تنفتح وإذا حاولنا تصورها نجدها كالاتي:
    1. حالة الصوملة، بمعني إن الإنقسام هنا يتم على مستويات عديدة ولا يتوقف على مستوى إنفصال الجنوب عن الشمال فحسب، بل يمتد ليشمل الشرق والغرب أيضاً، بحكم أن الشروط التي أدت إلى إنفصال الجنوب هي نفسها التي تغذي الصراع في الشرق والغرب. والمؤشرات على ذلك موجودة فالصراع في الشرق ودارفور مازال محتدماً، ولا يبدو أن هناك بارقة أمل في التوصل إلى تسوية مقنعة لكافة الأطراف، وحتى وإن حدث إن تم التوصل إلى إتفاق (في ملفي دارفور والشرق)، فالسوابق التي نشاهدها مع الحركة الشعبية من قبل النظام لا تعطي مؤشرات إيجابية من أن النظام قد يفى بإلتزاماته التي يقطعها. ضف إلى ذلك أن عقلية النخبة الحاكمة نفسها والتي لا ترى أن هناك إمكانية لوجود سودان موحد، لا وبل تعمل جاهدة من أجل أن يتمزق الوطن طالما أن ذلك يضمن لها بقائها على كراسي السلطة، عملاً بالمثل السوداني الرائج "دار أبوك كان خربت، شيل ليك منها عود". (راجع مشروع كيان الشمال الذي يطرحه الطيب مصطفى، ومحور دنقلا سنار كوستي الذي يتكلم عنه عبدالرحيم حمدي) ويا له من ثمن(!!!).
    2. أو؛ دخول السودان تحت الوصاية الدولية فيما هو أشبه بنماذج العراق/يوغسلافيا.
    3. أو؛ نجاح الدولة العربية الإسلامية في السيطرة وبقاء النموذج الحالي كما هو.
    4. أو؛ الإطاحة بالنظام بسيناريوهات الإنقلاب الإنتفاضة.
    5. أو؛ نجاح الإتفاق في تفكيك النظام والتحول الديمقراطي(السودان الجديد كما في تصور د. قرنق).

    المخطط التالي يوضح هذه السيناريوهات(تصوّر كاتب المقال)


    خاتمة:


    لذك، وعندما نقول أن رحيل قرنق كان أكبر من كارثة ألمّت بالسودان، فإن هذه المقولة لها مايبررها إستناداً على قراءة رؤية الرجل ومنهجه في التفكير. وسواء إن كانت خفافيش الظلام متورطة في مقتله أم لا، فهي بحق، وفي هذه الأيام، أسعد على رحيله أكثر من أي وقت مضي خلال تاريخها، فمثله إن كانت قد كتبت له النجاة، لما وجد الكثيرين الفرصة على "البرطعة" كما يفعلون هذه الأيام. وكل مانستطيع قوله الآن فقط أن يجنب الله بلادنا خطر التمزق والصوملة.


    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1)أنظر محمد عابد الجابري، مدخل إلى فلسفة العلوم، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية
    (2) جون قرنق، رؤيته للسودان الجديد، قضايا الوحدة والهُويَّة، ترجمة وتحرير د. الواثق كمير، تقديم د. محمد صبحي ود. ميلاد حنا، الشركة الإعلاميَّة للطباعة والنشر، الجيزة، القاهرة".
    (3) نفس المصدر.
    (4) نفسه.









                  

04-20-2007, 04:08 PM

خالد الطيب أحمد

تاريخ التسجيل: 03-13-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: خالد الطيب أحمد)

    ونعود مساء لهذا المقال العلمي للغاية عن قضايا الوحدة والإنفصال ..
    شكرا الاستاذ التجاني الحاج..
                  

04-21-2007, 03:13 PM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: خالد الطيب أحمد)



    تحياتي وعميق شكري لك العزيز/

    خالد الطيب أحمد .

    حقاً الموضوعة من أحمل الكتابة التي قرأتها مؤاخراً بالمنبر وبها الكثير من الافكار والاطرواحات الهامة والمهمة التي يجب الحوار والنقاش فيها وبها .
    الصديق التجاني الحاج عبد الرحمن معروف عنه صبره علي الجلوس والنظر والتفكير والتامل والدقة في الكتابة والتحليل وهو يهتم بالتوثيق وأخذ المعلومات من مصادرها ومرتب جداً .
    تحياتي له وتقديري.

    اتمني أن تجد هذه الورقة حظها من النقاش والحوار .

    وساتابع لاحقاً
                  

04-28-2007, 08:57 AM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: سفيان بشير نابرى)


    من كان حقاً يريد الحوار الفعلي والجاد
    في اطروحة ورؤي قرنق للسودان الجديد
    عليه نقاش هذا الخيط والاخ الصديق تجاني
    سيتابع معنا كتابةً هنا .
                  

05-01-2007, 06:26 PM

خالد الطيب أحمد

تاريخ التسجيل: 03-13-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: سفيان بشير نابرى)

    Quote: من كان حقاً يريد الحوار الفعلي والجاد
    في اطروحة ورؤي قرنق للسودان الجديد
    عليه نقاش هذا الخيط والاخ الصديق تجاني
    سيتابع معنا كتابةً هنا .



    سفيان هناك أسئلة كثيرة تمت الإجابة عليها هنا وبصورة علميةودقيقة جدا..
    خصوصا العلاقات الرياضية المعتمدة علي نهج التحليل الرياضي قد إستطاعت -و بصورة دقيقة- وصف مفهوم السودان الجديد وعلاقته بالسودان القديم من عدة نواحي..

    وأكثر ما توقفت عنده هو المعادلات والرسوم البيانية فمثلا وصف علاقة التناسب بالطردية بين الوحدة والتحولات التي يجب أن تحدث في هياكل الدولة نحو وضعية السودان الجديد, فكلما قلت تلك التحولات -بالتماطل و التهاون أو التلاعب السياسي- كلما أصبح خيار الإنفصال كبيرا في قيمته الحدية..أما بالنسبة للإنفصال فالنسبة الكسرية أو التناسب العكسي فهو المهيمن مع نفس المتغير (تحولات هياكل الدولة) ذلك باعتبار ان الإنفصال هو الضد للوحدة ..وهنا أيضا تلوح فكرة وهي إستبعاد الظروف الخارجية الغير متوقعة وهي طرف مهم للغاية لكنها تأتي ضمنيا داخل كلا من الطرفين , وإذا ما أستطعنا تفصيل ذلك بنفس الإسلوب فسنصل إلي نتائج أكثر دقة, وبإستخدام نفس الإسلوب .

    وأتفق معك تماما فيما ذكرته أعلاه ..وسأعود..
                  

05-10-2007, 00:32 AM

خالد الطيب أحمد

تاريخ التسجيل: 03-13-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: خالد الطيب أحمد)

    ولا أجد سوي ما ذكرته أنت:

    Quote: من كان حقاً يريد الحوار الفعلي والجاد
    في اطروحة ورؤي قرنق للسودان الجديد
    عليه نقاش هذا الخيط والاخ الصديق تجاني
    سيتابع معنا كتابةً هنا .



    ونعود..
                  

05-10-2007, 06:05 AM

سفيان بشير نابرى
<aسفيان بشير نابرى
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 9574

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: خالد الطيب أحمد)


    تحياتي خالد الطيب
    تظل قضية الوحدة والانفصال أهم متطلب سياسي يجب النظر والانتباه له
    فالانتخابات علي الابواب وكل المردود السياسي يوضح أن الروية للسودان
    الجديد يشوبها كثير من الخلل لدي القوي السياسية ، لذا أجد أن قرأت
    ونقاش هذه الورقة مهم جداً وهو مسألة مستعجلة وضرورية لان فهم قيام
    السودان علي اساس شروط جديدة وحقيقية لوطن جديد هو الأمر الذي سيقودنا
    لسودان الوحدة الذي ننشده خلاف هذا لن يبقي لنا سوي الانفصال والانهيار
    والحروبات العرقية .
    تحياتي لك ولتجاني الحاج .
                  

06-15-2007, 10:50 AM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: خالد الطيب أحمد)

    فوق
                  

06-15-2007, 11:13 AM

Nazar Yousif
<aNazar Yousif
تاريخ التسجيل: 05-07-2005
مجموع المشاركات: 12465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: Nazar Yousif)

    ومساهمة أخرى للتجانى نشرت فى sudnile
    هيئة جمع الصف الوطني وصراعات القبائل الإسلامية في الخرطوم


    التجاني الحاج عبدالرحمن
    [email protected]

    كتب المقدم شرطة طيار(م) عثمان حسين داؤود (تجمع ضباط الشرطة ـ 1985) في صحيفة آخر لحظة بتاريخ (24/4/2007) واصفاً الأيام الأخيرة لإنتفاضة مارس/أبريل 1985 قائلاً: "... وتوالت الأحداث كجلمود صخر حطه السيل من عل وأستمر التنسيق مابين الشرطة والشعب والفعاليات الشعبية الأخرى حتى مسيرة الأربعاء الشهيرة، وفي يوم 6 أبريل 1985 خرج آخر نفس من صدر حكم مايو وكان رأينا أن لا يتسلم الجيش السلطة، فهو إما أن ينحاز للشعب بإلتزامه لثكناته، أو أن ينحاز لمايو وينزل لمحاربتنا في الشارع، ولكن لا لتسليمهم السلطة، ولكن لم يجد رأي تجمعنا آذانا صاغية، فإلتزمنا خيار رفقاء الدرب والكفاح.. وسقط نميري .. ووقفنا يومها أمام البوابة الشرقية لرئاسة الشرطة نشهد الجموع الفرحة....". نعم سقطت مايو وجاءت الحكومة الإنتقالية آنذاك برئاسة الفريق سوار الدهب، والذي يقود هذه الأيام ما يسمى بـ "هيئة جمع الصف الوطني". فهل يعيد التاريخ نفسه (؟)، وما الذي يربط بين ما يقوم به كلٍ من سوار الدهب وعثمان عبدالله حالياً عبر هذه الهيئة، وما قاله المقدم شرطة طيار عثمان حسين داؤود: "أن لا يتسلم الجيش السلطة، فهو إما أن ينحاز للشعب بإلتزامه لثكناته أو أن ينحاز لمايو وينزل لمحاربتنا في الشارع" (؟).

    للوهلة الأولى يبدو أن القاسم المشترك، هو وجود هاتين الشخصيتين (سوار الدهب وعثمان عبدالله) ودورهما المساند لنظام مايو ضد جماهير الشعب السوداني التي خرجت إلى الشوارع لتضع حداً لدكتاتوريته، والشكوك التي تحيط بالدور الذي يقومون به هذه الأيام من خلال "هيئة جمع الصف الوطني". ولا نتجني على الرجلين، فقد شهد بذلك الفريق شرطة (م) عباس مدني آخر وزير داخلية لنظام مايو في مقابلة له بجريدة الوطن عن لقاء له مع عثمان عبدالله ـ أحد أعضاء هيئة جمع الصف الوطني ـ بقوله: " بالفعل... وفي آخر الاجتماعات تصدى لنا العميد عثمان عبدالله، مدير العمليات بالقوات المسلحة بالإنابة... حيث قال: إنَّ الشرطة تقاعست في التعامل مع المظاهرات في الشارع... وكان عليها أنْ تتعامل بأسلوب حاسم (Shoot to kill). مما دفعني للرد عليه، حيث قلت: « إنَّ ثقافة Shoot to kill هي ثقافة الجيش، وليس الشرطة... ونحن أقصى ما يمكن أنْ نقوم به، بحسب القانون هو «اضرب لتعطل وليس لتقتل Shoot to disable, not to kill !!. أما فيما يتعلق بسوار الدهب، فقد ذكر عباس مدني أيضاً في نفس المقابلة : " اتصل بي سوار الذهب صباح السبت وقال لي: إننا قررنا أن ننحاز لحركة الشارع ونستلم السلطة، إنت رأيك شنو؟.. فقلت له: الله يوفقكم.(..) وبعد اتصال سوار الذهب اتصل بي عمر محمد الطيب وقال لي تعال في المكتب... ولما جئته وجدت معه أبوالقاسم محمد إبراهيم وبهاء الدين إدريس(...) فقال لي عمر أمامهم إن سوار الذهب ضغطوا عليه رؤساء الوحدات العسكرية لاستلام السلطة". (الوطن: عدد [[1431]]، التاريخ: 2007-05-15).

    هؤلاء هم الذين يعملون اليوم "لجمع صفنا الوطني" (!!!)، رجل لم يتردد لحظة في تعنيف وزير الداخلية لتقاعسه في إستخدام الرصاص لقتل المتظاهرين العزل، وآخر "تضغط" عليه الوحدات العسكرية لإستلام السلطة، مما أضطره لاحقاً ـ وبشهادة عباس مدني ـ للصوم ثلاثة أيام كفارة لبيعته للإمام النميري حتى "يحلّل" بها إستلام السلطة. أليس من الأحرى من بعد ذلك أن نفكر في إعادة كتابة التاريخ، كل التاريخ من جديد، وتسمية الأشياء بمسمياتها(؟). فإنحياز الجيش المزعوم الذي غيّر ملامح إنتفاضة شعب ـ بل في الحقيقة أجهض محتواها تماماً، وبالتحديد بدء بالإعلان عن تكوين المجلس العسكري الانتقالي في 11 أبريل 1985 والذي فاجأ الجميع بما فيهم التجمع الوطني لأنه أمر لم يكون متفقاً عليه ـ لم يكن سوى مسحوق تجميل لوجه واحدة من أكبر عمليات الإحتيال السياسي في التاريخ الحديث للسودان، خطط لها عراب الجبهه القومية الترابية مستشار المشير المخلوع نميري، ونفذها له بعض أتباعه، من بينهم سوارالذهب، تاج الدين عبدالله فضل، الجزولي دفع الله، حسين
                  

06-15-2007, 12:10 PM

welyab
<awelyab
تاريخ التسجيل: 05-08-2005
مجموع المشاركات: 3891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا الوحدة والإنفصال في فكر د. جون قرنق / بقلم / تجاني الحاج عبد الرحمن (اسمرا) (Re: Nazar Yousif)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de