حوار العمر مع محمود درويش(1) و

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 01:12 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-17-2002, 02:35 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار العمر مع محمود درويش(1) و

    حوار العمر مع محمود درويش(1) حوارات

    هذا الحوار المطول مع محمود درويش اجرته جيزيل خوري ضمن برنامجها حوار العمر في قناة LBC اللبنانية، ننشره على حلقات نقلا عن جريدة القدس.

    اللقاء سيكون من قسمين، قسم سياسي وقسم شعري. إسمح لي أن أبدأ بالسياسي. قلت قبل يومين في حديث لك مع جريدة المستقبل نعيش اليوم أجواء نكبة 1948، أو أجواء الاستقلال الفلسطيني. هذا القول يعكس تناقضاً في الرؤية السياسية لما يجري. هل يحمل أيضاً تناقضاً في الموقف السياسي تجاه ما يجري؟


    لا، التناقض ليس عندي. إنما التناقض بين موقفين يَفهَم كل منهما عملية السلام بطريقة مضادة لِفَهْم الآخر. الإسرائيليون لم يفهموا حتى الآن من عملية السلام إلاّ إنها ستطيل أمد الاحتلال وستطور المرحلة الانتقالية لتصبح بعد تعديلها، كثيراً أو قليلاً، هي الحل النهائي. الفلسطينيون يفهمون أن عملية السلام يجب أن تأخذهم الى الاستقلال والسيادة على أرضهم وإنشاء دولتهم المستقلة. هذا التناقض بين الموقفين بلغ لحظة تأزم شديدة، وخصوصاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، شارون، هو الذي أعلن أن حرب 1948 لم تنته بعد. أي أن الإسرائيليين هم الذين يخلقون أجواء نكبة الـ 48 ويهددون الشعب الفلسطيني بإضافة فصل جديد الى سِفر النكبة، بينما الفلسطينيون يرون في الانتفاضة الحالية وفي التحرك الشعبي الفلسطيني الحالي بداية لمعركة الاستقلال. إذن الإسرائيليون يريدون أن يعيدونا الى نقطة الصفر، الى البداية، والفلسطينيون يريدون أن يوصلوا هذه العملية الى مداها، وهو الاستقلال الفلسطيني. وكل طرف مُصرّ على موقفه، وهناك صراع إرادات مفتوح على شتى الاحتمالات وعلى شتى السيناريوهات.


    فهمت من حديثك مع جريدة المستقبل أنك يوماً متفائل جداً، ويوماً متشائم.

    الموضوع لا يخص طريقة النظر الى الأشياء، ولا يخص تفاؤلي أو تشاؤمي. الإسرائيليون يريدون أن يعودوا الى نقطة البداية في الصراع، أي الى أجواء الـ48 التي تعني الإجهاز على طموحات الشعب الفلسطيني وتشريده، والفلسطينيون عقدوا العزم على أن ينالوا الاستقلال. التناقض هو في الموقفين وليس تناقضاً ذاتياً. أمّا إذا كنت متفائلاً أو متشائماً فأنا متفائل لسبب بسيط جداً، وهو قدرة الشعب الفلسطيني على تقديم ما يشبه المعجزة تجاه تطبيق حقه في الاستقلال، وقدرة الشعب الفلسطيني على التكيّف حتى إزاء المعاناة والعذاب من أجل أن يوصل الأزمة الى حل يلبي مطالبه الوطنية، ولكني متشائم كثيراً تجاه النوايا الإسرائيلية.

    تقول أنك متفائل بقدرة الشعب الفلسطيني. هل هو قادر على تحمل تهجير ثان يشبه الـ 48؟
    طبعاً لا يمكن تحمّل تهجير آخر. وعلى هذا يدور الصراع. ومن هنا الشعب الفلسطيني يبذل كل هذه التضحيات من أجل تجذير وجوده في وطنه، ومن أجل تجذير عناصر الكينونة الفلسطينية، والكيانية الفلسطينية التي نشأت في الأعوام الأخيرة. أمّا الإسرائيليون، إذا كانوا فعلاً يريدون أن يقيموا علاقات جديدة، فعليهم التخلي عن عقليتهم الاحتلالية الكولونيالية، وعن إفراطهم في التوجه نحو العنصرية. من الواضح أن ميل المجتمع الإسرائيلي في هذه اللحظة هو نحو التفرد، ونحو العنصرية، ونحو عدم الاعتراف بالآخر الفلسطيني. لكن هذه المسألة ليسوا أحراراً فيها بلا حدود، أي أنهم خاضعون لتأثيرات، سواء كانت إقليمية أو دولية، والأمر متعلق بتطور علاقات القوي أو بتغيرها لمصلحة الحق العربي والفلسطيني، وبمدى انخراط نظام العالم العربي أيضاً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يجب ألاّ يبقي هذا العالم متفرجاً على المسلسل الدموي الذي يراه كل يوم.


    قلت ذات يوم، قبل 3 أو 4 أعوام، أرادونا أن نفتح لهم أبواب العالم العربي للمتاجرة وإقامة علاقة دبلوماسية. لا بأس، ولا مشكلة في أن عرفات وافق على أن يكون بواباً، لكن يجب أن نطلب ثمناً لائقاً. هل تعتقد أن الرئيس ياسر عرفات يستطيع الآن أن يطلب ثمناً لائقاً لشهداء الأقصي مثلاً؟

    الرئيس ياسر عرفات يمثل الشعب الفلسطيني، وهو القائد الوطني لحركة التحرر الفلسطينية، وهو جزء من هذا الشعب، ولا يستطيع أن يكون طرفاً مضاداً لحقوق شعبه ولمشاعر شعبه. هو يمثل هذا الشعب، ولا يستطيع أن يتخلي عن حقوقه، ولا يريد أن يتخلي. أنا لا أجد ضرورة لوضع الشعب الفلسطيني في طرف، وياسر عرفات في طرف آخر. عندما نتكلم عن الحركة الوطنية الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات نتكلم عن وحدة شعب، ووحدة سلطة في هذه اللحظة. في الكلام الذي اقتبسته كنت أقول إن ثمن السلام الفلسطيني الإسرائيلي، أو ثمن ما تم التوصل إليه في أوسلو، كان يمكن أن يكون أفضل لو أدركنا مدى حاجة الإسرائيليين الى هذا الاتفاق مع الفلسطينيين. لكن هذا موضوع آخر. بهذا المعني، الثمن الذي تريدونه الآن في مقابل السلام، إذا عدتم الى المفاوضات، سيكون أكبر، لأن شهداء كثيرين سقطوا في الانتفاضة. بمعني آخر، هل سيكون الرئيس عرفات مضطراً، في بعض المواقف السياسية، الى أن يكون مع موقف الشارع؟ موقف الشارع ليس صحيحاً دائماً. لا، الشارع لا يحدد السياسة، لكن هناك وحدة فهم ووحدة مواقف بين الشارع والسلطة، لأن معركة الانتفاضة هي معركة تخص كل الشعب الفلسطيني، والقيادة الفلسطينية جزء من هذه المعركة. أمّا موضوع الثمن، فالموضوع ليس كم هو ثمن الشهداء. الموضوع هو أن هناك شعباً له مطالب محددة، وملتزم باتفاقية سلام محددة، ولن يتوقف عن النضال والعمل إلاّ عندما تتحقق حقوقه.

    تحدثت عن الركود في الأنظمة العربية، أو في الدول العربية، لكن في بداية الانتفاضة تحرك الشارع العربي كثيراً. هل تعتقد أن الشارع العربي إذا تحرك مرة ثانية قادر على أن يفرض إرادته على الأنظمة، أم أن هذا مستحيل؟

    في الحقيقة، الشارع العربي أعطي الفلسطينيين في بداية الانتفاضة زخماً عالياً من المعنويات، وأخرجهم من الشعور بأنهم وحدهم، وبأنهم معزولون ومحاصرون. ودرجت اللغة السياسية الأدبية على القول إن الروح عادت الى الجسد العربي، والى المعاني الوطنية والإنسانية الأساسية والكبري. وكان هناك إمكان أن يضغط هذا الشارع من أجل إيصال هذه العملية الى مدى أبعد، لكن الإسرائيليين استطاعوا أن يخلقوا جواً من الخوف المشترك مع النظام العربي من تداعيات الانتفاضة بالنسبة الى الأوضاع الداخلية. المسألة ستبقي ضمن هذه الجدلية، الإسرائيليون لن يغيّروا أنفسهم من تلقاء أنفسهم، وإسرائيل لن تغير موقفها من دون ضغط أمريكي، والضغط الأمريكي لن يتم ما دام النظام العربي في مثل هذا العجز، والنظام العربي لن يتحرك إلاّ إذا تحرك الشارع العربي. المعادلة مركّبة، لكنها أيضاً بسيطة.

    إلى أي مدى، في اعتقادك، يمكن أن يذهب شارون؟ هو يهدد بنكبة مثل نكبة 48، وبتهجير الفلسطينيين، ويهدد بأنه سيطرد الرئيس ياسر عرفات وكل السلطة. ماذا يعني بكل ذلك؟

    من المعروف أن أرييل شارون قادر على ارتكاب أي خطأ أو خطيئة، وتشعرين بأنه متحفز للوقوع في مزيد من الأخطاء والجرائم، لكنه ليس حراً في التحرك استجابة لغرائزه ونزعاته الدموية لأن ظروفاً كثيرة تجعل المجتمع الدولي والأمريكيين يلجمونه كي لا يذهب بعيداً في تحطيم القاعدة التي تتحرك عليها عملية السلام. من هنا نأخذ تهديده على محمل الجد، لكن يجب ألاّ يثير فينا الفزع. أعتقد أن القضاء على السلطة الفلسطينية مصطلح غامض. ما معني القضاء على السلطة الفلسطينية؟

    يعني خروج ياسر عرفات من الأراضي الفلسطينية والقيادة كلها معه. ماذا سيحدث عندئذ في فلسطين؟

    هذا سيناريو محتمل، غير إني لست من الميالين الى تصديق هذه المسألة. أنا لا أعتقد أن الوضع الدولي والإقليمي سيسمح لشارون بإبعاد الرئيس عرفات عن فلسطين. لكن في حال تم ذلك سيكون هناك تصعيد من جانب الشعب الفلسطيني في انتفاضته، وستكون هناك فوضي أكثر ليس في مصلحة الإسرائيليين أن يروها.

    بمعني آخر أنت تري سقوط شارون ممكناً؟

    طبعاً، ممكن سقوط شارون.

    بالنسبة الى الانتفاضة، من الممكن توجيه النقد الى بعض الأساليب التي تستخدمها. مثلاً، العمليات الانتحارية التي تؤذي المدنيين الإسرائيليين. هل أنت مع هذا النوع من العمليات؟

    الإنسان الانتحاري، أو الاستشهادي، يقدم أثمن ما يملك من أجل التعبير عن ارتباطه بحريته وبوطنه. وبالتالي هذا الإنسان غير معرض للنقد. فلا نستطيع أخلاقياً أن ننتقد إنساناً يقدم حياته كلها من أجل هدف محدد. الخلاف يدور في منطقة أُخري، ليس في منطقة علاقة الإنسان بطريقة تضحيته بنفسه.

    قصدك النتيجة السياسية؟

    النتيجة السياسية ومقدار الأذي الذي يمكن أن يسببه العمل ضد مدنيين إسرائيليين.

    يعني أنت مع تحليل كل العمليات الانتحارية؟

    أنا لا أُحلل، ولا أُحرّم. أنا لست في موقف من يحرّم، أو يحلل، أو يصدر فتوي. لكن أقول لك إنني لا أستطيع أن أُجري محاكمة أخلاقية لإنسان يقدم حياته كلها من أجل الدفاع عن وطنه وعن حريته. إذن يجب أن أتعاطف مع هذه القدرة على العطاء. أمّا المردود السياسي فهذا سؤال آخر.

    بصراحة، أما كنت تفضّل أن تبقي الانتفاضة بالحجارة فقط؟

    الانتفاضة في جوهرها هي انتفاضة شعبية سلمية، لكن التعامل الإسرائيلي معها جعلها تتطور إلى أشكال أُخري. إلى السلاح. العنف الإسرائيلي هو الذي طور الانتفاضة الى استخدام السلاح.

    أراني أسألك أسئلة سياسية من هذا النوع على الرغم من أنك خرجت قليلاً من اللعبة السياسية الفلسطينية. أنت لم تقبل بمنصب وزير في حكومة السلطة. الى أي مدى أنت في قلب الحدث؟

    الإنسان يمكن أن يكون في قلب الحدث من دون أن يكون وزيراً.

    كيف؟ كيف يشارك محمود درويش اليوم في القرار السياسي؟

    أنا لا أشارك في القرار السياسي.

    أبداً؟

    لا أشارك في القرار السياسي لأني لست في موقع مشاركة في القرار السياسي. أنا مواطن فلسطيني يعيش في رام الله وعلى اتصال دائم بمجتمعه، وعلاقاتي برجال السلطة أو بالوزراء علاقة ممتازة، وبالتالي النقاش بيننا مستمر، والأخذ والرد فكرياً مستمر. بهذا المعني، لي رأي، وأستمع الى آرائهم ويستمعون الى رأيي. أمّا أن أكون في المطبخ السياسي، أن أشارك في القرار على المستوي الرسمي، فلا.

    لماذا رفضت؟

    لأن ذلك لا يتفق مع طبيعتي.

    كنت وزيراً في حكومة منفي.

    لم أكن وزيراً.

    كنت وزير ثقافة في حكومة المنفي، أول حكومة.

    لا، لم أكن وزيراً، ولم تكن هناك وزارة أصلاً. أنا انتُخبت عضو لجنة تنفيذية، لكن لم أكن مسؤولاً عن الملف الثقافي ولا عن أي ملف آخر.

    بعد أوسلو قدمت استقالتك، ألا تعتقد أنه كان عليك أن تكون في المطبخ السياسي، لأن عليك واجباً كمثقف وشاعر فلسطيني؟

    أنا قمت بواجبي على مختلف الصعد. لكن القيام بالواجب ليس مشروطاً بأن يكون المرء في الوزارة. أولاً، وبكل بساطة، أنا غير مؤمن بقدرتي على أن أكون وزيراً. لديّ تحفظات كبيرة تجاه أوسلو، ولا أستطيع أن أكون وزيراً في حكومة قائمة سياسياً على أساس أوسلو وبرنامج أوسلو. لكن الحديث عن أوسلو الآن لا معني له.

    لماذا؟

    لأنه أصبح من الماضي وأصبح من اختصاص المؤرخين. إن أوسلو أصبح واقعاً موجوداً، وأنتج واقعاً تنظيمياً وهيكلياً وإدارياً موجوداً على الأرض. فالنقاش في شأن صحة أوسلو، أو خطأ أوسلو، أصبح خارج جدول الأعمال.

    هل كنت تتوقع أن تحدث مثل هذه الانتفاضة؟

    للأسف، توقعت أن الطريق أمام تنفيذ الاتفاق لن تكون سهلة أبداً، وستوصلنا الى مأزق بسبب غموض البنود وعدم وضوح العلاقة بين الوضع الانتقالي والوضع النهائي وكثير من الأمور الأُخري. لكن، كما قلت لك، هذا أصبح واقعاً.

    كيف هي علاقتك بالرئيس ياسر عرفات؟

    علاقة ممتازة.

    هل تلتقيان؟

    نعم، أقابله كثيراً.

    هل هو مرتاح؟

    ياسر عرفات رجل قوي، لكنه قلق أيضاً. وياسر عرفات على المستوي الوطني، وعلى مستوي صورته، وعلى مستوي مكانته، هو في أحسن حالاته الآن.

    كيف؟

    لأن الفجوة التي تنجم عادة بين السلطة والشعب، في مراحل الحياة العادية، أُغلقت بعد عدم رضوخه للضغط الإسرائيلي من أجل قبول ما لا يمكن أن يقبله، وهو تحويل الحل الانتقالي مع تطويره الى الحل النهائي. لم يقبل التخلي عن القدس، ولم يقبل التخلي عن حق العودة، ولم يقبل التخلي عن أراض تخص الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتالي مكانته في مجتمعه في تصاعد.

    أداؤه السياسي في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أثار انتقادات كثيرة. الانتفاضة، موقف عرب، عدم إعطاء باراك شيئاً ما قبل الانتخابات، كل ذلك أدي الى سقوط باراك. ألا تعتقد أنكم مسؤولون، الى حد ما، عن إيصال أرييل شارون الى الحكم؟

    لا. هذه تهمة يوجهها إلينا حزب العمل، أو ما يُسمي اليسار الإسرائيلي، أن عدم قبولنا الشروط الإسرائيلية سيسقط باراك، وكأن القضية الوطنية الفلسطينية تتلخص في أنه من أجل إنقاذ باراك، ومن أجل ألاّ يأتي شارون، علينا أن نتخلي عن حقوقنا الوطنية. هذه معادلة لا نقبلها.

    ولكن هناك شيئا اسمه تكتيك سياسي.

    طبعاً التكتيك السياسي لا بد منه، لكن ليس الى حد التضحية بحقوقنا من أجل المشاركة في اللعبة الإسرائيلية الداخلية. الذي أسقط باراك فعلاً ليس عرب، وليس موقف السلطة الفلسطينية، وإنما الناخب اليهودي في إسرائيل، لأن باراك خسر كل الثقة ولم يف بشيء من برنامجه الانتخابي. وبالتالي باراك كان ساقطاً، والصوت العربي لم يكن قادراً على إنقاذه.

    كان لدينا شعور وقت كامب ديفيد، أن التوصل الى اتفاق كان ممكناً. والمفاجأة كانت أن الوفد الفلسطيني لم يوقع شيئاً ولم يقبل بشيء. هل هذا الشعور خطأ؟

    هذا الشعور أصبح نوعاً من الديانة السياسية في العالم القول إن الفلسطينيين أضاعوا فرصة ثمينة في كامب ديفيد لأنهم رفضوا عروض باراك السخية والكريمة. وأينما تذهبين في العالم، أي مواطن أجنبي، سواء كان صحافياً أو مواطناً عادياً، يلوم الفلسطيني لأنه رفض فرصة تاريخية تتمثل في أن باراك عرض على الفلسطينيين 49% من الأرض الفلسطينية وهم رفضوا ذلك، ويتعجبون: كيف ترفضون الـ49/؟ وصارت المسألة كأنها مسألة نسب مئوية. أولاً، مبدئياً، يجب أن يرفض الفلسطينيون مبدأ التنازل عن أرض الضفة الغربية لإسرائيل، لأن عملية السلام مرجعيتها تقوم على أساس الانسحاب الكامل من أراضي 1967 ثانياً النسبة المئوية كلام خادع. ما هي الوحدة الجغرافية المتوفرة في هذه النسبة؟ ثم ما هي مصادر المياه الموجودة فيها؟ وهل هي أرض خصبة، أم غير خصبة؟ دول كثيرة تعيش على 5% فقط من أرضها.

    هذه تفاصيل...

    الشيطان يكمن في التفاصيل، مثلما يقول الأمريكيون. هذه كلها عبارة عن ألغام. ولن نتخلي عن القدس. هو أراد أن يحتفظوا بما تحت الحرم ولنا ما فوقه، أي لنا الطابق الثاني ولهم الطابق الأول، والطريق الى الحرم ليست لنا. وموضوع اللاجئين لم يحدث فيه أي تقدم. فإذن هناك خديعة كبري في العالم اسمها كرم باراك الذي رفضه الفلسطينيون.

    أريد أن أذكرك بما قلته في ديوانك أحد عشر كوكباً قليل من الأرض يكفي لكي نلتقي ويحل السلام.

    نعم، وماذا في ذلك؟

    أنا أسألك، هل تستطيع أن تكتب هذا البيت من الشعر اليوم؟

    أولاً، هذا السطر مأخوذ من نص شعري طويل يتحدث عن سنة 1492، عن سقوط غرناطة في هذا التاريخ، وعن السجال الدائر في قصر الحمراء بين من يريد أن يقبل الشروط من أجل الخروج من الحمراء وبين من يريد أن يقاتل حتى الانتحار. فهذه القصيدة تتكلم عن حدث جري قبل 500 عام.

    هذا يشبه ما يحدث في القرن الحادي والعشرين.

    هذا السطر بالذات هو جزء من مقطع في قصيدة حب، أي نعم، من أجل العشاق قليل من الأرض يكفي، لكن من أجل الشعوب والأوطان هذا لا يكفي.

    ألا تعتقـــــد أنك في قصـــيدة محمد الدرة رجعت قليلاً الى الشـــــعر المباشر، الى القضـــــية الفلسطينية، بينـما كان مشروعك في الدواوين الأخيرة أكثر عالمية.

    صحيح. الحدث وعلاقته بالشعر علاقة مرتبكة ومعقدة وجدلية كثيراً. هناك رأي يستبعد تماماً اقتراب النص الشعري من الحدث، ويشترط وجود الشعرية في هذا الابتعاد، وهناك رأي يقول إن المسألة ليست على هذا النحو لأن الحدث يؤثر في الشاعر وفي كل إنسان بطريقة مختلفة. فإذن ليس شرطاً للكتابة عن الراهن أو عن الحدث أن نبتعد عنه، ليست هناك قاعدة عامة. الحدث يترك آثاره النفسية والعاطفية، ويخلق دلالاته في كل شخص بطريقة مختلفة. مثلاً موضوع محمد الدرة، هذا الطفل خنقني مشهد اغتياله، زج بي، بحريةٍ مطلقة، الى كتابةٍ فورية عن الحدث نفسه، وسواء أكان هذا النص يحمل سمات الحياة في زمن آخر أم لا، موضوع لا يعنيني. هناك ضغط من ضميري علىّ وعلى لغتي كي أقترب من لحظة الدراما أو العذاب الإنساني، ولا أستطيع أن أؤجل انفعالي وعاطفتي وتعاطفي واحتراقي الداخلي الى أن أخلق شروطاً أُخري للترف البلاغي ولترف الدلالات والصور الشعرية. لكن حاولت في هذه القصيدة ألاّ أسخّن لغتي الشعرية بدرجة عالية، ألاّ أتنافس لغوياً مع الحدث، لأن الحدث أقوي من أي لغة، وبالتالي برّدت اللغة وقطعت الإيقاع كي يكون وصفاً شبه موضوعي لحالة الاغتيال المؤلمة هذه.

    لم أفهم قصدك تماماً. هل تريد أن تقول إن تسخين اللغة في تناول موضوع فوري يحول القصيدة الى قصيدة شعارات، وتبريدها يبقي مواصفات الشعر؟

    لا. ما قصدته هو أنه أمام هذا الحدث القاسي لا تستطيع اللغة أن تتنافس معه، فعليها أن تتراجع بقوة الحدث نفسه، بقوة الصورة نفسها. في الموضوعات الأُخري اللغة محتاجة الى أن تصارع التاريخ أو تصارع المصير الإنساني بقوة. أمّا في هذه الحالة، أقوي شيء هو الموضوع نفسه، وأضعف شيء هو اللغة المعبّرة عنه. وبالتالي خلقت ما يشبه الحياد الموضوعي بين اللغة وموضوعها.

    هل تشعر اليوم، مثلما كنت تشعر في بداياتك، بأنك أسير الوضع الفلسطيني؟

    أسير، بمعني أني لا أستطيع، ولا أريد، أن أخرج من جلدي ولا أن أتخلي عن ارتباطي لأنه التزام، التزام بالمعني العام، التزام سياسي وجزء من هويتي. أمّا الالتزام الأدبي فهو مسألة اختيارية وشخصية، ومن حق الإنسان أن يتناقش فيه وأن يأخذ راحته. في الوضع الفلسطيني، في الوضع الحالي، الفوارق بين الخاص والعام فوارق ضئيلة جداً، والفوارق بين الذات والجماعة أيضاً فوارق قليلة جداً، لكن عليّ أن أعترف بأنه يوجد ضغط من اللحظة الوطنية على اللحظة الشعرية. كيف أحوِّل هذا الضغط الى توتر إبداعي، أمر يحتاج الى خبرة طويلة والى تدريب طويل، لأن أي إنسان، سواء كان شاعراً أو روائياً، هو ابن شرطه التاريخي. المسألة هي كيف نطوّر، وكيف نضيء، وكيف نُفتِّح الجانب الإنساني في أي حدث، وفي أي موضوع. صحيح أن الضغط الوطني على النص الشعري الفلسطيني ضغط عال، على كل شاعر أن يعالجه بطريقة لا تقتل الجماليات من أجل مصلحة الوظيفة الاجتماعية، ولا تجعله يضحي بارتباطه الحر بموضوعه من أجل أن يترك للجماليات حرية للعمل بطريقة أُخري. من هنا هذا التجاذب بين خارجي وداخلي. لكن موضوع العذاب الفلسطيني، والمصير الفلسطيني، ليس موضوعاً طارئاً عليّ. هذا الخارج الشكلي هو جوهر داخلي، والداخلي عندما يخرج أيضاً يتحول الى أكثر من أنا في مرات كثيرة. فأنا عندي حالة تمثيلية من دون أن أقصدها. موضوعياً هي كذلك، ومع ذلك على الشاعر الفلسطيني أن ينتبه أيضاً كثيراً الى تطوير الجماليات الشعرية، وأن يعرف كيف يتعامل مع الحدث بطريقة لا تقتل الشعر.

    هل يزعجك أن يكون هناك أحياناً التباس بين الشعب الفلسطيني وبينك وبين شعرك؟

    أنا محمَّل صفة تمثيلية أكثر مما يتحملها شاعر، بأي معني؟ أقصد أن نَصّي يُحمَّل بتأويلات مسبقة. عندما أكتب قصيدة حب، على سبيل المثال، كثيرون من القراء يبحثون عن التأويل السياسي لهذه القصيدة. المرأة يجب أن تكون أرضاً أو وطناً، عليّ أن أكافح فنياً بصورة خاصة كي أفك هذه القراءة المسبقة وأجعل النص سابقاً للتأويل.

    لكن تصرفك الشخصي يشجع القارئ على ذلك. أقصد، عندما رجعت القيادة الفلسطينية الى فلسطين، قلت: سأعود الى وطني والى شعبي. وأنت اليوم موجود بين مدينتين، عمّان ورام الله. تصرفك الشخصي ملتصق بتصرف الشعب الفلسطيني، وبالقرار السياسي الفلسطيني.

    صحيح، أنا لا أسعي لفك ارتباط لكن أسعي لمساحة، مساحة تعطي الحق للصوت الشخصي أن يُعبِّر عن نفسه ضمن الإطار العام. ذلك يعني أن من الممكن أن أكتب، ويجب أن أكتب، في موضوعات لا تخص القضية الفلسطينية كمشكلة سياسية. وأنا أنظر الى هذه المنطقة التي أبحث عنها على أساس تطوير، أو إضاءة البعد الإنساني في الشخصية الفلسطينية المقاومة الإنسان الفلسطيني يخاف من الموت، يحب، يشعر بالبهجة من تفتح شقائق النعمان، يشعر بالحزن لسبب أو لآخر. فإذاً هذه الإنسانيات الفلسطينية يجب ألاّ توضع دائماً تحت استعارة سياسية. في داخلها إنسان عنده مشكلاته الوجودية، عنده الخوف من الموت، عنده أسئلة ميتافيزيقية يجب أن يعبّر عنها بحرية من دون أن يُتهم بأنه ابتعد عن نفسه، أو أجري شرخاً ما بين ذاته وبين الجماعة.

    بدأت الأسئلة ترد من مشاهدي البرنامج. سؤال من الناصرة، هل لا تزال من المؤمنين بضرورة إيجاد قناة اتصال بين الفلسطينيين واليسار الصهيوني؟

    مهما يخيّب الإسرائيليون أملنا بهم، علينا ألاّ نتخلي نحن عن فكرة السلام. ومهما يتذبذب المجتمع الإسرائيلي على الفلسطيني أن يتمسك أكثر بضرورة التأثير في المجتمع الإسرائيلي، لأن السلام في الأساس سيتم بيننا وبينهم، والحرب هي أيضاً بيننا وبينهم، فالتوجه الإسرائيلي نحو اليمين أو نحو الوسط لا يلغي ضرورة أن يُبقي الفلسطينيون على قناة مع أي إسرائيلي، ومع أية حركة إسرائيلية تقترب من فهم الحق الفلسطيني بشكل أكبر.

    حتى مع الانتفاضة؟ ألا تخاف من تخوينك مثلاً في الجو الموجود حالياً في العالمين العربي والفلسطيني؟

    كيف أُخوَّن إذا كنت أدعو الى تغيير الوعي الإسرائيلي وتقريبه من فهم الحق الفلسطيني؟ ثم إن هذين هما مجتمعان لا بد لهما من العيش أحدهما مع الآخر في آخر الأمر. لا يمكن أن نتصور مستقبلاً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دون أن يكون هناك نوع من التعايش والحوار بين المجتمعين.

    مشاركتك في حوارات ثقافية بينكم وبين اليهود الأوروبيين، هل تعتقد أن هذا يمكن أن يكون بديلاً من الحوار الموجود في السياسة؟ أو أن يؤثر فيه؟

    أنا لم أشارك حتى الآن في أي حوار بين مثقفين إسرائيليين وفلسطينيين، مع أنني لا أرفض فكرة الحوار.

    لكن مع اليهود الأوروبيين.

    جرت حوارات طويلة في باريس خلال الانتفاضة الأولي مع شخصيات بارزة من الجالية اليهودية في فرنسا وبعض الشعراء هناك. وكان الهدف من اللقاءات والحوار تعريف شخصيات الجالية اليهودية بمطالب الجانب الفلسطيني وأحداث انتفاضته في ذلك الوقت، وتم حواران ثم انقطع الحوار فيما بعد.

    ألا تعتقد أن هذا ضروري اليوم؟ بديل؟ هل أنت مستعد لذلك، أو تعتقد أن الوقت لم يحن بعد؟

    من حيث المبدأ لا نستطيع أن نرفض أي حوار يفيد تطوير وعي الآخر بحقوقنا. هذا مبدأ. أمّا لو كنت قادراً أنا شخصياً أو قابلاً للدخول في هذا الحوار، هذا سؤال آخر.

    هل أنت على استعداد للقيام بهذا النوع من الحوار؟

    ربما لا، ربما لا.

    إذا سمحت، لنتكلم قليلاً عن المدن وعلاقتك بالمدن، وعودتك الى المدينة التي كبرت فيها. عدت الى حيفا عودة الفاتحين. لم يبق هناك وسيلة إعلامية عالمية أو إقليمية إلاّ حكت عن هذه العودة، عودة الفاتحين دائماً الى المدن. كما عدت الى دمشق بعد أعوام من الانقطاع عنها عودة الفاتحين. وعدت الى بيروت قبل عام أيضاً عودة الفاتحين. اليوم أراك عائداً بخفر أكبر، هل تغيّرت علاقتك بالموضوع؟

    أولاً، إسمحي لي بأن أُصحح. لم أدخل حيفا دخول الفاتحين.

    كان الناس ينتظرونك في الشوارع والطرقات.

    صحيح، أهلي وشعبي استقبلوني استقبالاً حماسياً، لكن في داخلي كنت حائراً هذه ليست عودة، لأنني دخلت حيفا والجليل، الذي هو وطني الشخصي، دخول الزائر، أعني دخلت بإذن، وهذا ما يؤلم، بإذن خاص لمدة ? أيام للمشاركة في جنازة إميل حبيبي، ولولا جنازة إميل حبيبي لما سُمح لي بالدخول. لذلك لم أدخل بشعور امتلاء حقيقي. دخلت بمزيج من الإحساس بالانكسار والإحساس بالحنين. الحنين دائماً موجود، لكنه كان دخولاً خجولاً. عندما رأيت المكان شعرت بأني حصلت على حياة جديدة، على حياة أُخري. من هنا أدركت أن لا علاقة حقيقية بالمكان إلاّ إذا كانت هناك ذاكرة في هذا المكان يحملها صاحب المكان. أي مكان ليست لك فيه ذاكرة يبقي مكاناً عابراً، وتبقي إقامتك فيه إقامة عابرة من دون أن تتغلغل في نسيج البنية النفسية الداخلية. فعلاقتي بالمدن الآن أصبحت علاقة باردة. ولكن تعبت من الترحال، وأتمنى أن أبقى في مكان واحد.

    أنت الآن لست في مكان واحد.

    أنا تقريباً في مكان واحد هو رام الله .

    هذه مدينتك اليوم؟

    هي مدينتي اليوم. لكن إذا سألتِ عن مدينتي الشخصية، فهذه ليست مدينتي، لأنه لم تكن لي بها علاقة من قبل، لا توجد لي ذكريات في رام الله، أنا أقيم بها، وفضيلتها ونعمتها أنها جزء من بيتي.

    حلوة؟ مبسوط فيها؟

    فلسطين حلوة في كل الأماكن، لكن فلسطين أجمل عندما يكون لها قوام جغرافي واحد.

    أين مدينتك الحقيقية؟ المدينة التي يمكن أن تقول فيها، هذه هي مدينتي.

    أنا لم أولد في عكا أو حيفا، أنا ولدت في قرية قريبة من عكا. لكن مدينتي التي اخترتها في مطلع شبابي، وعشت فيها هي مدينة حيفا. قد تكون حيفا أو عكا هما أحب مدينتين الى قلبي وأتمني أن أعيش فيهما.

    صرت مؤخراً تكتب قصائد أو كتاباً في موضوع ما، وكأنما تكتب ملحمة شعرية. من قبل كنت تكتب قصائد تسميها قصائد غنائية، لا أدري لماذا. هل هذا تحوّل في مشروعك الشعري، أو ستعود الى القصائد الغنائية، أو أن هذه مرحلة معينة؟

    فعلاً أنا منذ فترة، منذ أوائل الثمانينات، لا أكتب قصائد متفرقة أجمعها فيما يسمي ديوان، وإنما أعمل على كتاب مخطط له في موضوع بصيغة معينة محددة، ولا أنشر أي شيء قبل أن يكتمل العمل في كتاب، لأن هذا جزء من تجربتي الجديدة وعملي الجديد، وجزء كبير إذا جاز التعبير من مشروعي الشعري. لكن حتى في هذا المشروع الشعري هناك قصائد غنائية. أنا لم أتخل، ولا أستطيع أن أتخلي، عن الغنائية بمعناها الحديث، ليس بمعني الشعر الذي يكتب كي يُغنّي، وإنما الأنا الغنائية بمعني صوت الفرد، صوت الأنا، في علاقة هذا الفرد وهذه الأنا بوجودها ومحيطها وتاريخها وما حولها. وأنا حريص، منذ البداية، على ألاّ أتخلي عن أثمن ما في الشعر العربي، وهو سمته الإيقاعية. لكن أحياناً أُخفي هذا الإيقاع كي أُجري شيئاً من المصالحة بين السرد النثري والإيقاع الشعري. أحياناً يبدو النص بصرياً كأنه نثر، أنثر الشعر كي يبدو أنه قريب من النثر، لكن هذا جزء من تأمل إيقاعي لخلق مصالحة ما بين النثر والشعر.

    قلت قبل يومين إن قصائدك يجب قراءتها بصوت عال. هذا الإيقاع الصوتي الذي نتحدث عنه، هل يعني أن العالم العربي هو سمعي أكثر منه بصري؟

    هذا ليس سمة للذائقة العربية وحدها. الشعر إذا تخلي عن إيقاعه لا يعود شعراً، مهما يكن مصدر الإيقاع، سواء أكان المصدر داخلياً، أم خارجياً، أم آتياً من الوزن، أم كان من غير وزن. لا بد من أن يكون للشعر إيقاع خاص، لأن هذه هي خصوصية تعريف الشعر، هو أنه كلام له إيقاعه كجزء من بنية القصيدة نفسها، وهو مكوِّن أساسي في القصيدة سواء أكانت عربية أم غير عربية. شعر من غير إيقاع لا يُعرَّف جنسه.

    لكن هناك شعرا بلا إيقاع، أو أننا لا نحس بإيقاعه. بعض الشعراء يقولون إن إيقاعه داخلي.

    حتى النثر فيه إيقاع، النثر الراقي، النثر الفني، الذي هو أعظم من الشعر في رأيي، فيه إيقاع. النص القرآني غني جداً بالإيقاعات. إذن الإيقاع موجود لا عن طريق الوزن وحده، بل أيضاً عن طريق العلاقة بين الصوت والدلالة وعلاقة الكلمات ببعضها والحروف ببعضها. فالإيقاع مصادره متعددة، والوزن، في رأيي، هو مجرد أداة قياس للتناغم بين الإيقاعات. لذلك، الشعر لا يمكن أن نعثر على إيقاعه بصرياً، وخصوصاً الشعر الحديث الذي فيه تجارب إيقاعية متعددة. لذلك فإن امتحان وجود إيقاع أم لا يتم عن طريق الأُذن. أنا، مثلاً، عندما أكتب، لا أتأكد من جمالية الإيقاع لا من سلامته لأنني متأكد من أن إيقاعي سليم إلاّ عندما أقرأ بصوت عال. بعض الناس يقولون إن هذا ذهاب نحو المنبر. لا، الأمر ليس كذلك. لكن يجب أن أسمع بنفسي احتكاك الكلمات ببعضها، والحروف ببعضها، وكيف تشكل إيقاعها، وكثيراً ما كنت في السابق أسجل ما أكتبه على شريط وأستمع الى الشريط، وبناء على ما كنت أسمعه كنت أُجري تعديلات إيقاعية.

    ما زلت حتى اليوم؟

    لا.

    ماذا تفعل الآن؟

    الان أدندن. أدندن بعض السطور للتأكد من وجود إيقاع لا يبدو أنه موجود، ولكنه موجود. هذه التجربة، هذه المصالحة بين النثر والشعر تحتاج الى اختبار، والاختبار لا يتم عن طريق المشاهدة البصرية، ولا بد من أن يتم عن طريق المشاهدة السمعية، إذا جاز التعبير.

    شعر موسيقي بمعني آخر

    لا بد من الموسيقى.


    قسم التحقيقات
    27 10 2001
                  

06-17-2002, 02:46 PM

bunbun
<abunbun
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1974

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار العمر مع محمود درويش(1) و (Re: أبنوسة)

    شكرًا حميمًا للاخت العزيزة ابنوسة

    والتحية للشاعر التقدمي محمود درويش


    ابنوسة ننتظر المزيد
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de