أربعة عشر عاماً علي الإنقاذ السودانية (2-2) - د. صلاح آل بنـدر - كيمبردج

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 09:27 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-11-2002, 07:24 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18728

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
أربعة عشر عاماً علي الإنقاذ السودانية (2-2) - د. صلاح آل بنـدر - كيمبردج

    - الترابي سلّم بأن لا طريق لنقل حزبه من مجموعة هامشية إلي قوة سياسية إلاّ بتحويله إلي حركة جماهيرية
    تقترب الذكري الرابعة عشرة لاستيلاء (الجبهة القومية الإسلامية) بقيادة الدكتور حسن الترابي علي الحكم في السودان؛ وتمر السنوات وما زالت البلاد في مفترق طرق. يتراوح تأرجح البدائل فيها بين المشاركة الواسعة والانفتاح السياسي، وبين التدبير لانقلاب قصر يدخل البلاد في نفق آخر. وتسير ببطء، عبر محاور عدة، الخطوات التدريجية نحو خنق نظام الخرطوم تمهيداً لإسقاطه. يحدث ذلك في وقت لا تدري قياداته السياسية كافة إلي أي طريق ستختار عربة (الإنقاذ) بقيادة علي عثمان محمد طه، حتي تواصل مسيرتها بأمان، وتحقق طموح مشروعها (الحضاري). وتبتعد قوة رئيسية حاسمة من الحركة الإسلامية عن مسيرة (الإنقاذ)، ويبدو بندول القوي التقليدية الطائفية يتأرجح بين الاقتراب منها والابتعاد، وما زالت محاولات توسيع قاعدة المشاركة السياسية تراوح مكانها. ويزيد من الاضطراب وعدم وضوح الرؤيا حالة العجز الواضح التي تعصف بالمعارضة ممثلة في (التجمع الوطني الديمقراطي)، واستمرار (حركة تحرير شعوب السودان) في تنفيذ خطتها في تأسيس قدرات دولة وإدارة مدنية في جنوب السودان، وتتواصل انفجارات الحرب الأهلية غير المعلنة في دارفور بشكل أكثر ضراوة، وتواجه استمرار فشل مبادرتي الإيغاد والمشتركة (الليبية ــ المصرية) في الاقتراب من دائرة السلام. بشكل عام تجد (الإنقاذ) نفسها في موقف لا تحسد عليه، فهي تبدو (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً).
    محاولات رئاسة الجمهورية لتمرير النكوص عن (مذكرة التفاهم) بين حزبي الترابي وقرنق كأحد شروط مرحلة (التطبيع) هدفه قطع الطريق علي تطور استراتيجي قومي يستهدف كافة القوي السياسية السودانية. ولا يعني (المؤتمر الشعبي) وحده. ويعكس الخوف العميق والرعب المستبطن الذي تستشعره القيادة الحاكمة بجناحيها لما توفره هذه العلاقة الاستراتيجية من منبر وفاقي بديل صالح لتوسيع شراكته يتجاوز حالة التشكيك وعدم الثقة التي تواجهها كافة القوي السياسية السودانية. فالغالب الآن ان مصداقية الصادق المهدي وقرنق والميرغني وكافة القوي السياسية السودانية تعصف بها الأهواء والأنواء يميناً ويساراً. ولكن (مذكرة التفاهم) هي المنبر الذي إذا تم توسيعه وتطويره سيكون هو البوتقة التي تستعيد فيه القوي السياسية السودانية مصداقيتها وثقتها للحفاظ علي الكيان السوداني.
    تجارب السودان أوضحت من دون لبس ان القوة المادية لأي اتفاق سياسي وضمانته هي في توازن القوي ومصلحة كل قوة سياسية شاركت فيه، ولا يمكن حصر الموضوع في مجرد أوهام الأمانة وحدود الأخلاق. ونحن علي قناعة راسخة بأن كافة الاتفاقيات خاضعة للتغيير والمراجعة. وان الشقاق والتناحر السياسي والحروب الأهلية ستستمر حتي تكتشف القوي السياسية السودانية بأن السلام والاستقرار السياسي لا يتحققان إلا عبر الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة فيه في إطار الديمقراطية والتنمية. ان مصلحة (المؤتمر الشعبي) و(حركة تحرير شعوب السودان) وكافة القوي السياسية التي تؤمن في سودان مختلف عن مشروع (الإنقاذ الحضاري) والتي تطمح في بلد يسع كل السودانيين، كياناً موحداً يطلق العنان لهذا المارد الإقليمي المكبل، تتمثل في توسيع (مذكرة التفاهم) وتقنينها في فكر الممارسة السياسية السودانية.
    تـطور الاتفاق
    تري رئاسة الجمهورية ان السير بهذا الاتفاق الوفاقي يستدعي خلق كيان تنظيمي مؤقت يعكف علي إنجاز المهمة التوحيدية للحركة الإسلامية حتي تتمكن من المحافظة علي مكتسباتها (الإنقاذية). وتري ان المعالم الرئيسة لنظام أساسي جديد هو إعلان التوحد في مؤتمر عام يلتزم فيه بتقاليد النظم الأساسية للحركة الإسلامية عبر تاريخها من (حاكمة الجماعة ولا مركزيتها وفاعلية تنظيمها وأماناتها، مع نظم العلاقة مع الدولة). ويضع الاقتراح يده علي حالة الضعف التي تواجهها (الانقاذ) حالياً في ابتعاد كيانات داعمة علنية كالطلاب والنقابات والشباب وسرية كشعب الأمن (الخاص) بالحركة الإسلامية المنقسمة. ولعل من المدهش ان تشترط وثيقة الإصلاح التي قدمتها رئاسة الجمهورية علي ان تستثني من أي مراجعات تنظيمية أوضاع رئيس الجمهورية الجنرال عمر البشير ونائبه علي عثمان إلي نهاية ولاية رئاسة الجمهورية العام 2006. وأضافت إلي ذلك إعلان التوحد الكامل حتي يتسني اختيار القيادات الجديدة للدولة وللتنظيم السياسي، هذا بالإضافة إلي وجود لجنة تحكيم من (عدول ثقات ومن أهل الخبرة).
    المأزق هنا ليس في إحلال هيكل تنظيمي انتقالي، ولكن الحرص أيضاً في الحفاظ علي ركائز توازن القوي الحالي وفي نطاق الخطوط الحمراء التي تلزم الفترة الانتقالية الوفاقية وما يليها من توحيد للحركة الإسلامية. مقتل هذه المبادرة في انفصامها في معالجة التناقضات بين قيادة حزبية شورية وقيادات تنفيذية تستند الي أجهزة فرض وقمع، وتتصرف في آليات جهاز الدولة دون حسيب أو رقيب. هذا الانفصام هو الذي أدخل مشروع (الإنقاذ الحضاري) في متاهات الخلاف وسارع بانهيار وحدتها التنظيمية وتباين زوايا تناولها الفكري ونهجها العملي. حصيلة كل ذلك هو إضعاف شوكة الحركة الإسلامية ومصداقيتها الفكرية والسياسية ووحدتها.
    وهـم السلطة
    مأزق مبادرة رئاسة الجمهورية هو حرصها علي تأمين موقعها وموقفها في وقت تحيط بها الشبهات من كل جانب. فمقدموها صاروا في عيون شيوخ وشباب الحركة الإسلامية رموزاً (لخيانه العهد والميثاق)، تجاوزوا تقاليد مرعية واعتبروا قراراتها (مواجهات هادية وليست أوامر ملزمة) في دهاليز السلطة. وبالتالي لا يمكن اعتبار أنها ستفتح الطريق المغلق نحو توحيد الحركة الإنقاذية (وتمكين سلطانها المعنوي والمادي، ولتوحيد الصف الوطني بالدعوة لإنشاء حلف واسع وإنشاء حكومة ذات قاعدة عريضة تسعي إلي تحقيق السلام العادل والنهضة الاقتصادية والاجتماعية التي ظلت تبشر بها الإنقاذ وحملتها أطروحات الحركة الإسلامية ورؤاها الفكرية). فقد خرجت بها مباشرة من ساحة الوهم وأجهضتها قبل ان تري النور.
    الخلاف الجوهري
    لعل مسار الأحداث يشير مرة تلو الأخري الي ان الخلاف والتباين بين مجموعة (الانقاذ) الحاكمة بجناحيها (الجنرال البشير ونائبه علي عثمان) والمؤتمر الشعبي بقيادة الترابي لا رجعة فيه. فالخلاف ما عاد يتلخص في تكتيكات تحقيق برنامج (التمكين للحركة الإسلامية)، ولا في التنفيذ العملي لبرامج مشروع (الإنقاذ الحضاري). فأسبابه أصبحت تتمثل في المفارقة الواضحة في استراتيجيات كل مجموعة وتقديرها لأسس قوتها التنظيمية. وأصبح الخلاف يتجاوز أولويات ومحاور خطط العمل وأساليبه ومجالاته. لذلك فشلت محاولات رأب الشقاق والتوحيد بل سقطت الدعوة للالتزام بالنموذج الإيراني في التعايش بين أجنحة الحركة الإسلامية. فقد أصبح الخلاف هو حول أسس البقاء والاستمرارية. أنصار (النموذج التركي) في الحكم ما زالوا يؤمنون بأن (شوكة الدولة) هي الأبقي والأكثر فاعلية والقادرة علي تمكين مشروع (الإنقاذ الحضاري). بينما يري (المؤتمر الشعبي) بقيادة الترابي ان الاستيلاء علي السلطة بانقلاب حزيران (يونيو) 1989 كان هدفه في المرحلة الأولي إزالة الألغام من طريق تمكين المشروع الحركة الإسلامية . وهو لم يستهدف في حده الأعلي غير إضعاف القوي التي كانت تعمل علي عزل (الجبهة القومية الإسلامية) وكانت نشطة في التآمر عليها لإخراجها من معادلة السلطة والثروة في السودان.
    فالدكتور الترابي كان علي الدوام يؤمن بأن تحويل حركته من مجرد مجموعة ضغط هامشية علي خاصرة الأحزاب التقليدية والعبور بها إلي قوة ورقم في المعادلة السياسية السودانية تكمن في تحويلها إلي حركة جماهيرية. وهو يقتدي، مع الفارق، بتجربة الحزب الشيوعي بقيادة عبد لخالق محجوب ورؤاها الاستراتيجية في الحفاظ للفكر الشيوعي بنصيب في الساحة السياسية السودانية ينمو ويزدهر بالديمقراطية والجماهير.
    فالهدف الاستراتيجي للدكتور الترابي كان علي الدوام، أيضا، هو خلق مركز مستقل حديث للحركة الإسلامية يقطع في منتصف الأحزاب الإسلامية التقليدية (الأمة والاتحادي) مؤسس علي قوة تنظيمية جماهيرية تجذب الفئات المتأثرة بالدعوة الطائفية وتركز علي قاعدة اقتصادية يحتكر مؤيدوها فيها علي قطاعات المصارف والاتصالات والنقل والطاقة وتنافس القوي الأخري في مجالات الرأسمالية العقارية والتجارية والصناعية والزراعية. وتكون قادرة علي توسيع نطاق الدعوة الإسلامية لتتجاوز جنوب السودان للعمق الأفريقي أفقياً ورأسياً.
    الديمقراطية مفتاح الحل
    ان الديمقراطية لا تتوفر في ظل الأنظمة الشمولية العسكرية. لذلك نجد ان الدكتور الترابي لا يتوافق حتي في زاوية النظر إلي أهداف الوفاق والتعايش مع المجموعة الحاكمة الآن. فهو يري ان البداية ليست في تجديد وإحياء مكاسب (ثورة الإنقاذ)، ولا حتي في المحافظة عليها. في تقديره ان البداية هي أولاً في تجديد الطرح والمنظور الفكري والخطاب الحركي، ثم تحديد الهيكل التنظيمي الذي يحمل هذه الفكرة إلي الجماهير، ومن هنا يمكن الحديث عن آليات التمكين في المجتمع أية كانت مجالاتها اقتصادية وإعلامية أو منظمات جماهيرية. بعدها يصبح الحديث عن السلطة وشوكة الدولة مقبولاً. فعملياً يطرح الدكتور الترابي مشروع (ثورة علي الإنقاذ).
    طريق الترابي للإصلاح يتجاوز (الانقاذ) ومكاسبها، فهو لا يري مستقبلاً للحركة الإسلامية تحت مظلة الحكم الحالي وهياكله. ولا يري مخرجاً إلا في فترة انتقالية تشارك فيها كافة القوي السياسية السودانية (بقسمة سوية وشركة عادلة في الوزن والعد لمقاعد السلطة التنفيذية). وهو لا يري مخرجاً إلا في قوانين اللعبة الديمقراطية. ديمقراطية تكون هاديها دستور شارك في صنعه وإجازته وتمسك بهديه. ولا يتردد في ان يقر بقبوله لإمكانية تجميد بعض مواده المختلف عليها. ويؤكد من دون لبس علي ان الجنوب ظل طوال سنوات الإنقاذ (دار مظالم لم يعرف أهلها علماً ولا عافية ولا أمناً ولا معاشاً، وإنما عرفت نخبة منهم مغنم الوظائف السياسية). ويقر بقناعة تامة بأن إقناع قيادات الجنوب وبكافة ألوان طيفها وفي وسطها العقيد جون قرنق بأن هذا هو السبيل القويم. وبجملة يحدد بأنه يؤمن بأن (رد المظالم عدلاً وفتح رجاء النماء لا يرام إلا في الديمقراطية).
    الطريق البديل
    تحتفل (الانقاذ) بعيد ميلادها الرابع عشر وهي مفتونة بهيئتها ومختالة بشبابها. ولكن عين الواقع تشير إلي أنها شاخت باكراً. فالدكتور الترابي يؤكد (ان مجتمع المسلمين الذي تكاثر كماً وكما تزكي كيفاً يسأل عن ضعفه الذي مكن منه معاوية ويسلب ويضل نسبة الخلافة الراشدة. وفي عهد آبائنا السلف لولا جهالة الجماهير مع صدق مجاهداتهم لما تيسر لعصا الخليفة عبد الله التعايشي الغليظة المنفرة ان تفسد مآلات السيرة المهدية المبشرة. ولولا هوان المجتمع السوداني القليل الثقافة العليل العزائم والبـني لما ظهرت عليه نظم الجبروت العسكري ولولا السيادة الطائفية التي عززت رواسب العصبية باستغلال موائد السلطة ومكائدها).
    المؤشرات علي تداعي مبادرة مؤسسة رئاسة الجمهورية للتصالح مع (المؤتمر الشعبي) بقيادة الشيخ الترابي تدل بأن قيادة (الانقاذ) مقدمة علي فترة مواجهة قريبة. ولكن عقليتها الأمنية تدفع بها وباستمرار في مأزق مفترق الطرق الذي يعطل من فعاليتها ويدفع بها نحو الهاوية. ولعل أبلغ دليل عبّر عنه أحد الأصدقاء حين قال لي: (بأن رئيس الجمهورية حقق مطالب القوي السياسية بالتعددية في حصرها في مجال تعدد الزوجات، وحصر مهمة مستشاره للسلام الدكتور العتباني، في تحقيق السلام مع جناح الترابي. وفي الحالتين الرابح الوحيد هو قرنق والشقيقة مصر). وعندما سألته (كيف ذلك؟) أجابني بأسي بالغ: (الكيان السوداني يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، وذلك يكفي!).
    مؤشرات وتحديات
    الدكتور غازي العتباني، من دون شك، سيدفع ثمن مبادرة رئاسة الجمهورية للتصالح مع جناح الترابي. ولا نستبعد إقصائه عن ساحة القرار،. ولعل الإرهاصات التي صاحبت إبعاد وزير المالية من دائرة الضوء هي إشارة إلي انه ليس هنالك شخص غير قابل للإقصاء حسب ما تستدعيه مصلحة مؤسسة رئاسة الجمهورية. فعندما يتعلق الأمر بحملة تجميع القوي لمواجهة جناح علي عثمان محمد طه سيكون الموضوع أكثر مدعاة للحسم وأكثر حساسية وتعقيداً.
    نقطة ضعف كل المبادرات التي قامت بها رئاسة الجمهورية لتوسيع نطاق تحالفاتها الداخلية لم تخرج من إطار الاستعداد للمعركة القادمة علي كرسي القياد. ولم تسلم منها إجراءات توسيع قاعدة التحالف مع الاتجاهات "المايوية" في السلطة برعاية مصرية، أو مواصلة الانفتاح نحو الصادق المهدي، أو تواصل الرسائل مع مولانا محمد عثمان الميرغني، أو إعلان الجنرال البشير لمحو اسم حزبه في سبيل ان يجتمع شمل أهل السودان. كلها تشوبها المخاوف والشكوك والعوارض باعتبارها مجرد مناورات مؤقتة تستهدف دعم جناح الجنرال عمر البشير في مواجهة الإمبراطورية التي أفلح جناح علي عثمان في تأسيسها وحمايتها بسياج عالية. وبالطبع لم تخرج من تحت مظلتها الخطوات التي تباركها القاهرة لتشجيع المجموعات المايوية والاتحادية للانضمام إلي ركب الرئاسة. فما هي تقديراتنا لمسار الأحداث خلال الفترة القادمة؟
    خارجياً ستواصل القوي الدولية استراتيجيتها بخلخلة حكومة (الانقاذ) وتركيعها تدريجياً؛ وستستمر الخطة الأمريكية في (التفكيك والاحتواء المزدوج)، ومواصلة الجهود لمعالجة الأوضاع السودانية في إطار عام لترتيب أوضاع القرن الأفريقي، وإقليمياً ستواصل مصر تنفيذ تكتيكاتها لإضعاف نظام الخرطوم لدرجة كافية وتحول دون إسقاطه بصورة تحقق لها أولوياتها باعتبار السودان نطاقاً حيوياً للأمن القومي للقاهرة، ومقاومة أية جهود لإدخال قوي إقليمية منافسة (نيروبي أو الرياض أو طرابلس) للمشاركة في معالجة الملف السوداني.
    أمـا داخلياً ستستمر وتتوسع دائرة الانقسامات داخل معسكرات وتيارات الحكومة وداخل معسكر وأحزاب المعارضة. ففي جانب المعارضة ستستمر حالة العجز وعدم القدرة علي امتلاك زمام المبادرة التي فقدتها منذ العام 1997، وتقصيرها في ان تطرح نفسها كبديل مؤهل. وسيزداد ضعفها بخروج السيد محمد عثمان الميرغني وانضمامه لركب الصادق المهدي في دائرة (الأعراف) وللاقتراب بخطوات محسوبة نحو مؤسسة رئاسة الجمهورية. وبالتالي سيدخل (التجمع الوطني الديمقراطي) في سباق جديد يستنفد جهوده للتوافق مع مقتضيات توازن القوي الجديد داخله. وستكبر مساحة (المنزلة بين المنزلتين) التي يشغلها حالياً الصادق المهدي ومنذ عودته للبلاد.
    في الجانب الآخر من المعادلة ستشتد حالة الاستقطاب بين جناحي المجموعة الحاكمة نحو تجهيز موقف كل منهما للمعركة الفاصلة بين رئيس الجمهورية ونائبه المقدر لها نهاية العام الحالي. ستنداح دائرة الاستقطاب من مركزيهما نحو قلب حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي بشكل أساسي، وستدفع بهما نحو حالة حادة من عدم التوازن والتناحر الداخلي. خطورة هذا الاستقطاب انه يفتح الطريق نحو تصفية حسابات سياسية مؤجلة منذ الفترة الديمقراطية الثالثة (1985 ــ 1989)، قد تدفع بالبلاد نحو حافة (الاغتيالات) وتصفية الخصوم، تشبه تلك التي مرت بها بغداد قبيل تسلم نائب الرئيس صدام قيادة العراق وما أعقبها من حمامات دم. وعندها تصدق تكهنات الشيخ حسن الترابي (ان السلطة الحاكمة أمرها هو الأنفذ فعل قوة، ومعصيتها هي الأرهب عقاباً، وطاعتها هي الأرغب ثواباً في الدنيا، فالسلطة أغلب واقعاً من الحركة الإسلامية التي لا تتدافع إلا بحجة الرأي وعاطفة المودة طوعاً وعفواً بغير شوكة وثمن).
    كتبنا منذ فترة في (الزمان الجديد)، نيسان 2000) وقلنا ان عدداً كبيراً من المهتمين بالشأن السوداني، خاصة وسط الأجهزة البريطانية، بأنها تعتبر علي عثمان أحد قيادات الجيل الثاني من الحركة الوطنية المعمد بالنار والدم الذي سيقصم ظهر هيمنة الطائفية وسندها العشائري في السودان، ويقطع الطريق علي جهودها في تجديد نفسها واللحاق بالتطورات الهيكلية في الاقتصاد والسياسة والمجتمع في البلاد. وان استراتيجيته هي بلورة تحالف عريض بديل يخرج بأفراد من حزبي الأمة والاتحادي تكون قادرة علي تجاوز هيمنة شيوخ السياسة السودانية ممثلة في الترابي والصادق المهدي والميرغني. وهنالك أكثر من جهة في الغرب ما زالت تراهن علي انه قادر علي إنجاز هذه المهمة. في تقديرنا ان فرصته تتعرض لإختبار حقيقي الآن. وعلي الرغم من نجاحه المنقطع النظير في تجاوز الشبكة التي بناها الدكتور الترابي بعد إنقلاب حزيران (يونيو) 1989، فالعامل المصري وتزايد دوره لن يتيح له القدرة علي الحركة التي يحتاجها. فقد وضعت مصر وزنها ونفوذها للاطاحة بالترابي أولاً ولكنها توظف ثقلها الآن لدعم جناح الجنرال عمر البشير، وشرعت في تنفيذ حملة دبلوماسية واعلامية ناعمة لإزاحته من كرسي القيادة. ولكن يحيط بموقف القاهرة عوامل عديدة كلها لصالح جناح علي عثمان. فإذا تصورت القاهرة ان إزاحتها لنائب رئيس الجمهورية هي طلقة الرحمة الأخيرة علي رأس مشروع الإسلام السياسي في المنطقة فتنطبق عليها ــ كما ذكرنا في مقام آخر ــ مقولة الشاعر الألماني برتولد برخت: (الرحمة الساذجة في ظروف معينة يمكن ان تكون عاقبتها أوخم وأنكي من الكراهية المتشددة).
    منزلق التحالفات المؤقتة
    ستكون الخطوة التي اتخذتها قيادة (المؤتمر الشعبي) بقيادة الدكتور الترابي علي تفادي الدخول في منزلق التحالفات المؤقتة والاشتراطات المتبادلة والإملاءات، نقطة تحول مشهودة في موقفه الوطني العام. إصرار قيادة (المؤتمر الشعبي) علي الديمقراطية كمفتاح للحل والفصل بين مفهومي المصالحة الوطنية أو الحزبية مع نظام (الانقاذ) والحل السلمي الشامل للأزمة السودانية هما بداية تجديدية لتفعيل العمل المعارض. بل ستمد من جسور الثقة واستعادة مصداقيته في تعامله مع القوي المعارضة وفي فتح فرص التداول مع القوي الإقليمية والدولية المشغولة بترتيب أوضاع مستقبل البلاد. وسيكون موقف (المؤتمر الشعبي) من المصالحة مع مؤسسة رئاسة الجمهورية منطلقاً للإسراع بتمتين أواصر التعاون مع (حركة تحرير شعوب السودان). وبالتأكيد سيوفر لها فرصة ذهبية لتبني "ملف دارفور" مدخلاً لتوحيد رؤية المعارضة لنظام الخرطوم، فما يتوفر لها من رصيد وتجربة وكوادر في هذه الجبهة كاف لبداية إيجابية تتفوق علي ما تطرحه المعارضة من تصورات. بل سيتيح لها وللمرة الأولي تجاوز مأزقها وارتباكها في معالجة ملف (شرق السودان) وتوازن قومي مع موقفها لمعالجة ملف (جنوب السودان).
    أحسنت قيادة (المؤتمر الشعبي) بكشف المستور والخروج به للعلن، فما طرحته مبادرة رئاسة الجمهورية عليها يخص كل سوداني. فالموقف المبدئي الذي تعاملت به يعيد للأفق السوداني، مرة أخري، فرصة تستند علي ثوابت أصلب تتلخص في إمكانية اتفاق جميع أطراف المعادلة السودانية علي ان مشاكل البلاد لا يمكن معالجتها إلا بإجماع قومي نتيجة حوار حر. نقطة البداية هي خلق مناخ ملائم بتجميد المواد الدستورية التي تقيد الحريات وإلغاء حالة الطوارئ والصلاحيات الاستثنائية ورفع الوصاية علي النشاطين السياسي والنقابي، وإطلاق سراح المعتقلين وإسقاط الأحكام السياسية وإعادة الممتلكات المصادرة من الأحزاب. هذا بالإضافة إلي إقرار مبدأ ديمقراطية الحكم والتعددية بمعناها السياسي والثقافي، وان حكم القانون يقتضي توفير الحقوق الأساسية والحريات وحماية حقوق الإنسان الفردية والجماعية، ولا يمكن معالجة الأزمة إلا بحسم ملف الحرب والسلام. عندها أيضاً لا يصح إلا الصحيح، ويدرك جميع الفرقاء انه (لا يستقيم الظل والعود أعوج).
    جريدة (الزمان) العدد 1231 التاريخ 2002 - 6 - 6
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de