دخان الطلح والعبير والفواح / الجزء الثانى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 08:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-26-2002, 11:12 AM

bob
<abob
تاريخ التسجيل: 03-03-2002
مجموع المشاركات: 3353

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
دخان الطلح والعبير والفواح / الجزء الثانى

    تاليف الكاتب / يحيى فضل الله

    تحولات فى ممـلكة الاحــــــــلام

    أن صارت الأصابع التي داعبتني في صباي حقاً شرعياً لي، "عبد الباسط" انعتق، أراه ممتلئاً بالحياة، ها هو المنشار مغروزاً على الخشبة، ورشة للنجارة داخل مملكة الأحلام، صوت المنشار يشعرني بزخم الحياة، عرق "عبد الباسط، على وجهه يبدو جميلاً، احتفلنا احتفالاً بسيطاً وسط ضجة أسرة عبد الباسط. ولا مبالاة البعض، ذلك البعض المنحاز إلى الحياة، وامتص هذا الفعل المعلن دهشة الباقين، "منى" لم تستطيع الحضور، "جاد المولى" ثار في وجهي بصوت أسمعه أنا فقط، أرسلت لي "منى" ورقة كتبت لي فيها التهاني والأمنيات، الدفء خصوبة الحياة، نمتزج أنا و"عبد الباسط" في ليل طويل ممتع، التلاشي في اللحظة التي كنا نبحث عنها ونحن في طفولة العمر وجدناها والعمر قد تراكمت عليه السنون، لازلنا قادرين على العطاء، ضربات الشاكوش والقلم على أذنه اليمنى متسللاً عبر ذلك الشيب الجميل، حركت أصابعي على ذقنه الخشن، أحس بهذا المذاق حين تخربش أصابعي بنعومة خاصة على "البنقز"، ضحكة عينه حين يستلقي على العنقريب ويقذف لي بسيجارة متفحصاً كرسي أو منضدة انتهى لتوه من صنعها وأنا أمتلئ منه حتى التلاشي، أراقب تلك الأصابع وهي تعمل وألتصق بها ليلاً وعيوني تجادل الصبا وتحرض الخصوبة، شجرة الليمون، شجرة الليمون تنمو ومملكة الأحلام تضج بالحياة.

    -" مريم ما نأكل لينا لقمة"

    أهم إلى المطبخ، أجهز الصينية، الجمعة لا زالت نشاطاً ثقافياً، أغسل حبات الطماطم والجرجير، "النعيسان" غنى في الجمعة السابقة لـ"خليل فرح" أتناول السكين وأدخل دندنتي الخاصة، أسمع صوت "النعيسان" يدخل عوالم "خليل فرح" من مداخل "علي" على هذه العوالم لذلك أحرضه "علي" على أرباعية لخليل فرح، استفز "علي" تراكم الدوبيت في ذاكرة "النعيسان" أغرف من "احللة" على الصحن الكبير، استيعد عذوبة صوت "النعيسان" وأدندن.

    "أتاريك أنت فسلة بقيت من بُرحايا

    بتوسد جدار بيتكم وأحاكي رحاية

    ليش يا فرية ما بتجودي بي بلحاية

    في خديداتك الطير غلب الحاحاية"

    أحمل الصينية واتكئ على دندنتي حين اصل الراكوبة، يتناول "عبد الباسط" المنضدة، وضعت عليها الصينية وبلهفة أقبلنا على الطعام، أحس أخيراً بأني قد وجدت شريكي الحميم، أترك "عبد الباسط" مواصلاً أكله وأدخل المطبخ، أضع براد الشاي على النار، أثرثر في دواخلي، تغيب جريدة الجمعة عن الصدور أحياناً، أبحث عن "المستكة" في دولاب النملية، "عبد القيوم" تصدى وبهمة إلى أمر الجريدة، "عبد القيوم" ذلك القلب الكبير، أبحث عن المبخر، أجده، بالملعقة التي أمامي أتناول جمرات من المنقد، أحيل "عبد القيوم" إلى المعاش بعد أن خدم متفانياً في التعليم، لا أعرف أحد يتمتع بالحب الإنساني مثله، أنثر حبات المستكة على جمرات المبخر، "عبد القيوم" يستنكر بشدة حين يحس بالتعامل القبلي بين الناس، أقرب دخان، "المستكة" من الكبابي وأتابع الدخان وهو يسجن داخل الكوب الزجاجي الكفئ على الصينية، "منى" تساعد عبد القيوم أحياناً حين تستطيع الانفلات من الحصار، أخرج بأواني الشاي من المطبخ، يقلقني أمر "عمر" أنه لا زال عاطلاً، الشيخ "مصطفى الدرويش" غاب طويلاً، أنه داخل قوقعة لا يعرف أحد مداخلها، أزيح صينية الأكل عن المنضدة، أضعها تحت العنقريب ويحمل مني "عبد الباسط" أواني الشاي يضعها على المنضدة ويتكئ على العنقريب، أحس أنني أتكئ على أحلامي، يخرج الدخان شفيفاً وأنا أقلب كباية "عبد الباسط" أتأمل أصابعه الخشنة وهو يصب الشاي، "عثمان أب وجعة" يحلم بالهجرة هذه الأيام يبدو أنها مجرد نزوة، يردد هذه الأيام وبتشفي خاص هذه الجملة.

    -" البلد إن أباك

    كترلو بالنجعات"

    تمتص أذني رشفات الشاي لدى "عبد الباسط" أحس بأني أمتلك العالم، أغرق في موسيقى تلك الرشفات المتسارعة وأدخل مداعبةً إياه بصوت رشفاتي أنا، يرشف هو رشفة، أرشف أنا واحدة أتابعه أحياناً وأرشف قبلشه يتبعني برشفة- ندخل في رشفةٍ واحدة وبصوتٍ منغم، رشفة طويلة ليضع هو الكباية على المنضدة بصوت يعلن نهاية هذه اللعبة الحميمة المرتجلة وندخل سوياً في طقس ضاحك، نفرقع ضحكتنا، يستلقي "عبد الباسط" على العنقريب متسلقاً ضحكته قاذفاً شبشبه ليحول سقف الراكوبة دونه والفضاء.

    -"أنا ما عارف ليه من زمان أنا ما اتلميت عليك"

    قالها بطريقة تنتمي إلى صدقٍ شفيف، أشهرتُ على عيوني ذروة الابتسام وبادرته قائلة "ما فاتت حاجة، أهو هس أتلمينا"

    ملأ "عبد الباسط" هذا الفضاء الذي هو امتداد الأحلام، ملأ هذا الفضاء بآهة عميقة ونهض واقفاً، لملم زوج الشبشب، تناول طاقيته وضع الطاقية على رأسه، تناول صندوق السجائر، قذف لي بسيجارة، أشعل سيجارته وترك الصندوق في مكانه على منضدة النجارة الكبيرة.

    "أنا مارق مشوار"

    أتجه نحو الباب الخارجي وأنا أتابع بعيوني خطواته، تلك الخطوات التي جعلتني أدمن صوتها وهي تركض وراءي في عتمة أزقة وشوارع الصبا، أقفل الباب ورائي، "عبد الباسط" حين ينتهي من عمله يتمشى قليلاً في البلدة، حين يرجع يتسامر كثيراً مع "جاد المولى" الأمر الذي يغيظني، أه لو أدري على ماذا ينوي جاد المولى؟، أن الشعور بالكراهية عبء ثقيل، أنا لا زلت أجلس على ذلك "البمبر" العتيق، نهضت من مكاني وجلست على الكرسي الذي صنعه لي "عبد الباسط" ها أنذا أجلس على كرسي تخولق بين أصابع "عبد الباسط" تلك الأصابع المشرعة دائماً في نسيج ذاكرة الأنوثة، ذاكرتي أنا، أحس الآن بأني أجلس على عرش، عرش أحلامي القديمة، استرخي تماماً على الكرسي، أمد قدمي على طرف العنقريب، أشعل سيجارتي وأتابع حلقات الدخان وهي تخرج من فمي، وأتحسس انتصاري وأحس بأن كل خشب الكرسي ينتمي لهذا المعنى المجرد، الانتصار، "عبد الباسط" يخرج من منزل أسرته ويدخل بيتي وبين هذا الدخول وذاك الخروج قادني "حسب الرسول" شقيق عبد الباسط متحالفاً مع "حاج عثمان" والد "منى" إلى المحكمة مستغلاً صفعتي له، قاتل "حسب الرسول" بشدة كي يحول بيني وبين "عبد الباسط"، في المحكمة الأهلية استطعت أن أبرر صفعتي له يحن ذلكرت لأولئك المشايخ الثلاثة، شيخ "عمار" وعلى يمينه شيخ "بابكر" أحد تجار البلدة لكنه أدمن وجوده في المحاكم الأهلية وبه ميل غريزي للسلطة والتسلط على يسار شيخ "عمارة" الذي لحكمته المشهود بها وضع في الوسط إلا أن حالة كبر السن كان تخونه وتمنعه في أحيان كثيرة من الحصول على حكم مناسب للقضية التي أمامه، لى يساره شيخ "زكريا" حلاق قديم في البلدة، مهاجر من نيجيريا وضعته قدماه هنا مقتفياً آثار من سبقوه من المهاجرين ينتشي إلى درجة إظهار ضحكته المكتومة في تلمسه لتفاصيل المشاكل والقضايا، ذكرت لؤلاءِ الشيوخ في المحكمة شتيمته تلك فانتمت لي هيئة المحكمة المقرة وها أنذا أجني ثمار هذا الانتماء بجلستي المسترخية على هذا الكرسي، حاول "حسب الرسول" في المحكمة كل الترهات بما في ذلك أني مؤثرة على أخية "عبد الباسط" بالسحر واللجوء إلى فكي له إمكانيات لا تحد في أمور النساء، ترهات، هي الآن خارج إحساسي بالعالم، أنا أجلس على انتصاري، في العاشرة من صباح ذلك اليوم وصلت إلى المحكمة الأهلية، داخل "كرنك" كبير كانت تعقد هذه المحكمة، جاء "عمر" إلى هناك و"النعيسان" و"حامد" و"حمد الجزار" حبوبة بتول كانت أول الحاضرين إلى المحكمة، عرفت أنها ذهبت حين خرجت هذا الصباح ولم أجد ضجة صوفها الصغير، لم تفرش "حبوبة بتول" خضارها هذا الصباح لحرصها على تفاصيل محاكمتي، حاج عثمان و"حسب الرسول" يجلسان تحت شجرة النيم، حاول "حاج عثمان" الابتعاد عن "حسب الرسول" حين رآني قادمة من بعيد، لاحظت هذا الابتعاد "جاد المولى" جاء إلى المحكمة حاملاً رغبته في هزيمتي، أحس بذلك دائماًَ في نظرات عينيه، جلس الشيوخ الثلاثة وأعلن المعلن "ود القديل" بصوته الدائم البحة، القضية الأولى "عبد القادر آدم يوسف" الشاكي رحمة اللخ خاطر عثمان، المشتكنو" ودخل الشاكي والمشتكي وتدافع الحاضرون لدخول المحكمة "حبوبة بتول" وبدر به ملاحظة جلست في المصطبة الأمامية بينما تناثر بقية الخلق على المصاطب، جلس بقربي "النعيسان" و"عمر" على مصطبة في الوسط، كان لابد أن أقتل انتظار محاكمتي بمتابعة القضايا التي قبلي، "عبد القادر" الترزي قدم شكوى ضد "رحمة الله" ابن خاطر عثمان" أحد تجار سوق العيش، تقول الشكوى أن "رحمة الله" أشاع في البلدة أن بنته الكبرة "حسنية" حامل، وبدأ الشيوخ الثلاثة في تلمس تفاصيل القضية بينما الحضور تتسرب بينهم التعليقات الهامسة، و"حبوبة بتول" تضع خدها في كفها وتبرق منها العيون تلك الدقيقة المتابعة وأذناها لا تفرطان في أي جملة يمكن أن يبني عليها خبر من بين أدق العلائق والعلاقات، تتفرع القضية تتشبع بالتفاصيل، يحضر شاهد ويختفي ويحضر آخر ويختفي شاهد ومن شاهد إلى شاهد حتى جاء دور "كدنكا" ليشهد ضد صديقه "الرحيمة" يبدو أن ذلك الخبر سبب القضية قد ساهم في انتشاره هذا الـ"كدنكا" المشهود له بالثرثرة مع إضافة خيال واسع للأحداث، دخل "كدنكا" في شهادته تلك وظل يثرثر ويثرثر، ينتقل وينتقل بين موضعات لا علاقة لها بالقضية "أها اليوم داك أي العصر والله أذكر كان الساعة تلاتة ونصف شوكة وكمان كنا بناكل في طماطم بالدكوة وأذكر أن رحمة الله قال نمشي سوق الخضار نجيب شطة خضراء، أها أنا قلت ليهو.."

    ويضيع خيط القضية بين تلك التفاصيل التي يحكيها "كدنكا" والشيوخ الثلاثة في المنصة يحاولون لملمة خيوط الانتباه ولكن برغم المقاطعات الكثرة.

    -" يا بني خش في الموضوع"

    و"كدنكا" يدخل في الموضوع ولكنه من باب الخروج "أنا أذكر رحمة الله كان لابس قميص كحلي، أيوه، القميص الجابوا ليهو منعم من بورتسودان.."

    -" يا بني اختصر الله يرضى عليك، "كدنكا" يختصر القدرة على التركيز لدى هيئة المحكمة، شيخ "عمار" تخلى عن مقاطعته تلك غير المثمرة في إيقاف ثرثرة "كدنكا" شيخ "زكريا" لم يستطع إشهار ضحكتة المكتومة فلاذ بتشكيل نظرة فارغة في تجاه "كدنكا" شيخ "بابكر" يضع يديه على رأسه، ضجراً، من هذه الثرثرة الغريبة، الحضور بدأ يتململ وبطريقة واضحة الإزعاج لدرجة أن "حبوبة بتول" تدخلت وقاطعت هذا الشاهد الثرثار والي سجن أحداث القضية في لا موضوع.

    -" أها أنا قلت ليهو أحسن نمشى بي هنا، عارفين ليه، أي أسألوني قولوا لي ليه أها"

    وصرخت "حبوبة بتول" في "كدنكا" الذي كان يقف أمامها

    -" يا ولدي ما تقول حصل شنو سليت روحنا"

    ويتدخل شيخ "عمار" محراً "حبوبة بتول"

    -" يا ولية ما تنضمي"

    ويستمر "كدنكا" في ثرثرته ويثرثر وضاعت تفاصيل القضية بين تلك الثرثرة، فقد الحضور متابعته، الشيوخ الثلاثة استسلموا تماماً تجاه هذه الثرثرة المستمرة لأكثر من ساعة وفجأة صمت "كدنكا" والشيخ والثلاثة ينظرون إليه نظرة فارغة و"حبوبة بتول" تهمس لنفسها قائلة "يخربني كان فهمتا حاجة" صمت تام، الحضارون صمتوا، الشيوخ التلاتة لازالوا ينظرون إلى "كدنكا" الذي صمت فجأة قاذفاً هؤلاء الشيوخ، كبار السن في متاهة، الشيخ "عمارة" وكمن استيقظ من غفوة مفاجئة نظر إلى "كدنكا" وقال مقرراً حكمت المحكمة على المتهم "كدنكا بثلاثة شهور..." لم يكمل "شيخ عمارة" حكمه لأن الحبوبة بتول قاطته "هي شوفوا الغبا ده في شاهد بحاكموا هو؟" ويضج الحاضرون بالضحك ويحس الشيخ "عمارة" بالحرج ولكن شيخ "بابكر" يستدرك هذا الخلط ويرفع المحكمة مؤجلاً تلك القضية التي ضاعت خيوطها، تاهت معالمها إلى يوم آخر، يبدو أن قضية "حسنية" بت عبد القادر الترزي المشاع أنها حامل قد ساعدتني في إنهاء محاكمتي في زمن وجيز، لم يحتاج الشيوخ الثلاثة إلى شهود، وحدي أنا الذي تصديتُ لتهمتي ودافعتُ عن صفعتي تلك فانحاز الشيوخ الثلاثة لي وخرجت من تلك المحاكمة مرفوعة الرأس وها أنذا الآن أجلس على كرسي انتصاري، الكرسي الذي صنعه لي "عبد الباسط" ولكن برغم ذلك، لازلت أجلس على "البمبر" العتيق، لم أستطع التوافق مع هذا الكرسي في أمسيات وليالي مملكة الأحلام ولكني أتوافق معه حين أحمل تلك الرغبة الحارقة في أن أحول هذا الكرسي إلى رمز لانتصاري، إلى إيقاظ خصوبتي تلك التي أحس بها، أغفو على الكرسي ممدة قدمي على حافة العنقريب، أدخل رويداً رويداً نواصي غفوتي، أغفو على كرسي انتصاري.

    استعد لمساء جديد، عبد الباسط يتوسد ذراعه، وهو ممدد على العنقريب المملكة تستقبل أعضاء جدد، أحلامهم ليست وردية، أحلامهم تعتنق خشونة احلياة، حين جاء "حامد" لأول مرة تمعنتُ فيه جيداً، وجه احتقب هموم الحياة، مبعثراً يبدو، به مس من خجلٍ قديم، لا يملك إلا أن يتحوّل إلى نغمات عذبة تخرج من تلك الصفارة التي يداوم على عزفها، كان يقول الكثير بتلك "الصفارة" غنيباً أنا وهو يعزف محاولة أن يكون فعالاً في مملكة الأحلام، تذكرت حلم "علي" بتكوين فرقة غنائية، أصبح يتردد على بيتي ليضيف إلينا صوتاً مميزاً، لا أنسى حين بكى "عثمان أب وجعة" على نغمات تلك "الصفارة" الحنينة، حين سألناه قال أنه تذكر طفولته حين كان يرعى غنم الحي، "حامد" قال أنه يعرف "علي" ووصفه قائلاً شعلة من النشاط والحيوية "أعطيناه فقرة ثابتة في يوم الجمعة، كان يقدم ألحاناً متنوعة يحفظالبعض منها والبعض الآخر من تأليفه، يحب الشرب ويعشق صبية لا نعرف عنها شيئاً سواء أنها "ملانة بالإيقاع" لا يعمل في مهنة معينة، لكنه يعمل، متنقلاً بين أعمال كثيرة.

    بدأ أعضاء المملكة في الحضور، كعادته "عثمان أب وجعه" أول الحاضرين "عبد الباسط" يستعد لمشواره اليومي حول البلدة، وجلس "أب وجعه" في مكانه المعتاد وجلست زجاجته، ترى أين أنت الآن يا الشيخ "مصطفى الدرويش"؟ غاب كثيراً الكل يفتقده، "عبد القيوم" جاء بخطواته الثابتة، انحناه قليلة في ظهره تكسب شكله وقاراً ونبل.

    -" أزيك يا مريم"

    -" أهلاً عبد القيوم"

    -" في احتمال عادل يجي اليومين دول"

    -" إن شاء الله يا عبد القيوم"

    حاصرفني فرحي، "عادل" ابني، كم اشتاق إليه، تخرج وعمل معيداً في كلية الزراعة يمثل فرحي حين يأتي، ابنتي "بثينة" آخر مرة أراها فيها كان يوم عرسها، لا تكاتبني ولا تكاتب "عبد القيوم" والدها، أخي "حسن" لا أعرف عنه شيئاً، خرج من البلدة ولم يرجع تماماً كما فعل والدي، آخر ما عرفت عنه أنه يعمل ضابطاً في الجيش.

    -" أزيك يا مريم"

    لم أرد عليه السلام، الوغد "جاد المولى" وجه يرتسم فيه الحقد، لو أعرف عماذا يتحدث مع "عبد الباسط" جاء "رمضان" يقوده ابنه "خضر" أحد الوافدين الجدد على مملكة الأحلام "خضر" ينتظر والده دائماًَ يجلس بقربه.

    -" جبت الكراسات يا خضر"

    -" أي جبتهم"

    -" خلاص بعد شوية كده، نبدأ نذاكر"

    "رمضان" العامل في وابور الطحين يأتي دائماً ممتلئاً بالدقيق حتى شعرات أنفه، "العراقي" الذي يرتديه يتلون بالدقيق، أصابع قدميه، منهوكا يأتي، الحزن يحتل مساحات على عينيه، حيت جاء ومعه ابنه "خضر" أحسسن أن وراءهما أحزانا ودموعاً، تقربت إلى "خضر" أصبح صديقاً لي سألني مرة قائلاً "أنا أمي حالاقيها تاني؟" لم أملك الإجابة عن هذا السؤال لأن والدته رحلت عن عالمه الصغير قبل عام ونصف، "خضر" أصبح صديقي أتحدث معه بحرية ويتحدث، يسأل عن الموت كمن يسأل عن عدو قديم، حاولت أن أجعل وقته هنا مفيداً، صرتً أراجع معه دروسه وأحكي له قصصاً، حين يختمر "رمضان" حتى الثمالة يحتضنه بعنف والدموع في عينيه، أصبح "خضر" من أعضاء المملكة، يتحرك فيها كيف يشاء، كان يعجب بـ"صفارة" "حامد" ويداعبه "عبد القيوم" كثيراً، "النيعسان" جاء والعصا ترافقه.ط

    -" حفظتها يا مريم"

    -" متأكد يا زول"

    -" تمام التأكيد"

    -" يعني يوم الجمعة بنسمعا"

    -" قطع شك وقبل الجمعة كمان"

    "النعيسان" مشغول بأشعار "خليل فرح"، "خضر" يصعد على ظهر أبيه، "أب وجعة" يقذف كأسه في فمه بعصبية، "عبد القيوم" نظرات تبحث بعمق عن شيء معلق في الهواء، جلس "النعيسان" بعد أن وضع عصاته على الأرض، "جاد المولى" يجلس على نواياه، جاء "حامد" وجلس بقرب "النعيسان" لم يأت "عبد الباسط" حتى الآن، الليلة سأخبره، ترى كيف سيستقبل هذا الخبر؟

    -" خضر تعال، يلا نبدأ"

    جاء مسرعاً وكراساته في شنطته التي تلوثت بالدقيق، بعدنا قليلاً، رفعتُ شعلة اللمبة قليلاً وبدأنا نذاكر كان في الصف الأول الابتدائي، اتذكر معه طفولة "عادل" و"بثينة"، وترى كيف يستقبل "عبد الباسط" الخبر؟

    -"سلام عليكم يا جماعة"

    جاء "عبد الباسط" جلس بالقرب من "جاد المولى" وغد لا أعرف على ماذا ينوي.

    -"خالتي مريم- الغول شال فاطنة"

    -"انت أكتب في الأول الحاجات القلتها ليك وبعدين بوريك"

    شجرة الليمون تنمو، أحلامنا تستيقظ وتقاوم عنف الحياة، البلدة تتداعى، الناس بين موات وحياة، أزمات متلاحقة وأزمات مفتعلة في المواد التموينية، هموم كل الشوارع تصب في مملكة الأحلام، تلك الهموم والأحلام البسيطة "خضر" يكتب مستغرقاً، الليلة ستفرح يا "عبد الباسط"، الفرح يمتد، عادل ابني سيأتي، تحرك "جاد المولى" خارجاً، نظر إلى نظرة أعرف معناها جيداً، "عبد الباسط" دخل الحجرة، توقف هو عن الشراب هذه الأيام.

    -"مريم"

    دخلت إليه، كان واقفاً لا أدري لماذا شعرتُ بقلقه حين نظري إليَّ

    -"كدي أقعدي" - جلس وجلست

    -"إن شاء الله خير"

    -" لا خير"

    صمت طويل قال بعدها بتردد

    -" بعد ده حقو تسيي الشغلانة دي "أنه هو" جاد المولي"، نفس الطلبات القديمة

    "صفارة" حامد الحزينة بدأت تغني"

    -" ليه، حاصل شنو؟"

    -" لا بس، أنا قلت"

    خفت أن يضيع خبري السعيد

    -" ما فاهمة يا عبد الباسط"

    -" يعني مش أحسن "

    وقف قلقاً

    -" عبد الباسط أنا حامل"

    جلس ببطء خرجت، لازال "خضر" يستغرق في الكتابة "الصفارة" تتجمع عليها انفعالات كل الجالسين، الليل يمتص نغماتها، جلست على "البمبر" التفت إلى "خضر" قائلة

    -" خضر الغول شال فاطنة".

    بــــــــوب





                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de