|
|
 التعليم والمشروع التجاري : د. حيدر إبراهيم
|
نقلاً عن البيان عدد الاربعاءاول مايو
التعليم والمشروع التجاري، بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
تحدثت مع عدد من الاشخاص مؤيدين ومعارضين للانقاذ خلال الفترة الاخيرة يرون بأنني مصر على نقد الانقاذ والجبهة الاسلامية بعد ان تغيرت الامور كثيرا ومنها على سبيل المثال عودتي ومركز الدراسات السودانية وممارسة النشاط،
بصورة عادية داخل الوطن، ابدأ بالقول بأنني اختلف مع الانقاذ والجبهة فكريا وليس سياسيا، والفرق كبير لان خلاف الفكر خلاف في رؤية متكاملة من بينها الحكم والسلطة، بينما الخلاف السياسي هو اختلاف حول السلطة والحكم فقط، لذلك المساومة واردة وبالفعل نلاحظ ان قادة الانقاذ اعلنوا هذه الايام عن انهم جزء من الحزب الاتحادي الديمقراطي ـ جناح الهندي على الاقل، كذلك اعلنوا استعدادهم للاندماج في حزب الامة، في هذه الحالة تغيب الحدود وبالتالي مبررات النزاع بين القوى السياسية حتى لو وصل الامر الى قمع واضطهاد الآخر في وقت ما او درجة رفع السلاح من المعارضة ضد النظام، ففي الخلاف الفكري لا اجد مايجمعني في الرؤية بالانقاذ والجبهة ولا مكان في هذه الحالة الى حكومة قومية فكرية جامعة بل هناك رؤى فكرية متباينة تماما تتعايش ضمن شروط الديمقراطية التي تفرض قبول الاخر رغم الاختلاف.
حسب ما تقدم يصبح نقد الفكرة الانقاذية والجبهوية عمل متواصل لاينتهي حتى مع تشكيل حكومة قومية او قيام مؤتمر الحوار الوطني، فقد قدمت الانقاذ ما اسمته بالمشروع الحضاري وهو ما يصطلح عليه في العلوم الاجتماعية بالنموذج المثالي وله في الغالب طابع ذهني مجرد ولكن المشكلة تكمن في تبني هذا النموذج بواسطة قوى سياسية استلمت السلطة عنوة، ففي هذه الحالة تحاول فرض هذا النموذج بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وهذا ما فعلته الانقاذ وما يفسر العنف العاري الذي مارسته ضد المعارضين بالذات خلال مراهقة الانقاذ الاولى، لذلك سنظل نحاكم الانقاذ حسب مشروعها الحضاري وثوابتها حتى لو حاولت ان تتناسى او تتجاهل ما قالت في السابق او ان تتراجع دون تقديم اسباب مقنعة.
كان هذا الاسبوع مناسبة اعلان نتائج مرحلة الاساس وكانت الاسر السودانية في حالة استنفار، فالتعليم مازال يصارع لكي يثبت انه قيمة اجتماعية عليا في المجتمع السوداني ناهيك عن القول ان دور التعليم اساسي في اي تنمية بشرية ومن هنا كان السؤال: كيف تعامل المشروع الحضاري مع التعليم؟ وذهبت بي الاجابة بعيدا، اذ يمكن تعميم ما حدث للتعليم الى كل مناحي الحياة في السودان، فقد تحول المشروع الحضاري المعلن الى مشروع تجاري كبير يشمل كل الوطن، اذ تم تحويل كل شيء الى سلعة يمكن ان تباع وتشترى، اذ لم تعد الخصخصة مجرد عملية اقتصادية محدودة، فكل شيء معروض للبيع في السوق، فالتعليم كما ذكرت في مقال سابق للقادرين فقط، فقد كان واضحا تفوق المدارس الخاصة في المنافسة، وحتى في القبول ستكون المدارس الخاصة هي الاحسن بعد قبول المدارس النموذجية اي الحائزين على اكثر من 270 درجة ويردد الجميع بأسى ان المدارس الحكومية لم تعد تقدم تعليما جيدا وهذه قناعة اكدتها الانقاذ لاهمال المعلمين الذين يصرفون مرتباتهم لشهور كذلك تردي المدارس وغياب الخدمات «هل» سمعتم بمشروع اجلاس التلاميذ، وهذا يعني وجود مشكلة في جلوس التلاميذ على المقاعد اذ يقف التلاميذ او يجلسون على الارض طوال اليوم المدرسي! ويأتي غالبية التلاميذ بلا افطار ويظلون جوعى حتى العودة الى منازلهم رغم الحديث عن الافطار المدرسي.
امتدت عملية التتجير الى التعليم العالي ورغم افتتاح عشرات الجامعات الجيدة صارت تكلفة التعليم الجامعي عالية مما حرم الكثيرين من مواصلة تعليمهم، وتحدث مدير جامعة الخرطوم قبل يومين عن عجز يبلغ 20 مليار جنيه في ميزانية الجامعة رغم ادخال التعليم على النفقة الخاصة كما ان الجامعة لجأت الى استثمار يقلل من المكانة الادبية لتلك الجامعة العتيقة، اذ تقوم الاقسام العلمية المختلفة بتأجير اكشاك او استخدامها لبيع بعض السلع المطلوبة داخل الجامعة، ورغم ان الاستثمار موجود في الجامعات ولكن ليس من خلال تحويل الاساتذة الى تجار قطاعي يشرفون علي اكشاك، اما الدراسات فوق الجامعية فهذا سوق اخر حيث تبلغ رسوم تسجيل الماجستير ثلاثة الى خمسة ملايين جنيه كما انه من العادي حرمان الطالب او الطالبة من الامتحان بسبب الرسوم في كل المراحل.
وقبل شهرين حدث اعتصام واضراب 37 طالبا بكلية الهندسة حرموا من الامتحان رغم تفوقهم بسبب الرسوم.
يرى المسئولون ان مجانية التعليم اصبحت مستحيلة ويضربون الامثلة بالدول الرأسمالية، ولكن في تلك الدول هناك فرص عمل للطلاب وقروض ميسرة تسترد بعد التخرج وتوجد مؤسسات تعطي المنح للطلاب، لذلك فالمقارنة ليست قائمة بين نظام رأسمالي عقلاني وبين نظام تجاري عشوائي.
يمتد اثر عملية التتجير الى مجالات حساسة في الحياة العلمية والفكرية فقد دخل الاكاديميون والمفكرون والباحثون حلبة حساب القيم المادية اولا، فقد صار من العادي او على الاقل السائد ان يسألك باحث او مثقف حين تطلب منه المساهمة في ندوة او الكتابة لمجلة: كم تدفع؟ ايضا هذا تقليد في المجتمع الرأسمالي ولكن لا يحدث مثل هذا النظام التجاري، هناك حقوق وواجبات وبالتالي الاجر او المكأفاة مقابل انتاج او انجاز يستحق، وهنا المطالبة بالحقوق والمماطلة في الواجبات، وخطورة التتجير في البحث والكتابة تجيء من الدور المتوقع للإنتلجنسيا والذي تقوم به تطوعا، ولكن قيم المشروع التجاري تكتسح سريعا وتدمج داخلها كل القوى الاخرى، خاصة مع تدهور مستوى المعيشة.
هذا مفتتح اولى لمناقشة عناصر المشروع التجاري الذي حل محل المشروع الحضاري المتراجع. وسأحاول في فرص قادمة التعرض للمجالات الاخرى.
|
|
 
|
|
|
|
bunbun
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست