عندما ماتت روضة (قصة)1

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 01:39 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-18-2002, 09:21 AM

EMU إيمو
<aEMU إيمو
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 2924

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عندما ماتت روضة (قصة)1


    عندما ماتت روضة انطفأت آخر الرغبات البشرية في صدور أهل قرية أم بادر ، وبالذات في صدور نسائها .. ولم تعد تتقد نار الثأر من روضة ، فعندما يموت المرء تشف ذكراه ويذوب حضوره البشري ..لا يعود مهدداً لنا لأنه الأجمل والأفضل بل يصبح كائناً ضعيفاً لأنه يموت مثل كل البشر خفيفاً ..لأنه لا يعود يزاحمنا على الأرض .
    لم تعد نساء القرية من رفيقات روضة يذكرن غير لمعة عينا روضة بالحياة وشقاوتها وحبها للمزاح ..ولم تعد نساء القرية يشتعلن غضباً وهن يذكرن أفخاذ روضة وهي تتكشف أمام رجالهن وصدرها الناهض بالفتنة حين تداهمها نوبات صرعها المسكونة بالجن ..ولم يعد الرجال يفكرون بجسد روضة كذكرى قابلة للإمتلاك لأن روضة دخلت في خفة الغيب وصارت ذكراها بعد أربعين يوماً من موتها تبعث إنقباضاً في الروح غير مفسر وتحيل النسائم البارده إلى لفح سموم .
    عندما جاءت روضة إلى قرية ( أم بادر ) كانت في الرابعة عشر من عمرها ..لم تعي بعد عن النساء الماكره والغمزات المستوره في الحكايات الماجنة ولم تعِي بعد فائدة الوصايا الذهبية التي تفتلهاالنساء في روز ( أم ماجد ) والتي كانت تثير مرحا ً فياضاً بين النساء في حين يزيد ذلك من خجل روضه ودهشتها الغبية بالأمر .
    كانت ( روز ) والدة زوج روضة ترقب خجل روضة التي كانت في كل ليلة تتمدد عند طرف برشها وهي تصلي صلاة العشاء الأخيرة وتدخل في نعاس خفيف، لا تلبث روز أن تهش نوم روضة طاردة إياها برفق نحو غرفة زوجها مذكرةً إياها أن الزوجات الجديدات لا يليق أن يتركن فراش الزوج فارغاً في أيامهن الأولى دون سبب ، إلا أن روضه لم تكن تطلب أكثر من ذلك السكون عند برش روز لتبعث في نفسها بعضاً من الطمأنينة التي كانت والدتها تمنحها إياها في الليالي القديمة في قريتها ، فقد كانت روضه تعاني من هجمات كابوس يتكرر في كل ليلة يبدأ عند أول غفوتها حيث ترى نفسها في وادي ( ام بادر ) تلقط الحنبك وتضعه في قفتها وغنماتها السبع يتفرقن خلف شجر الطلح والهشاب والحميض ويقلعن الصمغ و ثمرة النبق، وأصوات رفيقاتها تتنامى إلى سمعها بالقرب منها والجبل الرملي الطويل للزائر الكردفاني يرجع صدى ضحكاتهن ، كان الوادي الرملي قد جف ماؤه وتلون بطنه بزهر الشتاء البري بين البنفسجي والأصفر والأبيض . كانت روضة تسمع صوت خفيف يتدحرج ثم ما يلبث الصوت أن يعلو ..بدا صوتاً لثوب عملاق يكنس الحصى وفي اللحظة التي اقترب الصوت عالياً من خلف روضه وقبل أن تلتفت هبطت يداً عملاقة وقبضت على روضة من خاصرتها وهصرتها وهي ترفعها للأعلى ورضه تختنق ، فتقوم روضه من حلمها وحلقها قد آلمه صراخها المكتوم الذي لم يسمعه أحد ..تقوم فزعة خجلى من زوجها الجديد وخائفة .
    عندما جاء ماجد بن روز لخطبتها لم يخبرها أحد لكنها سمعت أباها يتحدث بما يشبه الإعتذار لخالها سليمان:
    يا سليمان ولدك في طريق علم طويل وفي غربه والبنت جاها نصيبها والعرس قسمة ونصيب !
    عندما عادت روضه من ورود بئر الماء وجدت أن غنماياتهاا قد جزت رقابها وسحبتها يد ( مرزوقه ) خادمتهم السوداء الطويلة ودلكت شعرها بالحناء وغسلت جلدها بالنبق ومشطت شعرها بالورد ولفتها بثوب أمها الأسود وأدخلتها غرفتها وجلست مرزوقه السوداء تخبرها عن رحلة عمرها الطويلة وعبث الرجال مع النساء وجهل الفتيات الصغيرات ولم تعرف روضه لِمَ حلى لمرزوقه أن تتذكر في مثل هذه اللحظات مآسيها القديمة .. لم تكن روضه تدري أن تلك القصص ستصير حكمة عهد جديد ، عهد غربتها ووحدتها في قرية ام بادر الجديدة .
    فحكايات النساء تداوي كل شيء ..تغذي الأفواه بالخبز وتغذي الروح بالبهجة وتقاسم الأسرار ..وقد كبرت روضه في العامين التاليين بسرعة صار لها جسداً أكبر و روحاً أزهى من ذي قبل وصار لجسدها مطالب جديدة علمتها أنها إمرأة ولروحها نظرة أخرى في الحياة فرتبت روضه كل شيء من جديد على هوى روحها الجديدة وضغطت روحها القديمة لتهبط في بئر عميقة بلا قرار . . ردمت حسراتها معها وجلست روحها الجديدة فوق فوهة البئر .. رتبت الحوش وبيتها ورفيقاتها ماأسعدك يا ماجد وماجد أن يرى روضه تتغير ، وفسر ذلك بأن روضه اعتادت حياتهم الجديدة وكسبت روزإبنة جديدة .
    صارت روضه فتنة الدرب إذا مشت مع رفيقاتها نحو مزارع أم بادر الواسعة ليسبحن أو يتسلقن شجرة ( التبلدي ) وينفضن ثمارها .. يجمعن ثمار النبق الحامض بجوار البئر الشمالية ، وحين يجلبن الماء من البئر ، تتعلق عيون الشباب المارين بروضه وحدها من النساء ..كانت روضه تسعد رفيقاتها برفقتهن لكنها توقظ في صدورهن عضة غيرة دامية ويحرقهن الإقتراب منها بقدر ما يسعدهن لأن روضه قادمة من تاريخ غامض يجهلنه ولا يمنحهن معرفة صغيرة ينتقصنها بها ويشفين بها غيرتهن فهي ليست مثل نساء القرية تجمعهن قرابة الدم والنسب معاً وتعرف كل واحدة منهن نقيصة الأخرى ومواطن الضعف في طفولتها أو في صباها فيتعايرن بها وينهش بعضهن حين تحين فرصة لذلك ، لذا ظلت روضه بعيدة عن الهمز واللمز فيما كانت كل واحدة منهن مرعى لنميمة طارئة أو سخرية دامية تنتهي بقبول صاحبتها أن هذا هو واقع الرفقة .
    في اليوم الخامس عشر من شوال حين اكتمل القمر الأول بعد رمضان كان ( اسماعيل ) قد أعلن لأهل أم بادر أنه سيزوج إبنه ( فرح ) من ابنة عمه ( جبريل ) وفي مساء ذلك اليوم اعتبر كل فرد في قرية ام بادر أن عليه واجب العون والمشاركة في الإحتفال . الكل ذهب ولم يبق َ أحدٌ في بيته . في تلك الليلة رقصت روضه كما لم ترقص امرأة في ام بادر ..نقضت ضفائرهاالممشوطة قدرية والممزوجة برائحة الحناء ، أسدلت غيمه من الشعر البني على وجهها ونفضت عن روحها تراب الوقت في غناء الحامدي الذي راح يسلب غصون قلبها سلبا في غناء جماعي لفرقة الطمبور الحامدية:
    (يا سالب قلبي اسلب إلينا الغصون ....وغصون النبق سلبها السيل سلبا
    تأخرت روضه ذلك المساء عن البيت ، عادت روز وفرشت فراشها في الركن القصي عن غرفة الشمل ونامت . عندما دخلت روضه البيت لم تفطن لمن كان يرصدها ..هبت نسائم بارده أطفأت حمى جسد روضه الفائر ببهجة الرقص وكشفت عن نحر روضه اللامع ،من العرق الساخن ..فاحت رائحة الورد والحناء من شعر رفعه الرطب نثرته خلف ظهرها وفتحت صدرها لتبرد..مشت نحو شجرة النبق لتشرب من القربه التي كانت معلقة في غصنها . كان هو واقفاً عند القربه ..أصابه العطش فجاء ليشرب أيضاً ..رآها ووقع في عشقها ..لم يقاومها فسكن في جسدها وترك رحلته الشمالية .
    بسم الله علينا وعليك من الجن المسلم القادم من بارا ذاهباً إلى الشمال .
    قالت أم ماجدأيضاً " أن الجن يدخل المسلم عندما يكون في أقصى حالاته أن كان فرحاً وطرباً أو هلعاً أو حزناً ، لذا يلزم المسلم أن يذكر إسم الله في كل حالاته ولا تأخذكم أرواحكم لمنتهاها فتشف وتضعف."
    لم تعد روضه كما كانت من قبل لا سيما بعد أن يصرعها الجن ..قالوا أن روضه تغيرت كثيراً..صارت نزقة وصفراء اللون. قالت روز أنه لم يكن أكثر من الوحام الذي يداهم النساء الحوامل ،لكن روضه تحيض كل شهر وبطنها لم تنتفخ وماجد كف منذ ذلك اليوم عن معاملتها كما يفعل الأزواج.
    قالت أم ماجد : أن الجن كان يصرعها كلما رأى ماجد زوجها وقالت أيضاً أن الجن يعذبه أن لا تكون له وحده وعندما جاءوا بقاهر الجن الأسود ( مرعب ) ووضع رأس روضه تحت إبطه أخذ الجن ينفض جسد روضه كالريشه ،هدده مرعب أن يخرج وإلا قتله .
    تضحك حليمة الجدة وتشرح لبناتها : " إن الجن بسم الله علينا وعليكن لا يحبون رائحة الرجل الأسود..يالله في رجاك يا رحمن".
    عندما وجدوا جسد روضه طافحاً على وجه البئر عرفوا أن الجن قد كسر رقبة روضه ورمى بها في البئر .
    كانت روح روضه تدور بالقرب من مجلس القرية..جلبابهاالطويل يكنس الحصى في حلمها القديم وقبل أن تقفز في البئر للمرة الأخيرة سمعت روح روضه رفيقتها (مريم) بنت فيصل تحدث (مرام) زوجة أخيها فوق ساحت حوش دارهن كما كن يفعلن في الأماسي الرطبة الماضية قائلة :
    :" إن ماجد هو من ذبح روضه." شهقت مرام
    أسكتي لا يسمعك أحد:.
    :أقول لك أن من كسر رقبة روضه ليس الجن بل ماجد . روضه يوم عرس (إبن سليمان) لم تعد للبيت..لقد ذهبت يومها لملاقاة (سلمان) الذي عاد من الأبيض عند البئر..روضه لم تنسَ سلمان ولولا أنه جاء إليها لذهبت هي إليه . إن الجن الذي اختبأ عند النبقة كان ماجد ..لقد رآها وهي تقابل سلمان ،وهي عندما رأته شعرت أن ماجد عرف كل شيء ..قفز قلبها ودخلت في غشاوة طويلة ، ماجد لم يقتلها في ذلك اليوم ..تراجع ..خاف من كلام الناس والفضيحة التي ستعلق بإسمه وسيتحدث الناس عنها وقت طويل وحين رأى ماجد بعد شهور من حوامته الشقية روضه بقرب البئر لوحدها كان يعرف أن روضه لم تعد زوجته كما في الماضي لكنها لن تعود لسلمان أيضاً ، لذا داهمها من الخلف . سمعت روضة تدحرج الحصي تحت قدم ماجد ، لم تتمكن روضه من الالتفات خلفها ففي اللحظة الأخيرة قبض ماجد على رقبتها من الخلف .. ضغط عليها بشدة حتى غابت أنفاسها وارتخى جسدها نحوه فدفع ماجد بجسد روضه إلى البئر .
    دفعت مرام بيد مريم قائلة : ستخرفين قريباً يا مريم ..أذكري الله ..كلامك ينثر الدم في وجه الراجل..ضعي لسانك في فمك ونامي..
    سمعت مريم صوت حصى يتدحرج..نهضت مريم على ركبها لتطل من جدار الحوش القصير..شاهدت مريم ضوء نجمة منحدر يومض عند راس البئر..لمعت النجمة في عين مريم ثم انطفأت كأن شيئاً ما يودعها.
                  

03-18-2002, 01:22 PM

rummana
<arummana
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 3537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما ماتت روضة (قصة)1 (Re: EMU إيمو)

    العزيز ايمو

    استمتعت بقراءة هذا العمل الجميل
    شكرا لك

    رمانة
                  

03-18-2002, 03:09 PM

banadieha
<abanadieha
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 2235

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عندما ماتت روضة (قصة)1 (Re: EMU إيمو)


    إيمو

    قرأة الشاشة وقرأة المطبوع بتفرق معاي..قرأة الشاشة كانت ممتعة..وبعدين أول ما أصل أهلي من المأمورية حأقراها مطبوعة وستكون أكثر متعة..بس تعال ياخوي دا الجزء الأول مش كدا؟ وبعدينك من هو الكاتب؟ إيمو ولا غيره؟
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de