*كنت برفقة ابني الرضيع بمشفى خاص.. *المشفى الوحيد الذي كان مؤهلاً لعلاج طفلي من علته حسب نصيحة الطبيب.. *أو على الأقل كان الأمر كذلك في بدايات الإنقاذ.. *وبعد منتصف ذات ليلة توفي طفلي هذا.. *فطلب مني المدير المناوب أخذ الجثمان ومحاسبة المشفى لاحقاً.. *فالوفاة مفاجئة ولم أكن متحسباً لتبعاتها.. *قال بالحرف الواحد (ربنا يخلف عليك وما تشغل نفسك بالفلوس الآن).. *وبالفعل أحضرت له المبلغ بعد نحو أسبوع.. *وما زلت أذكر وجهه الصبوح (الملتحي) إلى يومنا هذا.. *كان يبدو متديناً (لوجه الله) لا من أجل أغراض (دنيوية).. *كما لم يكن يبدو - من ملامحه- سودانياً (تماماً).. *وعلى عكسه بدوا الذين هم سبب كلمتنا هذه اليوم.. *فهم لم يستصحبوا مشاعر اسمها (الرحمة) عند تعاملهم مع نزيل.. *أو بالأحرى ، مرافق الطفلة النزيلة.. *فالطفلة توفاها الله- فجأة- كما حدث لطفلي الذي تحدثت عنه.. *والمشفى الشهير هو ذو اسم (إمبراطوري).. *وحسب الوقائع فقد طالبت إدارة المشفى الوالد بالدفع فوراً.. *دفع (10) آلاف جنيه وإلا فلن يستلم الجثمان.. *ولو (حضرت الرحمة) لكانت هنالك خيارات عدة.. *خيارات تضمن للمشفى رسومه (الشفقان عليها) هذه من جهة.. *وللوالد المكلوم أخذ جثمان ابنته من جهة أخرى.. *ومن بينها أخذ صك ضمان من الوالد لحين إحضار المبلغ.. *أو استكتابه (وصل أمانة) بأجل معلوم.. *أو استلام وثيقة رسمية منه (كرهينة) مثل شهادة الرقم الوطني مثلاً.. *ولكن أيا من ذلكم لم يحدث لغياب الرحمة.. *فكانت النتيجة أن ثارت ثائرة الأب ليحطم بعض أثاث الإدارة.. *وهو تصرف مرفوض وفقاً (لنص) القانون.. *ولكن بالنظر إليه من زاوية (روحه) فإن فاعله يمكن أن يُعذر.. *فهو قد فاضت (روح) طفلته للتو.. *والمشفى يصر على التعامل معه (بروح التوحش المادي) لزماننا هذا.. *زمان يناسبه مقطع أغنية عدوية (ولا عادش رحمة).. *زمان وصفت جانباً من ظواهر (تدينه الكاذب) في كلمة خلال رمضان.. *فبائع البطيخ لا ينافس مسبحته طولاً إلا لحيته.. *والمسواك داخل فمه لا يخرجه إلا ليقول: (سبحان الله) أو (سعر البطيخة).. *والتي اشتريتها منه بـ(70) باع مثلها لآخر بـ(100).. *علماً بأنه ذكر لي - قبل ثوانٍ- أن ربحه فيها لا يتعدى الـ(5) جنيهات.. *أي ربحه بعد أن باعها لي بالمبلغ المذكور.. *وغابت الرحمة من مشافينا ومدارسنا وأسواقنا و(حياتنا).. *ولولا أن كتب الله على نفسه الرحمة لأهلكنا، ربما.. *فحتى اليهود يعرفون (حلاوة الرحمة!!!).