الحبوبة -- امدرمان وذكريات زمان مختارآت من كتاب امدرمانيات بقلم هلال زاهر الساداتي

الحبوبة -- امدرمان وذكريات زمان مختارآت من كتاب امدرمانيات بقلم هلال زاهر الساداتي


04-10-2016, 08:12 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=7&msg=1460315523&rn=0


Post: #1
Title: الحبوبة -- امدرمان وذكريات زمان مختارآت من كتاب امدرمانيات بقلم هلال زاهر الساداتي
Author: هلال زاهر الساداتى
Date: 04-10-2016, 08:12 PM

07:12 PM April, 10 2016

سودانيز اون لاين
هلال زاهر الساداتى-
مكتبتى
رابط مختصر




من منا من جيل الاربعينات والخمسينات من لم تهدهده حبوبته وغمرته بحنانها الدافق وشنفت أذنيه بحكاوي جميلة هي أعذب من الموسيقي ، وخافت عليه خوف الطائر من البلل ، وانتهرت أمه عندما تقسو عليه وتحول بينها وبينه عندما تروم ضربه ، وتخصه بالتمر والحلوي ؟ هي الجدة أو الحبوبة كما نسميها وأنك تري أن الأسم مشتق من الحب كما أسم الرحمن مشتق من الرحمة ، والحب كما نعلم نبع دفاق من الحنآن والشفقة والرقة والجمال ، والحبوبة بعد ذلك وقبل ذلك كنز من الخبرات ومستودع لحكمة الأجيال والقرون الفائتة وسفر لتاريخ الأحداث والوقائع وربما تكون أقرب للكمبيوتر اليوم الذي يحفظ لنا كل شيئ ولكنه يتفوق عليها في أن ذاكرته لا تضعف ولا تبلي بمرور الزمن ألا أنه بلا روح ؤبلا أحساس أو نبض كما الحبوبة ولأمر ما قال السودانيون ( الما عنده كبير يسوي ليه كبير ) ، فالحبوبة هي الخبيرة في أمور العرس والمأتم وهي المستشارفي أمهات الأمور وهي مع الجد يكونان رأس الأسرة المدبر والذي تتداعي اليه سائر أعضا ئها بالأحترام والطاعة ، أكاد أجزم أن كل واحد منا فيه شيئ من تأثير الحبوبة بما كانت تقصه علينا من حكايات شيقة عن ود النمير وفاطمة السمحة والغولة ، وأكاد اجزم أنه لا يوجد قاص أو مبدع وألا في خلفية ذهنه ما سمعه من الحبوبة في طفولته ، فالماء مهما يجري مترقرقا" منسابا" في مساره الطويل فأصله ومنبته هو النبع .. كنا نحن الصغار في دارنا عندما يأتي المسآء نتحلق حول حبوبتنا في عنقريب واسع نطلق عليه اسم سفينة نوح وكان كل واحد منا يريد أن تحكي لنا ( حجدوته) المفضلة ، فهذا يقول ( عليك الله يا حبوبة حجينا بود النمير ) ، والثاني يقاطعه ( لا يا حبوبة عليك النبي لو ما حجيتينا بفاطنة السمحة ) ، ونثير جلبة وكل منا يلح عليها فتحسم الأمر وترضينا جميعا" بقولها (بحجديكن بيهن كلهن ، سمح يا أولادي ) ، وتهدأ الضجة وتشرئب الأعناق والآذان ويحل علينا سكون كسكون المتبتل في المحرأب ، وتشرع في سرد ( الحجوة ) قائلة ( حجيتكم ما بجيتكم ) ، ونرد عليها بنفس واحد ( خيرا" جانا وجاك )، وقليلا" قليلا" يداعب النوم أجفاننا ثم يتغلب علينا ونغففوا في نوم هانئ ، وتنادي حبوبة أمنا لتحملنا الي فراشنا ... ولم يكن هناك راديو ولا تلفزيون بل لم تكن هناك أنارة بالكهربآء داخل البيوت ولكن الأضآءة بمصابيح الجاز ( الفوانيس ) وبالرتاين في المناسبات كالأفراح وسبوع السماية وليالي الذكر وتأتينا حبوبة في كل مرة ( بحلقة) جديدة من مغامرات ود النمير وفاطمة السمحة مثل المسلسلات اليوم في الراديو والتلفزيون وكثيرا" ما استعدنا حلقات مختارة منها ونستمع مستمتعين بلذة لا تنضب ولا نهجع في الفراش الا بعد أن يهزمنا النوم ونحن نقاومه ونغالبه الي أن يغلبنا ونحن نكاد نفتح أعيننا بصعوبة ونحن نستمع الي ( الحجوة ) في منتصفها أو آخرها ....
لقد كانت الحبوبة مؤسسة ثقافية تربوية بلغة اليوم ، وكانت تلك الحكايات الي جانب كونها شيقة ومسلية تحتوي علي مضامين وقيم أخلاقية سامية تعرض لنا فضائل الصدق والشجاعة والشهامة والكرم وتبغض لنا رزائل الكذب والخيانة والبخل أو بمعني آخر تحبب الينا مكارم الأخلاق ، وكانت تفتح لأذهاننا عوالم من الخيال فتنمي فينا ملكة التخيل التي هي مبتدأ أي أختراع أو أبداع فني أو أدبي ، أي أن الحبوبة كانت تقوم بعمل وسائل الأعلآم ألحديثة مجتمعة كالراديو والنلفزيون والسينما والصحف وربما الكمبيوتر والأنترنت ...
اولئك كن الحبوبات ، آمنة وخديجة وفاطمة وعرفة وميمونة ، ذهبن واندثر معهن حكاوي فاطنة السمحة وود النمير وجاء الزمن الحديث والتطور بحبوبات حديثات كما جاء بوسائل الأعلام الحديثة وأصبحت الحبوبات سحر وسناء وسوسن ونرجس ....الا تري أن أسماءهن لا يناسبه نعت حبوبة ؟ فيا رحمة الله أغشي حبوباتنا وأنزلهن الله منزلا" مباتركا"في جواره .
هلال زاهر الساداتي 492016

أحدث المقالات
  • جامعة الخرطوم للبيع... أيها السودانيون! بقلم عثمان محمد حسن
  • الفلسطينية ... إلى أين؟ بقلم ألون بن مئير
  • اللجان الوطنية للقانون الدولي الانساني ما هي وما طبيعة عملها بقلم د محمود ابكر دقدق
  • قناة الجزيرة.. والسودان..! بقلم الطيب الزين
  • السودان: المراحل المبكرة لمعنى الاسم ودلالته 2 بقلم احمد الياس حسين
  • مرور عام علي الحرب في اليمن فشل التدخل المذهبي تصاعد الازمه الانسانيه بقلم دالحاج حمد محمد خيرا
  • في ذكري الشهيد ميرغني محمود النعمان شهيد جامعة سنار لسنة2000م والذي
  • مني السلام..............!!بقلم توفيق الحاج
  • ما زال كلب الحر فاقداً البوصلة! بقلم عثمان محمد حسن
  • ليس بعيد للحي .. بقلم عمر الشريف
  • شكراً الرشيد.. لكن! بقلم كمال الهِدي
  • ( ماعندها قشة مُرة) بقلم الطاهر ساتي
  • حكاية بلا بداية ولا نهاية قبل الكتابة بقلم أسحاق احمد فضل الله
  • مدينة بارا الجزء الثالث من مذكرات سيد الحاج
  • التحدي الذي يواجه الصحافيون فى البرلمان!! بقلم نبيل أديب عبدالله
  • التحدي الذي يواجه الصحافيون فى البرلمان!! بقلم حيدر احمد خيرالله
  • وداد بابكر مضوي و تهاني عبد الله عطية وزيرة الاتصالات و تكنولوجيا المعلومات بقلم جبريل حسن احمد
  • أنصارد. النعيم د. ياسر نموذجاً الأستاذ محمود ودعوته الأخيرة (أ) بقلم خالد الحاج عبدالمحمود
  • طوبى لآل مهند الحلبي في الدنيا والآخرة الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (107) بقلم د. مصطفى يوسف
  • الاستغلال والاحتكار وانفلات الأسعار بقلم نورالدين مدني
  • تائه بين القوم/ الشيخ الحسين/ مدد يا مصر الكنانة
  • مع الدكتور الزهار بعد لقاء الدوحة بقلم د. فايز أبو شمالة
  • .. وبدأت المرحلة الأخيرة من تصفية الثورة السورية بقلم موفق السباعي
  • كفوا عن اتهام فخامة الرئيس بقلم سميح خلف