نظريه المعرفة عند إيمانويل كانط ...خواطر مهمه

02:57 AM February, 09 2018

سودانيز اون لاين
طلعت الطيب-Guelph, Ontario
مكتبتى
رابط مختصر

السلام عليكم
هذا ملف اخر مهم وددت ان أتناوله رغم المشغوليات والهموم الخاصة
والظروف الصعبه التي يعيشها الناس في السودان
والحراك السياسي المتعسر الذي يستهدف تغيير نظام الإنقاذ
بعد قرابه الثلاثين عام من الفشل علي جميع الاصعده ..
انتشار الاسلام السياسي او حركه الاخوان المسلمين الذي مكنها
من تنظيم انقلاب الإنقاذ
وقبل ذلك التمكين الذي حدث لها بعد تحالفها مع المؤسسه
العسكرية السودانية علي ايّام نميري (وهو تحالف مازال قائما الي
اليوم )
هذا الانتشار يستدعي منا وقفات لتقييم موقف جيل الاستقلال
من قضيه الحداثه وكذلك موقف الأجيال اللاحقة من قضيه
المعرفة في ظل نظام تعليمي تلقيني فقير أورثنا احزاب وطنيه
تتسم بضعف بنيوي وغياب للديمقراطيه في حياتها الداخلية
ومجتمع ذو مناعه ضعيفه تجاه المشاريع الشموليه ..
صاغ مشروع الحداثه عدد من المفكرين الأوروبيين وهناك عدد
منهم صاغ اعمال مهمه مارست القطيعة مع اتجاهات التفكير
في الغرب ووفتحت آفاق جديده في المعرفة من ديكارت وروسو وفولتير
وديفيد هيوم وباركلي وليبينز وماركس الخ
ولكن تجدر الاشاره هنا الي ضروره الانتباه مثلا الي حقيقه
ان اهم اعمال هيوم مثلا مثل مقاله في طبيعه البشر كتبه وهوصغير
السن قبل سن الثلاثين
كذلك كتب ماركس مخطوطته الفلسفية والاقتصاديه والأيديولوجية
الالمانيه وهم لم يبلغ الثلاثين بعد
بل صاغ الرجل البيان الشيوعي وعمره ثلاثين سنه مع صديقه إنجلز
الذي كان يصغره بعامين ..
هذه الظاهره في حد ذاتها تستطيع ان تشير
الي انعدام النضج في هذه الاعمال
رغم أهميتها في تاريخ الفكر الإنساني
كتب ماركس راس المال وهو في نهايه الأربعينات
من عمره وفِي هذا دلاله علي نضج وعمق وتحليل
يشهد عليه العمل نفسه ..
كتب إيمانويل كانط اهم أعماله في نظريه المعرفة
وهو نقد العقل الخالص وتبعه بنقد العقل العملي ثم الأحكام
وهو في السابعه والخمسين من عمره
توقف كانط عن الكتابه بعد أطروحته الشهيرة في الجامعه
الي ما يقارب تسعه سنوات ( فترت سبعينات القرن الثامن عشر)
فترت صمت طويله خرج بعدها موضوع هذا الخيط
الموجود ضمن عمله العظيم (نقد العقل الخالص)
The Critique of Pure Reason
هذا البوست او هذا الملف ربما يتطلب صبر ممن يتابعه /تتابعه
لأنني ربما أتغيب عنه لايام قبل ان أعود للمواصله
ولذلك اتمني ان يجد الاهتمام والمشاركه والتفاعل
حتي تزداد قيمته المعرفية

لأنني اعتمد علي ترجمات انجليزية لاعمال كانط
فإنني انبه الي ترجمتي لمصطلح transcendental
وهو من المصطلحات المهمه عند كانط الي مدلول
يتعلق بقدرتنا علي التفكير في الأشياء وليس الأشياء
نفسها وهي بذلك تعني بخاصية ذاتية (الذات ) subject في معرفه
الشيء او الاخر (الموضوع) object
أترجم كلمه ميتافيزيقيا بمعني ما يلي الطبيعي حسب تسلسلها
في كتابات اعظم الفلاسفة الإغريق اَي مكانها في تلك المخطوطات
او ربما أترجمها كما هي ميتافيزيقيا .
يري كانط ان للعقل او الروح ثلاثه ملكات faculties
وهي صياغته لما ورثه من تراث لاهوتي وميتافيزيقي في الثقافه الغربيه
في الوقت الذي عاش فيه كانط
حيث الروح تعني ماده التامل والتفكير عنده
ولذلك وفِي كل مشروعه النقدي نجده نشاط يتعلق بالتحقق
من مشروعيه (الانقسام الثلاثي للروح)
وهو تقسيم يحاول ان يعيد كل ( حكم ) او احكام judgement للعقل الي
ملكه خاصه وذلك بحيث يثبت ان كل حكم او القدره علي إصدار حكم ما
لقوي حيه هي الانسان يمكن ان يتأسس علي النحو التالي :
هذه يشكل معرفه ( نقد العقل الخالص )
ما يتوجب علي الانسان من تصرف او التعامل بطريقة معينه
(النقد الثاني - نقد العقل العملي)
النقد الثالث يرتبط بالأحكام الخاصة بالشعور
هذا إطار عام لمشروعه النقدي لأعماله الثلاثه
لكن ما يهمني هنا هو محاولة التعريف بأهم مشاريعه الثلاثه
وهو النقد الاول اَي نقد العقل الخالص لاهميته البالغه في موضوع المعرفة
الي يومنا هذا

العزيز طلعت

تحياتي وكثير احترامي لما تكتب ، خاصة في قضية أبدعها عمانويل كانت ، في القرن الثامن عشر أو عصر التنوير .
ولست أعلم مدى جدوى طرح موضوع في المنبر العام ، علماً بأن الموضوعات الفكرية خارج نطاق اهتمامات الكثيرين .
فقد اعتاد أعضاء سوانيز استسهال الموضوعات . ولم يزل كثيرون يؤمنون بالخلق من العدم !.
أشيد بصبرك على الموضوع ، واختيارك الصائب لنظرية المعرفة ، وما يتعلق بها .
شكراً قدومك بالأضحية الفكرية .

*

بالطبع لا يمكن فصل معرفتنا عن مشروع كانط النقدي
عن حياته الخاصة والتحديات التي كانت ماثله في عصره
هذا السياق مهم فقد ولد الرجل في ١٧٢٤ وتوفي في ١٨٠٤
وهو علي مشارف الثمانين من العمر
وقد عاش الرجل ثمانين عام رغم اعتقاده الراسخ بان حياته قصيره
لضعف بنيته ولذلك كان متسرعا بعض الشيء في نشر الطباعه الأولي
من مشروعه النقدي في ١٧٨٠ خوفا من تسبقه المنيه
ثم قام بإصدار طبعه ثانيه أعاد فيها صياغته جوانب مهمه من مشروعه
النقدي خاص ب (الاختزال الذاتي )
وهو تعديل لم يكن موفقا علي الإطلاق كما يري العديد
من المعاصرين وسوف اعود الي هذا الموضوع مستقبلا في هذا
الخيط
ولد كانط لأسره رقيقه الحال فالأب كان (سراج حصين ) يعيش
من صناعه السروج والاشياء المتعلقة بالخيل
وأسرته كانت متدينة جدا وقد أشار كانط لاهميته ذلك
التدين فيما بعد حيث كان يعتقد ان تدين الأسره
ساعدها علي تجاوز المصاعب وشرور الدهر
لم يستلم كانط مرتبا من الجامعه الا في العام ١٩٧١ بعد
ان تم تعيينه بدرجه أستاذ او بروفسور في جامعه كويزنبيرج
وهي مدينه تقع شرقي ألمانيا وأصبحت بعد الحرب العالمية الثانية
ضمن حدود الاتحاد السوفيتي
اعود لمراجعه التحديات المعرفية التي ورثها كانط عن عصره

مرحب بيك استاذنا عبد الله
متابع كتاباتك (الصبورة والعميقة ) في الاسافير
ولعلها فرصه لتسجيل اشادتي باهتماماتك وكتاباتك
في هذا الزمن الصعب .. زمن الوجبات السريعه حتي
في العمل العام
اتمني ان تستمر إقامتك معي هنا فهي شرف ..
ورث كانط ثلاثه تحديات كبيره
الاول كان الميتافيزيقية التي ورثها عن فلاسفة الإغريق
ولذلك عمل علي أعاده صياغتها خاصه مشروع أفلاطون
الخاص بعالم المثال كما سوف أوضح
اما التحدي الثاني فقد تمثل في الصراع بين النيوتونيه ( نسبه الي نيوتن)
من جهه وليبينز الذي يمثل المدرسة العقلانيه من جهه ثانيه
اما التحدي الثالث فهو معالجه قضيه المعرفة في إطار الصراع بين
المدرسة العقلانيه من جهه والمدرسة الطبيعية او التجريبيه من جهر
ثانيه وسوف اتعرض لتلك المعالجة ضمن التطرق الي نقد العقل
الخالص
لكن من المهم الاشاره الي حقيقه ان العقل البشري قد مر بثلاث
أطوار معرفيه وحاسمه الأولي تتعلق بالميتافيزيقيا التي سادت العالم
الي ما يقارب ألفي عام منذ وفاه أفلاطون وأرسطو
ثم النموذج او الباراديم الابستمولوجي او المعرفي الذي بدا برينيه ديكارت
الذي أعد صياغه المعرفة الميتافيزيقية بعد ان كانت تستند الي عالم علوي خالد
سامي مقابل عالم ارضي محسوس ومؤقت
الي موضوع الوعي البشري ( أنا أفكر إذن أنا موجود)
تمر الان المعرفة بمرحله الانعطاف اللغوي linguistic turn
منذ خمسينات القرن الماضي حيث تجاوزت الانعطاف المعرفي الذي
أسس له ديكارت
هنا يمكن الاشاره الي ان فلسفه كانط كانت تمثل بلوغ القمه
في مرحلة الانعطاف المعرفي او الابستمولوجي التي دشنها ديكارت
ولذلك سأحاول العودة في نهايات الخيط الي أعاده صياغه كانط
لمقوله ديكارت الشهيرة التي تحتفي بالوعي ( أنا أفكر )

الأخ طلعت تحياتي

حسنا فعلت بنشرك مثل هذا الموضوع الفكري..‏

مهما يكن الإنصراف عن الموضوعات الجادة فلا أظن أن ذلك مبرر لصرف النظر عن طرحها…‏

فهناك من يود الاستزادة من المعرفة و هناك من ينتظر طرح مثل هذه الموضوعات الفكرية ليشارك…‏

المهم طرح مثل هذه الموضوعات لا يضر أبداً بل بالعكس..‏

علما ان مثل هذه الموضوعات مطروحة للنقاش و السجال و الجدل منذ آلاف السنين..و لا زالت…‏

ختاما …بالتوفيق

و متابعين ‏

+

شكرًا يا محمد عبد الله علي التشجيع
والمشاركه وأرجو ان تبقي معنا في هذه الرحله الكانطيه
شكرًا محمد المشرف علي المتابعة ورفع البوست
حضوركما مشرف
قمت هذَا الصباح بمراجعه ما كنت قد كتبته حتي الان
لاحظت انه قد فات علي ان ان أشير الي التحدي الثالث
ولذلك أعيد صياغه التحديات الثلاثه التي ورثهاكانط في عصره
وهي اولا قصور الميتافيزيقيا ثانيا الخلاف بين المذهب العقلاني
من جهه ( فلاسفته لايبينز وولف ) والمذهب التجريبي من جهه ثانيه ( هيوم )
وقد رأي كانط في العقلانيين دوغماييه
بينما رأي في التجريبيين التشكيك في المعرفة
اما التحدي الثالث الذي نسيت ان أشير اليه في مداخلتي السابقة
هو الصراع بين الجبر predestination الذي تمثله التجريبيه
ومبدأ ان الانسان مثله مثل ظواهر الكون هناك أسباب تتحكم في خياراته casual relationships
وبين الاختيار free will الذي تمثله العقلانيه
وهو صراع كما نري كان وما يزال موجود داخل المسيحيه والإسلام

في أطروحته الافتتاحية حول انواع المباديء لمعرفه عالمنا المحسوس والتي نشرها كانط في العام ١٧٧٠م
يمكن ملاحظه أشياء او أفكار مهمه في الاطروحة أهمها انه قام بأعاده تعريف الميتافيزيقيا
من كونه علم القوي الكبيره The Science of Substantial Forces الي
علم محدوديه العقل البشري The Limits of Human Reasonوهذا تعديل مهم
بقي عليه كانط حتي نشره نقد العقل الخالص بعد تسعه سنوات من الصمت
هذا فيما يتعلق بالتحدي الاول الخاص بقصور الميتافيزيقيا
وقد تم حسمه بشكل نهائي في الاطروحة أعلاه والتي نشرت في ١٧٧٠م
اما التحدي الثاني والثالث فهو الذي استعصي علي كانط
واضطر الي عمل تغييرات كبيره في أطروحته
وهذا ما يفسر فتره الصمت وهي الفترة التي استغرقت منه تسع سنوات
اطلع خلالها كانط علي ترجمه المانيه لديفيد هيوم حول السببية
وذلك في حوالي العام ١٧٧٢
وهي جزء من كتاب هيوم (مقاله في طبيعه البشر )
دعونا الان نتطرق في المداخلات المقبله الي تعامل كانط
مع الميتافيزيقيا وكيف انه اطمأن الي أعاده صياغتها
باستخدام جدل الحضور والغياب

في كتابه الجمهورية الصادر حوالي ٣٦٦ قبل الميلاد
وضع أفلاطون تصور للوجود يتكون من عالمين
عالم حسي ارضي موقت وعالم علوي خالد
وذلك استنادا الي قصه رواها أرسطو
مفادها ان سجناء مقيدين في كهف مظلم تحت الارض
لا يستطيعون رؤيه اَي شيء سوي جدار الكهف
من خلفهم عدد من الناس وتماثيل لحيوانات ومعدات
يقوم هؤلاء الناس الذين يفصلهم عن السجناء حائط قصير يحجبهم
يقوموا بتحريك أنفسهم وتماثيلهم ومعداتهم امام نار متقده
بحيث يستطيع السجناء رؤيه ظلالهم فقط علي حائط الكهف ..
شبه سقراط حاله السجناء في الكهف الذين لا يستطيعون رؤيه
الحقيقة ولكن ظلالها فقط بحال الانسان علي هذه الارض
فهو يري مظهر الأشياء وظلالها فقط في عالمنا الأرضي المحسوس
بينما لا يستطيع رؤيه الحقيقة حقيقه الرجال والنار المضيئة التي تقبع
خلفه تماما مثل سجناء الكهف
هذا التصور الذي صاغه أفلاطون في (الجمهورية ) للوجود هو الذي
ساد لألفي عام قبل كانط وهو نفس التصور الذي تقوم عليه الأديان السماويه
وفِي كل الأحوال يكون انفصال الانسان عن الحقيقة الخالده الجوهرية
انفصال موقت في عالم حسي ومظهري ومؤقت
يبقي الاتحاد مره اخري مع عالم الحقيقة المطلقه ممكن بالتأمل والحكمه عند
أفلاطون وبالإيمان والعمل الصالح في الأديان السماويه

في إطار هذا التصور المزدوج للوجود الذي يقوم علي عالمين
منفصلين يكون مفهوم (الحضور ) presence معادلا للحقيقة الخالده والجوهرية
الذي يمثله وجود خالق مطلق وجوهري وخالد يجسد الحقيقة المطلقه
عند أفلاطون .
ولذلك فان الميتافيزيقيا تستند وبشكل قاطع علي مفهوم الحضور
ولكن هذا الحضور يعتمد علي (غياب ) absence موقت او نسبي
للعالم الأرضي المحسوس والمظهري
وهو شبيه كذلك بغياب العالم المظهري الأرضي المحسوس عن في الدار الاخره
وهنا لاحظ كانط ان مفهومي الحضور والغياب يعتمد كل منهما علي الاخر
ولذلك فان علاقه جدلية تنهض بين المفهومين اسماها جدل او ديالكتيك الحضور
والغياب . ويلاحظ هنا ان كل من مصطلح حضور (موجب) وغياب (سالب) يوضح
كل منهما الاخر ويعتمد عليه بحيث لا يمكن ان يكون لأي واحدا منهم منفردا
اَي (هويه) خاصه به ..
الفشل في تصور او تخيل الغياب دون الاستعانة بالحضور يحول المفهوم الي شيء
شبيه ب (نقص الغياب) وبالمقابل يصير مفهوم الغياب شبيه ب (نقص الحضور)
ومآلات ذلك هو انه لا يمكن فهم وتبرير الحضور لوحده او الغياب لوحده .
هذا يجعل اَي تصور او تمثيل representation او وصف
مشكله لان ما يكون حاضرا لابد وان يعتمد علي ما كان يبدو غائبا .
ولذلك فان تناقض الفلسفة الميتافيزيقيه يكمن في كونها تستند علي
أمكانيه تمثيل الموجود او الحاضر وادعاء حقها في ذلك التمثيل .
من ناحيه منطقيه فان الاعتقاد في التمثيل او التصور لا يمكن ان يتصالح
مع الوجود المطلق absolute being

شكرا العزيز طلعت

بالضبط دي اخر نقطة توقفت عندها في بوست فلسفة الروح

اي كنت بصدد الدخول الي اول مثلث في قسم الذهن النظري

وهو :1- الحدس
2- التمثيل: وبدوره ينقسم الي ا- الاسترجاع ب- الخيال ج - الذاكرة
3- التفكير : ا- الفهم ب- الحكم ج- العقل

والعقل حسب وصفه سيقود الي الارادة (الذهن العملي )

في كل حالة من الحالات اعلاه يزعم هيغل الذي يشتغل علي ادوات

المعرفة الكانطية علي مثلث مباشرة وانشطار المباشرة ثم وحدة

الشطرين كما يزعم وحدة الفهم والحكم في العقل لانه هو نفسه الموضوع والحكم عليه

اهم ملاحظة هي ان فلسفته تجريبية في ثياب تاملية كما يتضح مثلا في اعتبار الحدس

مرحلة ادني وهو في حقيقته عملية استقراء تحدث في العقل بفعل تراكم التجارب

المهم متابع للبوست الهام والضروري وحتما ساستفيد منه ...

مرحب بيك يا عبد اللطيف
وأشكرك علي المداخلة المفيده
واثق انك تتابع وتتداخل مدي شعرت بضروره
ذلك لان هذا الخيط لنا جميعا ..
لاحظ كانط الطبيعه الجدلية الميتافيزيقيا ومدي
محدوديتها حيث أوضح كما قدمت ان مفهوم الله
او الانسان لايمكن التفكير فيه وتصوره اذا انعدم التمثيل
في العقل ولذلك قرر الرجل أعاده صياغه الميتافيزيقيا وتقاليدها
بتحويلها من ازدواجيه عالم علوي جوهري خالد وحقيقي يقابله
عالم ارضي مظهري محسوس ومؤقت الي ازدواجيه من نوع اخر
هي مظهر الشيء وجوهره لان الازدواجية الأولي لا تخدم
قضيه المعرفة

التحدي الثاني :
بعد اطلاع كانط علي أفكار هيوم التي صاغها في مؤلفه الصادر عام ١٧٤٠م
( مقال في طبيعه البشر ) وذلك حينما عثر علي الترجمة الالمانيه في العام ١٧٧١او ١٧٧٢م
قدم وصفه للمذهب التجريبي علي النحو التالي :
اقترح ان التجريب معني بالعادة habit وليس صياغه خبرات ما جديده كما ساد الاعتقاد
اَي كيف ولَم يستخدم الانسان ملاحظات وخبرات سابقه حتي يستطيع ان يستخرج علاقات
وارتباطات جديده ..
وأضاف ان (العاده) واحده من مباديء الطبيعه حيث تكمن كل قواها من تلك الحقيقة.
وبحسب التجريبيين ، فان العاده تكون من مالات المعرفة وكنتيجة لها وهي تجيء بعد
حدوث التجربه والتقاطها لتفاصيلها بواسطة حواسنا .
ولا يعني ذلك ان التجربه تعتمد علي الحواس بمعني ان العقل شبيه في عمله
بأوتار اله موسيقية حيث يحدث في قاعه تردد شبيه بصوت الوتر وتردداته بعد
كل نقره إصبع حيث تتواصل ترددات الصوت ..
تأثير المعرفة بهذه ألطريقه - طريقه الصدي نتيجه نقرات الاصابع - هو من نتايج
الفعل التأملي في العقل ولذلك فان العاده تستند الي وتشهد علي فعل المعرفة
لكنها تبقي مع ذلك غير متكافئة معها بعد.

يعتقد ويلم فان لايبينز ان (١٦٤٦-١٧١٦)
وهو احد اعتمده العقلانيه rationalism في عصره
ان المذهب العقلاني مذهب تحليلي وهو يهتم بمحاوله التنبؤ
بالخبرة او الحدث قبل وقوعه وذلك عن طريق تصميم انظمه
بواسطة الاختزال المنطقي من مسلمات أساسيه
ولذلك فان المعرفة لديه قبليه a priori بعكس
المعرفة في المذهب التجريبي empiricism الذي ناقشته
في المداخلة السابقة حيث تأتي المعرفه بعد الخبره
اَي يمكن وصفها في هذه الحاله بالبعديه a posteriori
ولذلك فان أفكار معينه عند العقلانيين مثل الله
او اللانهائي تستمر ضمن شروط التحري رغم انها مفاهيم
غير قابله للتصور او التمثيل ..
ولذلك فان احتمال الحصول علي معرفه امر وارد
وهو يكمن في الفرق بين الفشل في التمثيل من جهه
والطلب او الرغبه في التمثيل او التصور من جهه ثانيه

بدلا عن الاعتقاد بان المعرفه قبليه اَي انها تحدث قبل التجربه
كما هو عند العقلانيين
او انها تحدث بعد الخبره او التجربه كما هو عند التجريبيين ،
قام كانط بابتداع موديل للمعرفه قادر علي تجاوز عيوب اَي من المذهبين
وذلك في عمله العظيم ( نقد العقل الخالص )
ويمكن ملاحظه ذلك حينما كتب موضحا موقفه :
"كل المفاهيم والأسئلة التي يطرحها علينا العقل الخالص ،
لا يأتي مصدرها من الخبره بل يأتي وبشكل كامل
من العقل نفسه"••
ومن هنا جاء اعتقاد إيمانويل كانط القاطع
بان مشروعه الفكري والفلسفي هو في الأساس
مشروع نقدي للعقل نفسه.
بمعني انه نقد critique للعقل وليس مجرد تعاليم doctorine .
الفايده العميله التي ترتبت عليها استخدام كلمه نقد بحمولتها السالبة
اذا ما قورنت بمفرده تعاليم ، هي ان (السلبيه المرتبطه بالنقد)
استهدف بها كانط محو وأزاله اي نوع من الخيال fantasy
او اوهام تتعلق بكون المعرفه قادرة علي انتاج نفسها
او متطابقة في هويتها بمعني انها قادره علي التعريف بنفسها
self -identical and can present to itself
وهذا ما تم توضيحه في مداخله سابقه من خلال مفاهيم الحضور والغياب

في مداخلتي الخاصة بجدل الحضور والغياب
كتبت ما معناه ان مفهوم الحضور لا يمكن ان يستغني
عن الغياب فوجود الله مثلا كحقيقة مطلقه خوالده لا يمكن ادراكه الا
بغيابنا عن عالم الحقائق الجوهرية ووجودنا في عالمنا الأرضي
المحسوس والفاني .
ولأنه لا يمكن تمثيل او تصور هذه الحقيقة الجوهرية والمطلقة
في اذهاننا ، يصير وجود هذه الحقيقة الجوهرية ممكنا فقط
خارج إطار ديالكتيك الحضور والغياب
وهذا يعيق اَي أمكانيه او حاجه الي التمثيل والتصور .
وهذه هي المعضلة او التناقض الذي تواجهه المسيحيه
في نظر كانط وهي مفارقه كما نري تنهض علي استحاله
تصالح مفهوم الذات المطلقه مع مفهوم التمثيل او التصور

أضاف كانط ان هناك شروط تجعل من الضروري
اعتبار ان عدم. جود الشيء يمكن اعتباره موضوع
غير قابل للتفكير فيه مطلقا
بمعني ان ما موجود بالنسبه إلينا هو ما يمكن التفكير فيه
اَي شيء خارج نطاق تصوراتنا وتفكيرنا هو غير موجود .
هنا كانط يشير الي قصور العقل الإدراك بحكم طبيعته
اكثر من كونه عدم وجود ما هو غير مدرك بواسطة الحواس .
وهذا هو السبب الذي دفع بكانط الي أعاده صياغه الفلسفة
الميتافيزيقيه ومنهجها الي ان تعني بمظهر الشيء وجوهره
بدلا عن ازدواجيه عالم علوي خالد يمثل الحقيقة المطلقه
مقابل عالم ارضي محسوس ومؤقت .
والجوهر Noumena هو طبيعه الشيء في نفسه things in themselves
ومعرفه الشيء في نفسه محدود لعدم معرفته .
( هذا المفهوم يناقض اطروحات كانط قبل نشر نقد العقل الخالص)
اما مظهر Phenmena الشيء وهو ما يظهر لإدراكنا
فانه يتأسس علي. واقع مختلف فيه أمكانيه إصدار احكام judgements عليه تتعلق
بضروره تحديد (جوهره) .
وهي احكام يمكن ان تتصف بالموضوعية
باعتبار ان الفلسفة مهمتها التعامل مع اَي ظاهره ومحاوله احباط او فحص اي ادعاء
ادعاء لمعرفه ما لها علاقه بما هو حاضر وموجود .
لذلك عرف كانط الفلسفة في نقد العقل الخالص
بأنها علم يختص بعلاقه كل انواع المعرفه بالاهداف النهائية للعقل
مما يعني ان الفلسفة هدفها الان اصبح يرتبط ارتباطا لا انفصام عنه
باستحالة ان تغدو معرفه بمفهومها الميتافيزيقي
هذا يعني شيء مهم مفاده ان توظيف كانط هذا النقد السلبي
في برنامج الفلسفة يمكن اعتباره خطوه أساسيه تجاه الحداثه.

لدي ملاحظه مهمه تستدعي تنبيه القرّاء / ات اليها
وهي متعلقة بان محاولات التوفيق بين المذهب العقلاني والتجريبي
في أطروحه كانط التي اشرت اليها والتي نشرها في العام ١٧٧٠
كانت فطيره بعض الشيء وكان قد كتبها قبل اطلاعه علي فلسفه هيوم
وترجمتها الالمانيه حيث أشار الي أمكانيه توظيف مناهج المدرسة العقلانيه
في التعامل مع الجوهر بينما تختص التجريبيه بدراسه مظهر الشيء .
هذا الفصل كان مضرا لعمليه المعرفه
وقد ادرك كانط ذلك وهو ما استدعي تأجيله ل (نقد العقل الخالص )
تسع سنوات اخري .
كان يمكن ان يقع كانط في المأزق المعرفي الذي وقع فيه
الشيوعيين حيث مازالت الفلسفة التي تعتمدها الأحزاب الشيوعيه في مكاتب
التعليم الحزبي تعتمد وصف مثالي ideal من جهه او مادي من جهه ثانيه
(الاول ذو حموله سالبه ) وهو تصنيف اعتمدته تلك الأحزاب
بناءا علي ما عرف ب( المساله الأساسيه في الفلسفة )
او أوليه المادة علي الروح أم العكس ..
الحقيقة ان هذا خطا شائع وضار لان عالم المثال realm of ideas
يختص (بالجوهر ) ومدي واقعيه او صحه الأفكار
يعتمد علي استقصاء (المظهر) بموضوعيه قبل إصدار أحكامنا
علي جوهره وبالتالي أمكانيه معرفه الجوهر معرفه موضوعيه بهذا المعني
و لايمكن علي الإطلاق تصنيف كانط بانه مادي او مثالي
هذا ما سوف اعود اليه في نهايات الخيط حينما
اعرض علي الافتراضات النهائية في نظريه المعرفه عند كانط
من الخطا إصدار توصيفات تنطوي علي احكام عامه في وصف
فيلسوف ما بانه مادي او مثالي او مادي مثالي الخ من قوالب
واكليشيهات لان مثاليه او عدم واقعيه فكره ما يجب ان يتم تحديدها بناءا
علي استقصاء ظاهره محدده وإصدار احكام حولها
هذه الأحكام يمكن ان توكد
احكام شخص اخر حول طبيعه جوهر الظاهره او القضيه
او نفي تلك النتائج التي بني عليها الحكم
وفِي تلك الحاله فقط يمكننا الادعاء بمدي مثاليه هذا الرأي او ذاك
بشأن القضيه مثار البحث..
هذا الشمول وذلك والتجريد الكاسح يعتبر ضار بعمليه المعرفه أيا كانت

لحين ميسرة..

كتر خيرك يا طلعت ..وتحية للأصدقاء مرورا ومتابعة..

كبر

الأخ طلعت ‏
تحياتي و أنت تخوض في هذا الموضوع المفيد و الصعب في آنٍ واحد.‏

الدليل على صعوبته ليس في لغته الاكاديمية التي تفرض نفسها لشرح المضمون الفلسفي عند مناقشة قضاياه..

و لكن ‏تكمن الصعوبة كذلك في طبيعة الموضوعات نفسها و التي لم يتم التوصل فيها لشيء محدد أو نهائي أو حاسم....

فبدأت ‏مناقشة هذه الموضوعات و كأنها تسير في مسار دائري منذ آلاف السنين منذ عصر ارسطو و افلاطون..

إذ لا زالت هذه ‏الثنائية هي طابع السجال بين الفلاسفة ما بين مثالية و تجريبية.‏

فهل ما من نهاية لهذا الجدل؟ و هل كُتِب على المتابعين و القراء فقط الاصطفاف وراء هذه الفكرة أو تلك؟

فلا زالت التساؤلات الكبرى مطروحة للتساؤل و الجدل منذ فجر التاريخ الإغريقي: الميتافيزيقيا..الوجود..الله... الزمن ‏‏... الخلود طبيعة المعرفة .... العلاقة بين الوجود و المعرفة

(انطولوجيا مقابل ابستيمولوجيا).‏

أم أن العقل الإنساني فعلا قاصرا عن أن يتناول مثل هذه الموضوعات ناهيك عن التوصل لرأي نهائي؟

و حتى لا أطيل أظن أن كانت حاول أن يجد مسار أو حل وسط بين المثالية و المادية/ التجريبية.‏

و لكن كل ذلك يجب أن لا يثنينا عن التساؤلات الفلسفية ..‏

هناك أيضا ملاحظة تستحق الالتفات إليها :و هي أن الفكر الفلسفي المعاصر على وجه الخصوص ظل أسير النظرة ‏الغربية و التفكير الغربي

و بالتالي صبغ الفكر الإنساني بصبغته....و ظل المفكرين العرب و الاسلاميين يجترون نفس ‏الأفكار و الفلسفات ...‏

و لو سمح لي المقام سأورد وجهة نظر من أحد المفكرين ممن ينادي بالخروج من إسار الفكر الفلسفي الغربي أو طبعه ‏بطابع شرقي أو عربي أو اسلامي.‏

و أحييك على طرحك هذا الموضوع..

و لنا عودة

الاخ الفاضل محمد عبد الله
اشكر جدا لرفع البوست لان ذلك دليل
علي المتابعه والاهتمام وده بيرفع عني
الإحساس بالغربه
طرحت تساؤلات جد مهمه
لو تلاحظ ان اهتمامي ينصب علي نقد العقل
الخالص فقط والسبب في ذلك يعود الي إيمان
عميق بان الحداثه التي تعاملنا معها في السودان
وتأسست عليها مفاهيمنا وأحزابنا السياسية تحتاج الي
مراجعه وأعاده تقييم
أعاده قراءه المشروع النقدي الاول لكانط يجيء
من هذا الباب ، باب ضروره قراءه جديده لمشروع
التنوير الأوروربي
هذه القراءه تتم بدرجه عاليه من الحس النقدي يراعي
التعدد الثقافي والاختلافات بين الافراد والشعوب وظروف
تطورها الخ انطلاقا من حقيقه ان هناك أشياء مشتركه
بين الإنسانيه جميعا
أنا اعتقد ان المعرفه نوعين هما معرفه عقلانيه واخزي حدسية
والمشاريع التي قامت عليها الحداثه الأولي تكمن أسباب
فشلها وتركها لفراغ تمدن فيه التيارات الدينيه المتطرفه ،
يعود الي الاعتقاد بان اعتماد نوع واخد من المعرفه
وهو المعرفه العقلانيه او ( السبب ) وقد كان ذلك علي حساب
طبيعه الانسان وفِي تقديري هذا هو الطابع العام لمدارس
الحداثه التي تاثرنا بها في السودان والمنطقه
من ماركسيه لينينية الي أفكار قوميه الخ
قراءتي كانط تتم في حذّر شديد لان ما كل ما كتبه
كانط كان صحيحا او واضحا
بل أضع في تقديري الظروف التي كتب فيها الرجل
هناك بعض الحشو الغير مفيد في اعمال هذا
الفيلسوف العظيم ولذلك تجدني احاول ان استخلص
اكثر الطرق وضوحا في توضيح أفكار ونوايا الفيلسوف
فيما يتعلق بنظريته في المعرفه وذلك لاهميتها الشديده..
في المداخلات القادمه باْذن الله ربما أتطرق لفلسفته الاخلاقيه
التي صاغها كانط في مشروعه النقدي الثاني المعروف بعنوان
نقد العقل العملي ولذلك لسبب مهم يتعلق بمحاوله توضيح
التحدي الثالث الذي ورثه الرجل وهو التحدي
المتعلق بقضيه الجبر والاختيار
التي سبق ان نوهت لها في السابق
أكرر شكري ومحبتي وتقديري

مرحب بيك يا كبر
اتمناك بخير والاسره الكريمه
مع شتاء ألبرتا القارس
شكرًا علي المرور الكريم
انتظر عودتك ومشاركتك اذا أمكن

صباح الخير
سأواصل باْذن الله بعد يوم او يومين
لكن قبل ذلك انبه الي ان موضوعي الأساسي
هنا هو نقد العقل الخالص لكانط
لان نظريته في المعرفه يمكن استخلاصها
من هذا العمل النقدي العظيم
صاغ كانط مشروعين نقديين احدهما اخلاقي
وآخر حسي او جمالي
وهذين المشروعين ليستا موضوعنا هنا
سوف اتعرض لمشروعه الاخلاقي في مداخله
او اثنين فقط لتوضيح التحدي الثالث
الذي ورثه كانط عن عصره وكيف تعامل معه
وهو التحدي الخاص بسؤال الانسان الابدي
في كل مكان حول ما اذا كان الانسان مخيرا أم مسيرا
او ما عرف بموضوع الجبر والاختيار

السلام عليكم / ن
كانت خصائص الطبيعه او المادة والإحساس بها
ينحصر في البارد والساخن - الجاف والرطب
وقد سادت هذه المعارف من الفلاسفة الإغريق
حتي مجيء اسحق نيوتن واكتشافه لقانون الجاذبية
وان الكون واحد وأيجسم مرتبط بالاخر
وفقا لذلك علي خلفيه قوانين نيوتن اصبح العالم مختلف .
اصبح عالم ميكانيكي اَي عالم تربطه علاقات حتميه
ترتكز علي قوانين لا فكاك منها وأصبحت العلاقات الزمانية والمكانية spatiotemporalاهم
خصائص المعرفه لعالمنا الخارجي بدلا عن الجاف والرطب الخ …
كان كانط ابن عصره متصالحا مع اكتشافاته العلمية
ولذلك فهو كان شديد الاعتقاد (بحتمية ) العالم الطبيعي
وهو عالم الظواهر التي يمكن الوصول عن طريقها لجوهر الشيء ومعرفته
باستخدام الملاحظات والتجارب والخبرات التي تستند الي المناهج العلميه
عالم الظواهر عند كانط هو عالم جبري لانه يقوم علي العلم التجريبي
وقوانينيه ولا مجال لحريه الاختيار في عالم نيوتوني (نسبه الي نيوتن ) جبري ميكانيكي
هذا فيما يتعلق بعالمنا الذي نعيش فيه اما فيما يتعلق بعالم البشر
فان المساله تختلف لان القيم والاخلاق عالم مختلف
هو عالم الجوهر او الحقيقة وليس عالم المظهر (عالم المظهر عالم سادت فيه تصورات نيوتن)
جوهر الانسان ككائن عاقل هو عالم قيم ،
فيه مجال ل (حريه الاختيار ) فكل إنسان له القدره علي ادراك القانون الاخلاقي
الذي يمكن ان يهتدي به الانسان أينما وجد هذا الانسان والقانون الاخلاقي
يفترضه العقل او الوجدان السليم
يعرف بالتجريبيه القاطعة او الضروره الحتمية ان صحت ترجمتي ل categorical imperative
يتكون القانون الاخلاقي العالمي من مباديء عامه لا يحتاج الانسان الي دين او معتقد
لإدراكها مثل ( انه يجب علينا ان نعامل الناس كغايات وليس كوسائل )
اَي النهي عن استخدام شخص اخر كوسيلة لتحقيق أجنده واهداف خاصه
لان هذا منافي للاخلاق ..
بعد ان يحدد شخص ما خياراته بارادته الحره وفقا لقانون اخلاقي كوني
يتعين عليه تنفيذ هذا الخيار او ذاك في عالم الظواهر
بقوانينه المعروفة .
هذا فيما يتعلق برويه كانط لإشكالية الجبر والاختيار

استراحة نعود بعدها الي موضوعنا الأساسي نقد العقل الخالص

اعود بعد غياب اضطراري
كي أواصل هذه الخواطر
رأيت انه من المهم اولا مراجعه
المفردات مثل تمثيل او تصور
Representations
عند كانط
ومقارنتها بكلمتي فكره عند لوك
وادراك عند هيوم
لانه وفِي تقديري ان الثلاثه
كانوا يطلقون الفاظ مختلفه
للدلاله علي شيء واحد
لكن من المهم معرفه المعني
الذي قصده كانط حينما استخدم
كلمه تمثيل representation
في مشروعه النقدي الاول
(نقد العقل الخالص )

صباح الخير وسلام الله عليكم /ن جميعا
كلمه تمثيل representation مهمه من اجل استيعاب كيفيه حدوث المعرفه عند كانط وقد اشتهر كانط
باستخدام هذه الكلمه لوصف نفس الشيء الذين كان يطلق عليه لوك لفظ فكره
ideaوكان يطلق عليه ديفيد هيوم كلمه ادراك perception
إذن كلمه تمثيل تعتبر كلمه مهمه في قاموس كانط اللغوي
لوصف أشياء وصفها من قبل لوك وهيوم بمفردات مختلفه
هذا كل شيء ببساطه ودون تعقيدات
وتمثيل عند كانط تطلق علي محتويات العقل التي لها
دلالات معرفيهOf Cognitive Significanceوهنا علينا
ان نفرق بين التمثيلات التي لها دلاله معرفيه
من تلك التي ليس لها مثل الشعور او الإحساس باللذه والالم ،
هذه أحاسيس ليس لها دلالات معرفيه نحن نحس بها فقط
وهي لا تدخل في باب التمثيل عند كانط ..
التجربه عند كانط تمر بمراحل ثلاثه أساسيه في العقل
وهي مرحله الإعتقال في الحدس intuition
او الطبيعه للأجسام الطبيعيه او بتعبير
اخر استقبال الخواص و الصور في المخ حالما نراها او تنقلها إلينا
حواسنا الخمسة بخصائصها المتعددة كالحجمً والوزن واللون الخ الخ
من خصائص متعددة تنقلها حواسنا الي الدماغ emperical mind
ثم تلي مرحله الإعتقال هذه apprehension
مرحله ثانيه هي أعاده إنتاجها في الخيال reproduction
ثم تاني المرحله الاخيرة وهي المتعلقة بمعرفه هذه الأحاسيس
او التعرف عليها recognition
هذه العمليات الثلاث التي يقوم بها المخ تتم في شكل تركيبات synthesis
بمعني ان العقل يقوم بتركيب الإحساس الخاصه باستقبال
الأشياء الموجودة في الطبيعه اولا ثم يتاثر بها
ويقوم بتركيب أعاده إنتاجها في الخيال
تبعا لقواعد معينه وليس أعاده انتاج عشوائية
ثم تاني المرحله الثالثه والاخيرة وهي مرحله التعرف علي
هذه الأشياء الموجودة حولنا
هذه العمليات الثلاث معقده بعض الشيء
وياتي التعقيد من كوّن المخ يُستقبل الأجسام
وفق تعددها او وفق خواصها المتعددة
ويعتقلها بواسطة الحدس intuition
وهذا الحدس يلعب فيه الزمان والمكان الدور الأساسي .
عند استقبال عقلنا لانعكاسات الماده من حولنا
فانه يقوم بذلك اعتماده علي حدس او علاقات مكانيه spatial
اكثر من كونها زمانيه temporal ولكن حينما يتاثر المخ
بهذه الانعكاسات من العالم الخارجي ويتأثر بها
يقوم بتركيب العمليه الثانيه وهي مرحله أعاده الانتاج في الخيال
فان ذلك يتم وفقا للحدس الزماني وليس المكاني (ترابط الأحداث زمانيا اَي الاول ثم الثاني وهكذا )
وذلك وفقا لقواعد معينه سأعود الي ذلك لكن انبه فقط هنا الي التعقيدات المتمثله
في تحويل التعدد اي تعدد الصور لخصائص الأشياء
وتعدد أعاده إنتاجها لا تستطيع ان تنتج معرفه
لان التعدد لايمكن ان ينتج معرفه
ولذلك وحتي تتم المعرفه لابد للعقل البشري من تحويل التعدد
الي وحده حتي يتم الوعي Unity of Consciousness

في المداخله السابقة قدمت تلخيصا وصفي
وسريع لكيفية معرفتنا للاشياء من حولنا
او العمليه التي تحدث في الدماغ وبموجبها تحدث المعرفه
من حولنا ولا أتوقع ان أكون قد وضحت كل شيء
ولكنه كان استعراض سريع للعمليات او المراحل
التي تحدث في المخ وتتحول الأشياء التي نلاحظها
ونراها الي معرفه ولذلك سوف اعود بالتفصيل
لتوضيح هذه المراحل كما تصورها كانط
لكن من المهم هنا الاشاره الي حقيقه ان
معرفتنا للاشياء ( لا تتطابق ) بالضروره مع ما نراه من مظاهر ماديه
من حولنا بل بالاحري هي سلسله (احكام ) Structure of judgementsيلاحظ
هنا ان المعرفه عند كانط لا تقوم علي زعم مطابقه الفكر للواقع
او ان ما في الأفهام يطابق ما في العيان
والوقوع في الوثوقية dogmatism
التي ميزت مدارس الحداثه الأولي
كالماركسية اللينينية التي تعنينا لوجود ممثل
لها في الحراك السياسي السوداني منذ استقلال البلاد
حقيقه ثانيه مهمه حول طبيعه المعرفه عند كانط
يمكن ان تبعدها عن شبهه عدم الموضوعيه
يجب الأشاره اليها كذلك
وهي المتعلقة بالتزام كانط التام في مشروعه
النقدي للعقل الخالص بتعاليم عصره
المتمثله في النقله التي احدثها نيوتن
وأوضح من خلال قوانينه ان العالم مترابط
بقانون السبب والنتيجة وان كل جسم في الكون يؤثر
في الاخر في زمن معين ليخلق التوازن الذي نراه
ولان الوعي صار يمثل مركز الأشياء بعد ديكارت
كما أوضحت في أعلي هذا الخيط
فان كانط كان يري ان وحده الوعي ضرورية
في عمليه المعرفه باعتبار
ان (العقل يمثل منحه الطبيعه ) A given gift of natureوحده
الوعي تعتمد أيضا علي قانون السبب والنتيجة
وهو قانون طبيعي في الأساس
ولكن التساؤل هنا هو كيف يتم تركيب الوعي الواحد
من ادراكات متعددة ترسلها حواسنا الي المخ ؟

كان الاعتقاد السائد قبل نيوتن ان العالم يتكون
من الحار والبارد ، الجاف والرطب
لكن تأكد بعد ذلك ان هذه تعتبر من خصائص الماده
وان الزمان والمكان هو ما يحدد المعرفه
وإذا كان مفهوم ما يتم تحديده بواسطة سند predicate
مثل عباره كل من عليها فان
حيث تعني ان الانسان والحيوان والنبات مخلوقات محدوده الأجل
فان عباره فان هي المسند
ولذلك وفِي مؤلفه بعنوان "توضيحات جديده في مباديء
المعرفه الميتافيزيقيه " الصادر في العام ١٧٥٥م
قام كانط بعمليه مراجعه لما عرف بمباديء التناقضات عند أرسطو
وهي من اكثر المباديء التي تتمتع باليقين المعرفي حيث ساد
الاعتقاد لألفي عام بانه لا يمكن ان يأتيها الباطل من بين يديها ،
اتفق كانط مع العقلاني كريستيان وولف بان الشيء
لايمكن ان يكون هو ونقيضه في ذات الوقت
وبدلا عن التساؤل السائد حول كيف يتم تحديد مفهوم ما بمسند
علينا ان نستبدله بتساؤل اخر مفاده : (متي يتم تحديد مفهوم ما بمسند ؟
بمعني اخر استبدال تساؤلاتنا المعرفيه في اتجاه يتعلق بالزمان
وكنت قد أوضحت ان ديكارت هو اول من نبه الي ضروره
ان الوعي يجب ان يكون مركز المعرفه بدلا عن ثنائية عالم
خالد سلمي حقيقي مقابل عالم مظهري موقت الذي كان سائدا
لسياده ميتافيزيقيا الفلاسفة الاغريق .
وكنت قد أوضحت أيضا أعلي هذا الخيط باعاده صياغه
الميتافيزيقيا التي قام بها كانط والمتعلقة بضروره ان تكون
الثنائية المخلصه بالمعرفة هي ثنائية المظهر والجوهر
ولذلك كتبت انه قام باعاده تعريف الميتافيزيقيا
من كونها علم يختص بالقوي الكبري
الي علم محدوديه العقل البشري
وبذلك يكون كانط قد اقترح بان الاجابات علي العلوم
تكمن في التحليل الانعكاسي بعلاقه المفهوم بالمسند
The reflexive analysis of concept- predicate relationships
لكن الزمان والمكان هي العناصر الأساسيه في مثل ذلك التحليل
او التامل الانعكاسي لأنهما يوفران الظروف للخبره .
القاعدة الأساسيه للحدس او البداهه هما الزمان والمكان
لأنهما يشكلان الشروط التي بموجبها يصير شيئا ما موضوعا لإحساسنا

قبل ان استرسل وددت تسجيل ملاحظه ضرورية
تتعلق بإيراد اعمال لكانط كانت قد صدرت قبل العام ١٧٧٠م
حيث طلب كانط في أخريات سنواته من ناشر أعماله
بالا يقوم بنشر اَي عمل كتبه قبل ذلك العام
السبب في ذلك كان ادراك كانط بعدم المامه
بكتابات روسو خاصه العقد الاجتماعي
لان لروسو كلام مهم يمكن تلخيصه في العباره التأليه :

" عندما يتم عرض مشروع قانون علي برلمان منتخب
فان اهتمام الناس وتساؤلاتهم لا تكون منصبه حول
ما اذا ما سيتم اجازه القانون أم لا ،
بل يكون الاهتمام الحقيقي منصبا حول ما اذا
كان القانون الجديد ينسجم مع الاراده العامه للناس
ام لا"..
بمعني اخر فان جان جاك روسو كان اول من طرح فكره
مهمه تتعلق ب ان "الاراده العامه" للشعب دائماً ما تنتظر الاكتشاف ،
وانه بالتالي فان اقتراح قانون ما
يعني احتمال استحضار تلك الاراده العامه
والتي ظلت مغيبه
وبذلك يكون روسو قد وضع حقوق الانسان
في موقع متقدم
وهو الذي نبه كانط الي اهميه ذلك الامر
مما دفع كانط الي الاعتراف بهذا الفضل لروسو
كتب كانط ما معناه ان روسو (استعدلني ) he set me right
وكان ذلك في منتصف ستينات القرن الثامن عشر

الزمكان
او العلاقات الزمانية والمكانية Spatiotemporal relationships
يمثل كل من الزمان والمكان المباديء الأساسيه للحدس او البداهة
وهما يشكلان الظروف التي بموجبها يصبح شيء ما موضوع لإحساسنا
وبالتالي معرفتنا للاشياء .
الزمان والمكان يمكن حدسهما فقط
وهذا يعني ان الأحاسيس السمعية والبصرية الخ
تقع في جانب سلبي من الدماغ لانها تتم بواسطة الزمان والمكان
يحدث التمثيل السلبي هذا في شكل علاقات مكانيه مثل الأبعاد واللون الخ
ويتم تركيب هذه العلاقات المكانيه Synthesis
والتركيب عند كانط يتم حسب قواعد معينه
وليس تركيب عشوائي
لان العقل عند كانط هديه الطبيعه للإنسان او قل
منحه الخالق لانه يتعامل بنفس قدره الطبيعه
اَي انه متسلح بمنطق السبب والنتيجة
وهي معرفه قبليه كما أوضحت a priori
ثم يتم تركيب وأعاده انتاج هذه الخواص المكانيه
في شكل علاقات زمانية في الخيال
ويتم التركيب وأعاده الانتاج في الخيال
تبعا لقواعد معينه والتناسل او أعاده الانتاج الزمانية هذه
تعني التسلسل في التفكير حسب قواعد معينه يقوم بها المخ
ولكن حتي الان فان المعرفه التي تصنع وعي غير موجودة
لان التمثيلات التي في الخيال ما زالت (متعددة)
اعود لتوضيح كيفيه حدوث الوعي عند كانط
او وحده الوعي ( بتوحيد ) هذا (التعدد)

أعيد التذكير بمصطلح transcendental عند كانط
ومصطلح تمثيل representation قبل ان أواصل
تراسندينتال تعني في التدين مثلا الترقي الروحي
والتحول ( او اللطافه) التي تحدث للفرد نتيجه
التامل وتجويد العباده والسيطره علي الغرائز
لكن المصطلح عند كانط يعني قدرتنا علي التفكير
في شيء ما وليس الشيء نفسه
يقول كانط : ( آصف معرفه ما بأنها ترنسيدينتال
عندما لا تتعلق بالشيء او الموضوع نفسه ،
ولكن بالطريقه التي من الممكن ان نعرف بها الموضوع
حتي قبل ان وصاف الشيء ..)
انتهي الاقتباس من كانط
كلمه تفاحه مثلا لها في ذهننا عدد من الخ أصل مثل الألوان
والرائحة والشكل الكروي الخ
معرفتنا عن التفاحة إذن معرفه قبليه a priori
موجودة في الذهن نتيجه تجربه سابقه
وهذا هو المقصود بكلمه ترنسيندينتال
بناء علي هذا التعريف سأستخدم المصطلح كما هو
دون ترجمه في المداخلات القادمة والمهمة

كتبت أعلي الخيط تعريف او مدلول مصطلح كانطي اخر مهم
وهو مفرده تمثيل او تمثيلات representations
وهي كلمه يطلقها كانط لوصف محتويات الأفكار التي لها دلالات معرفيه
وهي أفكار ناتجه عن خبره مثل رؤيه شيء ومحاوله التعرف عليه
هذا الشيء الموجود في البيئة يستقبله المخ بواسطة الحواس
علي شكل خصائص متعددة هذه الخصائص هي الانعكاسات representations
ولذلك وفِي ختام نقده للميتافيزيقيا كمعرفة طرح كانط التساؤل التالي :
ما هي الارضيه او القاعدة التي بموجبها نستطيع
ان نطلق علي ما بداخلنا كلمه انعكاسات representations
وقد رفض اَي شيء (او موضوع) بمعناه الميتافيزيقي
وعند كانط لا معني ل (الحضور ) اذا كان معني الغياب هو ( غياب الحضور)
وهو شيء كنت قد تعرضت له ضمن استخدام الميتافيزيقيا لجدل الحضور والغياب
كانط رفض الفكرة من الأساس واشترط ( التمثيل ) representation للمعرفه
بدلا عن مقولات الديالكتيك الذهنية لانها لا تنتج معرفه
موضوع حواسنا يحب ان يكون حاضرا
وإلا فانه يعتبر خارج الوعي ونطاق المعرفهالإنسانيه
غياب الشيء يعني عدم وجود خواص له يمكن ان تمثيلات
تعرض علي الذهن وهي لذلك تندرج ضمن الغياب
اَي انه لا يوجد شيء ولا توجد معرفه بالتالي
ما يوجد هو العدم nothingness

التمثيلات لموضوع المعرفه في الذهن تتأرجح بين
الموضوع نفسه وبين تمثيلاته في الذهن
ولذلك فان الفلسفة تستطيع وصف الطبيعه
وظروف تمثيلها داخل الذهن representations
ويشمل ذلك الطبيعه نفسها او جوهر مواضيعها
وبهذا المعني الكانطي يمكن القول ان الفلسفة
أضحت مشروع تراسيندينتالي له قوه تحديد
الحقيقيه مسبقا
اَي بشكل قبلي a priori
ومع ذلك يمكن للفلسفه ان تتاثر بتناقضات التمثيلات
الذهنية ولذلك تطلع الفلسفة بدور تركيبي
اَي انها يمكن ان تضيف او تعيد انتاج معرفتنا للعالم الخارجي .
ولذلك يصبح التساؤل المركزي هنا في نقد العقل الخالص هو :
كيف يمكن ان تكون الأحكام التركيبية القابليه ممكنه الحدوث ؟
How a priori synthetic judgements possible.
وحينما تكون الفلسفة في موقف زعم احكام تتعلق بالمعرفة ،
فإن عليها الابتعاد عن شطحات الخيال و الاوهام الخاصة بها
بان تحافظ علي قدرتها في التامل الانعكاسي لتصحيح نفسها
Maintain a reflexive relationship with itself
ومن هنا جاء المفهوم معبرا عنه بكلمه نقد
في ( نقد العقل الخالص )
وقدره الفلسفه علي بلوغ ذلك المشروع المعرفي
يخول لها ان تصف نفسها بأنها فلسفه ترانسيندتاليه
للعقل الخالص

الشعور الترانسدنتالي
Transcendental Aethetic

القسم الاول من نقد العقل الخالص لامانويل كانط جاء تحت هذا العنوان
وقد أوضحت في مداخلات سابقه معني كلمه ترانسندنتال
وقلت انني سأستخدمها بدون ترجمتها مادام المدلول اصبح واضح .
كلمه aethetic تعني الشعور وهي ماخوذة من التعبير الإغريقي القديم
المعرفه عند كانط عبارته عن عمليه ممرحله في الدماغ process
تبدأ بالتقاط خواص الموضوع عن طريق الحواس الخمسة
وتمر عبر ثلاث ملكات للمخ هي
١- الخيال imagination
٢- الفهم understanding
٣-العقل او السبب reason
الشعور الترانسندنتالي هو اول هذه المراحل الثلاث
التي بواسطتها تتم معرفه الأشياء

انصب اهتمام كانط في مشروعه النقدي للعقل الخالص وهو
المشروع المتعلق بالمعرفة ، انصب علي مسأله الحساسيه او
البداهة المعقولة او السليمه ان صحت ترجمتي ل sensible intuition
وهي تقع في نطاق مسؤولية ملكه الخيال faculty of imagination
والحساسية هذه عباره عن قوه سالبه لاستقبال البيانات من البيئة المحيطة
( استخدم كلمه معلومات او بيانات بمعني data )
وهنا يجب التنبيه انه وعلي عكس الميتافيزيقيا التقليدية التي انصب
اهتمامها علي طبيعه المعلومات او البيانات وكنهها ،
فان كانط اهتم بالشكل الذي تاخذه البيانات او المعلومات التي
تنقلها حواسنا الخمسة الي أدمغتنا ..
هذا التحول الذي احدثه كانط في التعامل مع شكل المعلومات دون كنهها كما
كان يحدث في السابق ، له مالات غايه في الأهمية
لان الهدف منه هو تمكين البداهة او الفطرة intuition
وتمثيلياتها representations ان تعرف ويتم إدراكها بواسطة
ملكه الفهم faculty of understanding
بمعني اخر اهتم كانط او حصر نفسه هنا في قضيتين :
الأولي تتعلق بأهميته عزل كلما يختص بالبداهة
ثانيا اكتشاف التناقض في علاقه ملكه الفهم وما يختص بها
بما يختص بالبداهة والفطرة ..
لتوضيح ذلك علي ان اعود الي علاقه الزمان والمكان في المداخلة
المقبله لأنهما يمثلان الشكل الذي تتخذه البيانات في
المعرفه عند كانط .

في مكان ما أعلي هذا البوست تم التعرض لجدل الحضور والغياب
بمعني ان وجود شيء يعني عدم غيابه
او غياب شيء يعني عدم حضوره
واقترح بان ذلك لا يشكل معرفه حقيقية لان
المعرفه الحقيقيه تحتاج الي تمثيلات representations تلتقطها حواسنا
وترسلها الي الدماغ في شكل بيانات مثل الحجم والوزن واللون والشكل
والرائحة الخ ..
الحقيقيه المطلقه غير موجودة خارج جدل الحضور والغياب
لدينا تساؤلات مسلم بها في السودان توضح ذلك
مثل المقوله الشعبيه الشهيرة (الله شافو بالعين ولا عرفو بالعقل)
بمعني ان الغياب الظاهري لله لا يعني غيابه لان مخلوقاته
علي الارض تدل علي وجوده
العالم الأرضي ليس سوي (عدم وجود ظاهري لله)
كانط يرفض هذا المنطق ويقترح ان المعرفه بشيء ما ، لابد
ان تتم من خلال تمثيلات تنقلها الحواس الي الدماغ
وان عدم وجود شيء يعني محدوديه العقل البشري علي ادراكه
وهي محدوديه نسبيه تتقدم بالتجربة وتطوير الأدوات
ويكون كانط بهذا التقرير قد فصل بين المعرفه knowledge
من جهه والإيمان faith من جهه ثانيه
مقترح اخر أحدث به كانط انقلاب جذري في الميتافيزيقيا
التقليدية التي سادت العالم منذ أرسطو وفلاسفته اليونان
اَي حوالي ألفي عام
هذا المقترح كان حول العلاقات الزمانية والمكانية
حيث ساد الاعتقاد أيضا بانه من الممكن ادراك علاقات الزمان والمكان
Spatiotemporal relationship من خلال موضوع المعرفه .
وصاغ المساله بدلا عن ذلك علي النحو التالي : ( يستطيع الذهن البشري
ادراك وفهم نوع المعرفه من خلال العلاقات الزمانية والمكانية .. وان المعرفه
الخالصه فيما يتعلق بفطره الانسان ، تستخدم الزمان والمكان كمباديء
قبليه a priori في عمليه المعرفه)
فماذا يعنيه بذلك ؟

السلام عليكم ورحمه الله
كنت قد أوضحت ان الفيلسوف إيمانويل كانط كان لا يعترف
باي معرفه مصدرها أشياء ليس لها خصائص ماديه
بحيث تستطيع اذهاننا استقبالها بواسطة الحواس .
ثم أضاف كانط ان معرفتنا للاشياء والظواهر من حولنا
لا يمكن ان تتم بدون الزمان والمكان .
وقد كتب كانط في هذا الشأن ما معناه :( ويوجد شكلين للإحساس
البدهي السليم للاشياء sensible intuition يخدمان مباديء لمعرفه
قبليه a priori knowledge هما الزمان والمكان ).
ولان الرجل لا يعتمد المفهوم التقليدي للحضور concept of presence
الذي جاءت به الميتافيزيقيا ، فانه يعتمد مفهوما جديدا للزمان والمكان
خارج إطار المفهوم الذي كان سائدا والذي يقول بان الزمكان هي
من شروط الوجود الموضوعي المستقل للاشياء .
لا يشارك كانط الميتافيزيقيا في القطع بالوجود الموضوعي
المستقل للزمان والمكان spatiotemporal
لانه لا يمكن تصور المكان يعتبر ملغي void ، اَي لا يمكن تصور مكانا
في الفراغ وكذلك لا يمكن للإنسان ان يتصور تغيير للزمان .
إلغاء المكان والزمن اللانهائي مسائل غير قابله للتصور
او متعذره الحدوث الا لذاتها
فلا المكان يمكن ان يختفي ولا الزمان يمكن ان يتوقف
او تحدث فيه تغييرات
وهذا ما قصده كانط حينما افترض عدم الوجود
الموضوعي للزمان او المكان ، فهمًا غير موجودين لذاتها .
ولان وجودهما غير موضوعي ولا يمكن تصوره في الذهن
البشري فان وجود الزمان والمكان يصبح وجود قبلي
فقط a priori وليس موضوعيا خارج الذات .
اَي انه وجود يرتبط بطبيعه العقل البشري واليات وعمليات
تفكيره ..

اختم في هذه المداخلة الخواطر
حول الجزء الاول من المشروع
النقدي المهم لكانط (نقد العقل
الخالص) وهو الجزء الخاص ب
الشعور الترانسدينتالي
transcendental aethetic

وقد كنت قد نبهت ان كانط قام
بتقسيم عمليه التفكير في الذهن
البشري الي ثلاثه أقسام تقوم بها
ثلاثه وظائف هي وظيفه الخيال
او ملكه الخيال faculty of imagination
ثم وظيفه الفهم او ملكه الفهم
The faculty of understanding
ثالثا وأخيرا وظيفه العقل
او ملكه العقل faculty of reason
العمليه الأولي والمتعلقة باستقبال الدماغ
للخواص الماديه للشيء المراد معرفته
والتي تقوم بها ملكه الخيال هي التي كان كانط
قد افرد لها الجزء الاول من مشروعه
النقدي للعقل الخالص .
وتعمل ملكه الخيال في ترادف وتعاون مع
الأحاسيس البدهيه sensible intuition
علي تركيب synthesis البيانات المتعددة بشكل متشعب manifold
يقول كانط :(المقصود بالتركيب synthesis عمليه تنظيم
انعكاسات او تمثيلات representations الخواص الماديه
المتعددة للشيء المراد معرفته مع بعضها البعض)
علاقات الزمان والمكان هي التي يتم بواسطتها
هذا التركيب لخواص الأشياء داخل الذهن
ويتم ذلك عبر عمليتين هما اعتقال او استقبال apprehension
هذه الخواص في الذهن والتي كانت قد وصلت اليه
عن طريق الحواس ثم أعاده إنتاجها اَي استنساخها reproduction
وذلك داخل إطار ملكه الفهم imagination
يقتصر دور ملكه الخيال علي تركيب الخواص المتعددة
ولأنها ليس لديها القدره علي فهم او استيعاب
هذه البيانات فإنها تقوم بعرضها علي ملكه الفهم
Faculty of undrestandibg
اتعرض لكيفيه حدوث الوعي في ملكه الفهم
في المداخلة المقبله وفِي إطار
الجزء الخاص بها في مشروع نقد العقل الخالص
والذي اطلق عليه كانط اسم التحليل الترانسندنتالي
Transcendental Analytic

التحليلي الترانسندنتالي
Transcendental Analytic
في هذا الباب من كتاب كانط او مشروعه
( نقد العقل الخالص )
The Critic of Pure Reason
قدم كانط تصورا او تحليلا حول
كيف تقوم ملكه الفهم faculty of understanding في العقل البشري
كيف تتعامل مع البيانات
التي تعرضها عليها ملكه الخيال faculty of imagination
وتحولها الي موضوعات للتفكير objects of thoughts
بمعني اخر يمكن القول انه وبدون شعور sensibility
لايمكن ان تعرض علي اذهاننا الموضوعات objects
وبدون الفهم understanding لا يمكن التفكير في الموضوعات
او الأشياء
فالخيال يكون بمثابة رقائق سالبه a passive foil
بواسطتها فقط يستطيع الفهم ادراك ذاته
وذلك استنادا الي الخيال

يمكن عرض ما قلته في مداخلتي السابقة علي النحو التالي:
الفهم او عمليه الفهم في الذهن البشري لا تستطيع ان تحدس شيئا
(تحدس من حدس او بداهه )
في المقابل يمكن القول أيضا ان الشعور والأحاسيس لا تستطيع
التفكير
ولذلك لا يمكن انتاج معرفه دون اتحاد او تكامل العمليتين
اَي اتحاد التفكير من جهه والبداهة او الشعور من جهه ثانيه
وهذا ما يميز علاقه التناقض بين الاثنين
اَي بين مسألتي التفكير والبداهه
The understanding can intuit nothing ,
The senses can think nothing .
Only through their union knowledge can arise
This begins to explain the paradoxical relation
between understanding and intuition
وهي علاقه ذات اهميه بالغه في عمليه المعرفه
لان مدارس الحداثه الأولي من ليبراليات وماركسيات وغيرها
قد فشلت في ادراك اهميه هذه العلاقه في عمليه انتاج المعرفه
وتمت مشاريع تزعم انها تنويريه رغم انها مارست التفكير العقلاني
بتجريد يتعالى علي طبيعه البشر

صباح الخير
قبل التوغل في موضوع الترانسندنتالي التحليلي
وددت تذكير القارئة بضروره مراجعه ما كنت قد
كتبته حول صفه الشيء او سنده predicate
ولا باس من التذكير هنا بانه في العام 1755 تقريبا
أعاد كانط تساؤلات أرسطو الخاصه بنوع وشكل
العمليه التي بواسطتها تحديد مفهوم ما concept
بواسطة السند ٠
في المنطق الاسناد هو ما يؤكد او ما ينفي الفاعل
او الشيء مثل جمله ( كل من عليها فان )
مفرده فان هنا هي السند الذي تم بواسطته
تحديد مفهوم عدم خلود الانسان ٠
هنا استعان كانط كما سبق الاشاره في
أعلي هذا البوست بكل من أرسطو وكريستيان وولف
في التوصل الي حقيقه ان العلاقه بين السند predicate
والمفهوم concept تعتبر علاقه مركزيه فيما يتعلق بعمليه المعرفه٠
علي اَي أساس تستند المعرفه ؟
هذا هو التساؤل المركزي
لكن طرح التساؤل يستمد أهميته ليس من باب
( كيف ) تحدد المعرفه بالسند
إنما ب ( متي ) تحدد المعرفه بسند
واذكر بان (مباديء التناقض) عند أرسطو
وهي المباديء التي تعتبرها الميتافيزيقيا صحيحه
صحه مطلقه .
كتب وولف في هذا الشأن ما معناه (ان الشيء لا يمكن ان يكون
هو ونقيضه في نفس الوقت )
وهي محاولة من كريستيان وولف تقترح بان اَي مفهوم
يأتي دائماً محددا بسند في إطار (التوقيت الزماني ).

دور أرسطو في المعرفه دور أرسطو في المعرفه
كان الرجوع الي كتابات التراث اليوناني خاصه
أرسطو وأفلاطون دور إعدادي كبير في النهضه الاوروبيه
وهنا لابد من الاشاره الي حقيقه ان شهره ابن رشد في
الغرب قد جاءت نتيجه ان ترجماته او تعليقاته حول
التراث الأرسطي كانت قد توفرت قبل ترجمه اعمال أرسطو
الي اللاتينية
وهنا تجدر الاشاره الي ان الحظ هو الذي خدم سيره
ابن. شد … ذلك المفكر العقلاني العملاق الذي طبعا
تمت ادانته بالتجديف وحرقت أعماله العظيمه علي يد
الدولة الاسلاميه في الأندلس .
انعدام الاصالة في الفلسفه ألعربيه الاسلاميه مستمد
من حقيقية ان أدوات المعرفه عند أرسطو تم الاستيلاء
عليها واستخدامها براسطه فقهاء المسلمين دون الاشاره
اليها …
اختلف ابن رشد مع ما كتبه ابن سينا في تعليقاته
علي التراث الأرسطي
كما اختلف مع الامام الغزالي وتلك قصه اخري .
وددت فقط التنبيه الي اهميه أرسطو ودوره في تاريخ المعرفه
اعود مره اخري الي استخدامات كانط للتراث الأرسطي العظيم
فيما يتعلق بموضوعنا

الفئات Categories

الفئات Categories
بينما يُستقبل الذهن الانعكاسات الماديه للموضوع المراد معرفته
عن طريق ملكه الخيال imagination الذي يقوم بعمليتي التركيب وتناسل
البيانات ، فان ملكه الفهم understanding هي التي تمتلك قوه تأسيس
المفاهيم concepts حسب ما يعرض عليها من بيانات بواسطه الخيال .
يمكننا ان نستعيض عن كلمه مفاهيم concepts بمفرده فئات categories
لان كل منهما يحمل نفس للدلالة او المعني .
قام كانط برصد عشر فئات مستعينا بكتاب أرسطو الشهير (الفئات categories)
ويمكن عرض الفئات العشر علي النحو التالي:
١- الماده او نوع الشيء substance )p مثال رجل )
٢- الكميه او المقدار quantity
٣- نوع او وصف
٤- علاقاتها
٥- مكانها
٦- زمانها
٧- الوضع
٨- الممتد
٩- الممتلكات ( مثل فلان يرتدي حذاء اسود)
١٠- ما يحدث للشيء
ثم عمل كانط علي أعاده ترتيبها وتنظيمها في اربع فئات فقط
هي الكم quantity والنوع quality ثم العلاقه relation وأخيرا
الشكل modality وذلك وفق ما يقابلها من احكام judgements
وقام بصياغته ذلك بناءا علي العلاقه بين الموضوع والمسند predicate
وأعيد التذكير بان المسند هي الحاله التي يعتمد عليها مفهوم ما.
ففي عباره ( كل من عليها فان ) فان كلمه (فان) هي المسند والمقصود
ان كل ما في ظاهر الارض وباطنها زائل .قد يشمل المسند
كل او بعض او احد مواضيعه ( مقدار quantity)
وقد ينطبق علي بعض موضوعات دون اخري ( نوع )
او يمكن ان ينطبق علي كل او بعض الموضوعات دون الآخري ( العلاقه relation)
واخير يمكن احتواء المسند ضمن المفهوم (الشكل modality )

شكراً استاذ طلعت على إشراكنا
في هذا الألق المعرفي الجميل

حياك الله يا اسامه

اعتذر عن الغياب بسبب المشغوليات
قبل ان أواصل فضلت ان أشير الي
حقيقه كنت قد ذكرتها في مكان ما
من هذا البوست
وهي المتعلقة بسياده الميتافيزيقيا
قرابه الألفي عام وتركيزها علي
العالم المثالي الأفلاطوني او ثنائية
عالم علوي حقيقي خالد مقابل عالم
عرضي دنيوي ظاهر ومؤقت
وذلك حتي مجيء ديكارت الذي
جعل مسأله الوعي consciousness محور
الاهتمام والتساؤلات وهو الذي نقلنا الي مرحله
حداثوية جديده وهي الانتقال المعرفي او الابستمولوجي
قبل ان ننتقل الي مرحله اللغه او الانعطاف اللغوي
التي نعيشها الان منذ خمسينات القرن الماضي ..
كانط أحدث نقله نوعيه في مرحله الانعطاف المعرفي
التي كان قد دشنها ديكارت وهي شبيهه بالصوره
التي احدثها كوبرنكس في الفلك حينما كانت أفكار
بطليموس هي السائدة حيث الاعتقاد بان
الارض هي مركز دوران الكون وان الشمس والكواكب
والنجوم هي التي تدور حولها .
ومن المعروف ام كوبرنكس هو القائل بدوران الارض وبقيه
الكواكب حول الشمس علي عكس ما قد يبدو ظاهريا
نفس الشيء احدثه كانط فيما يتعلق بمساله الوعي
حيث كان الاعتقاد ومازال عند مدارس الحداثه الأولي
من أفكار ماركسيه وغيرها ،
الاعتقاد السائد هو ان معرفتنا للاشياء والنَّاس والعالم
من حولنا تتطابق مع تلك الأشياء وهذا هو الظاهر
ولكن في حقيقه الامر فان كانط هو من اكتشف ان
تمثلات الأشياء في الذهن representations هي الاصل
في المعرفه ولذلك فان المعرفه لا تتطابق بالضروره
مع موضوعها اَي ان ما في الاذهان لا يتطابق
مع مافي العيان ، بل ان هناك تمثلات للموضوعات
المراد معرفتها تحتاج منا هذه التمثلات الي اعمال
العقل والفهم و الحوار مع الآخرين لمعرفتها في
جو من الحريه التامه والاحترام المتبادل
لان المعرفه عباره عن احكام لا تتطابق مع الواقع
ولكنها قد تقترب منه او من (جوهره)

عند سؤال الصادق المهدي في لقاء معه في مجله الجامعه
التي كان يصدرها اتحاد طلاب جامعه الخرطوم (كوسو) عام ١٩٨٠
حول موقفه المخزي من المحكمه التي أبطلت قرار طرد نواب الحزب الشيوعي
من البرلمان المنتخب في ستينات القرن الماضي ، رد الصادق
بان مساندته لقرار طرد نواب منتخبين ( انفعال ) يمكن
ان يتكرر وكان ذلك اللقاء بمثابة صدمه كبيره لكل من كان يُؤْمِن بان مخرج السودان
تمثل في التعددية الديمقراطيه وسياده الحريات العامه واستقلال القضاء ..
الشيء بالشيء يذكر فيما يتعلق لغيابي المتكرر
وذلك بانه غياب (قد يتكرر ) ليس زهدا في موضوع
البوست بل بسبب المشغوليات المتعددة ...
أبدا من المداخله السابقة حيث كتبت ان الثوره التي احدثها كانط
في الانعطاف المعرفي كانت شبيهه بما احدثه كوبرنكس
في الفلك لان كانط أكد علي شروره انفصال الذات عن وعيها
وذلك بعكس ما فعله رينيه ديكارت حينما كتب (أنا أفكر إذن أنا موجود )
والتصحيح الذي احدثه كانط لهذه العباره هو ( أنا أفكر -مصحوبا بتمثلاتي -إذن أنا موجود )
والتمثيلات التي في الذهن representations
هي انعكاس الخصائص الماديه للموضوعات التي في الطبيعه
علي الذهن البشري
الاصل في المعرفه هي تلك التمثلات وليس الموضوعات نفسها
لان المعرفه لا تتطابق مع الموضوعات
بل هي مجرداحكام judgements
اعود مره اخري للثقافة السياسية في السودان
لتوضيح خطوره ادعاءات المعرفه (الموضوعيه )
المستنده علي ثنائية الذات والموضوع
بالاشارة الي تصورات المرحوم عبد الخالق محجوب
في (الماركسيه وقضايا الثوره السودانيه )
الذي نشر في ستينات القرن الماضي ،
حيث كتب الرجل ما معناه ان الخلافات الفكريه
داخل الخزب الشيوعي تعبر عن الصراع الطبقي
في المجتمع وان الراي المخالف والمثابرة في ذلك الخلاف
يعبر بالضروره عن مصالح وتصورات الطبقات المعاديه للمجتمع
ولذلك لابد من محاربه تلك الأفكار بل وحتي ظلالها
(لحمايه) عضويه الحزب من الانحرافات الخ ..
هذا الموقف الذي ساهم بشكل حاسم في مصادره الديمقراطية
داخل الحزب الشيوعي في ظل سيادهالمركزيه في التنظيم
كان له تداعيات سلبيه كبيره اضرت بالقوي الحديثه
التي كانت تري فيه حليفا استراتيجيا
اكثر مما اضرت به المؤامرات الخارجية ..
المرحوم عبد الخالق كان (بطليموسي في المعرفه)
بمعني انه كان يعتقد بان ما في الاذهان يتطابق مع الواقع
الاعتقاد بان المعرفة ما هي الا احكام تستند الي
تمثلات الموضوعات والمفاهيم في الذهن يبعدنا عن الوثوقية
ويجعلنا اكثر تواضعا وتسامحا

راينا وحسب وجهه نظر كانط
ان الاصل في المعرفه هي تمثلات الموضوعات
المراد معرفتها ، في الذهن
وليس الموضوعات نفسها
تماما مثلما اكتشف كوبرنكس ان الشمس هي مركز
دوران الارض وبقيه كواكب المجموعه الشمسية
وذلك بعكس ما قد يبدو ظاهريا للعيان ،
فان كانط أحدث نفس النقله في المعرفه حينما اوضح
ان تمثلات الموضوعات في الذهن تمثل أصل
المعرفه وليس الموضوعات نفسها
وهو اكتشاف قيم يبعدنا عن (وثوقية ) الحداثه الأولي
ومدارسها التي اعتقدت ان معرفتنا تتطابق مع العالم
من حولنا ..
الوعي الذاتي self consciousnesses او الوعي
(بأنني أفكر ) يحدث في ملكه الفهم الموجودة في الدماغ
وهي معرفه تحدث بالترابط apperception وهي عمليه
منفصلة تماما عن (الخيال) رغم انها تعتمد عليه

رمضان كريم أيها الساده والسيدات