المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 01:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2004, 05:32 AM

أسامة معاوية الطيب
<aأسامة معاوية الطيب
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 529

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية (Re: أسامة معاوية الطيب)

    مروي وذكريات السيل(197
    أحلامٌ على أهبة النزوح (4)
    بدأت صاخبة ، متمردة ، تطل على النيل ، ويطل عليها (البنطون) العتيق ، يقاطع صمت جروفها ذهاباً وإيابا ، يحمل العالم في رحلاته هذه ، جلَّ عمَّاله على ظهره وعلى الأرض من ذوي العاهات ولكنهم كانوا رمزاً لمعانٍ خلقتها أقلام الشعراء قبل أن تجفّ أو أن تغيِّر سطورها بفعلٍ أو ردِّ فعل ، كان الطلاب يزوِّغون فيه من المحصِّل صاحب الجلباب السماوي والشال ( خاطف جميع الألوان ) الذي يسعى أن يعوّض ملاليمهم بجنيهات أصحاب الفارهات وكانت حمير أهل الشرق التي تأتي للسوق صباحاً وتعود مساءً لا تحب أن تنهق إلا في منتصف النيل وقبالة المحكمة ، وما فسرت الأيام إلى الآن تلك الرغبة إلا لماماً بعد أن نافس إنتاج المساجين محصول أهل الشرق الوافر لزمانٍ طويلٍ سابق ، وإلى الآن تقف (نيمات) البنطون في كل شموخ المدينة تطالع البحر ومطالع السوق تحتفظ بكل حرفٍ من تاريخها قبل أن تتحول حجارة الآثار إلى تزيين بوابات الأحياء ، وتطلي نادي الأهلي بجدران عظيمة في مدخله رغماً عن نزوله للثانية في دوري كريمة ، إذن فلماذا يضع التاريخ مدخله وهو يخسر المستقبل بالداخل ؟ لكنه مازال يباهي بالبوفيه الذي يبرع في الكركدي الساخن ، يبرّد كثيراً من وقع الهزائم المتكررة ، لماذا (يتخن) جلد إحساسنا دائماً بالهزائم حتى ننسى مقاس قمصاننا من نصرٍ لن يأتي ؟ حكمة الواقع المر ! تطل مروي على النيل بحياةٍ تقفز فوق السكون ، تبدو مباني الإنجليز التي تصطف على شريط الضفاف الأخضر وهي تنظر للشرق بكبرياء كجيشٍ أدمن الانتصارات في زمانات الهزائم ، معتدةٌ بنقوشها وعمارتها الأنيقة ، مفتونةٌ بجدرانها العريضة تمتص كل لهيب الصيف وضوضاء السوق القريبة ، متموجةٌ ، صامتة إلا من ونسة قماري على أشجار الجميز الضخمة التي تلفُّ المكان بخيوط رائحتها العميقة والمميزة والمستفزة ، ومن محاولةٍ يائسة لإحدى الأسماك للخروج من الجلد بقفزةٍ عالية من النهر ولكنها وحين تعود باندفاع قفزتها نحو الأعماق تدرك وهي تخطو صوب ذاكرتها ( أن العرجا لي مراحا ) فما لها وعالم اليابسة وقد أسلمت المياه جلدها لنعومةٍ تصل حد الانزلاق تنسرب به من بين الأصابع ، ولم تكن مروي مجرد مدينة خلقتها ظروف سياسية لعهدٍ ما أو لفتت استقامة شوارعها واتساع النيل عند عينيها حاكماً يحلم بمد رجليه على بساط ديوانه الأنيق من النيل إلى النيل عبر خور (أبدوم ) تطل نافذة غرفة نومه على صحو العصافير في حديقةٍ لا تنتهي ، ولكنها (صنب) – وهذا اسمها القديم - التي أوقفت التاريخ ليسمع سنين مجدها وأرهفت أسماع الكون لالتقاط همسات أجداده الأبطال الذين صنعوا (نبتة) وخلقوا (كوش) وكتبوا بحروفها ( اللغة المروية القديمة ) كل ما يمكن للحضارات أن تكتبه على صفحات الخلود ، واليوم يعجز الصبية في فصول الدراسة عن الكتابة بحروف العرب التي باتت تخنقها ضائقات ذات اليد حد الموت فيرتدي التلاميذ عجز أهلهم في مشاوير يومية نحو مدارس يملؤها الفراغ ويعودون أنجح ما يكونون في السقوط المريع ، لا يفكُّون الخط ولا يبرحون الجهل قيد حرف ، يسمونهم اسماً وسيماً جديداً حتى لتشتهي أن تكونه (الفاقد التربوي) تردد جنبات المدارس التي شهدت التفوق والنشاط وحيوية أساتذة الرياضة في زمن الكرة ( أم بوز ) ذات الكَفَر الجوُّاني ، تردد الفقد واحد.
    تصطف سرايات الإنجليز الآن أطلالاً تذكر تواريخ كبريائها حينما كانت مروي تنام متوضئة برذاذ النيل على جناين الحكومة مغسولة الشوارع بصمت الكون ليلاً وانتباهة الوجود نهاراً تحفها أشجار اللبخ والجميز والزونيا التي تصبغ الثياب بلونها الطاعم ومشاوير العصاري على أنغام طيورها التي تمنح المارة ألحان عشقٍ قديم وأنفاس حضارة لم تزل تنقش بآثارها على قلب الوطن وتلقي بثمار الزونيا والجميز على قارعة الطريق المرشوشة بالرمل وخطاوي المحبين ، والسوق ترفل في أصوات الباعة عربية الملامح إفرنجية العمارة ، سودانية النكهة يجتمع فيها كل السودان ، والسودان لا يغيب عن مدنه ، تتحاور فيه الثقافات والسحنات والأشواق وتنتصر فيه الروح الواحدة ، كانت سوق مروي عالماً يغصُّ بالجمال ومطاعم الفول تنتشر على جنباتها كانت أبوابها تفتح على جانبي السوق مثل جلباب الأنصار الناصية ، ما يسهِّل على طلاب الثانوية المفلسين الزوغان من دفع الحساب وأحياناً حمل الملاَّحة معهم لزوم (دنكلة) فول الداخلية الذي لا يستجيب لكل المحسنات ، لم يكن الناس بعد يعرفون اشتهاء الجبن الأبيض على الفول ولكنهم كانوا يباهون بالرغيف المدوَّر الذي يترك آثار دقيقه على الأيدي وآثار ملوحته الحبيبة في أعماق ملامحهم ، قبل أن تغرق البيوت في الخبز التركي عديم الرائحة والطعم ولكنه يتميز بلونٍ جذاب ، وتلفت الانتباه حركة المقاهي ، كانت الباسطة (يادووووووب طالعة) تسيل ماؤها على الأصابع فتفصح لزوجتها عنها وتقضي حلاوتها على طعم الويكة اللديح الذي استفرد بحاسة الذوق ، وللشايقية حنينهم الخاص مع الشاي (يصبرون على تسع كبابي من السادة ولكنهم وحين يختلط بالحليب لا يحسنون العد) يختصرون كل الكون في مجلس الشاي ويختصرون كل الحب في عزومتهم للضيف عليه ، السوق واسعة ، تشتهر بالقباب العربية الأصيلة وأشجار النيم التي تحضن دائماً تحتها مجموعة أزيار ، سبيل ، تزدان أغطيتها بأنصاف القرع كأكواب تسهم بإضافة نكهتها على الماء أو علب الخميرة الطويلة يثقبونها في أسفلها حتى لا يسرقها الصبية ولكنها تفسد أثواب الكبار فيذهبون عنها وقد رويت جلاليبهم لسبيلٍ آخر ، ويطل غير بعيد دكان (عم أقرع) الذي يحادث المدينة أثرا عن أثر لا تفوته بيوم ولكنه يفوتها بأكوام علب الصلصة وفتايل ريحة السيد علي وأوراق الخريف وزجاجات الفروالة التي سكنت على الرفوف ، حيّرت الغبار ، يجلس بصلعته الناصعة أمام دكانه يطالع العيون وقد غرق في سهوم الكِبَر وشجون الذاكرة تقابله في صالات الخضرة أكوام القرع التي ترقد بالشهور حتى لكأنها جزءً من السوق ، ونساء هذه الصالة أقدم منها كثيراً ، يرحن بالكاد بعد تفرق الناس يقضين كل الليل في الوصول لمنازلهن وما أن يصلن حتى يبدأن طريق العودة يطبعن الجرجير والعجُّور بحالتهن فيبدو أكثر كرمشةً وصُفرة ، ويطل ليس بعيد الجامع المهيب ، طالما باهى النخل بطول مئذنته وحسدته المنازل على طوبه الأحمر المحروق وأقبيته ذات الزخارف الجميلة ، كانت كل المدينة تطل على النيل ، المحكمة ودار الشرطة وأندية الموظفين والأفندية ورياض الأطفال ، تحرسها بقايا أهرامات جدودٍ حصنوا آثارهم ولكنهم أهملوا ذاكرة الأبناء المثقوبة فبدأت الرمال من حول أهراماتهم ونقوشها ودلالاتها العميقة تكتب على صفحة التاريخ سطور النسيان ومقالات الإهمال وروايات غرابيل الأجيال ، تتناثر المعرفة بالتاريخ والتي كان أهلها يسافرون بين نوري ومروي والبركل والكرو دون خوفٍ من ضياعٍ قادم ولكنها هكذا دائماً حكمة الأبناء تجاه أجيال الآباء حكمة التطلع إلى المستقبل دون أي ارتكاز على جدران الماضي فيكون السقوط .
    والدولة التي تجهد نفسها جدا في تحديث دواوينها وتزيينها ، ورش الطريق المؤدية إلى دارها ببنود الميزانية كلها وورود المشاتل التي نام نخلها عن الظل والثمر وسهرت على تهجين الورود المحسنة لعيون الولاة التي لا يملأها حتى التراب ، وتنثر فاره السيارات على جنبات المدينة تضنُّ على تهراقا وكوش ونبتة حتى بالسلك الشائك يحيط بحقبتها المفتوحة على عالم الحضارات كلها ، يمنع عنها فقط استباحة التاريخ واغتصاب المجد ولكن … وجاء للمدينة بليل ، السيل الشهير ( سيل 7 فاجأ عيون السرايات الواسعة فأسكتتها الدهشة حد الذبحة عن لملمة أقبيتها وبواباتها المنقوشة بكل الفنون عن وجه الماء الكالح وباتت ذات ليلٍ داكن السواد والذكرى تشهق في النيل ولا تكاد تلحق ، وجاهد اللبخ والجميز وعاندت الزونيا واعتدت جذورها بأمسيات المدينة الراقصة وهي تغوص عميقاً .. عميقاً ولكن الماء تعرف حين يصيبها مسُّ السيل كيف تخلق الموت وهي التي نامت رقراقةً تهب الحياة لزمانٍ بعيد وتمنح الجمال لأجيالٍ وأجيال ، باتت السوق بصخبها وضجيج مقاهيها وجلبة العوام صمتاً يصبّ مع النيل في بحيرة النوبة أو البحر الأبيض المتوسط لا فرق ، كل الذكريات ، مقاعد دكان الحلاّق الخشبية لا تحسن استقبال الجالسين قسوةً وصلابة (هم قاعدين لي متين) ومقصه الخشن يترك آثاره على الآذان دائما ، وكل كراسي المقاهي وصواني الشاي الذي سافرت أكوابه التسع عن ديار الشايقية مع التيار العنيف ، وأغنام المدينة ، كانت تسرح هانئةً بين أحاديث النساء وقهقهات الرجال ظلَّت تترجى مبحوحة الصوت والخاطر مقطوعة الظهر والعشم والأمل أيادي اليابسة بعد أن أرهقتها أصابع السيل طويلة الأظافر ، وماتت أشجار النيم ألف مرة قبل أن تسلم أزيارها لهدير المياه فيختلط ماءها البارد الرائق بتيار السيل (المخجوج ) ولم يصمت الماء عن صراخه المقيت إلا بعد أن اسلم ذاكرة المدينة كلها للنيل ، والنيل صامتٌ تضجُّ أعماقه بتوحُّد المدينة كلها تحت طائل الهجمة ونومتها الطويلة في أحضان أسماكه التي باضت على مقعدٍ شهد ونسات العمّال عليه حين الانتهاء من الوردية الطويلة وفقست تماسيحه على أبواب السرايات الجميلة وتقافز الورل كثيراً على السطح يرفع كراسة طفلةٍ أسلمت المياه مدرستها لموت الفجاءة ، وينزل به ليسكت أوتاراً كانت ستصدح جيلاً بعد جيل معرفةً وعشقاً ونضجا ، ويسأل الأطفال في براءتهم عن مواعيد فتح المدرسة التي تحوِّم سبابيرها في أرجاء جروف حلفا القديمة ، والكبار ما زالوا يبحثون عن ذواتهم وعن مدينتهم التي باتت ترسل رسائل أغنياتها من تحت الماء ، واستيقظت داخلية مدرسة مروي الثانوية بنات على قيامةٍ أخرى تبدل الفناء الأنيق بمياه قاتلة وتذهب نوم البنات الرقيق لتوقظ الخوف والدم والموت ، أوقعت العنابر على الرؤوس المهجومة وكانت ساعةً فقط طفأها الله والصراخ يطلي المكان بالرعب وسرائر البنات تسافر مع هدير الماء وحياة الكثيرات منهن وأحلام البقية والبوابة تضع الثوب على فمها وهي تنتحب مخافة خروج روحها تعاين في العيون الراجفة وتدندن (هي أقيفن .. نورا فيكن ... نورا بت الواطة أخيتي .. نورا أخت كل الغلابة .. تدي للجيعان لقيمة .. وتدي للعطشان جقيمة .. تكسي للماشين عرايا وفوقا يتقطع هديما .. ما عرفتن نورا انتن قولن انتن شن عرفتن ..) قليلةٌ جداً هي المواقف التي تحرج الدمع ، وتختلط حينها كل المعاني بكل المعاني وتقرأ العيون أحرفاً جديدة للموت ما كان ليفصح عنها قديماً والبنات على (العناقريب) يبدلن فناء المدرسة الجميل وتهويمات العنابر الرومانسية بوحشة ( الجبّانة) ولا يعرف الرجال كيف يبكون ولكنهم يفعلونه بصدقٍ نادر ، وظلت قوائم ملاعب كرة القدم شهوراً تتنفس الأكسجين المذاب في الماء مختنقةً بظلام الأعماق وهي القادمة من فضاءات العصاري جميلة التمارين ومشاوير الحسان إلى نزهة النيل اليومية أمام أستديو المدينة الوحيد الذي سافرت لوحاته تهدي الضفاف لوناً لونا ملامح مصورها الأنيق وتبحث عن ستائرها بين أكوام الطين ، وانتبهت أعمدة الكهرباء والتلفون إلى قيمة طولها الذي أوجد لها فرصة النظر إلى جرائم الماء ليس بعيداً عن عيونها الهدم والغمر والسبي والاغتصاب ، الجامع لم تبق منه إلا مئذنته تطالع الفراغ تتحسس شقوق جدرانها كل يوم ، وبقيةٌ من أذانٍ يسكن في مخيّلات الأهل وهم يحوِّمون حوله بانكسار العشيق واحتماله ، لا تشكو آذانهم من مقصِّ أبو خليل الحلاّق ولا تتسمع أذان جامعها المهيب ( فلا الأذان أذانٌ في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان ).
    الماء الذي يحيا معه كل شيء أيضاً يموت به كل شيء ، إلا الذكرى ، تقتل بحياتها أعماقاً سلمت من الموت ( الناس تموت ان زادت الموية وتموت من قِلَّتا).
    الآن .. ابتعدت المدينة عن النيل ، لم تسمع رجاءات شاعر مروي عبد القادر محمد عبد القادر الذي أرهقته الأيام حد الرهافة فأمسى يكتب الشعر يحنّ إلى مروي القديمة ويسكن الجديدة ذات الملامح الباردة ، ابتعدت عن النيل كأنها تلومه عن صمته الطويل وهي تغوص في أعماقه ملمحاً ملمح وقصيدةً قصيدة ، أصبحت السرايا كظاهر الوشم في باطن اليد ، وما نجا من شجر اللبخ والجميز لم يعد يعتدُّ باعتداله الوسيم بعد أن أسلمه حفر السنة الماء في جذوره لاتكاءةٍ أكثر إيلاماً من الموت ، فالمحكمة التي كان يتسمع السمك والقمري مرافاعاتها أصبح فضاء الصحراء يلفُّ قضاتها ، والمستشفى ،كانت تسكت جراح نازليها نسائم النيل الباردة ، الآن تزيد الأوجاع بصقيعة الخلاء ، دندنت المدينة في سرّها ( الخلا ولا الرفيق الفَسِل ) بعد أن باع الماء صداقته معها برخص التراب ، تبحث عن رفيقٍ كيفما كانت فسالته يذهب عنها وحشة الفراغ وما يزال البنطون غريباً في بحره ، وحيداً ، يغني لنفسه ( فوقي غيمة وتحتي شيمة ولاوي في جواي عُصار .. هدَّ بالهم لون صباحي وطالن أحزاني القُصار ) لا يمكنه أن يرحل لأن له داراً واحدة ، تمنى لو أنه برمائي ساعتها أذن لفارق النيل ومضى ، ما عادت أشجاره الضخمة ملاذ الصبية والعشاق وعصافير المغارب وما عادت أصوات اللواري تشجيه بحنينها وهي تجتهد في الصعود عن وهدة الضفاف إلى الطريق الأنيقة عبر جناين المنقة والبرتقال الدقاق ، ولا عادت كماين الطوب التي لا تعرف النوم يغني عمَّالها طوال الليل ويصنعون الطوب بدرجاته المتفاوتة يرصّونه على حوافِّ الجرف آلافاً تؤسس لمدنٍ قادمة تعنيه في شيء، بات الأطفال الذين كانوا يشقُّون السوق متجملين بصخبها ومداعباتها ومعتدين بأقبية أبنيتها ، وهم يخطون صوب مدارسهم ، يشقُّون بطون التيه عليها الآن في ( صوف الخلا ).
    الآن .. فقط تخضّر جناين السجن ، كانت سابقاً تنزوي وراء ( دمورية المضامين ) – جمع مضمون وهو الذي قاربت فترته على الانتهاء فيخرج للخدمة في الجناين أو بيوت الضباط – وغناء المدينة على أعتاب آذان النيل ، وضحكات الموج مطلوق السراح على ضفافها ، وذاكرة المتحف الذي يربض وسط وشاح الخضرة بكبرياء تحسده عليها الشمس ، يبكي سنين الوجد والغربة وينام مجروحاً على كتف التاريخ المسكين ، والمدينة مسجونة في البعد عن ذاتها ، لا تكاد تدري من أمرها شيئا.
    وما بين مروي 1978 ومروي 2003 يحكي الأطفال والشباب والكبار مواجع وأدت مدينتهم الطفلة ودفنتها رغماً عن مسحها الغبار عن ذقنها الغميء ، وأسلمت ذاكرتهم لليلٍ طويل الغصة والآهة ، وحاد الفجيعة ، وبينهما تكبو الجراح على الجراح وتغوص الطرق المرشوشة بالرمل وخطاوي المحبين في دموع الحاضر الذي لا يحسن إلا استذكار الموت واستحضار دفاتر الشوق واستنطاق الدمع ، يقف الشعر وأحوال مريديه كلها خلف (سُماعين ود حسن) كما كانت تناديه أمه (حد الزين بنية شيخنا اسماعين) يردد مثلما حوّر محرري مجلة مروي
    والله يا مروي على لوح الزمان منقوشة بي سن الحُراب
    وما بنقدر على وصفك إذا خطينا بي حرف الخلود مليون كتاب.
    أسامة معاوية الطيب
    الشارقة
                  

العنوان الكاتب Date
المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 07:56 AM
  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 08:01 AM
  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية mahdy alamin07-17-04, 08:48 AM
    Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 10:40 AM
      Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 10:44 AM
        Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 07:38 PM
          Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-17-04, 07:41 PM
            Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية osly207-18-04, 03:38 AM
  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية Abdalla Gaafar07-18-04, 03:45 AM
    Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-18-04, 03:59 AM
  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية Ibrahim Algrefwi07-18-04, 03:54 AM
    Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-18-04, 04:06 AM
      Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية osly207-18-04, 04:14 AM
        Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-18-04, 04:29 AM
          Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-18-04, 05:32 AM
            Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-18-04, 12:35 PM
              Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-20-04, 04:47 AM
                Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية mohammed alfadla07-21-04, 02:56 AM
                  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-21-04, 06:35 AM
  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية mahdy alamin07-21-04, 01:46 PM
    Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-21-04, 09:56 PM
      Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية mohammed alfadla07-23-04, 03:49 AM
        Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-23-04, 09:44 AM
          Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية osly207-24-04, 07:43 AM
            Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-25-04, 04:26 AM
              Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية حبيب نورة07-25-04, 05:34 AM
                Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-25-04, 09:30 AM
                  Re: المدن السودانية أرياف تقتحمها المدنية أسامة معاوية الطيب07-26-04, 09:15 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de