كيف تكسب حمارا؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-02-2024, 01:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-16-2004, 10:33 PM

bushra suleiman
<abushra suleiman
تاريخ التسجيل: 05-27-2003
مجموع المشاركات: 2627

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كيف تكسب حمارا؟ (Re: bushra suleiman)

    الحمار في الذاكرة العربية / سعود الصاعدي

    قراءة تعالج سرّ العلاقة بين الحمار وذاكرتنا الثقافيّة !
    أهديهـا : للزمـن القـادم بعد الانقراض !

    ( 1 )

    .. في البدء صرخ شاعرٌ قديم :
    لقد ذهب الحمار بأمّ عمرٍ
    .... فلا رجعت ، ولا رجــع الحمار !
    ومن يومها ، أعني من الأمس البعيد ، والحمار الذي لم يرجع ، لا يزال في ذاكرتنا الثقافيّة ، حيث الحضور المكثّف لمفردته ، منذ أن عرف العربيّ معنى أن تكون غبيّاً ، أو أن تتغابى فتصبح سيّد قومك الأذكياء ، ومن خلال محاولة متواضعة تجوّلت فيها بصحبة "الحمار" بين أروقة الذاكرة العربيّة ، واتّخذت من استقرائي لمفردة الحمار الدلاليّة ، والنفسيّة ، والصوتيّة ، مركباً أمتطيه ويمتطيه معي حماري سعيد "الحظّ" ، الذي لم يكن هذه المرّة مركوباً ، فكلانا ، أنا والحمار ، ركبنا مطيّة التّأمّل في هذه "المفردة" المشحونة بطاقةٍ من الدلالات ذات التأثير النفسيّ ، على المرسل والمتلقّي معاً ، حيث وجدت ، بعد الفراغ من تكرار مفردة " حمار " ، عندما ملأت بها فمي : أنّها ذات جرسٍ مختلف وغريب ، ربما في طريقة نطقها سرٌّ من أسرار هذه "السيرورة " في اللسان العربيّ : لاحظوا معي صوتيم المفردة ( حــ ) ، حينما يأتي من أقصى الحلق ، أي من الأعماق ! ، ومن ثمّ الصوتيم ( مــ ) ، حيث تنطبق الشفتان استعداداً لإلقاء القنبلة الموقوتة ، لتأتي بعد ذلك ساعة تدوّي فيها مؤخّرة هذه المفردة بحرفين / صوتيمين : ار ، مع ملاحظة الشظايا التي تبعثرهـا أطراف الرّاء لطبيعة هذا الحرف الصوتيّة بحسب ما قرّره علم الأصوات اللغويّ
    أعود –الآن – إلى حمار أمّ عمرو ، حيث جاء توظيفه في سياق البيت بالتساوي على شطريه ، مع الحرص على أن تكون المفردة في خاتمته لتبقى عالقةً باللسان ، كما هي عالقة بالذاكرة ، ولعلّ أهمّ مايلاحظ في توظيف هذه المفردة في الشعر ، أنّها كثيرة الورود في ذيل النصّ ، بمعنى أنّها تكون مشحونةً بطاقتها الدلاليّة والنفسيّة حينما ترد في مؤخّرة الكلام ، وهذه من إحدى مصائب الحمار في ثقافتنا العربيّة !

    ( 2 )

    .. شاعرٌ آخر يستدعي هذه المفردة ، ويوظّفها التوظيف السابق ، حيث تقبع في مكانها اللائق بها ، وهي برهانٌ آخر على صحّة ماذهبتُ إليه من حساسيّة المفردة عند العربيّ ، حينما يصرّ على أن تكون في ذيل البيت المتهكّم ، رغم اللباس الذي لم يشفع للحمار بإخفاء ملامحه الحقيقيّة :
    ولو لبس الحمار ثيـاب خزٍّ /// لقال النّاس يـا لك من حمـار !
    تأمّلوا معي الشعور باللذّة والارتياح أثناء تفريغ "الفم" من هذه المفردة ، وهو ما جعل الشاعرين ، الاوّل والثاني ، يستأثران بهذه "المفردة" ويكرّرانها في بيتٍ واحدٍ مرّتين !
    ( 3 )

    لندع الشعر جانباً – الآن – ثم نعود إليه حينما نفرغ من هذه الرحلة الشائقة ، ولنقرأ معاً موقف : الأخوة الأشقّاء حينما حجبهم "الجدّ" عن الميراث ، وورث معه الأخوة لأمّ مع الزوج في المسألة "الحماريّة" ، حيث قالوا لعمر رضي الله عنه : هَـب أنّ أبانـا حمــار !
    هنا : تساؤلٌ يرد : إذا كان هؤلاء الفتية يريدون إقناع الفاروق بالوجود الذي يشبه العدم ، ولم يكونوا يقصدون "البلادة" ، ولا " عدم الفهم " كما هو معلوم فَلِم لم يرد إلى أذهانهم شيٌ آخر غير "الحمار" ؟ هل ضاق الفضاء كلّه ، وانزوت الأرض كلّها ، حتّى لم يبق فيها سوى هذه المفردة ؟
    إذن ، هذه الأسئلة تقودنا إلى أنّ مفردة "الحمار" لا ترد – فحسب- كإسقاط على حالة الغباء ، كما هو شائعٌ بين النّاس ، أعني بذلك أنّ الطاقة الشعوريّة التي تحملها هذه "المفردة" أكبر من أن تكون لوصف حالةٍ واحدةٍ فحسب، والحمار – كما هو معلومٌ – فيه صفةٌ ملازمة ، بل تكاد تكون ألصق به من صفة الغباء التي يقال أنّها تهمة في حقّ الحمار ! ، والصفة اللازمة للحمار هي صفة الجلد ! ( وما بوش عنّا ببعيد ! )

    ( 4 )

    ..ولأنّ القرآن نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين ، يخاطب به الله عباده وفق النفسيّة العربيّة ، فقد جاء وصف اليهود الذين يعلمون ولا يعملون ، تبكيتاً لهم وتحقيرا ، بصورةٍ تنفر منها النفس العربيّة الأصيلة ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ، والمتأمّل في الآية يجد أنّ صفة الغباء غير موجودة في هذا السياق ، فالغبيّ لا يعلم ولا يتعلّم ، والعقل اليهوديّ ذكيٌّ غير زكيّ ، وإنما المقصود هنا الإشارة إلى عدم انتفاعهم بما يحملون كالحمير تماماً ! تقريعاً لهم وتبكيتا ، وهذا ممّا يؤكّد على أنّ استدعاء مفردة " حمار " تجيء أحياناً لدلالاتٍ أخرى غير الغباء وعدم الفهم ، وقد جاءت هنا – والله أعلم – لتدلّ على بلاغة القرآن ومخاطبته للنفس البشريّة وفق نوازعها الشعوريّة ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) ، إذ إنّ الجمل – أيضاً – قد يحمل أسفاراً ، وهو يشارك الحمار في عدم الانتفاع بما يحمل، بيد أنّه يخالفه في منزلته عند العربيّ ، فهو – أي الجمل – من نفائس أموال العرب ، والخلاصة : أنّ في مفردة الحمار كمٌّاً هائلاً من الإيحاءات الرادعة الموجعة !

    ( 5 )

    .. يتّضح ممّا سبق مدى ما تتمتّع به هذه المفردة من ( حصانة ) ضدّ الضياع في الذاكرة العربيّة ، لهذا نجد كتب التراث والطرائف زاخرة بالمواقف والقصص التي يكون فيها ( الحمار) بطلاً من أبطالها ، فجحا الضاحك المضحك لا يفارقه حماره ، حيث صار من أهله وخاصّته :
    - جاءه رجلٌ ذات يوم وطلب منه أن يعيره الحمار
    - فقال له : غير موجودٍ الآن
    - فنهق الحمار وقال الرجل : وهذا ؟ !
    - فأجابه جحا : أتكذّبني وتصدّق الحمار ؟!
    وحينما سئل بشّار بن برد عن مفردة غريبة وردت في أحد أبياته التي كتبها على لسان حمار ، أجاب : هذه من غريب الحمار !
    فقد حظي الحمار بشيءٍ غير يسير من الاهتمام ، وصار في طليعة الحيوانات التي وردت في الأدب العربيّ ، قديمه وحديثه ، فالشاعر والكاتب إبراهيم المازني أحد شعراء العصر الحديث : تحدّث في كتابه ( صندوق الدنيا ) عن فروسيّته على ظهر حمار ، والشيخ الأديب علي الطنطاوي استلهم في كتاباته الرائعة سخريته اللاذعة من مادّة "الحمار" ، ففي إحدى جولاته في حديقة الحيوان : رأى الحمر الأهليّة وتساءل – بعد أن صارت الحمير مادّةً للسياحة – عمّا إذا كانت الحمير تغضب حينما تُنادى : يا بشـر ! ، أولسنا نغضب مثلها حينما يقال لنا : يا حمير !
    أظنّ أنّ الزمن الذي ستتحقّق فيه هذه المعادلة أوشك يا شيخي ووالدي الأديب !

    ( 6 )

    ..وفي شعر العصر الحديث – عصر النهضة كما يزعمون!- يفرد أمير الشعراء أحمد شوقي ، في شوقيّاته ، باباً شعريّاً ومملكةً عامرة بالحيوانات الأليفة والمتوحّشة ، غير أنّه – ربما من باب المصادفة – قرّر ملك الغابة أن يستوزر من يخلفه من بعد وزيره الراحل ، بعد اجتماعٍ حيوانيّ يشبه كثيراً الاجتماعات التي يعقدها البشر في قاعاتهم ! فكان القرار :
    قال : الحمار وزيري
    ....... قضى بهذا اختياري !
    فاستضحكت ثمّ قالت
    .......ماذا رأى في الحمـار ؟!

    وبعد أن قال الأسد قولته الشهيرة ( الحمار وزيري ) حدث ما لم يكن في حسبانه ولم يضرب له قطّ موعد :

    حتّى إذا الشهر ولّى
    ...... كليلةٍ أو نهـارِ
    لم يشعر الليث إلاّ
    ....... وملكه في دمار
    الكلب عند اليمين
    ...... والقرد عند اليسار
    والقطّ بين يديــــه
    ....... يلهو بعظمة فـار !

    فكان من الطبيعيّ أن يصرخ غاضباً بعد هذه الفوضى ، ويؤّنّب نفسه التي أمرته بوزارة الحمار وزيّنتها له :

    قال : من في جدودي
    ........ مثلي عديم الوقار
    أين اقتداري وبطشي
    ....... وهيبتي واعتباري!

    بيد أنّ القرد الحكيم ، ومن عجبٍ أن تؤخذ الحكمة هذه المرّة من أفواه القردة والـ ..... أشار إليه بدهاء إلى موضع الداء ! :
    فجاءه القرد سرّاً
    ....... وقال بعد اعتذاري
    يا عالي الجاه فينا
    ....... كن عالي الأنظـار
    رأي الرعية فيكـم
    ....... من رأيكم في الحمار !

    ( 7 )

    ..فإذا تحدّثنا عن الشعر العربيّ المعاصر ، وفي شعر التفعيلة خاصّة ، يظهر لنا الشاعر الثائر /أحمد مطر ، إذ إنّه أحد أخطر شعراء التفعيلة في زماننا المعاصر ، ليس لأنّه ثوريّ الاتّجاه ، بل لأنّه يتعامل مع إيقاع الشعر التفعيليّ بطريقة : سقوط المطر ، القنابل ، الرؤوس ، فغالباً ما تكون قصيدته ذات إيقاعٍ يبدأ من الأعلى ، ثمّ ينحدر حتّى يبلغ ذروته في نهايته عند الانفجار العاطفيّ ، وهذاعنصر المفاجأة ، وهو من أهمّ خصائص الإيقاع التفعيليّ : أن يكون ساقطاً ، مفاجئاً ، مدوّياً في نهايته ، ولأنّ مفردة "الحمار" تصلح كثيراً لهذه الخاصيّة ، فقد حظيت باهتمام الشاعر أحمد مطر ، وسقطت على "سجّانه" بطريقةٍ إيقاعيّة ، وتهكّميّة على حدٍّ سواء :

    وقفت في زنزانتي
    أقلّب الأفكار
    أنا السجين ها هنا
    أم ذلك الحارس بالجوار ؟

    *****
    فقال لي الجدار :
    إنّ الذي ترثي له قد جاء باختياره
    وجئت بالإجبار
    وقبل أن ينهار فيما بيننا
    حدّثني عن أسدٍ
    سجّانـه حمـار !

    ( 8 )

    ..وحينما ندع موروثنا الفصيح في الأدب العربيّ ، ونتّجه إلى ثقافتنا الشعبيّة وموروثنا المحكيّ يستقبلنا على بوّابة الذاكرة أشهر حمار في الشعر العامّي ، رغم اختلافاتنا حوله ، أعني به حمار الشاعر الخالي من الكولسترول : عبد المجيد الزهراني :
    قالت : امسك يا حمار !
    وقلت : هاتي
    كانت احلى حمار
    أسمعها فـ حياتي !
    والحقّ أنّنا نخطيء كثيراً حينما نظنّ أنّ عبدالمجيد الزهراني فشل في توظيف هذه المفردة فشلاً محضاً ، إذ من وجهة نظري ، وبعد أن تأمّلت في النصّ أكثر، اكتشفت أنّ فشل عبدالمجيد كان في احتواء المتلقّي فحسب ، حيث لم يُراعِ الحالة النفسيّة والحساسيّة الشديدة تجاه هذه المفردة من قبل النفس العربيّة ، والتي قرّرناها في مطلع المقالة ، وهذا – في رأيي سبب الضجّة حول هذا الحمار ، أمّا من حيث توظيف المفردة في بناء النصّ الداخلي ، فلا أبالغ لو قلت : إنّه نجاح بمرتبة الإسراف في البساطة والصدق في نقل نفسيّة الشاعر كما هي ، إذا علمنا أن عبدالمجيد يأتي بكلّ أدوات الشارع لا يستثني منها شيئاً ، وهو ما انتقدته عليه مسبقاً ، ولا زلت إلى الآن ! ،
    ترى ما سرّ نجاح اتّساق المفردة في نصّ عبدالمجيد ؟!
    عندما نتأمّل تكرار مفردة "حمار" في نصّ مختزل ، وقصير جدّاً ، ندرك أنّ الشعور بصوتيّة المفردة وقدرتها على تفريغ الشحنة النفسيّة المصاحبة لها – كما تقرّر سابقا – أمرٌ غير غائبٍ في هذا النصّ ، وحينما نقرأ بناء هذا التركيب ( كانت أحـ لـى حـ ـ ـ ـ مار ) بطريقةٍ تشريحيّة/عروضيّة : أح ، لـح ! مـار ، تظهر لنا صوتيمات توافق ما ذكر عن الدلالة النفسيّة العاطفيّة لمفردة الحمار ، حيث الشعور بلذّة مشحونةٍ بالطاقة ، إذا ما سلّمنا بأنّ المنتقم، أو الموجوع يشعر باستراحة مؤقّتة بعد الفراغ من إلقاء هذه المفردة / حمار/ وذلك حينما يملأ بها صدره وفمه ثمّ يلفظها ، ولهذا جاء في الحديث ( ليس الشديد بالصرعة ، إنّما الشديد من يمسك نفسه عند الغضب ) ، والغاضب تنازعه نفسه لتفريغ طاقته ! ، وكذلك الموجوع .
    تأمّلوا مرّةً أخرى : أح لـح ، أح لـح ، أح لـح ، إنّها أصوات تحدث غالباً حيينما ننتعش ! ، تذكّروا – أيضاً – أنّني أتحدّث عن الشاعر داخل النصّ ، كي لا تذهبوا بعيدا عمّا أريد قولـه ، ولهذا فأنا أجزم أنّ الشاعر كتب هذا النصّ واستمتع بمفردة الحمار أكثر ، ليس لأنّه يريد أن يوظّف رؤيته النقديّة ، بل لأنّ شعوره النفسيّ أملى عليه هذه المفردة فأخذ يردّدها بعقله الباطن قبل لسانه : أحلى حمار ، أح ، لح :
    قالت اسمع يا حمار
    وقلت هاتي
    كانت احلىحمار
    أسمعها فحياتي !
    حقّاً ..لقد كان الشاعر صادقاً في تصويره للمفردة من داخل النصّ : كانت احلى حمار أسمعها فحياتي !
    بعد هذا الحمار توافدت الحمر الأهليّة في النصوص الشعبيّة ، فكان من الطبيعيّ أن يكون لكلّ شاعرٍ حمار في زمنٍ كثرت فيه الحمير ، فهذا الشاعر محمّد النفيعي يوظّف اللهجة المحكيّة التي غالباً ما يصم بها أصحاب النفوذ ضعفاءهم : اسكت يا حمار ، وقد جاءت في هذا السياق معتدلةً تصف الواقع الواقع ، بعد أن صارت لغة الحوار فيما بين القويّ والضعيف : اسكت يا حمار !
    صايمٍ وافطر بثــومـه
    ...... هي كذا بكلّ اختصـار
    وان بغى يشكي همومه
    ...... قالوا : اسكت يا حمار !

    بيد أنّ للشاعر فهد عافت معادلةٌ أخرى ، لاتبعد عن معادلة الأديب الفذّ الشيخ علي الطنطاوي التي ذكرتها في معرض هذه الرحلة ، يقول فهد عافت :
    ما دام دنيا وترفعها قرون السيّد الثور
    ........ وش يزعل العاقل ان نادى عليه حمار : يا حمار !
    وإذن ، فالملاحظ ، على بيت عافت تكرار المفردة في مساحةٍ ضيّقة ، مع الحرص على تذييل البيت بها ، وكذلك فعل النفيعي ، تأكيداً على أنّ هذه المفردة لاتصلح في صدر الكلام إمعاناً في التنكيل بها وبرهاناً على سيكولوجيّة النفس العربيّة المسكونة بالأنفة !

    ( 9 )

    ..وحتّى لا أتّهم بخبث "العنوان" أعلاه فإنني مضطرٌّ إلى أن أسوق تجربتي الشعبيّة المتواضعة مع "حماري" المفلح ، حيث صادفني أثناء معاناة "مفلح" ، ذلك الرجل البسيط ، الذي يبحث عن لقمة عيشه ، وحينما كنتُ أعالج أمره في أحد مواقفه ، تدلّت عليّ "حماران" من ذاكرتي ، تحديداً عند هذا المقطع من النصّ :
    والاّ تبــي زوجٍ ثيــابه شفيفـه
    ....... خدّه شبر وعيونه دعاج وكبار
    هنا ، عند هذه المفردة اقتحمت أسوار الذاكرة حماران ، ربما استدعتهما مصادفةً جملة ( خدّه شبر ) والقافيـة التي- أحياناً - تفتن الشاعر في عقله ودينــه !!! ، ولحسن حظّي سلمت من إسقاطها عليّ فنجوت من شرّها ، وشرعت بكلّ بساطة وارتياح في تفريغ صدري من هذه الطاقة الشعوريّة المفعمة بالأحاسيس المنتقمة من الواقع :
    تبغاه لو حتّى عيونه كفيفـــه
    ........ لو انّه حمـارٍ وابو جدّه حمـار !
    وعندما تنفّست الصعداء قلتُ ، بيني وبين نفسي ، بلهجةٍ شعبيّة ( الله يلوم الّلي يلوم عبدالمجيد ! )

    ( 10 )

    ماذا عن الحمار الأخير ؟!
    وصلنا إلى آخر الحمير ، وهو – للحقّ – حمارٌ فيلسوف ؛ عاصر الحمير المتنكّرة في جلود وأردية أهل السفسطة والتمنطق ، أولئك الذين حكم لهم الواقع بامتطائه و"أخوته" من أبناء جدّهم حمار الحكيم توما ، ولأنّ الابن يرث جدّه ، فقد ورث الحمارُ الحمارَ ، وورث صاحبُ الحمار المتأخّر صاحبَ الحمار المتقدم ! ، ولاتزال بنو الحمير تطالب بني البشر ممّن هم من سلالة توما بحلّ معادلة الركوب المعقّدة ، التي ورثوها من جدّهم السابق :
    قال حمار الحكيم توما
    .... لو أنصف الدهر كنتُ أركب!
    لأنّني جاهـلٌ بســيطٌ
    .... وصـاحبي جاهــلٌ مـركّب !!
    ورغم اختلافي مع بعض نصّ الوثيقة ، في تهمتها للدهر ! على عادة شعرائنا وأدبائنا من بني البشر ، إلاّ أنني أرى أنّ حقّ الركوب مشروعٌ للحمير هذه الأيّام ، فالحمار أحقُّ بالركوب من صاحبه الذي لايدري ولايدري أنّه لا يدري ، وهو – أي الحمار – ( ما ألذّ مفردة الحمار في زماننا ! ) أحقُّ بالركوب من صاحبه الذي يطلّ على النّاس من ( زاوية ) العولمة الجديدة ليعولم العالم كلّه ويجمعه على ثقافةٍ واحدةٍ تقرأ السطور بنظّارةٍ أمريكيّةٍ عوراء !
    وهو – أي الحمار- أحقّ من صاحبه الذي يلبس جلداً غير جلده وينسى أنّه :
    مادام يصحب كلَّ شيءٍ صوته
    ...... هيهات يخفي ( العير ) جـلدُ ( جبان ) !!
    ..هل لاحظتم ؟!
    هذه المرّة : الأنَفَـــةُ للحمار ! إذ لا يليق به هذا الموضع في السياق !
    أجل ، إنّه زمن الحمير : يا بشــــرررر!!
    أين الصارخ في البدء : لقد ذهب الحمار ؟! هل ذهب هو الآخر ؟
    إذاً سجّلوا بلغة العصر: لقد ذهبوا وقــد رجــع الحمــارُ !

    صــرخةٌ أخيرة :
    أخي الغريب إذا أردت أن تعالج غربتك بصرخة :
    اجمع كلّ الحمير الواردة أعلاه ، بل كلّ حمير الدنيا ، في مفردة حمارٍ واحد ، ثمّ تخيّل أنّ رأسك بحجم الكرة الأرضيّة وأنّك فتحت "فمك" فباعدتَ بين شفتيك كما بين المشرق والمغرب ، وبعد أن تتأكّد من كلّ الحمير : اذهب إلى الصحراء ، وارسم صورة كلّ من يخون دينه وأمّته ووطنه واصرخ في الفضاء الطلق : يا حماااااااااااااااااااااااار

    قلم / سعود الصاعدي


                  

العنوان الكاتب Date
كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-15-04, 08:21 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ Teeta06-15-04, 08:45 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ almulaomar06-15-04, 10:28 AM
    Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-17-04, 05:19 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ ودقاسم06-15-04, 10:40 AM
    Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-17-04, 11:23 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ Teeta06-15-04, 05:28 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ Teeta06-15-04, 05:43 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ Teeta06-15-04, 05:57 PM
    Re: كيف تكسب حمارا؟ Hussein Mallasi06-15-04, 09:34 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-16-04, 09:42 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-16-04, 11:02 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-16-04, 12:54 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ Teeta06-16-04, 07:54 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-16-04, 10:15 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-16-04, 10:33 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-18-04, 09:18 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-18-04, 09:39 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-18-04, 10:00 AM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-18-04, 09:43 PM
  Re: كيف تكسب حمارا؟ bushra suleiman06-19-04, 09:55 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de