فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)"

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-19-2024, 08:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-26-2005, 08:39 AM

Murtada Gafar
<aMurtada Gafar
تاريخ التسجيل: 04-30-2002
مجموع المشاركات: 4726

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" (Re: Murtada Gafar)

    (مدينة النهر الميتة)

    بدأ حكيم يتكلم أثناء إنهماكه في العمل.أحياناً يلتفت تجاه صلاح ليؤكد على شئ ثم يعود لموأصلة إعداد العشاء.

    - قبل خمس سنوات تقريباً، في عام المجاعة، جائتني هنا حليمة الضكرية، اتذكرها؟ تلك البنت النحيفة، إبنة موسى، موسى حارس الزريبة الذي كان يعمل معك.

    - نعم.. نعم، أذكره وأذكر بنته النحيفة. هل كان اسمها حليمة؟

    - نعم. حليمة كبرت وهي مصرة ألا تكون أمرأة، تصور أنها تلبس ملابس الرجال وتتسلح بالسكين والعصا!

    - هذا أمر مثير. معقول؟ تلك البنت النحيفة؟

    - المهم، جاءت. وفي ذلك الزمان ما كان أحد في الناحية يجرؤ على الإقتراب من البلدة. جاءت، وقفت أمامي وتحدثت إلي بشجاعة. وأنا في حالتي تلك، ولا أدري السبب حتى الآن، رسخت في ذهني كل كلمة قالتها حليمة، أنا الذي كان عقلي كالمصفاة، تدخله المعلومة من هنا فتخرج من الجانب الآخر، دون أن تترك أثراً، بقي في عقلي حديث حليمة.. تعرف يوجد شبه ما، بين هذه الحليمة وبين المرحومة جميلة.

    - شبه؟ أنت تهذي. من أين تأتي حليمة بشبه بينها وبين جميلة؟

    - لا.. يوجد... بصورة غامضة... أنا لا أستطيع أن أفسر لك الأمر الآن. شبه تحسه ولا تراه. هل جربت شيئاً مثل هذا؟ أقصد أن تحس شبهاً بين شخص وسيارة، أو بين حيوان وزعيم سياسي؟
    - حسناً ... حسناً، أكمل.

    - لا أدري، بسبب هذا الشبه الذي أحسه، أو بسبب ما قالته، رسخ الموضوع كله في ذهني. حليمة جائعة، تريد طعاماً وعلي إطعامها. والناس في القرية يموتون جوعاً. وقمت بإعداد طعام لحليمة، ثم بدأت مهمة إطعام القرية. هل تذكر تلك البفرة التي ظللت أزرعها وأحصدها وأعيد زراعتها طوال سنوات؟ لا شك أنك قد لاحظت ذلك أثناء زيارتك لي.

    - نعم أذكر. وقد لاحظت إنك تعمل مثل رجل آلي مبرمج. أغيب عنك سبع سنوات وعندما أعود مرة أخرى، أجدك تؤدي نفس العمل. زراعة وحصد البفرة. كنت أعجب لذلك النشاط المستمر. لكني قلت لنفسي، دعه يعمل حتى لا تتصلب عضلاته كما تصلب عقله.

    - نعم... كنت أكدس المحصول في مخازن البلدة، ولما امتلأت صرت أخزنه في أي مكان. داخل البيوت، في الدكاكين في أي مكان به فراغ. وأصل هذا العمل كان بسبب محمد دينكا.. أتذكره؟ ذلك الدينكاوي الأنيق الوسيم.

    - كيف لا أذكره؟

    - جاءني. فجأة وجدته واقفاً أمامي. لم تكن سنوات الجفاف قد بدأت بعد. كان مريضاً وهزيلاً، حتى أنك لن تعرفه إذا رأيته. أعطاني أعواداً خضراً من أعواد نبات البفرة. قال أن حكماء القبيلة قد أمروه أن يسلمها للرجل الصامت في مدينة النهر الميتة. كل هذه الاشياء تذكرتها بعد أن شفيت من الذهول. تعرف، كأنها كانت مخزونة في مكان ما من عقلي على الرغم من أنني كنت أبدو وكأن عقلي كان غائباً. تذكرت كل من جاؤني وتذكرت كل ما قالوه بمجرد أن شفيت. وعموماً لم يكونوا كثيرين. فسواك أنت ومحمد دينكا لم يصلني هنا سوى حليمة الضكرية. المهم، حملت البفرة فوق العربة وسحبتها من هنا إلى ساحة السوق في القرية الجديدة. لا أدري من أين جاءتني القوة. لم أكن أحس بشئ. لم أشعر بالإرهاق وأنا أجر تلك العربة الثقيلة. في ساحة سوق القرية قابلت الموت للمرة الثانية وجهاً لوجه. رأيته يحوم فوق رؤوس كل الأحياء في القرية. كان الأطفال هياكل بشرية تهيم في سوق القرية تنتظر نزول الموت. هزني ذلك هزة عنيفة. عادت إلى ذاكرتي تفاصيل تلك الليلة الرهيبة في مخزن الموت. كانت هذه الليلة هي أول حدث من الماضي، يعود، ومعه عادت ذاكرتي. كان أمراً مخيفاً. شئ مثل الإنفجار. ثم تمددت الذاكرة من تلك الليلة تجاه الماضي كله وتجاه المستقبل كله. أضاءت كل الأنوار في لحظة واحدة، وفجأة، بلا مقدمات. رأيت الزمن تتوالد لحظاته بلا شكل وبلا لون ومحايدة تماماً مثل أشعة القمر. أشعة لا تتخذ لها شكلاً ولوناً واتجاهاً وأثرا إلا يعد أن تسقط على الأشياء والناس. رأيتك تمشي شوارع مدينة غريبة شاهقة البنيان. رأيت حروباً تحصد أرواح الناس ثم رأيت الخير يتدفق والناس ناعمين. رأيت سيولاً تجرف الأطفال إلى تيار النهر، ورأيت سلالم تتحرك بالناس من تلقاء نفسها صاعدة هابطة. رأيت حقولاً مغطاة بالجماجم، كما رأيت أناساً يسبحون في أحواض صافية المياه. كل هذا وأنا أقف أمام العربة المحملة بالبفرة في ساحة سوق القرية. كنت أشعر كأنني أحلق في فضاءات عالية. في البدأ كنت بلا إرادة. يفعل بي الوميض المخيف ما شاء. ثم بدأت إرادتي تنمو شيئاً فشيئاً. وبدأت أهبط من تلك الفضاءات وأعود إلى ذاتي شيئاً شيئاً. أدخل إلى جسدي رويداً رويداً حتى رأيت نفسي أقف أمام العربة وأنا أتصبب عرقاً وكل عيون القرية تحدق بي في جزع حقيقي.
    صلاح، هل أقول كلام مجانين؟ هل تراني أهزي؟

    - لا يا حكيم. هذه تجربة فريدة حقاً. هذا شئ عجيب.

    - أردت التحدث إلى الناس، فتحدثت إليهم بصوت واضح ومنظم. أعطيتهم البفرة ودعوتهم للحضور إلى جويكِرَّة وأخذ ما يريدون منها. وعدت إلى جويكِرَّة وأنا شخص آخر. شخص مكشوف عنه الحجاب. عندما... عندما أتذكر حدثاً فإنني أتذكر كل التفاصيل وكل ما وقع مصاحباً للحدث الذي أتذكره. كأن أتذكر مثلاً أن صديقنا علي قد اشتبك في مشاجرة مع حمد طه عرق الحجر عصر الأثنين الرابع من يوليو 1955. وفي نفس تلك اللحظات، أرى أنك، وأثناء شجار علي وحمد طه، كنت تحادث الملكة تحت شجرة العرديب الضخمة وسط حديقة قصرها، وأن قمرية كانت تجلس على العش فوق الشجرة تراقب فرخا فقس حديثاً يحاول الخروج من البيضة، وأن ثعباناً عند طرف الحديقة المحازي للنهر كان يبتلع ضفدعاً ذكراً. وهكذا أرى كل ما يحدث في دائرة جويكِرَّة مصاحباً للحدث الذي أركز عليه ذاكرتي. كأنني كنت موجوداً في المكان كله وفي الزمان كله. والمخيف حقاً هو أنني، في لحظة التذكر الشامل تلك، كنت أعي أن كسر الحلقة الرئيسية في سلسلة الأحداث تلك، كفيل بتعطيل أو إلغاء كل بقية الأحداث. بمعنى، لو أنني كنت قد أخذت علياً معي إلى الحواشة، لما وقعت المشاجرة، ولما وجدت أنت الملكة ذلك اليوم تحت الشجرة، ولفشل فرخ القمري في الخروج من البيضة، ولهرب الضفدع الذكر من الثعبان عند طرف الحديقة. كانت كل تلك السلسلة المترابطة من الأحداث ستفشل في الدخول إلى اللحظة الزمنية وتظل إحتمالاً معلقاً قابل للتحقق كما هو قابل للعدم. والأدهى من ذلك انني كنت في تلك اللحظة أعي أن هذه السلسلة من الأحداث، هي كلها حلقة صغيرة في سلسلة أضخم، قد يكون موقع حلقتها الرئيسية في مصر أو الهند أو أمريكا الجنوبية. شئ معقد ومخيف.

    وقد صاحب هذه الحالة كشف آخر تجاه المستقبل. كنت ألقي بالسنارة في الماء، مثلاً، ثم أرى في زهني السمكة التي سوف تعلق بها من بين مئات الاسماك السابحة بمرح في النهر من منبعه إلى مصبه. كنت أبذر بذور الشمام، وأرى الحبة الواحدة وقد نمت وأخرجت ثلاث شمامات بأحجامها المتفاوتة. ثم أرى مصير كل شمامة منها. أرى من يأكلها وأين ومتى. إذا وقف أمامي إنسان، أرى في ملمحه ماضيه وحاضره ومستقبله. وكان هذا عذاباً آخر، أقسى من الصمت والذهول وفراغ الإدراك. كان أمراً مخيفاً. تصور لقد وصلت إلى مرحلة، عندما افكر في استخراج سمكة من النهر، إذا بها تقفز من الماء وترمي بنفسها أمامي. عندما أفكر في حوجتي لمبلغ لشراء السكر والشاي، أنظر إلى الأرض فإذا هو ملقى أمامي. لقد تعذبت كثيراً بتلك الحالة. شقيت بها شهوراً قاربت العام، حتى فكرت في الإنتحار لأتخلص منها. تمنيت من كل قلبي زوالها. وصحوت ذات صباح من النوم وإذا أنا مثل جميع البشر. إنساناً عادياً،أذكر بعض الاشياء وأنسى بعضها ولا أدري إلا ماهو واقع أمام ناظري في لحظة الزمن الحاضرة. إنك لن تستطيع أن تتصور مدى فرحتي بالخلاص من تلك الحالة.

    أثناء هذا السرد المطول من حكيم، كان صلاح صامتاً يحدق باندهاش. لم يقاطع، لم يسأل، لم يستفسر. أطرق حكيم برهة، ثم وأصل سرده:
    - أثناء هذه الشهور تعود أهل القرية الحضور إلى جويكِرَّة، لم يعد الإقتراب منها أمراً مخيفاً. صاروا يجيئون ويتجولون داخل البلدة طوال النهار. في بادئ الأمر كانوا يحضرون من أجل البفرة. كانت المخازن والدكاكين مكدسة بها، ومن حق أي إنسان أن يأتي و يأخذ ما يشاء. ثم صاروا يمدون أيديهم إلى بعض الأشياء النافعة من مخلفات أهل جويكِرَّة ويأخذونها. ثم اكتشفوا أن بالبلدة أشياء كثيرة صالحة. وبعد أن أفرغوا دكاكين ومنازل البلدة من كل شئ مفيد، بدأوا يأخذون مواد البناء. الاخشاب التي بقيت سليمة، ألواح الزنك، قرميد قصر الملكة، الاسلاك، الحديد وكل شئ. وأخيراً بدأوا يأخذون الطوب. يهدمون الجدران وينظفون الطوب مما علق به ويأخذونه. لم يتركوا حائطاً واقفاً إلا هذا المبنى. لقد انتقلت للسكنى به عندما كثرت حركة الناس في البلدة.

    وعندما انجلت الحالة التي كنت فيها، لم تعد جويكِرَّة كائنة. إختقت كل المباني ما عدا هذا المبنى. من ناحية، وجدت أنهم أسدوا إلي خدمة دون أن يقصدوا. فقد صارت كل مساحة البلدة خالية من المباني وصالحة للزراعة. صرت أزرع بقدر ما أستطيع. وعندما تحسنت أحوال القرى المحيطة بجويكِرَّة، إجتمع أهلها وقرروا أن يشتروا لي وابوراً لرفع الماء من النهر. هذه المزرعة تمد الآن كل القرى بالخضر. لو كنت معي تلك الأيام، كنت تستطيع أن تسألني أين ذهبت، الملكة فأعطيك جواباً.....

    هب صلاح واقفاً، مقاطعاً حديث حكيم بانفعال ودهشة:

    - حكيم، هذا ماكان على طرف لساني. كنت أنتظر أن تفرغ من حديثك لأسألك أين ذهبت الملكة. حكيم، أنت لا تزال قادراً على هذه الأشياء؟

    ضحك حكيم وإن ظل هادئاً:

    - لا تشغل بالك. هذه مجرد صدفة. صدقني، أنا الآن مثل أي إنسان آخر، محدود القدرات.
    ·

    23
    نضج السمك على الجمر فأخرج صلاح الخبز من مخلاته. أكلا باستمتاع. غسلا أيديهما بالصابون وجهز حكيم مكان نوم ضيفه وقال:

    - الآن إحكي لي أنت. أريد سماع ما حدث لك منذ أن أخذوك مكبلاً إلى المركز وحتى هذه اللحظة.

    - أخذوني من هنا إلى المركز وهم يهددوني بالشنق. كنت أضحك من سذاجة أولئك العساكر. وضعوني في الحراسة لمدة أسبوع كامل حتى وصل من العاصمة ضابط من البوليس السري ليحقق معي. كان الإتهام ضعيفاً، لا يستطيعون أن يقيموا على أساسه قضية. وكان واضحاً أن موت الناس هنا أو في مخزن الحديد قد حدث بسبب سوء الإدارة وسوء علاقات الإنتاج والمظالم التي ظلت تقع على المزارعين قبل وبعد قيام المشروع. وكان المحقق مضطراً لتسجيل كل ما أقول. وعندما يرفض تسجيل نقطة معينه. أعاقبه بعدم الرد على أسئلته. في النهاية أضطروا لأطلاق صراحي دون تقديمي للمحاكمة. شعروا أنني أتوق للمحاكمة. وعرفوا أنني سأفضحهم أمام الرأي العام. فالمحاكمة فرصة للصحافة وجماهير الشعب لمعرفة حقيقة ما حدث. وفي النهاية فبركوا رواية رسمية تقول بأن شرزمة من الشيوعيين، قد قامت بزرع الفتنة بين المزارعين البسطاء مما أدى لهذه الحوادث المؤسفة. وبالطبع، كالعادة، قللوا من عدد الموتى من المزارعين ورجال الشرطة. وفي النهاية قالوا أن التحقيق جاري لكشف كل ملابسات الحادث. وهكذا وضعوا النهاية للأمر كله. خرجت من المعتقل وصرت أدور مثل المجنون. أسأل وألهث من هنا إلى هناك لأعرف ما حدث للمزارعين. علمت أن شخصاً واحداً قد خرج حياً من المخزن. كنت واثقاً من أن هذا الشخص هو أنت. وعندما وصفوا لي الشخص الذي نجا، تأكدت من صدق حدسي. قالوا لي أن ذلك الشخص قد مكث بالمستشفى ثلاثة أيام ثم خرج ولا أحد يدري أين ذهب. قلت في نفسي، عاد إلى مدينته. وكنت أريد أن ألحق بك مباشرة، ولكنهم منعوني. حذرني الضابط بوضوح من محاولة العودة إلى المنطقة. وجعلني أكتب إقراراً بذلك. كانت السلطات تخشى ثورة من أهالي القتلى إنتقاماً لموتاهم. قالوا لي بوضوح إذا ذهبت إلى جويكِرَّة فسوف نعيد إعتقالك ونلفق لك تهمة تضمن لنا بقاءك في السجن ما لا يقل عن خمس سنوات. في تلك الأثناء جاءتني تعليمات الحزب بالتوجه إلى العاصمة، فأضطررت للذهاب.

    في العاصمة وجدوا لي عملاً بمكتبة محترمة وألحقوني بالعمل في تنظيم الشباب. بقيت في ذلك العمل مدة عامين، كنت خلالها كالمقيد أو المعتقل. كنت أتحرق شوقاً للعودة إلى جويكِرَّة لأرى ماذا صار بها. على الرغم مما في حياة العاصمة من مباهج، حدائق وبارات وحفلات وندوات، مع كل ذلك كنت أتوق إلى هذه البلدة. ثم وقع الإنقلاب العسكري واستولى الجيش على السلطة وبدأ العمل السري للمقاومة. واندمجت في هذا وغرقت فيه، حتى أنني لم أشعر بمرور السنوات. بعد ما يزيد عن الخمس سنوات من العمل السري النشط، جاءني التوجيه من الحزب الإختفاء لأن إسمي قد ورد ضمن قائمة بها عدد من المطلوب القبض عليهم. تلك هي الأيام التي جئت فيها لأول مرة. كنت أنتظر وأتمنى فرصة مثل تلك. بقيت معك ستة أشهر وأنت ذأهل غائب، تتحرك مثل إنسان آلي. تعمل في فلاحة نبات البفرة وتصطاد لنا ما نأكله. بعد ستة أشهر قالوا عد فعدت إلى العاصمة. كانت السلطة العسكرية تترنح. لقد بدأت الندوات والعرائض والاضرابات والمظاهرات، بدأت الثورة الشعبية التي أسقطت العسكر. لم أبق في البلد كثيراً بعد الثورة، إذ جاءتني الفرصة للسفر إلى برلين بألمانيا الديموقراطية. هناك أكملت دراستي الجامعية ثم تحصلت على ماجستير في التاريخ وعدت بعد ست سنوات.

    كان الإنقلاب العسكري الثاني قد وقع. وأيده الحزب في بدايته ثم لم يلبث أن وقع الخلاف بين الحزب والعسكر. حاول بعض الضباط أن يقوموا بحركة تصحيحية، لكنهم فشلوا. عندها شحذ النظام الديكتاتوري كل أنيابه وأظافره وعمل تمزيقاً في جسد الحزب. أقام المحاكمات العسكرية ونفذ الإعدامات وملأ المعتقلات. وجاء قرار قيادة الحزب الجديدة بالنزول تحت الأرض وإختفاء جميع قادة الصف الأول. حينها كنت قد تدرجت كثيراً في أجهزة الحزب. ومرة ثانية وجدت الفرصة تأتيني لأعود إلى جويكِرَّة. كنت قد فقدت الأمل في شفائك، واكتفيت ببقائك حياً. وما أعجبني، أنك قد تدبرت أمر معاشك بصورة جيدة. السمك والأرانب وسلاحف النهر والدجاج البري. عندما عدت إلى العاصمة بعد السنوات التي قضيتها معك هنا، قالوا لي بأن عمري قد نقص عشر سنوات. عدت شاباً. ويبدو أن هذا الأمر كان واضحاً بدرجة مدهشة. كل من قابلني ردد ذلك.

    خلال بقائي هنا حاولت بحذر أن أعرف مكان وجود الملكة، لكنني لم أستطع أن أعرف. بالطبع لم يكن من الحصافة أن أتجول في المنطقة واسأل عنها الناس. كنت فقط ألقي الكلام عرضاً لأعرابي يصادفني في البص مثلا. المهم نعمت هنا بالراحة التامة، وبعد عودتي إلى العاصمة بقليل إندلعت الإنتفاضة الشعبية الثانية ضد الدكتاتورية. وسقطت السلطة ثم عشنا أربع سنوات سيئة ومليئة بالعمل المضني لمنع عودة الديكتاتورية. لكن البلاد ظلت خلال تلك السنوات الأربع تسعى كالنائم إلى مصيرها المحتوم. تماماً، كانت الاجواء تماثل أجواء ألمانيا أيام صعود نجم الحزب النازي وديموقراطية الفيمار، إذ كان أصحاب القمصان الزرقاء يعملون علناً ويعدون العدة لوأد الديموقراطية، ولم يكن في استطاعة أحد منعهم وتجنيب العالم كارثة الحرب. نفس الشئ كان يحدث هنا. حسناً، وقع الإنقلاب، وأنا هنا بسبب ذلك. ورغم كل شئ أنا سعيد إذ ألقاك قد شفيت. الآن، هل تقول لي أين أجد الملكة؟

    - الآن، لا. لو كنت معي أيام الكشف والرؤيا، لقلت لك كل ما تريد معرفته. كنت تستطيع أن تسجل ما تشاء عن الماضي والمستقبل. الآن راح كل شئ وأغلق الطريق.

    وصمت الصديقان مدة طويلة. وعندما تكلم صلاح مرة أخرى، كان حكيم يغط في النوم. وظلّ صلاح، رغم إرهاق السفر، ساهراً يفكر. ماذا يعني هذا الذي حدث لحكيم؟ هل يعني أن كل شئ قد تقرر سلفاً، أم يعني أن هذا الكون يقوم على مجموعة من الصدف؟ هل يوجد ثمة نظام دقيق يحرك ما يبدو أنه مجموعة من الصدف؟ هل الإنسان أكبر كائن مقفل في الكون؟ يعيش فيه ولا يعرف القوانين التي تحركه؟ أين تقع مفاتيح هذا الكشف الباهر الذي حدث لحكيم؟
                  

العنوان الكاتب Date
فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar08-31-05, 07:06 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar08-31-05, 07:16 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar08-31-05, 07:25 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" wadabdean08-31-05, 05:35 PM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" wadabdean08-31-05, 05:39 PM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar08-31-05, 11:01 PM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-01-05, 03:12 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" mazin mustafa09-01-05, 03:17 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" wadabdean09-02-05, 11:43 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" wadabdean09-02-05, 11:43 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" TahaElham09-01-05, 11:23 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-02-05, 03:37 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-02-05, 05:31 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-02-05, 09:59 AM
        Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-03-05, 04:08 AM
          Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-03-05, 05:32 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" WadAker09-03-05, 07:46 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-03-05, 10:31 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" AlRa7mabi09-03-05, 11:20 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-03-05, 01:42 PM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" خضر حسين خليل09-03-05, 02:01 PM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-04-05, 00:55 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-04-05, 06:01 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-04-05, 01:57 PM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-05-05, 03:50 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" wadabdean09-05-05, 05:40 PM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-06-05, 03:10 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-06-05, 08:00 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-07-05, 04:10 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Adil Osman09-07-05, 06:53 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-08-05, 04:13 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-09-05, 10:08 AM
        Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-10-05, 00:50 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-10-05, 04:26 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Adil Osman09-10-05, 09:22 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-10-05, 09:41 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" WadAker09-11-05, 09:33 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-12-05, 01:43 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-12-05, 10:21 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-13-05, 04:56 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-14-05, 04:35 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-14-05, 09:55 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-15-05, 01:29 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-16-05, 10:07 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-18-05, 05:32 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Adil Osman09-18-05, 08:44 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-19-05, 04:47 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-19-05, 10:14 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" WadAker09-20-05, 04:28 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-21-05, 05:06 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Adil Osman09-21-05, 11:03 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-23-05, 05:09 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-24-05, 05:46 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-26-05, 08:39 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير09-27-05, 01:11 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-28-05, 01:39 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-28-05, 06:40 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar09-30-05, 01:36 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-01-05, 01:19 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar10-02-05, 01:34 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-03-05, 01:38 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Adil Osman10-06-05, 10:13 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-17-05, 03:17 PM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" محمد عثمان الحاج10-18-05, 01:35 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" Murtada Gafar10-18-05, 02:51 AM
      Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" ABU QUSAI10-18-05, 03:18 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-18-05, 03:45 PM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" ABU QUSAI10-19-05, 02:27 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-19-05, 10:20 AM
    Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" ABU QUSAI10-20-05, 03:44 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-21-05, 01:53 PM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-23-05, 10:22 AM
  Re: فصول من رواية غير منشورة للصديق الكاتب حامد بدوي أو "مدينة النهر المينة (1)" حامد بدوي بشير10-24-05, 09:47 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de