لندن بعد 40 يوماً على رحيله: "واحشنا يا خاتم كـتـير"، أو كما قالت تيسير مصطفى

Quote: رحل الخاتم ... لتحاصرني الأشياء .. تحيط بي بكثرتها الباردة، بحصارها الخشبي، بموتها وخوائها. يا لقسوة الفراق، ويا لقسوة انتظار الزمن. ها أنذا أستعير بعض كلماتك .. قلت لي يوماً: (أنَّ الحياة بدونك عب فادح وأنَّ المدينة التي لستِ من أهلها، مدينة معادية). فماذا أقول أنا وأنتَ لستَ من أهل المدينة، ولم تعد من أهل الأرض وأنت تذهب في رحلةٍ بلا عودة. يكف يكون حالي من بعدك؟ تقول لي: أحتاجُـكِ حاجة هاجر وإبنها إلى الماء في ذلك الوادي غير ذي الزرع. وأقول: أحتاجك حاجة الماء والهواء. إني أتجمل بالصبر .. نستطيع أنْ نتحمل عنت الحياة وافـتقارها للبهجة والألوان والشذى. نتحمل الأسِّــرَةِ الخالية والجُـدر الصماء ... وهل ينقشع الضباب يوماً وتشرق الشمس من جديد. إنَّ الحديث عن الخاتم ومآثـره وخصاله، وعن عماله وأفعاله، عما يحب وما يكره، يصعب حصره في كلمة قصيرة. لم يولد الخاتم وفي فمه ملعقة من ذهب. لم يكن طريقه معبداً، خالياً من المطبات. لكنه كان يملك ثروة العقل النيـِّـر، والنظرة الثاقبة. كان صبوراً ومتفائلاً. كان كريماً ورحيماً. وكان يعشق الحياة. وبمجهوده وصل إلى ما وصل إليه بالمثابرةِ والبحث والإطلاع وكثير العناء. كان مفكراً يُـشار إليه بالبنان. ويحـقُ له أنْ يُـوضع إسمه في مصافِ المفكرين العظام. كان شديدُ البأسِ مع خصومه، وكان مفرطـاً في الرقةِ مع أحبابه. تشاهده مع خصمه السياسي فتخاله لا يعرف إلى الرقة طريقاً. أحبَّ السودان وأخلص له، وقدم له جُـلَّ وقته، وكانَ رومانسياً حين يتذكرُ السودان ويقول لي: (إنَّ النسيم السوداني في الأمسيات الباكرة والعشيات، يعيدُ الروح إلى سمائها ويشيعُ البهجة في حنايا النفس). زرعَ الحبَ أطنانـاً. ليتك تنهض يا خاتم لتشهد حصاد ما زرعت .. أطنانـاً مضاعـفةَ من الحب. كانَ عاشـقـاً للغةِ، ضليعاً بها. كادَ نثرهُ أنْ يصبح شعراً. كان يشجع صديقاته وأصدقائه ممن يكتبون الشعر والقصة ويحثهم على انتاج المزيد. وكان يجيد التعبير عن مشاعر الحب فيسكب مشاعره على الورق وتندلق بسخاء. وبين اندلاع الوهم واستقرار اليقين ترتجُ الدنيا، ويُـزلزلُ الكيان، ويصطدمُ القلبُ بالأضلاع، وأكونُ أنا قد صعدتُ إلى السماء وعدتُ إلى الأرض. فهلا عدتَ الآنَ يا خاتم؟ ليتكَ تعود لترى، ليتكَ تنهض لترى كم يحبُـكَ الناس. لن تموت ذكراك يا أبا حسام، لنْ تمُتْ ذكراك يا أبا أحمد، لنْ تَـمُـتْ ذكراك يا أبا حق. واحشنا يا خاتم كتير. حلو اللسان، صافي الضمير. سمح الخصال، عاشق تراب بلده الحبيب. بشوش وضاحك، ذوَّاق طرب، مليان أمل. واحشنا يا خاتم كتير. يا نور عيونا الليلة ولَّـت أيام هنانا زاد الحزن وكِـتِـر بكانا يا غالي يا أب طبعاً نبيل وحشنا يا خاتم كتير وآخر كلام: حسام وأحمد وأمهم بيقولوا ليك: واحشنا يا خاتم كتير. أنا ممتـنـة للجميع. لكل الصديقات والأصدقاء. للأهل والأحباب. لهذا الكم الهائل من الحب الخالص. ممتنةٌ أنا لكلِّ ما فعلتموه وما قدمتموه من أجل خاتم. ممتنةٌ أنا لكلِّ من آزرني وواساني. ممتنةٌ أنا لكلِّ فرد منكم. ممتنةٌ أنا لمن تقاسموا معي الحزن وأوقات الشدة وغمروني بحبهم، لولاكنَّ ولولاكم لما نفضتُ أحزاني ونهضت. لـكُـنَّ ولكم جزيل شكري وكثير امتناني وخالص حبي. شكراً لكلِّ من ساهم في اخراج هذا اليوم بهذه الصورة المشرفة التي تليق بشخص مثل الخاتم. شكراً لجهودكم. شكراً لأسرة SOAS، طلبةً وأساتذةً وإدارة. شكراً لزملاء وزميلات الخاتم بجريدة الشرق الاوسط. شكراً لكم جميعاً.