سد مروي الأكبر عربيا وأفريقيا وأهم إنجازات «الإنقاذ»

Quote: للمياه أهمية وقيمة لا تقدر بثمن لارتباطها بالحياة وجوداً وعدماً، يستوي في ذلك الإنسان والحيوان والنبات، القصور في وجوده يعني تهديداً خطيراً للحياة والأحياء، لذلك أصبح الصراع على المياه هو المحتمل في المستقبل لأسباب عالمية وإقليمية ومحلية منها:ـ عالمياً (1) المياه العذبة تشكل نسبة ضئيلة جداً بالنسبة لمجمل المياه الموجودة على سطح الأرض وفي باطنها (6%) وهي بدورها موزعة على الجبال الجليدية في المناطق القطبية 27%، المياه الجوفية 72% ويتبقى 1% فقط من المياه العذبة في الغلاف الجوي والأنهار والبحيرات. (2) نحن في زمن ستلعب الموارد المائية فيه دوراً أساسياً في إعادة توزيع خريطة القوى السياسية نتيجة للندرة والمتغيرات التي حدثت في كل دول العالم «تزايد في النمو السكاني- وفي احتياجات الفرد اليومية لتفاوت الدول في طلبها على المياه وهو في حالة تصاعد مستمر، في أمريكا كمثال متوسط استهلاك الفرد من المياه في المنازل يزيد 70 مرة عن مستوى استهلاك الفرد في إفريقيا إضافة الى الاختلاف المستمر في تفسير الاتفاقيات والقوانين الحاكمة للأنهار الدولية. (3) سيصبح عنصر المياه أداة أساسية في أية استراتيجية دولية مقبلة، من يملكه سيصبح له ثقل سياسي واقتصادي. (4) تعتبر مشاكل المياه أخطر مشاكل القرن الحادي والعشرين لذلك تسعى كل دولة للحفاظ على حقوقها والدفاع عنها. (5) التوجه الجديد للبنك الدولي ربط بين كفاءة الدولة في استخدام مواردها وقوي السوق وأعطى المياه قيمة اقتصادية فهي سلعة تباع وتشترى وقابلة للتداول محلياً ودولياً وبالتالي يحصل عليها من يملك ثمنها ويحرم منها من لا يملكه. (6) المبادئ الدولية التي تحكم المياه المشتركة والجدل حولها عقدت العلاقات بين الدول ولكن أخيراً حدث تطور في مفهوم المورد الطبيعي المشترك نتيجة لإدراك البشرية لمحدودية هذه الموارد وخطر نفادها. ربما لهذا السبب في اتفاقية 1997 في مادتيها الخامسة والسادسة مبدأ مشاركة دول المجرى المائي في الانتفاع به وتنميته على السواء كما قررت قواعد هلسنكي أن تكون المشاركة عادلة ومعقولة «الأنصبة العادلة» حول هذا المصطلح دار جدل كثيف لتباين مواقف الدول حولها المشاركة المنصفة لا تعني التساوي في الأنصبة الذي يسود هنا مبدأ الانصاف أو التناسب وهو التفسير السائد لقواعد هلسنكي، هنا يوجد في الاعتبار الاحتياجات الخاصة لكل دولة (الاقتصادية والاجتماعية)- الاستخدامات السابقة والحالية- تعداد السكان- مدى توفر موارد بديلة للمياه في الدولة المعنية. في هذا المجال يواجه السودان موقفاً حرجاً لعجزه في استغلال حصته في المياه حسب ما جاء في اتفاقية 1959. بالرجوع الى الاتفاقيات الدولية نجد أنها لم تتحدث مباشرة عن الحقوق المكتسبة إلا أنها اهتمت بنقطة لها مردود سلبي على موقف السودان اليوم وهي ضرورة مراعاة الاستخدامات الحالية للمياه عند النظر في أي اتفاق جديد أو تعديل الاتفاقات الحالية. أهمية هذه النقطة سوف نتعرض لها لاحقاً لارتباطها بتعلية خزان الروصيرص خاصة بعد أن ثبت وبالتجربة أن إدارة الصراع حول الأنصبة في الأنهر الدولية عملية شاقة ومعقدة وتحتاج الى رؤية مسنودة بإرادة شعبية ولعمل متواصل ومتعدد الأبعاد نظراً لخطورة القضية وحساسيتها، فهي لا تهم الحاكم فقط ولا القوى المؤثرة اليوم في الساحة السياسية فحسب، القضية أكبر وأخطر وسوف يتحدد بموجبها مستقبل الأجيال القادمة وهي أمانة في عنق هذا الجيل الذي انشغل عنها بقضايا فرعية دون أي اعتبار لما قد يترتب على هذا المسلك من كوارث بدأت معالمها تتضح على الأرض في حياتنا وفي مأكلنا ومشربنا. لذلك يجب أن نستعد لمرحلة أخطر ما فيها أن أمر السودان ومستقبله ستقرره أطراف خارجية مستندة في حيثياتها المنطقية على ضعفنا وعجزنا عن إدارة مواردنا وبلدنا إدارة رشيدة، نعم نحن شركاء في مياه النيل ولكن المشاركة حسب المبادئ المتفق عليها دولياً لا تعني التساوي وإنما تعني التناسب، المقصود بالتناسب هنا أن تراعى ظروف كل دولة واحتياجاتها الحقيقية!! هنا يمكن أن نضع عشرة خطوط تحت احتياجاتها الحقيقية مع الأخذ في الاعتبار ظروف واحتياجات الدول الأخرى عندما نقارن وضعنا المخجل وعجزنا عن استغلال نصيبنا من المياه بتعلية الروصيرص بموقف الدول الأخرى التي استغلت كل ما هو متوفر لها من مياه وتبحث عن مزيد. نحس بالخوف على مستقبل هذا البلد الذي فقد الكثير بسبب تقصير أبنائه والسياسات العشوائية التي اتبعتها حكوماته الوطنية. إقليمياً نهر النيل مفصل رابط بين أكثر مناطق العالم ندرة في المياه «شمال إفريقيا» وعمق القارة حيث الأمطار الغزيرة والغابات الاستوائية، في مسيرته نحو الشمال تتوحد بالتتابع روافده الكثيرة من عدة اتجاهات لتلتقي مع المجرى الرئيسي في السودان البلد الجامع لفروع النيل ولشعوب إفريقيا، ربما لهذا التباين اختلفت أساليب التعامل مع النهر. في مصر التي ارتبط وجودها بالنيل سياسة واضحة عبر عنها الدكتور محمود أبوزيد وزير الأشغال العامة والموارد المائية بالآتي:- ü ان الاستراتيجية التي تتبعها مصر في علاقاتها مع دول حوض النيل تتلخص في التعاون معها بما يمكن أن يحقق أماني شعوبها مع تأكيد أنه لا مساس مطلقاً بحق مصر التاريخي في مياه النيل الذي أقرته اتفاقية 1959 ولمصر الحق في الحصول على مزيد من المياه في أي مشاريع لزيادة الموارد تنفذ في المستقبل. مصر كماهو معروف أكثر دول العالم اهتماماً بأمنها المائي، في عام 1946 أعلنت على لسان وزير الأشغال مشروع التخزين القرني تحت عنوان "المحافظة على مياه النيل في المستقبل" لتنفيذ هذه الاستراتيجية وضع مشروع طموح لتنظيم المياه بطول النهر من البحيرات الاستوائية وعلى روافده من ضمنها إقامة خزان على الشلال الرابع في مروي. في الستينات لأسباب سياسية تخلت مصر عن هذا المشروع واتجهت الى التخزين داخل أراضيها «مشروع السد العالي». ü موقف الدول الإفريقية في منطقة البحيرات العظمى والقرن الإفريقي مختلف حيث بدأ اهتمامها بالنيل متأخراً جداً مقارنة بمصر ولحد ما السودان، ما يجمع هذه الدول هو رفضها للاتفاقيات السابقة وان اختلفت الأسباب وتفاوتت درجات الرفض، إثيوبيا كمثال تخلت أخيراً عن سياستها القديمة فهي اليوم لا تتحدث عن سيادة مطلقة على الجزء الموجود في إقليمها، ففي 7 أبريل 1998 أعلن رئيس وزرائها السيد مليس زيناوي أن حكومته هي أول حكومة إثيوبية تعترف بأن مياه النيل ليست ممتلكات خاصة بإثيوبيا وهي أيضاً ليست مصرية ولا سودانية... الخ. مياه النيل ثروة مشتركة لدول منطقة نهر النيل وأن ما تحتاج إليه إثيوبيا هو التعامل مع حوض النيل كمنطقة واحدة وثروة طبيعية، وأنه يجب التعاطي مع قضية المياه من منظور دول الحوض مجتمعة في إطار استخدام كل الوسائل للاستفادة منه. محلياً بين مصر التي أصبحت تشكل نموذجاً في التعامل مع مواردها المائية والحفاظ عليها ودول المنبع التي بدأت تطالب بنصيبها في مياه النيل يقع السودان في الوسط مكاناً وسكاناً، للوسطية إيجابيات كثيرة ولكنها في ظروف معينة قد تسبب أضراراً بالغة، سياسات السودان تجاه موارده المائية لم تمكنه من استغلال حصته حسب اتفاقية 1959 مما يهدد بفقدانها إن لم نتدارك الأمر ونعجل بتعلية خزان الروصيرص. تعلية الروصيرص لها الأولوية للأسباب الآتية (1) نتيجة لمطالبة دول حوض النيل بنصيبها في موارده بدأت منظمات دولية في إعداد دراسات توضح حجم المياه المستغلة في كل دولة من دول الحوض ، تخلف السودان عن تعلية خزان الروصيرص وهو الخزان الوحيد المؤهل لذلك يعني تعرض جزء كبير من نصيبه للضياع عند قيام أي مشروع لاقتسام المياه وفق النظم الدولية علماً بأن دول المنبع لا تعترف بالاتفاقيات المبرمة بين دولتي المصب. (2) تمثل أهمية خزان الروصيرص للسودان أهمية السد العالي لمصر إذ لا توجد مواقع تخزين أخرى على النيل الأبيض أو الأزرق غيره لذلك فهو الوحيد المؤهل حسب اتفاقية 1959 التي اتفق فيها على إنشاء السد العالي في مصر كأول حلقة من مشروعات التخزين المستمرعلى النيل وأن ينشئ السودان خزان الروصيرص على النيل الأزرق وغير ذلك من المشروعات ليتمكن من استغلال نصيبه. بهذه المناسبة الروصيرص هو السد الوحيد الذي تم بموافقة كل من مصر والسودان- السدود الأخرى- سنار تحفظت عليها مصر- أما جبل أولياء فقد شيدته مصر وتخلت عنه للسودان بعد قيام السد العالي، خزان مروي اقترحته مصر في إطار مشروع التخزين القرني 1946 ليساعد في حجز الماء الزائد في حالة الفيضانات العالية- الآن فقد قيمته بالنسبة لمصر بعد قيام السد العالي. (3) تعلية الروصيرص سوف تزيد السعة التخزينية الحالية التي تقلصت نتيجة للأطماء من 4ر3 الى 5ر2 مليار متر مكعب لتصل الى 5ر6 مليار متر مكعب مما يترتب عليها - زيادة الرقعة الزراعية- والتوليد الكهربائي في الروصيرص وسنار ومروي إضافة للفوائد الاجتماعية التي تعود على أهل المنطقة وهي من المناطق الحساسة «المهمشة» وفي حاجة الى تنمية لإزالة كل أسباب التخلف. (4) زيادة التوليد في مروي جراء التعلية والتخزين الإضافي في الروصيرص فيه ما يؤكد أن الروصيرص ومروي مشروعان يكمل كل واحد منها الآخر مع إعطاء الأولوية للروصيرص. (5) خزان الروصيرص مرتبط بمستقبل الأجيال القادمة. (6) سبق للدولة أن التزمت لمؤسسات التمويل التي منحتها القروض لتنفيذ التعلية (البنك الإسلامي) التراخي في التنفيذ سوف يهز ثقة هذه المؤسسات في جدية السودان. (7) من إيجابيات هذا المشروع أن أكثر من 50% من أعماله تتم بمقدرات سودانية مباشرة- التخلي عن تكملته في هذه المرحلة ضربة موجعة للوطن وللمنطقة وللكفاءات السودانية التي راهنت على تكملة المشروع ليقف شاهداً على عظمة الإنسان السوداني بتكرار تجربة امتداد المناقل وغيره من المشاريع السودانية تخطيطاً وتنفيذاً وإدارة.