الجنجويد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-18-2024, 01:43 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-25-2004, 09:21 AM

sultan
<asultan
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1404

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجنجويد (Re: sultan)

    سودانايل 10/11/2003

    الجنجويد (2/3)


    تمهيد:

    إستعرضنا فى الحلقة السابقة مسلسلات القتل والتدمير التى مارستها مليشيات الجنجويد فى دارفور، وخلصنا إلى أن نوعية تلك الجرائم وشناعتها تشى بشيئ أعظم من مجرد حوادث الصراع على الموارد الطبيعية أو النهب المسلح، وترتقى إلى مستوى الإبادة الجماعية المنظمة (Genocide) مع سبق الإصرار والترصد، لم تجد من الدولة الحاكمة أدنى إهتمام، بل لم تظهر حتى رغبة فى التصدى لها، وتدريجياً تحولت تلك المجازر إلى أخبار يومية عادية، وتحول المحظوظون من القتلى إلى مجرد أرقام جرداء تظهر بصورة متكررة فى صحف الخرطوم كل صباح قد لا تلقى بالاً من جانب الكثير من القراء، أمَّا الذين مضوا فى صمت دون أن يعلم بهم أحد فلا بد من أنَّ لهم ربٌّ سيأخذ بحقهم ولا يظلم ربُّك أحدا. لقد صرح مدير المعونة الأمريكية بعد تفقده الأوضاع فى دارفور مؤخراً أنَّ ما تم فيها من قتل ودمار خلال الأشهر الماضية لم يحدث فى تاريخ دارفور منذ إستقلال السودان، ولكننا نزايد عليه بأنَّ ذلك لم يحدث لا فى تاريخ دارفور الحديث أوالقديم فحتى فترة الدولة المهدية، والتى سالت فيها دماء غزيرة بدارفور، كانت مقاومة معلنة بين القوات الرسمية للدولة المهدية وبعض القبائل التى خالفت سياسة التهجير ولم تتخذ طابع الحرب الأهلية السرية العلنية مثلما يحدث الآن.

    سنلقى فى هذه الحلقة الأضواء على مليشيات الجنجويد، وسنتعرض للظروف التى أدت إلى نشأتها و تواجدها، ثم الأسباب التى تدفعها إلى إرتكاب هذه الممارسات المفزعة، وسنقرأ أهدافها والجماعات التى وراءها على خلفية وثيقتين هامتين وقعت فى أيدينا مؤخراً، ثمَّ نتعرض كذلك بصورة مقتضبة لدور الحكومات السودانية المختلفة فى السماح لهذه المليشيات بالتفرخ إلى حد الخروج عن السيطرة.

    من هم الجنجويد؟

    بالرغم من تواترها على ألسنة الناس وصفحات الصحف السيارة فى الآونة الأخيرة تظل كلمة "جنجويد" مبهمة المعنى، وبموازاة ذلك إجتهد بعضهم فى تفسير معنى هذه الكلمة الغريبة فمنهم من قال بأنَّها كلمة مركبة من حروف ثلاثة كلمات هى: جن، وجيم ثرى، وجواد، وهذه الكلمات مجتمعة لا تحتمل سوى تفسير واحد هو الإغارة والقتل والإبادة، لكن جاء فى ركن النقاش بموقع سودانيزأونلاين بالإنترنت أنَّ الكلمة لا تعنى شيئاً أكثر من إسم منسوب إلى قائد مجموعة عصابة مسلَّحة من العرب راكبى الخيول والجمال تأسست في الثمانينات بقيادة شخص يقال له حامد جنجويت، من قبيلة الشطية، خرج على الحكومة وعاث فساداً وقتلاً فى الأهلين حتى صار إسمه مرعباً ومنسوباً لكل فئة باغية طاغية تمارس القتل والحرق، وعلى هذا الأساس تحرف الإسم من جنجويت إلى جنجويد أو جانجويد كما تكتب فى مصادر الإعلام أحياناً، وصارت تبعاً لذلك تطلق على كل فصيلة مسلحة من العرب راكبى الخيول أو الجمال تقوم بتلك العمليات، ومن هنا جاء الوصف الحكومى لهذه المليشيات بالقوات الراكبة، لكن العالمين بثقافة القبائل العربية بدارفور يقولون بأن كلمة جنجويد طغى إستخدامها منذ فترة بعيدة، ربما منذ الستينات من القرن الماضى، ككلمة إستهجان لفقراء ومنبوذى الأعراب وكوصف للغوغائيين من شتاتهم الذين يعتمدون فى حياتهم على المهن الهامشية ويعانون من نظرة المجتمع الدونية لهم، وعلى كل، وبخلاف ذلك، فإنَّ مليشيات الجنجويد اليوم قد أصبحت لها القوة والمنعة بجانب الكلمة الحاسمة فى ريف دارفور، ودانت لها الأمور تقتل وتنهب حين تشاء وتفتك بمن تشاء، وحين تغيب سلطة الدولة، أو تتم تغييبها عن عمد وبقصد، يشيع قانون الغابة دون وازع من ضمير، لكن مهما تسامت درجات القتل وبشاعة التدمير تظل بعض الأسئلة مشروعة مثل لماذا هذا القتل أساساَ؟ وما هى المشكلة؟ وإذا كان الهدف النهائى هو إجبار الأهالى على الفرار والنزوح النهائى من أراضيهم فإلى أين يذهبون؟ وهل إطمئن المهاجمون من أى مساءلات محلية أم عالمية عن المذابح التى يرتكبوها؟ الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها تتطلب قراءة تاريخية لطبيعة الصراع السياسى الإقليمى حول دارفور خلال العقدين الأخيرين وإندياح إفرازاتها السلبية على الأمن المحلى بالإقليم على النحو الذى نشاهده اليوم.

    الصراع الإقليمى وأثره على دارفور:

    تتجلى هشاشة تركيبة الدولة السودانية الحديثة أكثر ما تكون فى طبيعة الصراع القبلى بدارفور وأبعادها الجيوسياسية المرتبطة بها، ويمكننا بكل ثقة من أن نقول إن جزءاً كبيراً من مشكلة دارفور فى العقدين الأخيرين تتعلق بالسياسات الداخلية والأهداف الإستراتيجية الخاصة للدول الثلاثة الكبرى التى تحيط بها وهى السودان وليبيا وتشاد، مع جرجرة ذلك لدول أخرى ذات تأثيرات أقل مثل مصر وأمريكا، بجانب نزاعات داخلية مختلفة إنعكست عليها سلباً مثل الحرب فى جنوب السودان بوجه خاص وجبال النوبة بدرجة أقل. وبينما تطورت الصراعات العنيفة بين ليبيا وتشاد ونجاحهما فى نقل ميدان ذلك الصراع بعيداً إلى دارفور منذ العام 1980م، نجد أنَّ الحكومات السودانية المتتابعة منذ ذلك الحين ظلت دوماً فى موقف المتفرج، أواللا مبالى لأكثر ما تكون، بالرغم من أنَّ الصراع يدور على أرضها ويهدد جزء من شعبها وأمنها القومى.

    لقد كان العام 1980م عاماً مضطرباً بالنسبة لنظام الرئيس جعفر النميرى إذ بالرغم من إكتشاف شركة شيفرون الأمريكية للنفط حول منطقة بانتيو فى العام الذى قبله إلاَّ أنَّ الأوضاع السياسية والإقتصادية فى البلاد بمجملها أخذت فى التردى، صاحب ذلك تدخل ليبيا فى تشاد فى ديسمبر 1980م مما دفعت حكومة النميرى المطالبة بطرد ليبيا من جامعة الدول العربية، وفى غضون ذلك نزح نحو 2 مليون من التشاديين ولجأوا إلى دارفور، ثمَّ إندلعت أحداث عنف خطيرة بالفاشر مطلع 1981م، عُرفت "بإنتفاضة دارفور"، ضد تعيين النميرى لحاكم لها من غير أبناء الإقليم، أدت إلى مقتل بعض الأشخاص ليتراجع النميرى على أثرها ويسارع بتعيين أحمد إبراهيم دريج حاكماً لدارفور، وهى المرة الأولى منذ العام 1916م، منذ مقتل السلطان على دينار، التى يحكم فيها دارفور واحداً من أبنائة. وبسبب تفاقم الأوضاع بالبلاد أحبطت الحكومة مخططاً لإنقلاب عسكرى قاده العميد سعد بحر وإتهمت قوى أجنبية من بينها ليبيا بدعم المحاولة دعا النميرى على أثره فى 31 مارس 1981م للإطاحة بالقذافى أو قتله.

    لقد كانت لليبيا توجهات آيدلوجية عروبية للتوسع جنوباً وبنت على هذا الأساس إستراتيجية رصدت تشاد كهدف مباشر للسيطرة عليها تليها مناطق دارفورمن شرقها والنيجر من الغرب، ولعلَّ الهدف غير المعلن هو إزاحة العناصر الأفريقية من سكان هذه البلاد وإستبدالهم بعناصرعربية تتكامل مع التوجه العروبى القومى فى ليبيا ومد الحزام العربى فى أفريقيا جنوباً، تدعمها توجهات عروبية مماثلة فى دول أخرى مثل العراق وسوريا، وقد أدى كل ذلك إلى إنزعاج نظام النميرى ودفعته إلى تعزيز مساندتها لمصر على خلفية إتفاقية كامب ديفيد، تحصل النميرى بعدها على مساعدات عسكرية فى حدود 100 مليون دولار من حكومة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان، ثم قامت هذه الدول الثلاثة، بجانب فرنسا، بدعم حسين هبرى، الذى تم تجهيزه وإعداده فى دارفور، لينطلق منها إلى إنجمينا ويطرد جوكونى عويدى رئيس تشاد الموالى لليبيا، ويسيطر على البلاد فى نهايات عام 1982م. لقد سبق ذلك إن كان هبرى متحالفاً مع جوكونى فى حكم تشاد وكان يشغل منصب وزير الدفاع، وسبق لهما أن تمكنَّا من خلال دعم ليبى من الإطاحة بالرئيس السابق فيلكس مالكوم لكن يبدو أنَّ ليبيا آثرت بعدها إزاحة الجانب الأفريقى، أى هبرى وجماعته، فى ذلك التحالف لصالح العناصر العربية مما فجَّر الخلاف خرج على أثرها هبرى وقواته ليتخذ من دارفور قاعدة معارضة دون إذن من الحكومة السودانية، بل كان بإمكان هبرى التجول فى أسواق الفاشر وأحيائه دون حسيب أو رقيب! ويورد شريف حرير وتريجى تفيدت فى كتابهما "السودان: النهضة أو الإنهيار" (1997م) أنَّ التركيب الإثنى للتحالف الحاكم فى حكومة هبرى كان مكوناً من قبائل السارا (جنوبيون مسيحيون) والقرعان (مجموعة هبرى) والزغاوة الهاجيراى وكلهم مجموعات غير عربية (صفحة 283)، وإضافة إلى ذلك فإنَّ العداء القديم والمستحكم بين القذافى والنميرى جعل أى تفكير للأول للألتفاف على هبرى من جهة دارفور يبدو مستحيلاً، وكرد فعل لذلك أخذت ليبيا فى تبنى الحرب بالوكالة مستعينة بالمجموعات العربية التى خسرت السلطة فى تشاد فقام بتجنيدها ودعمها بالسلاح والمال، هذه المجموعات كانت تقيم على مناطق الحدود بين السودان وتشاد ولها علاقات دم تتداخل مع قبائل أخرى تقطن داخل إقليم دارفور وجلَّهم من قبائل مثل الجلول والعطيفات والعريقات والشطية والرزيقات الماهرية وبنى حسين وبنى هلبة، ومع غياب وجود الدولة السودانية لم يكن من الصعوبة تسلل تلك الأسلحة والأموال بسهولة إلى هذه القبائل. إلى ذلك أجبرت ضغوط قوات حسين هبرى جزء كبير من هذه المجموعات العربية بتشاد من العبور بأسلحتها وحيواناتها شرقاً إلى داخل دارفور ومن ثمَّ محاولتهم، ولو بالقوة، إيجاد موطئ قدم لهم على السفوح الجنوبية والغربية لجبل مرة وفى دار المساليت ومناطق وادى صالح.

    ظلَّ هذا الوضع على ما عليه حتى سقوط النميرى فى 6 أبريل 1985م طارعلى أثرها القذافى إلى الخرطوم فى زيارة لم يعلن عنها إلاَّ قبل ساعة من وصول طائرته إليها، حاول خلالها، وعلى بث حى فى التلفزيون السودانى، إجبار اللواء سوار الذهب رئيس المجلس العسكرى الإنتقالى على التحالف الفورى بين البلدين، ولم يفلح، لكن تم إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مما إنعكس سلباً على العلاقات مع أمريكا وتوترها مع مصر حين رفض السودان المشاركة فى مناورات النجم الساطع العسكرية بين الدول الثلاث والتى بدأها نظام النميرى منذ عام 1980م، ثم تدهورت العلاقات أكثر مع أمريكا حين نصحت رعاياها فى أكتوبر من ذلك العام بتفادى السفر للخرطوم نسبة للوجود الليبى. لكن نفوذ الليبيين ظلَّ متصاعداً فأستغلوا عدم الإستقرار فى السودان مع إنشغال المجلس العسكرى الإنتقالى بالهجمات المتزايدة للجيش الشعبى لتحرير السودان لتعزيز خطوط أمدادهم إلى المعارضة التشادية والمجموعات العربية بدارفور، وأبرزها مجموعة الشيخ إبن عمر المكونة من العناصر العربية البدوية التى تتوزع مناطقها على طول الحدود السودانية التشادية، ويورد حرير وتفيدت فى كتابهما سابق الذكر أنَّه بينما تلقت هذه المجموعات الأموال والأسلحة تلقت مجموعات سودانية أخرى مثل المسيرية الزرق وبنى هلبة أسلحة مماثلة، إذ كانت الأسلحة رخيصة الثمن وتقوم المجموعات التشادية فى بعض الأحيان بمقايضتها للحصول على الطعام، لقد ذكر مدرس بمدرسة الجنينة الصناعية أنهم وأثناء إفطارهم الصباحى بالمدرسة أن أقبل عليهم أحد الملثمين على جمل يجر خلفه شيئاً محمولاً على عجلات ومغطى وأخبرهم دون تردد من أنَّه يريد أن يبيعهم ذلك الشيئ والذى كان مدفعاً هائلاً، ولمَّا أعرضوا عنه أنصرف لحاله مطمئناً وكأنَّ شيئاً لم يحدث، وعلى كل فقد وجدت الكثير من تلك الأسلحة طريقها بشكل غير مباشر لمجموعات قبلية أخرى خاصة فى جنوب دارفور بل وجنوب كردفان، ومن جانب آخر أصبحت دارفور مفتوحة للإستخدام الليبى الحر فى العبور إلى تشاد خاصة بعد الدعم المالى الكبير الذى قدمه القذافى لحزب الأمة لخوض إنتخابات عام 1986م (حرير وتفيدت صفحة 286) ضمنوا من خلالها تغاضى حكومات الصادق المهدى عن تحركاتهم إلى الدرجة التى أصبح وجودهم بدارفور أكثر سفوراً، زادت معها تدفق الأسلحة الحديثة الضاربة من قاذفات ومدافع وأسلحة أوتوماتيكية تفوق كثيراً ما عند الجيش السودانى نفسه، لقد أوردت التقارير حينها عن دخول 1000 من القوات الليبية إلى دارفور فى مارس 1987م لكنها إنسحبت بعد معالجات من الحكومة.

    إنَّ أكثر الجوانب خطورة فى هذا النزاع هو أنَّ معظم القبائل العربية التشادية قد رحلت بمواشيها إلى داخل دارفور وأرادت أنًّ تتخذ لها دارات داخل ديار الفور الخضراء صاحبتها دعم ليبى بالسلاح والمال من أجل زعزعة نظام هبرى مقرون بشعار آيدلوجى أنَّ العنصر العربى قد أصبح السلطة المهيمنة على المنطقة بالأمر الواقع، وقد كانوا صادقين فى ذلك بسبب عجز كل من القوات المسلحة وقوات الشرطة السودانية من التصدى لهم أو حتى محاولة إعتراض تحركاتهم فى أرجاء الإقليم الواسعة، فتركت الحكومة السودانية دارفور لرحمة ربِّها، وبسبب علاقة الدم والقربى بين القبائل العربية الوافدة بإخوانهم القبائل المتوطنة فى دارفور فقد صاروا سودانيين بحكم تلك العلاقة ومرروا ذلك الشعار الآيدلوجى الذى وجد قبولاً رائجاً بين هؤلاء المتوطنين. وحقيقة فقد تنامى الشعور الآيدلوجى بين القبائل العربية بدارفور منذ وقت مبكر لكنه صار أكثر وضوحاً بعد تعيين أحمد إبراهيم دريج حاكماً لإقليم دارفور فى عام 1981م، إذ شاع فى الجو شعور بين أبناء الفور وكأنَّ سلطنة الفور التاريخية قد إنبعثت من جديد الشيئ الذى شكل حساسية بالغة ومشاعر قلق بين القبائل العربية مخافة تهميشهم وعدم تمثيلهم بإنصاف فى أجهزة الحكومة الإقليمية، وقد حرص دريج على تبديد ذلك الشعور إذ إستدعى كفاءات مقدرة من أبناء العرب بعضهم كان يعيش خارج السودان ليتولوا مناصب مهمة فى حكومته، كما إستحدث ولأول مرة فى تاريخ الإقليم إدارات ريفية للعرب الرحل إذ لم يكونوا يتمتعون بذلك من قبل، إلاَّ أنَّ كل ذلك لم يخفف من حدة القلق العربى خاصة مع تنامى الشعار العروبى المؤدلج الذى أتى من ليبيا، من ناحية ثانية، ولمقابلة تلك الآيدلوجية العروبية، حاولت عناصر من الفور رفع شعار الأفريقانية، أو"الحزام الأفريقى" فى مقابل "الحزام العربى" مما زاد من حدة الإستقطاب.

    لقد أدت جملة من الأسباب فى تعميق ذلك الإستقطاب إلى الحد الذى إستدعى الإحتكام إلى السلاح فى أحداث ليس محلها، أولها إتساع حدة الحرب بين ليبيا وتشاد، فبعد إنفتاح دارفور أمام القوات الليبية وفيلق إبن عمر وجيش الخلاص الإسلامى، وهى مجموعات تدعمها ليبيا، أحسَّ نظام حسين هبرى بخطورة الموقف من جهة دارفور فخطط لهجوم عسكرى على ليبيا بحجة تحرير شريط أوزو الغنى بمادة اليورانيوم وسبق أن ضمتها ليبيا إلى حدودها، وقد تمكن هبرى وبدعم عسكرى من حلفائه من الدول من إلحاق سلسلة من الهزائم المنكرة بالليبيين وإجلاءهم عن ذلك الشريط، ومما زاد من حرج الموقف بالنسبة للقذافى هو وجود سرب من الطيران الحربى الفرنسى مرابط بصورة دائمة بتشاد صدته عن التفكير فى الهجوم مرة أخرى على تلك الدولة، وعليه فقد إعتمدت القيادة الليبية أكثر من ذى قبل على مبدأ الحرب بالوكالة وإستعمال العناصر العربية التشادية والدارفورية لزعزعة النظام التشادى، ثانياً إستغل أفراد القبائل العربية النازحة من تشاد فرصة توفر السلاح الحديث لديهم فشنوا غارات على مناطق الفور مات فيها خلق كثير، صاحبتها حرق وتدمير واسع للقرى لإجلاء الأهالى منها، ردَّ عليها الفور بحرق المراعى لحرمان حيواناتهم من الرعى، ثالثاً أستثمر هبرى إنتصاره على ليبيا والغطاء الجوى الفرنسى ليسدد ضربة قاضية ونهائية على فلول القبائل العربية المساندة لليبيا، ولاحقهم حتى داخل الحدود السودانية، بل وسعى إلى تسليح الفور للضغط على تلك القبائل ولمساعدتهم فى الدفاع عن أنفسهم ضد الغارات التى ظلت تتزايد بصورة مستمرة فإنداح السلاح بصورة أكثر وتيرة إلى دارفور، كذلك ساعد قرار المجلس العسكرى الإنتقالى بقيادة سوار الذهب تسليح القبائل العربية فى منطقة التماس مع جنوب السودان للدفاع عن نفسها ولدعم القوات المسلحة السودانية فى حربها ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان فى إنتشار السلاح بصورة أكبر وسط قبائل البقارة فى جنوبى دارفور وكردفان، إضافة لذلك تسرب قطع كثيرة من الأسلحة كانت الجبهة الوطنية السودانية قد دفنتها فى الصحراء منذ فشل حركة محمد نور سعد عام 1976م ووجدت طريقها لبعض القبائل بشمال دارفور، وبالفعل، والحال هكذا، صارت دارفور بمثابة ترسانة حربية مليئة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة التى كانت تنتظر أى إشارة مناسبة لتنفث حممها فى كل الأتجاهات فكانت حادثة الجفاف والمجاعة عام 1984-1985م سبباً كافياً لذلك.

    لقد دفع الجفاف الذى ضرب الجزء الشمالى الكثير من القبائل، خاصة العرب الأبالة والزغاوة، للنزوح جنوباً، وربما تكون تلك الهجرات موسمية فى الأحوال العادية إذ إعتادت القبائل الرعوية التنقل فى مسارات موسمية تبعاً للأمطار وتوفر المراعى لحيواناتهم، لكن هذه المرَّة، ومع إشتداد الجفاف، فقد تحول النزوح إلى أستقرار دائم فى أو بالقرب من المناطق الندية، وهى ديار الفور حول جبل مرة بالتحديد، وتبعاً عليه تحول الإستيلاء على الأرض هدفاً ثابتاً خاصة للقبائل العربية النازحة ساعدهم فى ذلك إخوانهم حملة السلاح القادمين من تشاد، وطغيان الآيدلوجية العروبية، والشعور بالإستعلاء العرقى، فتحولت أرض دارفور الطاهرة إلى سلاخانة ضخمة تحت غياب تام للدولة السودانية. لكن للحقيقة يجدر بنا أن نوضح هنا أنَّ الجفاف والصراع على الموارد الطبيعية لا تمثل السبب الرئيسى الوحيد للنزاع المسلح حسب ما يتعلل به الكثيرون كسبب مباشر لأحداث العنف، بل نعتقد أنَّ السيطرة على الأرض ظلَّ هوالهدف الثابت والأساسى، ويدعم قولنا هذا إحصائيات الثروة الحيوانية بدارفور خلال العقدين الأخيرين، فبعد جفاف 1984م وإلى عام 1994م تضاعف أعداد الثروة الحيوانية بدارفور إلى 6 أضعاف ثمَّ وصل إلى 10 أضعاف فى عام 2002م مقارنة بإحصائية عام 1984م، وصارت دارفور اليوم تحتوى على قرابة نصف ثروات السودان الحيوانية من الأبقار والجمال والضأن والماعز، فأين تأثير الجفاف يا ترى؟ إذن السيطرة على الأرض بفعل الآيدلوجية العروبية هى التى ظلت تتم تحت غطائها كل هذا الدمار والمجازر التى تشهدها دارفور.


    يتبع








                  

العنوان الكاتب Date
الجنجويد sultan02-25-04, 09:10 AM
  Re: الجنجويد sultan02-25-04, 09:21 AM
    Re: الجنجويد sultan02-25-04, 09:25 AM
      Re: الجنجويد sultan02-25-04, 09:34 AM
        Re: الجنجويد sultan02-25-04, 09:41 AM
          Re: الجنجويد DEEK_ALJIN02-25-04, 11:17 AM
  Re: الجنجويد Khalid Eltayeb02-26-04, 10:35 AM
    Re: الجنجويد sultan02-27-04, 09:45 AM
    Re: الجنجويد sultan02-27-04, 09:45 AM
  Re: الجنجويد Rawia02-28-04, 03:18 AM
  Re: الجنجويد elsharief02-28-04, 03:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de