خلال محاولاتي محو أميتي في معرفة مبدعي بلادي ..عثرت على كتاب يتحدث عن هذا الأديب الذي لا تتعدى معرفتي به ..اسمه الذي كنت اقرأه في مركز بيع الكتب بالجامعة ..وحقيقة كل يوم معرفة بكنوز بلادي ..يبين لي كم هو عظيم إنسان بلدي ..وكم هي ظالمة تلك الإمكانات التي ذوتنا بعيدا عن النور .. معاوية محمد نور..(1909م - 1941) الأديب السوداني النابغة ..الموهوب بفن القول ..وقد تعهد موهبته بالدرس والتحصيل والإطلاع والصقل والإنماء، أعمل أديبنا عقله ونشاطه وحصل من العلوم والآداب والفنون والمعارف قدراً عظيماً في سن مبكرة من الشباب. بيد أن إقباله وتحصيله وإطلاعه كان جله في مجال الأدب الغربي والإنجليزي منه خاصة سواء في ذلك دراسته المنهجية الجامعية وإطلاعه الحر ، في وقت لم يكن لأبناء جيله عهد بالتخصص في الآداب الغربية وان ألم بعضهم بأطراف منها ، وقد عاني معاوية رحمه الله في حياته القصيرة العريضة ما يعاني أمثاله من أصحاب المواهب العالية والطموح العظيم ..عاني من الاغتراب الفكري والعقلي أكثر مما عاني من الاغتراب العملي والهجرة عن الوطن والأهل وقد تراكمت عليه ضغوط الحياة فاستلبته أعظم ما وهب لبه وتمليه للجمال وهو لا يزال في ريعان الشباب وأبان العطاء ولكي نعرف مكانة معاوية يكفى أن نذكر من رثاء العقاد له قوله: تبينت فيه الخلد يوم رأيته *** وما بان لي أن المنية آتيه وهب الله معاوية نور موهبة فائقة في النقد الأدبي وقد صقل هذه الموهبة بالإطلاع الغزير في الآداب العالمية فقد درس الأدب العربي والأدب اليوناني والألماني والفرنسي مترجما إلي اللغة الإنجليزية. وقد كان معاوية ناقداً من الطراز الأول فهو ينقد كبار الأدباء المصريين أمثال الأستاذ سلامه موسى والدكتور طه حسين والأستاذ هيكل وأمير الشعراء أحمد شوقي والدكتور زكي مبارك وقد تفرد بميزة " النقد الأدبي " . ومن المفارقات الأدبية الطريفة ان تكون هناك صلات حميمة بين العقاد ومعاوية نور وروابط أدبية وروحية عميقة وقد قال عنه العقاد ايضاً " لو عاش معاوية لكان نجما في عالم الفكر العربي" ، بينما تكون علاقة العقاد مع معاوية الي هذا المستوى تكون في نفس الوقت هناك جفوة بين معاوية والمازني وقد انتقد معاوية المازني نقداً مريراً ولاذعا في مقالات تحت عنوان (أديب معاصر) التي نشرتها جريدة مصر عام 1931م. ومن نمازج نقده للمازني مع ذكر بعض الجوانب الايجابية يقول : " فالمازني يستطيع أن يحدثك عن نفسه حديثاً شيقاً في فكاهة ودقة وصف وفراهة أسلوب فهو يرى الأشياء الصغيرة والحالات النفسية الطارئة أما فكاهته فكثيرة أذكر منها حادثة اللص فهي فكهة إلي أقصى حدود الفكاهة. إن إبراهيم المازني كاتب أسلوب إذا صح تقسيم الكتاب ألي كتاب الفكرة وكاتب الأسلوب وليس معنى ذلك أنني انفي عنه الفكر ولكن الفكر فيه ليس بأدل الخصائص. فهو ليس عميق التفكير وإنما علمه عالم دقيق تجمل فيه الملاحظة ويدق الإحساس ويحسن الوصف وتلطف الفكاهة – فخصائصه الجيدة التي تحبب القارئ فيه انما مردها إلي أسلوبه في الحديث وفهم الأشياء وملاحظة الدقائق والصغائر وهو علي هذا الاعتبار ليس بالناقد الذي يرضي ولا الباحث الكامل ولا الروائي الصادق العرض الطويل النفس وانما هو مصدر لدقائق الأشياء والحالات النفسية وكاتب للمقال الشخصي الطيب وأسلوبه مائي حلو فيه دقة ولكنه بعيد عن صفات الأحكام الصارمة . ذاك تقدير حق لإبراهيم المازني المعاصر ونحن نحي فيه هذا الجهد الصادق ونأمل منه في المستقبل كثيراً اذا أولي عنايته المقال الشخصي الفكه فهنالك مجاله وهناك النوع الذي يجيده وهو يشبه في هذا المجال " توماس هاردي " غير أن فكاهة المازني تتمركز حول نفسه".
أعجبني الحديث عن هذا الأديب الناقد رغم جهلي التام بالنقد وابوابه ..ولكن تلمست ابداع مبضعه في تشريح هذا المازني ..ولعلني عن عدم دراية ايضاً ..كلفت بكونه سودانياً ..يقف لهؤلاء بالعلم والبصيرة المتفتحة ويبزهم وآثرت أن "اقشر " به واقرأ له المزيد إستمتاعاً بالقراءة ..وزاداً ادعم به اسلحتي حين النزال مع إخواننا " الأعراب " والذين لا يعرفون عنا سوى الأسـود التي " تتحاوم وتقدل " في الخرطوم ..!!. وسأتابع ..عن الأديب بسرد ملخصاً لواحدة من اقصوصاته الرائعة " في القطار " آمل ان " يتمطى" الوقت ويسمح لي بذلك .. واستاذنكم الآن ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة