|
الوقوع فى حب الديكتاتور
|
مما لا شك فيه أن صدام حسين أحدث كثير من الجدل و الإنقسام حول شخصيته وتصرفانه فى حياته وحتى بعد مماته.
سيرة صدام حسين نشرت بتوسع خلال الأيام الماضية.
القاصى قبل الدانى يعرف أن صدام حسين كان ديكتاتورا قاسى القلب لا يعرف الرحمة إغترفت يداه أبشع الجرائم الإنسانية و السياسية فى سبيل إرضاء غروره خاض الحروب ضد دول الجوار فأهدر ارواح الكثيرين عراقيين وغير عراقيين و تجاوز حتى عن أنبل الأعراف العربية التى كان يدعو لها فقتل زوجى إبنتيه أبناء العمومة حتى بعد أن أعطاهم الأمان.على المستوى العادى شخص كهذا لا يستحق حتى الرثاء لحاله او إستنكاف توقيت نهايته.
إذا إستثنينا الحكومات الأوربية التى ترفض أساسا عقوبة الأعدام يجدر بنا التساؤل لماذا نال صدام حسين كل هذا التعاطف و المحبة من جزء غير قليل من الشعوب العربية وغيرها؟
فى خضم الحرب العالمية الثانية والتى أشعلتها ألمانيا النازية أدرك مهندس دعايتها جوبلر مدى أهمية توجيه صوت إعلامى ألمانى لمنطقة الشرق الأوسط التى كانت دولها تقع فى معظمها تحت الإستعمار الإنجليزى أو الفرنسى فصارت إذاعة برلين هى المفضلة عند المقاومين العرب و كان صوت الإذاعى المشهور يشعل الحماس ضد المحتلين الأجانب. أدى هذا الوضع بكثير من القوى الوطنية العربية للوقوف مع الألمان مع عدا قلة قليلة من العارفين ببواطن الأمور والتى أدركت مدى خطورة الدعوة النازية و وقفت ضدها و حاربتها بشدة حتى إنتهت بإندحار الألمان ودخول الروس و الأمريكان لبرلين عام 1945 م.
رغم إختلاف الزمن و السيناريو أدرك صدام حسين قبل الحرب و حتى بعد وقوعه فى يد الأمريكان أهمية البعد الأعلامى فى مثل هذه الظرف فطوعه بمهارة ليبدو بطلا فى نظر الكثيرين ممن يعادون أمريكا و سياستها الخرقاء فى المنطقة.
قبل الحرب و دخول أمريكا للعراق خرج علينا الصحاف بأسلوبه الأعلامى الجديد القديم و قد إستطاع هذا الصحاف أن يخدع الملايين من الناس و يوهمهم أن الحرب تسير فى صالح حكومة صدام حتى بعد دخول الدبابات الأمريكية لقلب بغداد. دغدغة المشاعر هذه و بيع الأوهام لم يأتى من فراغ بل هى سياسة مدروسة رسمها صدام بإحكام ونفذها الصحاف بإتقان يحسد عليه.
بعد سقوطه فى الأسر وأثناء محاكمته مارس صدام نفس الأسلوب بمهارة مستغلا ظروف المحاكمة المرتبكة وتنظيمها السئ و الوضع الأمنى المتدهور فى العراق فى ظل المقاومة الشرسة للوجود الأمريكى مصحوبة بالصراع الطائفى الدموى الذى إجتاح الساحة العراقية.
بدا صدام قويا يوجه عبارات محسوبة للقاضى أدت الرسالة التى كان يبتغيها بنجاح غير مسبوق فإهتزت صورة المحكمة و الحكومة ومن ورائهما الإحتلال نفسه فإضطرت الحكومة لتغيير القاضى فزاد ذلك من فرص زيادة نجاح سياسة صدام الإعلامية شديدة الذكاء و دقيقة التوجيه. لقد صار صدام حسين بطلا عند الكثيرين قبل إعدامه و أدركت الحكومة العراقية ذلك فسارعت بإعدامه و مازالت هناك قضية حلبجة الأكثر أهمية من قضية الدجيل قيد النظر فى المحكمة وذلك لقطع الطريق عليه حتى لا يستطيع مواصلة انتصاره الأعلامى فى ساحة المحكمة.
يقينى و يقين الكثيرون أن صدام لم تكن له أى صلة تنظيمية أو غير تنظيمية بالمقاومة العراقية فقد كان معزولا تماما مما يجرى فى العراق وقد احترق ككارت فى اللعبة السياسية والعسكرية منذ وقوعه فى أسر القوات الأمريكية وقد أدرك صدام ذلك و لم يفت عليه و استغل كل فرصة أتيحت له فى المحكمة للوصول للجمهور لكى يموت بطلا وكان موقننا أنه سوف يعدم.
بالنسبة للجمهور الكاره للسياسة والهيمنة الأمريكية والغير مدرك بدقة لمجريات الأمور فى العراق بدا صدام و كأنه يقود المقاومة العراقية بصورة ما و خاصة أنه أكثر من التأكيد بأنه الرئيس الشرعى للعراق أثناء المحكمة و قال مما يؤكد للكثيرين أن هذا البطل يقاوم حتى وهو فى أسره فوقع الكثيرون فى حبه خاصة وأنه بدا غاية فى القوة والتحدى لآسريه و للمحكمة. ولم يفت على صدام حسين إستغلال الدين لخدمة خطته الإعلامية فكان كثيرا ما يظهر وهو ممسكا بالقرآن الكريم فى المحكمة و كثيرا ما يردد عبارات دينية لها مدلولها السياسى القوى.
و لايفوتنا هنا أن نذكر ان صدام حرص ان يكون فى قمة أناقته خلال المحكمة وحتى فى لحظة إعدامه وذلك لمحو الصورة المهزوزة التى ظهر عليها ساعة أسره.
تصوير لحظة الإعدام و ما شابها من لغط و ثبات صدام أمام المشنقة كان تتويجا لدور البطولة الذى لعبه صدام بحرفية و إتقان شديدين وقد منحته أياه الحكومة العراقية الضعيفة هذه الفرصة دون تفكير.
ربما أجد عذرا للجماهير التى تكره أمريكا و سياستها فى المنطقة فى الوقوع فى حب الديكتاتور وتصويره و كأنه بطلا ولكننى لا أجد تبريرا واحدا أو عذرا لبعض من درج على تسميتهم بالمثقفين و الأجدر ان نسميهم بالمتعلمين العرب فى الوقوع فى الشرك الصدامى البائن.
جلادوا الشعوب لا ولن يكونوا أبطالا و إن بدا للبعض ذلك. كراهية أمريكا ليست مبررا للتقاضى عن جرائم الديكتاتور و يجب أن لا ننسى أن صدام أكثر حاكم عربى خدم أمريكا فى المنطقة فبالوكالة عنها حارب ايران و فبفضله دخلت الجيوش الأمريكا لأول مرة الأراضى العربية بعد أن وفر لها المبرر و الذريعة الكافيةلذلك.
هل نحن قصيروا الذاكرة؟
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-02-07, 09:54 AM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-02-07, 12:51 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | حيدر حسن ميرغني | 01-02-07, 03:46 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | حيدر حسن ميرغني | 01-02-07, 04:19 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | Marouf Sanad | 01-02-07, 06:59 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-03-07, 08:12 AM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-03-07, 01:50 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | Tabaldina | 01-03-07, 02:20 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-03-07, 02:44 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | Tabaldina | 01-03-07, 02:56 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | mohmmed said ahmed | 01-03-07, 03:29 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | حسين يوسف احمد | 01-03-07, 11:49 PM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-04-07, 06:49 AM |
Re: الوقوع فى حب الديكتاتور | هشام المجمر | 01-04-07, 09:08 AM |
|
|
|