|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
في صباح اليوم التالي صحونا مبكرا على صوت حركة كثيفة في الحوش.العديد من الحرفيين يقومون بأعمال مختلفة يساندهم جيش صغير من المساجين كعمال. كان هناك فريقا يعمل في حفر أساس الركائز لتشييد التعريشة و قد كان من الواضح من المسافة بين حفر الأطراف كبر المساحة التي سوف تغطيها هذه التعريشة.
فريقا آخر كان يقوم بعمل أساسات الحمام الجديد وكانت كل المواد موجودة داخل الحوش بما فيها مراوح السقف الجديدة جاهزة للتركيب في انتظار خلو الغرف من شاغليها.
عندما خرجت من الحمام مرورا بالمطبخ و جدت أن بلال و مجموعته أعدوا شاي الصباح وفى انتظار مواد التفريدة للشروع في إعداد طعام الفطور. داخل المطبخ كانت هناك حفاظتان كبيرتان للماء. أخبرني بلال أن هناك من أحضر 3 ألواح من الثلج في الصباح الباكر .
ولألواح الثلج هذه قصة تروى عن ملحمة تضامن فريد مع المعتقلين قدمه الشرفاء من أبناء بورسودان في وقت كانت فيه حكومة الإنقاذ في أشرس مراحل تعديها الفظ على معارضيها ومن يتعاطف معهم.
عند إطلاق سراحنا فقط علمنا بأمر لجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين التي أنشأت في بورسودان برئاسة العم على دهب حسنين. أخذت هذه اللجنة على عاتقا دعم المعتقلين السياسيين في كل من سجني بورسودان و سواكن . وقد كانت تِؤدى أعمالها ببساطة وفاعلية شديدة أغضبت المسئولين في بورسودان مما أدى إلى اعتقال عدد من أعضائها الشباب فيما بعد.
و قبل أن أحكى عن ما فعلت هذه اللجنة لا بد لي من التوقف عند الراحل الكبير على دهب حسنين الذي فقدته مدينة بورسودان والسودان في العام 2002 م. هذا الرجل لا تذكر بورسودان إلا و يذكر معها فقد كان ولا يزال يشكل مفهوم الرجولة الحقة بكل ما تعنيه الكلمة بالنسبة لى و للكثيرين ممن عرفوه . فندقه الواقع في سوق بورسودان و المسمى بفندق بوهين كان مزارا لكل أهل بورسودان خاصة المحتاجين منهم فقد كان العم على دهب مشهورا بالبر والعطاء. ينحدر عم على من أسرة عريقة من أسر وادى حلفا . كان يعمل موظفا بالسلك الإداري للهيئة القضائية أتى لبورسودان بعد أن جاب كل إقاليم السودان يؤدى واجبه بتفان ونزاهة أهلته ليكون محلا لثقة مرؤوسيه في الهيئة القضائية. تعرض للاعتقال عدة مرات نسبة لاشتغاله بالسياسة. طاب له المقام فى بورسودان فترك وظيفته و أشتغل بالعمل الخاص .أعطته الهيئة القضائية رخصة للعمل في مجال توثيق العقود لتميز خدمته بها فبرع في هذا العمل و أشتهر به و كون ثروة صغيرة مكنته من التوسع في العمل التجاري فقد كان رجلا عصاميا يحب الحركة والعمل.
عقب نجاح انقلاب الإنقاذ كان ضمن أل 30 شخص الذين تم التحفظ عليهم في بورسودان وبقى ضمن آخر 12 ظلوا في المعتقل لمدة شهرين بعد إطلاق سراح المجمعة الأولى بعد عدة أسابيع من الاعتقال.
ذكر لي بعض من اعتقلوا معه في تلك الفترة أن وجوده معهم في المعتقل ساهم على حد كبير في تخفيف وطأة الاعتقال فقد كان رحمه الله خفيف الظل بارع الحديث موسوعي الثقافة. كان عم على دهب مشهورا في بورسودان بسرعة بديهته فقد كان لا يفتش عن الكلام فلديه مخزونا وافرا منه وهناك العديد من القصص الطريفة التي تروى عنه و يعرفها الكثير من أبناء بورسودان.
يوم إطلاق سراحه من المعتقل أم منزله الواقع بجانب الفندق نصف سكان بورسودان. فبورسودان هذه مدينة عجيبة تحتفي بشدة بأبنائها الذين تحبهم و تكشف عدائها الواضح للذين لا تحبهم. في بورسودان يمكن رؤية العداء المقيم للإخوان المسلمين كما يمكن رؤية سحابة الغبار العالقة في الجو في منتصف الصيف. غير أن هذه السحابة تميزت ببقائها الدائم فى كل الفصول وازدياد كثافتها بمرور الأيام. سكان بورسودان نظروا لهؤلاء منذ نجاح انقلابهم كمستعمرين لا كأبناء نفس البلد. وقد ساهمت بعض التصرفات الغبية التي قام بها منسوبي هذا التنظيم في بورسودان في زيادة حدة هذا العداء بين بورسودان وأهلها الأصليين من البجة وبين السلطة الحاكمة ولعل ابرز تلك الأحداث هي القيام بتحطيم تمثال البطل عثمان دقنة أثناء المظاهرة الهزيلةالتي قادها الأخوان المسلمون لتأييد الانقلاب عقب نجاحه.
أثر تحطيم هذا التمثال سلبا على العلاقة المتوترة أصلا بين البجة و حكومة الإنقاذ وزاد الطين بله قيام الحكومة بإعدام البطل الشهيد كرار ضمن مجزرة ال 28 ضابط المتهمين بمحاولة 28 رمضان 1990 الانقلابية. و كرار هذا أحد أبناء زعيم من ابرز زعماء البجة وكان لمقتله وقع الصاعقة على المدينة و سكانها فقد كان رجلا معروفا بالشجاعة والإقدام و النزاهة و محبوب من أبناء قبيلته و مدينته على حد السواء.
نعود لعم على دهب الذي رغم أنه جاء للمدينة بسبب العمل إلا انه صار أحد أبنائها المحبوبين. فصانعوا المعرف له مريديهم أينما حلوا. سوف أروى لكم قصة تحكى عن مدى عظمة هذا الرجل و كنا شهودا لجانب منها .
بعد أن تم نقل العميد حسين مدني للفاشر تم تعيين نائبه المقدم قائدا للسجن و كان هذا النائب على عكس سلفه متشددا جدا معنا وقد رفض لنا العديد من الطلبات و كان هذا سبباللعديد من الاحتكاكات بينه و بيننا وبينه وبين العم على دهب. بعد خروجنا من المعتقل تمت إحالة هذا الضابط للمعاش وأمر بإخلاء منزله الحكومي فورا وعندما علم العم على دهب بهذا ذهب أليه وعرض عليه السكن مجانا في أحدى الشقق التي يملكها حتى يدبر حاله و قد كان. روى لي هذه القصة ابنه عماد على دهب عندما ذهبت لمدينة بورسودان في زيارة خاصة في نهاية العام 1991 م وقد كان الضابط مايزال مقيما بتلك الشقة.
مما يحسب لعم دهب أيضا تحمله عبء إسكان اسر المعتقلين الذين يأتون لزيارة أبناءهم فكان بيته لا يكاد يفرغ من فيه من زوار حتى يمتلىء مرة أخرى وهو في ذلك لا يفرق بين معتقلي حزب أو آخر عسكريين كانوا أم مدنيين. قال لي أحمد دهب الذي يعمل ويسكن بمدينة العين أنه ذهب لزيارة عمه على ذات مرة فوجد المنزل ممتلئا عن آخره بالضيوف ولما سأل قيل له أنهم أسر معتقلي ما سمته السلطات بالمؤامرة العنصرية فالطريف في السودان أن المحاولات الانقلابية تكون محاولات عادية عندما يقودها ضباط من الوسط أو الشمال ولكنها توصم بالعنصرية لو كان من يقودها ينتمي للغرب أو الجنوب. كان معتقلي هذه المرة من العسكريين الذين ينتمون إلى أهلنا في دار فور و قد استضاف عم على دهب أسرهم في منزله لأسابيع دون أن يكل أو يمل.
عماد على دهب أحد أبناء الراحل العظيم تم اعتقاله أيضا واحضر لنا في القسم في أواخر العام 90 مع آخرين وتلك قصة أخرى سأرويها في وقتها عند الحديث عن معتقلي بورسودان ولكن اعتقاله كان يمثل حالة العداء المستحكم بين هذا الرجل وكل ما يمثله من جمال ونبل وبين السلطة بوجهها البشع وما تمثله من عداء مقيم للإنسانية و الحياة.
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
عدا عن العم على دهب كان هناك الكثيرون ممن أخذوا على أنفسهم تزويد المعتقلين بأشياء ربما ترونها صغيرة ولكنها كانت شديدة الأهمية.
الطبيب صالح عبد العزيز الإنسان الذي تعهد بشراء الصحف و السجائر يوميا و أيصالها صباحا قبل ذهابه للمستشفى أدى هذه المهمة بامتياز ومثابرة نادرة الوجود. أن تفعل شيئا حتى ولو كان كبيرا لمرة واحدة أمر سهل ولكن أن تلتزم مثل هذا الالتزام الصعب و بصفة يومية وبدقة في المواعيد عجيبة فهذا شيء مدهش لا يقدر عليه إلا الفرسان أمثال د. صالح عبد العزيز.
صاحب مصنع الثلج الذي كان يورد لنا يوميا ثلاثة ألواح رفعها لسبعة عندما زاد عدد المعتقلين عقب "كشة" بورسودان الكبيرة في أواخر العام 1990م. لا أعرف لهذا الشخص اسما فقد أخفاه عن ضباط السجن وحرص على أن لا نعرف من يحضر الثلج وعندما سألت المرحوم على دهب عنه عقب خروجنا من المعتقل فضل احترام رغبة هذا الشخص العظيم ولم يذكر اسمه بل قال أنه غير منتمى حزبيا ولكنه كسائر أهل السودان لا يحب الأخوان المسلمين و لا أفعالهم. و أنا إذ أذكره هنا وأذكر فضله الكبير علينا ، هذا الفضل لا يعرف قدره إلا من كان داخل السجن في أشهر صيف بورسودان الملتهبة،أتمنى أن يجمعني الزمن به لأودى له جزء ولو يسير من شكر على ما تكرم به علينا دون أن يطلب ذلك منه و بدون حتى سابق معرفة بيننا.
خطرت لي خاطرة حينها عن كيفية اكتساب أفراد هذا التنظيم لعداء الشعب السوداني. لا بد أنها هبة إلهية وهبها الله للإخوان المسلمين وهذه الكراهية لم تأتى حينما وصل التنظيم للحكم ولكنها وصمته منذ بواكير أيامه ولعل هناك أسباب موضوعية لها فالمنهج الذي اتبعه الشيخ حسن الترابي في تربية تلاميذه كان منهجا فاسدا يحض منتسبى هذا التنظيم على الاستعلاء بدعوى أن المؤمن يعلو ولا يعلى عليه وتحت هذه المقولة ٍظن هؤلاء التلاميذ أنهم أفضل حتى من آبائهم وأمهاتهم فكانت تصرفاتهم وسط الأهل و الجيران تجلب عليهم السخط و الكراهية هذا بالإضافة إلى أن تشددهم في الدين وافتقارهم إلى أي حس إبداعي نفر عنهم السوداني البسيط. وربما يسأل سائل محقا إذا كان هذا هو الحال كيف نما هذا التنظيم وتمدد؟ الإجابة تأتى في التكتيكات التي اتبعها الشيخ في استهداف شريحة معينة من المجتمع وهى شريحة الطلاب و استغلاله الواعي لظروف هؤلاء الاقتصادية و الاجتماعية ساعده في ذلك الظروف الخارجية من نمو التيار الإسلامي في المنطقة عقب سقوط شاه إيران ورغبة أغلب الشباب في تحدى الشيطان الأكبر الذي هو أمريكا التي تدعم إسرائيل التي تحتل مقدسات المسلمين. استطاع التنظيم أن ينجح نجاحا باهرا في هذا المجال وضم إليه إعداد كبيرة من الطلاب الذين شكلوا أكبر روافد الحركة الإسلامية في السودان. و هنا لا بد لنا من الإشارة أنه عقب وصول هذا التنظيم للسلطة و افتضاحه تدنت شعبيته بشكل مريع وسط الحركة الطلابية حتى اضطر متنفذيه إلى تزوير انتخابات الإتحادات الطلابية للجامعات الكبرى لضمان عدم وصول معارضيهم لتلك الإتحادات. فقدان تنظيم الأخوان المسلمين لأغلب الحركة الطلابية أفقدهم الزخم السياسى الذى كان يميزهم فى السابق فأصبح تنظيمهم الجديد( المؤتمر الوطنى) كما المعلق دون أرجل فى الهواء.
كما ذكرت كانت هناك منطلقات عديدة للسودانيين خارج المعتقل لكي يدعموا هؤلاء الموجودين بداخله وهناك جنود مجهولون تبرعوا أثناء وجودنا في المعتقل بأشياء قيمة ومفيدة أعانتنا على الصمود و سوف آتى على ذكرها في وقتها.
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
اطلعت قبل قليل على بوست الأخ متوكل كل يتحمل الكيزان كل هذه الكراهية و لا أدرى أذا ما كان قد إطلع على آخر ما كتبت و قد ورد فيه شيئا عن هذه الكراهية أم ان هذا توارد للخواطر. ولكنى سعيد لن هناك من أتفق معى على وجود هذه الحقيقة ولا أقول ظاهرة لأن الظاهرة مربوطة بزمن محدد و يمكن أن تختفى والحقيقة باقية.
التحية لك أخ متوكل.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
الجنود المجهولون
أتصل بى صديق متابع للبوست مشددا على أهمية مساهمة الجنود المجهولون فى دعم صمود المعتقلين السياسيين فى ذلك الزمن الكالح من تاريخ السودان.
لم يفتنى ذكر فضل هؤلاء وربما لم أعطهم حقهم بسبب عدم معرفة اسمائهم ولكنى هنا أحييهم مرة أخرى و اثمن دعمهم لنا و أنا أعرف ان منهم من كان يعرض نفسه و مصدر رزقه للخطر.
التحية لكم أيها الشجعان فى بقاع السودان المختلفة و بالتأكيد بيجى يوم نعرفكم فيه و نحتفل سويا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
الاخ هشام المجمر
لك التحية والتقدير على توثيقك وتمليك الجميع حقائق وتصرفات والام يحاول البعض طمسها ععبر مقولة عفا الله عما سلف وهذه مرحلة انتهت وتناس المرارات.
احيك ياهشام ياقريبى فعم قاسم شيخ محمد ابوحراز هو جدنا وعهده عهد جدنا المرحوم محى الدين ابوحراز ونحن اسرة عرفت بعدم الخنوع للزل والطغيان وقدمت فى سبيل ذلك الغالى من الارواح والانفس ز اطال الله عمرك ونفع الله الناس بعلمك وقيمك النبيلة والتحية لكل الشرفاء الذين لازموك فى زنازين الطغاة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
بنهاية شهر أكتوبر 1989م كان الوقت يمر علينا بطريقة مملة ورتيبة. كل شئ كان قد انتظم داخل المعتقل لجنة " الكميون" تقوم بواجباتها على خير وجه. " المساجين" المخصصين لخدمتنا بقيادة بلال لا يوفرون جهدا كما كانوا مثالا في حسن الخلق و الأدب و المرء ليستغرب كيف ارتكب هؤلاء الجرائم المنسوبة إليهم فقد كان بينهم من حوكم بمدد طويلة بتهمة السرقة بالإكراه ( السرقة تحت تهديد السلاح). معظمهم كانوا من فئات اجتماعية مسحوقة واغلبهم لم يتلق تعليما نظاميا ومن تلقى منهم للمرحلة الابتدائية فقط. لا يحبون الحديث عما ارتكبوا من جرائم بعضهم يعتبرها قضاء وقدر وبعضهم كبلال يضحك حينما تسأله و يقول: "إنت والله يا هشام بتاع محن. حسع السيرة القديمة دى جايبة ليه؟" و استحلفه أن يحكى واحدة من مغامراته العجيبة مع البوليس فهو كان يحب السرقة الجريئة ولعل أجرأ سرقة قام بها حكاها لنا عندما أستـاذنا قائد السجن لكي يحضر بلال معنا أحد ليالى السمر الخميسية.
كان بلال ضيف شرف تلك الليلة بعد أن سمح له العميد حسين بعمل التمام المسائي فى قسمناو الرجوع لقسمه عندما نفرغ من السهرة.
"كنت وقتها مسجونا في السجن المحلى ببورسودان على ذمة قضية كسر دكان لتاجر كبير بسوق بالمدينة". بدأ بلال قصته بعد أن انتظم الجميع في شكل دائرة حوله. " راقبت الدكان جيدا حتى عرفت و حفظت عن ظهر قلب كل حركة حوله وعرفت خفيره وعاداته متى يصحو ومتى ينام وعرفت أنه يغرق في النوم قبل الفجر بحوالي ساعتين وهذا هو الوقت الذي نفذت فيه السرقة بكسر السقف والتدلي بحبل. بعد ذلك قمت بكسر الخزنة ووجدت الكثير من الأموال والذهب وأخذتهم بسرعة. عندما خرجت وجدت أن الخفير قد صحي بسبب الحركة التي حدثت في الدكان. لم أنتظر كثيرا و قفزت أمامه مباشرة صائحا صيحة كبيرة فى وجهه كزئير الأسد فخر صريعا على الأرض وأسلمت أنا ساقي للريح حاملا معي الغنيمة" ضحك الجميع عندما قلد بلال صيحته و حاكى طريقة انهيار الخفير ووقوعه على الأرض.
"طيب يا بلال قبضوك كيف؟" سأله السر باشاب مبتسما ويبدو أنه كان يعرف القصة فهو الأقرب لبلال بحكم عمله في لجنة الكميون. رد بلال: قائلا "والله إنت يا السر بتاع حركات ما تخلينا من قبضونى كيف دى". فقال السر باشاب "صاحبكم عمل فيها دون جوان شال القروش كلها وقعد مع حبيبتو في "تل أبيب" ( اسم حي في بورسودان ) وقام يوزع في القروش زى الإمبراطور علىالبنت وصاحباتها و أقام الحفلات والليالي الملاح فوصل الأمر للمخبرين وتم القبض عليه بسهولة جدا داخل غرفة النوم ". معقول ده يا بلال ؟ قالها د. أمين ضاحكا؟ رد بلال: " الفلوس دي يا دكتور نعمل بيها شنو ما قروش حرام بنستمتع بيها وخلاص"
قال له باشاب:" طيب تم الحكاية الأصلية" . واصل بلال قائلا: "بعد أسابيع هربت من السجن المحلى ولن أحكى عملية الهروب هذه لأنها سر لا أستطيع إطلاع أحد عليه. اختفيت في المدينة عدة شهور وأنا أخطط لسرقة جديدة أغيظ بها بوليس بورسودان فقد كنت غاضبا من القبض على بتلك الطريقة السهلة و المهينة. كان نميرى قد أعلن وقتها قوانين الشريعة وقام الجيش و البوليس بالاستيلاء على كل الخمور الموجودة بالمدينة وتم التخلص من بعضها على أن يتم التخلص من الباقي في وقت لاحق. وعلمت أن جزء من الخمور المستوردة مخزنة بمخزن سجن بورسودان العمومي، فخططت لسرقته وفعلا قمت بكسر المخزن و ملأت شوال كامل من " فتايل" الويسكى الصغيرة لسهولة حمله وهربت به " بعد أن قوطع بالضحك واصل بلال قائلا:" بعت الويسكى بسرعة فقد كان مطلوبا وسعره مرتفعا. هذه المرة غادرت بورسودان إلى الخرطوم ومن ثم إلى الدمازين" هنا تدخل السر باشاب قائلا: "و طبعا في الدمازين عمل فيها مغترب جاى من السعودية وديك يا نضارة الشمس البيرسول والولاعة الذهبية وعلبة البنسون الكبيرة وسكن مع إحداهن فصاحبنا قلبو رهيف. طبعا ذاع صيته فقد فعل مثل ما فعل بتل أبيب فوصل أمره للمباحث التي تحرت عنه و في النهاية تم القبض عليه بنفس الطريقة السابقة" ضحك الجميع. كانت ليلة ممتعة وكان بلال راويا جيدا تحس انه يعرف ما نمر به من ظروف فأراد بالفعل الترفيه عنا بقصصه المشوقة وقفشاته الذكية.
مسجون آخر من المجموعة التي كانت تخدمنا كان مميزا بدماثة خلقه وقلة كلامه وكان يقوم بغسل ملابس المعتقلين و يتقن عمله بإخلاص . كان يبلغ من العمر وقتها 18 عاما و عندما سألنا لماذا هو داخل السجن فى هذه السن أخبرنا بلال أنه مسجون لعدم قدرته لدفع الدية الناقصة فقد أصاب أحد الأشخاص بقضيب من الحديد بعد أن تحرش به هذا الشخص وحكم عليه القاضي بدفع الدية الناقصة بعد تقديرها بمبلغ وقدره 6 ألف جنيه سوداني(حوالي 500 دولار في ذلك الوقت). وقع هذا الحادث قبل 4 سنوات و كان عادل، وهذا أسمه، يبلغ من العمر 14 عاما وقتها وهذا ما أكده لنا عندما استدعيناه ذات يوم لسؤاله عن قصته. أوضح أنه منذ محاكمته وهو يقبع داخل السجن فلا هو ولا أهله الذين لا يجدون ما يأكلون يستطيعون دفع مثل هذا المبلغ. نبهنا الأستاذ الصادق الشامي المحامى أن في مثل هذه القضايا لا يتم إطلاق سراح المتهم إلا إذا دفع المبلغ المطلوب أو أن يعفى عنه خصمه. ومن المفترض في قضية عادل هذه أن تقوم الدولة بالدفع من أموال الزكاة باعتبار عادل معسرا و لا يستطيع الدفع ولكن هذا نادرا ما يحدث .
تعاطف الجميع مع عادل و تشاورا ما يمكن أن يقدموا له، لكن د. أمين مكى مدني و الأستاذ الصادق الشامي انتحيا جانبنا وتشاورا ثم أمرا عادل بالانصراف بعد أن أوضحا له أنهما سوف يناقشان قضيته مع مدير السجن.
الحقيقة أنهما قررا دفع مبلغ الدية مناصفة و من أموالها الخاصة و بتعاون كامل من العميد حسين مدني وصلت الأموال من الخرطوم وتم إطلاق سراح عادل وسط فرحة لا تتصورونها وكان عادل غير مصدق ما يحدث لهم وبكى من التأثر. كان ذلك اليوم يوما مشهودا في السجن فقد فرح الجميع لعادل ,اثنوا عليه وطلبوا منه محاولة بدأ حياة جديدة بما تبقى له من المبلغ المدفوع وهو مبلغ 1000 جنيه قصد بها د. أمين والأستاذ الصادق مساعدته على بدء هذه الحياة.
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
الاخ هشام
لك التحايا . ما حدث ليس غريب على الاستاذ امين مكى مدنى فهو رجل قامة وقد التقيته عند حضوره الامارات فى منزل شقيقه وهو يحمل نفس الابتسامة والتفاؤل وهو يعمل كمستشار لحقوق الانسان فى الامم المتحدة ويتحدث عن الحرية وقيمها والجانب الكبير الذى اولاها اياها الاسلام دون ان يذكر شيئا عماحدث له وهو رجل يشع نبل وقيم.
عزيزى هشام ان من اشراقات الدكتور امين انه قد قام بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية وتحادث معهم حتى عمل على اطلاق سراح السودانيين المعتقلين فى لبنان بسبب دخولهم لبنان بصورة غير مشروعة من سوريا وكذلك عمل على اطلاق سراح من ارتكب منهم جناية صغرى وحصل على عفو حكومى لهم وتكفلت كنيسة النور بنقل هؤلاء الى السودان يوم تمنع الكثيرين من اهل السلطةومنهم شخصية نافذة لفظت الان الى الشارع العام بحجة ان هولاء كلهم معارضين بينما هم فى الحقيقة اناس بسطاء غلابى لاحول لهم ولا قوة . تكفلت كنيسة النور بتاجير طائرة خاصة لهم وتقديم عون رمزى لهم. حكى لى صديق كيف وانهم فى الطريق الى الطائرة كان الدكتور امين يحرص على السلام على كل فرد منهم ويقول لهم لا تخافوا انتم ماشين بلادكم وفى السودان كما يقول اهلنا ربنا ماشقى حنكا ضيعه فتاكدوا وحرص على السلام بالاحضان معهم ووقف فترة 6 ساعات حتى غادروا الى السودان وانفك اسرهم.
صديقى هذا عاد للسودان والان يقدم لاطروحته فى حقوق الانسان فى بلد اروبى كبير ومصصصم على اهدائها للدكتور امين مكى مدنى ويقول انه دخل لبنان من باب ذهابه للسياحة ووجد نفسه فى السجن بسبب مخالفة صغيرة وعليه دفع غرامة لايملكها ولولا الدكتور لبقى فى السجن الى الابد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: Dia)
|
الاخ / مهندس هشام
تحياتى ،،،، كنت متابعك بصمت ،، ودون تعليق ،، وحقيقه مرات التعليق
يفسيد لحظه ما عند المتابعه على العموم ما دعانى للافساد هذة المتابعه هو
حديثك عن الفترة الديمقراطيه وعدم مقدرتها لحل مشاكل المواطن السودانى هو
تسائل مشروع لكن المفروض أن يكون هنالك سؤال قبله وهو هل فترة الحكم فترة
كافيه لحل تراكم مشاكل المواطن السودانى الموروثه من العهد الدكتاتورى الذى
قبلها ؟
على فكرة كلا النظامين ( نميرى + الانقاذ) لهما نفس المبررات بعدم مقدرة النظام
الديمقراطى واحياناً يقولون حكومه الصادق على حل مشاكل المواطن ، دون النظر لفترة
الحكم أو الى تراكم المشاكل والوياتها، فى حين أن النميرى لم يتمكن من حل ولا مشكله
واحدة من مشاكل المواطن للاسف عمقها وزادها ، كذلك حكومه الانقاذ وهذه اضافه الى
مشاكل الاكل والشرب والعلاج والتعليم جعلت كل السودان عند مفترق طرق .
مجمل تعليقى يا اخى اتمنى ان لا نسوق لمبررات الانظمه الفاسدة التى تسطو على حريه
الشعب بدواعى حل مشكله المواطن السودانى المغلوب على أمرة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
الاخ ضياء
شكرا لك على ما اوردت بخصوص ما فعله امين مكى مدنى بحق السودانيين المحتجزين بلبنان. ود. امين من الشخصيات النادرة على مستوى النزاهة و الامانة و الشهامة فكما قلت ما يفعله خدمة للمواطن السودانى فى وقت تقاعست فيه الحكومة عن اوجب واجباتها ليس بغريب عليه. له التحية اينما حل فهو و امثاله من يعطينا القدرة على التفاؤل ان السودان بخير.
كمال المبارك
يبدو انك لا تعرفنى و لا تتابع ما اكتب. قولتى المشهورة وسط اصدقائى ان" اسوأ نظام ديمقراطى افضل من اى حكم ديكتاتورى" و لكننا يا أخى لا ندفن رؤوسنا فى الرمال. يجب علينا تفعيل النقد الذاتى مساهمة منا فى توضيح ما كان سببا فى وآد الديمقراطية بواسطة اعدائهاو لى عودة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
الأخ مبارك تحدث كما تحدث الكثيرون أن الديمقراطية لم تعطى فرصة لإثبات رجاحتها كما يقول السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة و رئيس آخر حكومة منتخبة ولكن الناظر للأمر بعين من النقد المسئول لا بد له أن يعرف أن قصر المدة ليس وحده سببا. السبب الرئيسى هو تلكؤا الحكومات عن تحقيق انجازات بعينها كان يتوق لها الشعب السودانى. الشعب السودانى كان يريد حكومات قوية تسعى لتغيير واقعه بجدية ولكن أن تظل الحكومة الديمقراطية مدة ثلاثة سنوات محلك سر هذا ما لا يمكن قبوله. لهذا السبب عندما تقع الانقلابات العسكرية لا تجد الديمقراطية من يدافع عنها سوى الملتزين سياسيا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
Dear Hisham, I know Dr. Amin Maki. He was professor in the Law Faculty in Khartoum University in the seventies and friend. We worked together during the Intifida 1985. I do not think that if you have not met Dr. Amin, you will never meet a character so admirable and brave as him. I recently learned he has retired from the UN and is back to Khartoum. I wish him well from afar. If you have his electronic address, I will be thankful to have it. Regards
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: charles deng)
|
عزيزي هشام لعل أكثر ما آلمني في تجربتك المحزنة حزن وطن بأكمله قولك: [عند خروجي من المعتقل في العام مايو1991 وجدته معتل الصحة فقمت بإرساله لأخوتي بدولة الإمارات ولم أره ثانية حتى وفاته في يناير من العام 1992 و خلف هذا في جرحا لا يبرأ فقد كان لي العديد من المشاريع التي لم تكتمل معه]. مثل هذا البوست المكتوب بشكل دقيق، وبذاكرة لا تصدأ، يساعد كثيرا في إبقاء ذاكرتنا يقظة جدا. ويفتح الباب واسعا لكل الذين تجرعوا مرارات الظلم والإهانة على يدي الإسلاميين. أي بيت يا صديقي لم تؤذه الإنقاذ، وأية أسرة سلمت من البلوى. شكرا لك على هذا التوثيق المهم، فنحن نريد لأبنائنا أن يعرفوا "مهر الحرية"، ونريد لذاكرتنا ألا تنسى أبدا أبدا وجوه السجانين والقتلة. وربما يغريني سردك هذا على توثيق تجربة "تهديد علني بالقتل" من خلال بيانات وندوات، تعرضت لها في 1998 أثناء دراستي بجامعة الخرطوم، ودعوة كل سوداني وسودانية لتوثيق تجاربهم خلال حكم الإنقاذ.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
شكرا الأخ شارلز دينق على الكلمات الجميلة بحق د. امين مكى مدنى وهو بالحق شخصية نادرة لا يختلف على حبها أثنان ولا يمكن لأمثال د. امين مكى مدنى أن يسجنوا إلا فى عهد مثل عهد الإنقاذ فهو يمثل نقيض لشخصياتهم التى فسدت و تقيحت من الداخل فتقيأت نتاج فسادها على الناس. للأسف لا اعرف عنوان د. امين ولكنى إعدك بالبحث عنه وإرساله لك بالمسنجر حال حصولى عليه.
الاخ خالد عويس
مرحب بك ضمن قراء ومتابعى هذا البوست و قد أعجبتنى كلماتك لأنك لمست الغرض الاساسى الذى من أجله كتبت هذا البوست.
لك الود والتحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
ظلت أخبار الخرطوم تتواتر وهى تحمل بشارة المقاومة البطولية للنظام من قبل التجمع والقمع الوحشي و الشرس من قبل حكومة الإنقاذ. وسط هذا الجو المشحون استلمنانسخة من الميثاق الذي وقعته الأحزاب المعارضة والتجمع النقابي في نهاية أكتوبر من نفس العام إيذانا بتكوين التجمع الوطني الديمقراطي.
زاد من توتر الجو داخل المعتقل الأخبار التي وصلتنا من سجن سواكن عن الأوضاع الإنسانية المزرية التي يعيش فيها المعتقلون الذين رحلوا إلى هناك و قد كتب هؤلاء المعتقلين عدة شكاوى لسلطات السجون عن رداءة الأحوال الصحية و المعيشية داخل السجن و خاصة النقص الكبير في مياه الشرب. نتج عن هذا الوضع إصابة عدد من المعتقلين بأمراض مختلفة.
الصحيفتان اللتان كانت تصدران في تلك الأيام و كنا نحرص على مطالعتهما يوميا وهما صحيفتي الإنقاذ الوطني و السودان الحديث لأنه لا يوجد غيرهما، نقلتا إصابة الأستاذ كمال الجزولى بمرض الجرب ( الاستاذ كمال كان اصيب بحساسية جلدية وليس مرض الجرب كما ذكرت الصحيفة). وقد كتب الصحفي محمد طه محمد أحمد مقالا عن هذا الموضوع مستهجنا فيه الضغط الذي كانت تمارسه منظمات حقوق الإنسان العالمية و قال ما معناه إن مجرد أن كمال الجزولى حي حاليا أصيب بالجرب أو لم يصب فهذا كرم من حكومة الإنقاذ. والذي يعنيه محمد طه محمد أحمد أن الحكومة كانت كريمة باحتفاظها بمعتقلين كان من الممكن أن تصفيهم و لا يسألها أحد. وكنا نستغرب من هذه المقالات التي تحرض الدولة على معتقلين مدنيين يقبعون داخل السجون ولا يشكلون خطرا آنيا على النظام. كاتب آخر كان يمثل كل ما يعنيه التطرف من قبح وهو الكاتب اسحق فضل الله الذي كان يعمل فنيا بمصلحة الطرق والكباري وصار من كبار الكتاب بعد الإنقاذ. اسحق فضل الله هذا كان يكتب باستمرار محرضا الحكومة على الضرب بيد من حديد على معارضيها و يستغرب أيضا من اللين الذي تبديه الحكومة باحتفاظها بمعارضين في السجون. كانت هذه المقالات تقلقنا ولكنها في نفس الوقت تزيدنا تصميما و توحدنا داخل المعتقل في مجابهة أي خطر قد يأتي من الخارج.
تشاورنا ما بيننا حول موضوع معتقلي سواكن و قررنا تكليف ممثلينا لدى الإدارة بالاجتماع مع العميد حسين مدني قائد السجن لمحاولة التدخل عند سلطات سجن سواكن لتحسين ظروفهم داخل المعتقل أو ترحيلهم لسجن بورسودان. تم اللقاء وقد وعد العميد حسين خيرا حول هذا الموضوع الشئ الذى اشعرنا ببعض الارتياح.
حدث مهم لا بد من روايته ففي أحد الأيام ابلغنا العميد حسين أن حاكم الإقليم الشرقي اللواء يوسف بشير سراج سوف يزور المعتقلين صباح اليوم التالي و اللواء يوسف بشير سراج هو أبن عم الدكتور محمد عثمان سراج زميلنا في المعتقل. وكان اللواء يوسف قد عين حاكما للإقليم الشرقي في أعقاب إقصاء الحاكم العسكري الذي عينته الإنقاذ عقب استلامها للحكم. وكان سبب الإقصاء إن الحاكم صرف ببذخ على تأثيث بيته و منزله!!! و ارتفعت التهليلات حينها و لوكت شعارات طهارة اليد في كل وسائل الأعلام. الرجل الذي كان عسكريا مشهودا له بالكفاءة ولم يكن عضوا بالتنظيم تم اختياره بصورة اعتباطية من قبل العقول المدبرة الشريرة لكي يذبح أمام الجميع قربانا لطهارة مزعومة أثبتت القادمات من الأيام أنها أصلا كانت مفقودة.
السيد اللواء يوسف سراج كان قد حضر للسجن قبلها و طلب مقابلة الدكتور سراج في مكتب العميد ولكن الدكتور سراج رفض مقابلته و أرسل له رسالة مع العميد يقول فيها أنه يعتذر عن مقابلته بصورة فردية بسبب كونه حاكما يمثل النظام و أخبره أن أراد أن يقابله فيجب عليه مقابلة كل المعتقلين بقسم المعاملة الخاصة وقد كان.
دخل علينا حاكم الإقليم الشرقي وتحدث إلينا و استمع على ممثلنا الدكتور أمين مكي مدني الذي ابلغه رسالة شفهية للسلطات بإطلاق سراحنا فورا أو التحقيق معنا ومحاكمتنا إذا كانت هناك تهما محددة.
تحدث اللواء و قال أن ما يحدث لهو إجراء احترازي لحماية الثورة الوليدة و ضمان أمن البلاد و قال أنه قريب سوف يطلق سراحنا حالما تطمئن الدولة على استتباب الأمن.
الدكتور سراج لم يتحدث قط للحاكم بصورة شخصية بل كان جالسا ضمن المعتقلين و سلم على الحاكم كما سلمنا عليه وودعه كما ودعناه و كان هذا أمرا مدهشا بالنسبة للجميع و قد حاولنا حمل الدكتور سراج على الخروج معه ولقاءه منفردا وترك هذا التشدد فالرجل في النهاية أبن عمه وهو حسب ما قاله لنا د. سراج نفسه رجل مستقيم ومتدين و لكنه ليس عضوا في تنظيم الجبهة الإسلامية وإنما أختاره البشير لأسباب شخصية وربما عسكرية. باءت محاولاتنا بالفشل و رفض د. سراج رفضا قاطعا الخروج معه وقائلا: " طالما انه يلبس هذه البذلة العسكرية ويمثل النظام كحاكم لن التقى به شخصيا مطلقا."
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
السيد اللواء يوسف بشير سراج استغنت عنه الانقاذ بسرعة بعد ذلك دون أن يعرف السبب وقد قيل له أن السبب هو تلك الزيارة ولكنى اعتقد أن السبب أن يوسف وغيره من غير المنتمين للتنظيم غستعملوا لدعم كذبة قومية الانقلاب وتمريرهاعلى الجيش السودانى وتم الاستغناء عنهم عندما تم تخطى هذه المرحلة. اللواء يوسف الآن يعمل كإمام لمسجد قرب داره و يقتات من ريع دجاج يربيه فى منزله.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
شكرا ابو الزفت على السؤال و الاهتمام
كل مافى الموضوع ضغط العمل كان كبير فى الاسبوعين اللى فاتو. شئ أخر شغلنى وهو موضوع التخلص من مياه مجارى محطة اللاماب فى النيل الابيض و كان لابد لى من اثارته و تنبيه الناس للخطر الداهم على ضحتهم.
اعدك بمواصلة الحكاية بدأ من الاثنين القادم لنو من بكرة ولغاية الاخد سوف اكون انشاء الله بدولة قطر. لك التحية
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بمناسبة مرور 16 عاما – قصة اعتقالي فى ليلة 29/9/1989 (Re: هشام المجمر)
|
عقب زيارة اللواء يوسف عاد المعتقل لإيقاع الحياة اليومي العادي. لكن بعد ايام من هذا الحدث تم اعتقال المزيد من أبناء بورسودان . كان الاعتقال هذه المرة يغلب عليه طابع العرقية. فجل المعتقلين الجدد كانوا من أبناء البجة وكان من ضمنهم آخر محافظي بورسودان في العهد الديمقراطي وكان يمثل الحزب الاتحادي الديمقراطي والذي كان له نفوذ واسع وسط أبناء القبائل البجاوية.
لم نستطع أن نعرف على نحو التحديد سبب اعتقالهم . إذ لم تكن هناك حركة واضحة في ذلك الوقت تنتظم هذه القبائل لمعارضة حكومة الإنقاذ ولكن يبدو ان الجو الذى كان مشحونا بالتوتر بسبب صدام الحكومة مع التجمع النقابي و شعور القابضين على السلطة بالخطر في ظل تنامي الجو العدائى بين الجماهير بسبب ذيوع سيط الانتهاكات المرعبة التي اقترفتها الأجهزة الأمنية بحق المدنيين المعارضين لنظام الحكم الجديد.
كان بعض هؤلاء المعتقلين ينتمي لبيوتات كبيرة وسط هذه القبائل ولكنك لا تحس عند الحديث معه عن رؤية واضحة أو فكر معارض قوى بل أن بعضهم كان يجأر للشكوى لاعتقاله بدون سبب و يعتبر أن ما تم كان بسبب وشاية قام بها بعض أعدائه. في نفس الوقت كان هناك العديد من شباب البجة الذين تحس وأنت تتحدث معهم بأن النار تأكل أحشاءهم و باستعدادهم لفعل أي شئ يخلصهم ويخلص الشعب السوداني من هؤلاء الحكام الظلمة.
بسبب زيادة عدد المعتقلين تم فتح الحوش المجاور لنا وهو حوش به جزأين منفصلين يحتوى كل جزء على غرفة كبيرة ولكن له مدخل واحد وليس به مطبخ فكان الطبخ يتم عندنا ثم ينادى على الحرس من الخارج لفتح الباب عند كل وجبة و فتحه مرة أخرى لإعادة الأواني وكان هذا مزعجا لنا وللحرس وللذين يخدمونا . سمح لنا العميد حسين بإبقاء الأبواب مفتوحة بين القسمين على مدار ال24 ساعة و كان هذا سببا في توطيد معرفتنا بالقادمين الجدد و مشاركتهم في كل البرامج التي نقيمها و ابرزها ندوة الثلاثاء الفكرية والأدبية وسهرة الخميس الترفيهية.
ساهم وجود هذا العدد الكبير من أبناء البجة بقبائلهم المختلفة في اقترابنا وتعرفنا أكثر بالثقافة البجاوية وخاصة الشعبية منها فما عرفناه من د. ابوآمنه كان سردا عاما للتاريخ البجاوى ولكن هؤلاء قدموا لنا فرصة لا تعوض في النظر بعمق للشعب البجاوى والحياة البجاوية الشعبية. في هذه الأيام تناولت للمرة الأولى لبن النوق والذي كان يأتينا من اسر هؤلاء المعتقلين كل صباح في ( بستلات) من الألمونيوم عقب حلبه مباشرة و يشرب هكذا دون أن يعرض للغلي بواسطة النار.
ليالي السمر الخميسية أصبحت ممتعة في وجود المعتقلين الجدد فقد أضافوا إليها زخما جديدا بدأ من القصص البجاوية مرورا بالغناء ووصولا للنكات والحكاوي الطريفة فالبجاويون يمتلكون حسا فكاهيا رفيعا كما لهم سرعة بديهة يحسدون عليها.
حادثتان حدثتا في تلكم الأيام و ظلتا مطبوعتين بل محفورتين في ذهني للآن :أولاهما منظر رأيته عندما خرجت ذات صباح مع السر باشاب لاستلام التفريدة اليومية من المتعهد. واستلام التفريدة، المواد الغذائية اليومية، يأخذ بعض الوقت نسبة لأن اغلب هذه المواد يتم وزنه بالميزان الكبير الموضوع فى وسط الحوش الخارجى قبل استلامه بواسطتنا.
في ذلك الصباح طلبت من السر باشاب مرافقته وخرجنا من الباب الكبير للسجن برفقة حرسن،السجان سانتينو. فجأة سمعنا خلفنا صراخ و عويل ورأيت مشهدا لم أكن أتوقع رؤيته في حياتي: عسكر السجن يجرجرون شيخا عجوزا بالقوة من داخل السجن إلى خارجه والشيخ يبكى ويصرخ رافضا الخروج. على صوت الصراخ جاء الضباط و أخذوا يتحدثون مع الرجل الذي ظل يبكى باستمرار وتم أخذه للمكتب لتهدئته و الحديث معه. سألنا حارسناسانتينو والذي كان قد ذهب لمساعدة الحرس الذين كانوا يجرون الرجل العجوز عن ماذا يحدث. قال لنا بلغته العربية المكسرة اللطيفة: "والله دنيا دي أجيبة . زول ده مرقو من سجن عشان مدة بتاعو انتهى بس هو ما داير يمشى".
" زول ده ليهو 16 سنة جوة السجن وكل الناس البعرفهم هنا. هو بيقول ما عندو أولاد وما عندو أهل و ما عند قروش وين يمشى ويأكل شنو وينوم وين؟"
في لحظات مثل هذه تحس بمدى ورطة هذا الوطن و ينتابك الحزن العميق لما آل له هذا الرجل الذي تجاوز سنه السبعين كما علمت من سانتينو لاحقا.
عندما حكينا هذه الحكاية بالداخل وتحمس المعتقلون لمد يد المساعدة له وجدناه قد ذهب لوجهة غير معروفة بعد أن أقنعه الضباط بعدم إمكانية إرجاعه للسجن وهو مطلق السراح و جمعوا له بعض المال فيما بينهم فأخذه وخرج.
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
|